ملقى السبيل

بسم الله الرحمن الرحيم

أخبَرني بمَلْقَى السبيل هذه الشيخُ أبُو المظَفَّرِ سَعْدُ بنُ أحمد بن حماد المعري — رحمه الله — عن أبيه، عن أبي العلاء نَاظِمها، وكَتَبَ عبدُ الله بن عبد الرحمن العثماني.

قال الشيخ الإمامُ أبُو العَلاء أحمدُ بن عبد الله بن سُلَيمان المعري، رهين المحبسين:

الهمزة

كم يجني الرجل ويخطئ، ويَعْلَمُ أن حتفه لا يبطئ!

نظمه «مخلع البسيط»

إِنَّ الْأَنَامَ لَيُخْطِئُونَ
وَيَغْفِرُ الله الْخَطِيئَهْ
كَمْ يُبْطِئُونَ عَنِ الْجَمِيـ
ـلِ وَمَا مَنَايَاهمْ بَطِيئَهْ

الألف

ابن آدم في سَيْرٍ وسُرًى، يهجر بحرصه الكَرَى، وطَالما كَذَبَ وافترى، ليصل إلى خسيس القِرَى، وإنما يحصُلُ على الثَّرى، كأنه لا يسمع ولا يرى.

نظمه «سريع»

أَمَا يُفِيقُ الْمَرْءُ من سُكْرِهِ
مُجْتَهِدًا فِي سَيْرِهِ وَالسُّرَى
نِمْتَ عَنِ الْأُخْرَى فَلَمْ تَنْتَبِهْ
وَفِي سِوَى الدِّينِ هَجَرْتَ الْكَرَى
كَمْ قَائِلٍ رَاحَ إِلَى مَعْشَرٍ
أَبْطَلَ فِيمَا قَالَه وَافْتَرَى
عَلَى الْقِرَا يَحْمِلُ أَثْقَالَهُ
وَإِنَّمَا يَأْمُلُ نَزْرَ الْقِرَى
يَفْتَقِرُ الْحَيُّ وَيُثْرِي وَمَا
يَصِيرُ إِلَّا جَثْوَةً فِي الثَّرَى
اسْمَعْ فَهَذَا قَائِلٌ صَادِقٌ
أَرَاكَ عُقْبَاكَ فَهَلَّا تَرَى

الباء

يفتقر إلى الله الأربابُ، وبالكافر يحلُّ التَّباب، وتنقطع بالموت الأسباب، وفي الخالق تحارُ الألبابُ.

نظمه «رجز»

دَانَتْ لِرَبِّ الْفَلَكِ الْأَرْبَابُ
وَبِالْكَفُورِ يَلْحَقُ التَّبَابُ
كَمْ قُطِعَتْ لِمِيتَةٍ أَسْبَابُ
وَافْتَرَقَتْ بِرَغْمِها الْأَحْبَابُ

التاء

النفس تَصَرَّفَتْ وانصَرَفَتْ، والأعضَاءُ تَأَلَّفَتْ ثم تلفت، والأقضيةُ بحقٍّ هتفتْ، ما أَعْفِيَت المحلةُ لكن عَفَتْ، كم شفيت المُدَنَّفَةُ فما اشتفت.

نَظْمُه «مجزوء الرجز»

نَفْسُ الْفَتَى فِي دَهْرِهِ
تَصَرَّفَتْ وَانْصَرَفَتْ
تَأَلَّفَتْ أَعْضَاؤُهُ
وَافْتَرَقَتْ إِذْ تَلِفَتْ
أَقْضِيَةُ اللهِ دَعَتْ
فَأَسْمَعَتْ إِذْ هَتَفَتْ
مَا أُعْفِيَتْ دِيَارُهمْ
من الرَّزَايَا بَلْ عَفَتْ
كَمْ شُفِيَتْ مَرِيضَةٌ
من مَرَضٍ فَمَا اشْتَفَتْ

الثاء

من أَعْظَمِ الحَدَث، سُكنى الجدث.

نظمه «متقارب»

يَدُومُ الْقديمُ إِلَه السَّمَاءِ
وَيَفْنَى بِأَقْدَارِهِ مَا حَدَثْ
وَمَا أَرْغَبَ الْمَرْءِ فِي عَيْشِهِ!
وَلَكِنْ قُصَارَاه سُكْنَى الْجَدَثْ

الجيم

العَجَبُ بجاهل مُدَاجٍ، يَأْسَفُ لبين الأحداج، ويَعْصي الملك والليل داج، وما هو من الحتف بناج.

نظمه «مُخَلَّعُ البَسِيط»

يَا أَيُّها الْعَاقِلُ الْمُدَاجِي
وَلَيْلُه بِالسِّفَاهِ دَاجِي
كَأَنَّمَا عَيْنُه إِذَا مَا
تَحْمِلُ الْحَيَّ فِي زُجَاجِ
كَمْ أَعْمَلَ النَّاجِيَاتِ حِرْصًا
وَلَيْسَ من حَتْفِهِ بِنَاجِ!
رَجَا أمورًا فَلَمْ تُقَدَّرْ
وَكُلُّ مَنْ فِي الْحَيَاةِ رَاجِي

الحاء

إن ابن آدم لشحيحٌ، سوف يمرض من القوم صحيحٌ، تعصف بعقله ريحٌ، فإذا هو لقي طريحٌ، ثم يُحْفَر له ضريحٌ، إن ذلك لَهُوَ التبريحُ.

نظمه «مخلع البسيط»

يَا أَيُّها الْمُمْسِكُ الشَّحِيحُ
سَيَمْرَضُ السَّالِمُ الصَّحِيحُ
مَا لَكَ لَمْ تَنْتَفِعْ بِعَقْلٍ
هَلْ عَصَفَتْ بِالْعُقُولِ رِيحُ؟
إِنْ شُيِّدَ الْقَصْرُ فِي سُرُورٍ
فَبَعْدَه يُحْفَرُ الضَّرِيحُ
يَطْرَحُ الْهَمَّ بِالْمَنَايَا
مَنْ جِسْمُه فِي الثَّرَى طَرِيحُ

الخاء

بكى على الميت مُوَاخٍ، كان أجَلُه في تَرَاخٍ، فلتُنْهَ الصارخةُ عن الصراخ.

نظمه «مخلع البسيط»

فِي اللهِ آخَى فَتًى لَبِيبٌ
وَأَسْلَمَ الْهالِكُ الْمُوَاخِي
بَكَى عَلِيهِ فَهَلْ تَرَاهُ
فِي أَجَلٍ دَائِمِ التَّرَاخِي
اعْتَقِدِ الْحَقَّ وَاعْتَمِدْهُ
لَا تَزْرَعِ الْحَبَّ فِي السِّبَاخِ

الدال

أما بصرُك فحديدٌ، وأما ثوبُك فجديدٌ، وظلك بقضاء الله مديد، وحولك العدد والعديد، ولكنَّك سواك السديد، طرقك وعدٌ ووعيد، فهل تُبدئُ وهل تعيد، أم غَرْيُك، هو السعيد.

نظمه «وافر»

أَرَى مَلِكًا تَحُفُّ بِهِ مَوَالٍ
لَه نَظَرٌ إِلَى الدُّنْيَا حَدِيدُ
ضَفَا بُرْدُ الشَّبَابِ عَلَيْهِ حَتَّى
مَضَتْ حِقَبٌ وَمَلْبَسُه جَدِيدُ
يَزُولُ الْقَيْظُ فِي صَيْفٍ وَمَشْتًى
وَيَسْتُرُ شَخْصَه ظِلٌّ مَدِيدُ
وَفَتْ عِدَدٌ لَدَيْهِ فَمن دُرُوعٍ
وَأَسْيَافٍ يَنُوءُ بِها عَدِيدُ
وَكان السَّعْدُ صَاحِبَه زَمَانًا
وَلَكِنْ طَالَمَا شَقِيَ السَّعِيدُ
بَدَا شَخْصُ الْمَنُونِ لِنَاظِرَيْهِ
وَقِيلَ لَه أَتُبْدِي أَمْ تُعِيدُ
تَصَعَّدَ فِي الْمَرَاتِبِ غَيْرَ وَانٍ
وَأَحْرَزَه عَلَى الرَّغْمِ الصَّعِيدُ
تَفَرَّقَتِ الْجُيُودُ فَمَا حَمَتْهُ
وَأُبْطِلَتِ الْمَوَاعِدُ وَالْوَعِيدُ

الذال

أمَّا العيش الناعم فيَلَذُّ، ولكن سببه يُجَذُّ.

نظمه «متقارب»

يَلَذُّ الْفَتَى غَفَلَاتِ الْحَيَاةِ
وَلَيْسَ بِمُتَّصِلٍ مَا يَلَذُّ
يَمُدُّ لَه الظَّنُّ آمَالَهُ
وَلَكِنَّها عن قَلِيلٍ تُجَذُّ

العاجلة سبيلٌ منفوذة، وهي عند أهل الرُّشد منبوذةٌ، والأنفسُ بحق مأخوذة، لا الدرع تنفع ولا الخوذة.

نظمه «سريع»

انْفُذْ من الدُّنْيَا وَلَا تَلْتَفِتْ
فَإِنَّها بِالْعُنْفِ مَنْفُوذَهْ
حَازَتْكَ فَانْبِذْها إِلَى أَهْلِها
فَهْيَ لَدَى الْأَخْيَارِ مَنْبُوذَهْ
وَلَا تَمَسَّكْ بِحَبْلٍ لَها
تُصْبِحُ من كَفَّيْكَ مَجْذُوذَهْ
مَأْخُوذَةٌ مَانِعَةٌ فِي الْوَرَى
نَفْسٌ بِحُكْمِ اللهِ مَأْخُوذَهْ
لَا سُقْيَةٌ أَغْنَتْ وَلَا رُقْيَةٌ
وَلَا تَمِيمَاتٌ وَلَا عُوذَهْ

الراء

لقد هُجِرَت الخدُورُ، وغَدَرَ بها الزَّمَانُ الغَدُورُ، فإذا الخدر عِوَضُهُ قبرٌ، هل ينفعك جزعٌ أو صبرٌ، من بارئك يجري المقدور، وتفنى الشُّهُبُ والبدور.

نظمه «مخلع البسيط»

تُظْهِرُ أَسْرَارَها الْخُدُورُ
بِمَا قَضَى الْوَاحِدُ الْقديرُ
كَمْ دَارَ فِي خَاطِرٍ ضَمِيرٌ
من فَلَكٍ دَائِبٍ يَدُورُ!
وَضَاقَ صَدْرٌ بِمُشْكِلَاتٍ
تَضِيقُ عن مِثْلِها الصُّدُورُ
يَثْبُتُ فَرْدٌ بِلَا قَرِينٍ
وَتَهْلِكُ الشُّهُبُ وَالْبُدُورُ

الزاي

لا تبرُزِي يا غانيَةُ؛ فإنَّها الدُّنيا الفانية، سَتَرَكِ بكِلَّةٍ والدَاك، فلتمسك بالنُّسك يداك، الورعُ ذهبٌ إبريزٌ، والجدَثُ حِرزٌ حَرِيزٌ، قد تهلك فتاةٌ رَوْدٌ، وتلبث مسنة ترود.

نظمه «مخلع البسيط»

يَمُوتُ قَوْمٌ وَرَاءَ قَوْمٍ
وَيَثْبُتُ الْأَوَّلُ الْعَزِيزُ
كَمْ هَلَكَتْ غَادَةٌ كَعَابٌ
وَعُمِّرَتْ أُمُّها الْعَجُوزُ
أَحْرَزَها الْوَالِدَانِ خَوْفًا
وَالْقَبْرُ حِرْزٌ لَها حَرِيزُ
يَجُوزُ أَنْ تُبْطِئَ الْمَنَايَا
وَالْخُلْدُ فِي الدَّهْرِ لَا يَجُوزُ

السين

يا ابنَ آدم كم تحرُسُ وتحتَرِسُ، والموْتُ أسَدٌ يَفْتَرِسُ، إنْ كُنْتَ بجبَلٍ أوْ وَادٍ، فإِنَّ الأودية مثلُ الأطواد، يسمعها من الله داع، جَلُّ رَبُّ العظمة والابتداع.

نظمه «متقارب»

أَيَحْتَرِسُ الْمَرَءُ من حَتْفِهِ
وَمَا حَادَ عن يَوْمِهِ الْمُحْتَرِسْ
هَلِ النَّاسُ إِلَّا نَظِيرُ السُّوَا
مِ وَآجَالُهمْ أُسْدٌ تَفْتَرِسْ
يَحِلُّ الرُّبَا وَيَحِلُّ الْوُهُودُ
وَلَا بُدَّ لِلرَّبْعِ أَنْ يَنْدَرِسْ

الشين

لا تَكُ ذا طَيْشٍ، واعجب لما وَهَبَ من العيش، ما فعل آدم وبنوه، كم أدرك النمر مجتنوه، يبدي التَّوَفُّر أخُو المعِيشَةِ، والجبَلُ مثلُ الرِّيشَةِ، المنزلُ لأمرٍ مَعْرُوشٍ، وبالقدر تثل العروش.

نظمه «مخلع البسيط»

أَيْنَ مَضَى آدَمُ وَشِيثٌ
وَأَيْنَ من بَعْدِهِ أنُوشُ
مَرَّ أَبِي تَابِعًا أَبَاهُ
وَمُدَّ وَقْتٌ فَكَمْ أَعِيشُ
لَا مُلْكَ إِلَّا لِرَبِّ عَرْشٍ
تُثَلُّ عن أَمْرِهِ الْعُرُوشُ
خَفَّ من الْخَوْفِ كُلُّ طَوْدٍ
حَتَّى كَأَنَّ الْجِبَالَ رِيشُ
تَطِيشُ نَبْلُ الرُّمَاةِ منَّا
وَأَسْهمُ الْحَتْفِ لَا تَطِيشُ
وَلَمْ يَزَلْ لِلْمَنُونِ جَيْشٌ
تَفِلُّ من ذِكْرِهِ الْجُيُوشُ
يَحُثُّ بِالنَّعْشِ حَامِلُوهُ
وَشِدَّ مَا سَارَتِ النُّعُوشُ
لَا حَبَّذَا الْأُنْسُ وَالْخَطَايَا
وَحَبَّذَا النُّسْكُ وَالْوُحُوشُ

الصاد

المرءُ عَمَّا وَجَبَ نَاكِصٌ، والشَّخْصُ للْحَدَثِ شَاخِصٌ، إنَّ ظِلَّ الفَانِيَةِ لقَالِصٌ، فهل خلص إلى الله خالص؟ إن دينك لوديعة في المحار، إنما يدرك بغوص البحار، وعُدِمَ دين في الأنام. وكان كالحلم في المنام.

نظمه «سريع»

مَن ادَّعَى النُّسُكَ عَلَى غِرَّةٍ
فَقُلْ لَه مَا صَدَقَ الْخَارِصُ
وَالنُّسُكُ مِثْلُ النَّجْمِ فِي بُعْدِهِ
وَالْخَلْقُ أَنْ يَبْلُغَه نَاكِصُ
كَالدُّرَّةِ الْعَذْرَاءِ مَا نَالَها
إِلَّا امْرُؤٌ فِي بَحْرِها غَائِصُ
في لُجَّةٍ قَامِصَةٍ سُفُنُها
وَيُصْرَعُ الْمُسْتَمْسِكُ الْقَامِصُ
تَلْعَبُ بِالْأَلْوَاحِ أَمْوَاجُها
كَأَنَّمَا مَرْكَبها رَاقِصُ
نَحْنُ كَنَبْتٍ عَامُه مُجْدِبٌ
وَمَاؤُه مُسْتَنْكَرٌ نَاقِصُ

الضاد

دينك عَنَاه المرَضُ، ضاعت النَّافلة والمفترض، وخدعك هذا العَرَض، وجسمك ضعيفٌ حَرَضٌ، لقد بَعُدَ منكَ الغَرَضُ، وسَوْفَ يُطْلَبُ المُقْتَرَضُ.

نظمه «منسرح»

دِينُكَ مُضْنًى أَصَابَه سَقَمٌ
وَالْخُسْرُ فِي أَنْ يُمِيتَه الْمَرَضُ
وَهَلْ تُرْجَى لَدَيْكَ نَافِلَةٌ
من بَعْدِ مَا ضَاعَ منكَ مُفْتَرَضُ
غَرِضْتَ من هَذِهِ الْحَيَاةِ فَهَلْ
غَرَّكَ فِيمَا تَرُومُه غَرَضُ؟
تَمِيلُ من جَوْهَرٍ إِلَى عَرَضٍ
وَالرُّوحُ فِي جَوْهِرٍ عَرَضُ
حَرَّضَكَ الشَّيْبُ أَنْ تَتُوبَ فَمَا
تُبْتَ فَهَلَّا تَذْكُرُ الْحَرَض
أُقْرِضْتَ عُمْرًا فَمَا صَنَعْتَ بِهِ
سَوْفَ يَرُدُّ الْأَنَامُ مَا اقْتَرَضُوا

الطاء

فَوْدُكَ عَلَاه الشَّمَطُ، والمرْءُ يَنْقُصُ ويُغْمَطُ، كالطِّفْلِ كَهْلُكَ فَهَلَّا يُقْمَطُ، لَقَد عُرِفَ هذا النمط، والنفس تُطْعَنُ ولا تَضْبِطُ، وأجْرُ من كَفَرَ يُحبط، أينَ مُوَفَّقٌ لا يَغْلَطُ، والموت في العالم مسلط، وعائد الملك لا يقنط.

نظمه «هزج»

إِلَامَ الْحِرْصُ وَالرَّغبـَ
ـةُ فِي أَشْيَبَ كَالْأَشْمَطْ
وَكالطِّفْلِ غَدَا الْكَهْلُ
فَمَا لِلْكَهْلِ لَا يُقْمَطْ
وَلَا يَغْضَبُ أخُو الرِّيبـَ
ـةِ أَنْ يُنْقَصَ أَوْ يُغْمَطْ
فَمَا الْخَاسِرُ إِلَّا كَا
فِرٌ أَعْمَالُه تُحْبَطْ
بَنِي آدَمَ إِنْ تَعْصُوا
فَمَا أَخْسَرَ مَنْ يَقْنَطْ
غَبَطْتُمْ صَاحِبَ الثَّرْوَ
ةِ وَالزَّاهِدُ لَا يَغْبِطْ
أَمَا تَغْلِطُ فِي الدَّهْرِ
بَأَنْ تُوجَدَ لَا تُغْلَطْ

الظاء

أما دينك فمُتَشَظٍّ، وأنت على الفانية مُتَلَظٍّ، مُتَقَرِّبٌ بِالْمَيْنِ مُتَحَظٍّ.

نظمُه «مخلع البسيط»

أَصْبَحْتَ فِي غَمْرَةٍ وَلَهْوٍ
تَجِيءُ بِالْمَيْنِ كَيْ تَحْظَى
احْذَرْ عَلَى الدِّينِ من تَشَظٍّ
فَالدُّرُّ مُلْقًى إِذَا تَشَظَّى
لَوْ هابَ حَرَّ اللَّظَى مُسِيءٌ
مَا اهْتَاجَ حِرْصًا وَلَا تَلَظَّى
فَابْدُ لِلسَّائِلِينَ لَيِّنًا
وَلَا تَكُنْ فِي الْجَوَابِ فَظَّا

العين

المرء خَدَعَه الطَّمَعُ، مَرْأًى في الزمن أو مَسْمَعٌ، يدأبُ الرَّجُلُ ويجمَعُ، خُلبَ وَمِيضٌ يَلْمَعُ، والعَيْنُ للحذر تدمع، والسُّحُبُ بالأقضية هَمِعٌ، وفي الآخرة يكون المجمع.

نظمه «سريع»

غَرَّكَ مَا يَخْدَعُ من زُخْرُفِ الدُّنْيَا
فَزَادَ الْحِرْصُ وَالطَّمَعُ
عَلِمْتَ أَنَّ الدَّهْرَ فِي صَرْفِهِ
مُفَرِّقٌ عنكَ الَّذِي تَجْمَعُ
سَمِعْتَ بِالْخَطْبِ وَعَايَنْتَ
هَلْ كَفَّكَ مَا تُبْصِرُ أَوْ تَسْمَعُ؟
تَدْمَعُ جَفْنَاكَ عَلَى زَائِلٍ
وَالْعَيْنُ لِلرَّهْبَةِ لَا تَدْمَعُ
كَمْ أَوْمَضَ الْبَارِقُ فِي عَارِضٍ!
فَأَلْفَى الْكَاذِبَ إِذْ يَلْمَعُ
سُحُبٌ تَجَلَّى خاليًا دَجْنُها
عنكُمْ وَسُحُبٌ بَعْدَها هَمِعُ

الغين

إنَّك إلى الدُّنيا مُصْغٍ، وحُبُّها للبَشَر مُطْغٍ، لو أنك لشأنها مُلْغٍ، أبْغَاكَ ما تأمله مبغ.

نظمه «خفيف»

صَاغَكَ الله لِجَمَالٍ بِقَلْبٍ
مُعْرِضٍ عن نَصِيحَةٍ لَيْسَ يُصْغِي
تُكْثِرُ اللَّغْوَ فِي الْمَقَالِ وَلَوْ
وُفِّقْتَ مَا كُنْتَ لِلدِّيَانَةِ مُلْغِي
لَمْ تَزَلْ تَزْجُرُ الطُّغَاةَ فَلَا تَطْغَ
فَحُبُّ الدُّنْيَا لِمِثْلِكَ مُطْغِي
لَوْ بَغَيْتَ الَّذِي أَرَادَ بِكَ اللهُ
لَأَعْطَاكَ فَوْقَ مَا أَنْتَ تَبْغِي

الفاء

طال الكَلَفُ والكُلَفُ فأينَ الخَلَفُ والسَّلَفُ؟! إنَّ العافية هي التَّلَف، وعند البارئ تكون الزُّلَف، إلام تَكْذبُ وتحلف، وللإثم لو ظهر أَكْلَفُ.

نظمه «متقارب»

كَلِفْتَ بِدُنْيَاكَ شَرَّ الْكَلَفِ
فَجَاءَتْكَ مِمَّا صَنَعْتَ الْكُلَفْ
تَبِعْتَ الْغُوَاةَ وَمَا أَسْلَفُوا
فَهَلَّا أَخَذْتَ بِقَوْلِ السَّلَفْ
وَصَدَّقْتَ نَفْسَكَ فِي ظَنِّها
وَكَمْ قَائِلٍ مَانِ لَمَّا حَلَفْ
تُخَلِّفُ مَالَكَ لِلْوَارِثِينَ
وَكَانُوا بِعِلْمِكَ بِئْسَ الْخَلَفْ
تُرَجِّي الْحَيَاةَ وَأَسْبَابَها
وَتَطْلُبُ عِنْدَ الْمَلِيكِ الزُّلَفْ
وَلَوْ ظَهَرَ الْإِثْمُ لِلنَّاظِرِينَ
لَرَاعَكَ فِي الْوَجْهِ منه كَلَفْ
نَصَحْتُكَ فَأْذَنْ إِلَى مَنْ يَقُولُ
تَلَافَ أمورَكَ قَبْلَ التَّلَفْ

القاف

قَلْبُكَ مَعْنًى يَخْفِقُ، يَخَافُ من عاجلتك ويُشْفِقُ، وبارئُكَ هو الموفِّقُ، أصبحت من عمرك تنفق، تُرَقِّعُ العُذْرَ وتُلَفِّقُ، وأنت في مطلبك مُخْفِق، يطول تَعَبُكَ فهَلَّا تَرْفُقُ.

نظمه «سريع»

إِنْ خَفَقَ الْبَارِقُ فِي عَارِضٍ
فَالْقَلْبُ من رَوْعِهِ يَخْفِقُ
تَأْسَفُ إِنْ أَنْفَقْتَ مَالًا وَلَا
تَأْسَفُ من عُمْرِكَ إِذْ تُنْفِقُ
تَظَلُّ من فَقْدِ الْغِنَا مُشْفِقًا
وَمن قَبِيحِ الْإِثْمِ لَا تُشْفِقُ
مُرْتَفِقًا فِي وَطَنٍ حَافِظًا
تَسْأَلُ مَا هانَ فَلَا تَرْفُقُ
يَعُودُ عن غَيْمِكَ مَنْ شَامَهُ
وَهْوَ شَدِيدٌ ظَمَؤُه مُخْفِقُ

الكاف

سَبَّحَ إلهَنَا الفَلَكُ، وقَدَّس البَشَرُ والملَكُ، والجسْمُ في العَفْر يُسْتَهْلَكُ، والمرء بالعارفة يملك، والنَّهج للآخرة يَسْلُك.

نظمه «مجزوء الرجز»

سَبِّحْ مَعَ الشُّهُبِ كما
سَبَّحَ من قَبْلِكَ الْفَلَكْ
قَدَّسَ إِنْسَانٌ عَلَى
الْأَرْضِ وَفِي الْجَوِّ مَلَكْ
لَا تَبْكِ لِلْمَيِّتِ فَكَمْ
مَاتَ كَرِيمٌ وَهَلَكْ
مَا خَبَرُ الْغَابِرِ عن
دَفِينِهِ أَيْنَ سَلَكْ
مَا لَكَ شَيْءٌ وَإِذَا
أَطَعْتَ فَالرَّحْمَةُ لَكْ

اللام

غَرَّكَ تفصيلٌ وجمل، والحيُّ خَدَعَه الأمل، سعْيُك فَسَدَ والْعمل، ما نَفَعَك حِجٌّ ولا رَمَلٌ، كأنك بين الجهل همل.

نظمه «سريع»

مَا زِلْتَ مَشْغُولًا بِلَا خَشْيَةٍ
يَغُرُّكَ التَّفْصِيلُ بَعْدَ الْجَمَلْ
تَحْمِلُكَ الْأَرْضُ عَلَى ظَهْرِها
وَأَنْتَ سَارٍ فَوْقَ ظَهْرِ الْأَمَلْ
مَا لِي أَرَى عَيْنَيْكَ لَمْ تَهْمُلَا
كَأَنَّمَا أَنْتَ مُخَلًّى هَمَلْ؟!
مَا يَشْفَعُ الْحُسْنُ لِأَصْحَابِهِ
إِنْ حَسُنَ الْوَجْه وَسَاءَ الْعملْ
رَمَلْتَ فِي مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى
فَهَلْ نَهاكَ السَّعْيُ بَعْدَ الرَّمَلْ؟!

الميم

أفي مَسْمَعِكَ حَلَّ الصَّمَمُ؟ أم لُبَّكَ أصَابَ اللَّمَمُ؟ وتحسُنُ للأنيس الهمم، وفي التراب تُطوَى الرمم، وفي الباطن تُخان الذمم، على ذلك تَمُرُّ الأُمَم.

نظمه «سريع»

مَا لَكَ لَمْ تُصْغِ إِلَى عَاذِلٍ
أَحَلَّ فِي الْمَسْمَعِ منكَ الصَّمَمْ؟!
أَجَاهِلٌ أَنْتَ فَتَلْحَى عَلَى الْـ
ـعِصْيَانِ أَمْ مَسَّ حِجَاكَ اللَّمَمْ؟!
هِمَّتُكَ الْعُلْيَا هَوَتْ فِي الثَّرَى
وَشِيمَةُ الزَّاكِي عُلُوُّ الْهِمَمْ
لَمْ تَفِ بِالذِّمَّةِ لِلْحُرِّ وَالْـ
ـحُرُّ مُرَاعٍ وَافِيَاتِ الذِّمَمْ
وَالذِّكْرُ يَبْقَى لِلْفَتَى بُرْهَةً
وَإِنْ تَوَارَتْ فِي التُّرَابِ الرِّمَمْ
تَيَمَّمِ الْخَيْرَ وَلَا تَرْهَبِ الْـ
ـمَوْتَ فَلِلْمَوْتِ تَصِيرُ الْأُمَمْ

النون

لله الكَرَمُ والمننُ، وعن بَارئك تَزُول الظُّنَنُ، لا يَسْتُرُكَ من الموتِ الجنَنُ، وبالعاصف يُراع الفنن، لا تعصمك تلك القنن.

نظمه «سريع»

وَيْحَكَ لَا تَمْنُنْ عَلَى مُنْعَمٍ
عَلَيْهِ فَالْخَالِقُ رَبُّ الْمننْ
فَظُنَّ خَيْرًا بِالْأَخِلَّاءِ وَإِلَّا
فَالْخَيْرُ يَخْفُو الظُّنَنْ
يَجُنُّكَ الْقَبْرُ فَلَا تُلْفَ كَالْـ
ـمَجْنُونِ يَبْغِي وَاقِيَاتِ الْجَنَنْ
وَافْتَنَّ فِي خَوْفِكَ رَبَّ الْعُلَا
وَأَنْتَ فِي سَرْحِكَ مِثْلُ الْفَنَنْ
إِنَّكَ قِنٌّ لِمَلِيكٍ حَوَى الْـ
ـمُلْكَ فَلَا تُعْصَمُ منه الْقُنُنْ
لِتَقْرَعِ السِّنَّ غَدًا نَادِمًا
إِنْ كُنْتَ ضَيَّعَتْ جَمِيلَ السُّنَنْ

الهاء

المرءُ نُهِي فما انْتَهى، ما زال في العاجلة يزدهي، إن قيل ما أحسَنَ وما أَبْهَى، فأينَ صاحبك لما وَهَى، وطال ما نعم ولها، ونَالَ في العُمْر ما اشتهى، ما بين غزلان ومَهًى، دَهاه الزَّمَنُ فيمن دها، وألهى عمرًا باللهى، مُصَوِّرُ القمر والسُّها.

نظمه «سريع»

الْمَرْءُ مَعْتُوبٌ عَلَى فِعْلِهِ
كَمْ سَمِعَ النَّهْيَ فَأَلَّا انْتَهَى؟!
زَايَلَه اللَّهْوُ وَزَارَ الْبِلَا
وَطَالَمَا عَايَنْتُه مُزْدَهَى
بَاهَى زَمَانًا بِالَّذِي نَالَهُ
ثُمَّ أَتَى الْمَوْتُ فَأَيْنَ الْبَهَى
وَهَتْ عُقُودٌ كان فِي عَصْرِهِ
أَحْكَمَها لَا عَاقِدَ مَا وَهَى
مَا شَهَوَاتُ الْحَيِّ إِلَّا أَذًى
إِنْ نَالَ من مُدَّتِهِ مَا اشْتَهَى
كان يُرَى فِي غَزَلٍ دَائِمًا
مَا بَيْنَ غِزْلَانٍ لَه أَوْ مَهَى
دَهاه بِالْمَقْدُورِ لَمْ يَدْفَعِ الْـ
ـخَطْبَ عن مُهْجَتِهِ إِذْ دَهَى
سَها عَنِ الْوَاجِبِ فَاغْتَالَهُ
مُصَوِّرُ الْبَدْرِ وَرَبُّ السُّها

الواو

أمَّا صَحْبُكَ فَقد غَوَوْا، عَبُّوا في المورد فما ارتَوَوْا، أبادتْهمُ الأقضيةُ حتى تَوَوْا، خلُّوا للوارث ما احتووا، طواهم القدر فانطووا، ولاقتهم الآخرة بما نَوَوْا.

نظمه «سريع»

لَا تَغْوَ فِي دُنْيَاكَ مُسْتَهْتِرًا
فَإِنَّ أَصْحَابَكَ فِيها غَوَوْا
عَزَلَهمْ فِي سِرْبِهِمْ مَوْرِدٌ
لَوْ كان يَرْوِي مِثْلَه لَارْتَوَوْا
نَادَتْهمُ الْأَقْدَارُ يَا سَاكِنِي الـْ
ـأَرْضِ أَلَا تَنْوُونَ حَتَّى تَوَوْا
خَلُّوا أَحَادِيثَهمْ وَاحْتَوَى
آخِذُ مِيرَاثٍ عَلَى مَا حَوَوْا
انْتَشَرُوا فِي عَيشِهِمْ أَعْصُرًا
ثُمَّ طَوَاهمْ قَدَرٌ فَانْطَوَوْا
فَلْتُحْسِنِ النِّيَّةَ من بَعْدِهِمْ
فَالنَّاسُ يُجْزَوْنَ عَلَى مَا نَوَوْا

اللام والأَلِفُ

كل غد يخدم أملًا، يُسيءُ في ما بَطَنَ عملًا، يُصْبِحُ بسَيْفِهِ مُشْتَمِلًا، لا يَطْلُبُ رزقه محتفلًا، والرزق لا يترك متوكلًا، لم يرد في العالم حيلًا.

نظمه «بسيط»

مَا فِي الْبَسِيطَةِ من عَبْدٍ وَلَا مَلِكٍ
إِلَّا حَلِيفَ عَنَاءٍ يَخْدُمُ الْأَمَلَا
يَحُثُّ نَفْسًا عَنِ الْإِحْسَانِ عَاجِزَةٌ
وَقد أَسَاءَ بِعِلْمِ الْوَاحِدِ الْعملَا
فَهَلْ تَرَى الدَّهْرَ أُنْثَى أَوْ تَرَى ذَكَرًا
يُشَابِه امْرَأَةً فِي الْخَلْقِ أَوْ رَجُلَا
يَرُومُ بِالسَّيْفِ رِزْقًا جَاءَ فِي عُنْفٍ
مَا كان يَخْطُوه فِي خَفْضٍ لَوِ اتَّكَلَا
يَبْغِي الْمَعَالِي فِي أَوْفَى مُجَاهَدَةٍ
فَإِنْ تَخَلَّفْ عنها لَطَّفَ الْحِيَلَا
يَا سَاكِنِي التُّرْبِ مَا عِنْدِي لَكُمْ خَبَرٌ
فَلَيْتَ شِعْرِي عَنِ الْمَقْبُورِ مَا فَعَلَا
لَمْ تَأْتِنَا منكُمُ رُسْلٌ مُخَبِّرَةٌ
وَلَا كِتَابٌ إِلَيْنَا منكُمُ وَصَلَا

الياء

الحي بعد العيشة رُدِيَ، وجاءه القَدَرُ فَمَا فُدِيَ، وشَخْصُه بالقَاضِيَةِ رُدِيَ، لم يُرْزَق النَّهْلَ إن صُدِيَ، لكنه عن ذلك عُدِيَ، أَظَلَّتْهُ العَاجِلَةُ فما هُدِيَ، وجَادَتْه الاسْمِيَّةُ فما نُدِيَ، وقَتَلَتْه الحادثاتُ فما وُدِيَ.

نظمه «سريع»

الْمَرْءُ فِي أَرْدِيَةٍ لُوِّنَتْ
مَاشٍ وَلَكِنْ بَعْدَ هَذَا رُدِي
فَدَى الْأَسَارَى زَمَنًا ذَاهِبًا
وَجَاءَه الْمَوْتُ فَلَا فُدِي
فَيَا رَدِيَّ الْعَقْلِ إِنَّ الْفَتَى
لَمْ يَدْفَعِ الْمَقْدُورَ حَتَّى رُدِي
ظَلَّ صَدَاه فِي الثَّرَى سَاكِنًا
وَلَمْ يُصَادِفْ مَنْهَلًا إِذْ صُدِي
رَنَّتْ لَه الْأَعْدَاءُ أَنْ عَايَنَتْ
صَاحِبَها عن كُلِّ خَيْرٍ عُدِي
كان الْهُدَى يَهْدِي إِلَى قَلْبِهِ
مَنْ سَمِعَه لَوَ انَّه يَهْتَدِي
جَادَتْ لَه أَسْمِيَةٌ بُرْهَةً
وَعَادَ يَبَسًا غُصْنُه مَا نَدِي
لَا يُطْلَبُ الثَّارُ لِمَيِّتٍ وَلَا
يُودَى لَعَمْرُ اللهِ فِيمَنْ وُدِي

نجزت، والحمد لله.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤