الفصل الثالث

تفسير ظاهرة المد والجزر عند العلماء العرب والمسلمين

مقدمة

من المعروف حاليًّا أن المد والجزر ظاهرة جغرافية-فلكية طبيعية تنشأ من عدم تساوي جاذبية كلٍّ من القمر والشمس للأرض في أجزائها المختلفة وأن النصف المُواجِه للقمر ينجذب ماؤه أكثر من النصف الآخر؛ وذلك لأن القمر أقرب إلى الأرض من الشمس البعيدة، ويتأرجح المد والجزر وفقًا لتغيُّر مواقع الشمس والقمر من الأرض بالتباعُد أو التلاقي أو الانحراف على مدار الشهر. وعند تلاقي القمر والشمس على مستوٍ واحد من الأرض — كما يحدث في أول الشهر ومُنتصفه — يحدُث المد الأعظم.

توجد نظرية حديثة تحاول تفسير المد والجزر تقول بتكوين موجةٍ مدِّية كُبرى في المسطح المائي في المحيطات الهادئ والأطلسي والهندي. وهذه الموجة تندفِع من الجنوب إلى الشمال مُتفرعة إلى ثلاث شُعَب في المحيطات المذكورة. وتتفرع الموجة التي تدخل المحيط الأطلسي في شماله إلى فرعَين: أحدهما يدخل بحر الشمال، والآخر يُواصِل سَيره إلى جرينلاند. وعندما تصطدم الموجة المدِّية القادمة من الجنوب بسواحل فرنسا الشمالية ترتد ثانية إلى الشاطئ الإنكليزي، فتحدث على الشاطئ الجنوبي لإنكلترا موجتي مدٍّ عالٍ مزدوجتَين يفصل بينهما زمن قدرُه ساعتان وهذه حالة خاصة تُعرَف بالمد المزدوج.١
كما أنه تُوجَد عوامل طبيعية أخرى — إضافةً لجاذبية الشمس والقمر — تؤثر على ظاهرة المد والجزر كالرياح واتجاهها؛ إذْ عندما تهبُّ الرياح نحو الشاطئ فإنها تُسرع من دخول التيارات المتولِّدة عنها إلى الخلجان، وبذلك يزيد ارتفاع المدِّ أكثر من المقدار المحسوب له، وقد يحدث قبل وقته، وقد تجعله الرياح يستمرُّ في ارتفاعه مدةً طويلة. وإذا كان اتجاه الرياح نحو البحر، فتؤخِّر من حدوث المد وتُقلِّل من ارتفاعه. أيضًا يؤثر الضغط الجوي على ارتفاع الماء، فإذا ارتفع الضغط انخفض الماء، وإذا انخفض الضغط ارتفع الماء.٢

ويبدو من خلال أشعار عرب الجاهلية أنهم عرفوا ظاهرة المدِّ والجزر، كما سجَّلوا لنا ذلك؛ فقد قال سهم بن حنظلة الغنوي (نحو ٧٠ﻫ/نحو ٦٩٠م):

مَد الخليجُ ترى في مده تأقًا
وفي الغوارب من آذِيِّهِ حدَبا
ويقصد بالتَّأَق شدة الامتلاء، أما قوله «وفي الغوارب …» أي تسمح سعة الخليج بتكوين الأمواج العالية.٣ كما ذكرت الظاهرة في أشعار اللاحِقين من باب الاستعارة، وهو ما نجده في قول سبط بن التعاويذي (توفي ٥٨٣ﻫ/١١٨٧م):
تختلف الأيام في أهلها
مثل اختلاف المدِّ والجزر
وما لإنسانيتي شاهد
عندي سوى أني في خسر٤
وقد قدم لنا اللغوي البارز أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده المرسي (توفي ٤٥٨ﻫ/١٠٦٦م) كل ما وصلَه من أوصاف العرب اللغوية لعملية جزر البحر واسم ما يجزر عنه، حيث قال: «جَزَرَ البحر يجزر جزرًا وانجزر، والجزيرة ما جزر عنه. ابن دريد: سُمِّيت جزيرة لانقطاعها عن معظم الأرض، وقال ثبر البحر — جزر والدبر — قطعة تغلظ في البحر كالجزيرة يعلوها الماء وينضب عنها.»٥
انقسم العلماء العرب الذين فسَّروا ظاهرة المدِّ والجزر في البحار من الناحية الفيزيائية والفلكية إلى ثلاثة فرق:
  • (١)

    فريق اعتمد نظرية جاذبية القمر والشمس.

  • (٢)

    فريق اعتمد نظرية تمدُّد الهواء بتأثير الحرارة.

  • (٣)

    فريق اعتمد نظرية الرياح.

والواقع أنهم كلهم كانوا على حق؛ إذْ إنها عوامل وجدَها العلماء العرب في أثناء دراستهم للظاهرة، لكن بعضهم اعتقد بتأثير أحد هذه العوامل أكثر من غيره.

وقد وصف لنا العلماء العرب المدَّ والجزر نصف النهاري والمد الفيضي أو العالي أو المُرتفِع الذي يحدث في أوائل الشهر العربي ومُنتصفه، وقاسوا الاهتزاز المدِّي وربطوا بين المدِّ والجزر وأطوار القمر.٦
من الناحية الاصطلاحية؛ أطلق العرب في العصور الوسطى لفظي المد والجزر على مفهومين مختلفين:٧
  • (١)

    على الحركة الرأسية للمياه، المقصود بها ارتفاع مستوى سطح البحر وانخفاضه في اليوم والليلة مرَّتَين.

  • (٢)

    وعلى الحركة الأفقية للمياه بمعناها الواسع ويقصد بها التيارات البحرية بشكلٍ عام.

من الناحية العملية؛ كانوا يجدون أنه يتوجَّب على الملَّاح أن يعرف حركات المدِّ والجزر الخاصة بكل منطقةٍ سيُبحر إليها؛ إذ بدون معرفتهما تتعرَّض سفينتهم لأخطار الارتطام بالصخور كما لا يستطيع تعيين وقت دخوله المرافئ.

figure
خارطة توزع المدِّ والجزْر في العالم. ونُلاحظ من خلالها أن العلماء العرب قد وصفوا لنا الأنواع الأساسية للمدِّ والجزْر التي تظهر في المناطق الواقعة بين خطَّي عرض (٣٠ درجة جنوبًا -٦٠ درجة شمالًا). وهي المناطق التي وصلوا إليها. (مصدر الصور: https://en.wikipedia.org/wiki/Tide#cite_ref-25.)

نشير أخيرًا إلى أنه في حين تمَّ وضْع جداول (أزياج) فلكية خاصة بحركات الكواكب والأجرام السماوية، وإقرار معظم الفلكيين والبحَّارة العرب بوجود تأثيرٍ مُتبادل بين المد والجزر وظهور القمر؛ إلا أننا لم نجدهم قد قاموا بوضع جداول بمواعيد حدوث المد والجزر على مدار الشهر العربي، حتى في الرسائل والكتُب المُخصصة لدراسة هذه الظاهرة. لكن أبو معشر البلخي وضع طريقةً فلكية عامَّة يمكن من خلالها معرفة مواقيت المد والجزر.

ربما لم تظهر مثل هذه الجداول؛ لأن السبب يعود إلى عدم عمومية الظاهرة وكون معظم البلاد العربية والإسلامية لا تتأثَّر بهذه الظاهرة، كما أنها لا تؤثر كثيرًا على الواجبات الدينية، اللهم فقط بالنسبة للبلدان التي يرغب أهلها بالحج عن طريق البحر.

إذْ يتميز المد في البحر المتوسط والبحر الأحمر بتغيُّراتٍ ضعيفة في مستوى سطح البحر. لكن تيارات المد والجزر القوية تظهر في مضيق جبل طارق (مجمع البحرين) حيث تصِل تيارات المد والجزر إلى ٢ متر/ثانية. ونظرًا لكون ارتفاع سطح البحر المد والجزر ضعيفًا على طول الساحل، فقد بقِيَت ظاهرة المد والجزر غير مُكتشفة على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط لفترةٍ طويلة.٨
figure
في الصورة أربعة مُخططات من تقويم بروسكون Brouscon (حوالي ١٥٤٦ تقريبًا) «الصفحة العلوية اليسرى: «تعبر البوصلة عن حالات المد العالي عند موانئ ساحل جاسكون (خليج بيسكاري Biscay)»، حيث لديها جميع «أقمار الجنوب الغربي»، وإلى اليمين «تنقيط» على طول الساحل الشمالي لفرنسا من بريطانيا إلى فلانديرس، تتضمَّن دونفير، مع الجنوب الغربي إلى «الأقمار الغربية».» (الصفحة في الأسفل) مُخطَّط مدِّي من أجل حساب أوقات «المد العالي» حسب عمر القمر، عند المرافئ مع أقمار جنوب جنوب غرب SSW (اليسار) وأقمار جنوب غرب SW (اليمين). التقويم الذي أُخِذت منه هذه الصفحات يُعتقد بأنه للسيد فرانسيس دراك F. Drak. (مصدر الصورة والتعليق: Cartwright, Tides: A Scientific History, p. 19.)

في حين أننا سنجد ظهور هذا النوع من الجداول في دولةٍ مثل بريطانيا كونها محاطة بالمُحيط الأطلسي وبحر الشمال والقنال الإنكليزي وما يُسمَّى بالبحر الأيرلندي؛ إذْ هناك حاجة ماسة وكبيرة لوضع جداول للمد والجزر تُساعد في حركة الملاحة البحرية النشطة جدًّا.

(١) المبحث الأول: علماء القرن (٣ﻫ/٩م)

تأسَّست في القرن (٣ﻫ/٩م) أولى النظريات العلمية العربية التي حاولت تفسير ظاهرة المد والجزر. فقد حاول كلٌّ من الكندي وأبي معشر الفلكي، وضع أُسس تفسير هذه الظاهرة والذي سيكون له أثر لعدَّة قرون لاحِقة. وقد كتب عن هذه الظاهرة في هذا القرن تسعة علماء بين مُجدِّد ومُقلد.

(١-١) محمد بن عبد الملك الزيات

قد يكون محمد بن عبد الملك الزيات (توفي ٢٣٣ﻫ/٨٤٧م) أول من وضع «مقالة في المد والجزر».٩ لكنها للأسف لم تصِلنا لمعرفة رأيه في هذه الظاهرة.

(١-٢) علي بن ربن الطبري

تناول علي بن ربن الطبري (توفي نحو ٢٥٠ﻫ/٨٦٤م) في كتابه «فردوس الحكمة» موضوع المد والجزر واعتبر أن سببها المباشر هو القمر؛ حيث قال: «ويكون الجزر والمدُّ أيضًا في البحر بالقمر.»١٠

(١-٣) الجاحظ

قد يكون الجاحظ (توفي ٢٥٥ﻫ/٨٦٩م) من أوائل العلماء الذين تناولوا موضوع نقد ما يتناقله عامة الناس من تفسير لظاهرة المد والجزر في البحار، وذلك في رسالته «التربيع والتدوير». فهو يريد أن يصِل لسببٍ عقلي مُقنع بعيدًا عن المقترحات الغيبية. ويصِل في النهاية إلى أن للقمر دورًا فاعلًا ورئيسًا في الظاهرة.

قال الجاحظ: «وما تقول في المد والجزر، أمِن مَلكٍ يضعُ رجلًا ويرفع رجلًا؟ فإن كان كذلك فلعلَّ مُدبِّر الفلك ملك ولعلَّ صوت الرعد صوت زجر ملك، فندع الفلسفة ونأخذ بقول الجماعة، أم نزعم أن المد والجزر من نفس الجواذب إذا جذب وإذا رفع! وما تقول في قول من زعم أن القمر مائي وأشبه الكواكب بطبيعة الأرض، فإنما يكون الجزر والمد على مقادير جذبه للماء وإرساله له، ذلك معروف في منازله ومَجاريه يعرف ذلك أهل الجزر والمد.»١١

(١-٤) الكندي

أفرد أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي (توفي ٢٥٦ﻫ/٨٦٩م) رسالة خاصة بعنوان «رسالة في العلة الفاعلة للمد والجزر»،١٢ وهي من أوليات الرسائل المُتخصِّصة في معالجة هذا الموضوع والقائمة على نظرية التمدُّد الحجمي للمواد.
وبحسب تقييم سزكين لهذه الرسالة، فإنه يرى أنها «بعرضِها المُسهب في إطار المصادر حول الموضوع نفسه، فإنها قائمة بذاتها دون نموذج سابق مباشر، فعبارته تُعَد العبارة الوحيدة التي أُقيم فيها الظاهرة الكونية بلا ثغرة. والفرق بين عبارة الكندي والوصف الحديث يكمن — بشكل رئيس — في أنه استبدل في الوقت الحاضر بالتفسير الحركي جذب القمر والشمس.»١٣ وهو الرأي الذي يُخالفه فيه المُستشرق الألماني إيلهارد فيدمان E. Wiedemann عندما درس هذه المقالة، وقرَّر فيدمان أن الكندي وضع هذه الرسالة وهو متأثر بأرسطو.١٤

لكننا في الحقيقة سبق وأن وجدنا في الفصل الأول من هذا الباب كيف أن أرسطو كان مُتخبطًا في آرائه وتفسيره لهذه الظاهرة؛ فمرة كان يَنسبها للرياح، ومرة للكُتَل الصخرية الساحلية. دون أن يأتي على ذِكر أي دورٍ للقمر. باستثناء الرسالة المُزيفة المنسوبة إليه، والتي لا يُمكننا اعتبارها تُجسِّد أفكار أرسطو؛ لذلك فإننا نُرجح رأي سزكين حتى تظهر دلائل وقرائن مُغايرة لذلك.

مما يلفت إليه الانتباه أن الكندي ربط من خلال رسالته بين حركة القمر وحركة المد والجزر واعتقد بوجود أثر١٥ متبادل فيما بينهما.١٦
قال الكندي «فإن القمر إذا صار في مشرق موضعٍ كان أول وقوع ضوئه عليه، فابتدأ في الحمي وقبول الزيادة في الأجزاء. إلا أن [ذلك] أظهر ما يكون في الماء؛ فكلَّما علا، كان حمي ذلك الموضع له أشد، حتى يصير في وتد سمائه. فهو نهاية قبول ذلك [الموضع] للحرارة، لحركة القمر، ونهاية مده؛ لأن الأجرام كلما حميت احتاجت إلى مكانٍ أوسع، كما قُلنا مُتقدمًا. فإذا انحدر عن ذلك الموضع الذي هو وسط السماء، نقص حر الموضع من الأرض المُنفعل به.»١٧
رأي الكندي هذا سيتبعه روبرت غروستيست (توفي ١٢٥٣م) R. Grosseteste بشكل أو بآخر في رسالته عن المد والجزر، ولكن لم يستطع غروستيست أن يصِل إلى مستواه،١٨ مع أن بينهما أكثر من ٤٠٠ سنة؛ حيث إن المُطلع على رسالة غروستيست يجد أن العبارات الفيزيائية عنده لم تصِل إلى غايتها كما هي عند الكندي، فهو يعتقد أن أشعة القمر تُسبب، عن طريق توليد الأبخرة والرياح في مياه البحر، الزيادة في الحجم.١٩
لقد ذكر الكندي في رسالته «في العلة الفاعلة للمد والجزر» أسباب المد والجزر وأنواعه، فعرَّف نوعَين من المد:
  • الأول: المد الطبيعي: وعرفه بأنه: «استحالة الماء من صغر الجسم إلى عظمه.»٢٠
  • والثاني: المد العَرَضِي وعرَّفه بأنه: «زيادة الماء بانصباب مواد فيه»،٢١ كما في حالة الأنهار والأودية والفيوض التي أصلها من الأنهار، وأشار إلى أن مثل هذا المد لا تظهر فيه زيادة، وذلك لصغر كمية المياه المضافة إليه من الأنهار وغيرها، بالمقارنة مع مياه البحار، وكذلك بسبب البخر الواقع لها.
وقد قسم الكندي المد الطبيعي إلى ثلاثة أنواع:
  • الأول: المد السنوي: وهو الزيادة في مياه البحار في وقتٍ مُحدَّد من السنة في موضعٍ دون موضع، حسب حركة الأجرام السماوية.٢٢
  • والثاني: المد الشهري: وهو يحدث حسب تغيُّر أوضاع القمر في دورانه حول الأرض.٢٣
  • والثالث: الثالث المد اليومي: وهو واقع لتأثير ضوء القمر عليه، فيبتدئ مدُّه مع طلوع القمر عليه، ويبتدئ جزرُه حين يبتدئ زوال القمر عن سمت رءوس أهله.٢٤
يرى مؤرخ الجغرافيا العربية أغناطيوس كراتشكوفسكي I. Krackovski «مع أن نظرية الكندي في المد والجزر تستند على أفكارٍ خاطئة إلا أنه من الطريف ملاحظة أنه قد اعتمد على الملاحظة والتجربة العلمية ليُثبت صحَّتها.»٢٥

ونظرًا لأهمية رسالة الكندي فقد وضعنا نصَّها بالكامل في الباب الثاني من هذا الكتاب.

(١-٥) حنين بن إسحق

وضع حنين بن إسحق (توفي ٢٦٠ﻫ/٨٧٣م) «مقالة في المد والجزر».٢٦ وقد اقتبس منها الحسن بن البهلول الجزء المُتعلق بالأنواء. وحول هذه النقطة نجد أن حنين قد حرص على توضيح تأثير القمر في مختلف منازله على المدِّ والجزر، وكذلك على الصحة البشرية.٢٧

(١-٦) أبو معشر البلخي

درس العالم الفلكي أبو معشر جعفر بن محمد بن عمر البلخي (توفي ٢٧٢ﻫ/٨٨٦م) ظاهرة المد والجزر في البحار بشكلٍ مُفصل، وذكر الأنواع والأسباب المختلفة لها، وقد أودع ذلك في خمسة فصول محاولًا تقديم نظريةٍ مُتكاملة وشاملة تُفسر كل ما يتعلق بظاهرة المدِّ والجزر من وجهة نظره كعالِم فلك.

ما يميز بحث أبي معشر في الفصول التي ناقش فيها المد والجزر أنه لم يتطرَّق إلى الأسباب الغيبية الخارقة للعادة التي طرحَها بعض المؤلِّفين الذين ناقشوا هذه الظاهرة؛ وإنما حاول تفسيرها وفق الأسباب والمُعطيات الفيزيائية التي كانت في عصره، خصوصًا أثر القمر وحركته ومدى اكتماله ونقصانه خلال الشهر.

ونستشف من البداية إدراك كلام أبي معشر للعلاقة بين أثر القمر وحركة المد والجزر، سواء اليومي أو الشهري.٢٨
كما تحدث أبو معشر عن التيارات البحرية التي تتأثر بالرياح وتتزامن مع حركة المد، وكذلك تحدث عن التيارات البحرية الصاعدة من الأعماق للسطح.٢٩
وذكر أن المد والجزر لا يحدُث بالأصل إلا بتوفُّر ثلاثة عوامل أساسية معًا:٣٠
  • (١)

    حالة موضع الماء: إذ يجب أن يكون المَوضع عميقًا وعريضًا وطويلًا، وفيه جبال تُمكِّن الرياح من الاجتماع والقيام بدورٍ في المد.

  • (٢)

    حالة الماء نفسه: إذ يجب أن تكون كمية المياه كثيرةً وساكنة، لا تدخُل أو تخرج منها المياه.

  • (٣)

    تحريك القمر للماء: بمعنى انتقال القمر في أطواره خلال اليوم أو الشهر.

وهكذا وباجتماع العوامل الثلاثة يحدث لدَينا المد والجزر.

وهو يَعتبر أن سبب كون ماء المدِّ فاترًا وماء الجزر باردًا؛ لأن ماء المد يخرج من أعماق المياه التي تكون فاترة، ويزيد من فتورها حركة الماء نفسه وتحريك القمر له. وعندما يصل إلى الشاطئ فإنه يبرد ويعود مع الجزْر باردًا.٣١
للتنبُّؤ بساعة المدِّ والجزر الطبيعي () اقترح أبو معشر طريقةً حسابية عامة. وهي تتطلَّب معرفة درجة شروق القمر () ودرجة غروب القمر () وضرب الفرق بينهما بمُعامل تصحيح () يتعلَّق بتأخُّر أو تقدُّم شروق القمر وغروبه، مع إضافة درجة خط عرض ذلك البلد () وتطبيق المعادلة الآتية:

وفي حال أردْنا معرفة ساعة المدِّ وحدَه أو الجزْر وحدَه فيُمكننا تقسيم الناتج على الرقم ٢.

وهذا يعني أن أبا معشر قد تنبَّه إلى تأثُّر المدِّ بعامل خط الطول والعرض وزاوية شروق وغروب القمر. وقد تكون هذه أول مُعالجة حسابية مُقنَّنة لظاهرة المد والجزر؛ إذْ أننا لم نعثر على أي معاجلة أو طرح من هذا النوع لدى أي عالِم سبق أبو معشر.

قال أبو معشر: «فإذا أردتَ أن تعرف عدد الساعات للمدِّ والجزر والقمر فوق الأرض فاعرف الدرجة التي شعَّ معها القمر والدرجة التي يغيب معها وصحح ذلك؛ لأن القمر ربما تقدَّم أو تأخَّر في الطلوع والغروب الدرجة التي هو فيها بالطول لعِلَّة عرضِه، فاعرف تلك الدرجة وخُذ ما بين درجة طلوعه إلى درجة غروبه بدرج المَطالع فاحفظه، ثم اجعل كل خمسة عشر درجة منه ساعة مُستوية، وما لم تُتِم خمسة عشر درجة فاجعلها أجزاء من ساعةٍ فما بلغ فهو ساعات المد والجزر الطبيعي ما دام القمر فوق الأرض، وإذا أردتَ أن تعرف ساعات المدِّ وحده أو ساعات الجزر وحدَه فخذ نصف هذه الساعات المد والجزر الطبيعي أيهما أردتَ معرفته فإذا كان أدلة المد قوَّته زادت ساعات المد على هذا النصف بمقدار ضعف حركة الماء وما بقي إلى تمام الساعات المحفوظة فهو ساعات الجزر. فإذا أردتَ أن تعرف مقدار المد والجزر والقمر تحت الأرض فخذ من الدرجة التي يغيب معها القمر إلى الدرجة التي تطلُع معها بدرج المطالع فاعمل به كما عملتَ بالقمر وهو فوق الأرض. واعلم أن مواضع البحر مُختلفة العروض لاختلاف عروض البلدان، فإذا أردتَ معرفة ساعات المد والجزر في موضعٍ من مواضع البحر فاعرف عرض ذلك الموضع ومَطالِعه ثم اعمل طلوع القمر بمطالع ذلك الموضع.»٣٢
بعدها ينتقِل لتعداد أسباب قوة المدِّ وضعفه وهي برأيه ثمانية:٣٣
  • (١)

    بُعد القمر من الشمس وزيادته في الضوء ونقصانه منه.

  • (٢)

    زيادة تعديل القمر عن وسطه أو نقصانه منه.

  • (٣)

    موضع القمر من فلك الأوج أو قُربه من الأرض.

  • (٤)

    صعوده أو هبوطه الفلك المائل وجهة عرضه.

  • (٥)

    كون القمر في البروج الشمالية والجنوبية.

  • (٦)

    الأيام التي يُسمِّيها البحريون الذين هم في ناحية المغرب ومصر أيام زيادة الماء ونقصانه.

  • (٧)

    معرفة قوة المد وضعفه من طول النهار والليل وقصرهما من خاصة دلالة الشمس.

  • (٨)

    معرفة الرياح المُقوِّية للمدِّ والجزر.

كما انتبه أبو معشر إلى أن المدَّ والجزْر يزيد وينقُص في الحالة التي يكون فيها اجتماع واستقبال بين الشمس والقمر.٣٤ وقرَّر بوجود تناسُب عكسي بينهما «فإذا طال زمان المدِّ فإنه يقصر زمان الجزر الذي يكون بعدَه، وإذا قصر زمان المد طال زمان الجزر الذي بعدَه، والرياح التي يوافق هبوبها جرية المد والجزر أيهما وافق ذلك فإن تلك الريح تزيد في قوَّته وفي طول زمانه، والرياح التي تستقبل جرية أيهما كان فإنها تُضعفه.»٣٥
وقد قدَّم لنا تصنيفه للمياه على أساس ما يحدُث فيها من مدٍّ وجزْر إلى ثلاثة أنواع:
  • الأول: لا يكون فيه مدٌّ ولا جزْر.
  • الثاني: لا يتبيَّن فيه المد والجزر.
  • الثالث: ما يتبيَّن فيه المدُّ والجزر.
وقد ركز على النوع الأول الذي لا يظهر فيه مد ولا جزر، مثل: المياه الجارية والبحار التي لا تسامت القمر مباشرة، والمياه التي لا تكون على أرضٍ صلبة فيتسرَّب الماء في جوفها.٣٦

كثيرًا ما كان يَستخدم أبو معشر ألفاظًا مثل «سألنا»؛ لتدلَّ على أنه كان يُواكب بين النظرية والتجربة.

وقد توصَّل أبو معشر إلى تعريف المد والجزر على أن المد «الابتداء وهو الذي يفعله القمر بطبيعته، والجزر بعد المدِّ وهو رجوع الماء إلى البحر بطبعه.»٣٧

بالمقارنة بين طروحات أبي معشر والكندي نجد أن أبي معشر قد فصَّل في حالات المد والجزر وما يتعلق بها من عوامل، كما كانت صياغته منطقيةً أكثر بكثيرٍ من صياغة الكندي.

وبتتبُّعنا لأثر نظرية أبي معشر البلخي على علماء أوربا في العصور الوسطى، وجدْنا أنها مارست تأثيرًا كبيرًا، خصوصًا بعد أن تُرجِم كتابه «المدخل» للُّغة اللاتينية مرتَين؛ مرة من قبل يوحنا الإشبيلي (توفي ١١٨٠م) John of Seville في عام ١١٣٣م، ومرة من قبل هيرمان الكارينثي (توفي ١١٦٠م) Herman of Carinthia في عام ١١٤٠م. ومن هذه الترجمات اقتبس كلٌّ من جيرالد الويلزي (توفي حوالي ١٢٢٣م) Gerald of Wales وروبرت غروستيست (توفي ١٢٥٣م) R. Grosseteste ودانييل المورلي (توفي ١٢١٠م) Daniel of Morley نصوصًا كثيرة عن المد والجزر التي وردت في كتاب أبي معشر ونسبوها لأنفسهم،٣٨ للأسف.
كما امتدَّ تأثير أفكار أبي معشر إلى توما الأكويني (توفي ١٢٧٤م) Th. Aquinas وروجر بيكون (١٢٩٢م) R. Bacon فيما بعد.٣٩

(١-٧) أبو القاسم بن خرداذبة

نقل لنا الجغرافي عبيد الله بن أحمد بن خرداذبة (توفي نحو ٢٨٠ﻫ/نحو ٨٩٣م) عن أصحاب الخبرة العملية في البحار مُلاحظتهم لتغيُّر المد والجزر مع حركة القمر خصوصًا المد السنوي.

قال ابن خرداذبة: «وسُئل اشتيامو البحر (رؤساء البحارة) عن المد والجزر فذكروا أنه إنما يكون في بحر فارس على مَطالع القمر، وأنه لا يكون في البحر الأعظم (المحيط الهندي) إلا مرتَين في السنة: مرة يمدُّ في شهور الصيف شرقًا بالشمال ستة أشهر، فإذا كان ذلك طما الماء في مشارق البحر بالصين وانحسر عن مغارب البحر، ومرة يمدُّ في شهور الشتاء غربًا بالجنوب ستة أشهر فإذا كان ذلك طما الماء في مغارب البحر وانحسر بالصين.»٤٠

(١-٨) أبو العباس السرخسي

للأسف ضاعت مُعظم أعمال أحمد بن محمد بن الطيب السرخسي (توفي ٢٨٦ﻫ/٨٩٩م)، ومن بينها رسالة بعنوان «البحار والمياه والجبال»؛٤١ إلا أن أبا الحسن المسعودي استطاع اقتناص رأيه مُستنتجًا أنه كان يتفق مع رأي الكندي أيضًا الذي يقول بأن سبب المد والجزر هو الحرارة الناجمة عن دوران القمر حول الأرض.٤٢

(١-٩) سليمان التاجر السيرافي

ذكر لنا سليمان التاجر أبو زيد حسن بن يزيد السيرافي (توفي بعد ٢٣٧ﻫ/٨٥١م) ملاحظته لارتباط المد والجزر مع حركة القمر. حيث قال: «وسائر الصين فيها الماء العذب من أنهارٍ عذبة وأودية ومسالح وأسواق في كل ناحية. وفيها مدٌّ وجزْر مرتَين في اليوم والليلة، إلا أن المد يكون فيما يلي البصرة إلى جزيرة بني كاوان إذا توسط القمر السماء، [وإذا قابل وسط السماء]،٤٣ ويكون الجزر عند طلوع القمر وعند مَغيبه، والمد يكون بناحية الصين إلى قريب من جزيرة بني كاوان إذا طلع القمر، فإذا توسط السماء جزر الماء فإن غاب كان المد، فإذا كان في مقابله وسط السماء جزر.»٤٤

(٢) المبحث الثاني: علماء القرن (٤ﻫ/١٠م)

ناقش في هذا القرن ظاهرة المد والجزر ثمانية علماء، وقد بدا على مُناقشاتهم تأثُّرهم بما سبق وأن طرحه الكندي وأبو معشر البلخي.

(٢-١) ابن الفقيه الهمذاني

أورد ابن الفَقيه أحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الهمذاني (توفي نحو ٣٤٠ﻫ/٩٥١م) الرواية التي سُئلَ فيها ابن عباس عن المد والجزر وكان جواب ابن عباس: «إن ملكًا مُوكلًا بقاموس البحر، إذا وضع رجلَه فيها فاضت، وإذا رفعها غاضت. قال كعب: ولقي الخضر ملكًا من الملائكة فسأله عن المدِّ والجزر فقال الملك: إن الحوت يتنفَّس فيشرَب الماء ويرفعه إلى منخرَيه فذلك الجزر، ثم يتنفَّس فيُخرجه من منخرَيه فذلك المد.»٤٥ وقد أشار ابن الفقيه (مقتبسًا عن سليمان التاجر السيرافي) إلى المد والجزر نصف النهاري، وذلك في حديثه عن جزيرة صندرفولات الصينية قال: «ومن صندرفولات إلى الصين مسافة شهر، إلا أن الجبال التي تمرُّ بها السفن مسيرة سبعة أيام، فإذا جاوزت الأبواب صارت إلى ماء عذب يقال له خانفو، يكون فيه مدٌّ وجزر في اليوم والليلة مرتَين.»٤٦

(٢-٢) أبو الحسن المسعودي

ما طرحه الكندي وأبو معشر البلخي من تفاسير لظاهرة المدِّ والجزر تبنَّاها أبو الحسن المسعودي (توفي ٣٤٦ﻫ/٩٥٧م)، وقد ناقش موضوع المد والجزر في كتابَيه «مروج الذهب ومعادن الجوهر» و«التنبيه والإشراف» مناقشةً مُوسَّعة. حيث قدَّم لنا المسعودي تعريفه لظاهرتَي المدِّ والجزر بشكلٍ علمي، ثم دعم ذلك التعريف بأمثلةٍ من الطبيعة. ثم قدم أنواع المدِّ والجزر حسب الاهتزاز المدِّي.

قال المسعودي في «مروج الذهب ومعادن الجوهر»: «المد: مضيُّ الماء في فَيْحته وسَيْحته وسنن جَريته، والجزر: رجوع الماء على ضدِّ سنن مُضِيِّه وانكشاف ما مضى عليه في هَيْجه، وذلك كبحر الحبش الذي هو الصيني والهندي وبحر البصرة وفارس المُقدَّم ذكره قبل هذا الباب. وذلك أن البحار على ثلاثة أنواع: منها ما يتأتى فيه الجزر والمد ويظهر ظهورًا بينًا، ومنها ما لا يتبيَّن فيه الجزر والمد ويكون خفيفًا مُستترًا، ومنها ما لا يجزر ولا يمد.»٤٧

بعدَها انتقل للتفصيل في أسباب عدم ظهور المد والجزر في بعض البحار وظهوره في البعض الآخر.

قال المسعودي: «فالبحار التي لا يكون فيها الجزر والمد امتنع منها الجزر والمد لعِلَلٍ ثلاث؛ وهي على ثلاثة أصناف: فأوَّلُها ما يقِف الماء فيه زمانًا فيغلظ وتَقْوَى مُلوحته، وتتكيَّف فيه الأرياح؛ لأنه ربما صار الماء إلى بعض المواضع ببعض الأسباب فيصير كالبحيرة وينقص في الصيف ويزيد في الشتاء، ويتبيَّن فيه زيادة ما ينصبُّ فيه من الأنهار والعيون، والصنف الثاني البحار التي تبعُد عن مدار القمر ومسافاته بُعدًا كثيرًا، فيمتنع منه المد والجزر، والصنف الثالث المياه التي يكون الغالِب على أرضها التخلخل؛ لأنه إذا كانت أرضها مخلخلةً نفذ الماء منها إلى غيرها من البحار وتخلخل؛ وأنشبت الرياح الكائنة في أرضها أولًا فأولًا، وغلبت الرياح عليها، وأكثر ما يكون هذا في ساحل البحار والجزائر.»٤٨

بعدها يتناول المسعودي مختلف الآراء التي طرحت في عصره، وناقشت سبب حدوث هذه الظاهرة، وكيف انقسم الناس إلى فرقٍ حول ذلك. فمنهم من قال إن سبب المد والجزر هي الحرارة التي يُسخِّن بها القمر المياه، وهي نظرية الكندي.

قال المسعودي: «وقد تنازع الناس في عِلة المد والجزر؛ فمنهم من ذهب إلى أن ذلك من القمر؛ لأنه مُجانس للماء، وهو يُسخِّنه، فينبسط، وشبَّهوا ذلك بالنار إذا أسخنت ما في القِدر وأغْلَتْه، وإن الماء يكون فيها على قدْر النصف أو الثُّلثين، فإذا غلى الماء انبسط في القِدر وارتفع وتدافع حتى يفور فتتضاعف كميته في الحس، وينقص في الوزن؛ لأن من شرط الحرارة أن تبسط الأجسام، ومن شرط البرودة أن تضمَّها، وذلك أن قعور البحار تَحمى فتتولَّد في أرضها عقبة وتستحيل وتحمى كما يعرض ذلك في البلاليع والآبار، فإذا حمي ذلك الماء انبسط، وإذا انبسط زاد، وإذا زاد ارتفع، فدفع كل جزءٍ منه صاحبه، فَطَفَا على سطحه وبان عن قعره، فاحتاج إلى أكثر من وهدته، وإن القمر إذا امتلأ حمي الجوُّ حميًا شديدًا فظهرت زيادة الماء، فسُمِّي ذلك المد الشهري، وإن هذا البحر تحت معدل النهار آخذًا من جهة المشرق إلى المغرب ودور الكواكب المُتحيرة عليه مع ما يُساميه من الكواكب الثابتة إذا كانت المُتحيرة في القدر مثل الميل على تجاوزه، وإذا زالت عنه كانت منه قريبة فاعلة فيه من أوله إلى آخره في كل يومٍ وليلة، وهي مع ذلك في المَوضع المُقابل الحمي، فقليل ما يعرض فيه من الزيادة ويكون في النهر الذي يعرض فيه المدُّ بينًا من أطرافه وما يصبُّ إليه من سائر المياه».٤٩

ثم يستعرض رأي مجموعةٍ أخذت بالرأي القائل إن الأبخرة المُحتقنة بباطن الأرض هي السبب في توليد الظاهرة.

«وقالت طائفة أخرى: لو كان الجزر والمد بمنزلة النار إذا أسخنت الماء الذي في القِدْر وبسطته فيطلُب أوسع منها فيفيض حتى إذا خلا قعره من الماء طلب الماء بعد خروجه منه عمق الأرض بطبعه فيرجع اضطرارًا بمنزلة رجوع ما يَغلي من الماء في المرجل والقمقم إذا فاض وتتابعَت أجزاء النار عليه بالحمي، لكان في الشمس أشدَّ سخونة. ولو كانت الشمس عِلة مَدِّه لكان يمدُّ مع بدء طلوع الشمس، ويجزر مع غيبتها فزعم هؤلاء أن عِلة الجزر والمد في الأبحر تتولَّد من الأبخرة التي تتولَّد من بطن الأرض؛ فإنها لا تزال تتولد حتى تكثف وتكثر فتدفع حينئذٍ ماء هذا البحر لكثافتها فلا تزال كذلك حتى تنقص موادها من أسفل، فإذا انقطعت موادها تراجَع الماء حينئذٍ إلى قعر البحر، وكان الجزْر من أجل ذلك، والمد ليلًا ونهارًا، وشتاءً وصيفًا، وفي غيبة القمر وفي طلوعه، وكذلك في غيبة الشمس وطلوعها، قالوا: وهذا يُدرَك بالحس؛ لأنه ليس يستكمل الجزر آخِره حتى يبدأ أول المد، ولا ينقضي آخر المد حتى يبتدئ أول الجزر؛ لأنه لا يتغيَّر توالُد تلك البخارات، حتى إذا خرجت تولدَ غيرها مكانها، وذلك أن البحر إذا غارت مياهه ورجعت إلى قعره تولَّدت تلك الأبخرة لمكان ما يتصل منها من الأرض بمائة، وكلما عاد تولَّدت، وكلما فاض نقصت.»٥٠

وترى جماعة أخرى أن سبب المد والجزر هو البنية المادية لمياه البحر، التي تتراوح بين القوة والضعف.

«وقال آخرون: ما هَيَجَان ماء البحر إلا كهيجان بعض الطبائع، فإنك ترى صاحب الدم وصاحب الصفراء وغيرهما تهتاج طبيعته ثم تسكن، وكذلك مواد تمدُّها حالًا بعد حال، فإذا قوِيَت هاجت، ثم تسكن قليلًا قليلًا حتى تعود.»٥١

وتأخذ الفرقة الأخيرة بالرأي القائل إن الهواء المُحيط بالبحار هو السبب في تشكيل المد والجزر؛ كون الهواء يخضع لدورةٍ تبادلية دائمة التحرُّك بينه وبين مياه البحر.

«وذهبت طائفة أخرى إلى إبطال سائر ما وصفْنا من القول، وزعموا أن الهواء المُطل على البحر يستحيل دائمًا، فإذا استحال عَظُم ماء البحر وفاض عند ذلك، وإذا فاض البحر فهو المد، فعند ذلك يستحيل ماؤه ويتنفَّس فيستحيل هواءً فيعود إلى ما كان عليه، وهو الجزر، وهو دائم لا يَفْتر، مُتصل مُترادف مُتعاقب؟ لأن الماء يستحيل هواء، والهواء يستحيل ماء، قالوا: وقد يجوز أن يكون ذلك عند امتلاء القمر أكثر؛ لأن القمر إذا امتلأ استحال الهواء أكثر ممَّا كان يستحيل، وإنما القمر علة لكثرة المد، لا للمدِّ نفسه؛ لأنه قد يكون والقمر في مُحاقه، والمد والجزر في بحر فارس يكونان على مَطالع الفجر في الأغلب من الأوقات.»٥٢

بعدها يُحدثنا المسعودي عن الذي وصلَه من أصحاب الخبرات العملية من البحارة. فقد وجد هؤلاء أن المد والجزر يحدث بشكلٍ سنوي في المحيط الهندي وبحر الصين.

«وقد ذهب كثير من نواخذة (رؤساء السفن) هذا البحر وهم أرباب المراكب، من السيرافيين والعمانيين ممن يقطعون هذا البحر ويختلفون إلى عمائره من الأمم التي في جزائره وحوله إلى أن المد والجزر لا يكون في معظم هذ البحر إلا مرتَين في السنة: مرة يمدُّ في شهور الصيف شرقًا بالشمال ستة أشهر، فإذا كان ذلك طغا الماء في مشارق الأرض بالصين وما وراء ذلك الصقع وانحسر بالصين من مغارب البحر، ومرة يمدُّ في شهور الشتاء غربًا بالجنوب ستة أشهر، فإذا كان الصيف طغا الماء في مغارب البحر وانحسر بالصين، وقد يتحرَّك البحر بتحرُّك الرياح، وإن الشمس إذا كانت في الجهة الشمالية تحرَّك الهواء إلى الجهة الجنوبية لِعِللٍ ذكروها فيسيل ماء البحر بحركة الهواء إلى الجهة الجنوبية، فكذلك تكون البحار في جهة الجنوب في الصيف لهبوب الشمال طاميةً عالية، وتقلُّ المياه في جهة البحار الشمالية، وكذلك إذا كانت الشمس في الجنوب وسال الهواء من الجنوب إلى جهة الشمال سال معه ماء البحر من الجهة الجنوبية إلى الجهة الشمالية، فقلَّت المياه في الجهة الجنوبية منه، وينتقل ماء البحر في هذين المِيلَين أعني في جهتي الشمال والجنوب فيُسمَّى جزْرًا ومدًّا، وذلك أن مَد الجنوب جَزْرُ الشمال ومدُّ الشمال جزْر الجنوب، فإن وافق القمر بعض الكواكب السيارة في أحد الميلَين تزايَد الفعلان وقوي الحمي واشتدَّ لذلك سيلان الهواء فاشتدَّ لذلك انقلاب ماء البحر إلى الجهة المُخالِفة للجهة التي ليس فيها الشمس.»٥٣

ثم يذكر المسعودي وبأمانةٍ علمية أن الرأي الذي عرضه كان رأي الكندي والسرخْسِي وليس رأيه الخاص. ويبدو أنه حاول أن يربط بين التفسير النظري والواقع الذي شاهده في بلاد الهند.

قال المسعودي: «فهذا رأي يعقوب بن إسحاق الكندي وأحمد بن الطيب السرْخسِي فيما حكاه عنه: أن البحر يتحرك بالرياح، وَرأيت مثل ذلك ببلاد كنباية من أرض الهند، وهي المدينة التي تُضاف إليها النعال الكنبائية الصرَّارة وفيها تُعمَل وَفيما يليها مثل مدينة سندارة وسريارة، وكان دخولي إليها في سنة ثلاث وثلاثمائة، والملك يومئذٍ بانيا، وكان برهمانيا من قبل البلهرى صاحب المانكير، وكان لِبانيا هذا عناية بالمُناظرة مع مَنْ يرِد إلى بلاد من المسلمين وغيرهم من أهل الملل، وهذه المدينة على خور من أخوار البحر، وهو الخليج، أعرَض من النيل أو دجلة أو الفرات، عليه المدن والضياع والعمائر والجنانُ والنخل والنارجيل والطواويس والببغاء وغير ذلك من أنواع طيور الهند، بين تلك الجنان والمياه، وبين مدينة كنباية بين البحر الذي يأخذ منه هذا الخليج يومان، أو أقل من ذلك فيجزر الماء عن هذا الخليج حتى يبدو الرمل في قعر الخليج ويبقى في وسطه قليل من الماء، فرأيت الكلب على هذا الرمل الذي ينصبُّ عنه الماء وقعر خليج قد صار كالصحراء، وقد أقبل المدُّ من نهاية الخور كالخيل في الحَلْبَة، فربما أحسَّ الكلب بذلك فأقبل يُحضِرُ ما استطاع خَوْفًا من الماء، طلب البر الذي لا يصل إليه الماء، فيلحقه الماء بسرعته فيُغرقه. وكذلك المدُّ يَرِدُ بين البصرة والأهواز في الموضع المعروف بالباسيان وبلاد القندر، ويُسمَّى هناك الذئب له ضجيج ودَوِي وغليان عظيم يَفْزَع منه أصحاب السفن، وهذا الموضع يعرفه من يسلك هنالك إلى بلاد مورق من أرض فارس، والله أعلم.»٥٤
ونلاحظ أنه تكلَّم في الجزء الأخير من النص السابق عن الفورة المدِّية Tide Bore، وهي موجة مدِّية عنيفة تدخُل مَصابَّ الأنهار والمضائق مُسبِّبةً دويًّا وصخبًا كبيرَين تجعل من يراها يفزع.٥٥

كما ناقش حديث الملَك الشائع بين الناس لتفسير الظاهرة، وقد اتخذ في البداية موقفًا مُحايدًا. فهو لا يُصدِّق ولا يُكذِّب، وإنما يوكل ذلك إلى علم الله.

قال المسعودي: «ومنها أن الملَك المُوكَّل بالبحار يضع عقبه في أقصى بحر الصين فيفر منه البحر، فيكون منه المد، ثم يرفع عقبه من البحر فيرجع الماء إلى مركزه، ويطلُب قعره، فيكون الجزر، ومثَّلوا ذلك بإناءٍ فيه ماء في مقدار النصف منه، فيضع الإنسان يدَه أو رجله فيملأ الماء الإناء، فإذا رفعها رجع الماء إلى حدِّه، وانتهى إلى غايته، ومنهم من رأى أن الملَك يضع إبهامه من كفِّه اليُمنى في البحر فيكون منه المد، ثم يرفعها فيكون الجزر. وما ذكرنا فغير مُمتنع كونه، ولا واجب، وهو داخل في حيز الممكن والجائز؛ لأن طريقه في النقل طريق الأفراد والآحاد، ولم يرِد مَورد التواتُر والاستفاضة كالأخبار المُوجبة للعلم، والعِلَل القاطعة للعُذر في النقل، فإن قارنَها دلائل تُوجِب صحَّتها وجب التسليم لها، والانقياد إلى ما أوجب الله عز وجل علينا من أخبار الشريعة والعمل بها؛ لقوله عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا،٥٦ وإن لم يصح ما ذكرنا فقد وصفْنا آنفًا ما قال الناس في ذلك، وإنما ذكرنا هذا ليعلم من قرأ هذا الكتاب أنَّا قد اجتهدنا فيما أوردناه في هذا الكتاب وغيره من كُتبنا، ولم يعزب عنَّا فَهم ما قاله الناس في سائر ما ذكرنا، وبالله التوفيق.»٥٧

ثم يعود للحديث عن المد والجزر السنوي الشهري الذي يحدث في البحار والمُحيطات.

قال المسعودي: «والكلام في كيفية المد والجزر السنوي والقمري الذي هو الشهري، ولأية علةٍ صار في بعض البحار أظهر وأقوى كالبحر الحبشي وبحر أوقيانس المحيط، وفي بعضها أضعف وأخفى كبحر الروم والخزري ومايطس. على أنه قد يظهر في بحر الروم مما يلي المغرب ظهورًا بينًا حتى إن مدينةً في جزيرة من سواحل إفريقية يقال لها جربة بينها وبين البحر نحو ميل تخرج مواشيهم غدوًّا حين يجزر الماء وينضب فترعى ثم تروح عشيًّا قبل المد.»٥٨

ثم عاد وناقش موضوع الملك مرةً أخرى، وقد كان واضحًا من كلام المسعودي انتقاده الضِّمني لمن يُحاول أن يفسر ظاهرة المد والجزر اعتمادًا على الغيبيات؛ لأن ذلك لا يجعلنا نفهم الحقيقة، وقد أراد أن يُحول الأنظار والأفكار نحو التفكير العلمي، فذكر تنازُع الفلاسفة حول سبب الظاهرة الفعلي، فقال ثمة جدل بينهم هل ينشأ المد من تأثير القمر أم الشمس، ويحاول أن يقدم تفسيره بذكاءٍ ليتجنَّب أي صراعٍ فكري مُستقبلي مع أي شخصٍ كان، فيُشير إلى أن القمر هو المؤثر، ويقدِّم ذلك على أن له تأثيرًا آخر على أجساد الكائنات الحية، سبق وأن ذكرها أهل العِلم والطب.

قال المسعودي: «وقول بعض أهل الشرائع إن المد والجزر من فعل ملكٍ وكَّله الله عز وجل بذلك في أقاصي البحار، يضع رجلَه أو بعض أصابعه فيها فتمتلئ فيكون المد، ثم يرفعها فيرجع الماء إلى موضعه فهو الجزر. وقول من قال منهم إن ذلك لأمورٍ استأثر الله بغيبها لم يُطلِع أحدًا من خلقه عليها ليعتبروا بذلك ويستدلوا على وحدانيته وعجيب حكمته، وتنازع الأوائل في ذلك من فلاسفة الأُمَم وحكمائهم أهو من أفعال الشمس أم من أفعال القمر عند زيادة نوره فيكون منه المد؟ أم عند نقصانه فيكون الجزر؟ على حسب ما يظهر من أفعاله عند زيادته في أبدان الحيوان من الناطقين وغيرهم من القوة وغلبة السخونة والرطوبة والكون والنمو عليها، وأن الأخلاط التي تكون في أبدان الناس كالدم والبلغم وغيرهما عند ذلك تكون في ظاهر الأبدان والعروق ويزيد ظاهر البدن بلَّة ورطوبة وحسنًا، وأن الأبدان عند نقصان نوره تكون أضعف والبرد عليها أغلب وتكون هذه الأخلاط في غَور البدن والعروق ويزداد ظاهر البدن يبسًا، وذلك ظاهر عند ذوي المعرفة والعلم بالطب.»٥٩

(٢-٣) المطهر بن طاهر المقدسي

تناول المطهر بن طاهر المقدسي (توفي بعد ٣٥٥ﻫ/بعد ٩٦٦م) تفسير المد والجزر لدى اليونانيين دون أن يُبين لنا رأيه الخاص في الظاهرة، فيقول: «واختلفوا في المدِّ والجزر فزعم أرسطاطاليس أن علَّة ذلك من الشمس؛ إذا حركت الريح فإذا ازدادت الرياح كان منها المد، وإذا نقصت كان عنها الجزر. وزعم طيماوس أن المد بانصباب الأنهار في البحر، والجزر بسكونها، وزعم بعضهم أن ذلك المد بامتلاء القمر والجزر بنُقصانه.»٦٠ ويقصد «بامتلاء القمر» طور البدر.
وقد اقتبس سراج الدين أبو حفص عمر بن المظفر بن الوردي الحفيد (توفي ٨٥٢ﻫ/١٤٤٧م)،٦١ هذا الرأي من المقدسي.٦٢
كما أنه أشار المقدسي إلى حديث الملَك الذي يقِف وراء ظاهرة المد، مُشككًا بصِدقه، حيث قال: «وقد رُوي في بعض الأخبار أن لله ملكًا موكلًا بالبحار فإذا وضع يدَه في البحر مدَّ، وإذا رفعه جزر فإن صح ذلك والله أعلم.»٦٣
وقد أعلن ابن طاهر المقدسي أن أصحاب القصص والحكايات يطرحون أقوالًا تتعلق بتفسير المد والجزر لا يُمكن القبول بها، لا عقلًا ولا نقلًا. حيث قال: «وفي كتب قصَّاص المُسلمين أشياء يضيق الصدر عنها، وروى أن الله تعالى لمَّا خلق الأرض كانت تُكفأ كما تُكفأ السفينة فبعث الله ملكًا فهبط حتى دخل تحت الأرض فوضع الصخرة على عاتقه ثم أخرج يدَيه إحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب ثم قبض على الأرضين السبع فضبطها فاستقرَّت ولم يكن لقَدَمه قرار فأهبط الله ثورًا من الجنة له أربعون ألف قرن وأربعون ألف قائمة فجعل قرار قدمَي الملَك على سنامِه فلم تصل قدماه إليه فبعث الله ياقوتة خضراء من الجنة غلظها مسيرة كذا ألف عام فوضعها على سنام الثور فاستقرَّت عليها قدماه وقرون الثور خارجة من أقطار الأرض مُشبكة تحت العرش ومنخر الثور في ثقبَين من ملك الصخرة تحت البحر فهو يتنفَّس كل يوم نفسَين فإذا تنفَّس مد البحر وإذا رد نفسه جزر البحر. قال ولمَّا لم يكن لقوائم الثور قرار فخلق الله كمكمًا كغلظ سبع سماوات وسبع أرضين فاستقرَّت عليه قوائم الثور ثم لو لم يكن للكمكم مُستقر فخلق الله حوتًا يُقال له بهموت فوضع الكمكم على وتَر الحوت والوتر الجناح الذي يكون في وسط ظهره وذلك الحوت [على الريح] العقيم وهو مزموم بسلسلة كغلظ السماوات.»٦٤

(٢-٤) أبو نصر القمِّي

أشار أبو نصر الحسن بن علي القمي (كان حيًّا ٣٥٧ﻫ/٩٦٨م) إلى ارتباط المد والجزر بحركة القمر. حيث قال: «والأرض والبحر مُتصلة بالقمر، والدليل على ذلك أن المد والجزر في البحار يظهران بسير القمر؛ لأنه إذا طلع القمر من المشرق مدَّ البحر فلا يزال زائد الارتفاع إلى أن يتوسَّط القمر السماء، فإذا توسَّط انتهى غاية المد، فإذا زال عن وسط السماء رجع المد، فلا يزال رجعًا حتى يغرب القمر، فإذا غرب مدَّ البحر ثانيًا فلا يزال زائدًا حتى يبلُغ القمر وتد الأرض، فإذا زال القمر عن وتد الأرض رجع المد، فلا يزال راجعًا إلى أن يطلع القمر.»٦٥

(٢-٥) ابن حَوْقَل

حاول محمد بن حوقل البغدادي المَوصلي (توفي بعد ٣٦٧ﻫ/بعد ٩٧٧م) أن يردَّ على مزاعم وخرافات الناس بطريقةٍ عقلية ومنطقية. إذْ يُحدثنا عن بئرٍ يفيض ماؤها إذا أقسم أي شخصٍ عليها، فقام وأقسم عليها ولم تَفُر ولم تتحرك، فتتبع منبعها، ووجده مُتِّصلًا بالمياه التي تتأثر بحركة المد والجزر مرتَين في اليوم.

قال ابن حوقل: «وبعبادان بئر يزعم … أن الرجل إذا وقف عليها وأقسم على الماء بكل اسم خلق الله فإن الماء لا يتحرَّك فإذا أقسم عليه … فإن الماء يفور ويصعد إلى شفير البئر؛ فمضيتُ إلى تلك البئر وأقسمتُ عليها بما زعموا فوالله ما تحرك ماؤها ولا تزعزع من موضعه، ففكرتُ وقلت: هذه الجزيرة في وسط الماء وهذا الماء في اليوم والليلة يمدُّ ويجزر مرتَين ومادة هذه البئر من ذلك الماء ولا يبعد أن يتحرك الماء في البئر عند الزيادة، وقد اتفق في تلك الساعة من لا يهتدي إلى حقائق الأشياء. أما المد والجزر فإنه من أعجب الأشياء وذلك أنه يبتدئ بالمد عند طلوع القمر ولا يزال يتزايد إلى أن يصير القمر في وسط السماء ثم يبتدئ بالجزر إلى أن يحصل القمر في أفق المغرب ثم يبتدئ بالمدِّ إلى أن يصير القمر في درجة الرابع وتد الأرض ويبتدئ بالنقصان إلى وقت طلوع القمر ويعود في الزيادة وتختلف أوقاته باختلاف طلوع القمر ومَغيبه وتبارك الله أحسن الخالقين.»٦٦،٦٧
وفي حديثه عن نهر المسرقان في خوزستان لاحظ الارتباط بين المد والجزر وحركة القمر، حيث قال: «وسرنا في وسط النهر وكان الباقي من هذا النهر إلى الأهواز طريقًا يابسا لأن ذلك كان في آخر الشهر والقمر في نقصانه فنقص الماء عن ملء النهر من قبل المد والجزر اللذَين ينقصان ويزيدان بزيادة القمر.»٦٨

(٢-٦) التميمي المقدسي الترياقي

ذكر محمد بن أحمد بن سعيد الحكيم التميمي المقدسي التُّرياقي (توفي عام ٣٧٠ﻫ/٩٨٠م) أن القمر هو «سبب كون الجزر والمد في البحار.»٦٩

(٢-٧) شمس الدين المقدسي البشاري

ذكر محمد بن أحمد بن أبي بكر البناء المقدسي البشاري (توفي نحو ٣٨٠ﻫ/نحو ٩٩٠م) حديث الملَك المُتسبِّب بظاهرة المد والجزر دون أن يُعلق عليه لا سلبًا ولا إيجابًا، حيث قال: «ولهذا البحر الصيني زيادات في وسط الشهر وأطرافه وفي كل يومٍ وليلة مرتَين، ومنه جزر البصرة ومدُّها إذا زاد دفع دجلة فانقلبت في أفواه الأنهار وسقت الضياع فإذا نقص جزر الماء، وقد اختلف الناس في سببه فقال قوم ملَك يغمس فيه إصبعه كل يوم فيمد فإذا رفع إصبعه جزر. وقال كعب الأحبار لقي الخضر ملكًا فقال: أخبرني عن المد والجزر فقال الملك: إن الحوت يتنفس فينساب الماء إلى منخرَيه فذلك الجزر ثم يتنفَّس فيُخرجه من منخريه فذلك المد.»٧٠

(٢-٨) إخوان الصفا (القرن ٤ﻫ/١٠م)

ناقش إخوان الصفا وخلان الوفا (القرن ٤ﻫ/١٠م) ظاهرة المدِّ والجزر مُعتمِدين على ما سبق وطرحه الكندي.

قالوا: «وأما علة مدود بعض البحار في وقت طلوع القمر ومَغيبه دون غيرها من البحار فهي من أجل أن تلك البحار في قرارها صخورٌ صُلبة فإذا أشرق القمر على سطح ذلك البحر وصلت مطارح شُعاعاته إلى تلك الصخور والأبحار التي في قرارها ثم انعكست من هناك راجعةً فسخنت تلك المياه وحَمِيت ولطفت وطلبت مكانًا أوسع وارتفعت إلى فوق ودفع بعضها بعضًا إلى فوق وتموَّجَت إلى سواحله وفاضت على سطوحها وأرجعت مياه تلك الأنهار التي كانت تنصبُّ إليها إلى خلفٍ فلا يزال ذلك دأبها ما دام القمر مُرتفعًا إلى وتد سمائه فإذا انتهى إلى هناك وأخذ ينحطُّ سكن عند ذلك غليان تلك المياه وبردت وانضمَّت تلك الأجزاء وغلُظت ورجعت إلى قرارها وجرت الأنهار على عاداتها فلا يزال ذلك دأبها إلى أن يبلُغ القمر إلى أُفق تلك البحار الغربي منها. ثم يبتدئ المد على مثل عادته وهو في الأفق الشرقي ولا يزال ذلك دأبه حتى يبلغ القمر إلى وتد الأرض أخذ المد راجعًا إلى أن يبلغ القمر إلى أُفقه الشرقي من الرأس.»٧١

(٣) المبحث الثالث: علماء القرن (٥ﻫ/١١م)

في هذا القرن ناقش خمسة علماء ظاهرة المد والجزر. فمنهم من ربط بين الظاهرة وحركة القمر، ومنهم من اعتمد على نظريتَي الكندي وأبي معشر.

(٣-١) أبو علي المرزوقي

ردَّ أحمد بن محمد بن الحسن أبو علي المرزوقي (توفي ٤٢١ﻫ/١٠٣٠م) على المُنجِّمين الذين يتشاءمون من رؤية هلال، وكيف أنهم يجهلون فوائده سواء بالنسبة للمواقيت أو بالنسبة لظاهرة المد والجزر في البحار. حيث قال المرزوقي: «والمُنجِّمون يزعمون أن الهلال نحس، ونحن نجد عامة حاجات الناس إنما تُجزئ مع الأهلة منها التاريخات كلها … وزيادة المد، ونقصان الجزر.»٧٢

(٣-٢) أبو الريحان البيروني

تناول أبو الريحان البيروني (توفي ٤٤٠ﻫ/١٠٤٧م) ظاهرة المد والجزر، وقال إن أهل الاختصاص يعرفون هذه الظاهرة، في اليوم بطلوع القمر وغروبه، وفي الشهر بزيادة نوره ونقصانه.٧٣ وقد فسر البيروني سبب حدوث هذه الظاهرة إلى التغيُّر الدوري لوجه القمر.٧٤ كما أنه أشار إلى طريقة الكشف عن التيارات البحرية العميقة، التي سبق وأن تحدث عنها أبو معشر البلخي، لكن دون أن يربط بينها وبين المد والجزر، حيث قال في كتابه «الآثار الباقية عن القرون الخالية»: «ويستدل عليها بارتفاع الشباك من ذاتها من قعر البحر.» ويذكر الباحث أنور عبد المنعم، أنه في عام ١٩٥٧م وخلال دراسة المحيطات إبَّان (السنة الدولية الجيو-فيزيائية) لاحظ العلماء أن شباك الصيد التي أُدليت إلى المياه العميقة في المحيط الأطلسي قد انحرفت في الاتجاه المُضاد لسير التيار السطحي، فثبت لهم بالدليل وجود التيارات العميقة، وقد تمكنوا من قياس سُرعتها ومسارها.٧٥

(٣-٣) ابن حزم الأندلسي

لاحظ ابن حزم الأندلسي (توفي ٤٥٦ﻫ/١٠٦٣م) الارتباط بين المدِّ والجزر والقمر. فقال: «ولسنا نُنكر أن تكون النجوم دلائل على الصحة والمرض وبعض ما يحدث في العالَم كدلالة البرق على نعول البحر وكدلالة الرعد على تولُّد الكمأة وكتولُّد المَد والجزْر على طلوع القمر وغروبه وانحداره وارتفاعه وامتلائه ونقصه.»٧٦

(٣-٤) ناصر خسرو

طرح أبو معين الدين ناصر خسرو الحكيم المروزي (توفي ٤٨١ﻫ/١٠٨٨م) مجموعة من الدلائل عن المد والجزْر اليومي الذي يحدُث في بحر عُمان ونهري الفرات ودجلة التي تُشير إلى تأثُّرها بحركة القمر.

قال ناصر خسرو: «ويُقال إن المدَّ والجزر مُتعلقان بالقمر فيبلغ المد أقصى مداه حين يكون القمر على الأفقَين يعني أفقي المشرق والمغرب ومن ناحيةٍ أخرى حين يكون القمر في اجتماع الشمس واستقبالها يزداد الماء، أي أن المدَّ يزيد في هذه الأوقات ويَعظُم ارتفاعه وحين يكون القمر في التربيعات تأخذ المياه في النقصان يعني لا يكون علوُّها كثيرًا وقت المد ولا ترتفع ارتفاعها وقت الاجتماع والاستقبال وكذلك يكون جزرها في هذه الحالة أقل هبوطًا منه في وقت الاجتماع والاستقبال وبهذه الدلائل يقولون إن المد والجزْر متعلقان بالقمر والله تعالى أعلم.»٧٧

(٣-٥) أبو عبيد البكري

يشترط عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي (توفي ٤٨٧ﻫ/١٠٩٤م) التسليم بحديث الملَك المُتسبِّب بالمد والجزر فقط في حال كان موثوقًا وورد بشكلٍ صحيح. حيث قال: «ومنها أن الملك المُوكَّل بالبحر يضع عقبه في أقاصي بحر الصين فيفور البحر ويكون المد، ثم يشيل عقبه فيرجع الماء إلى مركزه. وإن كان كل ما ذكرنا عنه مُمكنًا فإنه من طريق الأفراد ولم يجئ مجيء التواتُر المُوجِب للعلم والعمل، فإذا صحَّت هذه الآثار وجب التسليم والانقياد. وسيأتي ذكر بناء الباب إن شاء الله.»٧٨

ثم ينتقل البكري لطرح مختلف الآراء التي قالها العلماء حول تفسير الظاهرة دون أن يُضيف لها أي رأيٍ جديد.

قال البكري: «فأما علة المد والجزر فمُختلَف فيها، فقد قيل: علَّة ذلك القمر على ما بيَّن أبو معشر. وقال قوم: هي الأبخرة التي تتولَّد في باطن الأرض، فإنها إذا كثفت دفعت حينئذٍ ماء هذا البحر فلا يزال على ذلك حتى تنقص موادُّها فيتراجع الماء حينئذٍ إلى قعور البحار فكان الجزر، فهذا يدلُّ عليه كونه في كل أوانٍ وفي غيبة القمر وطلوعه. وقال آخرون إن هيجان البحر كهيجان بعض الطبائع بالإنسان ثم تسكن. وقال آخرون إن الهواء المُطل على البحر يستحيل دائمًا، فإذا استحال عظُم ماء البحر، ثم يُعاقب ذلك استحالة ماء البحر فيتنفَّس ويعود البحر إلى ما كان عليه، وإن الماء يستحيل هواءً والهواء يستحيل ماء. وقال الشرعيون: كل حال لا يعلم له في الطبيعة مجرى فهو فعل إلهي لا يدخُله قياس ولا يُدرَك بِحِس.»٧٩

بعدها ينقل لنا أقوال المسعودي (الذي رمز إليه بالحرف س) وأبو معشر. حيث قال:

«قال س: وقد زعم قوم من نواتية (رؤساء السفن) البحر الفارسي أن المدَّ والجزر لا يكون فيه إلا مرتَين في العام، فإذا كان الصيف كان الماء في مشارق البحر بالصين وما والاه وفي الشتاء بالضد.

قال س: رأيت بمدينة كنباية من أرض الهند، وهي مملكة البلهرى، وكانت على خليج من البحر أعرض من النيل، فيجزر الماء في هذا الخليج حتى يبدو الرمل وقعر الخليج ويبقى فيه اليسير من الماء. فرأيتُ الكلب على هذا الرمل الذي نضب ماؤه وصار كالصحراء، وقد أقبل المدُّ وأحس به الكلب فأقبل يشتدُّ ليفوت الماء، فلحق الماء بشدَّة دفعت الكلب فغرقته.

وأما عِلة ما لا يظهر فيه مدٌّ ولا جزر من البحار فهي التي تبعد عن مدار القمر ومسافته بُعدًا كبيرًا، وقيل إنها التي يكون الغالِب على أرضها التخلخل فينفذ الماء منها إلى غيرها من البحار وتنفس الرياح الكائنة في أرضها.»٨٠

(٤) المبحث الرابع: علماء القرن (٦ﻫ/١٢م)

ناقش في هذا القرن ظاهرة المد والجزر اثنان من العلماء العرب. أحدهما رجع إلى النظريات اليونانية، والآخر اعتمد نظرية الكندي دون أية إضافةٍ جديدة.

(٤-١) الشريف الإدريسي

استعرض محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس الإدريسي (توفي ٥٦٠ﻫ/١١٦٥م) في بداية تفسيره لظاهرة المد والجزر في البحار آراء الفلاسفة اليونانيين السابقين فقط، دون أن يأتي على ذِكر ما طرحه الكندي أو أبو معشر. وهذا أمر مُستهجَن؛ لأن الأفكار التي طرحها الكندي أو أبو معشر كانت منتشرةً وشائعة بشكلٍ كبير منذ أن نشراها في أعمالهم في القرن (٣ﻫ/٩م).

قال الإدريسي: «وحكى رُبَّانيو البحر الهندي والبحر الصيني أن المد والجزر يكونان مرتَين في السنة فمرة يمدُّ في شهور الصيف شرقًا ويجزر ضده البحر الغربي ثم يرجع المد غربًا ستة أشهر. وقد ذُكر في المد والجزر أقوال كثيرة وجب لنا أن نذكُر بعضها بالوجيز من القول مع استيفاء المعنى. فأما أرسطوطاليس وأرشميدس فإنهما قالا في ذلك إن المدَّ والجزر يحدُثان عن الشمس إذا حرَّكت الريح البحار وموَّجَتْها فإذا انتهى ذلك إلى البحر المُسمَّى أطلنطيقس وهو البحر المحيط كان عنه المد، وإذا صارت هذه الريح في النقصان والسكون كان عنها الجزر. وأما ساطوطس٨١ فإنه يرى أن عِلة المدِّ والجزر تكون بامتلاء القمر وزيادته، وأن الجزر يكون بنقصانه وهذا كلام يحتاج إلى الزيادة فيه.»٨٢

بعدها حاول الإدريسي أن يؤكد صحة الأفكار أو بعضها من خلال ما شاهده لدى زيارته لبعض الدول الساحلية في أوربا، مثل البرتغال وبريطانية اللتَين تُطلان على المحيط الأطلسي. حيث يكون المد والجزر واضحًا تمامًا هناك لدى رصده.

قال الإدريسي: «والبيان عما أتى به الفلاسفة مُجملًا فنقول إن المد والجزر الذي رأيناه عيانًا في بحر الظلمات وهو البحر المحيط بغربي الأندلس وبلاد برطانية؛ فإن المد يبتدئ فيه في الساعة الثالثة من النهار إلى أول الساعة التاسعة، ثم تأخذ في الجزر ست ساعات مع آخر النهار، ثم يمدُّ ستَّ ساعات ثم يجزر ست ساعات هكذا يمدُّ في اليوم مرةً وفي الليل مرة ويجزر في اليوم مرة وفي الليل مرة أخرى. وعلَّة ذلك أن الريح تُهيج هذا البحر في أول الساعة الثالثة من النهار وكلَّما طلعت الشمس في أُفقها كان المد مع زيادة الريح ثم تنقص الريح عند آخِر النهار لِمَيل الشمس إلى الغروب فيكون الجزر أيضًا وكذلك الليل أيضًا تهيج الريح في صدره وتركد مع آخره. وزيادة الماء في المدِّ يكون في ليلة ثلاث عشرة وليلة أربع عشرة وليلة خمس عشرة وليلة ست عشرة، ففي هذه الليالي المذكورة يفيض المد فيضًا كثيرًا ويصِل إلى أمكنةٍ لا يصِل إليها إلا إلى مثل تلك الليالي من الشهر الآتي وهذا من آيات الله المُبصرة في هذا البحر يراه أهل المغرب مشاهدةً لا امتراء فيه ويُسمَّى هذا المد فيضًا.»٨٣ وقد كرَّر نقل هذه الفقرة محمد بن علي البروسوي سِباهي زاده.٨٤
وكما نُلاحظ من وصف الإدريسي فقد تحدَّث عن المدِّ الفيضي أو الربيعي Spring Tide الذي يحدث وسط الشهر القمري، حيث تكون فيه المياه زائدة عن حالات المدِّ بقية الأيام.

(٤-٢) ابن رشد

اعتمد ابن رشد (توفي ٥٩٥ﻫ/١١٩٨م) نظرية الكندي بأن حرارة أشعة القمر هي المسئولة عن المد والجزر وليس جاذبيته. حيث قال: «أما ما كان من البحار أعلى منه فإنه يتحرك الماء الذي فيه إليه من قِبل أن البحر المحيط أسفل منه، ويتحرك هو إليه من قِبل تدافع أجزائه بما يحدث فيه من الحركة الموجودة بذاتها علوًّا، التي هي في الماء شبيه بحركة الريح، وهي التي تُسمَّى عندنا حركة المد. وأما ما كان من البحار أسفل فإن الأمر فيه بالعكس، أعني أن الماء يتحرك من البحر الأسفل إليه علوًّا من قِبل الريح المُتولِّدة فيه عن حرارة القمر، ويتحرك هو إلى ذلك البحر بالطبع إذا خلا الماء السفلي عن هذه الحركة.»٨٥

(٥) المبحث الخامس: علماء القرن (٧ﻫ/١٣م)

ناقش موضوع المد والجزر في هذا القرن خمسة من العلماء العرب.

(٥-١) نور الدين البطروجي

ساهم أبو إسحاق نور الدين البطروجي الإشبيلي (توفي حوالي ٦٠٠ﻫ/١٢٠٤م) في فكرة أن المد والجزر سببها الدورة العامة للسماوات.٨٦ وقد بنى نظريته على الحركة الموجودة في المحيط الأطلسي، ملاحظًا التواتر بين حركة السماء نفسها وحركة المد والجزر وليس تزامُن حركة القمر مع حركة المد والجزر، كما قال بذلك كل من سبقه.
حيث قال: «وأما عنصر الماء فإن حركته تبين من أمرها أنها تابعة لحركة السماء بالضرورة، وإن لم تكن حركته على استدارةٍ تامَّة، وذلك بما نُشاهده من حركة البحر الأعظم من مدِّه وجزره في الليل والنهار على نظامٍ محفوظ كأنها حركة موازاة، وإنما [يحدُث] ذلك لثقله وما في طباعه من الميل إلى الأسفل والرسوب إلى المواضع المنخفضة من الأرض. وأكثر ما يبين ذلك ويظهر حركة الماء في مُجتمعه كالبحار التي لا تُدرك لها إلا شد واحدة لغلظها وعُمقها؛ فحركة الماء التي من جهة المشرق هي حركته التي يتبعها ما فوق، وحركته في الرجوع هي تثقُّله وميله إلى الأسفل لكثرته، وحركة الماء أقل سرعة من حركة الهواء، ولذلك يُظَن أنه تابع في الحركة لنقلة القمر لتقارب حركتيهما، وإنما ظن ذلك لأنها تأتي تابعة ومقصرة عنها فلا تنتهي القوة إلى إتمام الدورة حتى تأتي عليها دورة أخرى فتستعجلها عن التمام واستيفاء الدورة، فيضطرب الماء لذلك كما دلَّك فيها.»٨٧
هذا الطرح الجديد الذي قدمه البطروجي عن المد والجزر كان غير مألوف بالنسبة لعلم الفلك الأرسطي، وقد انتقل لأوربا عبر الترجمة التي قام بها ميشيل سكوت (توفي ١٢٣٢م) M. Scotus عام ١٢١٧م.٨٨ وقد تأثر به كثيرًا روبرت غروستيست وحاول أن يرد على طرح البطروجي لكنه لم يوفق في ذلك.٨٩

(٥-٢) ابن ميمون

تنبَّه أبو عمران موسى بن ميمون القرطبي (توفي ٦٠٣ﻫ/١٢٠٤م) إلى أن القدماء لاحظوا ارتباط قوة المد والجزر بالقمر فقال: «ذكرت الفلاسفة أن للقمر قوةٌ زائدةٌ وخصوصية باسطقس [مادة] الماء، [و]دليل ذلك زيادة البحور والأنهار بزيادة القمر. والجزر مع إدباره أعني صعوده وانحطاطه في أرباع الفلك على ما هو بيِّن واضح عند ترصُّد ذلك.»٩٠

(٥-٣) ياقوت الحموي

رفض ياقوت الحموي (توفي ٦٢٦ﻫ/١٢٢٩م) ما طرحه أصحاب القصص الخرافية والعجائبية من العرب والمسلمين حول ظاهرة المد والجزر، كما نبَّه إلى أنه ليس مؤمنًا بصدقها.

قال ياقوت الحموي: «وفي أخبار قصاص المسلمين أشياء عجيبة تضيق بها صدور العقلاء، أنا أحكي بعضها غير مُعتقد لصحتها: رووا أن الله تعالى خلق الأرض تُكفأ كما تُكفأ السفينة، فبعث الله ملكًا حتى دخل تحت الأرض، فوضع الصخرة على عاتقه، ثم أخرج يدَيه: إحداهما بالمشرق، والأخرى بالمغرب، ثم قبض على الأرضين السبع فضبطها، فاستقرَّت، ولم يكن لقدمِه قرار، فأهبط الله ثورًا من الجنة له أربعون ألف قرن وأربعون ألف قائمة، فجعل قرار قدمَي الملك على سنامه، فلم تصل قدماه إليه، فبعث الله ياقوتة خضراء من الجنة، مسيرها كذا ألف عام، فوضعها على سنام الثور، فاستقرَّت عليها قدماه، وقرون الثور خارجة من أقطار الأرض، مشبكة تحت العرش، ومنخر الثور في ثقبَين من تلك الصخرة تحت البحر، فهو يتنفَّس كل يومٍ نفسَين، فإذا تنفس مد البحر وإذا ردَّه جزر.»٩١
بعدها ذكر ياقوت قولًا للجاحظ «وقال الجاحظ: بالبصرة ثلاث أعجوبات ليست في غيرها من البلدان، منها: أن عدد المدِّ والجزر في جميع الدهر شيء واحد فيقبل عند حاجتهم إليه ويرتد عند استغنائهم عنه، ثم لا يُبطئ عنها إلا بقدر هضمها واستمرائها وجمامها واستراحتها، لا يقتلها غطسًا ولا غرقًا ولا يغبها ظمأً ولا عطشًا، يجيء على حسابٍ معلوم وتدبير منظوم وحدود ثابتة وعادة قائمة، يزيدها القمر في امتلائه كما يزيدها في نقصانه فلا يخفى على أهل الغلات متى يتخلفون ومتى يذهبون ويرجعون بعد أن يعرفوا موضع القمر وكم مضى من الشهر، فهي آية وأعجوبة ومفخر وأحدوثة، لا يخافون المَحْل ولا يخشون الحطمة.»٩٢

وقد رد عليه ياقوت مؤكدًا صحة كلامه؛ لأنه تحقق من ذلك بنفسه، وشاهده معاينةً.

قلت أنا: كلام الجاحظ هذا لا يفهمه إلا من شاهد الجزر والمد، وقد شاهدتُه في ثماني سفرات لي إلى البصرة ثم إلى كيش ذاهبًا وراجعًا، ويحتاج إلى بيان يَعرفه من لم يشاهده، [وهو أن دجلة والفرات يختلطان قرب البصرة ويصيران نهرًا عظيمًا يجري من ناحية الشمال إلى ناحية الجنوب فهذا يُسمونه جزرًا، ثم يرجع من الجنوب إلى الشمال ويسمونه مدا، يفعل ذلك في كل يوم وليلة مرَّتين]،٩٣ فإذا جزر نقص نقصانًا كثيرًا بينًا بحيث لو قيس لكان الذي نقص مقدار ما يبقى وأكثر، وليست زيادته مُتناسبة بل يزيد في أول كل شهر، ووسطه أكثر من سائره، وذاك أنه إذا انتهى في أول الشهر إلى غايته في الزيادة وسقى المواضع العالية والأراضي القاصية أخذ يمدُّ كل يومٍ وليلة أنقص من اليوم الذي قبله، وينتهي غاية نقص زيادته في آخر يوم من الأسبوع الأول من الشهر، ثم يمد في كل يومٍ أكثر من مدِّه في اليوم الذي قبله حتى ينتهي غاية زيادة مدِّه في نصف الشهر، ثم يأخذ في النقص إلى آخر الأسبوع ثم في الزيادة في آخر الشهر هكذا أبدًا لا يختلف ولا يخل بهذا القانون ولا يتغير عن هذا الاستمرار.»٩٤،٩٥ وقوله «مرَّتَين» إشارة إلى المد والجزر نصف النهاري.

(٥-٤) سبط بن الجوزي

يبدو أن أبا المظفر سبط بن الجوزي (توفي ٦٥٤ﻫ/١٢٦٥م) كان يُناصر الرأي الديني في تفسير ظاهرة المد والجزر. فبعد أن استعرض ما سبق وطرحه أبو معشر البلخي من أنواع المياه التي يحدث فيها المد والجزر، انتقل للبحث في الأسباب المختلفة للظاهرة. حيث قال: «فأما المد فمُضي الماء بجريته، والجزر رجوعه عن ذلك، وقال علماء الهيئة: البحار ثلاثة أصناف:

منها: ما يكون فيه المد والجزر ويظهر فيه ظهورًا بيِّنًا، كالبحر الحبشي عند البصرة، وهذا مُشاهَد محسوس. والثاني: يظهر فيه في وقتٍ دون وقت كما في البحر الأعظم، فإنه يمدُّ ستة أشهر، فيقل الماء في موضع ويكثُر في موضع. والصنف الثالث: لا يظهر فيه المد أصلًا، كغير الحبشي.»٩٦ «واختلفوا في علة المد والجزر: أما علماء الهيئة فقد اختلفوا فيه: قال بعضهم: علته القمر؛ لأنه مُجانس لعلَّة الماء وهو يُسخنه فينبسط، ومثَّلوه بقِدْر فيها ماء مقدار نصفها، فإذا غلى على النار ارتفع الغليان حتى يفور ويصعد، فإذا برد الماء نقص؛ لأن من شرط الحرارة أن تبسط الأجسام ومن شرط البرودة أن تضغطها، فإذا امتلأ القمر حميت أرض البحر فانبسط الماء وارتفع، وإذا نقص رجع الماء. وقال بعضهم: علته الأبخرة المُتولدة في باطن الأرض، فإنها لا تزال تتولد حتى تكثر وتكثف فيردُّ ماء البحر بكثافتها، فإذا انقطعت المواد بقلة الكثافة عاد ماء البحر إلى قعره.»٩٧
بعد ذلك قدَّم ابن الجوزي رأيه موكلًا أمر الظاهرة إلى قدرة الله قائلًا: «والمختار عندي: أن المد والجزر من آيات الله تعالى، وأنه من آثار قُدرته في العالم؛ لأن كل ما لا يُوجَد له قياس في الوجود فهو فعل إلهي يستدل به على عظمة الباري سبحانه وقدرته، وليس للمد والجزر قياس في العالَم. وقال أحمد بن حنبل بإسناده قال: سئل ابن عباس عن المد والجزر فقال: قد وكل الله بقاموس البحر ملكا، فإذا وضع رجله فيه فاض البحر، وإذا رفعها غاض. وقد ذكره الجوهري فقال: وقاموس البحر وسطه ومعظمه. وروي عن مجاهد عن ابن عباس قال: الملك المُوكَّل بالبحار يضع عقبه في بحر الصين فيكون منه المد، ثم يرفع عقبه فيكون منه الجزر. وقال مجاهد: وهذا ظاهر محسوس، فإن الإنسان لو وضع قدمَه في إناءٍ فيه ماء فإن الماء يرتفع إلى رأس الإناء، فإذا رفعها رجع الماء إلى حده.»٩٨

ثم رد على أصحاب الآراء المختلفة حتى أولئك الذين يربطون بين حركة القمر والمد، فكل ما يتكلَّمون به عارٍ عن الصحة.

«فإن قيل: فيلزم على هذا أن يكون الجزر والمد في جميع البحار، قُلنا: قد ذهب قوم إلى هذا، وإنما لم يظهر في غير بحر البصرة لوجهَين: أحدهما: لبُعد المسافة واتِّساع البحار، ومن لجَجَ من المسافرين في البحار يذكُر أنه شاهدَه، والثاني: فلأن مكان المد والجزر في البصرة تحت خطِّ الاستواء واعتدال الليل والنهار وعليه الكواكب الثابتة، وهذا المعنى لا يُوجَد في غيره.

وأما قول من علل بزيادة القمر ونقصانه، فغير صحيح؛ لأنه لو كان كذلك لتعلق بزمانٍ مخصوص، فإن القمر يزيد في أول الشهر وينقص في آخره، والمد والجزر يكون في كل يومٍ وليلة فافترقا.

وأما مَن قال بأنه من الأبخرة في قِلَّتها وكثرتها فباطل؛ لأنه يحتاج إلى زمانٍ طويل يجتمع فيه، وهذا يُوجَد في كل يومٍ وليلة.»٩٩

موقف غريب من شخصٍ مثل ابن الجوزي؛ فالكل مؤمن بقدرة الله — عز وجل — على فعل ما يريد وكيف يريد، لكن الله لم يُحرِّم على عباده التفكير والبحث في الأسباب المادية الكامنة وراء الظواهر، ولو أنه عطلوا عبادة التفكر التي أمر بها بالقرآن لتعطَّلت الحياة نفسها، وهذا ما لا يريده الخالق بكل تأكيد. فنحن نعلَم اليوم وجود خاصية الجاذبية في الشمس والقمر والفعل المُتبادل بينهما وبين المياه في البحار والمحيطات، فهل ما توصَّل إليه التفكير العلمي يُناقض أو يتعارَض مع إيماننا بقدرة الله الذي أودع هذه الخصائص في هذه الأجرام؟!

بكل تأكيد لا يتعارَض ولا بأي صورة من الصور، إذْ أمكنت هذه المعرفة من أن تجعل الناس يدرءون عن أنفسهم خطر المد والجزر، ويُحوِّلونه إلى أحد مصادر الطاقة التي استفادوا منها بمختلف الأشكال.

نُشير أخيرًا إلى أن أبا بكر بن عبد الله بن أيبك ابن الدوَاداري (توفي بعد ٧٣٦ﻫ/بعد ١٤٣٢م) اقتبس ما ذكرَه ابن سبط الجوزي كاملًا، ويبدو أنه يتبنى رأيه.١٠٠

(٥-٥) زكريا القزويني

تناول المؤرخ والجغرافي زكريا بن محمد القزويني (توفي ٦٨٢ﻫ/١٢٨٣م) في كتابه «عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات» ظاهرة المد والجزر وعزاها إلى القمر.

قال القزويني: «زعموا أن تأثيراته بواسطة الرطوبة كما أن تأثيرات الشمس بواسطة الحرارة ويدل عليها اعتبار أهل التجارب ومنها أمر البحار، فإن القمر إذا صار في أفقٍ من آفاق البحر أخذ ماؤه في المد مُقبلًا مع القمر، ولا يزال كذلك إلى أن يصير القمر في وسط سماء ذلك الموضع إذا صار هناك انتهى المد مُنتهاه، فإذا انحط القمر من وسط سمائه جزر الماء، ولا يزال كذلك راجعًا إلى أن يبلغ القمر مَغربه فعند ذلك ينتهي الجزر مُنتهاه. فإذا زال القمر من مغرب ذلك المَوضع، ابتدأ المد مرةً ثانية إلا أنه أضعف من الأولى، ثم لا يزال كذلك إلى أن يصير القمر في وتد الأرض فحينئذٍ ينتهي المد مُنتهاه في المرة الثانية في ذلك الموضع، ثم يبتدئ بالجزر والرجوع ولا يزال كذلك حتى يبلغ القمر أفق المشرق ذلك المَوضع فيعود المد إلى ما كان عليه أولًا، فيكون في كل يومٍ وليلة بمقدار مسير القمر في ذلك البحر مدَّان وجزران.»١٠١
ثم انتقل للحديث عن نظرية أصحاب حرارة أشعة القمر التي سبق وقال بها الكندي، ثم حاول تأكيدها بأن أورد حديث الملك المسئول عن الظاهرة. حيث قال: «وأما مد بعض البحار في وقت طلوع القمر فزعموا أن في قعر البحر صخورًا صلدة وأحجارًا صلبة، وإذا أشرق القمر على سطح ذلك البحر وصلت مطارح أشعَّتِه إلى تلك الصخور والأحجار التي في قرارها ثم انعكست من هناك متراخيةً فسخنت تلك المياه وحمِيَت ولطفت فطلبت مكانًا أوسع وتموَّجَت إلى ساحلها ودفع بعضها بعضًا وفاضت على شطوطها وتراجعت المياه التي كانت تنصبُّ إليها إلى خلف فلا تزال كذلك ما دام القمر مرتفعًا إلى وسط سمائه فإذا أخذ ينحطُّ سكن غليان تلك المياه وبردت تلك الأجزاء وغلظت ورجعت إلى قرارها وجرت الأنهار على عادتها، فلا يزال كذلك دائمًا إلى أن يبلغ القمر إلى الأفق الغربي، ثم يبتدئ المدُّ على مثال عادته في الأفق الشرقي، ولا يزال ذلك إلى أن يبلغ القمر إلى وتد الأرض وينتهي المد، ثم إذا زال القمر عن وتد الأرض أخذ الماء راجعًا إلى أن يبلغ القمر إلى أفقه الشرقي. هذا قولهم في مد البحار وجزرها. وأما هيجانها فكهيجان الأخلاط في الأبدان فإن ترى صاحب الدم والصفراء وغيرهما يهتاج به الخلط ثم يسكن قليلًا قليلًا، وقد عبر النبي عن ذلك بعبارة لطيفة فقال: «إن الملك المُوكل بالبحر يضع رجلَه بالبحر فيكون منه المد ثم يرفع فيكون منه الجزر».»١٠٢
فقد أرجع القزويني التأثير إلى تسخين القمر لصخور البحار كما سبق وأن قال بذلك الكندي وأبو معشر. وقد علق المُحقق عبد السلام هارون بأن القزويني «فاته أن تسخين الشمس في رابعة النهار أشد وأقوى فهذا غلط ظاهر وليس الأمر مبنيًّا على التسخين والتبريد وإنما هو نظام الجاذبية الفلكية.»١٠٣
ويرى المؤرخ ديفيد كارتويت D. Cartwright أن تشارلز داروين (توفي ١٨٨٢م) Ch. Darwin صاحب نظرية التطوُّر قد اقتبس١٠٤ بشكل كامل فكرة تقديم القمر للحرارة إلى البحر عن القزويني، كما أنه اقتبس أيضًا عن وثيقة آيسلندية قديمة تُشير إلى تسخين الشمس أيضًا مثل القمر، في محاولةٍ مضطربة منه لتفسير المد الربيعي الذي يحدُث في حالتي اكتمال القمر (البدر) والقمر الجديد (الهلال).١٠٥ ويبدو أن سبب هذا الاقتباس الكبير هو أن داروين يَعتبر ما قدَّمه القزويني ممثلًا للنظرية العربية في تفسير ظاهرة المد والجزر، لكنه بكل تأكيد لم يكن على صواب.
لم يكتفِ القزويني بما استعرضه من نظريات، وإنما استأنس بآراء أصحاب الخبرة من البحارة حيث «قال البحريون: جميع المد والجزر في بحر الهركند (الصين) وما يتَّصِل به كما في بحر فارس، وكيفيته أن القمر إذا بلغ مشرق البحر ابتدأ بالمد، ولا يزال كذلك إلى أن يبلغ القمر وسط سماء ذلك الموضع، فعند ذلك ينتهي المد مُنتهاه، فإذا انحطَّ القمر عن وسط سمائه خرس الماء ورجع، ولا يزال كذلك إلى أن يصل القمر مغرب ذلك الموضع، فعند ذلك ينتهي الجزر مُنتهاه، فإذا زال القمر من مغرب ذلك ابتدر المد هناك مرة ثانية، ولا يزال كذلك إلى أن يصل القمر إلى وتد الأرض؛ فحينئذٍ ينتهي المدُّ مُنتهاه ثانيًا ويبتدئ الجزر مرةً ثانية إلى أن يبلغ القمر أفق ذلك الموضع، فيعود الحال المذكور مرة ثانية.»١٠٦
أيضًا وفي حديثه عن بحر فارس استعان برأي البحارة عن المد والجزر السنوي الذي يحدث فيه، ويبدو أنه تأكد له التطابق بين الجانب النظري والعملي للظاهرة، حيث قال: «هو شعبة من بحر الهند الأعظم، من أعظم شُعبها، وهو بحر مبارك، كثير الخير، لم يزل ظهره مركوبا واضطرابه وهيجانه أقلَّ من سائر البحار، قال محمد بن زكريا: سُئل عبد الغفار الشامي البحري عن مد البحار وجزرها؟ فقال: لا يكون المد والجزر في البحر الأعظم في السنة إلا مرتَين؛ مرة يمدُّ في شهور الصيف شرقًا بالشمال ستة أشهر، فإذا كان ذلك طما الماء في مغارب البحر وانحسر عن مشارقه. وأما بحر فارس فإنه يكون على مطالع القمر، وكذلك بحر الصين والهند وبحر طرابزندة، فإن القمر إذا صار في أفقٍ من آفاق هذا البحر أخذ المد مُقبلًا مع القمر ولا يزال كذلك إلى أن يصير القمر إلى وسط سماء ذلك الموضع، فيجزر الماء ولا يزال راجعًا إلى أن يبلغ القمر مغربه، فعند ذلك يكون قد انتهى الجزر إلى مُنتهاه، فإذا زال القمر من مغرب ذلك الموضع ابتداء لمدٍّ هناك مرة ثانية، إلا أنه أضعف من الأولى، ثم لا زال كذلك إلى أن يصير القمر إلى وتد الأرض، فحينئذٍ انتهى المد إلى مُنتهاه في المرة الثانية في ذلك الموضع، ثم يبتدئ بالجزر والرجوع، ولا يزال كذلك حتى يبلغ القمر أفق مشرق ذلك الموضع، فيعود الماء على مثال ما كان عليه أولا، ولهذا البحر مدٌّ آخر بحسب امتلاء القمر ونقصانه، فإذا كان أول الشهر أخذ الماء في الزيادة ويزداد كل يوم إلى منتصف الشهر، فعند ذلك بلغ المد مُنتهاه، ثم يأخذ في النقصان وينقص كل يوم إلى آخر الشهر، فعند ذلك بلغ الجزر مُنتهاه، ثم يعود إلى ما كان أولًا، ويأخذ في المد.»١٠٧
وقد اعتبر الباحث مارتن إيكمان M. Ekman القزويني أول من حاول تفسير ظاهرة المد والجزر في البحار علميًّا للمرة الأولى في منتصف القرن الثالث عشر. لكن بحسب ما وجدنا سابقًا أنه اعتمد على الكندي وأبي معشر في تفسيره، ولم يكن الأول في ذلك.
كما يَعتبر إيكمان أن فرضية الكندي فشلت في تفسير لماذا القمر، وليس الشمس، يقوم بدور ريادي في هذه الظاهرة. ويرى أن الصعوبة الكبرى تكمُن في فهم كيف القمر والشمس باستطاعتهما أن يكون لديهما تأثير على الأرض بحيث تجعل الناس يبحثون عن تفسيراتٍ جديدة كليًّا عن المد والجزر. تعمل فكرة القمر والشمس بالكامل بطريقةٍ مُربكةٍ ما. طبقًا لفكرة أحدهم فإن سبب المد والجزر هو مد كبير Malstrommen (دوامات بحرية عظيمة)، بعيدة عن شاطئ نرويج الشمالي، حيث إن المد المنخفض كان عبارة عن سلسلةٍ من ماء البحر تختفي في دوَّامة، بينما يحدث المد العالي عندما عاود الظهور من الدوامة. اليوم نعرف بأنه يُوجَد في الواقع اتصال بين الدوامة والمد، لكنه المد الذي يُسبب الدوامة، ليس بالطريقة الأخرى المُحيطة.١٠٨

ويبدو أنه وقع في الفخ نفسه الذي وقع فيه دارون من قبل، بأن اعتبر طرح القزويني مُمثلًا وحيدًا عن النظريات العربية في المد والجزر.

(٦) المبحث السادس: علماء القرن (٨ﻫ/١٤م)

ناقش موضوع المد والجزر في هذا القرن أربعة من العلماء العرب دون أية إضافات جديدة.

(٦-١) شيخ الربوة

يُحدثنا شمس الدين أبو عبد الله محمد الدمشقي (توفي ٧٢٧ﻫ/١٣٢٧م) عن المد والجزر الذي يحدث عند الأنهار التي تتفرَّع عن شط العرب، مُلتقى الفرات ودجلة، وهو من النوع نصف النهاري.

حيث قال: «وكل هذه الأنهار تمدُّ وتجزر في كل يومٍ وليلة مرتَين، فإذا مد البحر جرى الماء في شط العرب شمالًا، وازداد وارتفع فامتلأت جميع الأنهار والسواقي، ومن أراد أن يسقي أرضه وبستانه فتح وأسقى ثم سد، ولا يزال كذلك إلى مضيِّ ستِّ ساعاتٍ ثم يقف الماء قليلًا ويجزر، فيعود جريانه جنوبًا كما كان أولًا، وينقص وتغيض الأنهار وتخلو السواقي ولا يزال كذلك إلى أكثر من ست ساعات، فإن زمان الجزر أكثر من زمان المد، ثم يقف ويعود إلى المد هكذا أبدًا. ويدور المد والجزر في الأيام والليالي مثلًا ما يكون أول يوم أول ساعة، وثاني يوم في ثاني ساعة أو دونها، وكذلك تجزر.»١٠٩

وما وصفه لنا شيخ الربوة هو ما يُسمَّى بالدورة المدِّية، وفترة السكون التي تكون بعد المد، وكيف أن وقت المد يتأخَّر في كل يوم عن سابقه بالمدة نفسها التي يتأخَّر فيها ظهور القمر في المكان نفسه كل يوم.

وتابع قائلًا: «وسائر البحار تمدُّ وتجزر إلا بحر الخزر، وقد تقدم الكلام على سبب المد والجزر. والذي هو أقرب إلى الصحيح أن طبيعة المحيط اقتضت ذلك على ما هو عليه من المد والجزر، كما يربو جوف الإنسان بالنفسِ ويضمر عَودًا إلى حاله الأول أبدًا ما دام حيًّا، وكما يمد سواد عين القط ويجزر، فيبتدئ من وسط النهار في الاتساع في أقطاره إلى نصف الليل، ثم يوجد في الانضمام من نصف الليل إلى نصف النهار، وكما يكون عند الخوف والانزعاج فإنه ينقلب جميع عينَيه إلى السواد، وإذا سكن روعه واطمأن نقص السواد حتى يكون بقدر الشعيرة.»١١٠

(٦-٢) أبو الفداء الحموي

تكلَّم عماد الدين إسماعيل بن محمد بن عمر أبو الفداء الحموي (توفي ٧٣٢ﻫ/١٣٣١م) عن المد في نهر إشبيلية، وكيف أن المد يرتبط بحركة القمر، حيث قال: «وبين مصبِّ نهر إشبيلية في البحر وبين إشبيلية خمسون ميلًا؛ فالمد يتجاوز إشبيلية عشرين ميلًا، ولا يبرح المد والجزر فيه يتعاقبان كل يومٍ وليلة؛ وكلما زاد القمر نورًا زاد المد والمراكب لا تزال فيه مُنحدرة مع الجزر صاعدة مع المد، ويدخل فيه السفن العظيمة الإفرنجية بوسطها من البحر المحيط حتى يحطَّ عند سور إشبيلية.١١١ وقد قال بعض شعراء الأندلس في المد والجزر:
خليلي بادر بي إلى النهر بكرةً
وقف منه، حيث المدُّ يثني عنانه
ولا تجز الأرحا فإن وراءها
يبابًا وعيني لا تريد عيانه.»١١٢

(٦-٣) شهاب الدين النويري

أشار شهاب الدين النويري (توفي ٧٣٣ﻫ/١٣٣٣م) إلى حديث الملك المسئول عن المد والجزر، دون أن يُبدي رأيه في ذلك أو يعلق عليه، حيث قال: «ويُقال إن علة المد والجزر تكون عن وضع الملك المُوكل بقاموس البحر عقبه في أقصى بحر الصين، فيفور فيكون منه المد؛ ثم يرفعه فيكون من رفعه الجزر. ومنهم من روى مكان العقب الإبهام. ومنهم من قال إن العلَّة فيه غير هذا كله. والله أعلم.»١١٣

(٦-٤) ابن كثير

يُخبرنا أبو الفداء بن كثير (توفي ٧٧٤ﻫ/١٣٧٣م) عن ارتباط المد والجزر بالقمر حيث قال: «ومن ذلك البحر الذي يخرج منه المد والجزر عند البصرة، وفي بلاد المغرب نظيره أيضًا يتزايد الماء من أول الشهر، ولا يزال في زيادةٍ إلى تمام الليلة الرابعة عشرة منه وهو المد ثم يشرع في النقص وهو الجزر إلى آخر الشهر.»١١٤

(٧) المبحث السابع: علماء القرن (٩ﻫ/١٥م)

ناقش موضوع المد والجزر في هذا القرن اثنان من العلماء.

(٧-١) تقي الدين المقريزي

تناول أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي (توفي ٨٤٥ﻫ/١٤٤١م) الحديث عن المدِّ والجزر كما هو معروف بأنواعه الثلاثة: اليومي والشهري والسنوي حيث قال: «ذهب بعضهم إلى أن زيادة ماء النيل إنما تكون بسبب المد الذي يكون في البحر فإذا فاض ماؤه تراجع النيل، وفاض على الأراضي ووضع في ذلك كتابًا حاصِلُه: إن حركة البحر التي يُقال لها المد والجزر، تُوجَد في كل يوم وليلة مرتَين، وفي كل شهر قمري مرتَين، وفي كل سنة مرتَين. فالمد والجزر اليومي تابع لقرص القمر، ويخرج الشعاع عنه من جنبتَي جرم الماء. فإذا كان القمر وسط السماء كان البحر في غاية المد، وكذا إذا كان القمر في وتد الأرض فإذا بزغ القمر طالعًا من الشرق أو غرب كان الجزر. والمد الشهري يكون عند استقبال القمر للشمس في نصف الشهر، ويُقال له: الامتلاء أيضًا عند الاجتماع، ويُقال له: السرار. والجزر يكون أيضًا في وقتَين عند تربيع القمر للشمس في سابع الشهر، وفي ثاني عشريه.»١١٥
كما أنه أشار إلى حالة ازدياد المد والجزر عند اجتماع الشمس والقمر في جهة واحدة، حيث قال: «والمد السنوي يكون أيضًا في وقتَين: أحدهما عند حلول الشمس آخر بُرج السنبلة، والآخر عند حلول الشمس بآخر برج الحوت، فإن اتفق أن يكون ذلك في وقت الامتلاء أو الاجتماع، فإنه حينئذٍ يجتمع الامتلاءان الشهري والسنوي، ويكون عند ذلك البحر في غاية الفيض، لا سيما إن وقع الاجتماع أو الامتلاء في وسط السماء، ووقع مع النيرين أو مع أحدهما أحد الكواكب السيارة فإنه يعظم الفيض. فإن وقع كوكب فصاعدًا مع أحد النيرين، تزايد عظم الفيض، وكانت زيادة النيل تلك السنة عظيمةً جدًّا، وزاد أيضًا نهر مهران. فإن كان الاجتماع أو الامتلاء زائلًا عن وسط السماء، وليس مع أحد النيرَين كوكب فإن النيل ونهر مهران لا يبلغان غاية زيادتهما لعدم الأنوار التي تثير المياه.»١١٦
ثم يُقدم لنا المقريزي قياسًا رقميًّا تقديريًّا لمساحة المد التي يُغطي بها اليابسة. فهو يرى أن كل درجةٍ فلكية واحدة تُقابل ستِّين ميلًا، تتراوح قيمة الميل الواحد بين (١٩٤٦–٤٩١٢ مترًا و١٩٨١٫٢٥ مترًا)،١١٧ أو للتقريب ٢ كيلومتر.
«فأما المد اليومي الدافع من البحر المحيط فإنه لا ينتهي في البحر الخارج من المحيط أكثر من درجةٍ واحدة فلكية، ومساحتها من الأرض نحو من ستِّين ميلًا ثم ينصرف، وانصرافه هو الجزر وكذلك الأودية إذا كانت الأرض وهدة، والمد الشهري ينتهي إلى أقاصي البحار، وهو يُمسكها حتى لا تنصبَّ في البحر المحيط، وحيث ينتهي المد الشهري فهناك مُنتهى ذلك البحر وطرفه. وأما المد السنوي فإنه يزيد في البحار الخارجة عن البحر المحيط زيادةً بيِّنةً، ومن هذه الزيادة تكون زيادة النيل وامتلاؤه، وامتلاء نهر مهران، والديتلو الذي ببلاد السند.»١١٨
ثم يعود لنظرية الكندي في تسخين أشعة القمر للبحار والتسبُّب في ظاهرة المد والجزر، حيث قال: «والمد كلُّه واحد وهو أن القمر يُقابل الماء كما تقابل الشمس الأرض، فنور القمر إذا قابل كرة الأرض سخَّنها كما تُسخِّن الشمس الهواء المحيط فيعتري الهواء المحيط بالماء بعض تسخين يذيب الماء، فيفيض وينمو بخاصته كالمرآة المُحرقة المُلهبة للجو حتى تحرق القطنة الموضوعة بين المرآة والشمس. فهذا مثاله في المقابلة ومثاله في المسرار كون الزجاجة المملوءة ما يلقى الشعاع إلى حلقها، فتحترق القطنة أيضًا. فالقمر جسم نوري باكتسابه ذلك من الشمس. فإذا حال بين الشمس والأرض خرج عن جانبي الماء شعاع نافذ يمرُّ مع جنبي الماء فيسخن ما قابله فينمو.»١١٩

وقد ضرب — من باب تبسيط الفكرة — مثالًا على أن النور الذي يخرج من المصباح يسخن المنطقة المقابلة له الهواء، وهذا ما يفعله القمر بالمنطقة المقابلة له من البحار، فكلَّما زادت كمية الشعاع الواصلة لقاع البحر، زاد مقدار المد.

قال المقريزي: «والماء جسم شفَّاف عن جانبَيه يخرج الشعاع كما يخرج عن جانبي الزجاجة، فيحدث لها نور يسخن الهواء الذي يُحيط بالزجاجة أو بالأرض، فيقترف الماء شِبه تسخين ينمو به ويزيد وذلك قُبالة القرص، وقُبالة مخرج الشعاع من قبالة وتد القمر، فهذا هو المد دائمًا، ويستدير باستدارة الفلك، وتدويره لفلك القمر وتدوير فلك القمر للقمر. والمد الشهري هو أن يقابل القمر الشمس أو يستتر تحتها؛ لأنه ليس إلا كون القمر قبالة الشمس لكونه في تربيع الشمس أضعف وفي المقابلة أقوى، وكذلك إذا قابلها على وسط كرة الأرض بحيث تكون الحركة أشد، والاكتناف للماء والأرض أعم فذلك هو المد السنوي.»١٢٠

ومع انضمام أشعة الشمس والكواكب لأشعة القمر يُصبح المد أعظميًّا. وقد خلص المقريزي إلى السبب الرئيس في الزيادة الحاصلة في نهر النيل؛ هو مد البحر الذي يتصل به.

قال المقريزي: «والسبب في عظم المد والجزر كثرة الأشعة. فإذا زاحمت الشمس والقمر، الكواكب السيارة عظم فيض البحر، وإذا عظم فيض البحر فاضت الأنهار، وكذلك إذا نهض القمر لمقابلة أحد السيارة ارتفع البخار، وصعد إلى كورة الزمهرير، ونزل المطر فإذا فارق القمر الكواكب ارتفع المطر لكثرة التحليل. كما يكون في نصف النهار عند توسُّط الشمس لرءوس الخلق، وكما يكون عند حلول الكواكب الكبيرة على وسط خط أرين، والله تعالى أعلم بالصواب. قال مؤلفه رحمه الله تعالى: الذي تحصَّل من هذا القول أن النيل مخرجه من جبل القمر. وأن زيادته إنما هي من فيض البحر عند المد فأما كون مخرجه من جبل القمر فمُسلَّم؛ إذ لا نزاع في ذلك. وأما كون زيادته لا تكون إلا من ردع البحر له بما حصل فيه من المد فليس كذلك.»١٢١
نشير أخيرًا إلى أن زين العابدين محمد بن أحمد بن إياس (توفي ٩٣٠ﻫ/١٥٢٣م) اقتبس النص الذي أورده المقريزي بالكامل.١٢٢

(٧-٢) سراج الدين بن الوردي

تجاوز سراج الدين أبو حفص عمر بن المظفر بن الوردي (توفي ٨٥٢ﻫ/١٤٤٧م)،١٢٣ عن كل الروايات المُتعلقة بالملك المسئول عن المد والجزر في بحر الصين، التي ذكرها السابقون، إذْ يبدو أنه لم يقتنع بها لا عقلًا ولا نقلًا. ثم أشار إلى أن بحر الصين يحدث فيه مدٌّ وجزر، حيث قال: «بحر الصين وجزائره وما به من العجائب والغرائب: ويُسمَّى هذا البحر بأسماء عديدة: بحر الصين وبحر الهند صنجي، وهو متصل بالمحيط من المشرق، وليس على وجه الأرض بحر أكبر منه إلا المحيط، وهو كثير الموج عظيم الاضطراب بعيد القعر، فيه المد والجزر، كما في بحر فارس.»١٢٤

(٨) المبحث الثامن: علماء القرن (١١ﻫ/١٧م)

وضع عبد القادر بن أحمد بن ميمي البصري (توفي ١٠٨٥ﻫ/١٦٧٤م) كتابًا خصَّصه لمناقشة ظاهرة المد والجزر في البحار أسماه «يتيمة العصر في المد والجزر»، ولنا أن نُلخص ما جاء في هذا الكتاب دون إيرادٍ لكل النصوص كوننا سنضعها في الباب الثاني كاملًا بشكلٍ مُحقق:
  • (١)
    رفض ابن ميمي أن يكون منشأ المد والجزر هو الرياح المُتحركة بتأثير الشمس١٢٥ متبنيًا بذلك رأي فخر الدين الرازي (توفي ٦٠٦ﻫ/١٢٠٩م).١٢٦
  • (٢)
    كما رفض أن يكون منشأ المد والجزر هو تسخين أشعة الشمس لقاع البحار، وتوليد الرياح بداخلها والتي تدفع بالماء وتُمدِّده.١٢٧
  • (٣)
    وجد أن الرياح الساكنة تترافق مع المد، وأن المد يزداد عندما تنقص والعكس صحيح.١٢٨
  • (٤)
    رفض أطروحة البعض بأن المد والجزر يكونان فقط في الحالة التي يكون فيها القمر بدرًا فقط، وإنما نشاهد المد والجزر يوميًّا.١٢٩
  • (٥)
    اتفق مع القائل بأن سبب المد والجزر هو طلوع القمر وغروبه. وهنا يشير إلى أنه لابد وأن في القمر خاصية «الجاذبية» حيث قال: «ولا مانع من أن يكون قد جعل الله في القمر خاصية جذب الماء وارتفاعه كما جعل في المغناطيس خاصية جذب الحديد.»١٣٠ وهي الفكرة التي سيعود لها الفيزيائي البريطاني وليم جيلبرت (توفي ١٦٠٣م) W. Gilbert، ويفسر ظاهرة المد والجزر على أساس أن الأرض تعمل مثل مغناطيسٍ كبير.١٣١
  • (٦)
    وقد اعترض على قول كيماووس١٣٢ الذي فسر سبب المد هو انصباب الأنهار في البحار، والجزر تُوقِفها عن الانصباب.١٣٣
  • (٧)
    كما أنه وقف مُحايدًا من الأقوال العجيبة والغريبة التي وصلته، فهو لم يُصدقها ولم يُكذِّبها. مثل قول البعض إن سمكة أو دابة كبيرة جدًّا تمتصُّ ماء البحر فيحصل الجزر، وتلفظه فيحصل المد.١٣٤

(٩) المبحث التاسع: علماء القرن (١٤ﻫ/١٩م)

حاول الفيلسوف جميل صدقي الزهاوي (توفي ١٣٥٤ﻫ/١٩٣٦م) أن يقدم لنا نظرية علمية جديدة مُختلفة تمامًا عما قد طرحه العلماء العرب السابقون. فقد حاول الزهاوي من خلال أطروحته الجديدة في الجاذبية الثقالية والتي أودعها في كتابه «الجاذبية وتعليلها»، تفسير ظاهرة المد والجزر، مُعتمدًا بذلك بالأساس على نظريته في تفسير الجاذبية، والتي أراد أن يُخالف فيها نظرية نيوتن في الجاذبية العامة.

إذْ يرى الزهاوي أن التجاذب والتدافع بين الأجسام ليس بسبب جذب المادة للمادة، وإنما يحدث بسبب دفعها لها بسبب ما تُصدره من الإلكترونات؛١٣٥ فالزهاوي عاصر اكتشاف الإلكترون عام ١٨٩٧م على يد الفيزيائي البريطاني جوزيف جون طومسون (توفي ١٩٤٠م) J.J Thomson، ويبدو أنه تأثر كثيرًا بهذا الاكتشاف، وهو ما شجعه لتقديم نظريته بحيث إنها تشمل كل شيء، نظرًا لأن الإلكترون جسيم موجود في كل شيء.

وسنورد فيما يأتي تفسيره لظاهرة المد والجزر الذي نشره في مجلة العلم عام ١٩١٠م اعتمادًا على نظريته السابقة. ونستشف من هذا الرأي عدم معرفته أو قراءته للتراث العلمي العربي بشكلٍ دقيق؛ فهو ينفي عنهم تفسيرهم للظاهرة، ويعتبر أن المُعاصرين له بين القرنين التاسع عشر والعشرين كانوا على خطأ في تفسيرها. ويظن أن تفسيره هو الصحيح ضاربًا بالكثير من الأدلة عرض الحائط، ومتمسكًا بنظريته في الدفع.

قال الزهاوي: «إن المد الذي يشاهد على وجه البحر يصح أن يُسمَّى ظاهرة طبيعية وفلكية في وقتٍ معًا، فإن ظهوره في الأرض وسببه في السماء.

قد علم منذ القديم أن للمد علاقة بالقمر، ولكن القدماء لم يُعنوا بتعليله والمُحدثين أخطئوا في وجه تعليله. أرادوا تعليل ما يحدُث على وجهي الأرض من المدَّين المُتقابلَين في وقتٍ واحد فقالوا إن القمر مثلًا يجذب ماء الأرض خمسة أقدام؛ لأنه قريب منه ويجذب الأرض تحته قدمَين ونصف قدم؛ لأنه بعيد عنه، ولا يجذب ماء الأرض على وجهها الثاني؛ لأنه أبعد عنه من الأرض فينتج من هذَين الجذبَين المتفاوتَين أن الماء يعلو على الأرض في كل وجهٍ قدمَين ونصف قدم. وعلَّلوا كون مد القمر أكبر من مدِّ الشمس بقولهم إن المد ناتج من الفرق بين الجذب لماء البحر والجذب للأرض التي تحته، فإن القمر يبعد عن سطح الماء نحو ٢٤٠٠٠ ميل،١٣٦ وعن مركز الأرض أكثر من ذلك بنحو أربعة آلاف ميل (هو نصف قطر الأرض)، فالفرق ١-٦٠ من بعد القمر، ولكن هذه المسافة أي ٤٠٠٠ ميل لا تبلغ إلا نحو ١-٢٤٠٠٠ من بُعد الشمس عن الأرض، فالفرق في البُعد بالنسبة إلى القمر أكبر من الفرق في البُعد بالنسبة إلى الشمس ٤٠٠ ضعف، ولكن جاذبية الشمس للأرض لا تفوق جاذبية القمر لها إلا ١٨٠ ضعفًا، فينبغي فعله أشد من فعلها على نسبة ٤٠٠ إلى ١٨٠، وهذا هو سبب كون فعل القمر بالمدِّ أشدَّ من فعل الشمس به.»١٣٧
ثم يقدم لنا الزهاوي اعتراضاته على التفسير السابق حيث قال: «اعتراضاتنا على تعليلهم: أما قولهم إن القمر يجذب الماء الأقرب إليه خمسة أقدام١٣٨ ويجذب الأرض تحته قدمَين ونصف ولا يجذب الماء الأبعد، فبعيد عن الصواب؛ لأن الواجب هو أن يجذب القمر الماء الأبعد نصف جذبه لنفس الأرض، وهو قدم وربع قدم، كما أنه يجذب الأرض نصف جذبه للماء الأقرب، وحينئذٍ لا يكون المدَّان المُتقابلان متساويَين، والواقع خلاف ذلك، بل الواجب ألا يحدث مدٌّ مقابل؛ لأن الأرض تجذب بنفسها الماء الأبعد، فهي تؤيد القمر الذي يجذبه نصف جذبه للأرض. ولأن انفصال الأرض في كل حينٍ عن مائه الأبعد مقتربةً منه يستلزم أن تصطدم الأرض بالقمر منذ عهدٍ بعيد؛ لأن المد دائم الحدوث على وجه الأرض، اللهم إلا إذا أنكروا انفصال الأرض عن الماء الأبعد وحينئذٍ لا يبقى وجهٌ للمد المُقابل. ومن المعلوم أن المدَّين يكونان على معظمهما عند اقتران القمر بالشمس أو استقبالها. ونحن نجد لعِظم المَدَّين في الاقتران وجهًا لا نجده له في الاستقبال، فإن المد المقابل على زعمهم هو ناتج عن انفصال الأرض عن الماء إلا بعد اقترابها من الجرم المُسبب له، ولكن الأرض إذا اقتربت إلى القمر لم تقترب من الشمس، وإذا اقتربت إلى الشمس لم تقترب من القمر، وهل يجوز أن يدنو الجسم من جرمَين متقابلَين في وقت معًا؟!
وأما تعليلهم لكبر مدِّ القمر وصغر مدِّ الشمس بأن الفرق في بُعد القمر عن ماء البحر وعن مركز الأرض أكبر منه في بُعد الشمس عنهما فإنه يقتضي أن تجذب الشمس الماء الأقرب والأرض أكثر من جذب القمر لهما، ولكن بتفاوت أقل وهو معقول إذا نظرْنا إلى قوة جاذبية الشمس، ولكنه مُفضٍ إلى حدوث مدِّ مقابل كبير. والواقع خلافه، وإذا قيل إن الشمس تجذب الماء الأبعد كذلك بتفاوتٍ أقل، قُلنا وجب على هذا أن تكون الأرض قد اصطدمت بالشمس قبل ملايين من السنين. إلا إذا قالوا إن حركة الأرض في فلكها تُقاوم جذب الشمس، فأقول لماذا لا تقاوم هذه الحركة جذب القمر لها فإن جذبه أضعف.»١٣٩

بعدَها يُحاول الزهاوي أن يؤكد على صحة رأيه فيقول: «اغتر المُحدثون بالظواهر فأخطئوا في تعليل المَدَّين بأن القمر يجذب ماء الأرض الأقرب كثيرًا، ويجذب الأرض تحته أقل. والصواب أن القمر أو الشمس لا يجذب ماء الأرض بل المد ظاهرة كهربائية تتولَّد من دفع القمر أو الشمس لوجه الأرض الأقرب ومن جذبه لوجه الأرض الأبعد، فتهبط الأرض من الوجهَين ويعلو الماء عليهما وذلك هو المدَّان المُتقابلان.

ونقول إيضاحًا لما تقدَّم إن القمر يدور حول الأرض مثل دورانها كما أن الأرض تدور حول الشمس، كذلك فتكون حركتها مُماثلة لحركة وجه الأرض الأقرب ومُخالفة لحركة وجهها الأبعد، وهذه الحركة هي كهربائيتها والكهربائية تدفع المُماثِلة وتجذب المُخالِفة، فالقمر أو الشمس يدفع وجه الأرض الأقرب ويجذب وجهها الأبعد، ولا يدفع الماء الأقرب ولا يجذب الماء الأبعد؛ لأن الماء مُوصل جيد للكهربائية فيعلو الماء على وجهي الأرض؛ لأن الأرض فيهما تحته تغور. وهناك مثال لما نحن في صدَدِه هو أن الأرض عند حدوث الزلزلة قد تغور في السواحل بفعل الكهربائية ويعلو عليها الماء فيجيء مَوجُه مثلما يجيء موج المدِّ ويغمر اليابسة ويُغرق البلاد.»١٤٠
أخيرًا يُحاول أن يجيب عن تساؤل لماذا يكون المد الناجم عن القمر أكبر من المد الناجم عن الشمس؟ فيقول: «الشمس وإن بعدت عن الأرض أكثر من القمر يبقى فعلها بالأرض أكثر من فعل القمر لكثرة مادتها، فكان الواجب أن يكون مدُّها أكبر من مدِّه والواقع خلافه. فنقول: مُجيبين إن دفع القمر يأتي كله في صورةٍ كهربائية عادية تدفع الوجه الأقرب من الأرض ولا تدفع الماء؛ لأنه مُوصل لها، ودفع الشمس يأتي في ثلاث صور؛ اثنتان منها هما النور والحرارة والثالثة هي الكهربائية العادية، والماء للأوليَين ليس بمُوصل فهما يدفعانه فلا يعلو، وهو للصورة الثالثة وهي الكهربائية العادية مُوصل فهي تدفع الأرض ولا تدفع الماء فيعلو والنور والحرارة يُخففان فعل كهربائية الشمس في دفعها الأرض وعدم دفعها الماء؛ ولذلك كان مدُّ القمر أكبر من مد الشمس.»١٤١

(١٠) المبحث العاشر: مؤلفون مجهولون

تناول عدد من المؤلفين العرب والمسلمين المجهولين ظاهرة المدِّ والجزر في البحار. وقد وجدنا أن نُفرد لهم مبحثًا خاصًّا نُناقش فيه آراءهم التي تدور في مُجملها حول آراء من سبقَهم دون أن يُقدموا الجديد فيها.

(١٠-١) مؤلف مجهول

يعرض هذا المؤلف عدة وجهات نظر حاولت أن تُفسر ظاهرة المد والجزر؛ فالبعض يعتبر أن كوكب الأرض كله مخلوق هائل كبير، ولدى تنفُّسه يحدث المدُّ والجزر. وبعضهم يرى أن السبب هو انصباب مياه الأنهار في البحار ورجوعها عنه، واقترح ثالث أن السبب هو وجود فتحة هائلة كبيرة تحت البحر، واقتراح رابِع أن البحر من خصائصه أن تغور المياه فيه وتمد، ويختم في النهاية أنه يعتقد بأن القمر هو السبب في ذلك، وذلك بفعل «حقل جاذبيته» المؤثر على الأرض كلها وليس البحار. ولعل هذا الرأي هو أحد أقرب التفاسير دقةً وقُربًا من تفسيرنا العلمي الحالي. والذي سبق وأن وجدنا ظهور هذه الفكرة عند عبد القادر بن أحمد بن ميمي البصري.

إن «الذي يُحير العقل ويُصيِّر اللبيب متحيرًا في الفكر هاتان الحركتان العجيبتان، أعني المد والجزر، وقد اختلف العلماء النظار والحكماء الشطار في إدراك سبب المد والجزر؛ فالبعض منهم قال إن العالَم هو حيوان مركب من الأربعة عناصر، مُتصفٌ بالعقل والحياة، ومنخراه تحت البحر فإذا تنفَّس واجتذب الهواء اجتذب ماء البحر، ومتى أطلق النفَس امتدَّ الماء وهو المد.»

وقال البعض إن السبب في المد والجزر هو جريان الأنهار وانصبابها في البحر وعَودها عنه، فإذا جرت المياه النهرية إلى البحر تزايد ماء البحر، وزيادة المياه تقتضي سعة المكان واتساعه، وهكذا يكون المد، وفي رجوع تلك المياه إلى أماكنها من القنايات وتجاويف الأرض عاد البحر إلى حاله وهو الجزر.

وقال البعض إن تحت البحر هُويةً عظيمة في غاية الاتساع، فإذا جرت المياه من البحور وأسرعت في الخرير بثقلها من شدة الجريان، صدر امتداد البحر؛ لأن المياه تتَّسِع بكثرة الحركة، ويكون المد. وفي ضعفها تعود إلى حالها الأول وهو الجزر كما شُوهد في المياه الجارية من رءوس الجبال، لأنها تعود صاعدة إلى العلو في نزولها إلى السفال بشدة الانصدام، ثم ترجع مُنعكسة، وهو كالمد، وبضعف الصدمة ورجوع المياه إلى حالها يكون كالجزر، وهذا رأي أفلاطون.

والبعض قالوا عن المدِّ والجزر إنه من كيفيات البحر التي بتأثيرها يغيض ويغور، وبضعف تأثيرها يعود إلى حاله ويحصل الجزر، ويجري ذلك في مدةٍ محدودة كما هو مشهود في بدن المحموم متى أصابته الحُمى، وكما تجتمِع الطبائع في مدة محدودة وباجتماعها يتحرَّر البدن أو يبرد ثم تفترق الطبائع وتعود إلى درجة الاعتدال في مدةٍ أخرى وتزول الحُمى. هكذا البحر في زمنٍ مخصوص تغيض مياهه باجتماع كيفياته المؤثرة ويفعل المد، وفي حين معلوم تعود الكيفيات إلى درجة الاعتدال فيسكن البحر ويعود إلى حاله وهو الجزر.

لكن الرأي الأصوب والقول الأرجح في معرفة السبب المُوجِب للمدِّ والجزر هو القمر بتأثيره، وهذا التأثير إما ذاتي له وإما مُكتسب من الشمس وهو بينهما، ولشرح ذلك اعلم أن البحر المُتصف بالمد والجزر فإنه يبتدئ بالامتداد حتى ينتهي ساعاتٍ ثم يعود القهقرى إلى الوراء وهو الجزر، وهكذا ست ساعات، وفي بعض الأراضي يبلغ المد من المسافة نحو أربعين ميلًا حتى قيل إنه أغرق كثيرًا من الخلق في مرورهم على مجراه غفلةً، واستدلَّ من قال إن سبب المد والجزر هو القمر بأدلةٍ مختلفة:
  • أولًا: من اختلاف نظر الشمس إلى القمر، وذلك مجرب أنه متى كان القمر بدرًا واشتدَّ تأثير الشمس فيه من الوجه الذي يلينا تزايد المدُّ والجزر في ذلك الحين.
  • ثانيًا: ازدياد المد والجزر تابع لازدياد القمر وانمحاقه حتى إنه قد يتقدَّم ويتأخر في كل دورٍ اثنتي عشرة درجة. مثلًا: لو قدَّرنا إن ابتداء المد كان وقت الزوال في يومِنا هذا، فإنه يتأخَّر غدًا اثنتَي عشرة درجة بعد الزوال؛ لأن القمر في كل دورٍ يتأخر محله اثنتَي عشرة درجة. وأيضًا بازدياد القمر في نوره المُكتسب من الشمس يتزايد المد وفي المُحاق ينقص.
  • ثالثًا: هو حكم القمر على الأجسام الرطبة حتى إن جالينوس ومن يَليه من الحكماء خصُّوا الأمراض الصادرة من ازدياد البلغم للقمر، وقالوا إنه بتأثيره يتزايد البلغم في الأبدان، ومن هنا نسبوا الجزر والامتداد للقمر، وكما أن القمر يقع بتأثيره في البلغم المتصف بالبرد والرطوبة هكذا يقع تأثيره في البحر المُتصف بتلك الكيفيتَين.

وإن سألَنا أحد بقوله كيف القمر يفعل المد والجزر؟ فالجواب: إنه يفعل ذلك ببعض كيفياته الذاتية لا بِضيائه، ولو قرَّرنا بأن القمر يؤثر شيئًا بضيائه لا بحركته كما زعم البعض من الحكماء، لأننا لو فرَضْنا بأن الأمر كذلك، لاقتضى عدم المد والجزر في انمحاق القمر؛ لأنه حينئذٍ يتعرَّى من النور، وقد شُوهِد وجود المدِّ والجزر في مُحاقه، وشوهد أيضًا متى كان القمر مُحتجبًا بكرة الأرض، واتَّضح حينئذٍ أن حركة القمر لا يُمكنها التأثير في البحر لمقابلة الأرض بينهما. وأقول لهذا الدليل إن المد والجزر من كيفية موجودة في القمر وبها يُحرك البحر، وبالحركة يكون المد والجزر من ضعفها، وإن قال أحد كيف يمكن ذلك متى كان القمر مُحتجبًا بكرة الأرض؟

فالجواب: إن القمر إذا كان مُحتجبًا يفعل المد والجزر كحجَر المغناطيس في جذبه الحديد إليه بقوته المؤثرة، ولو كان بينهما جسم حائل؛ ولذلك الشمس وبقية الكواكب في إنشائها المعادن والأحجار في جوف التراب فإن ذلك بمرور كيفياتها وإخراقها جرم الأرض، هكذا يمكن للقمر أن يخرق الأرض بكيفيته المؤثرة ويصدر المد والجزر، ويُمكن للقمر أن يؤثر في البحر من حيث لا يُرى، ووقوع ذلك التأثير في البحر إما من ضيائه المكتسب، أو من حركته أو كيفيته الذاتية أو باشتراك جميع هذه الأحوال في التأثير. ثم البحر فإنه مُتصل الأجزاء بعضها ببعض، فلما قبل التأثير في بعض أجزائه اشتركت البقية من الأجزاء في قبول ذلك التأثير، وحينئذٍ يكون المد والجزر فيما يُرى من البحر، ولو صدر التأثير فيما لم يُر منه. ومثال اتصال الأجزاء مع بعضها كالخشبة المُمتدَّة متى طعنَها الواحد بشيءٍ تحرَّكت جميعًا، والحال إن الطعنة ما كانت إلا في جهة واحدة والسبب لذلك اتصال الأجزاء. وعلى هذا القياس لا يقتضي أن يُقال عن القمر إنه خرق الأرض بكيفيته؛ لأن خرق الجرم المُتلزز بكيفية واحدة من القمر لا يقبله العقل البشري. والرأي عندي أن امتداد البحر وجزءه فهو من ذاته بغير مؤثر فيه من الخارج؛ لأن البحر من ذاته يقتضي الامتداد على الأرض جميعًا كما كان في أول وجوده … وإذا سألَنا أحد لماذا الأنهار لم تتصف بالمد والجزر؟ فالجواب: لعدم الاستعداد في المياه النهرية، لم يقع التأثير كحجَر المغناطيس فإنه لا يجذب كل معدن مرَّ عليه سوى الحديد، ولا يُوجَد فيما عداه استعداد للانجذاب فلو وجد الاستعداد لانجذب كما ينجذب الحديد، لذلك المياه النهرية لخلوها من الاستعداد تعرَّت من الجزر والامتداد. وعلى رأي من قال المدُّ والجزر فهو من البحر بذاته لا من سببٍ خارج، فالجواب عن ذلك: إن السبب لخلو الأنهار من الجزر والمد خروجها من أماكنها وجريانها وعودها إلى البحر الذي هو مقرُّها وملجؤها. ويمكن أن يخص شيئًا للماء الراكد في مكانه بخلاف الجاري والمفارق لمكانه.»١٤٢

(١٠-٢) مؤلف مجهول (القرن ٣-٤ﻫ/٩-١٠م)١٤٣

تناول مؤلف مجهول١٤٤ في كتاب «الروابيع»١٤٥ المنسوب لأفلاطون مسألة قوة الجذب بين الشمس والقمر ومحاولة تفسير ظاهرة المد والجزر اعتمادًا على وجود قوى جذبٍ علوية، ونجد في هذا الكتاب حوارية بين شخص اسمه أحمد وأفلاطون، الأمر الذي يعني أن واضعه عربي وليس مُترجمًا عن اليونانية.

«قال أفلاطون: وعند انتدابك في العمل فاستعن في التحليل بالقمر، وفي التصعيد بالشمس إلى أن قال: فإن أثرهما يظهر.

قال أحمد: الذي أنبأك به قول له فيه وفي سائر آرائه مذهب أنا مخرج لك جُمَله، فلنبدأ ببعض ما أتي به بعض تلامذة الشيخ أفلاطون: فمنهم غلوقن.

فيقول: إن من رأي الأوائل أن ما بين الاجتماع والاستقبال القوة للقمر، وبين الاستقبال والاجتماع القوة للشمس. فكل أمرٍ من الأمور التي يستولي عليها هذان الكوكبان يكون الأثر للكوكب في أوان قوَّته واستيلائه أكثر.

فيقول الفيلسوف: إن الاختيار لأوان التحليل بعد الاجتماع، والتعقيد بعد الاستقبال. وقد تكلم في هذا النوع تلامِذة الشيخ وأكثروا القول وخطَّئوا الفيلسوف في رأيه هذا. وذلك أنهم رأوا أن القوة تنجذِب إلى العلوِّ بعد الاجتماع أكثر منه بعد الاستقبال، واحتجُّوا في ذلك بالمدِّ والجزر وغير ذلك من القوى الطالبة للعلو.»١٤٦

إذن الغاية من هذه الحوارية الخيالية بين أحمد وأفلاطون القول: إن ظاهرة المد والجزر تزداد عندما يحدُث ما يُسمَّى بعِلم الفلك (الاجتماع) بين جرمَين وأكثر مع الأرض، كأن تُصبح الشمس والقمر والأرض على خطٍّ مستقيم واحد، عندها، وهذه حقيقة صحيحة، يُصبح المد أعظميًّا فيجذب مياه البحار والمحيطات للأعلى على أحد طرفي كوكب الأرض، في حين أنه يُحدث جزرا أعظميًّا على الطرفَين المقابلَين، وهو ما يؤكد فعل الجاذبية على الأرض.

(١٠-٣) مؤلف مجهول (٤ﻫ/١٠م) أو (٥ﻫ/١١م)

يرى مؤرخ العلوم فؤاد سزكين أن أوسع مُعالجة لظاهرة المد والجزر قد وصلت إلينا هي تلك التي وضعها مؤلف مجهول في مخطوطة موجودة في مكتبة الإسكوريـال (١٦٣٦/٢، ١٠٠ظ-١١٧ظ، ٥٨٨ﻫ). حيث حاول المؤلف أن يُوضِّح كلامه بأشكالٍ فلكية ورسوم جغرافية. تتألف هذه الرسالة من ثلاثين بابًا تُغطي كافة جوانب ظاهرة المد والجزر. وقد أورد فيها آراء كل من سبقه في الظاهرة ثم ناقشها، وهو يعتقد أنه لا يُوجَد رأي قد أحاط علمًا بكل ظواهر المد والجزر.

فقد ذكر أن أسلافه أشاروا إلى أن «جرم القمر للبحر كالمغناطيس للحديد يجذبه إليه، حيثما توجَّه ومن أي جهةٍ قابلَه وحاذاه …» وبالتالي فإن قوة الجذب كانت معروفة حتى عصر المؤلف، وقد وجد ضرورة أن يُكمل التفاسير التي حصل عليها، فقال إن فلك القمر يُحرك بحركته فلك الهواء، وهو يزيح بدَوره كتلة الماء باستمرار، كما أن الماء له أيضًا في نفسه حركة أخرى وهي طلب المركز.١٤٧

(١٠-٤) مؤلف مجهول (بعد القرن ١٤ﻫ/١٩م)

ينسب هذا المؤلف تأثير المد والجزر إلى نور القمر، وواضح تأثره بنظرية الكندي. حيث قال: «إذا كان القمر زائدًا في النور أو صاعدًا في ربع الفلك فهو يزيد الأشياء بماء، وإذا كان هابطًا ناقصًا فالقول ينعكس فيه، وإذا كان زائدًا يكون النشوء والنماء في النباتات والحيوانات وذوي الأنفس وبالعكس … أيضًا في حال المد والجزر إذا صعد القمر في وسط السماء فأخذ القمر في المد، وإذا هبط في الغرب رجع الماء ويكون الجزر.»١٤٨
١  محمدين، محمد محمود وطه عثمان الفراء، المدخل إلى علم الجغرافيا والبيئة، ص٢٣٣.
٢  أبو حجر، آمنة، المعجم الجغرافي، ط١، دار أسامة، عمان، ٢٠٠٩م، ص٦٩٤.
٣  جبر، يحيى عبد الرءوف، التكون التاريخي لاصطلاحات البيئة الطبيعية والفلك، مجلة مجمع اللغة العربية في الأردن، العدد ٤٦، يناير، عمان، ١٩٩٤م، ص٦٣.
٤  العمري، ابن فضل الله، مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، ج١٦، ط١، المجمع الثقافي، أبو ظبي، ٢٠٠٢م، ص٥٨.
٥  ابن سيده، علي بن إسماعيل، المُخصص، تحقيق: خليل إبراهيم جفال، ط١، ج٣، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ١٩٩٦م، ص١٥-١٦.
٦  عبد العليم، أنور، البحار في كتب البلدان، مجلة قافلة الزيت، العدد ٧، المجلد ٣١، رجب ١٤٠٣ﻫ، إبريل-مايو، تصدر عن شركة أرامكو، الظهران، ١٩٨٣م، ص٥.
٧  عبد العليم، أنور، الملاحة وعلوم البحار عند العرب، سلسلة عالم المعرفة، العدد١٣، تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ١٩٧٩م، ص ١٢٦.
٩  ابن أبي أُصيبعة، عيون الأنباء في طبقات الأطباء، تحقيق: نزار رضا، دار مكتبة الحياة، بيروت، (د.ت)، ص٢٧٣.
١٠  ابن ربن الطبري، فردوس الحكمة في الطب، تحقيق: محمد زبير الصديقي، مطبعة آقتاب، برلين، ١٩٢٨م، ص٢٢.
١١  الجاحظ، أبو عثمان، الرسائل الأدبية، دار ومكتبة الهلال، ط٢، بيروت، ٢٠٠٢م، ص٤٨٢.
١٢  حقَّقنا الرسالة ووضعنا متنها في الباب الثاني اعتمادًا على نسخةٍ موجودة ضمن مجموع آيا صوفيا رقم (AYASOFYA4832) (١٤٩ظ-١٥٧و).
١٣  سزكين، فؤاد، تاريخ التراث العربي «أحكام التنجيم والآثار العلوية»، ط١، المجلد ٧، ص٣٦٩.
١٤  تناول المستشرق الألماني إيلهارد فيدمان E. Wiedemann دراسة ما كتبه الكندي عن ظاهرة المد والجزر في بحثه الذي يحمل عنوان: Uber al-Kindi’s Schrift uber Ebbe und Flut, Annalen der Physik, No. 67, 1921 p. 374. حيث يذكر فيدمان في هذه المقالة أن الكندي تأثر بأرسطو، ويذكر أنه تُوجَد في المخطوطة نفسها التي كتب فيها الكندي فصلًا حول «لون السماء»، والتي ترجم منها فيدمان سابقًا فصلًا آخر يتحدَّث فيه الكندي عن المد والجزر. ويعرض لطريقة الكندي في البحث فيقول: إنه يأتي أولًا بالملاحظات التجريبية للوقائع وما يتعلق بها وتُعرَض بطريقةٍ منظمة ثم يشرح جوهرها ثم يبحث عن أسبابها. ولا شك بأن هذه المنهجية علمية بامتياز.
١٥  نعلم أن للقمر أثرًا آخر غير المد والجزر، فهو يُقلل من دوران الأرض حول نفسها، وهو ما يجعل اليوم على كوكبنا يدوم ٢٤ ساعة بعد مرور ٤٫٦ مليار سنة، بينما كان اليوم ٢٠ ساعة فقط قبل مليار سنة، ولو لم يُوجَد القمر نهائيًّا لكان اليوم على الأرض لا يزيد عن ٨ ساعات، تسطع فيه الشمس من ٣-٥ ساعات فقط. عن: كومنس، نيل كومنس، ماذا لو لم يُوجَد القمر؟ مجلة علوم وتكنولوجيا، تصدر عن معهد الكويت للأبحاث العلمية، العدد ٣٩، الكويت، يناير ١٩٩٧م، ص١٤.
١٦  الكندي، رسالة في العلَّة الفاعلة للمد والجزر، ص١٥٥ظ.
١٧  المرجع السابق نفسه، ص١٥٥ظ.
١٨  سزكين، فؤاد، تاريخ التراث العربي (علم الفلك حتى نحو ٤٣٠ ﻫ)، مجلد٦، ج١، ترجمة: عبد الله حجازي، جامعة الملك سعود، الرياض، ٢٠٠٨م، ص٥٤.
١٩  سزكين، فؤاد، تاريخ التراث العربي «أحكام التنجيم والآثار العلوية»، ط١، المجلد ٧، ص٣٦٩-٣٧٠.
٢٠  الكندي، رسالة في العلة الفاعلة للمد والجزر، ص١٥٣و.
٢١  المرجع السابق نفسه، ص١٥٣و.
٢٢  المرجع السابق نفسه، ص١٥٥و.
٢٣  المرجع السابق نفسه، ص١٥٥و.
٢٤  المرجع السابق نفسه، ص١٥٥و.
٢٥  كراتشكوفسكي، أغناطيوس، تاريخ الأدب الجغرافي العربي، ترجمة: صلاح الدين عثمان هاشم، الإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية، ج١، ص١٠٥.
٢٦  ابن أبي أُصيبعة، عيون الأنباء في طبقات الأطباء، تحقيق: نزار رضا، دار مكتبة الحياة، بيروت، (د.ت)، ص٢٩٢.
٢٧  سزكين، فؤاد، تاريخ التراث العربي «أحكام التنجيم والآثار العلوية»، ط١، المجلد ٧، ص٤٦٥.
٢٨  أبو معشر البلخي، جعفر، المدخل الكبير في علم أحكام النجوم، مخطوطة المكتبة الوطنية، رقم (Arabe 5902)، ص٣١و-٣١ظ.
٢٩  المرجع السابق نفسه، ص٣٢و-٣٢ظ.
٣٠  المرجع السابق نفسه، ص٣٣ظ.
٣١  أبو معشر البلخي، جعفر، المدخل الكبير في علم أحكام النجوم، مخطوطة المكتبة الوطنية، رقم (Arabe 5902)، ص٣٥ظ.
٣٢  المرجع السابق نفسه، ص٣٦و.
٣٣  أبو معشر البلخي، جعفر البلخي، المدخل الكبير في عِلم أحكام النجوم، مخطوطة المكتبة الوطنية، رقم (Arabe 5902)، ص٣٧و-٣٧ظ.
٣٤  المرجع السابق نفسه، ص٥٠و.
٣٥  المرجع السابق نفسه، ص٥٢ظ.
٣٦  المرجع السابق نفسه، ص٥٣ظ.
٣٧  المرجع السابق نفسه، ص٥٢ظ.
٣٨  Laird, Edgar S., Robert Grosseteste, Albumasar, and Medieval Tidal Theory, Isis, University of Chicago Press, Vol. 81, No. 4 (Dec., 1990), p. 684-685.
٣٩  Cartwright, David Edgar, Tides: A Scientific History, p. 16.
٤٠  ابن خرداذبة، عبيد الله بن أحمد، المسالك والممالك، أوفست عن طبعة ليدن، دار صادر، بيروت، ١٨٨٩م، ص٧٠.
٤١  عبد العليم، أنور، البحار في كتب البلدان، ص٥.
٤٢  المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج١، ط١، اعتنى به وراجعه: كمال حسن مرعي، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، ٢٠٠٥م، ص٩٢.
٤٣  هذه الإضافة من: رحلة السيرافي، المجمع الثقافي، أبو ظبي، ١٩٩٩م، ص٣٠.
٤٤  السيرافي، سليمان التاجر، عجائب الدنيا وقياس البُلدان، دراسة وتحقيق: سيف شاهين المرخي، مركز زايد للتراث والتاريخ، ط١، أبو ظبي، ٢٠٠٥م، ص٤١.
٤٥  الهمذاني، أحمد بن محمد، كتاب البلدان، تحقيق: يوسف الهادي، ط١، عالم الكتب، بيروت، ١٩٩٦م، ص٦٥.
٤٦  المرجع السابق نفسه، ص٦٨.
٤٧  المسعودي، أبو الحسن، مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج١، ص٤٢.
٤٨  المرجع السابق نفسه، ص٤٣.
٤٩  المسعودي، أبو الحسن، مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج١، ص٤٣.
٥٠  المرجع السابق نفسه، ص٤٣.
٥١  المسعودي، أبو الحسن، مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج١، ص٤٤.
٥٢  المرجع السابق نفسه، ص٤٤.
٥٣  المسعودي، أبو الحسن، مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج١، ص٤٤.
٥٤  المرجع السابق نفسه، ص٤٤.
٥٥  عبد العليم، أنور، الملاحة وعلوم البحار عند العرب، ص١٢٩.
٥٦  سورة الحشر، الآية ٧.
٥٧  المسعودي، أبو الحسن، مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج١، ص٤٧.
٥٨  المسعودي، أبو الحسن، التنبيه والإشراف، ج١، تصحيح: عبد الله إسماعيل الصاوي، دار الصاوي، القاهرة، (د.ت)، ص٦١.
٥٩  المسعودي، أبو الحسن، التنبيه والإشراف، ج١، تصحيح: عبد الله إسماعيل الصاوي، دار الصاوي، القاهرة، (د.ت)، ص٦١.
٦٠  المقدسي، المطهر بن طاهر، البدء والتاريخ، ج٢، مكتبة الثقافة الدينية، بور سعيد، ص٤٥.
٦١  وقيل سنة (٨٦١ﻫ/١٤٥٧م).
٦٢  ابن الوردي، سراج الدين أبو حفص عمر بن المظفر، خريدة العجائب وفريدة الغرائب، تحقيق: أنور محمود زناتي، ط١، مكتبة الثقافة الإسلامية، القاهرة، ٢٠٠٨م، ص٤٦.
٦٣  المقدسي، المطهر بن طاهر، البدء والتاريخ، ج٢، ص٤٥.
٦٤  المقدسي، المطهر بن طاهر، البدء والتاريخ، ج٢، ص٤٨.
٦٥  القمي، أبو نصر، المدخل لعلم الفلك والتنجيم، مخطوطة مكتبة الدولة ببرلين، رقم (Sprenger ١٨٤١)، ص٢٩و-٢٩ظ. وفي نسخة مخطوطة المكتبة الوطنية الفرنسية بباريس، رقم (Arabe 2589)، ص٣٥و.
٦٦  كرر هذه الفقرة مؤلِّف مجهول، هيئة أشكال الأرض ومقدارها في الطول والعرض، مخطوطة المكتبة الوطنية باريس، رقم (Arabe 2214)، ص٩.
٦٧  ابن حوقل، محمد، صورة الأرض، ج١، دار صادر، أفست ليدن، بيروت، ١٩٨٣م، ص٤٨-٤٨.
٦٨  المرجع السابق نفسه، ج٢، ص٢٥٣.
٦٩  التميمي المقدسي، محمد بن حمد، مادة البقاء، تحقيق: يحيى شعار، ط١، معهد المخطوطات العربية، القاهرة، ١٩٩٩م. ص١٩٧.
٧٠  المقدسي البشاري، أبو عبد الله محمد بن أحمد، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، ط٣، مكتبة مدبولي القاهرة، ١٩٩١م، ص١٢-١٣.
٧١  إخوان الصفا، رسائل إخوان الصفا، مجلد٢، دار صادر، بيروت، (د.ت)، ص٩٥-٩٦.
٧٢  المرزوقي، أبو علي، الأزمنة والأمكنة، تحقيق خليل المنصور، ط١، دار الكتب العلمية، بيروت، ١٩٩٦م، ص٥٢٨.
٧٣  الموسوعة العربية العالمية، مدخل «العلوم عند العرب والمسلمين»، مؤسسة أعمال الموسوعة، الرياض، ٢٠٠٤م.
٧٤  السعدي، عباس فاضل، البيروني وجهوده العلمية في الرياضيات والفيزياء، مجلة التراث العلمي العربي، العدد ١، جامعة بغداد، بغداد، ٢٠١٣م، ص١٧.
٧٥  عبد العليم، أنور، البحار في كتب البلدان، ص٥.
٧٦  ابن حزم الأندلسي، علي بن أحمد، الفصل في الملل والأهواء والنحل، ج٤، مكتبة الخانجي، القاهرة، دون تاريخ نشر، ص٥.
٧٧  خسرو، ناصر، سفرنامة، تحقيق: يحيى الخشاب، ط٣، دار الكتاب الجديد، بيروت، ١٩٨٣م، ص١٤٩.
٧٨  البكري، أبو عبيد، المسالك والممالك، ج١، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ١٩٩٢م، ص٢٠٦.
٧٩  المرجع السابق نفسه، ص٢٠٩.
٨٠  المرجع السابق نفسه، ص٢١٠.
٨١  لم نعرف من هو هذا الشخص.
٨٢  الشريف الإدريسي، محمد بن محمد، نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، ط١، ج١، عالم الكتب، بيروت، ١٩٨٩م. ص٩٣.
٨٣  الشريف الإدريسي، محمد بن محمد، نزهة المُشتاق في اختراق الآفاق، ط١، ج١، ص٩٤. وقد اقتبس هذا النص مؤلِّف مجهول لكتاب «طريق الرشاد إلى تعريف الممالك والبلاد»، ص٤و-٤ظ. وهي مخطوطة موجودة في تركيا، إسطنبول، مكتبة بايزيد العمومية (رقم ٤٦٨٩)، وتُوجَد نسخة منها في مكتبة المخطوطات في جامعة الكويت، (رقم ٤١٣١).
٨٤  سباهي زادة، محمد بن علي البرسوي، أوضح المسالك إلى معرفة البلدان والممالك‏، ص٤٣-٤٤.
٨٥  ابن رشد، تلخيص الآثار العلوية، تحقيق: جمال الدين العلوي، ط١، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ١٩٩٤م، ص٨٩.
٨٦  Glick, Thomas F. (ed.). Marina Tolmacheva, Geography, Chorography. Medieval Science, Technology, and Medicine: An Encyclopedia. Routledge, 2014, p. 188.
٨٧  البطروجي، نور الدين، كتاب في الهيئة، مخطوطة مكتبة الإسكوريـال، رقم (٩٦٣)، ص١٧ظ-١٨و.
٨٨  Dales, Richard C., The Scientific Achievement of the Middle Ages, University of Pennsylvania Press, 1973. p. 73.
٨٩  Laird, Edgar S., Robert Grosseteste, Albumasar, and Medieval Tidal Theory, Isis, University of Chicago Press, Vol. 81, No. 4 (Dec., 990), p. 687.
٩٠  ابن ميمون، موسى، دلالة الحائرين، ج٢، تحقيق: حسين آتاي، دار مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة. ص٢٩٤.
٩١  الحموي، ياقوت، معجم البلدان، ج١، دار صادر، بيروت، ١٩٩٥م، ص٢٣.
٩٢  المرجع السابق نفسه، ص٤٣٩.
٩٣  اقتبس هذه الفقرة الباكوي، عبد الرشيد، تلخيص الآثار في عجائب الأقطار، مخطوطة المكتبة الوطنية بباريس، رقم (Arabe 2247)، ص٦٥.
٩٤  اقتبس هذه الفقرة زكريا القزويني، في كتابه «عجائب البلدان»، مخطوطة مكتبة الدولة، برلين، رقم (Diez A quart. 133)، ص١٧١.
٩٥  الحموي، ياقوت، معجم البلدان، ج١، ص٤٣٩.
٩٦  ابن الجوزي، سبط، مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، ط١، ج١، تحقيق وتعليق: محمد بركات، كامل محمد الخراط، عمار ريحاوي، محمد رضوان عرقسوسي، أنور طالب، فادي المغربي، رضوان مامو، محمد معتز كريم الدين، زاهر إسحاق، محمد أنس الخن، إبراهيم الزيبق، دار الرسالة العالمية، دمشق، ٢٠١٣م، ص١١٣.
٩٧  المرجع السابق نفسه، ص١١٤.
٩٨  المرجع السابق نفسه، ص١١٤.
٩٩  ابن الجوزي، سبط، مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، ط١، ج١، ص١١٥.
١٠٠  ابن الدوَاداري، أبو بكر بن عبد الله بن أيبك، كنز الدرر وجامع الغرر، حقَّقه مجموعة من المُحقِّقين، نشره عيسى البابي الحلبي، نشر بين عامي ١٩٦٠-١٩٩٤م، ج١، ص١٨٠-١٨٢.
١٠١  القزويني، زكريا بن محمد، عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات، تحقيق ومراجعة: سعد كريم الفقي وكرم السيد الأزهري، دار ابن خلدون، الإسكندرية، (د.ت)، ص٢٩-٣٠.
١٠٢  المرجع السابق نفسه، ص١٢٦-١٢٧.
١٠٣  هارون، عبد السلام محمد، كناشة النوادر، ط١، مكتبة الخانجي، القاهرة، ١٩٨٥م، ص٥٢-٥٣.
١٠٤  يوجد هذا الاقتباس في كتابه المُخصَّص لظاهرة المد والجزر: Darwin, G. H., The tides and kindred phenomena in the solar system. Boston: Houghton, Mifflin and company.1899. p. 77-79.
١٠٥  Cartwright, David Edgar, Tides: A Scientific History, p. 6.
١٠٦  القزويني، زكريا بن محمد، آثار البلاد وأخبار العباد، ص١٢٨-١٢٩.
١٠٧  القزويني، زكريا بن محمد، آثار البلاد وأخبار العباد، ص١٣٧-١٣٨.
١٠٨  Ekman, Martin, A concise history of the theories of tides, p. 586-587.
١٠٩  الدمشقي، شمس الدين أبو عبد الله، نخبة الدهر في عجائب البر والبحر، ص٩٧-٩٨.
١١٠  المرجع السابق نفسه، ص١٤٧-١٤٨.
١١١  اقتبس هذا النص مؤلف مجهول لكتاب «طريق الرشاد إلى تعريف الممالك والبلاد»، ص١٢ظ.
١١٢  أبو الفداء، عماد الدين إسماعيل، تقويم البلدان، ص٥١-٥٢.
١١٣  النويري، شهاب الدين، نهاية الأرب في فنون الأدب، ط١، ج١، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، ٢٠٠٢ م، ص٢٤٩.
١١٤  ابن كثير، أبو الفداء، البداية والنهاية، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، ط١، ج١، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، القاهرة، ١٩٩٧م، ص٥٦. وقد أورد هذا النص مرةً أخرى في كتابه بداية خلق الكون، تحقيق: عادل أبو المعاطي، دار البشير، القاهرة، (د.ت)، ص٧٨.
١١٥  المقريزي، تقي الدين، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، ج١، ط١، دار الكتب العلمية، بيروت، ١٩٩٨م، ص١٠١.
١١٦  المقريزي، تقي الدين، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، ج١، ص١٠١.
١١٧  فاخوري، محمود وخوام، صلاح الدين، موسوعة وحدات القياس العربية، ص١٣٦.
١١٨  المقريزي، تقي الدين، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، ج١، ص١٠٢.
١١٩  المرجع السابق نفسه، ص١٠٢.
١٢٠  المقريزي، تقي الدين، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، ج١، ص١٠٣.
١٢١  المرجع السابق نفسه، ص١٠٥.
١٢٢  ابن إياس، محمد، نزهة الأمم في العجائب والحِكَم، تحقيق: عزب محمد زينهم محمد، ط١، مكتبة مدبولي، القاهرة، ١٩٩٥م، ص٧٣-٧٩.
١٢٣  وقيل سنة (٨٦١ﻫ/١٤٥٧م).
١٢٤  ابن الوردي، سراج الدين أبو حفص عمر بن المظفر، خريدة العجائب وفريدة الغرائب، تحقيق: أنور محمود زناتي، ط١، مكتبة الثقافة الإسلامية، القاهرة، ٢٠٠٨م، ص١٩٨.
١٢٥  ابن ميمي، عبد القادر، يتيمة العصر في المد والجزر، مخطوطة دائرة المعارف العثمانية، حيدر أباد الدكن، رقم (ق ع ١١٠ / ٤٢٣)، ص٣٣-٣٤.
١٢٦  لقد رجعنا إلى كتاب الإمام فخر الدين الرازي، الشهير «المباحث المشرقية في علم الإلهيات والطبيعيات»، ج٢، منشورات بيدار، قم، ط٢، ١٩٩٠م. ص١٤٣. لكن للأسف كان المبحث الخامس المُخصص لمناقشة سبب المد والجزر ناقصًا من هذه الطبعة. لذلك فإننا سنعتمِد كليًّا على ما أورده ابن ميمي من آراء للرازي تتعلق بتفسيره لظاهرة المد والجزر في البحار.
١٢٧  ابن ميمي، عبد القادر، يتيمة العصر في المد والجزر، ص٣٥-٣٦.
١٢٨  المرجع السابق نفسه، ص٣٩.
١٢٩  المرجع السابق نفسه، ص١٠١.
١٣٠  المرجع السابق نفسه، ص١٠١.
١٣١  Cartwright, David Edgar, Tides: A Scientific History, p. 26.
١٣٢  لم نجد شخصية بهذا الاسم حرفيًّا، فربما يكون المقصود بها كيكاوس، وهو من أبرز شخصيات الشاهنامة والأفستا، حيث ذكر اسمه في الأساطير الدينية الهندية والإيرانية. وهو الملك الثاني من الكيانيين وهو ابن كيقباد في الشاهنامة، وفي كتب أخرى أنه حفيده أو ابن أخيه. أو ربما يكون طيماوس وهو فيلسوف يوناني فيثاغوري من القرن الخامس ق.م.
١٣٣  ابن ميمي، عبد القادر، يتيمة العصر في المد والجزر، ص١١٧-١١٨.
١٣٤  المرجع السابق نفسه، ص١٥٦.
١٣٥  انظر المقالة بقلم الزهاوي نفسه عن الجاذبية، مجلة العلم، ج٨، مجلد ٢، النجف، ١٩١٢م، ص٣٤٦ وما بعد.
١٣٦  الميل المُستخدم هنا يقصد به الميل الأمريكي ويعادل ١٦٠٠ متر.
١٣٧  الزهاوي، جميل صدقي، المد وتعليله، مجلة العلم، ج٨، المجلد ١، العدد ١، النجف، ١٩١٠م، ص٣٤٢-٣٤٣.
١٣٨  تعادل وحدة القدم٣٠ سنتيمترًا.
١٣٩  الزهاوي، جميل صدقي، المد وتعليله، ص٣٤٣-٣٤٤.
١٤٠  المرجع السابق نفسه، ص٣٤٥.
١٤١  الزهاوي، جميل صدقي، المد وتعليله، ص٣٤٥-٣٤٦.
١٤٢  كتاب يشتمل على الآثار العلوية، كتاب ضمن مجموع، [Ahlwardt no. 7543; We1813]، في مكتبة الدولة ببرلين، ص٩٨-١٠٩.
١٤٣  هذا التاريخ اجتهاد من عندنا، كون ثابت بن قرة ظهر بين القرنين التاسع والعاشر الميلاديين، وكون الحديث عن الحرانيين والصابئة لم يظهر قبل القرن التاسع الميلادي.
١٤٤  يعتقد بول كراوس أنه من أهل حران الموجودين في بغداد.
١٤٥  يقول عبد الرحمن بدوي: «إن الكتاب منحول قطعًا، وهو في علم الصنعة أو الكيمياء القديمة التي يُراد منها تحويل المعادن الخسيسة إلى معادن شريفة، وخصوصًا الذهب. وقد زعم واضعه أنه لأفلاطون، وبشرح أحمد بن الحسين بن جهار بختار لثابت بن قرة.» عن: الأفلاطونية المُحدثة عند العرب، كتاب الروابيع، الرابوع الثالث، ص١٥٣.
١٤٦  بدوي، عبد الرحمن، الأفلاطونية المُحدثة عند العرب، كتاب الروابيع، وكالة المطبوعات، الكويت، ١٩٧٧م. ص١٥٣.
١٤٧  سزكين، فؤاد، تاريخ التراث العربي «أحكام التنجيم والآثار العلوية»، ط١، المجلد ٧، ترجمة: عبد الله حجازي، جامعة الملك سعود، الرياض، ١٩٩٩م، ص٤٢٧-٤٢٨.
١٤٨  مؤلف مجهول، المدخل في علم أحكام النجوم، مخطوطة المكتبة الوطنية الفرنسية بباريس، رقم (Arabe 6224)، ص٢٥و. هذه المخطوطة عبارة عن مجموع رسائل، لكنها وضعت بهذا العنوان ربما ليظن القارئ أنه كتاب «المدخل الكبير» لأبي معشر الفلكي البلخي، لكنه يختلف تمامًا عنه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤