خاتمة حول إسهامات العلماء العرب والمسلمين في نظريات وتطبيقات ظاهرة مدِّ وجزر البحار
مقدمة
تحظى ظاهرة المد والجزر اليوم باهتمامٍ عالمي كبير؛ إذْ يجد فيها الكثيرون إحدى بوابات الطاقة المُتجددة والنظيفة التي يمكن الاعتماد عليها في المستقبل.
في الواقع، لنا أن نتلمَّس عدم اهتمام مؤرخي الغرب أو مُستشرقيهم بإسهامات العلماء العرب والمسلمين في نظريات ظاهرة مدِّ وجزر البحار من خلال الأبحاث والدراسات التي قاموا بها.
وهو ما يدلُّنا على أن مؤرخي الغرب لم يطَّلِعوا بما فيه الكفاية على ما ألَّفه وكتبه العلماء العرب والمسلمين. أو أنهم تقصَّدوا تهميش إسهامات العلماء العرب والمسلمين في تفسير هذه الظاهرة.
على العموم سنُوجِز فيما يأتي إسهاماتهم التي بذلنا جُهدنا في تسليط الضوء عليها من خلال هذا العمل.
(١) المبحث الأول: على مستوى الأرصاد
لقد امتدت أرصاد المؤرخين والجغرافيين العرب والمسلمين لظاهرة المد والجزر من الصين والهند شرقًا إلى الأندلس غربًا، ومن سواحل بريطانيا شمالًا إلى المحيط الهندي جنوبًا. وهي على مستوًى كبير من الأهمية؛ لأنها يمكن أن تُساعدنا في معرفة مستويات المد والجزر في كل قرنٍ من القرون السابقة وصولًا إلى القرن الحادي والعشرين، حيث يزداد معدل انصهار الجليد وارتفاع مستويات البحار.
الأمر الذي يُمكِّن المُختصِّين بعلوم البحار من رسم مُنحنيات ومُخططات توضيحية للحال التي وصلت إليها الأمور، خصوصًا بعد أزمات الاحتباس الحراري التي يُعاني منها كوكب الأرض حاليًّا.
(٢) المبحث الثاني: على مستوى النظريات
-
(١)
لقد قدم لنا الكندي نظريةً جديدة أراد من خلالها تفسير ظاهرة المد والجزر في البحار وفق رؤيته الخاصة (وإن لم تكن دقيقة وفق نظرياتنا الحالية)، لكنها لم تكن مأخوذة عن أي عالمٍ سابق له. كما قدَّم لنا تصنيفه للمد الطبيعي على أساسٍ يوميٍّ وشهري وسنوي.
-
(٢)
قام أبو معشر البلخي بتحديد العوامل الأساسية لحدوث المد والجزر وهي حالة موضع الماء، وحالة الماء نفسها، وانتقال القمر في أطواره.
-
(٣)
قدم لنا أبو معشر البلخي — ربما — أول صياغة رياضياتية تُمكِّن الراصد من التنبؤ بساعة المد والجزر.
-
(٤)
انتبه أبو معشر إلى وجود ثمانية أسباب تؤثر على قوة المد وضعفه.
-
(٥)
قدم لنا أبو معشر تصنيفه للمياه على أساس ما يحدُث فيها من مدٍّ وجزر إلى ثلاثة أنواع.
-
(٦)
وقد تبيَّن لنا بعد إجراء المقارنة الدقيقة أن الكثير من العلماء الأوربيين في العصور الوسطى قد اعتمدوا على نظرية أبي معشر في تفسير ظاهرة المد والجزر وبشكلٍ كبير.
-
(٧)
حاول البطروجي أن يُنحي أثر القمر في ظاهرة المد والجزر، مُعتبرًا أن السبب هو حركة السماء التي تعلو كتلة المياه في البحار.
-
(٨)
قدم لنا عبد القادر البصري مناقشة واسعة جدًّا، وقد أورد — ربما أول مرة — مُقارنة تشبيهية بين جاذبية القمر لمياه البحر وجاذبية المغناطيس للحديد، ليقترب بذلك كثيرًا من مفهوم الجاذبية.
(٣) المبحث الثالث: على مستوى التطبيق
لمدينة البصرة أن تفخر بأن الوثائق التاريخية العربية والعالمية، التي عثرنا عليها حتى الآن، تُشير إلى أنها أول مدينة عربية استثمرت طاقة المد والجزر واستفادت منها بشكلٍ عملي، وذلك بواسطة الطواحين التي وضعتها في طريق المياه ذهابًا وإيابًا. وهم بذلك يسبقون الأوربيين على الأقل بثلاثة قرون في هذا المجال.
(٤) المبحث الرابع: أثر النظريات العربية على الفكر الأوربي
لقد مارست نظرية أبو معشر البلخي تأثيرًا كبيرًا على علماء أوربا في العصور الوسطى، خصوصًا على كلٍّ من جيرالد الويلزي، وروبرت غروستيست، ودانييل المورلي، وتوما الأكويني، وروجر بيكون.
كذلك فقد أثرت نظرية البطروجي عن المد والجزر التي تستبعِد أثر القمر كثيرًا على روبرت غروستيست عندما اطلع عليها.
في حين أننا لم نعثر على أي دليلٍ بشأن انتقال فكرة الاستفادة من طاقة المد والجزر التي ابتكرها أهل البصرة إلى الأوربيين.