الفصل التاسع

المواقع الإلكترونية والمدونات

أحد الأشياء التي أغرتني بدخول الموقع أنني، عند نقطة معينة، بدأت أرى منحنًى آخذًا في التدهور في التزام وسائل الإعلام المطبوعة واستخدام الصحافة المصورة في شرح ما يحدث في العالم. شعرتُ، بالفعل، بإحباط شديد من الوضع العام، ورأيت أنه ربما توجد فرصة لاستخدام الإنترنت بطريقة معينة لاستعادة ذلك الالتزام، وأن نخلق — في بيئة مختلفة فعليًّا — قدرًا كبيرًا من الحساسية نفسها التي حرَّكت المجلات المصورة الكبرى في فترة الأربعينيات والخمسينيات وفي القرن الماضي. (كينيدي، ٢٠٠٤)

طالما أدت التكنولوجيا دورًا أساسيًّا في تطور الصحافة المصورة؛ فالتطورات التي طرأت على العدسات، وكذلك على جودة السوالب والطباعة، واختراع الكاميرا بقياس ٣٥ ملِّيمترًا، وبَكَرة الفيلم، والضوء الاصطناعي؛ سمحت كلها للمصورين بتثبيت الحركة، والتصوير في الإضاءة الخافتة، والتحرك متخفِّفين من المعدات الثقيلة. كذلك، مكَّنَ اختراعُ عملية الطباعة النصفية الإصدارات من إنتاج الصور بكميات كبيرة، وإدراجها مع النص. أثَّرت هذه التطورات جميعًا في محتوى الصحافة المصورة، ومعدل توزيعها، ووظيفتها الاجتماعية.

طالما كان الصحفيون المصورون روادًا في استخدام التكنولوجيا الحديثة، إلا أنهم كانوا مترددين دومًا في التخلي عن أدواتهم وإجراءاتهم الاعتيادية المألوفة. أتذكر مشاركتي، وأنا طالب دراسات عليا، في مناقشات حول ما إذا كانت كاميرا نيكون إف/٣ بجودة الطراز السابق إف/٢ نفسها. وفي وقت لاحق، تحسَّرْتُ، بصفتي مصورًا مع مصورين آخرين، على رداءة جودة صور الغرف المظلمة الإلكترونية، مقارَنةً بالصور المطبوعة التي كانت تُظَهَّر في الغرفة المظلمة التقليدية. وعندما عملتُ مديرًا للتصوير، كان عليَّ أن أُقنِع المصورين العاملين معي بأن يستخدموا النماذج الرقمية بدلًا من كاميراتهم ذات الأفلام. فكل تغيير كان يجلب معه تحسينات وتحديات.

حاليًّا، أصبح انتشار الأخبار على الإنترنت والمدوَّنات يخلق فرصًا ومشكلات محتملة أيضًا.١ يرى كثيرون أن قدرة أي شخص، بلا مبالغة، على نشر معلومات على الإنترنت تجعل وسائل الاتصال ديمقراطية، وتعطي فرصة لمزيد من التنوع في تقديم الأخبار. ويرى آخرون الإنترنت باعتبارها دعوة لنشر معلومات مضللة، والابتذال، والممارسات غير الأخلاقية.

لا جدال في حقيقة أن الإنترنت ستصير مع الوقت أكثر تأثيرًا في توزيع المعلومات وتبادل الأفكار. وتتكيف الصحف الآن مع الإنترنت، باعتبار ذلك منافَسةً وخلاصًا محتملًا أيضًا. ومع ذلك، توجد أفكار متنوعة لدى العاملين بصناعة الصحف بشأن الأسلوب الأمثل للتكيف مع الإنترنت واستخدامها (كيرتز، ٢٠٠٦).

على الرغم من تعيين صحف، مثل الواشنطن بوست، أفرادًا على درجة عالية من الابتكار، مثل توم كينيدي، لقيادة إصداراتها على الإنترنت، فإن كثيرًا من الصحف استخدمت الإنترنت في البداية بوصفها «امتدادًا» لغرفة أخبار نسختها المطبوعة؛ فكانت تبثُّ عَبْرها القصص نفسها المنشورة في نسختها المطبوعة، و/أو عيَّنَتْ موظفين غير خبراء للكتابة عن الموضوعات نفسها التي كانت تظهر في الصحيفة (ذي إيكونوميست، ٢٠٠٦). يدرك معظم ناشري الصحف الآن أن التعامل مع الإنترنت يختلف عن التعامل مع الصحيفة التقليدية؛ فأصبحوا يفصلون بين غرفتَيْ أخبار الصحيفة المطبوعة والإنترنت، أو يصنعون غرفة أخبار بناءً على نموذج جديد، حتى إذا وُجِدت مادة مشتركة، تُعامَل على نحوٍ يناسب الوسطَ الذي ستُعرَض فيه. تقول محررة الصور في قسم المشروعات والوسائط المتعددة في صحيفة لوس أنجلوس تايمز، جيل فيشر:

عندما أحرِّر للصحيفة، أحرِّر أيضًا للموقع الإلكتروني. سأصنع للصحيفة نسخةً أدقَّ ممَّا أصنعها للموقع. ستأتي فرانسين [أور التي تعمل على قصة من ستة أجزاء عن كيف يعيش الناس في أفريقيا على دولار واحد في اليوم] إلى هنا، وسنستعرض كل شيء [الصور]، وسأقول لها: «حسنًا، الآن، أريد منكِ كتابة نص السرد [للموقع الإلكتروني]. بمجرد إعدادك للسرد ستتحرك الأمور قليلًا، لكني أريد منك التفكير في سرد القصة باستخدام مجموعة الصور هذه، وربما تحتاجين إلى بعض الصور الانتقالية التي ربما لن تبقى على الشاشة أكثر من ثانيتين أو ثلاث؛ حتى يمكننا الوصول إلى هذه الصورة التي ربما ستبقى على الشاشة من أربع ثوانٍ إلى خمس، أو حتى ست ثوانٍ.» إذا لم يُسجِّل [المصورون] السردَ في موقع العمل، أو لم يسجلوا مقاطع فيديو، فإننا نعود، وسيتحدثون عن التصوير [للموقع الإلكتروني]. (فيشر، ٢٠٠٤)

يُجبَر مصورو الصحف وكُتَّابها على التكيف مع التكنولوجيا الحديثة والأساليب الجديدة لسرد القصص بدرجات متفاوتة من النجاح والتقبل.٢ يقول ترافيس فوكس، أحد كبار صحفيي الفيديو في واشنطن بوست/نيوزويك إنتراكتيف، عن تجربته المبكرة: «أتندَّر بأنني عندما بدأتُ لأول مرة في تسجيل الفيديو هنا في خريف عام ١٩٩٩، كنت أخشى من أن يحاول رئيس التحرير التنفيذي لدينا مشاهَدةَ هذه المقاطع؛ لأننا كنا نعلم أنها ستؤدي في النهاية إلى تعطُّل كمبيوتره» (فوكس، ٢٠٠٦). في الوقت نفسه، يعتقد فوكس أن صحفيي الإنترنت في موقع wasingtonpost.com تمكَّنوا من خلق إجراءات اعتيادية وأسلوب لإعداد التقارير مختلفين عما يوجد في الصحيفة المطبوعة.

الآن، ما أحاول تحقيقه من خلال مشروعاتي كلها هو نوع من القصص المرتبطة بموضوعات «دائمة التجدد»؛ هذا لأن الموقع الإلكتروني يختلف عن التلفاز أو الصحف؛ فهو لا يظهر في يومٍ ثم يختفي في اليوم التالي، إنما هو وسيط مستمر، فستبقى القصص موجودة فيه غدًا وبعد غدٍ إذا رُوِّجَ لها؛ على سبيل المثال: تظهر حركة حماس في الأخبار، ومن الواضح أنها ستُذكَر في الأخبار مرارًا وتكرارًا خلال الأشهر القادمة؛ لذا، ما أحاول فعله في هذا المشروع هو شرح حماس من المنظور الفلسطيني، من وجهة نظر صبي من غزة في السابعة عشرة من عمره، تخرَّجَ لتوِّه من المدرسة الثانوية، ويفكِّر فيما يريد فعله.

فالأمر لا يدور حول الأحداث اليومية التي تحدث في الصراع بين فتح وحماس؛ فهي ليست قصة اليوم، هي قصةٌ ذات موضوعٍ تصاحب قصةَ اليوم؛ على سبيل المثال: عندما يكتب سكوت ويلسون، مراسلنا في القدس، أحدث قصة عن الاستفتاء حول إنْ كانوا سيقبلون خطةَ تحقيق السلام مع إسرائيل أم لا، فإن هذه الحزمة ستُنشَر مقترنةً بها على الموقع، وستعطي القارئ تعمُّقًا أكبر وسياقًا أكبر وشعورًا بالمكان والناس. (فوكس، ٢٠٠٦)

يصف كين وايس، الكاتب في صحيفة لوس أنجلوس تايمز، أول تجربة له في العمل مع مشروعات الوسائط المتعددة:

تعاونتُ في ثلاثة مشروعات مثيرة للاهتمام مع المصور نفسه، آل سيب، عُرِضت بشكلٍ ما. أصبحت كلها في النهاية مشروعات وسائط متعددة. كان الأول منذ نحو عامين ونصف العام؛ ذهبت إلى مقاطعة كولومبيا البريطانية وأعددتُ قصةً عن سلمون المزارع، وهي قصة مناسبة تمامًا للتصوير، وقال مدير التصوير كولين كروفورد: «حسنًا، نحتاج إلى تسجيل هذا بالفيديو لأن شركة تريبيون [التي يقع مقرُّها في شيكاجو، المالكة لصحيفة لوس أنجلوس تايمز في هذا الوقت] تدعم هذا المفهوم [الوسائط المتعددة].» يحاولون تحويلنا من صحفيين ومصورين إلى «مقدمي محتوًى إعلامي»، فهم يحبون هذا المصطلح؛ لذا ذهبتُ مع آل سيب إلى كولومبيا البريطانية، وركبنا طائرة مائية من أجل الوصول إلى المزارع السمكية، وشاهدنا مكانَ تجهيز الأسماك؛ كانت كلها أشياء مغرية بالتصوير، وتمثِّل مادة جيدة لتساعدني في توضيح طريقة تربية الأسماك في المزارع السمكية، وكيف أنها تضر بالبيئة المحلية، وتسبِّب مشكلات أخرى.

نتج عن هذا قصةٌ كتبتها، نُشِرت في الصفحة الأمامية، وكثيرٌ من الصور، ومقطع فيديو قصير صنعناه، كانت مدته ١١ دقيقة تقريبًا. تولَّى آل المهمة الصعبة — كانت المرة الأولى له — وهي التقاط الصور الثابتة، وتسجيل مقطع الفيديو والصوت. في المعتاد، يكلِّف طاقمُ العمل في التليفزيون فردين أو ثلاثة لعمل ذلك. وكنتُ أنا المُقدِّم على الهواء والكاتب، كما كنتُ المنتج إلى حدٍّ ما.

لا بد أن أعترف بأني لم أحب هذا الأمر بسرعة، بسبب انغماسي في الكلمات المكتوبة — كنتُ أعتبرها مهمة سامية، وأرى الصور مجرد نوعٍ من الزخرفة — وكان هذا يمثِّل لي، نوعًا ما، أحدَ مصادر الضغط الأخرى. اختلف هذا الوضع كثيرًا، خاصةً في أثناء صنع مقطع الفيديو، لكني أصبحتُ مؤمنًا بهذا العمل بسبب ما للصور من قوة هائلة نعرفها جميعًا، علمًا بأن الصور المتحركة تكون أكثر قوةً. انتهى الحال ببث هذه القصة في محطة بي بي إس المحلية، وأحدثت ضجة كبيرة. (وايس، ٢٠٠٤)

بعد ثلاث سنوات، فاز وايس بجائزة بوليتزر لعام ٢٠٠٧ عن سلسلة وسائط متعددة من خمسة أجزاء بعنوان «المحيطات التي تغيَّرَتْ». عمل مصور التايمز، ريك لوميس، مع وايس في هذه السلسلة التي استخدمت مقاطع فيديو، وصحافة مطبوعة، وصورًا ثابتة، ورسومات، وقسمًا للنقاش على الإنترنت. «وتقديرًا منها للطبيعة المتطورة للغرف الإخبارية، سمحَتْ لجنةُ جائزة بوليتزر بتقديم العناصر التي تُنشَر على الإنترنت لتكون محلَّ نظر البوليتزر» (وايس، ٢٠٠٧).

يتشارك «مقدِّمو المحتوى الإعلامي»، الذين يتعاملون مع الصور الرقمية والصوت ومقاطع الفيديو، الصورَ والقصصَ مع الأخبار التليفزيونية والأفلام الوثائقية. يحافظ استخدام تسجيل الصوت ومقاطع الفيديو والتصوير الرقمي على انخفاض تكاليف الإنتاج؛ إذ يسمح لأي شخص فعليًّا بصنع محتوًى متعدِّد الوسائط. وعلى الرغم من أن هذا يخلق فرصًا للابتكار، فإنه يفتح الباب أيضًا لمشكلات محتملة؛ فكثير من «الصحفيين» على الإنترنت والمدونين لا يملكون أية خبرة في مجال الصحافة، و/أو لا يسترشدون بميثاق الأخلاقيات الصحفية نفسها الذي يتبعه الصحفيون التقليديون. وحتى المديرون والمحررون الذين يتعاملون مع المواقع الإلكترونية لصحفهم، يسعَون للموازنة بين المتطلبات الفنية لهذا الوسط والمعايير الصحفية. ناهَضَ مدير التصوير السابق في صحيفة ساوث فلوريدا صن سنتينل دمْجَ موقعِ صن سنتينل في غرفة الأخبار؛ فيقول:

في أحد الأيام، كنت أتناقش مع أحد المديرين العامِّين من موقعنا الإلكتروني في لقب وظيفة المسئول عن الفيديو، التي خُصِّصت لي من ميزانيتهم. كتبتُ أنا لقب «صحفي فيديو» ليكون موازيًا للقب الصحفي المصوِّر في مجال التصوير الفوتوغرافي؛ فالاختلاف الوحيد، من وجهة نظري، كان في المعدات المستخدَمة. فكان اللقب الذي جاءني منه «مصور الفيديو المتخصِّص في الإنترنت».

اتصلت به مرةً أخرى، وقلتُ: «حسنًا، لنتوصَّل إلى حلٍّ وسط؛ لأنني أعتقد أنه من المهم أن يكون الذي يعمل لديَّ صحفيًّا، لا مجرد مصوِّر فيديو أو متخصِّصًا في الإنترنت.» فقال لي: «إحدى المشكلات في ذلك أن كثيرًا من العاملين معه لديهم مشكلة مع «كلمة صحفي».» ضحكتُ وقلتُ: «حسنًا، عليهم التغلُّب على هذه المشكلة؛ لأننا، بطريقةٍ أو بأخرى، سنتكامل [الصحافة والإنترنت]، وسيتحتم تطبيق الأخلاقيات الصحفية على الإنترنت، وسيتحتم علينا تقبُّلَ طريقةِ تعامُلكم مع هذه الشبكة.» لذا اتفقنا على «صحفي فيديو على الإنترنت».

كان الأمر مهمًّا للغاية؛ لأنني أعتقد أن هذه هي إحدى المشكلات؛ فعندما أنشئوا المواقعَ الإلكترونية أنشئوها خارجَ أقسام الصحافة في معظم الصحف، على الرغم من أن هذا لا ينطبق عليها جميعًا. كان بعض الأماكن شديد الذكاء، وعيَّنوا توم كينيدي ليطوِّر لهم موقعهم، بينما في صحفٍ أخرى، كما هي الحال هنا، يعمل الموقع الإلكتروني على نحوٍ مستقل تمامًا عن قسم التحرير. اثنان أو ثلاثة [من العاملين في الموقع] كانوا صحفيين سابقين، لكنَّ الغالبيةَ أولادٌ صغار متخصِّصون في الإنتاج على الإنترنت، وليس لديهم أدنى فكرة عن القواعد. وكما هي الحال مع الإنترنت نفسها، نحن نتدارك الأمرَ في أثناء عملنا فيه. (راسموسن، ٢٠٠٦)

تصبح الحدود أكثر ضبابية عندما يدَّعِي أناس من خارج الصحافة السائدة مكانةَ الصحفيين.٣ في كاليفورنيا سُجن الناشطُ جوش لأنه اختار عدم تسليم فيديو صنعه عن مظاهرة عام ٢٠٠٥ في سان فرانسيسكو؛٤ فقد أصَرَّ على أنه صحفي؛ ومن ثَمَّ لديه الحقُّ في حماية مصادره. قال وولف للمراسلين الموجودين خارج بوابات السجن: «يجب أن يظل الصحفيون مستقلين تمامًا عن تطبيق القانون، وإلَّا فلن يَثِق الناس أبدًا بالصحفيين» (سايتس، ٢٠٠٧).

مع ذلك، ادَّعَى وولف أيضًا أنه كان ناشطًا ومشارِكًا في المظاهرة ضد منظمة التجارة العالمية التي صوَّرَها بالفيديو.

أُطلِق سراح وولف في النهاية نظيرَ تسليمه نسخةً من الفيديو للمدَّعين. «في مقابل هذا [حسب زعم أفراد عائلته]، وافَقَ المدَّعون على نقطة الخلاف الأساسية مع وولف؛ وهي أنه لا يريد أن يُجبَر على المثولِ أمام هيئة محلفين كبرى وتحديدِ هُوِيَّة الموجودين في شريط الفيديو» (سايتس، ٢٠٠٧).

حتى الصحفيون لا يتفقون حول إنْ كان وولف صحفيًّا أم لا:

تُشِيد ديبرا سوندرز، كاتبة العمود المحافظة في صحيفة سان فرانسيسكو كرونيكل، بإخلاصِ وولف، لكنها لا تعتقد أنه يجب أن يُسمَّى صحفيًّا. «أعتقد أنك قد تكون كاتبَ مدوَّناتٍ وتكون صحفيًّا … فثمة أناسٌ ينطبق عليهم [هذا الوصف]، لكن عندما تكون ناشطًا تَثِبُ فرحًا مع الذين تُصوِّرهم، فأنت لا تكون صحفيًّا حينئذٍ.»

تعترض صحيفتها على هذا التقييم، وأيَّدت وولف في صفحات الرأي بالصحيفة. يقول جون دياز في صحيفة كرونيكل: «حقيقةُ أن جوش وولف لديه آراء سياسية قوية لا تجعله غيرَ مؤهَّل ليكون صحفيًّا، تمامًا كما لا تجعلني حقيقةُ امتلاكي آراءً سياسية، وأنا محرِّر الصفحة الافتتاحية، غيرَ مؤهَّل لأكون صحفيًّا؛ فالحقيقة أنه كان موجودًا ضمن هذا الحشد يجمع المعلومات من أجل نشرها على الناس، وأعتقد أن هذا يجعله صحفيًّا.»

في النهاية، تقول سوندرز إن هذا الأمر لا يقرِّره الصحفيون وكُتَّاب المدونات وإنما الحكومة. تقول سوندرز: «في النهاية، المحاكم هي التي ستقرِّر مَن هم الصحفيون؛ لأن الإدارة الحالية، مع الأسف، تبالغ في اعتقال الصحفيين، ولن ينتهي الأمر مع إدارة بوش؛ فالأمر سيزداد مع توجيه الناس الاتهامات بطرقٍ شتى، ويعني هذا أن المحاكم ستقرِّر مَن هم الصحفيون. ربما لن يعجبك هذا الأمر، لكن هكذا تجري الأمور.» (سايتس، ٢٠٠٧)

على الرغم من التساؤلات حول تعريف «الصحفي»، يمثِّل كُتَّاب المدونات، مثل وولف، ما يراه كثيرون جزءًا من إضفاء الطابع الديمقراطي الجديد على الأخبار عبر الإنترنت. ينشر الناس موادَّ على الإنترنت، من العميقة حتى العادية (جاهران، ٢٠٠٦)، ومن الشخصية حتى العالمية كذلك. أظهر استطلاعُ موقع بيو على الإنترنت في عام ٢٠٠٦ أن ٥٧ مليون شخص أمريكي بالغ يزورون المدونات؛ لا عجبَ إذن أن ٥٤ في المائة من كُتَّاب المدونات تحت سن الثلاثين، وقالت النسبة الكبرى إلى حدٍّ بعيدٍ من كُتَّاب المدونات (٣٧ في المائة) إن «الموضوع الأساسي» لمدوَّناتهم وهو «حياتي وتجاربي»، كان يتقدَّم بفارق كبير على ثاني أكثر موضوع أساسي يُذكر، وهو «السياسة والحكومة» (١١ في المائة).٥ لم يَقُل إلا ٥ في المائة إن موضوعهم الأساسي كان «الأخبار العامة والأحداث الجارية» (فيجوال إديتورز، ٢٠٠٦).
بصرف النظر عن النسبة المنخفضة من المدونات التي تركِّز على الأخبار العامة والأحداث الجارية، تُشرِك الصحفُ مستخدِمِي الإنترنت في عملية جمع الأخبار. تقول ريبيكا ماكينون، الزميلة البحثية في مركز بيركمان للإنترنت والمجتمع التابع لكلية الحقوق بجامعة هارفرد: «لا يستطيع أي صحفي، ببساطة، أن يغطي الكمَّ الهائل من الأحداث التي يواجهها في أي يوم. تُمكِّن أجهزةٌ مثل الهواتف المزوَّدة بكاميرات الناسَ من نشر رسائلهم وصورهم وقصصهم إلى العالم» (كيرتز، ٢٠٠٦). توفر كاميرات الهواتف الخلوية حاليًّا الصور الثابتة والمتحركة لكلٍّ من التلفزة والتدوين عبر أجهزة «الموبلوج» المحمولة (Moblog وهي مزيج من كلمتَيْ «موبايل» و«ويبلوج»).

إن الدافع الأساسي لإنشاء الصحف للمدونات وإشراك «صحفيين مواطنين» في نقل الأخبار اليومية يبدو واضحًا؛ تداول الصحف في انخفاضٍ سريع، «ويزداد بحث الناشرين على الإنترنت عن القراء، خاصةً القراء الأصغر سنًّا الذين يبدو أنهم يتجاهلون نسخهم المطبوعة تمامًا» (ميلاميد، ٢٠٠٦). وفي محاولة لجذب قراء جدد، تعرض جميع الصحف تقريبًا نفسَها بطريقةٍ ما على الإنترنت، وبعضها يغيِّر جذريًّا طريقةَ جمع الأخبار وتنسيقها وتقديمها.

على سبيل المثال: تُعِيد شركةُ جانيت تنظيمَ غرفةِ أخبارها لتعكس التأثيرَ المتزايد للإنترنت والحوار المجتمعي. «تتمثَّل خطةُ شركة جانيت في إعادة تسمية غرفة الأخبار «بمركز المعلومات»، وتقسيمها إلى سبعة أقسام: قسم الخدمة العامة، والقسم الرقمي، وقسم البيانات، وقسم الحوار المجتمعي، والقسم المحلي، وقسم المحتوى الخاص، وقسم الوسائط المتعددة» (آرينز، ٢٠٠٦).٦
تبحث وسائل الإعلام السائدة الأخرى في طرق كثيرة للاستفادة من الإنتاج باستخدام الوسائط المتعددة، والإنترنت، وجمهورها العالمي.٧

أضافَتْ ذي [واشنطن] بوست مؤخرًا «بوست جلوبال»، وهي حلقة نقاش جماعي على الإنترنت يديرها الصحفيون الدوليون، كما أضافت أقسامًا للتعليقات على القصص، وأضافت عشرات المدونات، واستضافت مئات الساعات من المناقشات الحية. سلَّمَ الموقع نحو ٥٠ كاميرا فيديو للمراسلين لتسجيل محتوًى للإنترنت. وأنشأَتْ كذلك موقعَها الخاص للتواصل الاجتماعي، الذي يشبه موقع «ماي سبيس»، من أجل تمكين المستخدمين من إنشاء الصفحات والمجتمعات الإلكترونية. (ميلاميد، ٢٠٠٦)

باع موقع washingtonpost.com أيضًا مقاطع فيديو منقَّحة لمحطات تلفزة، مثل محطة بي بي إس، وعاد ذلك بالربح على الموقع لسنتين على الأقل؛ فالمحطة تدفع ثمن مقطع الفيديو، والموقع يحصل على الثناء على الهواء بسبب إنتاج العمل. يشرح جيم برادي، رئيس التحرير التنفيذي لموقع washingtonpost.com أسلوبه في التعامل مع إنتاج المحتوى الإلكتروني والوسائط المتعددة، فيقول: «تتمثَّل فلسفتنا في أننا عندما نسمع عن ظهورِ شيءٍ جديد، وتوجد ضجةٌ حولَه، نقول: حسنًا، فلنجربه» (ميلاميد، ٢٠٠٦).

يُثْنِي الكاتب في صحيفة لوس أنجلوس تايمز، كين وايس، على قدرة الصحيفة على الوصول إلى جمهور عريض عبر الإنترنت: «أرى هذا مثيرًا جدًّا للاهتمام؛ لأننا، في تقديري، نملك صحيفةً رائعةً، لكن الناس في الساحل الشرقي لا يعرفون هذا؛ لأنهم لا يشتركون في صحف الساحل الغربي. لكن الإنترنت تتيح لنا الوصولَ إلى جمهورٍ في جميع أنحاء العالم» (وايس، ٢٠٠٧).

على الرغم من الحماس بشأن الطرق الجديدة في سرد القصص، والوصول إلى جمهور عالمي، وتوليد الدخل؛ يرى البعض أن صناعة الصحف تباطأَتْ في تبنِّي تكنولوجيا الإنترنت، وأن ملاك الصحف يُواجِهون حاليًّا تحدِّيَ اللحاق بالركب قبل انهيار عائدات الصحف بالكامل. يقول مايكل رايلي، رئيس تحرير صحيفة رُوَانوك تايمز:

إذا نظرتُ إلى هذا بصفتي رجلَ اقتصادٍ، فإنني سأرسم رسمًا بيانيًّا به خطَّا اتجاهٍ من أجل شرح مستقبلنا. في هذا الرسم، سأنظر لأرى أين يمكن أن تقع نقطة التحوُّل، حينما يتحرك ثقل جهدنا في نشر الأخبار من الطباعة إلى الإنترنت. يمثِّل الخط الأول، الذي يهبط باستمرارٍ بمرور الوقت، التزامَ القراء تجاه الصحف المطبوعة؛ أما الخط الثاني، الذي يصعد باستمرار، فيعبِّر عن لجوء المستخدمين إلى الإنترنت من أجل الحصول على الأخبار. في نقطةٍ ما، في المستقبل غير البعيد جدًّا، سيتقاطع هذان الخطان.

مع اتجاهنا نحو نقطة التحول، يساعدنا خطَّا الاتجاه هذان في معرفةِ أنه لا بد بالفعل من حدوثِ تحوُّلٍ مُواكِبٍ في عملياتنا الإخبارية. بالتدريج، نحتاج إما إلى إضافة موارد — أناس ومال — وإما إلى تحويلها من الطباعة إلى الإنترنت. تُعتبَر إعادةُ توزيع الموارد هذه من أهم القضايا التي تواجِهنا؛ فنحن نعلم من خبرتنا أننا يجب أن نبدأ بالفعل في بذل الجهود من أجل تخصيصِ وقتٍ للصحفيين في غرفة الأخبار لتجربة سرد القصص الرقمي وتعلُّم المزيد عنه. ومع التخطيط الجيد، لن تكون مقايضات هذا التحول بالضرورة حادة أو موهنة. (رايلي، ٢٠٠٦)

يضيف ترافيس فوكس قائلًا: «النشر على الإنترنت مربح. والإجابة على المدى الطويل هي معرفة ما إذا كنا نحقِّق ربحًا يكفي لتعويض التراجُع في التداول والإعلانات في الصحيفة» (فوكس، ٢٠٠٦).

تزداد المعادلة تعقيدًا بسبب التفاوت بين عائدات الإعلانات القادمة من جمهور النسخة المطبوعة في مقابل جمهور نسخة الإنترنت. «يقول جافين أوريلي، رئيس الاتحاد العالمي للصحف في باريس، إن قراء النسخة المطبوعة أكثر قيمةً من القراء على الإنترنت، الذين يستخدمون مواقعَ الصحف «بطريقة عشوائية ومتقطِّعة»» (ذي إيكونوميست، ٢٠٠٦). على الرغم من أن الأرقام ليسَتْ دقيقةً للغاية — يجب الحصول على عددٍ يتراوح بين ١٠ قراء و١٠٠ قارئ على الإنترنت لتعويض العائد عن كل قارئ للنسخة المطبوعة يُفقَد — فالناشرون يتفقون على أن الصحف تواجه تحديات كبيرة عندما تحاول استبدالَ عائد النسخة الإلكترونية بعائد النسخة المطبوعة (ذي إيكونوميست، ٢٠٠٦).

تواجه مواقعُ الإنترنت مسائلَ أخرى أيضًا:

يشعر نيك جاولينج، المقدِّم الأساسي في قناة «ورلد» التابعة لهيئة الإذاعة البريطانية … بالقلق حيال ما يُطلَق عليه «تعسُّف الوقت الحقيقي». قال إنه يتساءل كيف يمكن للصحفيين قياسُ الحقيقة والدقة في مواقف المواعيد النهائية الثابتة، وقال إن المشاهدين والقراء يطالبون بنشر الأخبار بسرعةٍ، وفي العصر الحالي، يساعد كثيرٌ منهم في تحقيق هذا. وقال: «يريد منَّا الجمهور مشارَكةَ كلِّ معلومةٍ وتحديدَ مصدرها.»

إلا أن هذه الاستجابات، على حد قوله، لا تقدِّم دومًا معلوماتٍ صالحةً للاستخدام؛ وهذا ما حدث في أثناء تغطية بي بي سي تفجيرات القطار والحافلة في لندن في يوليو الماضي؛ فبعدَ مطاردةٍ، قتلَت الشرطة رجلًا اتضح أنه لم يكن متورِّطًا في هذه التفجيرات. نتج عن هذه الحادثة فيضٌ من الرسائل الفورية وصور الهواتف المحمولة. قال جاولينج: «كان لدينا شهودُ عيانٍ موثوق بهم في الساعات الثلاث الأولى. كانوا جميعًا موثوقًا بهم، واتضح أن جميعهم كانوا مُخْطِئين.» (كيرتز، ٢٠٠٦)

قدَّمَت الحرب في العراق عددًا من الأمثلة التي تُضخِّم ما تنطوي عليه الإنترنت من فوائد وتحديات محتملة. ربما كان أفضلَ هذه الأمثلة الصورُ البَشِعة من سجن أبو غريب؛ صورٌ التقَطَها جنودٌ في الميدان وأرسلوها إلى أصدقائهم وأفراد أسرتهم عبر الإنترنت.٨ وصلت الصور في النهاية إلى جمهور أمريكي مصدوم، وأدَّتْ إلى إجراء تحقيقاتٍ في طريقة معاملة السجناء. إذا كانت قدرةُ الجنود على تسجيل المعلومات والصور ونشرها تتحدَّى سيطرة الحكومة، فهي تعمل أيضًا على تنوير المواطنين الأمريكيين (وعلى ما يبدو قادة الحكومة أيضًا).

أشار وزير الدفاع، دونالد رامسفيلد، في شهادته أمام لجان الكونجرس، إلى أن فيض الصور هذا أصبح الآن خارجَ نطاقِ سيطرة السلطات الأمريكية … كان السيد رامسفيلد مستاءً من نشْرِ مثلِ هذه الصور، وقال: «نحن نعمل بقيودِ وقت السلام، بمتطلبات قانونية، في وقت الحرب في عصر المعلومات، حيث يسير الناس حاملين معهم كاميراتٍ رقميةً ويلتقطون مثل هذه الصور التي لا يمكن تصديقها، ثم يمرِّرونها، على نحوٍ مخالِف للقانون، إلى وسائل الإعلام، بما يثير دهشتنا.» ومع ذلك، اعترف بأنه لم يدرك خطورة الادعاءات إلا حينما تسرَّبَت الصور إلى وسائل الإعلام. (ماسيدا، ٢٠٠٤)

توفِّر الإنترنت فرصةَ نشْر الأخبار ورؤيتها من وجهات نظر متنوعة بخلاف منظور الجنود في الميدان؛٩ فهي تتيح الإمكانية (التي لا تتحقَّق دومًا) لأن تكون سوقًا حقيقية للأفكار؛ فهي تسمح لمستهلك الأخبار بالحصول على قصصٍ وصورٍ تناقِضُ «التوجُّهَ الرسمي» في حرب العراق (زيلزر، ٢٠٠٤). ولأن أيَّ شخصٍ يحمل كاميرا رقمية، وكمبيوترًا، ولديه اتصالٌ بالإنترنت يستطيع نشْرَ صور (سيمون، ٢٠٠٤)، يمكن أن تُرَى الحرب بأعين أيِّ عددٍ من الثقافات، والمؤيدين السياسيين، والنشطاء.

قد يقول البعض إن هذا النوع من المعلومات المجانية للجميع يحتمل إمكانية وجود دعايةٍ وتزييفٍ صريحَيْن، إلا أن هذا هو نوع التنافس المتحزِّب نفسه الذي واجَهَه مؤسِّسو الولايات المتحدة وأعطوه امتيازات خاصة.

يتجنَّب البعض الحصولَ على معلوماتٍ عن حرب العراق عبر الإنترنت بسبب احتواء الإنترنت على صور اعتبرتها وسائلُ الإعلام المطبوعة مُفْجِعةً بدرجةٍ لا تجعلها مناسبة للنشر (كارتر وستاينبرج، ٢٠٠٤). بينما يقول آخَرون إن العواقب الوخيمة للحرب يجب أن تُرَى، لا أن تُخفَى أو تُجمَّل. يقول بير هاو:

الحرب مُفْجِعة ومقيتة دومًا، وفي كل مرة نحاول تجميلها نرتكب جريمةً أخلاقيةً؛ فعندما نختبئ خلف الأمان الذي توفِّره لنا دعايتنا؛ حيث لا وجودَ لأيِّ خسائر في الأرواح، ولا وجودَ لإصابات تسبِّب تشوُّهاتٍ شديدةً، ويحتشد الشعبُ الذي نحرِّره حول قواتنا بسعادة، وتصبح عباراتٌ مثل «أضرار جانبية» و«نيران صديقة» بدائلَ مربكةً لعباراتٍ مثل «ضحايا أبرياء» و«افتقار مأساوي للكفاءة»، فإننا نرتكب الخطيئة القصوى. فإننا نقنع أنفسنا، والأسوأ من هذا، نقنع أطفالَنا، بأن الحرب أمرٌ لا بأسَ به. إذا كان بإمكاننا إنتاجُ رجال ونساء لديهم الشجاعة لتصوير ما يحدث فعليًّا في الحرب، فإننا، بصفتنا مجتمعًا، يجب أن نتملك الشجاعةَ للاطِّلاع على ما يرونه. (هاو، ٢٠٠٤)

في النهاية، لا يستطيع أحدٌ إجبارَ الجمهور على رؤية صور مزعجة أو قراءة قصص تنتقد سياسة الولايات المتحدة. تُظهِر استطلاعاتُ الرأي انقساماتٍ بالغةً بشأن عرض الصور المفجعة؛ فوفقًا لما جاء في استطلاعٍ للرأي أُجرِي في عام ٢٠٠٤، لا يبحث فعليًّا إلا نسبة قليلة من مستخدمي الإنترنت عن صورٍ من العراق اعتبرَتْها الصحفُ والتلفازُ مفجعةً لدرجةٍ تمنع عرْضَها. إضافةً إلى ذلك، يزيد عددُ الأمريكيين الذين يعتقدون أن مثل هذه الصور ينبغي ألَّا تُنشَر على الإنترنت، على عدد الذين يعتقدون بأنها ينبغي أن تُنشَر (فالوز ورايني، ٢٠٠٤).

بالإضافة إلى ذلك، تتردَّد وسائلُ الإعلام في نشْرِ أي شيء يتعارض مع الرأي العام أو بَثِّه عبر قنوات مفتوحة أو مشفرة، أو نشره على الإنترنت؛ فعلى عكس مواقع الإنترنت التي تخدم جمهورًا خاصًّا،١٠ تحاول وسائل الإعلام الإخبارية السائدة الوصولَ إلى جماهير أعرض، أملًا في تحقيق أكبر عائدات مالية.

«حذَّرَتْ ماكينون، التي عملت في السابق مُراسِلةً أجنبيةً ومنتجةً في محطة سي إن إن، من التوقعات بشأن «وجود مدينة فاضلة على الإنترنت»؛ «فالتكنولوجيا الحديثة لا تجعلنا أكثر ديمقراطيةً» كما تقول. «سيتوقف الأمر على ما نصنعه منها»» (كيرتز، ٢٠٠٦). مع تزايُدِ تحوُّل الإنترنت إلى أكبر مقدِّم للمعلومات، سيكون من الممتع أن ننتظر لنرى ما ستَئُول الأمور إليه؛ فهل ستقدِّم الإنترنت نطاقًا واسعًا وعميقًا من المعلومات التي تُعرَض بدقةٍ وعلى نحوٍ أخلاقي يُساعِد في إعادة بثِّ النشاط في الناخبين السياسيين، ويُطلِع المواطنين على العالَم من حولهم، أم أن مالكي الصحف ينظرون إلى الإنترنت على أنها حلٌّ اقتصادي لتراجُع عدد القراء على حساب المحتوى الهادف؟

هل ستسيطر المواقع التجميعية، مثل جوجل، على تدفُّق المعلومات، تمامًا مثلما فعلت الصحف السائدة في القرن الماضي؟ وهل ستصبح الأفضلية للأسلوب على المحتوى في وسَطٍ يتَّسِم بمواد بصرية بارعة وإمكانيات تفاعلية؟

هذه أسئلة مهمة، مثل «تراجُع المستوى الفكري» في أمريكا — كما أطلق عليه البعض — في وقتٍ أصبحت فيه القضايا الدوليةُ والبيئية تحدِّيًا لمستقبل الدولة والكوكب.

هوامش

(١) يُشِيد الصحفيون العاملون في الصحافة المرئية بقدرة الصحف على نشر معلومات مرئية على مواقعها الإلكترونية أكثر مما تستطيع طباعتها. يقول كبير المحررين في صحيفة نيويورك تايمز، مايك سميث: «أحد الأشياء التي حدثَتْ في أثناء أحداث الحادي عشر من سبتمبر أنْ أصبح موقعنا الإلكتروني يعجُّ بالصور. فإذا كنا ننشر ٢٠ صورة في الجريدة، أصبح بإمكاننا أن نضع ٥٠ صورة على الموقع، وكان الناس في جميع أنحاء العالم يتفاعلون مع هذه الصور. كان واضحًا من ردِّ فعل القراء أنهم فهموا الأمرَ وأنهم يقدِّرونه» (سميث، ٢٠٠٤).
(٢) يجب أن يتعلَّم صحفيو الصحف أيضًا التواصُل مباشَرةً مع القراء عبر مدونات الجريدة. بعضهم يرحب بهذه المهمة، بينما يكون حماسُ البعض الآخر أقلَّ. محقِّقةُ الشكاوى في صحيفة واشنطن بوست، ديبورا هاويل، «تقول إن «المراسلين في عصرنا الحالي يحصلون على تقويم يومي من القراء أكثر من أيِّ صحفيين على مدار التاريخ»، كما تستطلع آراء العديد من المحررين والمراسلين في الصحيفة من أجل معرفة كيف يتعاملون مع البريد الإلكتروني الذي يتلقَّوْنه من الجمهور. كانت الردود مختلطة؛ حيث عبَّرَ بعض المراسلين عن حبِّهم للأمر، بينما كان آخَرون يكرهون «الرسائل الإلكترونية الوَقِحة، والفجَّة، والمتعصبة جنسيًّا، والعنصرية، والمعادية للسامية» التي يبدو أنها تأتي في صورة ردِّ فعلٍ تلقائي على القصص» (جرير، ٢٠٠٦).
(٣) «يعتبر ثلثُ إجمالي كُتَّاب المدونات (٣٤ في المائة) مدونتهم أحدَ أشكالِ الصحافة، وفقًا لما جاء في دراسةٍ لمشروع بيو للإنترنت والحياة الأمريكية» (فينا، ٢٠٠٧).
(٤) قد تكون حياةُ كُتَّاب المدونات (تمامًا مثل الصحفيين التقليديين) إلى حدٍّ بعيدٍ أكثرَ عرضةً للخطر في الدول التي تحكمها نُظُمٌ قمعية. «أعَدَّتْ مؤسسةُ «مراسلون بلا حدود» قائمةً بخمس عشرة دولة «عدوَّة للإنترنت» (روسيا البيضاء، وبورما، والصين، وكوبا، وإيران، وليبيا، وجزر المالديف، ونيبال، وكوريا الشمالية، والمملكة العربية السعودية، وسوريا، وتونس، وتركمانستان، وأوزبكستان، وفيتنام) …
تعلن وزارة المعلومات في إيران صراحةً أنها تمنع الوصولَ إلى مئات الآلاف من المواقع الإلكترونية. يستهدف آيات الله الحاكمون أيَّ نوعٍ من المحتوى الجنسي، وكذلك مواقع الأخبار المستقلة. تتميَّز إيران بالقبض على معظم المدونين وسَجْنهم — أُلقِي عددٌ كبيرٌ منهم في السجن في الفترة بين خريف عام ٢٠٠٤ وصيف عام ٢٠٠٥» (مراسلون بلا حدود، ٢٠٠٦).
(٥) في ٢٣ من يوليو عام ٢٠٠٧ موَّلَتْ شركاتُ يوتيوب وجوجل وسي إن إن مناظرةً رئاسيةً مدتها ساعتان في مدينة تشارلستون في ولاية كارولينا الجنوبية. اختار محرِّرو السي إن إن عددًا من الأسئلة من بين مقاطع الفيديو التي أُرسِلت إلى يوتيوب. قال مايكل سيلبرمان من شركة الاستشارات على الإنترنت «إيكوديتو»: ««أعظم ابتكارٍ في هذه المناقشة أننا نرى المرشحين وهم يردُّون على ناخبين حقيقيين بدلًا من شخصيات تليفزيونية لامعة». «يمثِّل هذا مكسبًا للمرشحين الذين يكونون في أفضل حالاتهم عند حديثهم مع الناخبين، وهو مكسب للديمقراطية؛ حيث أصبح لدى المواطنين الأمريكيين العاديين من خارج ولايات المرحلة الأولى الفرصةُ لطرح أسئلةٍ مباشِرةٍ على المرشحين»» (بيكلر، ٢٠٠٧).
مع ذلك، لم يعجب جميع المشاهدين بهذا. «في حين كان هناك شكل جديد للمناظرة … لم يمضِ التغيير طويلًا؛ كان المرشحون يتملَّصون من النقاط المحددة لحديثهم، ولم يكن هناك كثيرٌ من الجدال الفعلي بينهم» (هيلي وزليني، ٢٠٠٧).
تكوَّنَت الحركة السياسية «يونيتي ٠٨» (unity08.com) على الإنترنت بالكامل. فيستميل الحزب ترشيحاتٍ للرئيس على الإنترنت، عبر «أول تجمُّع افتراضي من نوعه على الإنترنت» ويُجري مناقشة على الإنترنت عبر مدونته.
(٦) «ستصبح أخبار الشركة «على منصات متعدِّدة»؛ بمعنى أنها يمكن تقديمها بأية طريقة يريدها القارئ؛ على الورق، أو على الإنترنت، أو على جهاز محمول، وما إلى ذلك» (آرينز، ٢٠٠٦). فصل المحتوى عن التصميم؛ حتى يمكن إعادة استخدام المحتوى نفسه لأغراضٍ أخرى في وسائط عدة؛ يعمل على تسهيل هذه العملية.
(٧) تمتلك الشركة الصحفية النرويجية، شيبستيد، صفحتها الرئيسية على الإنترنت. يحقِّق هذا فرقًا كبيرًا في كمِّ المال الذي تستطيع جمعه من المعلنين. «يقول السيد مونك [نائب الرئيس التنفيذي لشيبستيد]: «إذا جاء الزائرون من جوجل إلى قصص مدفونة في الصحيفة ثم رحلوا، فستحصل جوجل على الدولارات ولا نحصل نحن إلا على السنتات؛ لكننا إذا استطعنا جذبهم من خلال صفحتنا الأمامية، فإننا قد نحصل على ١٩ ألف يورو (٢٥ ألف دولار) نظيرَ عرض شعار إعلانٍ لمدة ٢٤ ساعة.» على الرغم من هذا، ما زال معظم الصحف يعتمد على مواقع الأخبار التجميعية» (ذي إيكونوميست، ٢٠٠٦).
(٨) أنشأ الصحفي المصور كيم نيوتن مجموعة على الإنترنت لصورٍ التقَطَها جنودٌ يخدمون في العراق. وهذا الموقع المسمى «ديجيتال ووريرز» (المحاربون الرقميون) «يهدف إلى تقديم أفضل أعمال هؤلاء الجنود» (كولومبو، ٢٠٠٥).
(٩) أظهَرَ تحليلٌ للمحتوى أُجرِي في عام ٢٠٠٧ للقصص التي ظهرت في خلال أسبوع واحد عن العراق، صُمِّم من أجل دراسة الاختلافات بين مصادر الصحف والمدونات، أن «المدونات كانت أكثر تنوُّعًا بعض الشيء في مصادرها … (و) مقارَنةً بالصحف، قلَّ كثيرًا احتمالُ اشتمالها على مصادر عراقية رسمية» (فينا، ٢٠٠٧).
(١٠) ثمة موقع يُدعَى NowThatsFuckedUp.com «بدأ بوصفه مكانًا يتبادل فيه الناس مقاطع إباحية هاوية للزوجات والصديقات. على حدِّ قول مالك الموقع، كريس ويلسون … أُطلِق الموقع في أغسطس عام ٢٠٠٤، وسرعان ما أصبح مشهورًا لدى الجنود في العراق وأفغانستان» (جلاسير، ٢٠٠٥). حينما منعت المؤسسةُ العسكرية الأمريكية الوصولَ إلى هذا الموقع من أجهزة الكمبيوتر التابعة لها فيما بعدُ، استجابةً للمجندات اللاتي ظهرْنَ عاريات على الموقع، أتاح ويلسون إمكانيةَ استخدام الجنود للموقع مجانًا، إذا استطاعوا إثباتَ رتبتهم العسكرية.
على الرغم من أن كثيرين نشروا صورًا غير ضارة تُظهِر الأنشطةَ اليومية للجنود، نشر البعض صورًا أكثر إفجاعًا. «يوجد حاليًّا منتدًى كامل على الموقع … تُظهِر فيه هذه الصور الدموية أشلاءً، مثل رءوس متفجرة، وأمعاء تتدلَّى خارج الجسم. يُنشَر مع الصور تعليقات مستمرة من أناس يحتفلون بالقتل، ويُلقون دعابات، ويتحدثون عن نوع السلاح المُستخدَم في عمليات القتل هذه. إلا أن الوسطاء يتدخلون أيضًا عندما يحتدم النقاش، وأحيانًا قد ينشأ حوارٌ جاد عن الحرب في العراق وأهدافها …
قال النقيب كريس كارنز، المتحدِّث باسم القيادة المركزية الأمريكية، إن ثمة قوانين وضعَتْها وزارة الدفاع واتفاقيات جنيف ضد تشويه الجثث ومعاملتها على نحوٍ غير إنساني، لكنه لا يعلم بشأن وجود قوانين لها علاقة بتصوير الجثث. وأشار إلى أن إدارة بوش أعطَتْ وسائلَ الإعلام بالفعل صورًا مفجعة لجثتَيْ عُديٍّ وقُصيٍّ ابنَيْ صدام حسين» (جلاسير، ٢٠٠٥).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤