الفصل الأول

(في منزل محمود بك وصفي.)

(«صالون» فاخر، له باب كبير في الصدر وباب في الجهة اليمنى، وباب في الجهة اليسرى. في وسط هذا «الصالون» منضدة. «الصالون» في حالة غير منتظمة: الكراسي مبعثرة، وبعضها مقلوب، وفوق المنضدة صينية، عليها زجاجات وأكواب وكئوس، وعلى أرض الغرفة عدة زجاجات ملقاة هنا وهناك … إلخ. بهذا «الصالون»، وهو على تلك الحالة، ثلاثة أشخاص نائمون نومًا عميقًا، يغطون غطيطًا مسموعًا؛ أحدهم ملقًى على «الكنبة» بحالة مبعثرة، وثانيهم مُرْتَمٍ على كرسي «فوتيل» بغير انتظام، ورقبته ممدودة ومدلاة إلى الأمام فوق صدره، وثالثهم ممدَّد على أرض الغرفة ونصف جسمه تحت المنضدة. الوقت نهار. يرفع الستار، والنائمون على حالهم هذا، وكل منهم يغطُّ غطيطًا خاصًّا مختلفًا فمنه الرفيع، ومنه الأجش، ومنه الحاد المستطيل … تمر لحظة بعد رفع الستار، عن هذا المنظر بهذا الحال، ثم يُسمع طرق على باب الصدر الكبير؛ ولكن النوم على حاله والغطيط مستمر. يشتدُّ الطرق قليلًا، النوم والغطيط مستمران، يشتد الطرق أيضًا ثم يفتح باب الصدر ويظهر «سامي» وخلفه الخادم «حسن»، «سامي» يقف دهِشًا قليلًا لمنظر النائمين، ثم يهز رأسه متعجبًا.)

سامي : لهم حق ما يسمعوش؛ يسمعوا ازَّاي؟ هم كانوا متغديين إيه النهاردة يا …
الخادم : لسه متغدوش يا بيه!
سامي : لسه؟ دحنا بقينا المغرب!
الخادم : ما هم لسه ما صحيوش من ليلة امبارح!
سامي : كلام إيه ده؟ وانت كمان تسيبهم يفضلوا نايمين لبعد بكرة؟!
الخادم : ما انا يا بيه جاي جديد، لسه مش واخد عليهم.
سامي (يتقدم إلى الكنبة) : «محمود بك»! (محمود يغط غطيطًا عاليًا) دِهدَه! (يتقدم إلى الفوتيل) «سي علي» (علي يغط غطيطًا عاليًا كذلك) شيء جميل خالص! (يلتفت نحو المنضدة والزجاجات والأكواب) آه، قولولي كده! (يتقدم ويتناول زجاجة ليقرأ صنفها، فتعثر قدمُه بقدم النائم الممدد تحت المنضدة وتصدمها بشدة، فيصرخ النائم.)
النائم شاهين : آي، حاسب رجلي يا عربجي!
سامي (مبغوتًا يلتفت للأسفل) : عربجي؟! (ينحني ليرى النائم) دِهدَه! «سي شاهين»؟! (شاهين يغط غطيطًا عاليًا) ما شاء الله!

(يضع الزجاجة محلها بهدوء ويبتعد.)

الخادم (يتقدم) : أصحيهم لك أنا يا بيه؟
سامي : تبقى بطل.
الخادم (يقترب جدًّا من «محمود» ويصرخ قليلًا، شيئًا فشيئًا) : سيدي البيه، سيدي البيه، (محمود يتحرك) سيدي البيه.
محمود (بصوت ضعيف) : إيه؟
الخادم : باصحِّي سعادتك، الوقت راح.
محمود (بتثاقل) : الساعة كام؟
الخادم : الساعة خمسة.
محمود : إخص على دمك! نايمين أربعة ونص، وتصحينا الفجر؟! يا تور امشي انجر!

(يدير ظهره لينام من جديد.)

الخادم وسامي (معًا بدهشة) : فجر؟!
سامي (ينهض) : محمود، قوم، فجر مين؟ دَحنا المغرب.
محمود : الساعة كام؟
سامي : فاضل نص ساعة ع المغرب!
محمود (يفرك عينيه بكسل) : أنهي مغرب؟
سامي : أنهي مغرب؟! والله ما اعرفش؛ إنت أدرى. قُم بقى من فضلك.
محمود (ينهض جالسًا على الكنبة … يفرك عينيه ويتثاءب) : إنت جيت إمتى؟ (تحين منه الْتفاتة إلى شاهين الممدد) الله! دا مين ده اللي مرمي تحت الطرابيزة؟
سامي : دا شاهين.
محمود : دهده! و«علي» معوُوج كدا ليه راخر؟! ما تعدلو له رقبته اللي زي رقبة الحصان دي. ولَّا صحُّوه يكون أحسن. (يتثاءب) صحيهم يا واد يا «حسن».

(«حسن» الخادم يصحي «علي» همسًا.)

سامي (لمحمود) : الحمد لله إنك صحيت، مش انت صاحي برضه؟ ولَّا أنا غلطان؟
محمود (يتثاءب) : صاحي.
سامي : عال (يلتفت إلى «علي» و«شاهين») وانتم؟ قوموا بقى. (يتقدم نحو «شاهين») أرجوكم! «شاهين»، «شاهين أفندي» … «شاهين بيه»، (في هذه الأثناء «محمود» يضطجع، وينام ثانيًا، «سامي» يترك «شاهين»، يلتفت لمحمود فيجده عاد إلى النوم!) شيء جميل جدًّا يا سي … النوم شيء جميل جدًّا يا سي …
محمود (وهو نائم) : صاحي.
سامي : يعني إيه؟ ناوي تنام تاني؟!
محمود : لا … بس شيء بسيط كدا لحد ما تصحي الباقي.
سامي : آه، طيب سلام عليكم! (يتحرك للذهاب.)
محمود : على فين؟
سامي : مطرح ماروح بقى! أنا يعني إيش أضنى فؤادي على فلقة القلب دي كلها؟! اعرفوا خلاصكم، ناموا، إن شاء الله تناموا ١٥ يوم! سلام عليكم (يتحرك للذهاب).
محمود : تعال، وشرفك صاحي، (ينهض) وَاديني قمت أهوه لاجل تصدَّق (الساعة تدق).
سامي : وهي بقت خمسة ونص.
محمود (بسرعة واهتمام) : خمسة ونص؟ جد؟ دا انا عندي ميعاد هنا الساعة ستة تمام، (ينهض واقفًا بسرعة) لا لا، أسيادنا دول لازم يصحوا حالًا! (يلتفت نحوهما) إيه ده يا واد يا «حسن»؟ إنت من الصبح بتعمل إيه؟ بتصحيه ولَّا بتنومه؟
الخادم : أصل نوم حضرته …
محمود : لا! سيب حضرته انت دلوقت، وحالًا لِم الأزايز دي، واعدل الكراسي، وروَّق الدنيا هنا بسرعة! (الخادم يسرع، ويقوم بتنظيف الغرفة حسب الأمر) تعالى يا «سامي» (محمود يشير إلى «شاهين» و«علي») بقى دول كانوا مِتقِّلين شوية، وبالكلام والإنسانية مش ممكن يصحوا.
سامي : أمال إيه؟
محمود : لازم نهز الواحد منهم زي ما نهز شجرة التوت لحد ما يقوم لواحده، يالله استلم أنت «سي علي».
سامي (يهز «علي») : «علي».
محمود : أيوه كده، كمان هز («سامي» يهز) هِز.
علي (يستيقظ) : إيه؟ خبر ايه؟ الله!
محمود (لسامي) : هز جامد الَّا ينام تاني.
علي : إيه ده بس؟ الله! الله!
محمود (برغم استيقاظ «علي» يأمر «سامي») : هِز، إياك تسيبه.
علي (يصرخ) : الله! يا جماعة فهموني، إيه؟ خبركم ايه؟!
محمود (لسامي) : بس، غيره.

(مشيرًا إلى «شاهين» الممدد.)

علي (ناهضًا حانقًا محتجًّا) : لا! لا! مالكوش حق أبدًّا! فصل مش ظريف، يعني إيه؟ ما تعرفوش تصحوا الإنسان باللطف والرقة؟!
محمود (يلتفت لسامي) : غيره.

(يشير إلى «شاهين» الممدد.)

(«سامي» يهز «شاهين» بقوة.)

شاهين (مستيقظًا) : الله، الله، الله، الله! حاسب يا … دهده؟ الله! يا … إيه؟ إيه المسألة؟
علي (يصلح كرافتته) : رقبتي اتلوحت م الهز، الله يهز عقلك!
محمود (لسامي) : بس، كفاية، (لشاهين) قوم بقى يا «شاهين»، يالله لموا حالكم بقى انت وسي «علي»؛ أحسن أنا عندي هنا ميعاد مهم قوي!
شاهين (يغمز بعينه وهو يصلح هندامه) : عارفين مواعيدك المهمة قوي.
محمود : ما دمت عارف، منتظر إيه؟
شاهين : فيه مانع من وجودنا؟
محمود : شيء بارد! دا ميعاد شخصي.
شاهين : شخصي، آه! طيب بقى، حيث المسألة كده، نام يا «علي»!

(«شاهين» يتمدَّد على الكنبة.)

علي : أيوه، نام يا «شاهين».

(«علي» يتمدد على الفوتيل.)

(«سامي» يجلس، بينما «محمود» يقف مغيظًا يقلب نظره من «علي» إلى «شاهين».)

شاهين : لما نشوف بقى مين يقدر يقوِّمنا من هنا؟

(يتصنَّع الغطيط!)

علي : أيوه لما نشوف مين؟ …

(يتصنَّع الغطيط كذلك!)

محمود (بغيظ) : طيب أنا حأقومكم! ولد «يا حسن»، هات جردلين ميه ساقعة بسرعة.
شاهين (ينهض بسرعة قافزًا) : ميه ساقعة؟ لا، مفيناش من كده، أنا مزكوم!
علي (ينهض بسرعة أيضًا) : آه، كله إلا الميه الساقعة؛ إن كانت سخنة معليهش.
محمود (لسامي) : شفت ازاي؟ (لهم بجد واهتمام) كفاية يا جماعة، الوقت قرب، و…
شاهين : قرب؟ يبقى من حظنا؛ مافيش حاجة عندنا اسمها معاد شخصي.
سامي : الحق، المواعيد الشخصية دي فيها شيء من الأنانية.
محمود (ملتفتًا لسامي) : نعم! وانت كمان يا سي «سامي»؟ مش انت اللي قايل إنك من يوم مراتك ما …
سامي : ما تفكرنيش!
علي : ما لها مراته؟ الست بتاعتك ما لها يا «سامي»؟ ما قلتلناش ليه؟ متوفية؟!
سامي : تقريبًا.
علي وشاهين (معًا بدهشة) : تقريبًا؟!
سامي (يتنهد) : بقالي ٤ أشهر مش لاقيها!
شاهين : تايهة؟
علي : تاهت منك؟ طب ما نزِّلتش وراها المنادي يقول: يا اولاد الحلال، ياللي شاف …
سامي : بلاش هزار يا «علي» في المواضيع دي، دا شيء محزن!
شاهين : لكن ما قلتلناش على الحكاية دي من زمان ليه؟ مش احنا كمان أصحابك برضه يا أخي؟
سامي : قلت لابن عمكم، (مشيرًا إلى محمود) كفاية.
علي : وتاهت ازاي؟
سامي : تاهت إيه يا «علي»؟
علي : مش انت بتقول؟
سامي : أنا قلت تاهت؟! أنا بقول انها من ٤ أشهر دلوقت، حصل بيني وبينها سوء تفاهم، كانت النتيجة انها سابت لي البيت وخرجت من يومها للساعة دي، لا لقيتها ولا سمعت عنها حس ولا خبر.

(«محمود» لا يشترك في هذه المناقشة، وعلى ملامحه علامات الصبر النافد من المتحادثين.)

شاهين (لسامي) : وكان أسبابه إيه كل ده؟ الحق مش عليك، الحق عليَّ.
محمود (نافد الصبر) : لا، الحق مش عليك! الحق عليَّ أنا اللي فتحت الموضوع ده يا جماعة! الوقت حيسرقنا، والساعة حتحصَّل ستة واحنا قاعدين، قوموا اعملوا معروف شوفولكم طريقة! آه، ألَّا انا والله العظيم دُخت لما طُلت المعاد ده.
علي : الطريقة خلاص زي ما قلنا: المعاد ده يسري على الجميع حفظًا على قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات.
الجميع : أيوه كده، المساواة في المواعيد عدل.
علي : شايف؟ بالإجماع.
محمود (بغيظ) : شيء جميل، يعني يا «سي علي» مش كفاية عليك انك بايت برة ليلة امبارح بحالها؟ بقى اسمع! انت ابن عمي ومن واجبي أن أنصحك، روَّح بيتكم حالًا.
علي (يضحك ساخرًا) : ها هاي!
محمود : لا، بالشرف جد، روَّح أحسن لك، حفظًا على مستقبلك، مراتك انت أدرى بها، اللي يكون متجوز لازم يراعي الواجب، أنا من يوم ما ماتت مراتي، الله يرحمها، بقالها دلوقتي سبع سنين.
شاهين : انت حتدخل لنا في التاريخ؟
محمود : اسمعوا بس! بقول لكم: من يوم ما ماتت صحيح وأنا داير في الحظ والفرفشة، زي ما انتو عارفين؛ إنما في حياتها وشرفي ما اتأخرت ليلة بره عن الساعة تسعة، يجب إن الزوجية تُحترم، ويجب إن الزوج …
شاهين : فليسقط الخطيب!
علي (لمحمود بجد) : لا! من جهة مراتي ما تخافش، أنا عامل حسابي.
محمود : إنت حر! أنا بنصحك، مراتك زعلها مش لعب، هي الغنية وصاحبة الميزانية، وانت عارف يا بطل، إن قطعت عنك اﻟ… (يشير إلى المال.)
علي : غنية! معناها تشتري وتبيع في حياتي؟!
شاهين : أمال يا حبيبي، تشتري وتبيع وترهن! في دي سي «محمود» له حق.
محمود : مش كده بالذمة يا «شاهين»؟ قول له، أديك انت فاهم الأصول دي، بصفتك طالب جواز واحدة غنية.
شاهين : آه، معلوم، الأصول كدا تمام، اللي يتجوز الفلوس يوطي على اليد ويبوس، (يرفع يديه إلى السماء) آه يا رب، حنن عليَّ بالغنية ولا يِكتَر عليك! أنا اللي عارف مقامها وخاضع لأحكامها.
علي : ما هي بس إذا كانت غنية وحلوة؟!
شاهين : يا سلام! ما يملاش عين ابن آدم إلا التراب! يا سيدي بلا حلوة بلا حامضة، دلوقت الجمال الفتان لونه أصفر وصوته رنان.
سامي : لا، لا يا «شاهين» دا كلام ايه؟ أنا مش معاك.
علي : ما تصدقوش، (لشاهين) بقى إذا كانت غنية وعندها الأصفر الرنان؛ إنما عليها عيون ما تلتقاش في مستشفى الرمد!
شاهين : وماله؟ إنشالله يكون عليها عيون ما تلقهاش من أصله، وأنا يعني عايزها ليه بنَظر صاغ سليم؟! أنا حاعملها نشانجية ولَّا طوبجية؟
سامي : لا يا أخي، مش لحد كدا بقى، فلوس إيه؟
علي : ما تصدقش الكلام ده؟ وشرفك ما مخليه يقول كدا غير الإفلاس.
شاهين : الإفلاس؟ لا! بصرف النظر.
علي : والله ما في غيره، طب بكرة تشوف وافكرك. إنْ ربنا رزقك بوحدة من دوله، حتبقى ألعن مني!

(«محمود» لا يتداخل في هذه المناقشة لاشتغاله بميعاده وهو ضَجِر من هذه المناقشة!)

شاهين (لعلي) : بس ادعيلي ربنا يرزقني أولًا.
الخادم (يدخل) : سيدي البيه، واحدة ست برة عايزه حضرتك.
محمود (يقفز بسرعة مرتبكًا) : ست؟!
الجميع (معًا) : المعاد؟
محمود (بسرعة ولخمة) : يالله، قوموا من غير مطرود بسرعة!
الجميع (ناهضين) : علي فين؟
محمود (ملخوم) : على … ﺧ… خشوا … انتظروني دقيقة واحدة!

(يفتح باب الجهة اليسرى.)

سامي : وبعدين؟!
محمود (يدفعهم نحو الغرفة) : بس خشوا قَبْلَهْ امَّال، ما تجنِّنونيش!
الخادم : أقول لها تتفضَّل؟
محمود (بسرعة) : انتظر (لهم) يعني مش عايزين تدخلوا؟ أنتحر يا ناس؟!
سامي (يجذب الباقين نحو الغرفة) : داخلين، بس هدِّي خُلقك، تعالوا يا جماعة بقى حرام عليكم!
شاهين : أخش وتدفع كام؟
محمود : اللي تطلبه، خمسة جنيه وشرفي، بس خش بسرعة.
علي : وأنا؟
محمود : وانت؟ أفسَّحك فسحة عال.

(يدفعه إلى الغرفة.)

سامي : دهده! وأنا؟
محمود (بضيق) : اللهم طوِّلك يا روح، وانت برضه إيه بس؟ أبحث لك عن مراتك، هَه! خشوا (يدفعهم جميعًا إلى داخل الغرفة اليسرى) اعملوا معروف الزموا الهدوء والسكينة، أرجوكم! (يقفل الباب عليهم ويسرع إلى الغرفة) يا … «حسن»، قوام خلِّي الست تتفضل هنا.

(«حسن» الخادم يخرج بسرعة.)

(«محمود» وحده يتأهب لاستقبال الست فيصلح شعره بيده، ويمسح وجهه بمنديله، ويرتب كرافتته، ويحزَّق الجاكتة، ويفتل شاربيه … إلخ. الخادم يشير إلى الغرفة من الخارج.)

الخادم : اتفضَّلي هنا يا ست.
محمود (يزرِّر الجاكتة، ويُخرِج من جيبها نصف منديله الحرير، ويبالغ في الرقة واللياقة والظُّرف في صوته) : أهلًا وسهلًا، اتفضلي هنا يا روح اﻟ…

(يبهت إذ تكون الداخلة هي «فاطمة هانم» بخلقتها الدميمة القبيحة، ونظارتها السوداء ذات الطراز القديم على عينها، وهي بالجملة ذات منظر قبيح، وطراز قديم جدًّا!)

فاطمة : سعيدة يا «محمود بيه».
محمود (لا يزال مبهوتًا. ببرود) : سعيدة.
فاطمة : يا خويا «سي علي» من امبارح زي دلوقتي، ما جاش البيت!
محمود (بجمود وبرود) : «سي علي»؟
فاطمة : آه «سي علي» جوزي! تعرفش راح فين؟
محمود : هو مش له عادة يبات بره؟!
فاطمة : آي، قطيعة، ليلة بعيد عنك ما يكون بيُجرد في المحل.
محمود : ليلة ما يكون بيُجرد؟!
فاطمة : داهية تقطع المحل وسنينه! والنبي من يوم ما فتحناه ما نايبنا منه غير الخساير والمصاريف، عَدِيك يا «محمود بك»؛ لكن اعمل إيه؟ أرجع تاني وأقول: يا بت أهي شغلانة والسلام يتسلَّى فيها «سي علي» بدل ما هو قاعد فاضي.
محمود : طيب وأنتي قلقانة عليه ليه ما دام له عادة؟
فاطمة : لا يا سي «محمود» دا ما عمروش غاب عن بيته كدا، ليلة ما يكون، يا نضري، في المحل يرجع مِ الأدان، يفطر في بيته في أمان الله، فين النهاردة من ساعة ما خرج امبارح وادي وش الضيف، محروق يا خويا الدكان بالمحل بالدنيا، مش يرحم نفسه! ولا يهونش في راحته! قطيعة!
محمود (ينظر في ساعته بضجر) : طب ما تاخدي عربية دلوقت بسرعة، وتروحي تشوفيه في المحل.
فاطمة : رحت وحياتك المتنيل على عينه المحل سألت عليه قالوا لي ما جاش!
محمود (يغمز بعينه) : فُضِّك من المحل ده، لازم دا كان داير بيُجرد في محلات تانية.
فاطمة (ببساطة وسذاجة) : يمكن ياخويا، ما هو برضك له بضايع وزمامات في محلات تانية صحيح.
محمود : مش واخدة بالك، قصدي أقول ما تقلقيش عليه قد كده. يمكن مثلًا في الليلة دي كان داير يتفسح هنا ولَّا هنا، حاكم الرجالة يا «فاطمة هانم»، ما تأَخْذِنيش، ما عليهمش حرج ان هيَّصوا ولَّا فرفشوا، خصوصًا اللي يكون زي سي …
فاطمة (بحدة وحماسة) : كلام ايه يا «محمود بك» اللي انت بتقوله ده؟ مين هو دا؟ «سي علي»؟! فشر والنبي ياخويا. فاكرُه راجل من دول؟ أبدًا وحياتك، الكلام اللي بتقوله ده مش له، ده شغل الرجالة التانيين السُّكَرِيَّة الخبَّاصين اللبَّاصين؛ سي علي» جوزي؟ يا ندامة! الراجل اللي زي الجواهر؟! سِيد الجدعان، اللي ما يعرف غير بيته وحريمه؟ ما لكش حق أبدًا يا «سي محمود»! والنبي عمرها ما تطلع من قلبي، كلمتك دي! تِفَّها من بُقَّك، واستغفر ربك. آل «سي علي» آل ياختي، يا حوستي، هو «سي علي» فيه منه؟ الجدع الأمير، اللي ما يشرب القهوة! الجدع اللي كل طلعة شمس، يقولِّي: يا هانم، ربنا ما خلقش في جنس النسا غيرك يا بطة (محمود يدير وجهه ليكتم الضحك الذي فاجأه)، عِنيَّه ما اتخلقوش الَّا لجل يشوفوك انت بس يا بطة، حتَّة سُكَّرة زي دي تقول عليه كده يا «سي محمود»؟ ما لكش حق أبدًا! والنبي ما لك حق!
محمود : الله! انت بتصدَّقي؟ أنا بهزر، وشرف «سي علي» أنا بهزر، وانت حتقوليلي؟ أنا عارف «سي علي»، هو فيه زيه؟ يا سلام، الله يهنيكي به، دا لو كان فيه منه اتنين بس، كانت الدنيا أظن …
فاطمة : اتنين؟! والنبي ولا نُص! «سي علي» ولا في الملك كله!
محمود (بحماسة ليوافقها) : معلوم، إيه! طبعًا دا مفيش كده.
فاطمة : اللِّي انت، ياللِّي اسمك ابن عمه، ومن دمُّه … ما تآخذنيش في دي الكلمة، ما لك طولة بال تعاشر بنتك، واسمها ضناك، خمس سنين دلوقت وهي قاعدة عند عمتها، مش دي كلمة الحق يا «سي محمود»؟
محمود (بملل) : مضبوط.
فاطمة : إلَّا على فِكرة يا «سي محمود» رأيك إيه في بنتك «ليلى»، يعجبك حالها ده؟
محمود : حالها أنهو؟
فاطمة : حالها أنهو؟! يا ندامة! الدنيا عارفه.
محمود : عارفه إيه؟
فاطمة : يا ندامتي ياخويا! أُمَّال كنت بتشوفها ازاي؟
محمود : بشوفها ازاي؟ أنا ما شفتهاش ييجي من العيد الكبير! يطلع دلوقت ٣ أشهر، ليه بس؟ مالها؟
فاطمة : ما لها إيه يا «سي محمود» بِذمِّتي الحق عليك انت، فوقك وتحتك، بنتك شابَّة زي دي، على وش جواز، تسيبها لدلوقت عند عمِّتها، ودي وليَّة كبيرة وصاحبة عَيا؟
محمود : ليس بس؟ جرى إيه؟ جرى لها إيه؟
فاطمة : الحقها قبل ما تفسد.
محمود : تفسد؟!
فاطمة : آه … حيفسدوها نِسا اليوم وبنات اليوم؛ غُلْبوا يتكلِّموا في الجرانين، ويقولوا سُخامة نهضة، وآخرتها اللي في دماغهم عملوه؛ البُرقع واليَشمك قلعوه، والتزييره أبصَر قلوبها ازاي؟ واهي بنتك عملت زيهم، أمَّال بسألك ليه انت شفتها ازاي؟ دانتَ ياخويا لما تشوفها اليوم ما تعرفهاش من الخَواجاية! يقطع الموضة والنهضة والتقاليع اللي طالعة فيها نسوان الأيام دي!
محمود : لا، دا كويس يا «فاطمة هانم» دي النهضة النسائية اللي حترقِّي البلد! ما هو دا السُّفور اللي احنا عايزينه.
فاطمة : صفور إيه؟ صفرة تلخبط كيانهم! بعيد عنك، المزاغيد دول … يعجبك بنتك تكلِّم الجدعان؟
محمود : فين ده؟
فاطمة : أُمَّال إيه ياادَّلعدي! أُمَّال هي عمِّتي خدتها حلوان ليه، وعزِّلوا من العباسية؟ مش أصلها إنه كان من جيرانهم، واحدة صاحبتها متجوزة جديد، وبسلامتها برضه من بتوع النهضة، وآل إيه لازم تكشفها، وتبينها على جوزها زي الإفرنج! شوف البِدع والحكم ياخويا، لما بقت أهل الحتة تستعجب! أُمَّال هم عزِّلوا ليه إلا من كلام الناس!
محمود : ما تصدقيش، دول عزِّلوا عشان عمِّتها موصوف لها مية حلوان، ومع ذلك هي البنت لما تكون متربية ومتعلمة زي «ليلى» كده؛ يجرَى إيه لما تكلم ألف راجل؟ دي النهضة، عايزة الحق يا «فاطمة هانم»؟ يظهر مش مبسوط من رفع البرقع غير الحلوين.
فاطمة : لا وحياتك، طب ما احنا يا حلوين أهوه مش عاجبنا الَّا الاحتشام والجد، شوف برقعي تُخْن إيه يا «سي محمود»؟ (تُرِيه بُرقعَها) لا، خُد والنبي امسك وشوف، آه، شوف.
محمود (يكتم ضحكه) : شايف وعارف، آه، أيوه برضه عملتِي طيِّب، البرقع أحسن وأستر للي يكون زيكم حلاوته فاقعة! وكمان خزو للعين، حاكم العين وحشة قوي يا «فاطمة هانم».
فاطمة : مش والنبي؟ أهو أنا برضك بقول كده.
محمود (ينظر في ساعته بملل) : الله، خرجنا عن الموضوع احنا في «سي علي».
فاطمة : آي بحق.
محمود (بسرعة) : اسمعي، بقى الحقيقة هو فات عليَّ هنا من قيمة نصف ساعة وخرج على بيته على طول، فإذا كنت تاخدي عربية دلوقت بسرعة وتحصليه على البيت تلاقيه.
فاطمة : صحيح؟! إلهي يهديك يا «سي محمود»، طب ما قلتليش من بدري ليه كنت اطَّمئن؟! والنبي من ساعة ما قمت الصُّبحية وأنا عدوَّك، عيني ربنا ما يوريك، وكنت حاطة عليهم أبصة الششم ورابطة عليهم الرفروف لحد هنا، (تشير إلى طرف أنفها) لكن تقول إيه في قلبي اللي ما جانيش على «سي علي»، أُمَّال ياخويا ما دام طمنتني، أما اقعد بقى ألقط نَفَسِي شويَّة.

(تستعد للجلوس بشكل يدل على طول الإقامة.)

محمود (يُبغت ثم يقول لنفسه على حدة بضيق) : وبعدين ويَّا دي؟ (لفاطمة) لا! ماهو … لاحظي انه لو ما لقاكيش في البيت، يمكن يخرج تاني. ثم إنه ربما يقلق عليك، مسكين، وتبقى حالته صعب.
فاطمة : آي بحق، صدقت! يقلق ويتوَغْوَش عليَّ؛ أما اقوم أحسن، على الله ألحقه.

(تنهض.)

محمود : أيوه تلحقيه (تمد يدها لتسلم عليه).
فاطمة : أديني حخطف رجلي أهوه، على الله ببركة «المدبولي»، اقعُد بالعافية يا «محمود بك».
محمود : الله يعافيك (يوصلها لباب الصدر) آنستِي وشرَّفتي! (تخرج، ويرجع هو للغرفة) وعكَّرت الجو بسحنتك! (يذهب لباب اليسار ويفتحه) اطلعوا … اطلعوا أيها السادة، وتعالَ يا «سي علي» يا للي مفيش منك اتنين في البلد! (الجميع يخرجون من غرفة اليسار ويضحكون.)
شاهين : حد سمع لنا حِس؟ ما دام المسألة مقاولة ما تخفش!
سامي : أيوه، ازيك يا «محمود بك» في السكون والرزانة بتاعتنا النهاردة؟
محمود : يا خسارتها! راحت في الشيطان الرجيم. تعالَ يا «سي علي» تعرف الست اللي جت دي؟
علي (يغمز بعينه مبتسمًا) : بتسألني؟ وهو البدر يخفى؟
محمود : أنهو بدر؟
شاهين (يغمز بعينه مبتسمًا) : بدر الدُّجى.
محمود (لعلي) : بالذمة أنا حتكلم جَد: بالك اللي جت دي، الست المصونة حرمكم.
علي : حرمنا «فاطمة»؟!
محمود : آه؛ «فاطمة هانم»، جت تسأل عليك هنا بعد ما لفِّت عليك مصر.
علي : جَد؟ وقلت لها؟
محمود : قلت لها: دا كان هنا وسبقك ع البيت، فانت يا «علي» خد عربية حنطور، وطير على بيتكم.
علي (ينظر لوجه «محمود» بارتياب) : يعني صدق؟ ولَّا الغرض توزعني؟
محمود (جادًّا) : لا بالشرف صدق، وأوزعك ليه، إيه الفايدة، ما دام بدر الدجى اتَّضح انه …
شاهين : إنه دجى فقط، ها ها!
علي : طب اما أروَّح بقى (يتحرَّك للذهاب، ثم يقف) لكن الواجب لما جت هنا مش كنت تناديني؟
محمود : أمَّال، كان واجب برضه! لجل تقعدوا وتتسامروا وتتعاتبوا وتشربوا قهوة، ما انت ماوَرَكْش معاد!
علي : يا سلام على المعاد ونهاره! (يتحرَّك ذاهبًا إلى الخارج) سلام عليكم، نتقابل الليلة ولَّا بكرة؟
محمود : بكرة، بكرة. هو أنت كل ليلة جرد؟
علي (يضحك) : انت واخد بالك؟! طيِّب سلام عليكم.
الجميع : سلام ورحمة الله.

(«علي» يخرج.)

سامي : يعني شوفوا دا كان بيقول إيه دلوقت؟ ولما عرف مراته جت قام يجري زي القط!
شاهين : أمَّال يا أخي، مش أكل عيشه؟!
محمود : دا لو دريتم المنجوس، أتاريه مفهِّمها في نفسه إنه … إنه مَلَك نِزل من السما؛ لا يعرف غير بيته وحريمه، ولا يعجبه في النسا غير (يضحك) «بطة»!
شاهين : «بطة»؟! يا خبر اسود! … «بطة» ازَّاي؟! داهية تسم البط اللي في الدنيا كله كرامة لحضرتها.
سامي : ليه؟ هي مش «بطة»؟
محمود : ولا «أم قويق»!
سامي : ومصدقاه على كده؟
محمود : هو هو! … طب اسكت، اسكت (يقلد فاطمة) «سي علي» هو فيه منه؟ سِيد الرجالة، اللي زي السكَّرة! (الباب يطرق بشدة فينهض «محمود» بسرعة قافزًا) إيه؟ قوموا من غير مطرود بسرعة!
شاهين وسامي (معًا) : دهده بقى؟!
محمود (بسرعة ولخمة) : على جوَّه، زي المرة اللي فاتت تمام، الرزانة بتاعتكم إيَّاها اعملوا معروف. (يدفعهم نحو الغرفة) يالله وحياة أبوك انت وهوَّا، خُشُّوا!
سامي (قبيل أن يدخل) : دا معاد إيه اللي حيطَّلع أرواحنا ده!
شاهين (لمحمود) : لكن؛ دانتَ لازم تدفع.
محمود (بسرعة وهو يدفعه للغرفة) : حدفع، وحزود الفية. بس خُش.

(يقفل الباب عليهما ثم يرجع ويرتِّب نفسه وهندامه، كالمرة السابقة، فيجد الخادم.)

محمود (بسرعة للخادم) : خليها تتفضَّل هنا.
الخادم : هي مين يا سيدي؟ دا «هاشم أفندي» الوكيل.
محمود (بغيظ وبرود) : يوه … وكيل إيه بس، وبعدين؟!
الخادم : أنادي له يا سيدي «البك»؟
محمود (لا يجيب الخادم ولا يلتفت إليه؛ بل يتجه توًّا إلى غرفة اليسار ويفتحها، بينما الخادم يقف منتظرًا) : اطلعوا، اطلعوا. دا الوكيل!
سامي : وآخرتها يعني في خُشوا واطلعوا، واطلعوا وخُشوا؟ دا شيء يِتعب الأعصاب! لا يا سيدي، سلام عليكم! (يتحرك نحو الباب.)
محمود : على فين؟
سامي : أجيلك يوم تاني، النهارده انت مش فاضي لنا، نتقابل بكرة، سلام عليكم. (يذهب.)
محمود وشاهين (معًا) : سلام ورحمة الله.
محمود (لشاهين) : هه، أظن انت بقى …
شاهين : لا، قاعد، إن شا الله اخش واطلع ميت مرة، ما دام كل شيء بتمنه.

(محمود لا يلتفت إليه ولا يجيبه.)

الخادم (الواقف المنتظر) : أنادي لهاشم أفندي؟
محمود (يلتفت للخادم) : دهده، وانت لسه هنا؟ آه؛ ناديله، منتظر إيه؟
الخادم (مناديًا وهو خارج) : اتفضل يا «هاشم أفندي».
هاشم (يدخل) : سعيدة يا «بك»، (لشاهين) سعيدة يا «شاهين بك».
شاهين : سعيدة مبارك يا «هاشم أفندي».
هاشم (لمحمود) : أنا جاي لسعادتك في مسألة الإيجارات.
محمود : آه، ما احنا أول الشهر. حصَّلتْ من كل السكان؟
هاشم : حصَّلنا من الكل ما عدا الدور الأول يا «بك»؛ دلوقت بقى له ٣ أشهر ما دفعش!
محمود : ٣ أشهر؟ ٣ ازَّاي؟ متأخرين ٣ أشهر؟!
هاشم : أيوه تلات أقساط.
محمود : مين همَّ دول؟
هاشم : «سليمان بك حلمي».
محمود : متذكر انَّك كلِّمتني عنه الشهر اللي فات كمان.
هاشم : والشهر اللي قبله يا «بك».
محمود : معاك التلات إيصالات المتأخرين عليه؟
هاشم : آه، معايا، وقدِّمتهم له امبارح العصر.
محمود : وقال إيه؟
هاشم : قال إيه؟ قال: شيل، شيل … الوصولات دي بتعكَّر الدم.
شاهين (يضحك) : والله صدق!
محمود : بتضحك؟ (لهاشم) اسمع يا «هاشم افندي»، روح له تاني، دي آخر مرة! إن ما دفعش لا بد من إنذاره بالإخلا.
هاشم : أنا والله كنت عايز انذره من أول الأمر؛ ولكن رجعت قُلت أعرض المسألة على سعادتك أولًا (يتحرك ذاهبًا) أما أَمُر عليه، دلوقت كمان.

(يخرج.)

شاهين : أف! يا ويل السكان من أصحاب الأملاك.
محمود : يظهر إن انت راخر متأخر عليك أقساط.
شاهين : وما له؟ وهو ده اسمه تأخير؟
محمود : أُمَّال اسمه أيه؟
شاهين : اسمه تأمين ضد المالك.
محمود : شيء جميل، في أنهو قانون الكلام ده؟!
شاهين : أمَّال يا حبيبي؟ لا بد التأخير أقله قسطين تلاتة، دا الساكن الشاطر يعمل كده.
محمود : دا الساكن النصَّاب … الأونطجي … المفلس!

(الباب يطرق بشدة. «محمود» ينتفض بسرعة.)

محمود (مرتبكًا بسرعة) : المرة دي هيه مفيش كلام! يالله على جوَّه بسرعة.
شاهين : زي المرة اللي فاتت تمام.

(يشير للفلوس.)

الخادم (يدخل) : فيه ست بره.
محمود (بسرعة) : أيوه، أيوه، خلِّيها تتفضَّل، هه، يا لله يا «شاهين» أُمَّال، خُش زي المرة اللي فاتت.

(الخادم يخرج.)

شاهين : المرة اللي فاتت، واللي قبلها، واللي قبلها، واللي قبلها …
محمود (يدفعه إلى الغرفة) : أيوه وحياة أبوك الرزانة إياها! رزانة، هه؟!
شاهين (يشير للغرفة قبل أن يدخلها) : رزانة، وزنزانة، وكله.

(يدخل. «محمود» يقفل الباب عليه، ثم يرتِّب هندامه كما في المرات السابقة.)

ليلى (تدخل) : فين هو «بابا»؟
محمود (يقف مبهوتًا) : «ليلى»؟!
ليلى : أيوه أنا يا «بابا»، ما كنتش منتظر تشوفني؟!
محمود (مرتبكًا) : لا لا، إزاي؟! بس … إيش جابك النهارده؟
ليلى (بدهشة) : إيش جابني؟ ما وصلكش تلغرافي؟
محمود (بدهشة) : تلغرافك؟
ليلى : أيوه، بعت لك يا «بابا» تلغراف النهارده الصبح أقول لك إن … لازم يكون وصل، اسأل الخدامين.
محمود : وفيه إيه التلغراف ده؟!
ليلى : تقراه بنفسك أحسن. يا … الخادم الجديد ده اسمه إيه؟
محمود (ينادي) : يا «حسن».
الخادم (يدخل) : أفندم.
محمود : مفيش تلغراف جالي النهارده؟
الخادم (يتذكر) : آه، أيوه يا سيدي، أيوه، عم أحمد البواب طلَّع لسعادتك الصبحية تلغراف، وفضلت أنا وهو، نخبط على باب الأوضة دي.
محمود : وفين هو التلغراف؟
الخادم : حاضر.

(يخرج بسرعة.)

ليلى : الحقيقة أنا استغربت ازاي يا «بابا» انت …
محمود (ينظر لابنته وهي بملابس الموضة لنساء اليوم الناهضات) : إيه ده؟ ورِّيني يا بنتي، انت عملت خلاص زيهم؟ بقيتي سفورية وانتهينا؟
ليلى : أمَّال إيه يا «بابا»! النهضة! الواحدة اللي ما تلبس كده تبقى متأخرة.
محمود : وطلعوا في ده كتير، هه؟
ليلى : العائلات الكبيرة بس.
محمود : بكرة التانيين يقلدوهم والمسألة تعُم.
ليلى : أحسن يا «بابا» خليِّنا نترقَّى.
محمود : معلوم، هو كان مأخركم غير البرقع؟ كان يخفي القمر، ويزين الغجر، أقلُّه دلوقت مفيش كلام زي ده، الحلو حلو، والوحش وحش، كدا على عينك يا تاجر.
ليلى : والنبي يا «بابا» ما تضحكنيش (بحزن) ما هو انت ما قريتش التلغراف!
محمود : تلغراف إيه بس؟ فيه إيه؟ حاجة تزعَّل؟
ليلى : أمَّال إيه؟
محمود (باهتمام) : إيه؟
ليلى : عمِّتي!
محمود : مالها؟
الخادم (يدخل بالتلغراف) : التلغراف اهو يا سيدي.
محمود (يتناول منه التلغراف ويفضُّه. الخادم يخرج. يمر بنظره على التلغراف) : توفيت اليوم.

(«ليلى» تجفف دموعها بمنديلها.)

محمود (بحزن) : إنا لله وإنا إليه راجعون! (يلتفت إلى «ليلى») دهده، بتعيطي؟!
ليلى (تجفِّف عينها) : مش عمِّتي يا «بابا»؟!
محمود (بحزن) : أيوه الله يرحمها، ويحسن إليها … لكن كمان مفيش داعي أبدًا تِعيَّطي، وتزعَّلي نفسك. يا ريت احنا يا «ليلى» يا بنتي نعيش قدها، البقية في حياتك انت وفي حياتي، ولا تكدري خاطرك أبدًا.
ليلى : يعني يا «بابا» انت لا زعلت عليها ولا عيَّطت!
محمود : أعيَّط؟! لا يا «ليلى»، أزعل عليها معلهش، واديني حتى زعلت وخلاص؛ لكن كله إلا العياط، أعيَّط ليه؟ إن شالله عنها ما ماتت.
ليلى : مش أختك؟
محمود : ما هي رخرة يا بنتي كان عمرها فوق التمانين، الله يحسن آخرتها بقى!
ليلى : بس صعبان عليَّ يا «بابا» إنك ما مشيتش وراها!
محمود : هم طلعوا بيها خلاص؟
ليلى : أمَّال إيه؟ الساعة تلاتة، يعني لو كنت يا «بابا» قريت التلغراف الصبح!
محمود : الصبح؟ ما هو احنا كنا … نهايته.
ليلى : معلهش بقى يا «بابا» تبقى تحضر ليالي الميتم؛ لحسن ما يصحِّش! بناتها يقولوا إيه؟ وأجواز بناتها و…
محمود : لا، دا ضروري بإذن الله.
ليلى : الليلة ضروري علشان كمان أجيب بقى هدومي وحاجتي من هناك.
محمود : هدومك وحاجتك؟! (يتذكر) آه، دهده! وانت من حق يا «ليلى» بقيتي وحيدة في الدنيا ومقطوعة من شجرة، ما لكيش حد (يفكر بأسف).
ليلى : لا، إزاي. إنت يا «بابا» البركة فيك!
محمود (ملخوم) : آه، أﻳ… أيوه، برضه … لا، يعني قصدي يا «ليلى» من جهة الستات، يعني هو إيه في الحقيقة السبب اللي خلَّاني اقعَّدك عند عمتك المدة دي؟ مش هو إن معاشرة الستات شيء ضروري للبنت ولتربية البنت؟ وعكس كده، معاشرتها لابوها مش شيء يضايقها ويعلمها الخشونة؟ آدي السبب يا «ليلى»، ودلوقت بقى وبعدين؟! (مُدَمْدِمًا) الله يرحمها. يعني بس الموت خدها بالعجل ليه؟ كنا ناسيين المسألة دي!
ليلى : مسألة إيه؟
محمود (مفكرًا) : لا، يعني على مسألة اﻟ… المعيشة. (يلتفت إليها باهتمام) اسمعي يا «ليلى» يا بنتي، تفضَّلي عيشة الأرياف ولا البندر؟
ليلى : ليه يا «بابا»؟
محمود : عايز أقول يعني. تحبي تسكني هنا في مصر، مصر البلد الوحشة، الرطبة، الزحمة، ولَّا في الريف؟ الريف الجميل اللذيذ، الصحي، اللِّي … إيه؟ هه.
ليلى : مش فاهمة؟
محمود : عزبتنا اللي في «قليوب» ما انتي عارفاها، رُحتيها مرَّة وانت صغيرة. فيها «فيلا» معتبرة، حواليها جنينة ظريفة، فيها الفواكه والأزهار! بالك انت لما تعيشي هناك انت ودادتك، «داده زينب» يا سلام! تبقي قاعدة كده زي بنت السلطان؛ قدَّامك الغيطان ومناظر الطبيعة والطيور … الله! وتصحي الصبح على تزقزيق العصافير، تحبي العصافير؟ هه؟!
ليلى (بامتعاض) : آه.
محمود : غير بقى الهوا النقي، الصحي، عال بقى، عزبة «قليوب» توافقك خالص.
ليلى : في الشتا يا «بابا»؟
محمود : في الشتا والصيف وفي كله. زي ما تشوفي.
ليلى (بامتعاض ظاهر) : العزبة في الشتا؟!
محمود : ما توافقيش؟! تفضَّلي مصر؟
ليلى : علشان بس احب اعرف موضات اللبس لما تطلع، واحب أروح تياترو، سينما، حاجة!
محمود : يعني ما تستغنيش عن مصر (يفكر قليلًا) طيِّب بقى … أهو الدور ده، كفاية عليك انت ودادتك، بس …!
ليلى : بس إيه يا «بابا»؟ خايفة أكون حضايقك!
محمود : لا، أبدًا يا بنتي، إزاي؟ الدور يساع بالراحة، ومع ذلك … يعني … يمكن … ما أقدرش أقعد معاكي كتير؛ يعني يوم آجي، ويوم هه … بس علشان أصل وظيفتي … شغلي … نهايته.
ليلى : وظيفتك إيه يا «بابا»؟
محمود : وظيفتي؟
ليلى : آه.
محمود : ليه؟
ليلى : علشان عمتي، الله يرحمها، كانت تملِّي بتقولي إنك مالكش شغلة ولا وظيفة.
محمود (محتدًّا) : أنا ما ليش شغلة ولا وظيفة؟! بتقول عليَّ كده؟! إخص عليها، الله يرحمها! طيب نهايته.
ليلى : طب قُلِّي انت يا «بابا» وظيفتك إيه؟
محمود : وظيفتي؟ هه؟ وظيفتي؟ نهايته … اتفقنا؟ يوافقك الدور ده؟
ليلى : أيوه، بس خايفة أضايقك!
محمود : برضه بتقولي كده؟ أبدًا يا «ليلى»، بالعكس، أنا خايف إنك انتِ اللي تتضايقي وتزهقي، ومع ذلك انتِ لا حتلحقي تضايقيني ولا أضايقك! عمرك دلوقت مش يطلع ١٩–٢٠ سنة وحلوة وغنية؟
ليلى : غنية؟!
محمود : أُمَّال إيه؟ العمارة اللي احنا فيها دي كلها بتاعتك، حكتبهالك، تتجهزي فيها، وتتجوزي فيها، و…
ليلى : أتجوز؟!
محمود : أمَّال؟ دا ضروري.
ليلى (بعزيمة) : مستحيل!
محمود : هو إيه؟
ليلى : الزواج.
محمود : إزَّاي؟ أُمَّال هو الزواج اخترعوه لمين؟ مش للحلوة الغنية؟!
ليلى : مستحيل، مستحيل! مش عايزه أتجوز؟
محمود : شيء عجيب! مش عايزه تتجوزي؟!
ليلى : لأ، مش وقته.
محمود : طبعًا، مش الليلة، مفهوم.
ليلى : أرجوك يا «بابا» ما تفتحليش السيرة دي تاني مرة أبدًا! يالله … مش رايح لعمِّتي؟!
محمود : عمِّتك؟ مش بتقولي ماتت؟!
ليلى : الميتم يعني!
محمود : آه! لسَّه بدري، احنا نطلع من هنا الساعة سبعة، سبعة ونص.
ليلى (ناهضة) : طيب أما أروح أقول «لدادة زينب» تسبقنا تدِّيهم خبر.
محمود : «دادة زينب»؟! هي فين؟
ليلى (متجهة إلى الباب) : بره في الصالة، اختَشت تدخل.
محمود (ذاهبًا بسرعة نحو الباب) : ما لهاش حق (ينادي) «دادة زينب» تعالي. «ليلى» ما قالتليش إنك هنا إلا دلوقت بس! اتفضَّلي (تدخل «دادة زينب») إزيك يا «دادة»؟!
دادة زينب (وهي داخلة) : صلاة النبي أحسن! ما شاء الله!
محمود : وحشتينا يا «دادة»!
دادة زينب : إنشالله ما تشوف وِحش يا ابني!
محمود : استريَّحي.
دادة زينب (تجلس على كرسي) : إلهي ما نعدمك يا «محمود» يا ابني، ولا يورينا فيك سَو أبدًا! أي والله طول عمرك محفَّض، وانت يومك باتنين! جمِّد قلبك ياخويا وخليك جميل.
محمود : ليه؟!
دادة زينب : أنا برضه عارفة، اسم الله عليها «ليلى هانم» ما قدرتش تفاتحك بالحقيقة!
محمود : أنهي حقيقة؟
دادة زينب : شوف يا «محمود» يا ابني؛ اللي مكتوب ع الجبين ترائيه العيون ولو بعد حين، انت راجل ياخويا، اصبر على حكمه، وخليك جمل.
محمود : جمل إيه وفرس إيه بس؟! حصل حاجة لا سمح الله؟!
دادة زينب (بصوت مخنوق حزنًا) : أختك، البقية في حياتك … هئ هئ هئ!

(تضع منديلها على عينيها وتشهق.)

محمود : ما هو … آه! ما احنا عارفين ده!
دادة زينب : بلغك؟!
محمود : فجعتينا يا «دادة»! افتكرت حصلت مصيبة (يستدرك حالًا) مصيبة تانية يعني.
دادة زينب : غير دي يا ابني؟ مسكينة صغار!

(تبكي.)

محمود (بلهجة الحزن مجاراة لها) : معلوم، ما لحقتش تكمل التسعين! الله يرحمها ويرحم شبابها!
دادة زينب (منديلها على عينها تجفِّف دموعها) : يا حسرة عليها، وعلى طيبتها، ولَّا قلبها اللي كان لون البَفتة.
ليلى (المنديل على عينيها أيضًا) : أيوه يا «دادة» وعمرها ما زعلتني بكلمة!
دادة زينب : عيني عليها؛ كانت سخيَّة، وتقيَّة، وديلها يتعمل منه رفاريف!
محمود : دهده؟! الميتم هناك يا جماعة مش هنا.
دادة زينب (تجفف دموعها) : دي بس الدمعة فرِّت من عيني … مش يالله من غير شر على هناك؟!
محمود : أيوه أُمَّال، رايحين؛ بس قد كمان نص ساعة على بال ما أغيَّر وألبس البدلة السودة … هه؟ أنا بقول إذا كنت انتِي يا «دادة» تكلفي خاطرك وتسبقينا انتي على هناك؟ هه … تديهم خبر، والذي منه.
دادة زينب : على عيني يا ابني! طيب أُمَّال بقى أقوم قبل الدنيا ما تمسِّي (ناهضة) اقعدوا بالعافية! خليتك بالعافية يا ست «ليلى»! مع السلامة.
ليلى : الله يعافِيكِي يا «دادة»!
محمود (يوصلها للباب) : مع السلامة!
دادة زينب (وهي خارجة) : تسلم يا بني.

(تخرج.)

محمود (يعود إلى الكنبة، ويلقي نفسه عليها مستريحًا) : أف!
ليلى : الله! ومش يدوب تقوم تقلع يا «بابا» وتغيَّر؟
محمود : إحنا مستعجلين ع الكرب والنكد ليه؟!
ليلى (ناهضة) : طب أما أروح «أوضة التواليت» ألَّا العياط …
محمود : مسح البودرة، هه؟!
الخادم (يدخل) : سيدي «البك».
محمود (بغير تحرك) : أفندم؟!
الخادم : واحد صاحب سعادتك تحت.
محمود : صاحب سعادتي؟!
ليلى : أنا «رايحة أوضة التواليت».

(تذهب إلى الغرفة اليسرى.)

محمود : طيب (يراها متَّجهة إلى الباب الأيسر فينهض بسرعة) الله! شوفي أنا ناسي، عمِّك «شاهين» جوَّه من زمان، «يفتح الغرفة» اطلع يا «شاهين».

(شاهين يظهر على العتبة؛ ولكنه لا ينظر لمحمود المواجه له مباشرة، بل كل همه أن ينظر إلى السيدة، غير عالم أنها «ليلى»، فيشرئب بعنقه، ليرى من فوق كتف «محمود» المتوسط بينه وبين «ليلى».)

محمود (لشاهين بصوت خافت) : دي بنتي «ليلى».

(«شاهين» يخرج للمسرح.)

شاهين : آه … إزيك يا «ليلى هانم»؟

(يسلم عليها.)

ليلى : إزيك يا عمي؟ إنت كنت حابس نفسك كده ليه في «أوضة التواليت»؟!
محمود : أهي الأوضة فضيت يا «ليلى»، مش عايزه تروحي؟ ألَّا احنا مستعجلين انت عارفة.
ليلى : أيوه يا «بابا»، (تذهب إلى غرفة التواليت قائلة لشاهين) جايه حالًا يا عمي.
شاهين : اتفضلي يا «ليلى هانم».

(تدخل ليلى الغرفة وتقفلها عليها.)

الخادم (الذي ما زال واقفًا) : صاحب سعادتك مستني في عربية تحت!
محمود : صاحب مين؟ (ناظرًا لشاهين) احنا بنوزَّع ولَّا بنجيب؟ قول له!
الخادم (يقترب من محمود ويقول خافتًا بابتسام) : دي واحدة ست.
محمود (دهشًا مرتبكًا) : ست؟!
الخادم : قالت لي: إن كان معاه حد قول له واحد صاحبه تحت.
محمود (مرتبكًا) : «شاهين» (بسرعة ولخمة) صاحبة المعاد تحت في عربية. والعمل؟ دبَّرني! اسمع، أنا من فكري، حيث إن بنتي هنا وملخوم لشوشتي، إنك انت تنزل للست دي بالنيابة عني.
شاهين (بفرح) : أنا بالنيابة عنك؟! أيوه، دي أحسن فكرة.

(ذاهبًا.)

محمود (يمسك بذراعه ويوقفه) : اسمع هنا، هو إيه؟ تنزل للست دي بالنيابة عني تعتذر لها.
شاهين (يسحب ذراعه يريد الذهاب) : وابقى اعتذر لها.
محمود (يمسك ذراعه ويوقفه) : يا سيدي انتظر، إنت عارف حتقول إيه؟!
شاهين (بعجلة ساحبًا ذراعه) : عارف، عارف.
محمود (يوقفه بعنف ساخطًا) : يا سلام عليك وعلى اللهفة دي! قول لها إني مش هنا، خرجت في مأمورية مستعجلة قوي والخدَّام ما يعرفش، وخليها تنتظرني بعد ساعة أو ساعتين في المحل اللي كنا فيه سوا أول امبارح. فاهم!

(قلقًا.)

والله أنا خايف تكون راحت! واد يا «حسن»، انزل طير خليها تنتظر.
شاهين : وانت صحيح حتروح بعد ساعتين؟!

(حسن يخرج مسرعًا.)

محمود : أمَّال، على الله بس أكون شفت لي طريقة، يالله روح بقى، بسرعة مستني إيه؟
شاهين : ما معاييش فلوس.

(يشير إلى النقود.)

محمود (ينظر إليه شزرًا) : كام؟! (يخرج محفظته.)
شاهين : أنا على فكرة ليَّ عندك حسبة ١٥ جنيه.
محمود : بتوع إيه؟
شاهين : ثمن اﻟ… الرزانة، والطلوع والخشوش! أُمَّال، مش طلعت وخشيت تلات مرات، تلاتة في خمسة ﺑ ١٥ جنيه!
محمود : يا دم عليك! وأنا استفدت إيه من الخشوش والطلوع ده؟ جاك طلوع في جتتك.
شاهين (يمد يده) : طب هات اللي يطلع من ذمتك.
محمود (يعطيه ورقة مالية) : خد، انزل بقى بسرعة. اسمع، اوعى تنسى تقول لها إني جاي بعد ساعة، ساعتين. على الله أشوف بس طريقة، هه؟! انزل قوام بقى.
شاهين (بعدم اكتراث وهو يضع النقود في محفظته) : حاضر (يقف عند الباب) اسمع!
محمود (ملتفتًا) : إيه؟
شاهين : لو ما شفتش طريقة يكون أحسن!
محمود (بغيظ) : أما إنك بارد صحيح!

(شاهين يخرج بسرعة.)

(لنفسه بأسف) والله باين انه ضاع المعاد اللي اتهبلت عليه! أف! يا خسارة!

(باب غرفة التواليت يفتح نصف فتحة وتطل منه ليلى برأسها.)

ليلى : «بابا»، شوف شنطة اليد بتاعتي عندك على الكنبة!
محمود (بفكر شارد) : هه؟ … فين؟

(ينظر للكنبة.)

آه، موجودة (يلتفت بها بجد واهتمام) «ليلى»، تعالي أمَّا أقول لك.
ليلى : لسه ما عملتش «التواليت» بتاعي.
محمود : معلهش؛ كلمة بس وارجعي.

(«ليلى» تخرج وتقترب منه.)

محمود (باهتمام وجِد وعزيمة) : بقى مفيش كلام تاني أبدًا، ضروري من جوازك!
ليلى (صارخة بضجر) : أف! برضه يا «بابا» الموضوع ده؟!
محمود : لا بد منه.
ليلى : مستحيل!
محمود : وإيه السبب بس؟!
ليلى : السبب أهو كده!
محمود : أهو كده؟ ودا سبب؟!
ليلى (بضجر) : أرجوك يا «بابا» تقفل السيرة دي!
محمود : شيء مدهش! ما شفناش بنات بالشكل ده أبدًّا، طول عمرنا نعرف إن البنت تفرح للسيرة دي!
ليلى (بحماسة) : دي بنت زمان المتأخرة الجاهلة! مسكينة ما كانتش تفهم من الراجل إلا إنه زوج وبس! ما كانتش تفهم أي رابطة بين الراجل والمرأة غير رابطة واحدة، هي … الزواج.
محمود : كويس! طيب وبنت اليوم الناهضة المتعلمة؟
ليلى : بنت اليوم الناهضة المتعلمة تفهم إن علاقتها بالرجل مش بس الزواج.
محمود : أُمَّال إيه؟!
ليلى : لا، فيه روابط تانية؛ فيه رابطة الصداقة، ورابطة العمل في الحياة، المرأة المصرية الناهضة يجب أن تنظر للرجل مش بس إنه زوج؛ بل إنه صديق، وصاحب، وزميل.
محمود : شيء جميل!
ليلى : معلوم يا «بابا»! هي المرأة الأوروبية اترقَّت ازاي؟!
محمود (بملل) : ما علينا من ده كله، يعني قصدك بالفلسفة دي إن مفيش حاجة اسمها زواج خلاص؟ موضة وبطلت رخره؟!
ليلى : لا، إزاي يا «بابا»؟! أنا قلت كده؟!
محمود : أُمَّال قلتي إيه؟ يعني فيه زواج ولَّا مفيش؟!
ليلى : فيه طبعًا!
محمود : بس. انتهينا. مش راضية تتجوزي ليه؟
ليلى : بعدين.
محمود : بعدين إمتى؟!
ليلى : لمَّا الرجَّالة تِفهم إن المرأة المصرية، تقدر تكون لهم صديقة وزميلة.
محمود : رجعنا للفلسفة؟! طيب مين اللي حيفهمهم؟!
ليلى : إحنا.
محمود : ما بلاش انتِي تفهميهم، بناقص انتِي يا ستي!
ليلى (مبتسمة) : وبناقص واحدة ليه؟
محمود (خافتًا) : ما هو بس علشان بختي الاسود!

(«ليلى» تتناول حقيبتها من فوق الكنبة وتتجه إلى غرفة اليسار.)

رايحة فين؟
ليلى : أكمِّل «التواليت» بتاعي.
هاشم (يدخل، ويقف قليلًا بعتبة باب الصدر) : لا مؤاخذة … إزيك يا ست «ليلى»؟!
ليلى : إزيك يا «هاشم أفندي»؟!

(تدخل غرفة «التواليت»، وتقفلها عليها.)

هاشم (لمحمود) : رحت له تاني زي سعادتك ما قلت، وقدمت له الوصولات.
محمود (مطرقًا، يفكر شارد اللب؛ ثم يرفع رأسه) : تعالى يا «هاشم افندي»، قرب جنبي هنا، عايز أكلمك في موضوع مهم!

(هاشم يقترب.)

اقعد (هاشم يجلس على كرسي قريب من «محمود») بقى انت تقريبًا معانا، بقى لك عشر سنين! وطبعًا أصبحت دلوقت منَّا وعلينا، اللي يهمنا يهمك، واللي يسرِّنا يسرَّك. كدا ولَّا لأ؟!
هاشم : معلوم يا «بك»! ودي فيها شك؟!
محمود : إيه رأيك في «ليلى»؟!
هاشم : ست «ليلى»؟!
محمود : مش تشوف انها بقت في سن الزواج؟!
هاشم : أيوه برضه.
محمود : رأيك إيه؟ عايزين نشوف لها عريس!
هاشم : والله، الرأي رأيها في الموضوع ده.
محمود : رأيها؟ لا، لا، لا. فُضَّك من رأيها ده!
هاشم : إزَّاي يا «بك»؟! أُمَّال رأي مين؟ دا حق من حقوقها!
محمود : إن جيت لرأيها مش متجوزة أبدًا!
هاشم : إهْ؛ أمرها!
محمود : أمرها؟! وانت يا «هاشم أفندي» قليل الحيلة قوي؟!
هاشم : لا يا «بك»، ما هو دا الواقع! هم البنات دلوقت زي زمان؟! إذا كانت أختي — وسعادتك عارف — حَكِّمت رأيها ما تتجوزش إلَّا اللي تختاره بنفسها!
محمود : ورأيك إيه انت بقى؟!
هاشم : رأيي زي ما قلت لسعادتك، حيث ان الماشي دلوقت هو قولة حرية المرأة وحقوقها، الأمر كله بيد صاحبة الشأن! سعادتك انتظر، مِصيرها حتختار عريس بنفسها.
محمود : ما قلت لك إنها مش عايزة تتجوز! ما هي دي يمكن موضة تانية طالعين فيها، مين عارف؟ اسمع، أنا بقول نشوف لها عريس، واحنا وبختنا، يمكن يعجبها!
هاشم : مفيش مانع، برضه رأي!
محمود : المسألة دي عليك، تعرف حد يليق لها؟
هاشم (يطرق قليلًا مفكرًا) : والله نبحث.
محمود : أيوه اعمل معروف يا «هاشم»، بس المهم السرعة، آه، أهم شيء عندي دلوقت السرعة.
هاشم : سعادتك مستعجل يعني عليها قوي؟!
محمود (يرتبك قليلًا) : لا، مفيش استعجال، بس … أصل … سنَّها يا دوب! عايز الحق يا «هاشم»؛ انت ما انت عارفني، أخبِّي عليك ليه؟ انت تعرف إني أنا ما تخلقتش علشان أكون أب مسئول، ومكلف، وعليه واجبات! أنا أُمَّال كنت مقعدها عند عمِّتها ليه؟! الحقيقة يا «هاشم» أنا ما انفعش أكون أب؛ يلاحظ، ويداوي، ويمازج. وضميري كمان مش مريحني أسيب بنتي كده، واسمها يتيمة … غرضي إنها تتجوز، ويبقى جوزها هو القائم بأمرها، والمسئول عنها. في الوقت ده صحيح أبقى مبسوط، شاعر إني حر! مش مكلف أدبيًّا نحوها! وضميري يكون مستريح، إيه رأيك بقى؟ أنا طالب حريتي، مش المرأة بس اللي بتطالب بحريتها، أنا كمان يا ناس بأطالب بحريتي!
هاشم : حاضر، إن شاء الله نِعتَر قوام في ابن الحلال.

(«ليلى» تخرج من غرفة «التواليت» جاهزة.)

محمود (يغير مجرى الحديث واللهجة، بعد أن يغمز «هاشم») : ولما قدِّمت له الوصولات قال لك إيه؟
هاشم : «سليمان بك حلمي»؟!

(يرى «ليلى» قادمة فينهض احترامًا.)

ليلى : اقعد يا «هاشم أفندي».

(تجلس ويجلس «هاشم».)

محمود : قال لك إيه؟!
هاشم : قال حاجة مدهشة! تعرف إيه اللي قاله يا «بك»؟!
محمود : إيه؟
هاشم : قال لي أول ما شافني: إنتم يا «هاشم أفندي» مش ناويين تزودوا الإيجار؟ قلت له لأ، قال لي ما لكوش حق أبدًّا! لازم تزودوه، دي عمارة في غاية الجمال، إيجار الدور اللي أنا فيه ﺑ ٩ جنيه رخيص قوي، دي تستحق ١٥ على الأقل. أنا حادفع ١٥. ذمتي ما تخلصنيش، يا إما أدفع ١٥ جنيه، يا إما ما ادفعش ولا مليم.
محمود (إلى «ليلى») : خدي بالك ان المستأجر ده متأخر في تلات أقساط.
ليلى (تضحك) : أمَّا ظريف.
محمود : ظريف؟! (لهاشم) قلت له إيه انت؟
هاشم : قلت له طيب ادفع ١٥ جنيه.
ليلى : قال لك إيه؟
هاشم : قال أمال! بس روح قَبله غيَّر كل الوصولات دي واكتبها من جديد بمبلغ ١٥ جنيه.
محمود : شايف ضحك عليك وماطلك برضه ازاي؟ أهي دي المماطلة! بس بطريقة مبتكرة!

(ناظرًا إلى «ليلى».)

ليلى (ضاحكة) : اسمه إيه الساكن ده؟!
هاشم : اسمه «سليمان بك حلمي» (لمحمود) وإيه العمل معاه؟ أروح له تاني وأنذره بالإخلا؟
محمود : اسمع يا «هاشم أفندي»، مين صاحب العمارة دي؟
هاشم : سعادتك طبعًا!
محمود : لأ، مش أنا. (يشير إلى «ليلى») «ليلى» صاحبة العمارة دي من النهاردة، فاهم؟ كل شيء بخصوصها من إيجارات وخلافه تكلم فيه الست صاحبة الملك، مفهوم؟!
هاشم : حاضر، مبروك يا ست «ليلى هانم»!

(«ليلى» تبتسم.)

محمود : اسألها دلوقت في مسألة «سليمان بك».
هاشم (إلى «ليلى») : تؤمري نعمل إيه؟
ليلى : سيب «البك» ما تطالبوش بحاجة أبدًا!
محمود (لهاشم) : سيب «البك» ده … ما تطالبوش بحاجة أبدًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤