اعتقد اليونانيون القدماء أن تأثير القمر كان يُقابل ويتعارض مع تأثير الشمس التي
من خواصِّها التجفيف والتيبيس، وبشكلٍ عام، امتصاص الماء. على النقيض من ذلك، ارتبط
القمر بالماء والرطوبة وهطول المطر. كما وجدوا أنه في الليالي الصافية يُضفي البدر
وضياؤه شعورًا بالبرودة والرطوبة والانتعاش على هواء ليل البحر الأبيض المتوسط،
ويترك كميةً وفيرة من الندى في الصباح الباكر (في الواقع؛ لأن درجات حرارة الهواء
تكون عادة أدنى تحت السماء الصافية). وقد افترض اليونانيون القدماء أن القمر يؤثر
أيضًا على تدفُّق سوائل الجسم، مثل الدم والسائل الشوكي المُحيط بالدماغ. ومِن
المفارقات أن اليونانيين لم يُقيموا صلةً بين القمر والمد والجزر، ويُحتمل أن ذلك
عائد إلى صِغَر المدى المدِّي للبحر الأبيض المتوسط.
٢١ ولعلَّ هذا يُفسر لنا لماذا ذُهِلَ جنود الإسكندر الأكبر المقدوني
(توفي ٣٢٣ق.م)
Alexander من مشهد المد والجزر عندما
بلغوا المحيط الهندي الذي شاهدوه لأول مرة.
٢٢
(٥-٣) أرسطو (القرن ٤ق.م)
تخبَّط أرسطو (تُوفي ٣٢٢ق.م)
Aristotle في
آرائه حول سبب ظاهرة المد والجزر في البحار؛ فتارةً يعتقد أن سببها الرياح التي
تُولدها الشمس،
٢٥ وتارةً يعتقد أن سببها الصخور، حيث قال بوسيدونوس الرودسي (توفي
حوالي ٥١ق.م)
Posedenus إن أرسطو يَعزو مد وجزر
البحر في (قادس) إلى التكوين الصخري للساحل هناك، وقد وجد أن هذا الكلام محض
هُراء، خصوصًا وأن ساحل إسبانيا مُستوٍ ورملي وليس صخريًّا.
٢٦
ورد موضوع المد والجزر في كتاب أرسطو عن «الآثار العلوية» أو ما يُصطلح عليه
الآن «الأرصاد الجوية» ضمن موضوع الزلازل، مُعتبرًا إيَّاه مجرد وسيلة مقارنة.
وقد استمر تأثير رأي أرسطو حتى القرن ١١م؛ ليُعاد مُعالجته على أساس أن المد
والجزر من الظواهر البحرية.
٢٧
وقيل إنه كان يشعر بالحيرة الشديدة بسبب عجزه عن فَهم ما يُسمَّى مدَّ مضيق
يوريبوس
Euripus Strait، حيث تُوجَد
تيارات مدِّية محلية طويلة معروفة في المضيق بين البر الرئيس لليونان وجزيرة
يوبيا
Euboea. لقد كان المد والجزر غير
مُنتظم جدًّا بالمعنى الذي استخدمه سلوقوس الكلداني فقد كان اضطراب تواتره
المحلي في فترات غير المد والجزر ناجمًا عن الطقس.
٢٨
المُقتطف الآتي مأخوذ من الفصل الرابع من الرسالة المنسوبة إليه (حول الكون)
والموجهة إلى الإسكندر الأكبر المقدوني. وهي تُشير إلى أن المد والجزر يحدُث
مرَّتَين. وتذكر أن المد والجزر الكبير يُوجَد في شمال أوروبا، وأنه أكبر في
البحر الكبير منه في البحر الصغير. وتُشير إلى تواتر المد والجزر وعلاقته بحركة
القمر، ولكن كما لو كان من خلال الإشاعات المُنتشرة في وقته، وليس من قبيل
الاستنتاج. بشكل عام تتعارَض هذه المعلومات مع ما هو مؤكَّد من تخبُّط أرسطو في
تفسيره لظاهرة المد والجزر؛ ولذلك يتبيَّن أن الرسالة منسوبة إليه وليست من
أعماله وأقواله.
قال أرسطو (الزائف): «تُوجَد أشياء مُماثلة لتلك الموجودة في البحر أيضًا؛
لأنه في كثيرٍ من الأحيان تتشكَّل الفجوات في الماء عن طريق الأمواج
المُتراجعة، وتتقدَّم الأمواج القادمة، وأحيانًا تتراجع مرةً أخرى وأحيانًا
تتسارع بشكلٍ مُستقيم للأمام … وغالبًا ما تُوجَد أيضًا ثورات بركانية مُلتهبة
في البحر، وتتدفق النوافير، وتُفتح أفواه الأنهار، وتنبعث الأشجار، وتنشأ
دوامات وفيضانات، تقابل تلك التي تصاحِب الريح في كثيرٍ من الأحيان؛ البعض في
عرض البحر العميق، والبعض الآخر في المضائق والخلجان. ويُقال إن العديد من
الانقلابات والانحسارات في البحر تأتي دائمًا مع القمر وفي أوقاتٍ مُحدَّدة.
باختصار، بما أن العناصر مُتداخلة مع بعضها بعضًا؛ فهناك، على نحوٍ مُشابه،
الهواء والأرض والبحر، وصِلات مُماثلة قد تؤدي إلى إنشاء وتدمير بعض الخصائص
[لكل مادة] أو قد تُحافظ عليها بطريقةٍ غير مُتغيرة.»
٢٩
نخلُص مما سبق أن أرسطو قد فشل في التعرُّف على أي نمطٍ إيقاعي سببي بسيط
يربط بين حركة المدِّ والجزر وجاذبية القمر والشمس.
(٥-٤) بيثياس المسيلي (القرن ٣ق.م)
يعتقد أن الرحالة والتاجر بيثياس المسيلي (توفي ٢٨٥ق.م)
Pytheas أول من اقترح أن سبب ظاهرة المد
والجزر هو عِلة كونية أو شروق وغروب القمر.
٣٠ ويعود السبب في توقُّعه ذلك إلى رحلاته البحرية خارج البحر
المتوسط؛ لأن حركة المد والجزر داخل المُتوسط ضئيلة لا تلفِت الانتباه. أما على
شواطئ المحيط الأطلسي فإن المد يرتفع بشكلٍ واضح للعيان. ولمَّا كان الأقدمون
يُخضعون القمر لمُراقبتهم اليومية؛ فليس من المُستبعَد أنهم لاحظوا وجود علاقة
بين المد والدورة القمرية.
٣١
يمكن اعتبار هذا التأكيد على وجود علاقة من نوعٍ ما بين القمر وحركة المد
والجزر نقطة الانطلاق في أبحاث المد؛ فقد تمَّ نشره في كتاب بيثياس (حول
المُحيط)، وهو الآن مفقود لكن اقتبس منه المؤلفون القدماء. لم يكتشف بيثياس فقط
أنه كان يُوجَد مدَّان عاليان بكل يومٍ قمري، بل وجد أيضًا أن النطاق الواسع
اعتمد على أطوار القمر.
٣٢
ويُقال إنه أول من قاس ارتفاعات المد.
٣٣ إذْ وفقًا لبليني فإن بيثياس لاحظ مدًّا مجاله ٨٠ كوبتات (أكثر من
٣ كيلومترات) في الرحلة التي قام بها إلى بريطانيا في عام ٣٢٥ق.م تقريبًا.
وربما يكون مُبالغًا في هذا التقدير كثيرًا، سواء من بليني أو بيثياس، حيث إن
مجالات المد تكون في بحر الشمال بحدود ١٫٥ متر.
٣٤
(٥-٦) إيراتوسثينس (القرن ٢ق.م)
لم يشك إيراتوسثينس (توفي ١٩٤ق.م)
Eratosthenes لحظةً أن المحيطات عبارة عن
كتلة واحدة،
٣٦ من ناحية اتصالها ببعضها بعضًا، وأن العالَم المأهول (في عصره
أوربا وآسيا وإفريقيا) ما هو إلا جزيرة واحدة. وأشار إلى تشابُه المد والجزر في
المُحيطَين؛ الهندي والأطلسي.
٣٧ وقد فسر ظاهرة المد والجزر مثل بيثياس أن سببها هو القمر.
٣٨
ووفقًا للكتابات عن المد والجزر التي نسبها إليه سترابو. فإن هذه المدود
«شاذة» لدرجة كبيرة حسب المفهوم الذي استخدمه سلوقوس، وهي موزَّعة بتوترات
محلية في الفترة غير المدِّية التي استحثها الطقس.
٣٩ ويعتقد إيراتوسثينس أن تيارات المد والجزر تحدُث في البحر الأبيض
المتوسط بسبب اختلاف في المستوى في النقاط المجاورة.
٤٠
(٥-٧) بوسيدونوس (القرن ١ق.م)
عندما توجَّه بوسيدونوس الرودسي إلى (قادس) في إسبانيا، حيث أقام مدة شهر
كامل هناك، لاحظ التيارات المائية في المحيط الأطلسي وحركة المد والجزر فيه،
وقد عزا الظاهرة إلى وجود تأثيرٍ مشترك للشمس والقمر.
٤١ كما وجد أن دورات المد والجزر السنوية مُتزامنة مع الاعتدالَين
والانقلابَين. ولكنه عندما بحث عن سبب ذلك عاد مرة أخرى إلى نظرية الريح التي
وضعها أرسطو.
٤٢
كما انطلق بوسيدونوس من فكرة التعاطف الكوني ليقدم لنا — ربما — أول تفسير
لحركة المد والجزر من خلال ربطها بأطوار القمر.
٤٣ حيث كُتب لفكرة التعاطف الكوني أن تظهر مرةً أخرى لدى بعض الفلاسفة
الطبيعيين في عصر النهضة، الذين يؤمنون بأن الأجسام يمكن أن تؤثر على بعضها
بعضًا عن بُعد، عن طريق قوى سحرية من التعاطف، أو التجاذب، أو التنافُر. نجد
ذلك في قول مارسيلو فيشنو (توفي ١٤٩٩م)
M. Ficino في شرحه لكتاب «المأدبة» لأفلاطون:
«كل قوة السحر تنطوي على الحُب، إن عمل السحر هو انجذاب شيءٍ إلى آخر بفضل
تعاطُفهما الطبيعي. إن أجزاء العالَم تُشبه أعضاء الحيوان، مُوحَّدة فيما بينها
في طبيعة واحدة. ومن علاقاتها المشتركة يُولَد حُب مُشترك ومن هذا الحب يُولَد
تجاذب مشترك، وهذا هو السحر الحقيقي. وهكذا؛ [فإن] حجر المغناطيس يجذب الحديد،
والعنبر يجذب القش، والكبريت يجذب النار، والشمس تسحب الأوراق والأزهار
باتجاهها، والقمر يجتذب البحار.»
٤٤ أي يُوجَد مواد تجذب إليها الحرارة فتتأثر بها، ويُوجَد مواد أخرى
لا تتأثر بالحرارة وتنفعل بها، كما أنه يُوجَد مواد لا تتأثر بالمغناطيس وتنفعل
به.
لقد كرَّس بوسيدونوس جزءًا من أعماله المكتوبة لمراجعة المعرفة المدِّية في
زمنه. للأسف لم يعُد عمل بوسيدونوس محفوظًا بل اقتبسه سترابو في كتابه الرائع
الجغرافية
Geographika. وقد ظهر هذا
الكتاب في سنة ٢٣ للميلاد وهنا بإمكاننا أن نقرأ نص بوسيدونوس الموجود عن
النظرية المدِّية: «عندما يرتفع القمر فوق الأفق إلى حدِّ الإشارة البرجية (٣٠
درجة)، يبدأ البحر بالانتفاخ، ويُعزى بشكلٍ ملحوظ إلى كون القمر في خط الطول؛
لكن عندما بدأ الجرم السماوي بالانحسار، تراجع البحر ثانية، رويدًا رويدًا، ومن
ثم غمر اليابسة مرةً أخرى حتى وصل القمر إلى خط الطول أسفل الأرض … يُصبح الفيض
والغيض أكبر حوالي مرة من الاقتران (قمر جديد)، ومن ثم يتناهى إلى أن يُصبح نصف
القمر؛ ومرة ثانية، يزدادان في حالة البدر ويتناهيان ثانية حتى مُحاق نصف
القمر. وإذا كان القمر في الحالات الاعتدالية (الميل صفر)، فإن سلوك المد
والجزر يكون مُنتظمًا، إنما في حالات الذروة الشمسية (أقصى الميل)، غير
المُنتظم، بالنسبة إلى الكمية وإلى السرعة، فإن العلاقة تكون مُتناسبةً مع
النقطة الأقرب لاقتراب القمر.» وقد كتب سترابو مضيفًا: «يُوجَد ينبوع في «معبد
هيراكليوم» في قادس، وقد كان يظهر الماء (الجيد للشرب) بشكلٍ مفاجئ لخطوات
قليلة، ويتصرَّف الينبوع بشكلٍ عكسي مع تدفُّق وجريان البحر، حيث يفرغ في كل
مرةٍ من المد الفيضي ويملأ في كل مرةٍ مع انحسار الجزر.» هذا الموضوع عن المد
والجزر المعكوسين في البئر هو موضوع مُهم؛ لأنه يُمثل في الواقع الملاحظات
الأولى للمد الأرضي (أي على شكل بُقَع مَدِّية). مع أن الظاهرة في البئر كانت
معروفةً لفترة طويلة من الزمن إلا أنه يظهر أن بوسيدونوس كان أول عالِم يدرُسها
في أثناء سفراته العلمية المذكورة آنفًا إلى إسبانيا. في حين أن بوسيدونوس
يُقرُّ بأن «الجزر» يحدُث في زمن مُعين من تدفُّق البئر. إلا أنه لم يعتقد
حقًّا بأنه كان لدَيه أي شيء يتعلق بالمد والجزر. على كُلٍّ، ناقش سترابون
المشكلة بالتفصيل، ووصل إلى استنتاج بأن الظاهرة يجب أن تكون ظاهرة مَدِّية بعض الشيء.
٤٥ ظاهرة المد والجزر التي تظهر في الآبار ستعود للظهور مرةً أخرى من
خلال محمد بن حوقل البغدادي المَوصلي (توفي بعد ٣٦٧ﻫ/بعد ٩٧٧م) وكيف قام
بالتحقُّق منها والرد على الخرافات المُتعلقة بها.
٤٦
التفسيرات التي وردت أعلاه عند بوسيدونوس عن التفاوتات اليومية (مرَّتَين
يوميًّا) والشهرية (مرتين شهريًّا) هي صحيحة تمامًا. ربما يفترض أحدنا أن «فعل
المدة والسرعة» كان يعني بها بوسيدونوس أو سترابو ازدياد المستوى العالي وسرعة
تعاقُب المياه عالية «المد»، وبالتالي فإن «السرعة» هي أكبر بقليلٍ عند المد
والجزر الربيعي. غير أن تفسير التفاوت السنوي خطأ بشكل مُلفت؛ لأننا نعلم
حديثًا، أنه في أي نظام مدٍّ نصف يومِي يصِل المد والجزر في الربيع إلى
مستوياتٍ هي «الأعلى» حوالي الاعتدالَين تقريبًا وإلى المستويات هي «الأدنى»
عند الانقلابَين.
٤٧
نخلص مما سبق إلى أن بوسيدونوس تمكن من المساهمة في نظريةٍ تُقدم تفسيرًا
لحركات المد والجزر على أساس الجذب المُشترك لكلٍّ من الشمس والقمر، وتمكن من
خلالها أيضًا من تفسير سبب نشوء حركة أعلى المد وحركة أخفض المد.
٤٨ كما لاحظ بوسيدونوس وعرف بشكلٍ صحيح الأسباب العامة الكامنة وراء
ظاهرة المد والجزر في البحار، وكيف تؤثر المقابلة والاقتران بين الأرض والقمر
والشمس على هذه الظاهرة.
٤٩
ويرى الباحث و. كابيل
W. Capelle أن تفسير
بوسيدنوس هذا كان آخر تفسيرٍ مُستقل قائم على مشاهدة الظاهرة الكونية وتفسيرها
وصلَنا من العصور القديمة.
٥٠
(٥-٨) سترابو (القرن ١م)
كان سترابو جغرافيًّا مميزًا، فقد قام بعددٍ كبير من الرحلات، وأودع معارفه
الجغرافية بكتاب أسماه «الجغرافيا» وصلَنا كاملًا. ومما نجده في هذا الكتاب
إصراره على القول بالمحيط الواحد، والدليل على ذلك برأيه أن المد والجزر ظاهرة
تحدُث في كل مكان؛ لذلك يمكن لأي شخصٍ أن يُبحر من إسبانيا إلى جزر الهند الشرقية.
٥١
وقال سترابو في أماكن أخرى إننا إذا ذهبنا غربًا بعيدًا عن العالَم القديم،
سنصِل إلى الهند، ما لم يتدخَّل بعض القارة؛ ويقترح أنه قد يكون هناك واحد أو
أكثر من هذه الهيئات من الأرض على التوازي مع إسبانيا. وهذا ما نجده في
الاقتباس الآتي: «إن أولئك الذين عادوا من محاولة التنقُّل حول الأرض، لا
يقولون إنهم مُنعوا من مواصلة رحلتهم بسبب أي قارة اعترضتهم؛ لأن البحر بقي
مفتوحًا تمامًا، ولكن من خلال الرغبة في الحل، ونُدرة التزويد. تتوافق هذه
النظرية أيضًا بشكلٍ أفضل مع انحسار وتدفُّق المحيطات؛ لأن الظاهرة، سواء في
الزيادة أو النقصان، موجودة ومُتطابقة في كل مكان، أو في كل الأحوال يكون
الفارق ضئيلًا، كما لو كان ناتجًا عن إثارة بحرٍ واحد، وهي ناتجة عن سببٍ واحد.
يجب ألا ننسِب إلى هيبارخوس، الذي يُعارض هذا الرأي، ونُنكر أن المحيط يتأثر
بالمثل، أو حتى لو كان الأمر كذلك، فلن يتبع ذلك أن المُحيط الأطلسي تدفَّق في
دائرة، وبالتالي عاد باستمرارٍ إلى نفسه. يتَّفق سلوقوس البابلي مع هذا
التأكيد. ولمزيدٍ من التحقيق حول المحيط والمدِّ والجزر، نُشير إلى بوسودينوس
وأثينودوروس (توفي سنة ٧م)
Athenodorus،
اللذَين ناقشا هذا الموضوع بالكامل: سنُلاحظ الآن فقط أن هذا الرأي يتفق بشكلٍ
أفضل مع توحيد الظاهرة؛ وكلما زادت كمية الرطوبة المُحيطة بالأرض، كان من
الأسهل تزويد الأجرام السماوية بالأبخرة من هناك.»
٥٢
وتشير الاقتباسات الآتية إلى أن سترابو ميز بوضوحٍ بين موجات المد والجزر
العادية والحقيقية. فهو يَعتبر أن موجات المد والجزر ناتجة عن الاضطرابات في
قاع البحر؛ لكنه يميل إلى رأي أرسطو بوجود دورٍ كبير للرياح؛ حيث قال: «لكن
ارتفاع الأنهار ليس عنيفًا ومفاجئًا، ولا يستمر المد والجزر لأي مدةٍ زمنية،
ولا يحدث بشكلٍ غير مُنتظم، ولا يُسبب الغمر على طول سواحل بحرنا، ولا أي مكان
آخر. وبالتالي، يجب أن نبحث عن تفسيرٍ للسبب إما في الطبقة المكوِّنة لقاع
البحر، أو في ما يفيض. نحن نُفضل البحث عنه في الأول؛ لأنه بسبب رطوبته يكون
أكثر عرضةً للتحوُّلات والتغييرات المفاجئة في الموضع، وعلينا أن نُدرك في هذه
الأمور أن الرياح هي العامل الأكبر بعد كلِّ شيء. لكنني أُكرر ذلك، أن السبب
المباشر لهذه الظواهر، ليس في حقيقة أن جزءًا من قاع المحيط يكون أعلى أو أقل
من جزءٍ آخر، ولكن في ارتفاع أو انخفاض الطبقات التي ترتكز عليها المياه. من
الواضح أنه من الخيال، أنه حدث في أي وقتٍ مضى فيضان ساحق، للمحيطات، وفي
التأثيرات من هذا النوع التي تُواجهها، تتلقَّى زيادةً ونقصانًا مُستقرَّين
ودورِيَّين مُعيَّنَين.» ومع ذلك، لم يذكر ما يَعتبره السبب المادي للمد
والجزر، على الرغم من أنه قد ألمح بالفعل إلى الأبخرة المحيطة بالأجرام
السماوية. إنه مجرد، بعد أن شبَّه أثينودوروس هذه الظاهرة بشهيق الكائن الحي،
كما يفعل شعراء اليوم؛ «لأنه بعد طريقة الكائنات الحية، التي تستمر في شهيق
وزفير أنفاسها باستمرار، وبالتالي فإن البحر بطريقةٍ مُماثلة يحافظ على حركةٍ
مُستمرة داخل وخارج نفسه.»
٥٣
كما وصف سترابو المد والجزر حول إسبانيا والبرتغال والخليج العربي وإنجلترا
وإيطاليا والدنمارك. ووصف المد والجزر في قادس وعدم المساواة في المرحلة وربطها
بشكلٍ صحيح مع عمر القمر، ولكن وصف الزيادة السنوية المفترضة (في النطاق) كان
بلا شكٍّ يعتمد على الملاحظات غير الصحيحة. سترابو هو أول كاتبٍ يُقدم وصفًا
للمد والجزر المداري وعدم المساواة النهارية. في إشارة إلى عدم المساواة
السنوية في مستوى المياه، ولاحظ المراحل الدورية لنهر النيل والأنهار في الهند.
٥٤