مهمةٌ … غامضةٌ!

رفع «بو عمير» عينَيه إلى «أحمد» الذي نظر في نفس الاتجاه.

رأى «أحمد» بعض الأشكال تَظهر وتختفي فوق الماسة. كانت الأشكال ليست واضحةً تمامًا، ولكن الشياطين يملكون القدرة على رؤيتها. عرفوا أنهم مُراقَبون تمامًا. وأن هناك ما ينقل حديثهم وربما … ما ينقل صورهم أيضًا.

قال «كاسيو»: لا بأس سندفع لك ضعف ما تكسبونه.

وصمت لحظة ثم قال: متى يُمكن أن تنضموا إلينا؟

لم يردَّ «أحمد» مباشرةً، وإنما انتظر لحظة، قبل أن يقول: إن ذلك يستدعي بعض التفكير.

كاسيو: لا أظن أننا سوف نختلف … إنني أعرف مقدرتكم تمامًا … وأقدِّرها.

ابتسم ابتسامةً واسعةً، ثم أكمل كلامه: لقد اختبرناكم، وعرفنا كيف تتصرفون بسرعةٍ.

ظهرت الدهشة على وجه الشياطين، فقال «كاسيو»: نعم … لقد أرسلنا لكم طبيبًا مزيفًا، ادَّعى أنه طبيب شركة التأمين.

فجأة، قام من مقعده، وقال: سوف أغيب عنكم قليلًا يمكن أن تناقشوا الأمر معًا، لكن أرجو أن تعرفوا أننا لن نختلف أبدًا.

شملهم بنظرة سريعة وابتسم، ثم انصرف في خُطًى سريعة.

بدأ الشياطين يتحدثون بلغتهم، التي لا يفهمها أحد سواهم، واتَّفقوا في النهاية أن يطلبوا مهلة للتفكير … حتى لا يشك أحد فيهم … كذلك يمكن مناقشة الأمر مع «رشيد» و«خالد».

تأخر «كاسيو» بعض الوقت، غير أن رجلًا ظهر أمامهم، وهو يبتسم: سوف يعود السيد «كاسيو» حالًا. إنه مشغولٌ بعض الوقت، هل يُمكن أن أؤدِّي لكم خدمة؟

شكره الشياطين فانصرف، ولم يكن أمامهم في هذه اللحظة سوى الصمت. إنهم مُراقَبُون سواء في حركاتهم أو في كلامهم، غير أن «أحمد» قال بالعربية: يجب أن نطلب الانصراف لأننا متعبون. إن ذلك يجعل موقفنا أفضل.

وافق الشياطين على فكرة «أحمد». ولم تكد تمرُّ لحظة حتى ظهر «كاسيو» مبتسمًا وقال: معذرةً لقد تأخرتُ قليلًا.

صمت لحظة، ثم قال وهو يجلس: ماذا قررتم؟

قال «بو عمير»: أعتقد أننا ما زلنا في حاجة إلى بعض الوقت … بجوار أننا متعبون ونحتاج للراحة.

«كاسيو»: لا بأس. فقط أريد أن أقول لكم … إننا لن نختلف. المسألة التي تهمنا هي مسألة انضمامكم … لنا.

وقف «بو عمير» وهو يقول: أعتقد أن ذلك سوف يكون رأينا الأخير.

وقف بقية الشياطين، وقال «كاسيو»: سوف تصلكم مكالمةٌ تليفونيةٌ تحدِّد لكم المكان الذي سوف نلتقي فيه.

شكره الشياطين، ثم أخذوا طريقهم إلى الخارج.

ظل «كاسيو» مصاحبًا لهم، حتى ركبوا سياراتهم، ثم انطلقُوا إلى الفيلا.

في الطريق قالت «ريما»: لماذا لا نذهب إلى المقر السري، حيث «رشيد» و«خالد»؟

قالت «زبيدة»: لا أظن. قد نكون مُراقَبين.

فجأة. أضيئت لمبة حمراء في تابلوه السيارة …

وقال «أحمد»: هل رأيتم؟ لقد كانت «زبيدة» على حق.

نظر الشياطين إلى اللمبة الحمراء. إنها تعني أن هناك جهاز تسجيل، يُسجِّل مكالمتهم، داخل السيارة.

قال «بو عمير»: دعونا من ذلك، حتى نصلَ إلى الفيلا.

برغم أنَّ الطريق كان قصيرًا … وكان معروفًا. إلا أنَّ «بو عمير» لم يذهب مباشرةً للفيلا.

لقد ظلَّ يمشي في شوارع «برن»، وهو يَرقُب من خلال المرآة الأمامية للسيارة، إن كان هناك من يَتبعُهم … فلمَّا اطمأنَّ إلى ذلك، عاد إلى الفيلا … عندما توقف في جراج الفيلا. مدَّ يدَه ثم ضغط زرًّا في تابلوه السيارة، ثم تركها دائرةً … نزل الشياطين، وبدأت عملية بحث عن المكان الذي يَختفي فيه جهاز التسجيل. فتحت «زبيدة» شنطة السيارة، فإذا بها ترى مسمارًا لامعًا في الظلام … بين مسامير العجلة الاحتياطية الموجودة في الشنطة … مدَّت يدها … فجذبت المسمار، ثم أسرعت إلى الشياطين، الذين كانوا يدورون حول السيارة … في محاولة لكشف المكان. قدمت لهم المسمار، أخذه «أحمد» وظل يتأمَّله، ثم أخذوا طريقهم إلى الداخل.

أحضر «بو عمير» جهازًا صغيرًا فتحه، ثم أدخل فيه المسمار. أدار الجهاز وبدأ الشياطين يستمعُون لأحاديثهم كلها … داخل السيارة. قالت «ريما»: يجب أن نُعيده، وأن نُسجِّل ما نُريد أن يسمعوه.

كانت فكرة طيبة، وافق عليها الجميع … ثم أخذوا يتحدثون.

قال «أحمد»: ما رأيك يا «ليلى»؟

قالت «ريما»: أعتقد أنها فرصةٌ بالنسبة لنا، أن ننضم إلى هذه المجموعة.

سأل «أحمد»: وأنت يا «فؤاد» … هل توافق «ليلى»؟

قال «بو عمير»: لا. يَجب أن يدفعوا أكثر. إن هذا عملنا. ولا نُجيد غيره … أليس كذلك يا «سامح»؟

قال «أحمد»: من حقنا طبعًا أن نَحصُل على ما نُريده. إن هذه فرصتنا.

قالت «ريما»: وأنت يا عزيزتي «نادية» … ما رأيك؟

قالت «زبيدة»: أعتقد أننا يجب أن ننضم إليهم فورًا … إنني أرى أن السيد «كاسيو» صادقٌ تمامًا. بجوار أنه أبدى مشاعرَ طبيةً نحونا.

هكذا دار الحوار، ثم أغلق الجهاز، وأخذه «بو عمير» ثم تحرَّك في اتجاه الجراج … قالت «ريما»: ولماذا الآن؟

بو عمير: ربما كانت في خطتهم أن يحصلوا عليه الليلة … فلماذا نحرمهم هذه الفرصة؟

غاب «بو عمير» لحظات. ثم عاد … بدأ «أحمد» يُرسل رسالة إلى «رشيد» و«خالد» تحوي مضمون ما حدث … انتظر الشياطين قليلًا، فجاءتهم رسالة الرد: من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س» … هذه خطةٌ بارعةٌ. نتمنَّى لكم التوفيق غدًا.

لم يسهر الشياطين كثيرًا … فقد انصرفوا للنوم مبكِّرين. الوحيد الذي لم ينم كان «أحمد»، لقد كانت تدور في رأسه، كلمات «بو عمير» من أنهم قد يستردُّون جهازهم السري الليلة. ظل متيقظًا، يستمع إلى أصوات السيارات التي تمر بين لحظة وأخرى، مر الوقت، وهو يقظ تمامًا … رفع يده ينظر إلى ساعته، كانت تقترب من الرابعة صباحًا.

اتجه إلى النافذة التي كانت تُطل على الحديقة. في نفس الاتجاه الذي يقع فيه الجراج. وعندما أزاح الستارة … رأى شبح رجلَين يتحرَّكان في اتجاه الجراج. ظلَّ يراقبهما … حتى فتحا الجراج، ثم اختفيا داخله … رأى الضوء الشاحب الذي يأتي من داخل الجراج. مرَّت لحظات ثم خرج الرجلان … وأغلقا الباب خلفهما، ثم ابتلعهما الظلام. انسحبت ابتسامةٌ هادئة على وجهه ثم عاد إلى السرير، وألقى نفسه عليه … ثم استغرق في النوم مباشرةً.

عندما استيقظ «بو عمير» مبكرًا … كانت «ريما» و«زبيدة» تجلسان في الشرفة الزجاجية المغلقة … ترقبان الصباح الأبيض فاقترب منهما، وهو يلقي تحية الصباح، ثم قال: لقد تأخر «أحمد» في النوم!

قالت «ريما»: لا بأس أن يرتاح … إننا غير مرتبطِين بموعد، سوى تليفون «كاسيو». سألت «زبيدة»: هل نُفطر الآن؟

بو عمير: إنني فعلًا أشعر بالجوع.

قامت «زبيدة» و«ريما» إلى المطبخ، لتجهيز الإفطار في الوقت الذي كان «بو عمير» يؤدِّي بعض التمرينات الرياضية.

انتهوا من إفطارهم … ولم يكن «أحمد» قد استيقظ بعد. قال «بو عمير»: لا بد أن في الأمر شيئًا. إن هذه ليست عادة «أحمد».

ما إن انتهى من كلامه، حتى جاءه صوت «أحمد» قائلًا: نعم. هذه ليست عادتي. غير أن لكل شيءٍ سببًا.

تقدم في اتجاههم حتى وصل إليهم، قائلًا: صباح الخير …

ردوا تحية الصباح، وجلس «أحمد» ثم بعد لحظة، بدأ يحكي لهم ما شاهده أمس. كانت الدهشة تملأ وجوههم … نظرت «زبيدة» إلى «بو عمير» قائلةً: تمامًا كما توقعت.

رن جرس التليفون. أسرع «بو عمير» إليه، ثم بدأ يسمع، ويرد: نعم. نعم. إنني أعرف. الساعة الرابعة. هذا شيء طيب. صمت قليلًا … ثم قال: إلى اللقاء إذن. إلى اللقاء.

وضع السماعة، وعاد إلى أصحابه … وشرح لهم ما قاله «كاسيو»؛ إن عليهم أن ينتظروا سيارة سوف تحضر في الرابعة، لنَقلِهم إلى مكان اللقاء.

التقت أعينهم في تساؤل. قام «أحمد»، وأرسل رسالة إلى الشياطين بما حدث منذ أمس، حتى هذه اللحظة … جاءه الرد: من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س» استمروا … إننا في انتظار أي إشارةٍ منكم.

عندما دقت الساعة الرابعة كانت هناك سيارة، تقف أمام الفيلا. ركبها الشياطين، فانطلقت بهم … كانوا صامتين تمامًا. طال الطريق حتى أصبحوا في مكان لا تظهر فيه سوى الجبال الثلجية على امتداد البصر. أخيرًا. دخلت السيارة، في مُنحدَر، كان واضحًا أنه منحوت في الجبل، وعند نهاية المنحدر … كانت هناك بوابة حديدية فُتحت بسرعة … فانطلقت السيارة إلى الداخل.

بعد لحظات كانوا يجلسون في قاعة فسيحة. مرت لحظات أخرى، ثم ظهر «كاسيو» مبتسمًا قال: مرحبًا بكم. إن الرجل الكبير سوف يلقاكم حالًا.

ظهرت الدهشة على وجوه الشياطين … حتى إنَّ «كاسيو» قال: لا تندهشوا. لقد كنتم تظنون أنني الرجل الكبير. لا، إنني نائبه.

عندما أنهى «كاسيو» كلامه ظهر في باب القاعة رجلٌ طويل القامة، قوي العضلات … أشيب الشعر، وقال كاسيو: السيد «ويب» الزعيم.

كان «ويب» يتقدم في بطءٍ وكأنه لا يرى أحدًا. ثم عندما اقترب قال: أهلًا بكم.

جلس فوق مقعدٍ مُرتفعٍ وقال في هدوءٍ: حتى لا نضيع أي وقت، إنني أوافق على كل شروطكم.

لم يَنطِق أحد من الشياطين، بينما قال «ويب» بعد لحظة: إن المهمة سريعة ولهذا لا نريد أن نتدخل في تفاصيل كثيرة.

قال «أحمد»: أي مهمة؟

«ويب»: مهمتكم، إنها لا تعدو أن تكون حراسة المجموعة التي ستَصحبُكم، إنها مهمة عاجلة، لن تستغرق منكم ساعة عمل. وقد لا تَعملون شيئًا بالمرة … وسوف أدفع لكم ما تريدون.

بو عمير: ومتى نبدأ العمل؟

«ويب»: الليلة.

زبيدة: وما هي المهمة؟

«ويب»: لا داعي لمعرفتها … إن اللحظة المناسبة هي التي سوف تحدد لكم مهمتكم.

أحمد: ما هو المطلوب منَّا بالضبط؟

لم يُجِب «ويب» بسرعةٍ، صمت قليلًا ثم قال: الآن، لا شيء. إنكم سوف تكونون في مكانكم، حتى تمر عليكم سيارة، تصحبكم إلى مهمتكم.

وقف «ويب» ثم قال: الآن يُمكنكم الانصراف.

ثم أخذ طريقه إلى الخارج.

عندما خرج الشياطين، كانت تفاصيل مهمتهم واضحة في أذهانهم … إنهم مُقبلون على مهمة من مهام العصابة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤