الفصل الأول

نظرة الحضارات القديمة إلى ظاهرة المد والجزر

مقدمة

يتمثَّل أحد أسرار الفيزياء في أن أي كتلة تدور حول نفسها مثل القمر أو الأرض أو الشمس تُولِّد جاذبيتها الخاصة بها. وكلما كانت الكتلة أكبر كانت الجاذبية أقوى. وما اكتشفه إسحاق نيوتن (توفي ١٧٢٧م) I. Newton أنه في حين تجذب قوة الجاذبية الكُتَل الأخرى، فإن هذه القوة تضمحِل بسرعة مع اتساع المسافة. وهكذا كلما كانت الكتل أقرب من بعضها كان تأثيرها أقوى. وبناء عليه، يُوجَد تأثير ثلاثي مُتبادل بين القمر والأرض والشمس. بدايةً، وفي حين تدور الأرض في أثناء اليوم، تجعلها جاذبية القمر، مع ضعفها نوعًا ما، تنتفِخ مُنجذبةً نحوه بنحو ٢-٣ سنتمترات. وليس لهذا أي تأثير ملحوظ على اليابسة، وإنما له تأثير كبير على المُحيطات، وهو ما ينشأ عنه ظاهرة المد والجزر. وعندما تمر الأرض بحيث تكون تحت تأثير قوة شدِّ القمر الجاذبة، يسحب القمر باتجاهه أي كتلة كبيرة من الماء. يظهر هذا الانتفاخ على الجانب المُواجه للقمر، والجانب البعيد المُقابل له على الأرض. وبينما تدور الأرض يستمر هذا الانتفاخ تحت القمر، ويُولِّد مدًّا عاليًا. في المقابل فإن كتلة الماء المتعامدة مع الجذب القمري المباشر تنخفض وبالتالي بعد الانتفاخ، تعود مستويات البحر إلى الانخفاض فيحدُث الجزر. وهكذا يتغير مستوى البحر كلَّ اثنتي عشرة ساعة أو نحو ذلك، ومع انتقال الانتفاخَين حول الكرة الأرضية يحدُث مدٌّ تام كل ١٢ ساعة و٢٥ دقيقة. ويُقدِّم المدار المتغير للقمر توقيت حدوث كل مدٍّ عالٍ بنحو ٥٠ دقيقة كل يوم. ولِحقل جاذبية الشمس أيضًا دور، ولكن نظرًا لبُعدها الكبير عنا فإن تأثيرها أضعف من تأثير القمر. مع ذلك، عندما يكون القمر والشمس مُصطفَّين على خطٍّ مستقيم، وهو ما يحدث مرتين شهريًّا (في طوري الهلال والبدر) تُولِّد قوة جذبهما المشتركة مدًّا عاليًا جدًّا يُطلَق عليه اسم المد الربيعي Spring tide. وعندما يحدث العكس أي عندما يكون القمر والشمس على طول ضلعي زاوية قائمة نحصل على جَزرٍ منخفض جدًّا، أو جزر مُحاقي Neap tide، خلال تربيع القمر. وقد تمحورت العديد من الأحداث التاريخية بالغة الأهمية حول مواقيت المد والجزر، خصوصًا في فترات ازدهار السفن الشراعية. ومن الأمثلة على ذلك مطاردة البحرية الإنكليزية للأرمادا أو الأسطول الإسباني في سنة ١٥٨٨م وتدميره بإرسال سفن مُشتعلة مع المد. كما أن المد الربيعي يكون في أعلى مستوًى له في الحضيض القمري، ويُقال إنه ساهم في غرق سفينة تايتانيك في سنة ١٩١٢م. فقبل بضعة شهور من اصطدام تايتانيك بجبل جليدي، أدى مدٌّ ربيعي عالٍ بصورة استثنائية إلى انفصال جبال جليدية هائلة عن جزيرة جرينلاند. وفي الأحوال العادية، لا يُشكل مثل هذا الجبل الجليدي الهائل خطرًا على السفن العابرة؛ لأنه يكون قد ذاب قبل أن يطفو مُنجرفًا نحو الجنوب ويصل إلى خط العرض الذي حصل فيه الاصطدام الشهير.١
figure
بينما يدور القمر حول الأرض، تشدُّ جاذبيته مياه المحيط؛ فينشأ «انتفاخ». لكن حركة القمر تجعل الأرض تتحرك في الفضاء أيضًا؛ فتنطلق المياه بعيدًا عن القمر لتُنتج انتفاخًا آخر من المد والجزر. وعندما تدور الأرض، تتحرك سواحلها من وإلى خارج المد والجزر، مما يتسبَّب في ارتفاع المد والجزر. (مصدر الصورة والتعليق: Woodward, John, Oceans, DK Eyewitness Books, New York, 2008, p. 48.)
figure
عندما يدور القمر حول الأرض، يتحرك تماشيًا مع الشمس مرَّتَين في الشهر عندما يكون بدرًا وهلالًا. وعندما يتم محاذاة الشمس والقمر على هذا النحو، فإن جاذبيتهما مُجتمعة تُسبِّب المد والجزر العالي كل أسبوعَين. في الأسابيع المُمتدة بين البدر والهلال، تعوض جاذبية الشمس بجاذبية القمر، وتُقلل من تأثير انتفاخ المد والجزر وتتسبَّب في حدوث مدٍّ وجزر أقل) مصدر الصورة والتعليق: Woodward, John, Oceans, p. 48.)
إذن يُوجَد لدَينا نوعان من المدِّ والجزر:
  • العالي أو الربيعي: وهو يحدث عندما يكون القمر والأرض والشمس على خطٍّ واحد؛ بحيث يتزامن حدوث المدِّ والجزر بسبب الشمس والقمر معًا؛ الأمر الذي يجعل المدَّ والجزر أعلى من المتوسط أو أدنى منه. وهو يحدث في أثناء الهلال أو البدر.٢
  • المُنخفض أو المحاقي: وهو يحدث عندما يكون القمر في منتصف الطريق بين الهلال والبدر في كلا الاتجاهَين. ويكون جذب القمر والشمس متعامدَين؛ لذلك لا يتداخل المد والجزر الشمسي والقمري. وهذا لا يجعل المد مُرتفعًا ولا الجزر منخفضًا.٣
ونظرًا لكون قوة الجاذبية تضعُف بالبعد، فإن حركة المد والجزر تكون أقوى في المحيط الهادئ عندما يكون القمر فوق هاواي مباشرة عنها عندما ينعطف القمر بعيدًا ليُصبح فوق المحيط الأطلسي.٤ كما أن احتكاك المد والجزر يؤدي إلى زيادة طول اليوم بنسبة ٠٫٠٠١ ثانية في كل قرنٍ من الزمن.٥

بعد هذه المقدمة العلمية المُبسطة التي قصدنا التوسُّع فيها لنكون على درايةٍ بالنصوص العلمية التاريخية التي سترِد معنا، وحتى نُدرك الحالات التي تناولتها كل حضارة من الحضارات السابقة.

إذْ منذ أقدم الحضارات حاول الكثير من الناس معرفة سبب هذه الظاهرة، فمنهم من ربطَها بالقمر وحدَه، ومنهم من ربطها بالرياح، ومنهم من ربطها بالشمس، ومنهم من ربطها بأفعال الآلهة المُصطنعة، ومنهم من كان يعتقد بوجود مخلوقاتٍ هائلة الحجم والضخامة كالحيتان تتسبَّب بهذه الظاهرة.

(١) المبحث الأول: عصر الميغاليث

يُشير مصطلح الميغاليث أو الجَنْدَلُ Megalith إلى أي صخرٍ كبير أو حجارة ضخمة شُكِّلت ووضعت على هيئة صروح وأوابد حجرية مُنتصبة يصِل وزن أكبرها إلى أكثر من ٢٠ طنًّا.٦ وقد أُنشِئت معظم الميغاليثات المعروفة بين فترة العصر الحجري الحديث والعصر البرونزي، ويعود أقدم ميغاليث إلى سنة ٩٥٠٠ق.م.٧
يُوجَد دليل، لكنه ذو طبيعةٍ جدلية، بأن الناس الذين شيَّدوا الميغاليث قرب الشطآن الغربية لأوروبا حوالي ٢٥٠٠–١٠٠٠ قبل الميلاد كانوا يختارون المواقع التي تُشرق وتغيب الشمس والقمر منها، بحيث يُمكن ملاحظتهما أمام علامات الحدود على الأفق. مثل هذه الملاحظات يمكن، من المفترض أنها خوَّلت «المُطَّلِعين» في عصر الأحجار الضخمة أن يحافظوا على مسار الفصول وأن يُلاحظوا تفاوتات مدار القمر، من ضِمنها الأحوال والظروف التي تؤدي إلى حالات الخسوف القمرية. واقترح بأن التنبُّؤ بحدوث المُدود ربما يكون أحد الحوافز للقيام بالأرصاد اليومية، حيث إن الكثير من المراصد القمرية المُفترضة تكون واقعةً قريبًا من البحار التي مدودها خطرة جدًّا بالنسبة للملاحة. لكن الباحث سيبتيس Scepties شكك بهذا الاقتراح، على أساس أن المواقع الأفقية (المُساوية إلى الميول) تقدم معلوماتٍ غير كافية «بحدِّ ذاتها» من أجل التنبُّؤ بحدوث المد، وقِلة من العلماء الآن يقبلون بهذه النظرية. أمام مشهدٍ مكاني، يمكن للمرء أن يقول إن التنبؤ بحدوث الاعتدالَين والانقلابَين وثيق الصِّلة بالمدِّ والجزر، حيث قام المراقبون المُتدربون بتقييمٍ دقيق أكثر لطور القمر وزمن الانتقال في بحارٍ متوسطة. بالإضافة إلى هذا، إذا استطاعوا إدراك «مُعدل تغيُّر» طور أو التغير في القطر الظاهر، والإشارة إلى اقتراب الحضيض القمري، فإن هذا سيعود بمنفعةٍ مُتميزة لهم ليعرفوا كيف يستخدمونه. على أي حال، فإن الغياب الكامل لأي سجلٍّ مُدون واضح، يبقي مثل هذه الأفكار مجرد خيالٍ محض.٨

(٢) المبحث الثاني: البابليون

رصد البابليون ظاهرة المدِّ والجزر؛ ونظرًا لِعِظم تأثير هذه الظاهرة في حياتهم فقد خصَّصوا لها الآلهة عشتار لتكون مسئولة عنها.٩ وقد ذكر الباحث واليس بودج W. Budge في كتابه «الحياة والتاريخ عند البابليين»، أنه عُثر على لوحٍ بابلي في عام ١٨٨٣م، فيه سرد لمُنافسة بين شيطان البحر العظيم تيامات Tiamat ومردوخ Merodach إله الحياة والنور، المفهوم الأسطوري، كما هو مذكور في النص، للصراع بين النور والظلام، والذي يُعتقَد أنه إشارة مبكرة إلى المد والجزر. إذْ جاء في النص: أنه «بينما كانت المعركة مُستمرة، من الواضح أن تيامات منع المد والجزر من التدفُّق، ثم قام مردوخ بتصحيحه.»١٠
وقد وصلَنا عن سلوقوس الكلداني أو البابلي (توفي ٢٨٣ق.م) Seleucus Chaldean أنه اكتشف عدم تساوي المد واختلافه بين يومٍ ويومٍ آخر (المد الأعلى والمد الأدنى)، وذلك عندما كان يُراقب الخليج العربي ونسب ذلك كله إلى موقع القمر من منطقة البروج.١١ وبشكل أكثر تحديدًا فإن سبب الظاهرة هو الهواء الكائن بين الأرض والقمر، حيث يتحوَّل بعكس الاتجاه بسبب الدوران المُضاد لجرمَي العالَم، فيصطدم بالمحيط ويؤدي إلى تلك الحركات.١٢
ويروي الجغرافي اليوناني سترابو (توفي ٢٥ للميلاد) Strabon أن سلوقوس قد لاحظ أيضًا التفاوتات الدورية في حركات المد والجزر في البحر الأحمر وقد نسب سبب ذلك إلى منازل القمر في منطقة البروج. وحاول أن يُفسر حدوث هذه التفاوتات بفرضية وجود مقاومةٍ يخضع لها القمر جرَّاء دوران الغلاف الجوي للأرض بسبب حركته اليومية.١٣ وقد يكون هذا — طبقًا للتحليل المدِّي الحديث — إحدى مناطق المحيط القليلة التي تكون فيها الفترة اليومية غير متساوية نسبيًّا.١٤ كما رصد سلوقوس المد والجزر أيضًا من فينيسيا إلى ساحل المحيط الأطلسي في إسبانيا.١٥

(٣) المبحث الثالث: الهنود

زوَّدَنا البيروني (توفي ٤٤٠ﻫ/١٠٤٧م) بكيفية تفكير الهنود بظاهرة المدِّ والجزر، وكيف كانوا يُفسرونها بطريقةٍ أسطورية.

قال البيروني: «أما في سبب بقاء ماء البحر على حاله فقد قِيل في «مج بران»: إن ستة عشر جبلًا كانت في القديم ذوات أجنحةٍ تَطير بها وترتفع فأحرقها شعاع «إندر» الرئيس حتى سقطت حول البحر مقصوصة الأجنحة في كل جهة أربعة؛ فالشرقية «رشبه، بلاهك، جكر، ميناك» والشمالية «جندر، كنك، درون، سمه» والغربية «بكر، بدهر، نارذ، برنت» والجنوبية «جيمود، دراون، ميناك، بهاشير»، وفيما بين الثالث والرابع من الجبال الشرقية نار «سمرتك» التي تشرب ماء البحر، ولولا ذلك لامتلأ بدوام انصباب الأنهار إليه، قالوا: وهي نار ملك كان لهم يُسمَّى «أورب» وهو أنه ورث الملك من أبيه وقد قتل وهو جنين، فلمَّا وُلِد وترعرع وسمع خبر أبيه غضب على الملائكة وجرد سيفه لقتلِهم بسبب إهمالهم حفظ العالَم مع عبادة الناس إيَّاهم وتقرُّبهم إليه؛ فتضرعوا إليه واستعطفوه حتى أمسك، وقال لهم: فماذا أصنع بنار غضبي؟ فأشاروا عليه بإلقائها في البحر، وهي التي تتشرب مياهه، وقالوا أيضًا: إن ماء الأنهار لا يزيد في البحار من أجل أن إندر الرئيس يأخذها بالسحابة ويرسلها أمطارًا.»١٦
وقد عُثر لاحقًا على نصوص هندية مختلفة ذات أصولٍ دينية تُبين اعترافاتٍ لتأثير القمر على حالتي المدِّ والجزر؛ ففي وثيقة بورانا Purana Document المكتوبة باللغة السنسكريتية بين (٣٠٠–٤٠٠ قبل الميلاد) كانت تُشبِّه المحيط «كأنه ماء في مِرجل يتمدَّد تحت تأثير ارتفاع الحرارة؛ لذا فإن مياه المُحيطات تنتفخ مع ازدياد القمر.» كما أننا سنجد تفسيراتٍ عن ظاهرة المد والجزر التي تشتمل على «الخفقان» أو «التنفُّس» الذي يقوم به إله البحر الهائل في بعض النصوص الهندية والشرقية.١٧

(٤) المبحث الرابع: الصينيون

اقترح بعض الصينيِّين سببَين للمد والجزر: الأول أن الماء هو دم الأرض، وأن المد والجزر هو إيقاع نبضه، والثاني أن المد والجزر ناتج عن تنفُّس الأرض. وقد قدم كو هونغ (توفي ٣٤٣م) Ko Hung، وهو باحث من أسرة جين الشرقية، شرحًا غامضًا إلى حدٍّ ما لموجات المد والجزر. يقول إن السماء تتحرك كل شهرٍ شرقًا ثم غربًا، وبالتالي يكون المد والجزر أكبر وأصغر بالتناوب. يُقال إن المد والجزر في فصل الصيف أعلى من المد والجزر في فصل الشتاء؛ لأنه في الصيف تكون الشمس أبعد في الجنوب والسماء ١٥٠٠٠ ليالٍ (٥٠٠٠ ميل)، وبالتالي في الصيف، يكون المبدأ الأنثوي أو السلبي في الطبيعة ضعيفًا، والذكَر أو المبدأ الإيجابي قويًّا. في الصين، تظهر عدم المساواة النهارية في فصل الصيف؛ لأن المدَّ يرتفع في النهار أكثر من الليل، في حين أن العكس صحيح في فصل الشتاء؛ لذلك فإن هذه الحقيقة توفر مُبررًا للقول بأن المد في الصيف قوي.١٨
وقد كرس مؤرخ العلوم الصينية جوزيف نيدهام J. Needham إحدى عشرة صفحة لتفسيراتٍ ارتبطت بمدود البحر في المؤلَّفات الصينية القديمة. ومن الواضح من الكتابات الأولى التي استشهد بها نيدهام أن الصينيين أدركوا وجود علاقة مع القمر منذ ما قبل الميلاد، كما كان عليه الحال في اليونان. وهناك كثيرٌ من التفسيرات المكتوبة عن ذلك الشأن والتي تُركز على ارتفاع المد المُدهش في نهر تشين-تانغ Chhien-Thang قرب هانغشو Hangchow، والتي، حسب الأسطورة، كان سببها روح كاهن مُجرم ظالِم مُعيَّن يُسمَّى وو تسو هسو Wu Tsu-Hso، حيث تم إلقاء جثمانه في النهر. لكن نيدهام، يتبع الباحث ريفيد مول R. Moule، ويقتبس عن وانغ تشهونغ Wang Chhung، الشكَّاك المعروف في القرن الأول للميلاد، الذي يستنتج بعباراتٍ وثيقة الصلة: «أخيرًا فإن ارتفاع الموج يتبع ظهور مُحاق القمر، إنه أصغر وأكبر، وأكثر كمالًا أو أقل، ليس الشيء عينه مُطلقًا. إذا صنع وو تسو هسو الموجات، فإن غيظه لا بد وأن يكون محكومًا بأطوار القمر.»١٩
من العصر الأول لرصد ارتفاع المد ركز الانتباه على انتظام «حالتي المد والجزر الربيعي»، سواء مع اكتمال وتغيُّر القمر، أو تفاوتها الموسمي في قوَّتها. وكانت التجربة مختلفة عن المدود اليومية التي تظهر في أوروبا وعلى سواحل الصين. يستشهد كلٌّ من مول ونيدهام بالإنشاء في القرن الأول للميلاد لجدران البحر المُرتفعة لتحمي وادي النهر من الفيضانات التي يُسببها ارتفاع المد. على أي حال، لم يكن لدى الصينيين ما يُكافئ الفلاسفة الطبيعيين الأوربيين اللاحِقين. بحلول القرن الثامن عشر، كان لم يزل الكُتَّاب الصينيون يناقشون الأساطير الخارقة للطبيعة في تفسير أحوال المد والجزر، وفي الوقت ذاته، كان البحارة الصينيون لا يزالون يربطون بشكلٍ واضح أحوال المد والجزر بالطور القمري بحُكم التجربة. وعند هذه النقطة الأخيرة، يُمكننا القول بأنه في كل الأوقات والبلدان كان يُوجَد انقسام في فهم أحوال المد والجزر بين الفلاسفة والبحارة العمليين. حتى في القرن العشرين وفي إنكلترا، قرَّرت الكاتبة هيلاري بيلوك H. Belloc، أنه ليس هناك عالم نظري بحدِّ ذاته بل بحَّارٌ هاوٍ مُتحمس، وكتبت: «عندما يكون [المنظِّرون] في منصب الأساقفة يتكلَّمون عن المدِّ والجزر، فهذا ليس بالضرر الكبير؛ لأن البحَّار لا يأبه بأي شكلٍ إلى نظرياتهم بل يمضي بمعرفةٍ حقيقية.» من المُحتمل أن سخرية بيلوك فيها صفاقة لكنها تُعبر عن عدم وجود ثقة حقيقية وعميقة بين البحَّارة والمُنظرين، وكان من الصعوبة بمكان أن يكون بينهما صِلة.٢٠

(٥) المبحث الخامس: اليونانيون

اعتقد اليونانيون القدماء أن تأثير القمر كان يُقابل ويتعارض مع تأثير الشمس التي من خواصِّها التجفيف والتيبيس، وبشكلٍ عام، امتصاص الماء. على النقيض من ذلك، ارتبط القمر بالماء والرطوبة وهطول المطر. كما وجدوا أنه في الليالي الصافية يُضفي البدر وضياؤه شعورًا بالبرودة والرطوبة والانتعاش على هواء ليل البحر الأبيض المتوسط، ويترك كميةً وفيرة من الندى في الصباح الباكر (في الواقع؛ لأن درجات حرارة الهواء تكون عادة أدنى تحت السماء الصافية). وقد افترض اليونانيون القدماء أن القمر يؤثر أيضًا على تدفُّق سوائل الجسم، مثل الدم والسائل الشوكي المُحيط بالدماغ. ومِن المفارقات أن اليونانيين لم يُقيموا صلةً بين القمر والمد والجزر، ويُحتمل أن ذلك عائد إلى صِغَر المدى المدِّي للبحر الأبيض المتوسط.٢١ ولعلَّ هذا يُفسر لنا لماذا ذُهِلَ جنود الإسكندر الأكبر المقدوني (توفي ٣٢٣ق.م) Alexander من مشهد المد والجزر عندما بلغوا المحيط الهندي الذي شاهدوه لأول مرة.٢٢

(٥-١) هيرودوت (القرن ٥ق.م)

يقول هيرودوت (توفي ٤٢٨ق.م) Herodotus في إشارة إلى خليج أو فرع مُعين من بحر العيد، (وهو يجزر ويتدفَّق يوميًّا) كان هذا هو الوصف الوحيد الذي ذكره عن المد والجزر بشكلٍ صحيح، ولكنه لا يقول شيئًا عن سبب حدوث ذلك. فقد كان يصف بذلك الفائض السنوي لنهر النيل: «فيما يتعلق بطبيعة هذا النهر، لم أتمكَّن من الحصول على أية معلومات، سواء من الكهنة أو أي شخصٍ آخر. ومع ذلك، كنتُ أرغب في أن أتعلَّم منهم لماذا النيل، ابتداءً من الانقلاب الصيفي، يملأ ويفيض في مائة يوم، وعندما يكمل هذا العدد تقريبًا من الأيام، ينقص تدفُّقه، ويتراجع، بحيث يستمر منخفضًا طوال فصل الشتاء، حتى عودة الانقلاب الصيفي.» يقدم هيرودوت بعد ذلك العديد من الآراء التي طوَّرَها الآخرون لشرح هذه الخاصية في نهر النيل، ويُتبعها بشرحٍ من جانبه، يرقى إلى عزو المراحل المُنخفضة خلال فصل الشتاء إلى التبخُّر الناجم عن الشمس فوق ليبيا.٢٣

(٥-٢) أفلاطون (القرن ٤ق.م)

مع أن أفلاطون (توفي ٣٤٨ق.م)، اشترك مع معظم الفلاسفة اليونانيين بالاعتقاد أن الأرض حيوان، إلا أنه لا يعزو ارتفاع وانخفاض المياه إلى نفسها، بل إلى تذبذبات السائل الموجود داخل الأرض. والغريب أن الجغرافي والرياضياتي الفرنسي جورج فورنييه (توفي ١٦٥٢م) G. Fournier، في كتابه الهيدروغرافيا (١٦٤٣م)، لم يكن يعتبر أن هذه الفرضية الأخيرة غير قابلة للتطبيق نهائيًّا.٢٤

(٥-٣) أرسطو (القرن ٤ق.م)

تخبَّط أرسطو (تُوفي ٣٢٢ق.م) Aristotle في آرائه حول سبب ظاهرة المد والجزر في البحار؛ فتارةً يعتقد أن سببها الرياح التي تُولدها الشمس،٢٥ وتارةً يعتقد أن سببها الصخور، حيث قال بوسيدونوس الرودسي (توفي حوالي ٥١ق.م) Posedenus إن أرسطو يَعزو مد وجزر البحر في (قادس) إلى التكوين الصخري للساحل هناك، وقد وجد أن هذا الكلام محض هُراء، خصوصًا وأن ساحل إسبانيا مُستوٍ ورملي وليس صخريًّا.٢٦
ورد موضوع المد والجزر في كتاب أرسطو عن «الآثار العلوية» أو ما يُصطلح عليه الآن «الأرصاد الجوية» ضمن موضوع الزلازل، مُعتبرًا إيَّاه مجرد وسيلة مقارنة. وقد استمر تأثير رأي أرسطو حتى القرن ١١م؛ ليُعاد مُعالجته على أساس أن المد والجزر من الظواهر البحرية.٢٧
وقيل إنه كان يشعر بالحيرة الشديدة بسبب عجزه عن فَهم ما يُسمَّى مدَّ مضيق يوريبوس Euripus Strait، حيث تُوجَد تيارات مدِّية محلية طويلة معروفة في المضيق بين البر الرئيس لليونان وجزيرة يوبيا Euboea. لقد كان المد والجزر غير مُنتظم جدًّا بالمعنى الذي استخدمه سلوقوس الكلداني فقد كان اضطراب تواتره المحلي في فترات غير المد والجزر ناجمًا عن الطقس.٢٨

المُقتطف الآتي مأخوذ من الفصل الرابع من الرسالة المنسوبة إليه (حول الكون) والموجهة إلى الإسكندر الأكبر المقدوني. وهي تُشير إلى أن المد والجزر يحدُث مرَّتَين. وتذكر أن المد والجزر الكبير يُوجَد في شمال أوروبا، وأنه أكبر في البحر الكبير منه في البحر الصغير. وتُشير إلى تواتر المد والجزر وعلاقته بحركة القمر، ولكن كما لو كان من خلال الإشاعات المُنتشرة في وقته، وليس من قبيل الاستنتاج. بشكل عام تتعارَض هذه المعلومات مع ما هو مؤكَّد من تخبُّط أرسطو في تفسيره لظاهرة المد والجزر؛ ولذلك يتبيَّن أن الرسالة منسوبة إليه وليست من أعماله وأقواله.

قال أرسطو (الزائف): «تُوجَد أشياء مُماثلة لتلك الموجودة في البحر أيضًا؛ لأنه في كثيرٍ من الأحيان تتشكَّل الفجوات في الماء عن طريق الأمواج المُتراجعة، وتتقدَّم الأمواج القادمة، وأحيانًا تتراجع مرةً أخرى وأحيانًا تتسارع بشكلٍ مُستقيم للأمام … وغالبًا ما تُوجَد أيضًا ثورات بركانية مُلتهبة في البحر، وتتدفق النوافير، وتُفتح أفواه الأنهار، وتنبعث الأشجار، وتنشأ دوامات وفيضانات، تقابل تلك التي تصاحِب الريح في كثيرٍ من الأحيان؛ البعض في عرض البحر العميق، والبعض الآخر في المضائق والخلجان. ويُقال إن العديد من الانقلابات والانحسارات في البحر تأتي دائمًا مع القمر وفي أوقاتٍ مُحدَّدة. باختصار، بما أن العناصر مُتداخلة مع بعضها بعضًا؛ فهناك، على نحوٍ مُشابه، الهواء والأرض والبحر، وصِلات مُماثلة قد تؤدي إلى إنشاء وتدمير بعض الخصائص [لكل مادة] أو قد تُحافظ عليها بطريقةٍ غير مُتغيرة.»٢٩

نخلُص مما سبق أن أرسطو قد فشل في التعرُّف على أي نمطٍ إيقاعي سببي بسيط يربط بين حركة المدِّ والجزر وجاذبية القمر والشمس.

(٥-٤) بيثياس المسيلي (القرن ٣ق.م)

يعتقد أن الرحالة والتاجر بيثياس المسيلي (توفي ٢٨٥ق.م) Pytheas أول من اقترح أن سبب ظاهرة المد والجزر هو عِلة كونية أو شروق وغروب القمر.٣٠ ويعود السبب في توقُّعه ذلك إلى رحلاته البحرية خارج البحر المتوسط؛ لأن حركة المد والجزر داخل المُتوسط ضئيلة لا تلفِت الانتباه. أما على شواطئ المحيط الأطلسي فإن المد يرتفع بشكلٍ واضح للعيان. ولمَّا كان الأقدمون يُخضعون القمر لمُراقبتهم اليومية؛ فليس من المُستبعَد أنهم لاحظوا وجود علاقة بين المد والدورة القمرية.٣١
يمكن اعتبار هذا التأكيد على وجود علاقة من نوعٍ ما بين القمر وحركة المد والجزر نقطة الانطلاق في أبحاث المد؛ فقد تمَّ نشره في كتاب بيثياس (حول المُحيط)، وهو الآن مفقود لكن اقتبس منه المؤلفون القدماء. لم يكتشف بيثياس فقط أنه كان يُوجَد مدَّان عاليان بكل يومٍ قمري، بل وجد أيضًا أن النطاق الواسع اعتمد على أطوار القمر.٣٢
ويُقال إنه أول من قاس ارتفاعات المد.٣٣ إذْ وفقًا لبليني فإن بيثياس لاحظ مدًّا مجاله ٨٠ كوبتات (أكثر من ٣ كيلومترات) في الرحلة التي قام بها إلى بريطانيا في عام ٣٢٥ق.م تقريبًا. وربما يكون مُبالغًا في هذا التقدير كثيرًا، سواء من بليني أو بيثياس، حيث إن مجالات المد تكون في بحر الشمال بحدود ١٫٥ متر.٣٤

(٥-٥) ديكايارخوس (القرن ٣ق.م)

ربما يكون ديكايارخوس المسيني (توفي ٢٩٠ق.م) Dicaearchus أول من تنبَّه إلى أن حركات المد والجزر لا تتأثَّر بالقمر وحدَه، وإنما بالشمس أيضًا.٣٥

(٥-٦) إيراتوسثينس (القرن ٢ق.م)

لم يشك إيراتوسثينس (توفي ١٩٤ق.م) Eratosthenes لحظةً أن المحيطات عبارة عن كتلة واحدة،٣٦ من ناحية اتصالها ببعضها بعضًا، وأن العالَم المأهول (في عصره أوربا وآسيا وإفريقيا) ما هو إلا جزيرة واحدة. وأشار إلى تشابُه المد والجزر في المُحيطَين؛ الهندي والأطلسي.٣٧ وقد فسر ظاهرة المد والجزر مثل بيثياس أن سببها هو القمر.٣٨
ووفقًا للكتابات عن المد والجزر التي نسبها إليه سترابو. فإن هذه المدود «شاذة» لدرجة كبيرة حسب المفهوم الذي استخدمه سلوقوس، وهي موزَّعة بتوترات محلية في الفترة غير المدِّية التي استحثها الطقس.٣٩ ويعتقد إيراتوسثينس أن تيارات المد والجزر تحدُث في البحر الأبيض المتوسط بسبب اختلاف في المستوى في النقاط المجاورة.٤٠

(٥-٧) بوسيدونوس (القرن ١ق.م)

عندما توجَّه بوسيدونوس الرودسي إلى (قادس) في إسبانيا، حيث أقام مدة شهر كامل هناك، لاحظ التيارات المائية في المحيط الأطلسي وحركة المد والجزر فيه، وقد عزا الظاهرة إلى وجود تأثيرٍ مشترك للشمس والقمر.٤١ كما وجد أن دورات المد والجزر السنوية مُتزامنة مع الاعتدالَين والانقلابَين. ولكنه عندما بحث عن سبب ذلك عاد مرة أخرى إلى نظرية الريح التي وضعها أرسطو.٤٢
كما انطلق بوسيدونوس من فكرة التعاطف الكوني ليقدم لنا — ربما — أول تفسير لحركة المد والجزر من خلال ربطها بأطوار القمر.٤٣ حيث كُتب لفكرة التعاطف الكوني أن تظهر مرةً أخرى لدى بعض الفلاسفة الطبيعيين في عصر النهضة، الذين يؤمنون بأن الأجسام يمكن أن تؤثر على بعضها بعضًا عن بُعد، عن طريق قوى سحرية من التعاطف، أو التجاذب، أو التنافُر. نجد ذلك في قول مارسيلو فيشنو (توفي ١٤٩٩م) M. Ficino في شرحه لكتاب «المأدبة» لأفلاطون: «كل قوة السحر تنطوي على الحُب، إن عمل السحر هو انجذاب شيءٍ إلى آخر بفضل تعاطُفهما الطبيعي. إن أجزاء العالَم تُشبه أعضاء الحيوان، مُوحَّدة فيما بينها في طبيعة واحدة. ومن علاقاتها المشتركة يُولَد حُب مُشترك ومن هذا الحب يُولَد تجاذب مشترك، وهذا هو السحر الحقيقي. وهكذا؛ [فإن] حجر المغناطيس يجذب الحديد، والعنبر يجذب القش، والكبريت يجذب النار، والشمس تسحب الأوراق والأزهار باتجاهها، والقمر يجتذب البحار.»٤٤ أي يُوجَد مواد تجذب إليها الحرارة فتتأثر بها، ويُوجَد مواد أخرى لا تتأثر بالحرارة وتنفعل بها، كما أنه يُوجَد مواد لا تتأثر بالمغناطيس وتنفعل به.
لقد كرَّس بوسيدونوس جزءًا من أعماله المكتوبة لمراجعة المعرفة المدِّية في زمنه. للأسف لم يعُد عمل بوسيدونوس محفوظًا بل اقتبسه سترابو في كتابه الرائع الجغرافية Geographika. وقد ظهر هذا الكتاب في سنة ٢٣ للميلاد وهنا بإمكاننا أن نقرأ نص بوسيدونوس الموجود عن النظرية المدِّية: «عندما يرتفع القمر فوق الأفق إلى حدِّ الإشارة البرجية (٣٠ درجة)، يبدأ البحر بالانتفاخ، ويُعزى بشكلٍ ملحوظ إلى كون القمر في خط الطول؛ لكن عندما بدأ الجرم السماوي بالانحسار، تراجع البحر ثانية، رويدًا رويدًا، ومن ثم غمر اليابسة مرةً أخرى حتى وصل القمر إلى خط الطول أسفل الأرض … يُصبح الفيض والغيض أكبر حوالي مرة من الاقتران (قمر جديد)، ومن ثم يتناهى إلى أن يُصبح نصف القمر؛ ومرة ثانية، يزدادان في حالة البدر ويتناهيان ثانية حتى مُحاق نصف القمر. وإذا كان القمر في الحالات الاعتدالية (الميل صفر)، فإن سلوك المد والجزر يكون مُنتظمًا، إنما في حالات الذروة الشمسية (أقصى الميل)، غير المُنتظم، بالنسبة إلى الكمية وإلى السرعة، فإن العلاقة تكون مُتناسبةً مع النقطة الأقرب لاقتراب القمر.» وقد كتب سترابو مضيفًا: «يُوجَد ينبوع في «معبد هيراكليوم» في قادس، وقد كان يظهر الماء (الجيد للشرب) بشكلٍ مفاجئ لخطوات قليلة، ويتصرَّف الينبوع بشكلٍ عكسي مع تدفُّق وجريان البحر، حيث يفرغ في كل مرةٍ من المد الفيضي ويملأ في كل مرةٍ مع انحسار الجزر.» هذا الموضوع عن المد والجزر المعكوسين في البئر هو موضوع مُهم؛ لأنه يُمثل في الواقع الملاحظات الأولى للمد الأرضي (أي على شكل بُقَع مَدِّية). مع أن الظاهرة في البئر كانت معروفةً لفترة طويلة من الزمن إلا أنه يظهر أن بوسيدونوس كان أول عالِم يدرُسها في أثناء سفراته العلمية المذكورة آنفًا إلى إسبانيا. في حين أن بوسيدونوس يُقرُّ بأن «الجزر» يحدُث في زمن مُعين من تدفُّق البئر. إلا أنه لم يعتقد حقًّا بأنه كان لدَيه أي شيء يتعلق بالمد والجزر. على كُلٍّ، ناقش سترابون المشكلة بالتفصيل، ووصل إلى استنتاج بأن الظاهرة يجب أن تكون ظاهرة مَدِّية بعض الشيء.٤٥ ظاهرة المد والجزر التي تظهر في الآبار ستعود للظهور مرةً أخرى من خلال محمد بن حوقل البغدادي المَوصلي (توفي بعد ٣٦٧ﻫ/بعد ٩٧٧م) وكيف قام بالتحقُّق منها والرد على الخرافات المُتعلقة بها.٤٦
التفسيرات التي وردت أعلاه عند بوسيدونوس عن التفاوتات اليومية (مرَّتَين يوميًّا) والشهرية (مرتين شهريًّا) هي صحيحة تمامًا. ربما يفترض أحدنا أن «فعل المدة والسرعة» كان يعني بها بوسيدونوس أو سترابو ازدياد المستوى العالي وسرعة تعاقُب المياه عالية «المد»، وبالتالي فإن «السرعة» هي أكبر بقليلٍ عند المد والجزر الربيعي. غير أن تفسير التفاوت السنوي خطأ بشكل مُلفت؛ لأننا نعلم حديثًا، أنه في أي نظام مدٍّ نصف يومِي يصِل المد والجزر في الربيع إلى مستوياتٍ هي «الأعلى» حوالي الاعتدالَين تقريبًا وإلى المستويات هي «الأدنى» عند الانقلابَين.٤٧
نخلص مما سبق إلى أن بوسيدونوس تمكن من المساهمة في نظريةٍ تُقدم تفسيرًا لحركات المد والجزر على أساس الجذب المُشترك لكلٍّ من الشمس والقمر، وتمكن من خلالها أيضًا من تفسير سبب نشوء حركة أعلى المد وحركة أخفض المد.٤٨ كما لاحظ بوسيدونوس وعرف بشكلٍ صحيح الأسباب العامة الكامنة وراء ظاهرة المد والجزر في البحار، وكيف تؤثر المقابلة والاقتران بين الأرض والقمر والشمس على هذه الظاهرة.٤٩
ويرى الباحث و. كابيل W. Capelle أن تفسير بوسيدنوس هذا كان آخر تفسيرٍ مُستقل قائم على مشاهدة الظاهرة الكونية وتفسيرها وصلَنا من العصور القديمة.٥٠

(٥-٨) سترابو (القرن ١م)

كان سترابو جغرافيًّا مميزًا، فقد قام بعددٍ كبير من الرحلات، وأودع معارفه الجغرافية بكتاب أسماه «الجغرافيا» وصلَنا كاملًا. ومما نجده في هذا الكتاب إصراره على القول بالمحيط الواحد، والدليل على ذلك برأيه أن المد والجزر ظاهرة تحدُث في كل مكان؛ لذلك يمكن لأي شخصٍ أن يُبحر من إسبانيا إلى جزر الهند الشرقية.٥١
وقال سترابو في أماكن أخرى إننا إذا ذهبنا غربًا بعيدًا عن العالَم القديم، سنصِل إلى الهند، ما لم يتدخَّل بعض القارة؛ ويقترح أنه قد يكون هناك واحد أو أكثر من هذه الهيئات من الأرض على التوازي مع إسبانيا. وهذا ما نجده في الاقتباس الآتي: «إن أولئك الذين عادوا من محاولة التنقُّل حول الأرض، لا يقولون إنهم مُنعوا من مواصلة رحلتهم بسبب أي قارة اعترضتهم؛ لأن البحر بقي مفتوحًا تمامًا، ولكن من خلال الرغبة في الحل، ونُدرة التزويد. تتوافق هذه النظرية أيضًا بشكلٍ أفضل مع انحسار وتدفُّق المحيطات؛ لأن الظاهرة، سواء في الزيادة أو النقصان، موجودة ومُتطابقة في كل مكان، أو في كل الأحوال يكون الفارق ضئيلًا، كما لو كان ناتجًا عن إثارة بحرٍ واحد، وهي ناتجة عن سببٍ واحد. يجب ألا ننسِب إلى هيبارخوس، الذي يُعارض هذا الرأي، ونُنكر أن المحيط يتأثر بالمثل، أو حتى لو كان الأمر كذلك، فلن يتبع ذلك أن المُحيط الأطلسي تدفَّق في دائرة، وبالتالي عاد باستمرارٍ إلى نفسه. يتَّفق سلوقوس البابلي مع هذا التأكيد. ولمزيدٍ من التحقيق حول المحيط والمدِّ والجزر، نُشير إلى بوسودينوس وأثينودوروس (توفي سنة ٧م) Athenodorus، اللذَين ناقشا هذا الموضوع بالكامل: سنُلاحظ الآن فقط أن هذا الرأي يتفق بشكلٍ أفضل مع توحيد الظاهرة؛ وكلما زادت كمية الرطوبة المُحيطة بالأرض، كان من الأسهل تزويد الأجرام السماوية بالأبخرة من هناك.»٥٢
وتشير الاقتباسات الآتية إلى أن سترابو ميز بوضوحٍ بين موجات المد والجزر العادية والحقيقية. فهو يَعتبر أن موجات المد والجزر ناتجة عن الاضطرابات في قاع البحر؛ لكنه يميل إلى رأي أرسطو بوجود دورٍ كبير للرياح؛ حيث قال: «لكن ارتفاع الأنهار ليس عنيفًا ومفاجئًا، ولا يستمر المد والجزر لأي مدةٍ زمنية، ولا يحدث بشكلٍ غير مُنتظم، ولا يُسبب الغمر على طول سواحل بحرنا، ولا أي مكان آخر. وبالتالي، يجب أن نبحث عن تفسيرٍ للسبب إما في الطبقة المكوِّنة لقاع البحر، أو في ما يفيض. نحن نُفضل البحث عنه في الأول؛ لأنه بسبب رطوبته يكون أكثر عرضةً للتحوُّلات والتغييرات المفاجئة في الموضع، وعلينا أن نُدرك في هذه الأمور أن الرياح هي العامل الأكبر بعد كلِّ شيء. لكنني أُكرر ذلك، أن السبب المباشر لهذه الظواهر، ليس في حقيقة أن جزءًا من قاع المحيط يكون أعلى أو أقل من جزءٍ آخر، ولكن في ارتفاع أو انخفاض الطبقات التي ترتكز عليها المياه. من الواضح أنه من الخيال، أنه حدث في أي وقتٍ مضى فيضان ساحق، للمحيطات، وفي التأثيرات من هذا النوع التي تُواجهها، تتلقَّى زيادةً ونقصانًا مُستقرَّين ودورِيَّين مُعيَّنَين.» ومع ذلك، لم يذكر ما يَعتبره السبب المادي للمد والجزر، على الرغم من أنه قد ألمح بالفعل إلى الأبخرة المحيطة بالأجرام السماوية. إنه مجرد، بعد أن شبَّه أثينودوروس هذه الظاهرة بشهيق الكائن الحي، كما يفعل شعراء اليوم؛ «لأنه بعد طريقة الكائنات الحية، التي تستمر في شهيق وزفير أنفاسها باستمرار، وبالتالي فإن البحر بطريقةٍ مُماثلة يحافظ على حركةٍ مُستمرة داخل وخارج نفسه.»٥٣
figure
خريطة العالم كما وضعها سترابو في القرن (١ق.م) (مصدر الصورة: سارتون، جورج، تاريخ العلم، ج٦، ص١٩.) ونلاحظ كيف أنه أحاط اليابسة بكتلةٍ مائية واحدة.
كما وصف سترابو المد والجزر حول إسبانيا والبرتغال والخليج العربي وإنجلترا وإيطاليا والدنمارك. ووصف المد والجزر في قادس وعدم المساواة في المرحلة وربطها بشكلٍ صحيح مع عمر القمر، ولكن وصف الزيادة السنوية المفترضة (في النطاق) كان بلا شكٍّ يعتمد على الملاحظات غير الصحيحة. سترابو هو أول كاتبٍ يُقدم وصفًا للمد والجزر المداري وعدم المساواة النهارية. في إشارة إلى عدم المساواة السنوية في مستوى المياه، ولاحظ المراحل الدورية لنهر النيل والأنهار في الهند.٥٤

(٥-٩) بلوتارخ (القرن ١م)

قدم بلوتارخ (توفي ١٠٠م) Plutarch نظريات العديد من الفلاسفة حول سبب المد والجزر، ولكن ملاحظاته على بيثياس تُبين عدم دراسته للظاهرة. بينما يقول بلوتارخ إن معظم الفلاسفة اعتبروا الأرض بمثابة حيوان، إلا أنه لا يقول شيئًا عن نسبة المد والجزر إلى تنفُّسه أو شُربه لجزءٍ مُعين من الماء. مثل هذه المفاهيم ذُكِرت من قبل سلينوس (القرن ٣م) Solinus، وأبولونيوس التياني أو بليناس الحكيم (توفي ١٠٠م) Apollonius of Tyana، وغيرهما.٥٥

(٥-١٠) بطلميوس (القرن ٢م)

كان بطلميوس (تُوفي حوالي ١٦٩م) Ptolemy يعتقد بتأثير كوكب زُحَل على مياه البحر. حيث يمكن له أن يُولِّد المد والجزر فوق معدلاته الطبيعية مُسببًا الفيضانات وتلوث الماء.٥٦

(٦) المبحث السادس: الرومانيون

لقد كان على الرومان، خصوصًا بعد عصر القيصر، في كثيرٍ من الأحيان مواجهة المد الهائل الذي يزور سواحل البرتغال وفرنسا وبريطانيا العظمى.٥٧ لذلك ظهر عدد من المؤلفين والمُهتمين بتفسير هذه الظاهرة. ويبدو أن صعود وهبوط المد كان معروفًا وشائعًا بين الرومان ويمكن الاستدلال عليه بسهولة من خلال إشارة المعجم اللاتيني لكلمات مثل aestus وtumesco.٥٨

(٦-١) سنيكا (القرن ١م)

تحدث الشاعر الروماني ماركوس آنايوس لوكانوس سنيكا (توفي ٦٥م) M. A. L. Seneca، في كتابه (فارساليا Pharsalia) عن ظواهر المد والجزر في السواحل الفرنسية مُتسائلًا بعُمقٍ عن سبب حدوث هذه الظواهر، حيث قال: «هناك البهجة نفسها على هذا الشاطئ؛ لأنه يبدو أن الأرض والماء تتنازعان، حيث يتمُّ هجرها وغمرها بدورها بالمحيط. هل المحيط هو نفسه الذي يلوح بموجاته من طرف المحور، ثم يُعيدها إليها؟ هل هي العودة الدورية للنجوم الليلية التي تدفعها قبل ذلك؟ هل الشمس تجذبها لإطعام لهيبها، وتضخُّ البحر وترفعه نحو السماء؟ دع أولئك الذين يسعَون لدراسة عمل الخلق يكشفون سر هذا اللغز. من ناحيتي، كما أخفتني الآلهة عن السبب العظيم لهذه الحركة العظيمة، أنا لا أسعى لفهمها.»٥٩
هذا التصور من جانب سينيكا حول السبب الرئيس للعمل المُنتظِم للمد والجزر، وجاذبية القمر، لم يُقدِّم فيه أي جديد على من سبقَه.٦٠

(٦-٢) بليني الأكبر (القرن ١م)

ربط الروماني گايوس بلينيوس سِكوندوس (توفي ٧٩م) Gaius Plinius Secundus أو بليني الأكبر بين ظاهرتَي المد والجزر وتأثير القمر.٦١ فقد وصف في كتابه (التاريخ الطبيعي) دورة المد والجزر مرَّتَين يوميًّا وحدوث أقصى مدى للمد والجزر بعد أيامٍ قليلة من قمر الهلال أو البدر. وقد حدَّد بليني الأكبر أن هناك فاصلًا ثابتًا محليًّا بين العبور القمري والمد العالي التالي في موقعٍ مُعين. كما وصف كيف يكون نطاق المد والجزر في الاعتدالَين في آذار (مارس)، وكانون الأول (ديسمبر) أكبر من الموجود في الانقلاب الصيفي في حزيران (يونيو)، وانقلاب الشتاء في كانون الأول (ديسمبر).٦٢
قال بليني الأكبر في «التاريخ الطبيعي»: «… كل هذه التأثيرات [المدِّية] هي من النمط نفسه الذي ازداد بفعل التغيرات السنوية للشمس، ويرتفع المد والجزر «للأعلى» عند الاعتدالَين وأكثر من ذلك بكثيرٍ في الخريفي منه في الربيعي، بينما يكون «أدنى» حوالي الانقلاب الشتوي ويبقى أكثر من ذلك عند الانقلاب الصيفي … وليس دقيقًا عند البدر ولا حتى عند الهلال بل بعدهما.» وهكذا يُقدِّم لنا بليني التفسير الصحيح عن التفاوت الاعتدالي/الانقلابي، والذي يُناقض التفسير المنسوب إلى بوسيدونوس.٦٣
إذن فقد كان بليني على درايةٍ بوجود فترة شهرية ثابتة تقريبًا لمكانٍ مُعين؛ وتوصَّل لحقيقة أن المدَّ والجزر يحدث أعلى بالقُرب من الاعتدالين منه قُرب الانقلابين. وحقيقة أن المد والجزر على الساحل الخارجي يرتفع أعلى من ذلك الموجود على طول شواطئ البحر الأبيض المتوسط.٦٤
١  Williams, Edgar, Moon, Reaktion Books Ltd, London, 2014, p. 58-59.
٢  هويت، بول ج. وسوشكوي، جون أ. وهويت، ليسلي أ. مفاهيم العلوم الفيزيائية، مكتبة العبيكان-وزارة التعليم العالي، الرياض، ٢٠١٤م، ص٦٥٩.
٣  هويت، بول ج. وسوشكوي، جون أ. وهويت، ليسلي أ. مفاهيم العلوم الفيزيائية، ص٦٥٩.
٤  كلوز، فرانك، النهاية، ترجمة: مصطفى إبراهيم فهمي، سلسلة عالم المعرفة، العدد١٩١، نوفمبر (تشرين الثاني)، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ١٩٩٤م، ص٤٨.
٥  دبس، محمد، معجم أكاديميا للمصطلحات العلمية والتقنية، دار أكاديميا، بيروت، ١٩٩٣م. ص٥٥٩.
٦  حماد، حسين فهد، موسوعة الآثار التاريخية، دار أسامة، عمان، ٢٠٠٣م، ص٦٠١.
٧  Johnson, Walter, Folk-memory: Or, The Continuity of British Archaeology, Clarendon Press, 1908, p. 67.
٨  Cartwright, David Edgar, Tides: A Scientific History, Cambridge University Press, Cambridge, 1999, p. 5-6.
٩  سارتون، جورج، تاريخ العلم، ترجمة: لفيف من العلماء، ج١، ط١، المركز القومي للترجمة، العدد ١٦٣٨، القاهرة، ٢٠١٠م، ص٢٧٠.
١٠  Daly, Chas. P. On The History of Physical Geography, American Geographical Society, Vol. XXII, No. I, Annual Address, 1890, p. 54.
١١  تارن، و.و، الحضارة الهلنستية، ترجمة: عبد العزيز توفيق جاويد، المركز القومي للترجمة، العدد ١٩٥٤، ط١، القاهرة، ٢٠١٥م، ص٣٢٢.
١٢  سزكين، فؤاد، تاريخ التراث العربي (أحكام التنجيم والآثار العلوية)، ط١، المجلد ٧، ترجمة: عبد الله حجازي، جامعة الملك سعود، الرياض، ١٩٩٩م، ص٣٦٨.
١٣  سارتون، جورج، تاريخ العلم، ج٥، ص١٥٠.
١٤  Ekman, Martin, A concise history of the theories of tides, Surveys in Geophysics, Kluwer Academic Publishers, Printed in the Netherlands, 1993 p. 585.
١٥  Harris, Rollin Arthur, Manual of tides, Part 1, Govt. Print. Off., Washington, 1898. p. 388.
١٦  البيروني، أبو الريحان، تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة، ط٢، عالم الكتب، بيروت، ١٩٨٢م، ص٣٨٩.
١٧  Cartwright, David Edgar, Tides: A Scientific History, p. 6.
١٨  Darwin, George Howard, The Tides and Kindred Phenomena in the Solar System, Boston, Houghton, 1898, p. 76-77.
١٩  Cartwright, David Edgar, Tides: A Scientific History, p. 11.
٢٠  Cartwright, David Edgar, Tides: A Scientific History, p. 11-12.
٢١  Williams, Edgar, Moon, p. 92.
٢٢  سارتون، جورج، تاريخ العلم، ج٣، ص١٧٥.
٢٣  Harris, Rollin Arthur, Manual of tides, Part 1, p. 387.
٢٤  Ibid, p. 387.
٢٥  تارن، و.و، الحضارة الهلنستية، ص٣٢٢.
٢٦  Darwin, George Howard, The Tides and Kindred Phenomena in the Solar System, p. 81.
٢٧  سزكين، فؤاد، تاريخ التراث العربي (أحكام التنجيم والآثار العلوية)، ط١، المجلد ٧، ص٤٦٥.
٢٨  Cartwright, David Edgar, Tides: A Scientific History, p. 7.
٢٩  Harris, Rollin Arthur, Manual of tides, Part 1, p. 387.
٣٠  سزكين، فؤاد، تاريخ التراث العربي (أحكام التنجيم والآثار العلوية)، ط١، المجلد ٧، ص٣١٦. وانظر أيضًا: نخبة من العلماء، العلم وأزمنته، ترجمة: أيمن توفيق، ط١، المجلد ١، ج٢، المركز القومي للترجمة، العدد ١٩٦١، القاهرة، ٢٠١٥، ص١٢.
٣١  سارتون، جورج، تاريخ العلم، ج٣، ص٢٤٢.
٣٢  Ekman, Martin, A concise history of the theories of tides, p. 585.
٣٣  Harris, Rollin Arthur, Manual of tides, Part 1, p. 389.
٣٤  هوث، جون إدوارد، الفن الضائع ثقافات الملاحة ومهارات اهتداء السبيل، ترجمة: سعد الدين خرفان، سلسلة عالم المعرفة، العدد٤٤١، تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ٢٠١٦م، ص١٣٨.
٣٥  سارتون، جورج، تاريخ العلم، ج٣، ص٢٤٢.
٣٦  تعود فكرة المحيط الواحد إلى نيارخوس (القرن ٤ق.م) وأرسطو وهيكاتيوس (القرن ٦ق.م) وهوميروس. وهذا القول صحيح، ولكن هوميروس وهيكاتيوس كانا على خطأ عندما اعتقدا أن هذا المحيط عبارة عن نهرٍ يُحيط بالأرض؛ حيث إنه يجري ثم يعود ويصبُّ في مجراه، لكن هذا الرأي يتعارَض مع فكرة كروية الأرض. انظر: سارتون، جورج، تاريخ العلم، ج٦، ص٣٨.
٣٧  تارن، و.و، الحضارة الهلنستية، ص٣١٩.
٣٨  سزكين، فؤاد، تاريخ التراث العربي (أحكام التنجيم والآثار العلوية)، ط١، المجلد ٧، ص٣٦٨.
٣٩  Cartwright, David Edgar, Tides: A Scientific History, p. 7.
٤٠  Harris, Rollin Arthur, Manual of tides, Part 1, p. 389.
٤١  فريلي، جون، مصباح علاء الدين، ترجمة: سعيد محمد الأسعد ومروان البواب، دار الكتاب العربي، بيروت، ٢٠١٠م، ص٩٣.
٤٢  تارن، و.و، الحضارة الهلنستية، ص٣٢٢.
٤٣  سعيد، جلال الدين، فلسفة الرواق، مركز النشر الجامعي، تونس، ١٩٩٩م، ص٣٧.
٤٤  الشوك، علي، الثورة العلمية وما بعدها، دار المدى، دمشق، ٢٠٠٤م، ص٤٢.
٤٥  Ekman, Martin, A concise history of the theories of tides, p. 585-586.
٤٦  انظر الفصل الثالث تفسير ظاهرة المد والجزر عند العلماء العرب والمسلمين، فقرة ابن حوقل.
٤٧  Cartwright, David Edgar, Tides: A Scientific History, Cambridge University Press, Cambridge, 1999, p. 8.
٤٨  سارتون، جورج، تاريخ العلم، ترجمة: لفيف من العلماء، ج٥، ط١، المركز القومي للترجمة، العدد ١٦٣٨، القاهرة، ٢٠١٠م، ص١٥٠.
٤٩  كلوزييه، رينيه، تطور الفكر الجغرافي، تعريب: عبد الرحمن حميدة، دار الفكر، دمشق، ١٩٨٥م، ص٣٥.
٥٠  سزكين، فؤاد، تاريخ التراث العربي (أحكام التنجيم والآثار العلوية)، ط١، المجلد ٧، ص٣٦٨.
٥١  سارتون، جورج، تاريخ العلم، ج٦، ص١٧.
٥٢  Harris, Rollin Arthur, Manual of tides, Part 1, p. 389.
٥٣  Harris, Rollin Arthur, Manual of tides, Part 1, p. 390.
٥٤  Harris, Rollin Arthur, Manual of tides, Part 1, p. 391.
٥٥  Ibid, p. 392.
٥٦  بطلميوس، المقالات الأربع، ترجمة: زياد الخفاجي، (د.د)، بغداد، ٢٠٠٩م، ص٥١.
٥٧  Harris, Rollin Arthur, Manual of tides, Part 1, p. 392.
٥٨  Ibid, p. 393.
٥٩  Rambosson, Jean Pierre, Astronomy, Chapman & Hall, London, 1875, p. 229.
٦٠  Daly, Chas. P., On The History of Physical Geography, American Geographical Society, Vol. XXII, No. I, Annual Address, 1890, p. 54.
٦١  يحياوي، صلاح، الإبداع مصادفة أم ذكاء أم ماذا؟، مجلة الفيصل، العدد ٢٥١، الرياض ١٩٩٧م. ص٥٤.
٦٣  Cartwright, David Edgar, Tides: A Scientific History, p. 8-9.
٦٤  Harris, Rollin Arthur, Manual of tides, Part 1, p. 392.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤