الفصل الرابع

تفسير ظاهرة المد والجزر عند الأوربيين

مقدمة

اشتقت المصطلحات الإنجليزية لظاهرة المد والجزر من اللغة الألمانية لأهل شمال أوروبا. حيث تُشير كلمة (tide) الإنكليزية إلى فترة من الزمن. وقد كان لاندفاع وانحسار البحر أثر عميق على حياة سكان السواحل الأوروبيين الأوائل، فأملى عليهم مواقيت الإبحار وصيد السمك. أما كلمة الربيع (spring) فمُشتقة من الفعل (springen) ومعناه تدفق، وليس من اسم الفصل، أما كلمة مُحاق (neap) فمشتقة من الألمانية القديمة وتعني (الخفيض).١
كما اشتُق مصطلح «المد الربيعي» من أعظم مدٍّ وجزر في السنة، والذي يحدث في الاعتدال الربيعي والخريف. في هذه الأوقات، يتزامن الحضيض القمر (القمر الأقرب إلى الأرض) والاعتدال (الشمس مباشرة في خط الاستواء) لتشكيل المد الربيعي.٢
لم يكن الكتاب والمؤلفون الأوربيون يملكون نظريةً علميةً في فترة عصورهم المظلمة؛ ولذلك فقد استند فَهمهم لظاهرة المد والجزر في المقام الأول على أعمال الفلكيين المسلمين،٣ وخصوصًا الكندي وأبو معشر البلخي والبطروجي، والتي أصبحت متاحةً لهم من خلال الترجمات اللاتينية ابتداءً من القرن الثاني عشر للميلاد.

(١) المبحث الأول: علماء القرن ٨م

اهتمَّ بيدا المكرَّم (توفي ٧٣٥م) Bede the Venerable بالمد والجزر الكبير حول بريطانية، حيث تعلم الرهبنة الإنكليزية. في بداية القرن الثامن اكتشف بيدا الطور الأخير لمدي المحيط، مُدركًا بأن كل ميناء كان لدَيه طور مدِّي خاص به. أما بالنسبة لسبب المد والجزر فقد كان الرأي بأن الجزر يحدُث من خلال نفخ القمر على الماء، وأما المد فمن خلال تدفُّقٍ عندما يتحرك القمر قليلًا.٤ وقد كتب بيدا في القسم التاسع والعشرين من «أوبرا تيبو ريبوس Opera de Temporibus» (عام ٧٠٣م)، تحت عنوان «حول تجانس البحر والقمر والنجوم»: «إن الشيء الأكثر روعةً من كل ذلك هو اتحاد المحيط مع مدار القمر. عند كل بزوغ وكل أُفول للقمر يُغطي البحر بعنفٍ الساحل البعيد والعريض، إنه فجأةً يُرسل تيارًا شديدًا يدعوه اليونانيون «ريوما reuma»، وعندما يتراجع هذا التيار الشديد نفسه فإنه يُعري الشواطئ، وفي آنٍ واحد يمزج التدفُّقات في حالتها وكميتها الأصلية من النقاء. إنه كما لو أن القمر تنفَّس قليلًا فراح يسحب المياه بشكلٍ غير مُتعمد، ومن ثم يعود إلى مستواه العادي عندما يتوقف نَفَسُ هذا التأثير.» يتبع تفسير بيدا حول سلوك المد والجزر عبر الزمن نمط العبارات اليونانية والرومانية، لكن دون أخطاء واقعية وبشكلٍ سردي أكثر. على سبيل المثال: يُشير بأنه خلال اثني عشر شهرًا قمريًّا من ٣٥٤ يومًا يرتفع المد وينحسر ٦٨٤ مرة. إلا أن مساهمة بيدا الأكثر أصالة الجديرة بالملاحظة، هي التفسيرات المحلية عن حالتَي المدِّ والجزر حول بريطانية، حيث إن المد العالي لا يحدُث في آنٍ واحد في جميع السواحل: «لأننا نحن نستوطِن مختلف سواحل البحر البريطاني نعرف أي مدٍّ يبدأ بالانتفاخ، وأي جزر يتراجع في آنٍ واحد.» ويُضيف «لكن بخصوص المدِّ نفسه على الشريط الساحلي، فإن الذين يقطنون إلى الشمال منَّا سيرَون كل مدٍّ وجزر بحري يبدأ كلاهما وينتهيان أبكرَ بكثيرٍ مما أرى أنا، بينما في الحقيقة أولئك الذين في الجنوب سيرَونه متأخرًا كثيرًا.» هذا الاعتراف عن الخاصية ذات الشبَه بالموجة التقدُّمية للمد والجزر، تكون واضحةً أكثر في شواطئ البحار حول بريطانية مما هي عليه حول الساحل المحيطي لشبه الجزيرة الإيبرية Iberain (إسبانيا والبرتغال)، وهو بذلك يُبطل افتراض بعض المؤلِّفين اليونانيين واللاتين بأن المياه تنتفخ في آن واحد في جميع البحار. كما طرح أيضًا مسألة: متى يحدث «المد العالي» في مكان مُعين لدى مرور القمر؟٥

(٢) المبحث الثاني: علماء القرن ١٣م

(٢-١) جيرالد الويلزي

تأثر جيرالد الويلزي (توفي حوالي ١٢٢٣م) Gerald of Wales بكتابات غروستيست عن المد والجزر وجمع بعض البيانات المُهمة عن ظاهرة المد والجزر التي تحدُث قبالة شواطئ إنكلترا وإيرلندا، ومع أنه لاحظ علاقتهما بحركة القمر، إلا أنه لجأ إلى نظرية الدوَّامة المائية Maelstrom (أو الدُردُور كما تُسمَّى في الجغرافيا العربية)، ليفسرها.٦ بمعنى أنه لم يربطها بجاذبية القمر.
figure
خريطة [رسمها أولوس ماغنوس (توفي ١٥٥٧م) O. Magnus عام ١٥٣٩م] تصور دوامة مائية على مقربة من النرويج، والتي قد تتسبَّب بغرق السفن وكل من يقترِب منها، وهي برأي جيرالد الويلزي السبب في حدوث المد والجزر وليس القمر. (مصدر الصورة: https://en.wikipedia.org/wiki/Whirlpool.)

(٢-٢) روبرت غروستيست (القرن ١٣م)

تبنَّى روبرت غروستيست (توفي ١٢٥٣م) R. Grosseteste الآراء والتفاسير التي قدَّمَها كل من الكندي والبطروجي أبي معشر البلخي عن المد والجزر، وذلك في رسالته «التحقيق في أسباب المد والجزر».٧،٨
حيث إنه فسر ظاهرة المد والجزر الملحوظة بشكلٍ واضح، وبعيدًا عن نظرية الجاذبية. وقد افترض أن كمية الضوء القادمة من القمر والزاوية التي أشعتها تسقط على البحر هي التي فسرت التفاوتات في ارتفاع المد وانحسار الجزر، وأن الانتفاخ المدي الذي كان يُسبِّبه ضوء القمر كان يُطلق مادة غازية كانت تنحصر تحت الماء.٩

ولدى مقارنتنا بين تفسيره وتفسير البطروجي وجدنا أنه اعتمد عليه كليًّا، كما أننا قارنا بين الأسباب الثمانية المؤثرة في قوة المد وضعفه والتي عدَّدها في رسالته، وبين الأسباب التي أوردها أبو معشر البلخي وجدنا أيضًا أنه قد اعتمدها نفسها. بناءً على ذلك فإن رسالة غروستيست لا تُعد في مُجملها أكثر من تجميع بين آراء العلماء العرب وتفسيراتهم لظاهرة المد والجزر، ومن ثم نقلها للغة اللاتينية.

(٣) المبحث الثالث: علماء القرن ١٦م

بعد إعادة اكتشاف أمريكا، اقترح العالم الإيطالي يوليوس قيصر سكاليجير (توفي ١٥٥٨م) J. C. ScaIiger، في عام ١٥٥٧م بأن المد والجزر لم يكن سببهُما القمر فقط، بل أيضًا ماء البحر الذي يتأرجح بين شواطئ أمريكا وأوروبا. لعلَّه اقترح هذا من خلفية الظواهر المُتكررة التي كانت معروفة آنذاك بأنها تحدُث في بعض البحيرات الكبيرة في سويسرا.١٠
ونلاحظ أنه كانت لدى سكاليجير أفكار حول تفسير المد والجزر اعتمادًا على الجاذبية، مثل العلماء العرب،١١ حيث إنه استخدم تشبيه المغناطيس والحديد. كما أنه شبَّه حركة المد والجزر المتكررة بانقباض وتوسُّع القلب. وتحدَّث سكاليجير عن المد والجزر في المحيط المُتجمد الشمالي، وحول بريطانية العظمى، في البحر الجنوبي، والبحر الأدرياتيكي، والبحر الأحمر، ونهر إندوس، ونهر غارون، ويوريبوس، وأماكن أخرى؛ وحاول تحديد أسباب خصائصها. وهو يعتقد أن امتداد القارة الغربية الطويل هو السبب في تناوب التدفُّق والانحسار. وكما هو الحال مع معظم الكتاب الأوائل، كان سكاليجير يجد صعوبةً في حساب مقدار الانحسار؛ أي لماذا ينحسر البحر؟ ليس فقط بسبب كراهية الشواطئ ورد الجميل، ولكن أيضًا لأنها تتبع القمر. إن الأمر يختلف عن حركة المحيط.١٢

(٤) المبحث الرابع: علماء القرن ١٧م

(٤-١) وليم جيلبرت

النظرية الشعبية الأولى التي نالت قبولًا حسنًا في المُجتمع العلمي الأوربي، والمعقول لتفسير ظاهرة المد والجزر كانت تلك التي اقترحها الفيزيائي البريطاني وليم جيلبرت (توفي ١٦٠٣م) W. Gilbert، رائد البحث التجريبي في المغناطيسية والكهرباء الساكنة؛ إذْ إن اكتشاف جيلبرت الأكبر هو أن الأرض تعمل مثل مغناطيس كبير، والذي نشره في أثناء حياته. أما في عمله المنشور بعد وفاته في ١٦٥١م، وهو بعنوان «الفلسفة الجديدة لعالَمنا تحت القمر»، فقد مضى فيه بعيدًا ليقترح بأن الكواكب موجودة في مداراتها حول الشمس وذلك بوساطة الجذب المغناطيسي المُتبادل، وما حالتا المد والجزر إلا عبارة عن ظاهرة للجذب المغناطيسي بين الأرض والقمر. وعلى خلاف النظريات المدية اللاحقة لجاليليو جاليليه (توفي ١٦٤٢م) Galileo Galilei ورينيه ديكارت (توفي ١٦٥٠م) R. Descartes، فإن اقتراح الجذب المغناطيسي أقرب بشكلٍ جدير بالملاحظة من قانون إسحق نيوتن عن الجاذبية. إلا أن جيلبرت لم يكن لدَيه خبرة عن حركة الأجسام؛ لذا فإنه كان عاجزًا عن اقتراح ما يمنع الكواكب من السقوط في الشمس، أو سقوط القمر في الأرض، ناهيك عن دورية المد والجزر مرتَين يوميًّا.١٣ كما أكد جيلبرت، في فلسفته الجديدة، أن المد والجزر ينتج عن قوة القمر المغناطيسية وليس بواسطة أشعته أو نوره.١٤

وسبق أن وجدنا أن ابن ميمي البصري قد قدم اقتراحًا مُماثلًا، ربما يكون هناك نوع من التزامُن بين الطرحَين، أو أن أحدهما عرف عن اقتراح الآخر عبر الترجمة، لكننا لا نُرجح الاحتمال الثاني لعدم الإشارة لذلك في أعمال الاثنين.

(٤-٢) فرانسيس بيكون

فسر فرانسيس بيكون (توفي ١٦٢٦م) F. Bacon حدوث الفعل المُتبادل بين المد والجزر مرةً واحدة كل ستِّ ساعات وفق الطريقة الآتية: لنفترض بشكلٍ خاطئ أن الأجرام السماوية لا تقتصر على كونها مجرد أجرام سماوية فحسب، وإنما تتحرَّك حول الأرض من الشرق إلى الغرب خلال أربع وعشرين ساعة، ونظرًا لكون البحر مائعًا، فإنه سيتحرك أيضًا في الاتجاه نفسه وأنه سوف يتحرك مع الأجرام السماوية بالكامل في جميع أنحاء الأرض. ولكن حقيقة حركة الأرض قد تمَّ فحصها في نصفي الكرة الأرضية، في العالَم القديم والعالم الجديد، والتي امتدَّت عبر ما يقرُب من ثلاث مناطق من العالم، وقد كانت تتصرَّف مثل المتراس. ويُولِّد هذا، كما يقول بيكون، ردَّ فعلٍ مزدوج على كتلة المياه بأكملها، مما يجعل انحسارها وتدفُّقها مرتَين يوميًّا واضحًا.١٥
لقد عُرف عن بيكون أنه بحَّار، وكان مستشار إنكلترا تحت إشراف كلٍّ من إليزابيت الأولى وجيمس الأول. بالإضافة إلى براعته الفائقة كرجل دولة، فقد كان بيكون أيضًا مُتعدِّد المواهب والثقافات وهاوي تحقيقٍ علمي، حيث إنه كتب مقالةً «حول مد وجزر البحر»،١٦ فيها إطناب بعض الشيء، لكنها مُثيرة برفضها للنظريات القديمة التي بدت غير معقولةٍ في ضوء القياسات المعروفة في عصره. ونظرًا لكون الإجراءات غير كافية، فقد حدَّد بيكون بشكلٍ جليٍّ أين ينبغي لها الإكمال أو الإضافة.١٧
لقد كان بيكون يعتقد أن الأرض ستظل ثابتة في حين أن كل الكون الخارجي، بما في ذلك الهواء ومياه البحر، يميل غربًا، والأجرام السماوية تتحرك بسرعةٍ أكبر بكثير من الهواء أو مياه البحر. وكان يعتقد أن القارتَين تُعرقلان مياه المد والجزر، بحيث يتقدَّم بها بشكل مُوحَّد ولكن ببطءٍ من الشرق إلى الغرب حول الأرض، وأن حركتها التقدُّمية تتحوَّل إلى حركةٍ تدوم نصف يوم القمر فيها؛ أيضًا، بسبب هذه الحركة باتجاه الغرب، يجب أن يكون لتلك الخلجان المفتوحة شرقًا مدًّا أكبر من الأجسام المُماثلة التي تفتح غربًا.١٨

(٤-٣) يوهانس كبلر

كان عالم الرياضيات والفلكي الألماني يوهانس كبلر (توفي ١٦٣٠م) J. Kepler مهتمًّا بالقمر طوال حياته. وقد قضى معظم حياته الأكاديمية يدرس حركة الكواكب التي قادته للافتراض أن المدارات الإهليلجية تُفسر أرصاد الكواكب بشكلٍ أفضل، كما زاوَجَ بين علم الكون الأرسطي والكوبرنيكي. وقد ضمن له هذا الاكتشاف العلمي المُهم مكانةً في تاريخ العلم بوصفه عالمًا عظيمًا.١٩
وقد تناول كبلر — قبل نيوتن — فكرة التجاذُب ومجال الجاذبية والقانون الناظم لقوة التجاذب، وإن كان غير صحيح، إلا أنه شعر بضرورة وجود قانون يُمكننا من خلاله وصف هذه القوة. ولو قارنَّا كلامه بكلام العلماء العرب في مجال الجاذبية، فلن يختلف كثيرًا، اللهم إلا في فكرة النسبة العكسية.٢٠
كتب كبلر يقول: «تُثبت الملاحظة أن كل شيءٍ يحوي رطوبة ينتفخ عندما يكبر القمر وينكمش حين ينحسر أو يتضاءل القمر.» وبعد ذلك صحَّح هذا الرأي قبل الأطروحة النيوتونية المُتوقَّعة، حيث قال: «لا يتصرَّف القمر كنجمٍ رطب، بل ككتلة مُشابهة لكتلة الأرض، إنه يجذب مياه البحر ليس لأنها سوائل، بل لأنها ذات خاصيةٍ لدَيها مادة أرضية لها جاذبيتها الخاصة بها.» هذا التجاذب تبادلي، «فإذا كان من المُستحيل أن يتأثر كل من الأرض والقمر بقوة مادية أو بقوةٍ مُتساويةٍ ما، فكلٌّ منهما في مداره، عندها سترتفع الأرض نحو القمر والقمر سيهبط نحو الأرض إلى أن يندمج هذان الجرمان. وإذا امتنعت الأرض عن جذب المياه التي تُغطي بها نفسها، فسترتفع كل أمواج البحر وتجري باتجاه جسم القمر.» وبالعودة إلى الأطروحة التي طرحها قبل ذلك كل من كالكاجيني وجاليليو عن مدِّ وجزر البحر والتي تم توضيحها بالحركة النسبية الآتية: تدور الأرض من الشرق إلى الغرب وفي الوقت نفسه تحركها السرعة v الانتقالية. عند a تُضاف الحركتان سوية عند b وهما تميلان للتوازن (كما هو موضح في الشكل الآتي). وبسبب قصورهما الذاتي، فإن مياه البحر تتبع هذه الحركة تمامًا. وبسبب هذا التأخُّر، فإن الجزر يحدُث مرتَين مع هذا، إذا تمَّ تركيب الحركتَين بشكلٍ تام، فسيكون لديهما فترة دوران الأرض. لهذا يئول جاليليو ظاهرة المد كدليلٍ على حركة الأرض، في حين يتمسَّك مُناوئو النظام الكوبرنيكي بالانجذاب القمري.٢١
figure
شكل يوضح حركة الأرض حول نفسها. (مصدر الشكل: Dugas, Rene, A History of Mechanics, p. 214.)
من الواضح أن كبلر كان مُتأثرًا باكتشاف وليم جيلبرت الأخير عن الحقل المغناطيسي للأرض، حول تفسيره للمد والجزر.٢٢ لكن كبلر في البداية كان يُشبِّه المد — كما ورد في القسم الرابع من كتابه (Harmonics) ١٦١٩ — بتنفُّس الحيوانات الأرضية وخاصة تنفُّس الأسماك؛ لكنه لم يلبث أن تخلَّى عن وجهةِ نظره هذه لاحقًا مرةً أخرى.٢٣

(٤-٤) جاليليو

فسر جاليليو جاليليه ظاهرة المد والجزر اعتمادًا على حركة الأرض، وليس على وجود تأثير للقمر. بمعنى أنه يُوجَد عطالة في حركة الماء تجعله يتحرَّك بسرعةٍ أقل من سرعة حركة الأرض حول نفسها، «ولذلك يتكوَّم الماء عاليًا ثم يعود فيهبط مرة ثانية، كما يظهر في زهرية من الماء حُرِّكَت بسرعة.» وقد ردَّ عليه فرانسيس بيكون بقوله: «بُني هذا على افتراضٍ لا يصحُّ أن يفترض (وهو أن الأرض تتحرك)، ودون أن يُحيط علمًا بحقيقة حدوث المد كل عدة ساعات.»٢٤
والواقع أن جاليليو حاول أن يُفسِّر المد والجزر على أنه نتيجة دوران الأرض حول نفسها مع دورانها حول الشمس. وهو ما يشرح لنا حدوث مدٍّ مُرتفع واحد في اليوم، لكن هناك مناطق كثيرة في أوربا يحدُث فيها مدَّان في اليوم الواحد،٢٥ وبالتالي فإن فرضيته كانت قاصرة عن الإجابة.
وقد كان غاليليو مستغربًا كيف لشخصٍ مثل كبلر العظيم «أن يهتم بتأثير القمر على الماء، وفي ظواهر خفية أخرى، وبطريقة صبيانية». كان يعتد غاليليو بنفسه، ويعتبر نفسه المدافع عن النظرية الكوبرنيكية لدوران الأرض.٢٦
figure
مخطط يوضح نظرية جاليليو عن حالتي المد الجزر، B هي حوض البحر الصغير الذي يدور مع الأرض، والمركز E، والذي يدور بنفسه حول الشمس عند S (حسب النظام الكوبرنيكي). سرعة B نسبة إلى S هي أكبر عندما موقع B_1 مما هي عليه عند الموقع B_2. لهذا (حسب جاليليو)، يواجه البحر دورة يومية من التسارُع حيث يُسبب موجات (المد والجزر) مثل أمواج الماء التي يولدها الزورق المُتسارع. (مصدر الصورة والتعليق: Cartwright, David Edgar, Tides: A Scientific History, p. 29.)
نشر غاليليو أفكاره عن المد والجرز أولًا في عام ١٦١٦م في (دراسة عن مد وجزر البحر)،٢٧ لكن هذه الدراسة نشرت فيما بعد (مع بعض التغيرات الطفيفة الكلامية) في حواره الطويل (حوار حول النظامين العالميين، البطليموسي والكوبرنيكي) حيث كانت حالات المد والجزر موضوع «اليوم الرابع».٢٨
وقد حظِيَت نظرية جاليليو بالاعتراف من قِبل عددٍ من العلماء لاحقًا. فقد تبنَّى فكرته عالِم الرياضيات والفيزياء بيير غاسندي (توفي ١٦٥٥م) P.Gassendi في كتابه De Aestu Maris كما أن عالم الفلك جيوفاني باتيستا ريتشيولي الإيطالي (توفي ١٦٧١م) G. B. Riccioli شرح نظام جاليليو باستفاضةٍ كبيرة؛ وفيما بعد مضت محاولات جان بابتيست باليانوس J. B. Balianus وجون واليس (توفي ١٧٠٣م) J. Wallis في هذا الاتجاه. وقد كان فورنييه في بعض الأحيان، في كتابه Hydrographie، يستأنف نظرية جاليليو بصيغتها المُعدلة من قبل غاسندي، لكنه لم يكن راضيًا تمامًا عنها.٢٩

(٤-٥) رينيه ديكارت

كما نعلم أن المُرتكز الرئيس في فلسفة رينيه ديكارت هو أنه لا يُوجد خلاء في الطبيعة. وقد فسَّر الجاذبية كما يأتي: لما كانت أجزاء السماء المُحيطة بالأرض تدور بسرعة أشدَّ مما تفعله أجزاء الأرض، فإن أجزاء السماء تميل للخروج عن مجراها بقوةٍ أشدَّ من أجزاء الأرض أيضًا، لكن ما يمنعها من ذلك هو عدم وجود خلاء في الطبيعة، أي خلف مادة السماء نفسها، وبالتالي لن يخرج أي جزء من هذه المادة عن مجراه دون أن يحلَّ محله جزء آخر. وبالتالي فإنه من المحال أن تخرج أجزاء الأرض عن مسار حركتها، وهذا هو السبب في تماسُك أجزاء الأرض مع بعضها بعضًا، أو ما يُعرف بالجاذبية.٣٠
ونظرًا لكون الهواء والماء المُحيطين بالأرض سائلين، فمِن البديهي أنَّ القوة نفسها التي تشدُّ الأرض، أي دوران مادة السماء، هي التي تخفض هذَين الجسمَين نحو النقطة «ر» على الشكل، ليس من جهة (٦، ٢) فحسب، وإنما من الجهة المقابلة (٨، ٤)، وترفعهما بالمُقابل في المواضع (١، ٥) و (٧، ٣)، بحيث إنه مع بقاء سطح الأرض مُستديرًا، بسبب صلابته، يجب أن يتشكَّل سطح الماء والهواء السائلان بشكل إهليلجي. وللقمر دور في تشكيل أقصى مدٍّ وأقصى جزْر خصوصًا عندما يكون في طور البدر وفي طور الهلال.٣١
figure
تشكُّل المد والجزر في البحر حسب ديكارت. حيث إن الهواء يُمثل (٥، ٦، ٧، ٨)، والماء (١، ٢، ٣، ٤)، وهما يُحيطان بالأرض، ويقع القمر في النقطة (ب)، وتُحيط السماء الصغيرة (أ، ب، ﺟ، د) بالجميع. (مصدر الصورة والتعليق: ديكارت، رينيه، العالم أو كتاب النور، ص١١٢، ١١٧.)
لقد افترض ديكارت، في عام ١٦٤٤م، أن كلًّا من القمر والأرض مُحاطان بدوَّامة كبيرة. الضغط الذي تُمارسه دوامة القمر على ذلك لدى الأرض كان مُنتقلًا إلى سطح الأرض، حيث يُسبِّب المد والجزر. على أي حال، نظرية الدوامات توقَّعَت الجزر بشكلٍ خاطئ عندما كان يُوجَد فعلًا مدٌّ عالٍ، مع أنه لا بد من الاعتراف أن الصورة كانت مُعقدة جدًّا بسبب الطور الأخير لمد وجزر المحيط.٣٢
ووفقًا لنظرية الدوامة الديكارتية، فإن الشمس، التي تقع في مركز النظام الشمسي ويُحيط بها سائل لا حدود له (أثير)، تقوم عن طريق دورانها المحوري، بإطلاق طبقة المائع المجاورة لها؛ حيث تُضفي هذه الطبقة حركتها على الطبقة المجاورة؛ وهذا بدوره ينتقل إلى التالي، وهلمَّ جرًّا إلى الأجزاء البعيدة من الفضاء. فالكواكب الموضوعة في طبقات السائل الخاصة بها تحمل بهذه الطريقة الشمس. وبالمثل، فإن كل كوكب، بسبب دوَرانه المحوري، هو مركز نظام دوَّامة ثانوي. وعلى هذا، لا يقتصر الأمر على الأقمار التي تُحيط بالكوكب، ولكن أيضًا على الهواء والماء المحيط به. وعن طريق السائل المُتداخل، يفترض أن القمر يُمارس ضغطًا على الغلاف الجوي وينتج المدَّ والجزر بطريقةٍ ما عندما يكون على خطِّ الطول ويكون الماء عاليًا عندما تكون ٩٠ درجة بعيدة. وهو يفترض أن المدَّ والجزْر في فصل الربيع يرجع إلى اقتراب القمر من الأرض وهو في حالة انجذاب، وأن المدَّ والجزر المُقرب يرجع إلى تراجعهما عن الأرض عندما تكون الأرض في التربيع. لقد مارسَت نظرية الدوَّامة الديكارتية تأثيرًا كبيرًا على المجتمع العلمي لنحو مائة عام. كان آخر تكريم حصل عليه أنطوني كافاليري (توفي ١٧٦٥م) A. Cavalleri من أكاديمية العلوم في باريس في عام ١٧٤٠م عندما تلقَّى مقاله جائزةً مع مقالات دانيل بيرنولي (توفي ١٧٨٢م) D. Bernoulli وكولين ماكلورين (توفي ١٧٤٦م) C. Maclaurin وليونارد أويلر (توفي ١٧٨٣م) L. Euler. كما تأثر بنظرية ديكارت في المد والجزر الجغرافي الألماني برنارد فارين (توفي ١٦٧٠م) Bernhard Varen ونشرها في كتابه (الجغرافيا العامة Geographia Generalis) مع بعض التعديل.٣٣

(٤-٦) روبرت موراي

شك روبرت موراي (توفي ١٦٧٣م) R. Moray في الافتراض القائل بأن زيادة المد والجزر من الجزر المُحاقي إلى الربيعي تتبع قانون الجيوب بشكلٍ كامل. وأشار إلى أن الشذوذات في الوقت الذي يتطلَّبه القمر للانتقال من الهلال إلى البدر، أو العكس، ستحول دون أي قانون دقيق في هذا الشأن. كما اقترح ما قد يكون أول مقياس صندوقي أي مقياس بطوافة. ومن بين الأشياء الأخرى، كان يُوصي بمراقبة ارتفاع المد وسرعة التيار كل ١٥ دقيقة؛ وكذلك الارتفاعات الدقيقة للمياه العالية والمُنخفضة؛ واتجاه وسرعة الرياح. حالة الطقس، بما في ذلك القراءات البارومترية. وعلى هذا ستستمرُّ سلسلة القياس لعدة أشهر أو بالأحرى سنوات.٣٤

(٤-٧) توماس براون (القرن ١٧م)

عرض توماس براون (توفي ١٦٨٢م) T. Browne في عمله (Pseudodoxcia) تفسيره للمد والجزْر بأن القمر يؤثر على المياه، «ليس بعمليةٍ بسيطة على مناطق سطحية أو أعلاها، وإنما من خلال إثارة أرواح نترات الكبريت والأجزاء التي تعود بشكلٍ مُرتب ومُنتفخ إلى القاع.» وكذلك ترتفع المياه وتسقط وفق حركة القمر من الذروة للقاع. وعبَّر عن رأيه بالقول: «لهذا فإن بعض البحار تتدفَّق أعلى من بحارٍ أخرى وفق ما يكفي من هذه الأرواح، في قوامها التحت مائي؛ لذلك فإن مدَّ وجزر البحر يُحدِّده فورًا المُركَّب الكيميائي للماء، وبشكلٍ غير مباشر، التأثير الفيزيائي للقمر.»٣٥ ونلاحظ أن نظريته لا تختلف كثيرًا عن نظرية الكندي وبعض العلماء العرب الذين اقترحوا أن القمر يُرسِل أشعة نوره فتُسخِّن قاع البحر ويحدُث المد والجزر.

(٤-٨) إسحاق فوسيوس

زعم الهولندي إسحاق فوسيوس (توفي ١٦٨٩م) I. Vossius في كتابه المعنون De Motu Marium et Ventorum، أن المد والجزر ينتج عن حرارة الشمس، وأن ارتباطهما الظاهري بالقمر ليس سوى تزامُنٍ غير سببي.٣٦

(٥) المبحث الخامس: علماء القرن ١٨م

(٥-١) جون واليس

اقترح عالم الرياضيات الإنكليزي جون واليس في عام ١٦٦٦م نسخة مُطولة لنظرية جاليليو. حيث إن التذبذُبات المدِّية التي تنشأ من دوران الأرض، لا تنجم فقط عن حركة الأرض حول الشمس، بل أيضًا عن حركتها حول مركز جاذبية نظام الأرض-القمر. وبذلك حاول واليس أن يُضمِّن تأثير القمر في نظرية أهملَتْ تأثيره. لقد كان الوضع برمَّته مُربكًا جدًّا؛ فإذا لم يتحكَّم القمر والشمس بالمدِّ والجزر، فكيف يفسر المرء الأرصاد؟ وإذا كانت الأرصاد صحيحة، كيف يُفسر المرء أن القمر والشمس استطاعا أن يتحكَّما بالمد والجزر على الأرض؟٣٧
وضع واليس مناقشته عن حالات المد والجزر في مقالة نشرتها (جمعية لندن الملكية لتقدُّم المعرفة العلمية) عام ١٦٦٣م، وهي حديثة العهد. وقد كان واليس مُستعدًّا لمجاراة جاليليو في إدراك أهمية التغيُّرات في السرعة المُطلقة سوية مع المدار ذي الدوران المحوري، لكنه كان مُهتمًّا بشكلٍ جدِّي — مع أن جاليليو لم يكن كذلك — بعلاقة حالات المد والجزر بالقمر.٣٨

(٥-٢) جون فلامستد

نشر جون فلامستيد (توفي ١٧١٩) J. Flamsteed (في الإجراءات الفلسفية) جدولًا عن المد والجزر يُعطي أوقات ارتفاع المياه في جسر لندن لعام ١٦٨٣م، واستمرَّ بنشر هذه الجداول لعدة سنوات مُتتالية. كما صحَّح جداول هنري فيليبس H. Philips من الأرصاد التي قام بها. بعد حوالي عام نشر فلامستيد جدولًا للاختلافات في المدِّ والجزر ليتمَّ تطبيقه على المد والجزر في لندن.٣٩

(٥-٣) إسحاق نيوتن

حل إسحاق نيوتن مسألة المد والجزر في القضية ٢٤ من كتابه «المبادئ» وأثبت أن المدَّ والجزر ينشآن من تأثير الشمس والقمر.٤٠ وهو يرى أن خطوط قوة الجاذبية (حقل الجاذبية) تنتشِر في الفضاء من مصدرها في الأجسام الكبيرة. وعندما تنتشِر هذه الخطوط عبر كرة الأرض، فإنها تخلق قوى مدٍّ إضافية إلى قوة الجاذبية. وقد أطلق على هذه النظرية اسم «النظرية الساكنة» للمد والجزر.٤١
figure
حسب نظرية نيوتن فإن قوى المد التي تظهر على الأرض ناجمة عن القمر. ويظهر هذا النموذج عندما نطرح متوسط قوة الجاذبية على سطح الأرض من الاختلافات الناجمة عن خطوط الحقل المنتشرة. وهي عبارة عن قوى مدٍّ تدفع بعيدًا عن مركز الأرض إلى مسارٍ يصِل القمر بالأرض. وهناك قوى مدٍّ تدفع باتجاه مركز الأرض بشكلٍ عمودي على محور القمر-الأرض. (مصدر الصورة والتعليق: هوث، جون إدوارد، الفن الضائع ثقافات الملاحة ومهارات اهتداء السبيل، ص١٣٩.)

(٥-٤) إدموند هالي

لاحظ إدموند هالي (توفي ١٧٤٢م) E. Halley علاقة انحراف القمر والمد والجزر في تونكوين Tonquin، والتي أظهرت ملاحظات المؤرخة الأمريكية فرانسيس دافنبورت F. Davenport أنها كانت نهارية. لكن القانون الذي اقترحه للتأكُّد من ارتفاع المياه العالية أو المنخفضة في خطوط الطول المُختلفة للقمر، غير صحيح بشكلٍ واضح. وفي المناقشة نفسها، اقترح وجود عدم مساواة في «نطاق المد الربيعي» (أي نطاق مدار كبير) الذي يعتمِد على ميل مدار القمر على مستوى خط استواء الأرض. وفي عام ١٦٩٧م، استرعى هالي الانتباه إلى تميُّز مبدأ نيوتن في شرح سبب ظواهر المد والجزر. حيث إنه لاحظ أن قوة القمر المُزعجة ستؤدي إلى أن يُصبح سطح الكرة المُحيطي كرويًّا، وأن الشمس والقمر لهما آثار مُماثلة، وأن المد والجزر الربيعي يتوافق مع القمر وهو في طوري الهلال والبدر. وأن المد والجزر الربيعي مُتساوي الطول هو الارتفاع، لكن قرب الشمس في فصل الشتاء يحلُّ بها إلى حدٍّ ما، مما يجعلها في فبراير (شباط)، وأكتوبر (تشرين الأول)؛ في حالة عدم مساواة نهارية؛ لكن عدم المساواة في المد والجزر يجب أن يكون لها زمن؛ وأن المد والجزر حتى اليوم، مثل تلك الموجودة في تونكوين، قد حُسِب.٤٢

(٥-٥) كولين ماكلورين

كانت مقالة كولين ماكلورين «الأسباب الفيزيائية للمد والجزر في البحر»،٤٣ عبارة عن تمرينٍ هندسي بحْت في نظرية «التدفُّق»، لكنها كانت مرجعيةً ورائدة في مجالها. فقد تمكَّن من خلال الحسابات أن يُثبت ما قد افترضه نيوتن، وبطريقةٍ أخرى حساب شكل المحيط الكروي في حالة التوازن الساكن مع القوة المدِّية للجسم المُضطرب الشبيه بالكرة القطبية التي محورها يُشير نحو ذلك الجسم. وقد ظهر ماكلورين أنه أول عالِم تمكن من تقدير انحراف الأثر بسبب دوران الأرض، الذي يُعرف الآن بأثر كوريوليس Coriolis Effect وهو عبارة عن تأثير كتلة متحركة في نظامٍ دوَّار يُواجه قوة مُتعامدة مع اتجاه الحركة ومع محور الدوران. الدور المُهم لهذا الأثر في القوى الحركية المدِّية كان قد حلَّله فيما بعد لابلاس؛ ولم يمضِ ماكلورين أبعد في نظرية القوة الحركية٤٤

(٥-٦) دانيل برنولي

لقد ركز عصر اكتشافات نيوتن على الأسس الرياضياتية التي تُعالج ظاهرة المد والجزر. وقد كتب عالِم الرياضيات والفيزيائي السويسري دانيل بيرنولي في ١٧٤٠م مقالة عن المدِّ والجزر بعنوان «أطروحة حول مدِّ وجزر البحر»٤٥ مُستندًا على نظرية نيوتن، لكنه لم يُحرز فيها تقدمًا كبيرًا. مع ذلك، كان بيرنولي أحد الذين اكتشفوا أن نيوتن قد بالغ في تقدير النسبة بين المدِّ والجزر الشمسي باستعمال الأرصاد المدية الفرنسية، ووجد أن النسبة ٢,٥ قريبة إلى القيمة الحديثة.٤٦

(٥-٧) ليونارد أويلر

المساهمة الأكثر أهميةً لليونارد أويلر كانت في مقالته «التحقيق الفيزيائي في سبب مد وجز البحر»٤٧ حيث بين بأن المُركبة «الأفقية» وليس العمودية لمجال القوة هي التي تحدد الحركة المدِّية. فالمركبة الشاقولية هي التي توازن بواسطة الضغط على قاع البحر، لكن نسبة القوة الأفقية لكل وحدة كتلة إلى الجاذبية الشاقولية g يجب أن يُوازنها ميل مقابل لسطح البحر، بالإضافة إلى فعل التغيُّرات المُمكنة في قوة زخم التيار. في الواقع لم يُحلل أويلر ديناميكية الحركة الأفقية، بل حاول، وعلى نحوٍ غير مناسب وفاشل، أن يُطوِّر نظرية ديناميكية ترتكز على حركة الماء «الشاقولية». النظرية الصحيحة، كما وضحها لابلاس، تطور الحركة «الأفقية» ويستحضر السرعة الشاقولية خلال استمرارية كتلة الماء.٤٨

(٦) المبحث السادس: علماء القرن ١٩م

(٦-١) إيمانويل كانط

توصَّل العالم والفيلسوف الألماني إيمانويل كانط (توفي ١٨٠٤م) I. Kant. لاكتشاف سمةٍ جديدة تمامًا للمد والجزر هي سمة (الاحتكاك المدي)، كان قد نشر عنها مقالةً عام ١٧٥٤م في مجلة كونيجسبيرج Konigsberg الأسبوعية الألمانية. فقد أدرك كانط أنه بسبب احتكاك الحركة المدية للمُحيط مع الأرض فإن هذا قد يُسبب تأخرًا ملحوظًا لدوران الأرض. وقد وجد بأن هذا الحال سيستمر حتى تصِل الأرض لمرحلةٍ تدور فيها دائمًا بالجانب نفسه نحو القمر، أي حتى يُصبح طول اليوم مُساويًا لطول الشهر. وقد كتب كانط قائلًا: «لا يمكن أن يُساور أحد الشك بأن الحركة الأزلية للمُحيط من المساء حتى الصباح (من الشرق نحو الغرب)، قوة كبيرة وحقيقية، ستُساهم دائمًا بشيءٍ يُنقص من دوران الأرض حول محورها. هذا التأثير يجب أن يُصبح بشكلٍ حتمي ملحوظ بعد فترة طويلة من الزمن. وبينما تقترب الأرض تدريجيًّا من التوقُّف التام عن دورانها، فإن فترة هذا التغيُّر ستصل إلى النهاية عندما يصل سطح الأرض إلى استقراره مع القمر، أي عندما تدور الأرض حول محورها في الوقت نفسه الذي يدور فيه القمر حول الأرض.» وأقر كانط بأنه ليس بوسعه أن يُقدِّم أي دليلٍ لدعم فرضيته هذه وإنما يترك القيام بذلك للآخرين.٤٩

(٦-٢) بيير دي لابلاس

الإنجاز الجديد بالنسبة إلى النظرية الرياضياتية للمد والجزر قام به عالِم الرياضيات والفلك الفرنسي بيير دي لابلاس (توفي ١٨٢٧م) P.de Laplace. حيث إنه قدم نظرية الجهد المدي The tidal potential theory إلى الأكاديمية الفرنسية للعلوم في باريس عام ١٧٧٥م. فيما بعد توسَّع بنظريته بشكلٍ كبير ووضعها في «أطروحة في الميكانيك السماوي»٥٠ في عام ١٧٩٩م. وقد وضع «صيغة لابلاس المدِّية» التي تُعبر عن الجهد المدِّي على أنه تابع لخط العرض، والميل الزاوي والساعة الزاوية. وقد كتب لابلاس قائلًا: «تسبب العناصر الثلاثة السابقة ثلاثة أنواع مختلفة من التذبذبات. فترات التذبذبات طويلة جدًّا؛ وهي مُستقلة عن الحركة الدورانية للأرض، وتعتمد فقط على حركة الجرم السماوي L في مداره. فترات التذبذبات للنوع الثاني تعتمِد بشكلٍ رئيس على الحركة الدورانية للأرض t؛ هي يوم واحد تقريبًا، أخيرًا، فترات التذبذبات للنوع الثالث تعتمد بشكلٍ أساسي على الزاوية ٢١؛ وهي حوالي نصف يوم.» وهكذا بيَّن لابلاس أن المدَّ قابل للانفصال بشكلٍ رياضياتي إلى ثلاثة أنواع مختلفة من المدود: دوري طويل ويومي ونصف يومي. ومنذ قيامه بهذا الفصل أصبح الركن الأساسي في النظرية المدية. علاوة على ذلك، كان لابلاس في العمل نفسه أول من عالَج مدَّ وجزْر المحيط على أنهما مسألة ماء في حالة الحركة وليس ماء في حالة استقرار. معادلاته الحركية المائية، تصِف تولُّد الموجات المدية خلال المُحيط، والتي لم تصِل لحلٍّ عملي حتى اختراع الحاسوب. في غضون ذلك، فإن المُخططات المدية المُشتركة كانت قائمة على استخدام تقريب غير موثوق.٥١

(٦-٣) وليم ويويل

لقد كانت العلاقة بين القمر والمد والجزر واضحة جدًّا قبل فترةٍ طويلة من صياغة نظرية مُرضية يمكنها وضع تنبؤات دقيقة إلى حدٍّ ما للظاهرة. وقد قدم وليم ويويل (توفي ١٨٦٦م) W. Whewell مساهمة في ذلك، حيث قال: «كان المسار الذي سيُوصَى به لتهذيب معرفتنا بالمد والجزر وهو التأكُّد من تحليل سلسلة طويلة من الأرصاد وتأثيرات التغيرات وقت العبور، واختلاف المنظر، وميل القمر، وبالتالي الحصول على قوانين للظواهر؛ ثم المضي قدمًا في التحقيق في قوانين السببية. ومع أنَّ هذا لم يكن المسار الذي اتبعَه علماء النظريات الرياضياتية، إلا أنه كان يُتَّبع فعليًّا من أولئك الذين قاموا بحساب جداول المد والجزر عمليًّا؛ وتطبيق المعرفة على الأغراض المُفيدة للحياة، وبالتالي فصلها عن الترويج للنظرية، كان يُعامل بشكلٍ طبيعي على أنه خاصية مُربحة، ويتم الحفاظ عليها بسرية. لقد وضعت جداول لليفربول، ولندن، وأماكن أخرى، وقد صُنعت بطرائق غير مكشوفة، والتي في بعض الحالات على الأقل، تم نقلُها من الأب إلى الابن لعدة أجيالٍ كمُمتلكات عائلية؛ واستنكر نشر جداول جديدة مصحوبة ببيانٍ عن طريقة الحساب باعتبارها انتهاكًا لحقوق الملكية.»٥٢

(٦-٤) شارل دولوني

في ١٨٦٥م توصَّل الفلكي الفرنسي شارل دولوني (توفي ١٨٧٢م) Ch. Delaunay، إلى استنتاجٍ مُشابه لاستنتاج وليم فيريل (توفي ١٨٩١م) W. Ferrel، على ما يبدو دون معرفة بعملِه؛ حيث إنه أعاد تطوير نظرية الاضطراب القمري، وصارت مسألة الاحتكاك المدِّي معروفة من خلال دولوني على نطاقٍ واسع في الأوساط العلمية.٥٣
وقد كتب دولوني: «إذا كانت الأرض بهيئةٍ صلبة تمامًا، فإنها ستكون بمجالها تحت تأثير الجاذبية التي يُمارسها القمر على أجزائها المختلفة، دون أن تمرَّ بأقل تغيير في الشكل. لكن الأرض ليست صلبةً تمامًا. إذْ يتم تغطية جزءٍ من سطحها بمياه المحيط، والتي، بسبب سيولتها، يتم تحريكها بسهولةٍ بواسطة القوى التي تؤثر عليها مباشرة. حاليًّا، الأجزاء المختلفة من هذه المياه، المنتشرة في جميع أنحاء العالم الأرضي، وبالتالي، تقع على مسافات غير متساوية من القمر، لا تنجذب بالقدْر نفسه. ففي منطقةٍ من سطح الكرة الأرضية التي أصبحت مواجهة للقمر، فإنها تجذب مياه البحر بقوةٍ أكبر من الجزء الصلب من الأرض، حيث تأخذها ككل؛ وفي المنطقة المقابلة، من ناحيةٍ أخرى، فإن مياه البحر تكون أقلَّ انجذابًا من الجزء الصلب. وينتج عن ذلك أن المياه الموجودة على الجانب المُواجه للقمر تميل باتجاهها بسبب هذا الفائض من الجاذبية، وأنه على الجانب الآخر من الأرض، تميل المياه إلى الانحسار نِسبيًّا إلى كتلة الكرة الأرضية التي هي تنجذِب بقوة أكثر مما هي عليه.»٥٤

(٦-٥) وليم فيريل

أشار عالم جغرافيا المحيطات والأرصاد الجوية الأمريكي وليم فيريل إلى أن الاحتكاك المدِّي الذي يُسبب طول اليوم قد يؤدي إلى تسارُعٍ ظاهر في حركة الأجرام السماوية. حاول أن يحسب هذا التأثير بالنسبة إلى حركة القمر، إذْ يُفترَض مدُّ المحيط شبه يومي حيث لدَيه طور أخير متوسط من ٣٠ درجة. وقد تمَّت ملاحظة التسارُع الصغير للقمر من خلال دراسة السجلَّات القديمة للكسوفات الشمسية التي كشف عنها هالي سابقًا في عام ١٦٩٣م. على كُلٍّ، من المعروف أن ذلك سببه توزيع قوى الشمس الجاذبة والكواكب. ثم، كيف فسَّر فيريل لماذا تأثيره لم يكن ملحوظًا؟ هنا اعتمد على وجهة نظر شعبية كانت مُفيدة في حينها. كان يُعتقد بأن الأرض تتبرَّد وبالتالي فإن هذا قد يجعل الأرض تدور أسرع. افترض فيريل بأن تأثير الاحتكاك المدِّي وتَبرُّد الأرض حدثَ ليُوازن أحدهما الآخر، وبذلك لا يمكن ملاحظة شيء. وفي الوقت نفسه نشر فيريل تقريره عن خطأ تمَّ اكتشافه في حسابات مُعقدة لاضطرابات جاذبية حركة القمر. وعند تصحيح هذا الخطأ وُجِد بأن نصف التسارُع الملحوظ للقمر لم يعُد من الممكن تفسيره. الأمر الذي جعل فيريل يدَّعي — في عام ١٨٦٤م — بأن التسارُع المُتبقي يمكن تفسيره بالاحتكاك المدي الذي يُسبب إطالة اليوم الذي يصل إلى ثانيةٍ واحدة كل ٣٠٠ سنة.٥٥

(٦-٦) جورج آيري

في ١٨٦٦م علَّق عالم المُثلثات والفلك جورج بيدل آيري (توفي ١٨٩٢م) G. B. Airy على تقرير الفلكي الفرنسي شارل دولوني. وقد وجد آيري أن الاحتكاك المدِّي، بالإضافة إلى إطالة اليوم، ينبغي أن يُسبِّبا زيادة بُعد القمر عن الأرض. لكن الصعوبات في تناول هذه المشكلات كانت غامرة؛ وهذا ما صوَّره آيري بأناقةٍ في المثال البسيط: «على سبيل المثال: تصوَّر أن هناك طاحونة (لكن بشكلٍ كبير) لطحن الذرة. فإن الماء الذي سُمح له بأن يرتفع مع ارتفاع المد، ليس مسموحًا له أن يهبط مع المدِّ الهابط، لكن بعد فترةٍ سُمح له بالهبوط، وبذلك يقوم بالعمل، وينتج حرارةً في الجرش وطحن الذرة. لا أشك بأن هذه الحرارة هي تمثيل للطاقة الحية (vis viva)، المفقودة في مكانٍ ما، لكنني عاجز تمامًا عن القول: أين هي مفقودة؟ في دورة الأرض أم في دورة القمر؟»٥٦

(٦-٧) اللورد كلفن

بدأ الفيزيائي المشهور وليم طومسون والمعروف باسم اللورد كلفن (توفي ١٩٠٧م) Lord Kelvin النظر بطريقةٍ جديدة وقوية في تذبذبات المد والجزر. إذ امتلك أسلوبًا مُشابهًا لذاك المُستخدَم بالفعل في مناقشة الشذوذات في حركات القمر والكواكب.٥٧
فقد طرح كلفين العديد من الأفكار من أجل فهم حالات المد والجزر بالنسبة للخواص الفيزيائية للأرض التي من الممكن اشتقاقها منها. وتوسع في تمثيل لابلاس المُنسجم مع البيانات المدية. هنا سنهتمُّ بمقدمة طومسون عن الحل البسيط لمعادلات لابلاس المدية LTE والتي أثارت حتى ذلك الوقت الانتباه، باستخدام بُعدَين أفقيَّين عوضًا من بُعد آيري الواحد. وقد توصَّل إلى شكل الموجة المدية على الشريط الساحلي، وقد لُوحِظت هذه السمات للموجات المدية ذات التقدُّم التصاعُدي في القناتَين الإنكليزية والإيرلندية وعلى طول الساحل الغربي لبحر الشمال. وصار من المعروف حاليًّا معظم شكل الموجة المُتميزة لحركات المدِّ والجزر في المحيط العميق، مع بعض استثناءات قليلة. وقد دُعِي شكل الموجة المدِّية هذا فيما بعدُ باسم «موجة كلفن». وفي علم جغرافية المحيطات، تُسمى «موجة كلفن» (أو من الأفضل موجة كلفن المُضاعفة Double Kelvin Wave) المُستخدَمة أيضًا لوصف نوع الموجة (الداخلية) غير المنظمة للحركة المدية، والتي تنتقل نحو الغرب على طول خط الاستواء بسعةٍ تنتقل نحو الشمال والجنوب.٥٨
١  Williams, Edgar, Moon, Reaktion Books Ltd, London, 2014, p. 58-59.
٢  Adams, Simon & David Lambert, Earth Science: An Illustrated Guide to Science, Chelsea House, New York, 2006, p. 137.
٣  Glick, Thomas F. (ed.). Marina Tolmacheva, Geography, Chorography. Medieval Science, Technology, and Medicine: An Encyclopedia. Routledge, 2014, p. 188.
٤  Ekman, Martin, A concise history of the theories of tides, p. 586.
٥  Cartwright, David Edgar, Tides: A Scientific History, p. 13-14.
٦  Dales, Richard C., The Scientific Achievement of the Middle Ages, University of Pennsylvania Press, 1973. p. 74.
٧  العنوان الأصلي للرسالة: De accessu et recessu maris.
٨  فريلي، جون، مصباح علاء الدين، ص١٩١.
٩  Dales, Richard C., The Scientific Achievement of the Middle Ages, p. 72-80.
١٠  Ekman, Martin, A concise history of the theories of tides, p. 587.
١١  وجدنا في الفصل السابق أن عبد القادر بن أحمد بن ميمي البصري قد أشار إلى أنه يتَّفق مع من طرح فكرة تشبيه العلاقة بين الأرض والقمر كعلاقة المغناطيس بالحديد.
١٢  Harris, Rollin Arthur, Manual of tides, Part 1, p. 395.
١٣  Cartwright, David Edgar, Tides: A Scientific History, p. 26.
١٤  Harris, Rollin Arthur, Manual of tides, Part 1, p. 398.
١٥  Daly, Chas. P., On The History of Physical Geography, American Geographical Society, Vol. XXII, No. I, Annual Address, 1980, p. 38.
١٦  العنوان الأصلي للمقالة: De fluxu et refluxu maris.
١٧  Cartwright, David Edgar, Tides: A Scientific History, p. 26.
١٨  Harris, Rollin Arthur, Manual of tides, Part 1, p. 397.
١٩  Williams, Edgar, Moon, p. 108.
٢٠  انظر تفاصيل ذلك في كتابنا «تاريخ علم الميكانيك»، دار الكتب العلمية، بيروت، ٢٠١٧م، ص٤٢٢ وما بعدها.
٢١  Dugas, Rene, A History of Mechanics, p. 214.
٢٢  Ekman, Martin, A concise history of the theories of tides, p. 587.
٢٣  Harris, Rollin Arthur, Manual of tides, Part 1, p. 398-399.
٢٤  بيكون، فرنسيس، الأورجانون الجديد، ترجمة: عادل مصطفى، رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة، ٢٠١٣م، ص٢٨٦.
٢٥  هوث، جون إدوارد، الفن الضائع ثقافات الملاحة ومهارات اهتداء السبيل، ترجمة: سعد الدين خرفان، سلسلة عالم المعرفة، العدد-٤٤١، تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ٢٠١٦م، ص١٣٨.
٢٦  Ekman, Martin, A concise history of the theories of tides, p. 587.
٢٧  العنوان الأصلي للرسالة: Discorso sopra il Husso e Reflusso del mare.
٢٨  Cartwright, David Edgar, Tides: A Scientific History, p. 28.
٢٩  Harris, Rollin Arthur, Manual of tides, Part 1, p. 399-400.
٣٠  ديكارت، رينيه، العالم أو كتاب النور، ترجمة: إميل خوري، ط١، درا المنتخب العربي، يروت، ١٩٩٩م، ص١١٣.
٣١  المرجع السابق نفسه، ص١١٧-١١٨.
٣٢  Ekman, Martin, A concise history of the theories of tides, p. 587-588.
٣٣  Harris, Rollin Arthur, Manual of tides, Part 1, p. 401-402.
٣٤  Ibid, p. 406.
٣٥  Merton, E. S., Sir Thomas Browne’s Theories of Respiration and Combustion, Osiris, Vol. 10 (1952), p. 213.
٣٦  Harris, Rollin Arthur, Manual of tides, Part 1, p. 404.
٣٧  Ekman, Martin, A concise history of the theories of tides, p. 588.
٣٨  Cartwright, David Edgar, Tides: A Scientific History, p. 33.
٣٩  Harris, Rollin Arthur, Manual of tides, Part 1, p. 408.
٤٠  فريلي، جون، مصباح علاء الدين، ص٣٠٣.
٤١  هوث، جون إدوارد، الفن الضائع ثقافات الملاحة ومهارات اهتداء السبيل، ص١٣٩.
٤٢  Harris, Rollin Arthur, Manual of tides, Part 1, p. 408-409.
٤٣  العنوان الأصلي: De Causa Physica fluxus et Refluxus Maris.
٤٤  Cartwright, David Edgar, Tides: A Scientific History, p. 55.
٤٥  العنوان الأصلي: Traité sur le réflux de la mer.
٤٦  Ekman, Martin, A concise history of the theories of tides, p. 589.
٤٧  العنوان الأصلي: Inquisitio Physica Causam Fluxus et Refluxus Maris.
٤٨  Cartwright, David Edgar, Tides: A Scientific History, p. 46-45.
٤٩  Ekman, Martin, A concise history of the theories of tides, p. 593.
٥٠  العنوان الأصلي: Traité de mécanique celeste.
٥١  Ibid, p. 590.
٥٢  Darwin, George Howard, The Tides and Kindred Phenomena in the Solar System, p. 88.
٥٣  Ekman, Martin, A concise history of the theories of tides, p. 590.
٥٤  Rambosson, Jean Pierre, Astronomy, Chapman & Hall, London, 1875, p. 232-233.
٥٥  Ekman, Martin, A concise history of the theories of tides, p. 592.
٥٦  Ibid, p. 593.
٥٧  Darwin, George Howard, p. 87-88.
٥٨  Cartwright, David Edgar, Tides: A Scientific History, p. 82-84.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤