الأغلبية الصامتة١

هذه المرأة جاءت إلى مكتبي يوم السبت الماضي بعد نشر مقالي في العدد السابق من «المصور» تحت عنوان «كرامة المرأة والختان»، ومنذ نشر هذا المقال لم يتوقف رنين الجرس في بيتي ومكتبي، أصوات نساء ورجال وشباب وأطفال تأتيني عبر أسلاك التليفون. مجموعة مكبوتة مخنوقة لم تتعود الإفصاح عن آلامها وأوجاعها، أصوات فُرض عليها الصمت منذ أن وُلدَت حتى تموت، لم تجد الفرصة لأن تتكلم، وإن جاءتها الفرصة تسربت منها الشجاعة.

الشجاعة في التعبير عن النفس هي الخطوة الأولى نحو تحرير العقل من الخرافات تحت اسم العلم أو الأدب أو الأخلاق.

لقد توارثنا الكثير من اللاعلم تحت اسم العلم، والكثير من اللاأدب تحت اسم الأدب، والكثير من اللاأخلاق تحت اسم الأخلاق، والكثير من اللاعقل تحت اسم العقل.

اللاعقل هو عجز المرأة أو الرجل عن الإفادة من عقله أو عقلها دون الاعتماد على الآخرين. كوني شجاعة في إعمال عقلك، هذا هو الشعار الإنساني العالمي لدخول القرن الحادي والعشرين. إعمال العقل يحتاج إلى الحرية. إنها الحرية الإنسانية الممنوحة للبشر في جميع العقائد والأديان، خاصةً الإسلام، الذي يقوم على العقل أساسًا، وعلى الاجتهاد الفكري في كل مسألة، وعلى المسئولية الشخصية للفرد الرجل أو المرأة دون وسطاء من الكهنة أو رجال الدين. الإسلام ليس فيه كهنوت، وكل امرأة وكل رجل مسئول عن أعماله وأفكاره وليس رجل الدين.

هذه المسئولية الشخصية تفرض على كل إنسان (امرأةً أو رجلًا) أن يُعمِل عقله في قضايا حياته العامة والخاصة، إنها مسئولية المرأة والرجل على حد سواء؛ فالمرأة لها عقلها كالرجل لا تنقص منه خلية واحدة ولا نصف خلية، وواجب النساء إعمال عقولهن في كل مسألة، ومنها مسألة الختان.

ومن العبث عدم التشكك في أي عادة موروثة مناقضة للعقل مثل عادة الختان أو عادة الإخصاء أو عادة خرم الآذان أو خرم الأنوف وغيرها من العمليات الجراحية التي كان الأسياد يشوهون بها أجساد عبيدهم ونسائهم من أجل إخضاعهم.

إن التشكك في الأفكار والعادات الموروثة عنصر مهم في البحث العلمي وبناء العقل النقدي الذي فشل النظام التعليمي والإعلامي في تكوينه، رغم أن العقل النقدي هو السلاح الذي ندخل به القرن الحادي والعشرين.

لقد كنت أنوي التوقف عن الكتابة في قضية الختان؛ هذا الموضوع الشائك الذي جرَّ عليَّ من المشاكل ما لا يُعَد ولا يُحصى، لولا هذه الأصوات التي اخترقت جدران بيتي ومكتبي، خاصةً صوت المرأة الذي انتزعني من مشاغلي كلها وفرض عليَّ السماع، وكان لا بد لي أن ألتقي بها لأراها وجهًا لوجه. وجاءت هذه السيدة الشابة العجوز ومعها زوجها الطبيب الذي تخصص في أمراض النساء والولادة، كلاهما في الأربعين من العمر، إلا أن الزوج يبدو شابًّا مرحًا متورد الوجه، والزوجة شاحبة حزينة تزحف التجاعيد إلى وجهها رغم الشعلة المتأججة في عينيها السوداوين تكشف عن النهم للحياة المسلوبة والأمل المكلوم.

قالت الزوجة: قرأت مقالك يا دكتورة وعندي كلام كثير عاوزة أقوله عن الختان، دي جناية يا دكتورة، أهلي جنوا عليَّ، ربنا يجازيهم، طبعًا جوزي الدكتور مش موافقني على الكلام ده ويقول لي إنتي متعرفيش حاجة.

لم يكن زوجها الطبيب قد درس شيئًا عن الختان في كلية الطب، لم يقرأ في أي كتاب طبي باللغة الإنجليزية أو العربية كلمة واحدة عن هذه العملية الجراحية التي تُجرى لأكثر من ٩٢٪ من البنات والنساء في مصر. لم يرَ صورة العضو الأنثوي (البظر) في أي كتاب علمي (إلا بعض الصور في المجلات الخليعة «البورنو» الأجنبية)، لم يرَه في جثة بالمشرحة حين كان طالبًا بالكلية، ولم يرَه في امرأة مريضة فحصها في عيادة أو في مستشفى، وحين رآه لأول مرة في حياته (حين فحص بالمصادفة امرأة غير مختنة) تصوره ورمًا غير طبيعي. هذا الطبيب أخصائي أمراض النساء يجهل أجساد النساء. هو لا يكذب حين يقول إنه لا يعرف شيئًا عن هذا العضو المبتور، وكيف يعرفه إذا كان غير موجود إلا في الأطفال البنات قبل الختان تحت سن الثامنة أو التاسعة من العمر؟ وكيف يعرفه إذا كانت الدراسة في كليات الطب في مصر لا تهتم بتدريس وظيفة هذا العضو الأنثوي غير المحترم في التقاليد الشرقية أو الغربية على حد سواء.

هذا العضو لا ينتمي إلى علم الطب المحترم، إنه ينتمي (في أحسن الحالات) إلى علم جديد مستحدث اسمه «علم الجنس» (السكسولوجي) وهو علم يكاد يكون غير شرعي، لا يمكن أن يدخل إلى صميم علم الطب، أو مهنة الأطباء المقدسة، التي انحدرت في التاريخ البشري من مهنة الكهنة وخُدام الكنيسة، ثم انفصل الطب عن الدين وأصبح يقوم على التجربة والاستنتاج العقلي أكثر مما يقوم على التعاليم المحفوظة عن الأسلاف أو العلاج بالماء المقدس والنصوص الدينية. في بعض كليات الطب الحديثة (وما بعد الحديثة) دخل علم الجنس (السكسولوجي) كجزء من علم الطب النفسي الاجتماعي، وبدأ مفهوم الصحة الجسمية والنفسية يتسع ليشمل الصحة الاجتماعية، يعني خلو المجتمع أو البيئة من الأمراض المادية والثقافية التي تؤدي إلى الأمراض الجسمية والنفسية للفرد أو الجماعات.

أصبحت كلمة «البيئة» من الكلمات المهمة، وسوف تزداد أهميتها أكثر وأكثر بدخولنا القرن الحادي والعشرين. أصبح للبيئة مؤتمرات دولية، ووزارات محلية يرأسها وزراء رجال أو نساء، وفي بلادنا أصبحت عندنا وزارة خاصة للبيئة، يدخل ضمن مسئوليتها اقتلاع العادات البيئية الضارة بالنساء والرجال، ومنها عادة الختان، وعادات أخرى متعددة.

لا يزال التعليم الطبي في بلادنا في حاجة إلى تطوير بحيث نعطي مزيدًا من الاحترام للطب الوقائي والصحة العامة والثقافة الصحية. إن ٩٠٪ من أمراضنا العضوية وغير العضوية، على رأسها البلهارسيا، يمكن القضاء عليها بالثقافة الصحية فقط دون حاجة إلى الأدوية والعقاقير أو بناء المستشفيات أو إبادة القواقع من الترع أو استيراد الأجهزة الطبية من الخارج.

وبالمثل يمكن القضاء على ٩٥٪ من تعاسة الزوجات واكتئابهن (وتعاسة الأزواج واكتئابهم) بالوعي الثقافي ورفع الحجاب عن العقول، إلا أن التعليم الطبي في بلادنا مثل التعليم العام يصيبه من التقدم أو من التأخر ما يصيب المجتمع كله. لم أندهش حين اكتشفت أن الطبيب زوج السيدة لا يعرف شيئًا عن أهمية العضو الأنثوي (البظر) في جسد زوجته، وأن معلوماته عن ختان الإناث لا تزيد على معلومات رجل عادي يجلس إلى التليفزيون ويستمع إلى رأي المشايخ في مثل هذه الأمور.

– يا دكتور موضوع الختان يتعلق بالصحة مجاله الطب وليس الدين.

إلا أن الزوج الطبيب لم يكن يستمع إليَّ، لقد جاء مع زوجته ليحميها من أفكاري، هكذا قالت لي الزوجة بعد أن انصرف زوجها، فالزوجة غير المختنة من الصعب السيطرة عليها، فكرة خاطئة في أذهان الرجال.

– أصله عاش عشر سنين في الخليج ورجع يا دكتورة ضد خروج المرأة من البيت وإن خرجت تلبس العباية، مع أن المرحومة أمه كانت ناظرة مدرسة في كفر الشيخ، وهي اللي صرفت عليه وعلمته في كلية الطب عندما تزوج والده على أمه واحدة أصغر منه بعشرين سنة.

لم يكن للزوجة أن تنطق هذه الكلمات إلا في غياب زوجها. لم يكن لها أن تتكلم في وجوده. ترمقه بعينيها وهو يتكلم نيابةً عنها ثم ترمقني، عيناها مملوءتان بنظرة استجداء صامتة صارخة، أقرأ ما في عينيها، فقد رأيت هاتين العينين مرات كثيرة من قبل، منذ اشتغلت طبيبة في المدن والريف منذ أربعين عامًا.

لم تكف هذه النظرة الصامتة المستجدية المستنجدة عن ملاحقتي في النوم واليقظة طوال حياتي.

الزوجة في الأربعين من عمرها لا تكاد تتجاوزها، ترتدي ثوبًا قاتم اللون وطرحة سوداء حول رأسها كالمرأة العجوز، عيناها واسعتان يطل منهما الحزن والألم، وأحيانًا الأمل المحبوس كالجمرة تحت الرماد، كالحيوان الأسير وراء القضبان.

– تسمح يا دكتور تنتظر برة شوية عشان أسمعها.

– هو وجودي يمنعها من الكلام يا دكتورة؟

– أيوة.

– أنا زوجها، دكتور كمان، ومن حقي أكون موجود.

– لا يا دكتور، مش من حقك تكون موجود، من حقها إنها تتكلم من غير رقيب عليها.

استطعت أن أخرجه من الغرفة رغم تمسكه بالبقاء، كان يعتبر نفسه وصيًّا على زوجته حتى في التعبير عن آلامها؛ فهي في نظره امرأة ناقصة عقل عاجزة عن التعبير عن نفسها وهو يعرفها أكثر مما تعرف هي نفسها.

ما إن خرج الزوج حتى تنفست الزوجة الصعداء، فكت الطرحة السوداء عن رأسها، وانفكت عقدة لسانها …

«أبويا حطم حياتي يا دكتورة، خرجني من المدرسة عشان يجوزني، وكان أملي أكون دكتورة، كنت شاطرة في المدرسة وكان عندي أمل كبير، لكن أكبر جناية عملوها فيَّ أهلي هي العملية دي، كان عمري عشر سنين ولما بلغت قالت أمي: لازم نطاهرك. كان يوم أسود يا دكتورة، جت الداية وكتفوني زي الفرخة اللي حيدبحوها، وأمي قالت: عشان تبقي حلوة في عين جوزك. من يومها كرهت حاجة اسمها جواز، جبت ثلاثة عيال لولاهم كنت أنا انتحرت، كنت كبيت على نفسي صفيحة جاز وولعت في نفسي يا دكتورة، لكن أقول لنفسي: والعيال الثلاثة مين يراعيهم بعد موت أمهم؟ أبوهم مش شايف إلا نفسه، بعد ما أموت حيروح يتجوز عروسة جديدة تهين أولادي وتعذبهم زي أي مرات أب.»

– قوليلي بالضبط إيه اللي تاعبك؟

– كل جسمي تاعبني يا دكتورة، كل جسمي مليان أوجاع، لكن أكثر حاجة تاعباني الصداع، عندي صداع زي السكينة يشق رأسي نصفين.

بالفحص الطبي كانت المرأة سليمة الجسم بلا أمراض عضوية ظاهرة، فالمرض هنا كامن في الجسد والعقل والروح، المرض كامن في الذاكرة منذ كانت في العاشرة من العمر، منذ ذلك اليوم الذي تقول عنه «اليوم الأسود».

– دبحوني يا دكتورة زي ما يدبحوا الفرخة والجرح فضل ينزف شهر أو شهرين، وبعد النزيف فضل الجرح ينقح عليَّ، وبعد الجرح ما خف فضل الألم لا يمكن يروح، زي سلك الكهربا العريان. بقيت أكره جسمي وأكره حاجة اسمها جنس، طبعًا جوزي مش فاهم حاجة كل همه يشبع رغبته هو، لا يمكن يحس بي ولا يمكن أنطق وأقوله إني مش طايقة يقرب مني، عشان الألم في جسمي زي النار.

وأكثر حاجة تاعباني لازم أكذب على جوزي وأقوله إني مبسوطة أوي معاه، لازم أعمل التمثيلية دي كل ليلة وإلا يغضب مني، وأخاف يطلقني، وإذا طلقني أروح فين يا دكتورة؟!

كنت أستمع إليها وهي تحكي، أعرف ما تحكيه، سمعته من مئات النساء من قبل، هذه الحالة تُسمى في الطب النفسي أو في علم الجنس «البرود الجنسي مع الالتهاب العاطفي»، هذا التناقض تعانيه أغلب النساء المختنات، فالختان يسلب المرأة القدرة الجنسية لكنه لا يسلبها الرغبة الجنسية، فهذه الرغبة تنبع من خلايا المخ، من مركز الإثارة في العقل، ولا يمكن لهذه الرغبة الطبيعية في الجنس أن تزول إلا بزوال هذه الخلايا في الرأس.

الختان أو الحرمان من العضو الجنسي عند المرأة يؤدي إلى حرمان المرأة من الإشباع الضروري الطبيعي؛ وبالتالي يدفعها دائمًا إلى السعي للحصول على هذا الإشباع دون جدوى، هذا هو «المستحيل» الذي تبحث عنه المرأة وتظن أنه الحب؛ فهي تعيش حالة من التأجج العاطفي الدائم غير القابل للإطفاء، الإثارة الدائمة مع الحرمان الدائم؛ مما يسبب لكثير من النساء الصداع المزمن المجهول السبب والعلاج، الاكتئاب المزمن المجهول السبب والعلاج، الحزن بلا سبب واضح، وكراهية الجنس رغم التأجج الجنسي الدائم.

هذه واحدة من المضاعفات النفسية بسبب الختان. الصدمة النفسية في الطفولة لا تضيع من الذاكرة، تربط المرأة طوال حياتها بين الجنس والألم، تكره الرجال في أعماقها لكنها تكتم الكراهية، تكره الزواج لكنها تسعى إليه، يفرض عليها المجتمع أن تتزوج وإلا أصبحت «عانسًا»، والعانس كلمة مرعبة للنساء، تعني فقدان الأنوثة أو الجاذبية للرجال.

لا بد أن تثبت المرأة للمجتمع أنها أنثى مائة في المائة رغم أنها مسلوبة الأنوثة، مبتورة الأنوثة جسديًّا ونفسيًّا، لكنها اجتماعيًّا يجب أن تتزوج وأن تكون أنثى كاملة مع زوجها، وهي عاجزة عن ذلك تمامًا، وهي كثيرًا ما تخفي عجزها بكمية كبيرة من مساحيق التجميل أو حركات كثيرة من الدلال الأنثوي الصناعي، أو الكعب العالي الذي تتمايل فوقه وهي تمشي، أو نظرات الحب والشبق تطلقها من عينيها، أو النهم في حب لا يتحقق، أو النهم في الأكل والشرب، أو النهم في العمل المستمر كالساقية تدور دون أن تفكر، أو النهم في جمع المال، أو ولادة الأطفال، أو تجميع الجواهر والتحف النادرة، أو جنون الاستهلاك وشراء الفساتين، أو جنون الاستعراض والظهور، أو جنون الاختفاء وراء الحجاب أو الخمار … إلخ إلخ إلخ.

كثير من الأدباء الرجال يكتبون عن غموض المرأة وعالمها المليء بالتناقضات غير المفهومة، وأنها تقول لأ وتعني بها نعم، والرجل منهم يدوخ في فهم المرأة، لا يعرف لماذا ترمقه بهذه العيون المشتعلة بالحب، فإذا ما بدأت الممارسة في الحقيقة والواقع وجدها باردة متبلدة متألمة متمنعة توشك أن تطرده بعيدًا عنها لولا الخجل والحياء.

التربية الخاطئة

تتربى المرأة منذ طفولتها على مفهوم خاطئ للأنوثة. هذه التربية الخاطئة ختان من نوع آخر يمكن أن نسميه «الختان التربوي» بالإضافة إلى الختان الآخر الجسدي.

تربط المرأة بين الأنوثة وغياب أعضائها الجنسية، تفصل بين ختان القلب وذكاء العقل، تتصور أنها ناقصة العقل كاملة الشعور والعاطفة والحنان.

تخفي ذكاءها لتكون أنثى مرغوبة، تتصنع الغباء والبلاهة والسذاجة لتنجح في حياتها الزوجية.

تتربى المرأة أيضًا على الخوف من جسمها الكامل وعقلها الكامل، تتعلم كيف تتزين من الخارج لتبدو بشرتها لامعة على حين أعماقها مظلمة منطفئة حزينة، تتربى على أن تبتسم بشفتيها وقلبها مليء بالحزن.

تروح المرأة ضحية هذه التربية والقيم المتناقضة، تتسرب إليها عبر البيت والمدرسة وأجهزة الإعلام.

أصبحتُ أمشي في الشارع فأرى البنات المحجبات يتمايلن في مشيتهن فوق كعوب عالية، وشفاههن مصبوغة بالروج الأحمر وحواجبهن منتوفة وعيونهن تطلق نظرات الإغراء.

حتى البنات الفقيرات في الريف، أصبحت الواحدة منهن تحرم نفسها من الطعام وتشتري بمصروفها أدوات زينة، خاصةً ذاك القلم «الروج» أو المسحوق الأبيض تخفي به بشرتها الشاحبة بالأنيميا وفقر الدم، أو الحذاء ذا الكعب العالي الرفيع تمشي به تتأرجح في حواري القرية المملوءة بالحفر والطين وأكوام السباخ، قد يلتوي الكعب العالي تحت جسمها أو ينكسر داخل حفرة لكنها تمشي مزهوة به وبأنوثتها المزيفة.

حتى أستاذات الجامعات في المدينة يقعن فريسة هذه الأنوثة الموهومة، ترتدي الواحدة منهن في أذنيها قرطًا ضخمًا بحجم الكرة الأرضية، وتخفي ملامحها الحقيقية تحت طبقة من المكياج مما يُسمى «حجاب ما بعد الحداثة» فما الفرق بين حجاب من المساحيق وحجاب من القماش؟! كلاهما يخفي الوجه الحقيقي للمرأة أو أنوثتها الحقيقية.

لكن أخطر حجاب هو حجاب العقل، الذي يعكس القيم ويشوه الحقائق، فيصبح بتر الأعضاء الأنثوية هو الأنوثة، وإخفاء لون البشرة الحقيقي هو الجمال، واعوجاج المشية هي الجاذبية، والأظافر الصناعية هي السحر، هكذا تنقلب المرأة إلى دمية تتباهى بنقصان عقلها واكتمال أنوثتها أو اكتمال حنانها أو أمومتها.

نحن في حاجة إلى برامج جديدة في التعليم والثقافة والإعلام من أجل القضاء على العادات القديمة الضارة، ومنها الختان، وتغيير مفاهيم الأنوثة المزيفة الموهومة وغيرها من المفاهيم الموروثة. إلا أن الاهتمام بالتعليم والثقافة والإعلام لا يعني تجاهل أثر القانون؛ فالقانون ضروري لحماية البنات والنساء من هذه العملية الخطيرة … القانون ضروري لمنع الجرائم، والختان جريمة ضد الطفولة البريئة وضد الأنوثة الصحيحة.

لقد آن الأوان لنرفع رءوسنا من الرمال ونواجه المشاكل التي يعيشها النساء والرجال والشباب والأطفال، هذه الأغلبية الصامتة المحرومة من التعبير عن آلامها وأوجاعها من حقها أن تنطق وأن نسمعها.

١  المصور، ٥ يوليو ١٩٩٧.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤