صراعٌ … في الليل الثلجي!

عاد الشياطين إلى الفيلا، ومِن هناك أرسلوا رسالةً إلى «رشيد» و«خالد» بتفاصيل ما حدث … وجاءهم الرد: من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س» … يقول رقم «صفر»: إن هذه فرصتكم.

تناول الشياطين طعامًا خفيفًا، وأخذ كلٌّ منهم طريقه إلى سريره. كان الوقت مبكرًا … لكنهم كانوا يستعدون لهذه المهمة الغامضة.

عندما انتصف الليل، لم يكن «أحمد» قد نام بعد. كانت الساعة تعلن هذا الوقت، حتى إن «أحمد» نظر في ساعة يده، ليتأكد منها، وفي هدوء الليل، سمع وقع أقدامٍ خفيفةٍ، تنبَّه لحظة، لكنه استرخى بسرعةٍ … فقد عرف طبيعة الخطوات القادمة، لحظة ثم فُتح الباب، وظهر «بو عمير» قائلًا: عرفت أنك لم تنَم … إنني أيضًا لم أذق طعمًا للنوم.

جلس أمامه. لكن فجأة، دقَّ جرس التليفون. أسرع «بو عمير» إليه، وعندما رفع السماعة جاءه صوت يقول: استعدُّوا سوف نمرُّ عليكم في خلال دقيقةٍ واحدةٍ.

وضع «بو عمير» السماعة، ثم نقل مضمون الرسالة ﻟ «أحمد» … وبسرعة كان الشياطين في الانتظار.

قالت «زبيدة»: يجب إرسال رسالة إلى الشياطين.

أسرع «أحمد» بإرسال الرسالة، ثم أخذوا طريقهم إلى الباب الخارجي. ما إن وصلوا حتى كانت هناك إشارة ضوئية تظهر أمامهم، فعرفوا أنها السيارة القادمة … أسرعوا إليها … فتحت أبوابها فركبوا … وانطلقت بهم في سرعة جنونية … تبيَّن الشياطين ركاب السيارة. كانا اثنين فقط، السائق وواحد بجواره. ولأن السيارة كانت سريعة جدًّا. فلم يستطع أحدٌ منهم رؤية ملامح الراكبَين.

ظلَّت السيارة في طريقها، لا تكشف سوى المساحة التي تمر بها … كانت أضواء السيارة تلمع فوق الطريق الأسفلتي الأسود، وتُثير جانبًا من الثلوج التي تراكمت على جانبي الطريق. فجأة لمعت بعض أضواء بعيدة، وقال الراكب بجوار السائق: ها هم.

أخذت السيارة طريقها في اتجاه الضوء … وعندما وصلت هناك، رأى الشياطين «كاسيو» يقف وعلى وجهه ابتسامةٌ عريضةٌ، قال في هدوء: إن مهمَّتكم حراسة هذا الطريق ليس أكثر.

وقف الشياطين متفرقين كما أشار لهم «كاسيو» … وتحت ضوء شاحب شاهدوا مجموعة من الرجال تتقدم في هدوء. نظر «أحمد» حوله … فرأى مجموعة أخرى من الرجال تقف مُتناثرة، وهي تَختبئ خلف تلال الثلج … تحرك «أحمد» في هدوء حتى أصبح مُختفيًا تمامًا … أخرج جهاز الإرسال، وأرسل رسالة إلى الشياطين: من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س»: هل تعرفون المكان؟ جاءه الرد بسرعةٍ: نعم. هل نتجه إليكم؟

أرسل رسالةً أخرى: نعم … ولكن كونوا بعيدًا عنَّا.

عاد «أحمد» إلى مكانه السابق، ووقف ينتظر تلك اللحظة التي سيعود فيها الرجال، كان الصمت يحوط كل شيءٍ، وكانت لحظات الترقب، هي التي تسيطر على المكان.

مرَّ وقت طويل، كان الشياطين خلاله يترقَّبون أي حركةٍ … أحسَّ «أحمد» أن جهاز الاستقبال، يستقبل رسالةً ما، فأخذ يُترجم الرسالة، فعرف أنها من «رشيد» الذي كان يقول له إنهما أصبحا قريبين.

بدأ صوت خطوات خافتة، يَقترب. ثم فجأة، لمعت طلقة في الصمت، ودوَّى صوتها، انتبه الشياطين، هناك أسلحة سوف تدخل المعركة.

لم يكن أحد يتبيَّن طبيعة المهمة حتى الآن. بدأ الرجال حولهم يستخدمون المسدَّسات. أخذت أصوات الأقدام تقترب أكثر، فأكثر … ازدادت الطلقات … ثم علت صيحات متعاقبة ثم أخذ كلُّ شيء يَخفُت … ثم سيطر الصمت من جديد. سمع «أحمد» جملة كُشف الموقف كله. لقد كان «كاسيو» يقول: أسرعوا قبل أن تصل الشرطة. لقد انكشفنا.

ظهر «كاسيو»، وحوله بعض الرجال … كانوا يَحملُون صندوقًا ضخمًا … أسرع «أحمد» بإرسال رسالةٍ إلى الشياطين. كان واضحًا أنه لا بد من الاشتباك. عندما اقترب «كاسيو» تمامًا أسرع حاملو الأسلحة بركوب سياراتهم، ثم انطلقوا يفسحون الطريق … كان حول الصندوق أربعة من الرجال، يَحملُون مسدَّساتهم … نظر «أحمد» إلى الشياطين الذين اقتربوا من «كاسيو» ورجاله وفي نفس اللحظة لمح «رشيد» و«خالد» يَقتربان في حذر. أشار لهما إشارة خفية … وفي لحظة واحدة، كان الشياطين الأربعة يطيرون في الهواء، ليَضربُوا الحراس الأربعة حاملي المسدسات في وقت واحد. طارت المسدَّسات في الهواء إلى مسافات بعيدة، وبدأ هجوم «الكاراتيه» … كان الصندوق الضخم قد استقر على الأرض. وانضم «رشيد» و«خالد» إلى الشياطين.

كان عدد الرجال ثمانية، بينهم «كاسيو» … طار «أحمد» في الهواء، ثم بضربةٍ مزدوجةٍ، ضرب رجلَيه بقدمَيه الاثنتين فطارا في الهواء. نظر «كاسيو» حوله … كان يبدو مذهولًا تمامًا، غير أن ذُهوله لم يستمرَّ … فقد كان «رشيد» يُسرع إليه، وفي قفزةٍ ثنائيةٍ كالبهلوان … كان «كاسيو» قد استقر بين ساقيه، ثم طار في الهواء … ليَصطدم بجبل الثلج على حافة الطريق. ثم ينزل مغشيًّا عليه.

التفت «رشيد» خلفه … كان أحد الرجال قد أمسك بذراع «ريما» ثم دار بها دورةً كاملةً وقبل أن يُطيح بها في الهواء … كان «رشيد» قد تلقَّى «ريما» بين ذراعيه … ثم عاجل الرجل بمشط تقدمه بضربة قاتلة في بطنه، جعلته يصرخ منحنيًا قريبًا من «بو عمير» الذي كان يقفز في الهواء في نفس اللحظة، ليُعاجِلَه بضربة أخرى في وجهه جعلته يطير في الهواء …

كانت «زبيدة» قد أمسكت أحد الرجال من رقبته … وضغطت عليها، غير أن الرجل كان قويًّا، فضربها بكلتَي يدَيه في بطنها فتأنَّت، إلا أن «خالد» كان خلفه تمامًا فأمسك بحزامه … ثم جذبه جذبةً قويةً، فتراجع مُندفعًا، بعد أن تركته «زبيدة». وبسنِّ حذائه، ضربه «خالد» في فخذه، ضربة جعلته يقع على ظهره، ثم يتدحرج إلى جانب الطريق، نصف ساعة من الاشتباك العنيف … ثم بدأ كل شيءٍ يهدأ … كان رجال العصابة يَتناثرون فوق الأسفلت والثلج. وعندما وقف الشياطين ينظرون إليهم. لم يكن هناك إلا ستَّة من الرجال. قال «أحمد»: هناك اثنان قد اختفيا … قالت «ريما»: إن «كاسيو» أحدهما.

أخرج «بو عمير» بطاريته الإلكترونية. ثم أضاء المكان … لم يكن هناك أثر لأحد. غير أن «خالد» لمح آثار أقدام فوق الثلج الهش فقال: يبدو أن أحدهما قد أخذ هذا الطريق.

أحمد: اتركوهما … إن لنا جولة أخرى.

ما كاد «أحمد» ينتهي من كلماته، حتى لمح أضواء سيارة قادمة في سرعة … تكشف الطريح والثلوج … فقال: ربما كانت سيارات الحراسة.

ظل الشياطين ينظرون في اتجاه الضوء الذي كان يتقدم بسرعةٍ. قال «خالد»: يجب أن نختفي مؤقتًا.

أسرع الشياطين متناثرين بالاختفاء خلف أكوام الثلوج، أخذ كل منهم اتجاهًا، حتى يمكن محاصرة الموقف. وصلت السيارة بسرعةٍ … ثم توقفت … قفز منها بعض الرجال. عرف «أحمد» بعضًا منهم … كانوا من رجال العصابة، لكنَّهم يلبسون ملابس الحراسة … أسرع رجال العصابة في اتجاه الصندوق ثم توقفُوا لحظة، كانوا ينظرون إلى الرجال الراقدين فاقدي الوعي، وأسرعوا إليهم.

أرسل «أحمد» رسالة سريعة إلى الشياطين، تلقَّاها كل منهم … ظهرت رءوس الشياطين في لحظة واحدة … كانوا يُحاصرُون المكان من كل اتجاه … عندما انهمك الرجال في حملِ المصابين، وحملهم إلى السيارة، كان «أحمد» قد رفَع يده، وأشار للشياطين إشارة الانقضاض … في لحظة واحدة … كانوا يطيرون في الهواء … لينزلوا كالصواعق فوق رجال العصابة. وقبل أن يفيق رجال العصابة من الدهشة … كان «أحمد» قد حمل أحدَهم ودار به في الهواء، ثم تركه ليَنزل فوق الآخرين، ليأخذهم جميعًا إلى الأرض. في نفس الوقت الذي انقضَّ فيه الشياطين عليهم قبل أن يجدُوا فرصة للوقوف. وفي لحظةٍ كان الجميع قد ركعوا على الأرض، وهم يرفعون أيديهم إلى أعلى. كان الشياطين قد استولوا على مسدساتهم. قال «أحمد»: يجب إرسال رسالة إلى رقم «صفر» … أسرع «خالد» وأرسل الرسالة، وفي لحظةٍ كان الرد … قد وصلهم: من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س» أهنِّئكم ابقوا مكانكم.

نقل «خالد» الرسالة إلى الشياطين باللغة العربية حتى لا يفهم رجال العصابة.

كان الليل هادئًا تمامًا … ولم يكن ثمة ضوء في المكان … اللهم إلا بطارية صغيرة كان «بو عمير» يُضيء بها بقعة صغيرة تلمع … فوق الأسفلت، وبرغم برودة الجو، إلا أن الشياطين كانوا يشعرون بالنشاط.

لم يمرَّ وقت طويل، فقد سمع الشياطين صوت سيارات الشرطة … ثم بدأت أضواءها تلمع فوق الثلج. وفي دقائق، كانت تقف حولهم. نزل أحد الضباط وقدمَّ نفسه: الكابتن «شول».

رد «أحمد»: أهلًا.

شول: إنني سعيدٌ بكم. هل يُحبُّ أحدكم أن يَصحبني إلى الداخل؟

في الوقت الذي كان رجال الشرطة يقبضون على رجال العصابة، كان «شول» قد صحب الشياطين إلى حيث أشار. سارت السيارة مسافةً ليست طويلة، ثم ظهر قصرٌ قديمٌ. قال «شول»: إنه إحدى القلاع القديمة يَملكه الثري «بل روك» وله حكايةٌ طويلة. تقدم «شول» وخلفه الشياطين. كان هناك بعض الرجال مَكتوفُو الأيدي ومُكمَّمو الأفواه، وهناك بعض المصابين يئنُّون. غير أن «شول» ظل يتقدم، حتى دخل القصر ثم صعد سلالم قديمة. صحبه الشياطين أيضًا وهناك في حجرة، كان يبدو أنه يعرفها جيدًا دخل «شول» وخلفه الشياطين، الذين شاهدوا رجلًا متقدمًا في السن مطعونًا في كتفه، تقدم منه «أحمد» يَفحص جرحه، ثم قال إنها ليست طعنة، إنها ضربة إصبع ضربها أحد رجال الحزام الأسود.

كان الرجل مُتعبًا، ويبدو أنه نزف كثيرًا. رفع «شول» سماعة التليفون … تحدث «شول» في التليفون يطلب الإسعاف بينما كان الشياطين يقفون خلف نافذةٍ حديديةٍ قديمةٍ يرقبون الليل.

وقال «أحمد»: إن المغامرة لم تنته بعد. فلا يزال أمامنا «ويب» زعيم العصابة و«كاسيو» نائبه … ثم بقية أفراد عصابة الحزام الأسود.

نظر «أحمد» إلى «بو عمير» وقال: يجب إرسال رسالةٍ إلى رقم «صفر» بهذا المعنى. أرسل «بو عمير» الرسالة فجاءه الرد: من رقم «صفر» إلى «ش. ك. س» … تمنياتنا لكم بالنجاح في المغامرة الجديدة. إلى اللقاء.

عندما كانت صفارات سيارات الإسعاف تدوي في الليل كان الشياطين يحملون الثري «بل روك» إلى الطابق الأسفل من القصر، وعندما بدأ رجال الإسعاف عملهم كان الشياطين يركبون إحدى سيارات الشرطة، فلا تزال أمامهم مهمَّة أخرى.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤