لا تنقصه الصراحة!

نظر «أحمد» إلى «بو عمير» وتحدَّث بطريقةٍ خاصةٍ فدار «بو عمير» حول «أحمد»، وهو ينظر في الاتجاه الذي حدده. ظهرت الدهشة على وجه «بو عمير» هو الآخر ثم قال: لقد انكشفت اللعبة.

أعلن الحكم انتهاء الجولة الأولى، وتراجع الاثنان، غير أنَّ «أحمد» ظل مركزًا بصره في اتجاه الوجه الذي ظهر. مرَّت دقيقة ثم أعلن الحكم استمرار اللعبة.

وقف الاثنان، وبدءا يُقدِّمان حركات استعراضية بطيئة … حتى يرى الناس كيف يمكن تحقيق ضربة قاتلة. وعندما التحم «أحمد» و«بو عمير»، قال «أحمد»: إنه «جيرار» المزيَّف، ولا بد أن أحدهما «مارش» أو «روك».

استمرا في اللعب حتى انتهت المباراة … وارتفع التصفيق. حيَّا الاثنان المُتفرجين ثم أخذا مكانَيهما، في نفس اللحظة التي وقفت فيها «ريما» ثم «زبيدة» استعدادًا للعب. همس «بو عمير» في أذن «أحمد»: علينا أن نستعدَّ.

أحمد: لقد أعدُّوا كل شيءٍ.

بو عمير: كيف؟

ارتفع صوت المذيع يعلن بداية الاستعراض الجديد بين مس «ليلى» ومس «نادية» وعندما أنزل الحكم يده … بدأت المباراة.

وقفت «ريما» و«زبيدة» مُتقابلتين وأخذت كلٌّ منهما وضع الاستعداد. دارت «زبيدة» حول نفسها بعيدًا عن «ريما» ثم فاجأتها بضربة على العنق غير أن «ريما» تفادت الضربة، بيدها اليمنى ثم وجهت سيفًا قاطعًا على مفصل الذراع اليسرى ﻟ «زبيدة». فضجت القاعة بالتصفيق.

في نفس اللحظة، وصلت ورقةٌ صغيرة إلى «أحمد»، فتحها، وقرأ ما فيها: هناك دعوةٌ للعشاء … احتفالًا بكم تُقيمه جمعية «الضربة القاضية». الاحتفال سيكون بعد الحفلة بساعتين.

كان «بو عمير» يقرأ الورقة مع «أحمد». نظر له «أحمد» قائلًا: ها قد بدأت اللعبة.

هزَّ «بو عمير» رأسه وقال: لقد فهمت.

استمرت المباراة … بين تصفيق الحاضرين. وعندما انتهت أعلن حكم المباراة … بين تصفيق الحاضرين إهداءَ كأس ذهبية للمجموعة مقدَّمة من «جمعية الضربة القاضية» إعجابًا بمستوى اللاعبين الأربعة، ومنحهم حق العضوية الشرفية.

ارتفع التصفيق من الحاضرين، ثم بدءوا يأخذون طريقهم إلى الخروج، في نفس اللحظة التي عاد فيها الشياطين إلى حجرتهم ثم أخذوا طريقهم إلى الفيلا.

وما إن دخلوا الفيلا حتى دق جرس الاستقبال فأسرع «أحمد» إليه، وبدأ يتلقَّى رسالة من المقر السري:

من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س»: أنتم مدعوُّون إلى العشاء في مقر عصابة «الحزام الأسود» في الطريق إليكم … «خالد» و«رشيد».
ردَّ «أحمد»: من «ش. ك. س» إلى رقم «صفر»: عُلم. نحن جاهزون.

عاد «أحمد» إلى الشياطين وأخبرهم بمحتوى الرسالة. بعد قليلٍ جاءتهم مكالمةٌ تليفونيةٌ … تطلب منهم التوجه إلى العنوان الآتي: شارع ٤٩ رقم ١٤. وعندما سأل «بو عمير» عن الساعة … أجاب المتحدث بعد نصف ساعة.

قال: يجب أن نَنطلق الآن.

تحرك الشياطين في اتجاه الباب، غير أن رنين جهاز الإرسال أوقفهم. قالت «زبيدة»: رسالة من رقم «صفر».

أسرع «بو عمير» إلى الجهاز وتلقَّى الرسالة: من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س» … نحن في «برن». نظر «بو عمير» إلى «أحمد» مُبتسمًا، ثم أرسل رسالةً إليهما: من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س» … مرحبًا بكما، إننا في الطريق إلى مقر العصابة، إلى اللقاء.

عاد «بو عمير» ونقل للشياطين مضمون الرسالة فقالت «ريما»: شياطين فعلًا. تحركوا إلى الباب ثم استقلُّوا سيارتهم التي كان يقودُها «بو عمير». لم تمض ربع ساعة حتى كانوا يقفون أمام المنزل رقم ١٤ في شارع ٤٩. وعندما تقدموا خطواتٍ من الباب فُتح من تلقاء نفسه، فنظر الشياطين إلى بعضهم … ثم تقدموا. كانت أمامهم قاعة واسعة سوداء اللون، وقد جلس فيها عدد كبير من الرجال يلبسون الأبيض … فكان منظرًا غريبًا. توقف الشياطين لحظة وقال رجل يجلس في صدر القاعة: مرحبًا بكم في مقر جمعية الضربة القاضية.

كانت أعين الشياطين تجري بسرعة على وجوه الجالسين، استطاع «أحمد» أن يكتشف الرجلين اللذين لفتا نظره في الحفلة، ولكن كانت هناك وجوه أخرى كثيرة تخيَّل أنه سبق أن رآها أيضًا.

قال الرجل: أُقدِّم نفسي لكم … «كاسيو كاليكت» رئيس الجمعية، تفضلوا. كانت هناك أربعة مقاعد قريبة منه. اثنان على يمينه واثنان على يساره. تقدم الشياطين من «كاسيو»، وجلس «بو عمير» و«زبيدة» على يساره وجلس «أحمد» و«ريما» على يمينه.

قال «كاسيو»: إننا سعداء بلقائكم، وهؤلاء الأصدقاء أعضاء الجمعية يشاركونني السعادة.

صمت «كاسيو» قليلًا ثم أكمل: ولقد استمتعنا تمامًا بالعرض الذي قدمتموه، وأسعدنا أكثر أنكم قبلتم عضوية جمعيتنا الشرفية.

كان الشياطين يستمعون إلى كلمات «كاسيو» وهم مُنتبهون تمامًا، لكل شيء في القاعة. مرت لحظات صامتة ثم فُتح باب جانبي، وظهرت منه عربة صغيرة … تتحرك ذاتيًّا، كانت تحمل أكواب العصير. تحركت العربة حتى وقفت أمام «أحمد» و«ريما» وقال «كاسيو»: تفضلا.

أخذ «أحمد» كوبًا وأخذت «ريما» كوبًا آخر، ثم تحرَّكت العربة مرةً أخرى، لتقف أمام «بو عمير» و«ريما» فأخذ كلٌّ منهما كأسًا من العصير، وبدأت العربة تتحرك أمام أعضاء الجمعية. فيأخذ كل منهم كوبًا. وعندما أصبحت الأكواب في أيدي الجميع، أخرج «كاسيو» زجاجةً صغيرة، من جيبه ثم قال للشياطين: معذرةً، مريض بمعدتي، وأُضطرُّ دائمًا لشرب هذا الدواء.

رفع الزجاجة إلى فمه، ثم قال: نشرب نخب أصدقائنا الجدد. ونتمنى أن ينضموا إلينا. شرب الجميع بسرعة، إلا الشياطين الذين كانوا يشربون ببطء.

نظر لهم «كاسيو» مبتسمًا، ثم قال: أرجو أن تثقُوا فينا. إنه ليس مشروبًا ضارًّا.

قال «أحمد»: نحن نثق تمامًا في مستر «كاسيو».

رفع الزجاجة مرة أخرى إلى فمه وقال: في صحتكم مرة أخرى.

رفع الشياطين أكوابهم وشربوا قليلًا. قال «كاسيو» مُخاطبًا «أحمد»: مستر «سامح» هل تفضل الغناء؟ كان السؤال غير متوقَّع، حتى إن «أحمد» لم يردَّ مباشرةً لكن فكَّر بسرعةٍ وقال: نعم. أُفضل الغناء وإن كنت أميل إلى الموسيقى أكثر.

هزَّ «كاسيو» رأسه وقال: رائع. رائع. إنني أيضًا أُفضِّل الموسيقى.

نظر إلى «ريما» وقال: مس «ليلى»؟

قالت «ريما»: أنا أيضًا أفضل الموسيقى.

«كاسيو»: إذن نحن جميعًا نُفضل شيئًا واحدًا. إن هذا يجعل ما نفكر فيه … سهلًا.

دخل أحد الرجال وانحنى أمام «كاسيو» قائلًا: الشرفة مُعدَّة يا سيدي.

هز «كاسيو» رأسه ثم وقف قائلًا: اسمحوا لي أيها الأصدقاء أن أنفرد قليلًا بأصدقائنا الجُدد في بعض الكلمات … تستطيعون طبعًا أن تمرحوا … كما تشاءون.

أشار للشياطين فوقفوا، ثم تقدمهم خارجًا، سار الشياطين خلفه، حتى خرجوا من القاعة. ثم انحرفوا يسارًا فوجدوا شرفة واسعة، زرقاء اللون … تُطلُّ على منظرٍ رائعٍ بالليل، وأضواءٍ متناثرةٍ بعيدةٍ وروائح مُنعِشة تملأ المكان.

قال «كاسيو»: ما رأيكم، أليس مكانًا بديعًا؟ إنني دائمًا ألجأ إلى هذا المكان كلما احتجت إلى لحظة تفكيرٍ في مُشكلةٍ معقَّدةٍ. إنه يَجعلني أفكر بارتياحٍ … وهدوءٍ.

أحمد: إنه منظرٌ بديع فعلًا.

كاسيو: تفضَّلوا إننا هنا لا يسمعنا أحد … ولا يرانا أحد، ولذلك. فيُمكننا أن نتحدث بحرية.

جلسوا ومرت لحظة صمت كان الشياطين يجلسون يرقبون المكان في هدوء، في محاولة للتأكد من أن أحدًا لا يراهم الآن أو يَسمعُهم. كانت تتوسَّط المقاعد منضدة مستديرة تبدو وكأنها صنعت من الخيزران، مملوءة بثقوب صغيرة كثيرة، تتوسَّطهما تمامًا دائرة لامعة وكأنها صنعت من الماس. نظر إليهما «كاسيو» لحظة ثم قال: إنها ماسة ثمينة جدًّا. لعلها واحدة من أهم الماسات المعروفة في العالم.

أخرج منديله الحريري ثم قام بتلميعها فازداد بريقُها. نظر إلى «ريما» وقال: مس «ليلى» هل تُحبين الماس؟ نظرت «ريما» إلى الماسة قليلًا ثم قالت: لا يوجد أحد لا يُحبه.

كاسيو: هل تُحبِّين أن أُهديَ لك واحدةً منها؟

شكرتْه «ريما». فابتسم قائلًا: يبدو أنكِ فتاة عملية أكثر.

كان «كاسيو» يبدو مَرِحًا تمامًا، ولذلك فقد ظلَّ فترةً طويلةً يُلقي نكاته وقفشاته دون أن يتحدث في شيءٍ، غير أنه أخيرًا قال: أصدقائي الآن يُمكن أن نتحدث … بطريقةٍ جادةٍ. إنني أرى أن نتحدث في العمل، وهذا يسعدني تمامًا.

نظر إلى «أحمد» وقال: مستر «سامح» إنني أحتاجُك للعمل معي، فكم تكسب في الشهر؟

فكَّر «أحمد» بسرعة ثم قال: إن ذلك يتوقف على عدد المباريات التي ألعبها.

كاسيو: حسنٌ كم كان نصيبك الليلة مثلًا؟

لم يخطر ببال «أحمد» هذا السؤال لكن رد بسرعة وبطريقةٍ واثقةٍ: عشرة آلاف فرنك لكلٍّ منا. فهي لا تعدو أن تكون مباراةً استعراضيةً.

كاسيو: عظيمٌ، فإذا لعبت مباراةً حقيقيةً. فماذا يكون دخلك فيها؟

كان «أحمد» يفكر في إجابةٍ سليمةٍ للسؤال. بعد أن عرف اتجاه تفكير «كاسيو».

قال: إنني عادةً أتفق على نسبةٍ من الدخل.

كاسيو: وكم تصل النسبة؟

أحمد: في بعض الأحيان إلى خمسين في المائة. ظهرت الدهشة على وجه «كاسيو» ثم قال بعد لحظة: إنها نسبة مُرتفِعة! لكن لا بأس. وكم مباراة تلعبها في السنة؟

أحمد: هذه مسألة ليست ثابتة.

كاسيو: في المتوسط؟

أحمد: بين عشر وخمسة عشرة مباراة.

شرد «كاسيو» قليلًا ثم نظر إلى الماسة التي تتوسَّط المنضدة، حينئذ رأى فيها «بو عمير» شيئًا ينتظره.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤