الفصل الثالث

كتاب وري الزند بالجزر والمد (يتيمة العصر في المد والجزر)

يُعَد هذا الكتاب أضخم عملٍ عثرنا عليه بين كل النصوص الأخرى والذي تناول ظاهرة المدِّ والجزر، لكن تُسيطر عليه الصبغة الدينية كون خلفيته الثقافية دينية.

(١) المبحث الأول: التعريف بالمؤلِّف

عبد القادر بن أحمد بن علي بن ميمي البصري (توفي ١٠٨٥ﻫ/١٦٧٤م). وهو فلكي، من فقهاء الحنفية، من أهل المَوصل. تعلم بها وبالمدينة المنورة، وتوفي بالبصرة.١

(٢) المبحث الثاني: أعماله

له عدة كتب منها:
  • رسالة في الذَّبِّ عن مذهب الإمام أبي حنيفة.

  • يتيمة العصر في المد والجزر.

  • حاشية على تلويح السعد.

  • رسالة في التصريف.

  • رسالة في العروض.

  • رسالة في المنطق.

  • السيف المخذم.

(٣) المبحث الثالث: التعريف بالكتاب

أكد نسبة الكتاب إلى ميمي معجم المؤلفين الأدباء بأنه عرَّف باسم «يتيمة العصر في المد والجزر».٢ وقد انفرد الباباني البغدادي في «هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين» بذكر أن كتاب «وري الزند في الجزر والمد»٣ يختلف عن كتاب «يتيمة العصر في المد والجزر» الذي يقع ضمن مجموعة كتب عجائب المخلوقات، ويعرض فيها المؤلِّف للعديد من الموضوعات المُتعلقة بالظواهر الطبيعية المُختلفة في الأرض وفي السماء يبدأ بالتفرقة بين معنى البحر والبر في اللغة، مُستشهدًا بآيات قرآنية وأحاديث نبوية، ثم يفصل الحديث عن البحار المعروفة: بحر الهند الذي يُقال له بحر الصين، وبحر المغرب، وبحر الشام والروم، وبحر بُنْطُش، وبحر جرجان، ثم يطوف في عالم الأفلاك وتأثيراتها على الأرض وظاهراتها، ويتخلَّل هذا كله قصص غريبة وأحداث عجيبة. وعندما يتحدَّث عن أسباب المد والجزر يُفند ما قاله أرسطو وغيره من الفلاسفة من أن علَّة ذلك هي الشمس وتأثير الرياح.

يبدأ المؤلف بديباجة قصيرة يحمد الله فيها ويُثني عليه، ويصلي على النبي . ثم ينتقل إلى مقدمة يعرف فيها القارئ بموضوع الكتاب وهو عن المد والجزر في البحر، ويُمهد للموضوع بالجانب اللغوي للفظ «البحر» وتصريفاته ومعانيها كما وردت في المعاجم العربية.

بعدها يسرد لنا بعض الأحكام الشرعية الإسلامية المتعلقة بركوب البحر، من ناحية متى يجوز ركوبه ومتى لا يجوز، ومدى طهر مياه البحار، والأحكام الفقهية للوضوء من ماء البحر والصلاة فيه على السفينة.

ثم أفرد صفحاتٍ كثيرة لأدعية الحفظ من شرور البحر والإبحار، ثم يُورد ما قاله العلماء والحكماء في البحار والجزائر التي تنتشِر فيها وما فيها من عجائب المخلوقات. بعدها يقوم بتعداد البحار الموجودة وتحديد مواقعها الجغرافية وأطوالها.

لم يُناقش موضع المدِّ والجزر إلا بعد ٣٣ صفحة. وهو يرتكز كثيرًا على الأدلة النقلية من آياتٍ قرآنية وأحاديث وأخبار عن السلَف الصالح. ويحاول أن يركز على الصحيح منها ليعتمده كدليلٍ يتطابق مع الظاهرة الطبيعية. إذْ يغلب على المؤلِّف التفكير الديني الصوفي.

أيضًا يستطرد كثيرًا جدًّا، فبين القول الأول والقول الثاني ٦٢ صفحة من الابتعاد عن صُلب الموضوع، إلى درجة ينسى فيها القارئ أنه يَطلع على كتاب عن المدِّ والجزر.

استخدم المؤلف بعض المُختصرات مثل كلمة «بط» في نسخة دائرة المعارف العثمانية ويعني بها «بطل». فقُمنا بوضعها بلفظها الصحيح «بطل» منعًا من التباس المعنى في السياق. كما أننا أعدنا الألف لكلمتي «صلوة وحيوة» لتُصبح «صلاة وحياة».

(٤) المبحث الرابع: توثيق النسخ المعتمدة في التحقيق

لم نعثر سوى على نُسختَين من هذا الكتاب؛ إحداهما من مُقتنيات دائرة المعارف العثمانية، والأخرى موجودة بالمكتبة البريطانية وهي نفسها الموجودة في مركز الملك فيصل ومكتبة المدينة المنورة.

وقد اعتمدنا نُسخة دائرة المعارف العثمانية؛ كونها الأكمل والأوضح بين النُّسختَين، ولكونها كما ذكر الناسخ مأخوذة عن تلميذ المؤلف.

  • (١)
    نسخة دائرة المعارف العثمانية:
    • عنوان المخطوط: كتاب وري الزند بالجزر والمد.

    • عنوان شارح على الورقة الأولى: يتيمة العصر في المد والجزر.

    • رقم المخطوط: ق ع ١١/٤٢٣.

    • اسم الناسخ: سيد محمد مرتضى.

    • تاريخ نسخ المخطوط: النسخة الحديثة ١٩٣١م.

    • التملُّكات: لا يُوجَد.

    • عدد الورقات: ١٩٧ ورقة.

    • المسطرة: ١٧ سطرًا.

    • حالة الورق: جيدة.

    • ملاحظات:

      يبدو أن دائرة المعارف العثمانية قد نَسخَتْها عن نُسخةٍ أخرى بخط اليد أيضًا عام ١٩٣١م، وقد سجل الناسخ الحديث اسمَه في آخرها.

    figure
    الصفحة الأولى من نسخة الهند.
    figure
    الصفحة الأخيرة من نسخة الهند.
  • (٢)
    نسخة المكتبة البريطانية:
    • عنوان المخطوط: كتاب المد والجزر في البحر.

    • عنوان شارح على الورقة الأولى: لا يوجد.

    • رقم المخطوط: (OR 8395).
      figure
      الصفحة الأولى من نسخة بريطانيا.
      figure
      الصفحة الأخيرة من نسخة بريطانيا.
    • اسم الناسخ:

    • تاريخ نسخ المخطوط: جمادى الأولى ١٠٨٦ﻫ/يوليو (تموز) ١٦٧٥م.

    • التملُّكات: من تفضلات الله على عبده الفقير إليه، الفقيه النبيه الفاضل الأوحد الكاملي بدر الدين محمد بن محمد كاني حفظه الله ذاته، وقرن بالسعود والخير أحواله وأوقاته، ورزقه حفظ العلم والعمل، وبلَّغه أقصى غايات المرام والأمل بحق محمد وآل محمد . في ملك العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن محمد علي موسى، في ملك الحقير الفقير إلى الله تعالى محمد الحاج سليمان بن يوسف، ثم صار هذا الكتاب في ملك الفقير إلى الله محمد بن باقر الجبالي غفر الله له ولوالدَيه آمين.

    • عدد الورقات: ١١٦ ورقة.

    • المسطرة: ١٧ سطرًا.

    • حالة الورق: جيدة، فيه آثار تآكُل من الحشرات.

    • ملاحظات:

      هذه النسخة مصورة محفوظة في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالرياض برقم (ب ٩٤٥٢-٩٤٥٤) وفي مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة (١٢ فلك). وهي ناقصة في آخِرها بعض الصفحات وتقف عند الفائدة العشرين «كلهم من العالين الذين لم يؤمروا بالسجود لآدم».

      وقد قُمنا بترميز النُّسَخ كما يأتي:
      • (١)

        نسخة الهند (د).

      • (٢)

        نسخة بريطانيا (ط).

(٤-١) كتاب المد والجزر٤ المُسمَّى بوري الزند عبد القادر بن أحمد بن ميمي نسخة قديمة كتب بخط تلميذ المؤلِّف٥

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

الحمد لله الذي خلق الماء وكوَّن منه الأرض والسماء، وأنشأهما واحدة واحدة، رتقًا رتقًا، وفتقهما سبعًا سبعًا، فتقًا فتقًا. رفع السماء بقُدرته، وزيَّنها٦ بالكواكب والجمال، ودحى الأرض بحِكمته وأرساها بالجبال.
ميَّز البر من البحر، وجعل المد والجزر، وأنزل الغيث والبذر، فتفجَّرت عيون وأنهار، وتكوَّنت حدائق وأزهار. فسبحانه من حكيمٍ تاهت في بيداء معرفته العقول، وعجزت عن إدراك حقيقته٧ أجلَّاء الفحول.
والصلاة والسلام على سيدنا محمد أول من استسلم وانقاد، واعترف بالعجز٨ بعد الاجتهاد، وعلى آله وأصحابه نجوم الاهتداء وبدور الاقتداء، ما طلعت شمس في فلك، وأضاء بدر في حلك.
أما بعد، فيقول الفقير إلى الله الغني، عبد القادر بن أحمد بن علي بن ميمي، كان الله له في جميع حالاته، وعفا عن معاصيه وستر عوراته، هذا ما سبق الوعد به:
  • أولًا: من بيان سبب المد والجزر وحصل الامتثال به.
  • ثانيًا: طاعة لولي الأمر مع زيادات اقتضاها المقام، ومناسبات استطردها الكلام فجاء بحمد الله كتابًا يُرضي الوحِر٩ الغضبان، ويقصد زلال مُنهله الراوي والظمآن، سائلًا ممن حسن خيمه، وسلم من داء الحسد أديمه، إذا عثر على ما طغى به القلم وزلَّت به القدم، أن يدفع بالحسنة السيئة، فإن الحسود دأبه أن يحسب الحسنة وزرًا، ويعد المعجزة١٠ سحرًا، والعبرة بمُستبصر لا يصدُّه الحسد عن الحق، ولا يردُّه عن الاتباع ملاحظة الخلق.
شعر:١١
إذا رَضِيَتْ عَني كِرامُ عَشيرَتي
فَلا زالَ غَضْبانًا عَلَيَّ لِئامُها١٢
والله أسأله أن يصبَّ عليه سجال القبول ويجعله لمُتتبِّعي الفوائد غاية١٣ السؤل. ولما كان البحر مُتعلق المد والجزر، آل بناء الأمر أن نُصدِّره بمُقدمة مفيدة في الكلام فيه من أوجهٍ عديدة؛
فأقول وعلى الله الاتمام، ومنه الامداد والاعتصام. قال الجوهري: البحر خلاف البر، سُمِّي بذلك لعُمقة واتساعه. والجمع أبحر وبحار وبحور، وكل نهر عظيم بحر. قال عدي: سره مُلكه وكثرةُ ما يملك. والبحر معرضًا، والسرير يعني الفرات، وسُمِّي الفرسُ الواسع الجري بحرًا، ومنه قول النبي عليه السلام في مندوب فرس أبي طلحة وإنْ وجدناه لبحرًا. وماء بحرٍ أي مالح، والجر الماء ملحٌ. قال نُصيب:١٤ وَقَدْ عَادَ مَاءُ البَحْرِ مِلْحًا فَزَادَنِي إلى مَرَضِي أَنْ أبحر المَشْرَبُ العَذْبُ
ويقال أبحر فلان إذا ركب البحر. عن يعقوب: والبحر عُمق الرحم،١٥ ومنه قيل للدم الخالص الحُمْرة باحِر وبحراني، والباحر الأحمق، حكاه كما١٦ أبو عبيد. وبحرين بلد والنسبة إليه بحراني، وبنات بحر سحائب يَجئن في الصيف منتصباتٍ رقاقًا بالحاء والخاء جميعًا. والبحرة البلدة، يقال: هذه بحرتنا أي أرضنا، ولقيته صحرة بحرة أي بارزًا ليس١٧ بينك وبينه شيء، وبحرتُ أذن الناقة بحرًا شققتُها وخرقتها، ومنه البحيرة، قال الفراء: هي ابنة السائب، وحُكمها حكم أُمِّها. وتبحَّر في العلم وغيره أي تعمَّق فيه وتوسَّع.١٨

قال الأصمعي: بحِر الرجلُ بالكسر يبحِر بحرًا، إذا تحيَّر من الفزع مثل بطِرَ، ويُقال أيضًا: بحرًا إذا اشتدَّ عطشه فلم يروَ من الماء. والبحر أيضًا داء في الإبل، وقد بحرت، والأطباء يسمُّون التغير الذي يحدث للعليل دفعة في الأمراض الحارة بحرانًا، يقولون هذا يوم بحران بالإضافة باحوري على غير قياس، وكأنه منسوب إلى باحور، وباحوراء مثل عاشور وعاشوراء، وهو شدة الحر في تموز وجميع ذلك مُولَّد. انتهى.

زاد في المُجمل يُقال للحارات والفجوات البحار،١٩ والبحار الأرياف، قال بعض أهل التأويل في قوله تعالى: ظَهَرَ الفسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ٢٠ أراد بالبر البادية وبالبحر الريف. والبحر السلال يُصيب الإنسان والباحِر الرجل الأحمق انتهى.
إذا تقرر ذلك فاعلم أن قول الجوهري البحر خلاف البر تفسير بالأعم؛ لأنه شامل للعيون والآبار والجداول والسراة وغيرها مما ليس ببحر، وأهل اللغة لا يتحاشون عن التفسير بالأعم فتراهم يقولون سعدانة نبْتٌ والأراك شجر وأمثال ذلك. وأما أهل الميزان وسائر أرباب النظر فإنهم يعيبون٢١ ذلك نعم إذا كان الشيءُ ظاهرًا معروفًا لا يحتاج إلى التفسير؛ لأن تفسيره إن ساواه في الظهور فلا فائدة، وإلا كان تفسيرًا بالأخفى وهو عيب؛ لأنه مُنافٍ للغرض المقصود من التعريف.
إذا علمت ذلك فاعلم أن البحر معروف مُستغنٍ عن التعريف والتفسير، وهو وإنْ كان لفظًا مُشتركًا كما نقلنا إلا أن المُتبادر منه عند الإطلاق هو مقابل البر مما كان ملحًا أجاجًا أو مرًّا زعاقًا؛ لأنه مجاز في غيره من معانيه التي وضعت له، بل لاشتهاره بذلك وكثرة استعماله، وتبادر المعنى لكثرة الاستعمال والدوران لا يدل على مجازية ما عدا المعنى المُتبادر مما وُضِع له اللفظ، والبحر الذي قلنا إن٢٢ المد والجزر من خواصه يُعنى به ذلك؛ لأن ما عداه من الأنهار وإنْ حصل فيه المد والجزر كنهر البصرة ونهر سورة البندر الهندي فإنما ذلك بتبعيته٢٣ مد البحر لا بطريق الاستقلال، فلنقتصِر على الكلام فيه إذ هو معروض المسألة.
فنقول وبالله التوفيق: أما وصفه فهو كما قال الله تعالى في كتابه العزيز: وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ٢٤ أي المملوء، وهو المحيط أو الموقود من قوله تعالى: وَإذا الْبِحَارُ سُجرَتْ٢٥ بالتخفيف كما هو قراءة ابن كثير وأبي عمرو وروح أو التشديد كما هو قراءة الباقين،٢٦ لأن تضعيفه للمُبالغة دون التعدية أي أُحميت من سجرت٢٧ التنور إذا ملأته٢٨ بالحطب لتحميه. ورُوي أن الله تعالى يجعل يوم القيامة البحار نارًا يسجر بها جهنم أو المُختلط من السجير وهو الخليط.

وقال عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص رضي الله عنهما: صف لي البحر. فقال: يا أمير المؤمنين مخلوق عظيم يركبه خلق ضعيف، دود على عود. فقال عمر رضي الله عنه: لا جرم، لولا الحج والجهاد لضربتُ من يركبه بالدرة. ثم منع من ركوبه ثم رجع عن ذلك بعد مدة، وكذلك وقع لعثمان ومعاوية، رضي الله عنهما.

وأما خواصه التي فيه والجارية فيه، فقد٢٩ قال سيدي زروق قُدِّس سرُّه حين ذكرها: ولا يقدر على القيام بها وحسبك أنه كله رحمة وبركة ونجاة وهلكة؛ فظهره مجارٍ للفلك، وقعره لَآلٍ الملك، وماؤه طهور، وميتتُه٣٠ حلال. وأخرج الدارقطني أنه طهور٣١ الملائكة إذا عرجوا وإذا نزلوا.
وأما حكم ركوبه من حيث هو فلا خلاف اليوم في جوازه وإن اختلف فيه نظر السلَف ثم هو ممنوع في أحوال خمسة:
  • أولها: إذا٣٢ أدى لترك الفرائض أو نقضها.٣٣
  • الثاني: إذا كان مخوفًا بارتجاجه من الغرق فيه، فإنه لا يجوز ركوبه؛ لأنه من الإلقاء للتهلكة، قالوا وذلك من دخول الشمس في العقرب إلى آخر الشتاء.
  • الثالث: إذا خيف فيه الأسر واستيلاء العدو في النفس أو المال بخلاف ما إذا كان معهم أمن والحُكم للمسلمين لقوة أيديهم وأخذ رهائنهم وما في معنى ذلك.
  • الرابع: إذا أدى ركوبه للدخول تحت أحكامهم والتذلُّل لهم ومشاهدة مُنكرهم مع الأمن على النفس والمال بالاستيثاق منهم.
  • الخامس: إذا خاف بركوبه عورة، كركوب المرأة في مركب صغير لا يقع٣٤ لها به سترة، بخلاف ما إذا اختصَّت بموضعٍ في مركب كبير.
كذا ذكرها سيدي زروق في شرح٣٥ الحزب. وقواعدنا لا تأتي ذلك، إلا أن التحديد لوقت المنع من الركوب بسبب الارتجاج والخوف من الغرق بدخول الشمس إلى العقرب إلى آخر الشتاء ينبغي أن يُخصَّص ببعض البحور التي شأنها ذلك في هذا الوقت المحدود دون البعض الآخر الذي لا يستوعب فيه ذلك جميع المدة المضروبة كبحر فارس.
وأما بيان حُكم مائه فالطهور به؛٣٦ لقوله فيه: هُوَ الطهُورُ مَاؤُهُ، الْحِل مَيْتَتُهُ.٣٧ وعن ابن عمر — رضي الله عنهما — قال: ماء البحر لا يُجزئ عن وضوء ولا عن جنابة، إن تحت البحر نارًا ثم ماء ثم نار آخر.٣٨ خبَّر٣٩ السيوطي عن ابن أبي شيبة في مُصنفه وعن أبي جعفر الرازي عن الربيع عن أنس عن أبي العالية قال: ركبتُ مع أصحاب النبي ففني ماؤهم فكرهوا الوضوء من ماء البحر وتوضئوا بالنبيذ.٤٠ أخرجه شمس الأئمة الديري في المسائل الشريفة.
وأما حكم الصلاة فيه٤١ فجوازها جالسًا في الفرض بلا عُذر عند أبي حنيفة رحمه الله مع الإساءة، وعندهما وعند أكثر أهل العلم لا يُجزيه لأبي حنيفة رضي الله عنه حديث ابن سيرين قال: صلى بنا أنس في السفينة ونحن قعود. ذكره ابن حزم في المُحلَّى وذكره صاحب المبسوط والمُحيط وفيه ولو شئنا لخرجنا إلى الحدة.٤٢ وقال مجاهد: صلينا مع جنادة بن أبي أمية في السفينة قعودًا ولو شئنا لقُمنا. ذكره في المحيط؛ فثبت٤٣ هذان الأثران عن الصحابِيَّين عند أبي حنيفة فعمل بما ثبت عنده وللأكثرين حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: بل بعث رسول الله جعفرًا إلى الحبشة قال: يا رسول الله كيف٤٤ أُصلي في السفينة؟ قال: صل٤٥ قائمًا، إلا أن تخاف الغرق. وفي سنده حسين بن علوان، قال أبو حاتم الرازي والدارقطني: متروك. وقال ابن معين: كذَّاب. وقال ابن عدي: يضع الحديث. وعن ميمون بن مهران عن بن عمر رضي الله عنهما قال: سئل رسول الله كيف أُصلي في السفينة؟ قال صل٤٦ قائمًا إلا أنْ تخاف الغرق.٤٧ فقد رواه الدارقطني والحاكم في المُستدرَك على الصحيحين قال أبو الفرج بن الجوزي في التحقيق فيه بشر بن عرابي٤٨ وهو لا يُعرَف، كذا في المسائل الشريفة.
قال في البحر بعد أنْ حكى الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبَيه، وعلَّل وجه قول أبي حنيفة بِكَون الغالب فيها دوران الرأس وهو كالمُتحقق، إلا أن القيام أفضل؛ لأنه أبعد عن شبهة الخلاف، والخروج أفضل إن أمكنه؛ لأنه أسكن لقلبِه ما نصه، والخلاف مبني في غير المربوطة في الشط٤٩ والمربوطة بالشط كالشط هو الصحيح كذا في الهداية، وهو مُقيد بالمربوطة بالشط.
أما إذا كانت مربوطة في لجة البحر؛ فالأصح إن كانت الريح تُحركها شديدًا فهي كالسائرة، وإلا فكالواقفة ثم ظاهر الهداية والنهاية٥٠ والاختيار جواز الصلاة وفي المربوطة في الشط مُطلقًا، وفي الإيضاح فإن كانت موقوفة في الشط وهي على٥١ قرار الأرض فصلِّ قائمًا جاز؛ لأنها إذا استقرت على الأرض فحُكمها حكم الأرض، فإن كانت مربوطة ويمكنه الخروج لم تجُز الصلاة فيها؛ لأنها إذا لم تستقر فهي كالدابة بخلاف ما إذا استقرت فإنها حينئذٍ كالسرير واختاره٥٢ في المحيط والبدائع وفي الخلاصة.
وأجمعوا أنها لو كانت بحال يدور رأسه لو قام تجوز الصلاة فيها قاعدًا وأراد بالصلاة قاعدًا أن تكون بركوع وسجود.٥٣ لأنها لو كانت الإيماء لا تجوز اتفاقًا لأنه لا عُذر، وأطلقها فشمل ما إذا كان منفردًا أو بجماعة، فلو اقتدى رجل في سفينة أخرى فإن كانت السفينتان مقرونتَين جاز؛ لأنهما بالاقتران صارتا كشيءٍ واحد وإنْ كانتا مُنفصلتَين لم تجزه؛ لأنه تخلَّل ما بينهما بمنزلة النهر، وذلك يمنع صحة الاقتداء. وإن كان الإمام في سفينة والمقتدون على الحذ والسفينة واقفة فإن كان بينهم طريق أو مقدار نهر عظيم لم يَصح الاقتداء به؛ لأن الطريق ومثل هذا النهر يمنعان صحة الاقتداء، ومن وقف على أطلال السفينة يقتدي بالإمام في السفينة صحَّ الاقتداء به٥٤ إلا أن يكون أمام الإمام؛ لأن السفينة كالبيت واقتداء الواقف على السطح بمن هو في البيت صحيح إذا لم يكن أمام الإمام، ولا يخفى عليه حاله، كذا هنا كذا في البدائع، وقد يترك القيام؛ لأن ترك الاستقبال بوجهِه إلى القبلة وهو قادر عليه لا يُجزيه في قولهم، فعليهم أن يستقبلوا لوجوههم القبلة كلَّما دارت السفينة يُحوِّل وجهة كذا في الاسبيجابي انتهى.
وأما يُقال فيه؛ فقد ذكر أبو الحسن الربعي في فضائل الشام قال: روي عن رسول الله قال: من عدَّ في البحر أربعين موجةً وهو يُكبِّر غُفِر له ذنوبه ما تقدَّم منها وما تأخَّر وإن الأمواج والتكبير لتحتُّ الذنوب حتًّا. وعن النبي : أمان لأُمتي من الغرق إذا ركبوا في السفينة بسم الله الملك الحق، وما قدروا الله حق قدره، والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون، بسم الله مَجريها ومُرسَاها، إن ربي لغفور رحيم. رواه ابن أبي حاتم. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: من قال هذه الكلمات عند ركوب البحر أو الدابة٥٥ فإن غرق أو عطب فعليَّ ضمانه يوم القيامة: بسم الله الملك الرحمن، وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بِيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون، وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومُرسَاها إن ربي لغفور رحيم، وفي رواية: بسم الله، الملك لله، يا من له السموات السبع خائفة، والأرضون السبع طائعة والجبال الشامخة والبحار الزاخرات خاضعة، احفظني أنت خيرٌ حافظًا وأنت أرحم الراحمين، وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرسَاها إن ربي لغفور رحيم، ومن آياته أن يُرسِل الرياح مُبشِّرات ليُذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون، الله رب السموات السبع وما أظللن، ورب الأراضين السبع وما أقللن، ورب الجبال وما أرسَين، ورب الرياح وما أرسلن، ورب البحار وما جرين ورب الرياح وما سخَّرن؛ أن تسخر لنا هذا البحر كما سخرت البحر لموسى عليه السلام إنك على كل شيءٍ قدير وصلى الله على خير خلقه محمد وآله أجمعين.
فإذ استويتَ أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجَّانا من القوم الظالمين، رب أنزلني منزلًا مباركًا وأنت خير المُنزلين، سبحان الذي سخَّر لنا هذا وما كنَّا له مُقرنين، وإنا إلى ربنا لمُنقلبون، إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا، ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليمًا غفورًا، إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخِذ بناصِيتها إن ربي على صراطٍ مستقيم، أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا تُرجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم … إلى آخر السورة. وعن بعض علماء الديار الشامية بدمشق المحروسة قال إذا ركبت البحر٥٦ فقل السلام عليك يا أبا خالد ويا أبا جابر ويا أبا مالك، وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرسَاها إن ربي لغفور رحيم، اللهم اجعلني في حفظك وفي كنفك ولا تَسلبنا نعمتك ولا تُغيِّر ما بنا من عافيتك، اللهم صلِّ على سيدنا محمد الشفيع اللهم أجرِ لُطفك في أمري يا لطيف يا لطيف يا لطيف يا لطيف يا لطيف الطُف بخلق السموات والأرض، أسألك أن تلطف بي في عظيم قُدرتك كما لطفت بالأجنَّة في بطون أُمهاتها، واكتب في ورقة جميع ذلك وارمِه في البحر عندما تركب واجعل الدعاء وردًا لك كل يومٍ وليلة ترى عجبًا من سهولة البحر وتيسير الطريق بإذن الله تعالى.

قيل ويستحبُّ أن يقول في السفينة ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره، قد جعل الله لكل شيءٍ قدرًا، حسبي الله ونعم الوكيل، لا إله إلا أنت سبحانك إني كُنتُ من الظالمين، يا غيَّاث المُستغيثين أغثني.

قيل من قال: يا نافع في السفينة ألف مرة لم يُصبه شيء. وعن الكمال بن الهمام: سورة الرحمن لركوب البحر. وحكي أن جماعة سافروا في البحر وفيهم إبراهيم بن أدهم — رضي الله عنه — فهبَّت٥٧ الرياح وهاجت الأمواج فبكى الناس وقالوا لإبراهيم: ما ترى ما نحن فيه؟ فرفع رأسه وحرك شفتَيه وقال: يا حيُّ حين لا حيَّ ويا حيُّ قبل كلِّ حيٍّ ويا حيُّ بعد كل حيٍّ يا حيُّ يُحيي الموتى، يا حيُّ يا قيوم يا مُحسن يا مُجمل قد أريتنا قدرتك فأرنا رحمتك فهدأت السفينة.
وأما بيان ما جاء فيه من الأحاديث وأقوال العلماء والحكماء وذكر شيء من جزائره، فقد أخرج السيوطي عن أبي الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن هذا الخلق أحاط بهم بحر، قيل وما بعد٥٨ البحر؟ قال: هواء، قيل: وما بعد الهواء؟ قال: بحر أحاط بهذا الهواء والبحر٥٩ الداخل إلى سبعة أبحر.

وأخرج عنه عن وهب قال: إنها سبعة أبحر وسبع أراضين، والأرض على ظهر الحوت واسم الحوت بهموت.

وأخرج عن ابن عمر — رضي الله عنهما — قال: تحت بحركم هذا بحر من نار، وتحت ذلك البحر بحر من ماء، وتحت ذلك البحر بحر من نار، حتى عد سبعة أبحر من نار وسبعة أبحر من ماء.

وأخرج ابن أبي حاتم أن بحرَنا هذا خليج من نيطش ونيطش وراءه وهو المحيط بالأرض وما فيها من البحار. عند نيطش كعينٍ على سيف البحر، وخلف نيطش قنبس٦٠ مُحيط بالأرض فنيطش وما دونه عنده كعين على سيف البحر، وخلف قنبس الأصم مُحيط بالأرض؛ فقنبس وما٦١ دونه عنده كعين على سيف البحر.
وأخرج السيوطي عن حسان بن عطية قال: بلغني أن مسيرة الأرض خمسمائة سنة بحورها منها مسيرة ثلاثمائة سنة، والخراب منها مسير٦٢ مائة سنة والعمران مسير٦٣ مائة سنة.

وأخرج علي بن حاتم عن كعب الأحبار قال: إنما يفضل البحر الأرض بحر بمربط ثور. وأخرج عنه عن سفيان قال: بلغني أن البحر يخرج من زق. وأخرج عن عبد الله بن عمر — رضي الله عنهما — قال: بلغني أن البحر زق بيد ملك لو يفضل منه الملك لطمى على الأرض.

قال في خريدة العجائب:٦٤ أعظم بحرٍ على وجه الأرض المحيط المطوق بها من سائر جهاتها، وليس له قرار ولا ساحل إلا من جهة الأرض، وساحله من جهة الخلو البحر المُظلم، وهو مُحيط بالمحيط كإحاطة المحيط بالأرض، وظلمته من بعده عن مطلع الشمس ومغربها انتهى.
وهذا المحيط يُسمَّى عندهم بحر المغرب، ويُسمِّيه اليونانيون إذفيانس.٦٥ وحُكي عن أرسطاطاليس أن بحر إذفيانس٦٦ محيط٦٧ بالأرض بمنزلة الإكليل لها؛ لأنه محيط بها من جميع جهاتها. وفي الجعفرية أن هذا البحر يُسمَّى بحر الظلمة؛ لأنه بحر واحد لا تهبُّ فيه الرياح ولا أمواج له ولا ترى فيه شمس. وقال الفلاسفة: لا قعرَ له ولا تجري فيه السفن، وإنما٦٨ يسلك بالقُرب من ساحله، والبحار التي على وجه الأرض خلجان منه، وفي هذا البحر عرش إبليس أعاذنا الله وإيَّاكم منه، يتشبَّه بالباري سبحانه وتعالى، ويَحملونه نفرٌ من الأبالسة، ويُحيط به سائر أصناف الجن؛ فمنهم من لا يُفارقه من حُجَّابه وخدَمَته، ومنهم من يتصرف بأمره في فتنة الناس وكيدهم وتذليلهم.٦٩ له جزيرة اتَّخذها سجنًا لمن خالف من الجن أمره. في تلك الجزيرة هيكل سليمان عليه السلام وفيه جسده وهو قصرٌ عجيب البناء واسع الفناء.
وفي هذا البحر جزيرة لا تزال عامرة لزمان، تقذف نارًا تعلو مائة ذراع فأكثر، وفيه حصون وقصور، وتظهر على وجه الماء وفيه الأصنام التي عملها أبرهة ذو المنار الحميري قائمة على الماء، أحدها أصفر يُومئ بيدِه كأنه يُخاطب من ركب هذا البحر يأمره بالرجوع. والثاني أخضر رافع يدَيه باسطًا كأنه يقول إلى أين تذهب. والثالث أبيض أسود الشعر يُومئ بإصبعه إلى البحر كأنه يقول من جاوز هذا المكان غرق، مكتوب على صدره هذا ما صنع أبرهة ذو المنار الحميري لسيدته٧٠ الشمس يتقرَّب إليها.
وفي هذا البحر ينبت٧١ شجر المرجان. قال في الخريدة:٧٢ وفي هذا البحر مدائن تطفو على وجه الماء، وفيها ربع٧٣ أهلها من الجن في٧٤ مقابلة الربع الخراب٧٥ من الأرض، وتظهر فيه الصور٧٦ العجيبة والأشكال الغريبة، ثم تغيب في الماء. وفي البحر المُحيط من الجزائر المسكونة والخالية ما لا يعلمه إلا الله.٧٧
وفي الإنسان الكامل للشيخ عبد الكريم الجيلي قُدِّس سرُّه: اعلم أن البحر المحيط المذكور ما كان منه منفصلًا عن جبل قاف مما يلي الدنيا فهو مالح، وما كان منه متصلًا بالجبل وهو وراء المالح فهو البحر الأحمر الطيب الرائحة، وما كان٧٨ منه وراء جبل قاف مُتصلًا بالجبل فإنه البحر الأخضر، وهو من الطعم كالسمِّ القاتل، ومن شرب منه قطرةً هلك وفنِيَ لوقته. وما كان وراء الجبل بِخلاءِ الانفصال والحيطة والشمول وجميع الموجودات فهو البحر الأسود الذي لا يعلم له طعم ولا ريح ولا يبلُغه أحد بل وقع به الإخبار فعُلم وانقطع عنه الآثار فكُتم.
وذكر قُدِّس سرُّه أن في البحر المالح الذي أشار إليه في مجمع البحرين منه٧٩ عين الحياة، وأن الإسكندر سافر ليشرب من هذا الماء، واعتمادًا على كلام أفلاطون، من شرب ماء الحياة لا يموت؛ لأن أفلاطون كان قد بلغ هذا المحلَّ وشرب من هذا البحر. قال وهو باقٍ إلى يومِنا هذا في جبل يُسمَّى داوند، وكان أرسطو تلميذ أفلاطون وهو أستاذ الإسكندر قد صحب الإسكندر٨٠ في سيره إلى مجمع البحرين، فلمَّا وصلوا إلى أرض الظلمات سار وتبِعه نفر من عسكره وأقام الباقون بمدينة تُسمَّى ثَبَتْ برفع المثلثة والمُوحدة وإسكان المُثناة من فوق، وهو حدُّ ما تطلع عليه الشمس، وكان من جُملة من صحب الإسكندر الخضر عليه السلام وساروا مدةً لا يعلمون عددها ولا يُدركون أمدَها، وهم على ساحل البحر وكلما نزلوا منزلًا شربوا من الماء، فلمَّا ملُّوا من طول السفر أخذوا في الرجوع إلى حيث أقام العسكر وقد كانوا مرُّوا بمجمع البحرين على طريقهم من غير أن يشعروا به فلا أقاموا عنده ولا نزلوا به لعدَم العلامة، وكان الخضر عليه السلام قد أُلهِمَ٨١ أن يأخذ طيرًا فيذبحه ويربطه على ساقه، فكان يمشي ورجله في الماء، فلمَّا بلغ هذا المحل انتعش الطير واضطرب عليه فأقام عنده وشرب من ذلك الماء واغتسل منه وسبح فيه، فكتمَه عن الإسكندر وكتم أمره إلى أن خرج فلمَّا نظر أرسطو إلى الخضر عليه السلام علم أنه قد فاز بذلك من دونهم، فلزم خدمته إلى أن مات، واستفاد هو والإسكندر من الخضر٨٢ علومًا جمَّة. قال قُدِّس سره: اجتمعتُ به — أي الخضر — وسألته ومنه أروي جميع ما في البحر المحيط انتهى.
قال في بهجة الناظرين وفي مسالك البكري عن بطلميوس٨٣ إن فيه سبعة وعشرون ألف جزيرة عامرة وعابرة، منها جزيرة تظهر ستة أشهر بكل من فيها، ومنها جزيرة تُرى على بُعد فإذا قرب منها القاصد لها غابت عنه، وإذا رجع إلى الموضع الذي رآها منه نظر إليها. ويقول البحريون إن في ذلك البحر سمكة صغيرة يُقال لها الشاكل إذا حملها الإنسان معه أبصر الجزيرة، وقيل إن بها شجرة تطلع بطلوع الشمس فلا تزال طالعةً إلى نصف النهار ثم تعود إلى الانحطاط حتى تغيب بمغيب الشمس.
ومنها الجزيرة السيارة٨٤ فيها جبال وشجر وعمارة، فإذا هبَّت ريح من المغرب سارت إلى المشرق، وإذا هبَّت ريح من المشرق سارت إلى المغرب هذا دأبها وهي ثابتة بإجماع البحريين. ويذكرون أن حجارتها هفافة زنة الحجر الذي يُقدر بالقناطير عشرة أرطال ويحمل الإنسان القطعة الكبيرة من جبالها.

ومنها جزيرة بيضاء واسعة كثيرة الأشجار والأنهار بها قوم وجوههم في صدورهم للواحد منهم فرجان فرج امرأة وفرج رجل، يتكلَّمون بمِثل كلام الطير وطعامهم نبات يُشبه القطن والكمأة.

ومنها جزيرة النمل وهم خلق كثير ذوو أجنحةٍ وشعور وخراطيم يمشون على رجلَين كمشي الناس، وعلى أربعٍ كمشي البهائم ويَطيرون في الهواء مع الطيور.

ومنها جزيرة فيها أقوام رءوسهم كرءوس الكلاب العظام بادية الأنياب يخرج من أفواهها مثل لهب النار.

ومنها٨٥ جزيرة فيها أمَّة طوال الوجوه ومعهم قضبان الذهب يعتمدون عليها ويُحاربون بها على رءوسهم الذهب وثيابهم منسوجة بالذهب وطعامهم الموز. إلى غير ذلك من الجزائر ومن ذكر شيء من بحار الأرض المُتشفية من بحر المحيط.

حكى الإمام فخر الدين عن الكسائي وغيره من العلماء أن البحور المعروفة خمسة: الأول بحر الهند وهو الذي يُقال له بحر الصين، الثاني بحر المغرب، الثالث بحر الشام وهو اليوم بحر الروم، الرابع بحر نيطش، الخامس بحر جرجان.

فبحر الهند مُتصل بالمحيط من المشرق وليس على وجه الأرض بحر أكبر منه إلا المحيط، وهو كثير الموج عظيم الاضطراب فيخرج من المحيط ثم يمر أولًا بالصين ثم بالهند ثم بالسند ثم يمر على جنوب اليمن وهناك ينتهي إلى باب المندب فتكون مسافته من المحيط في المشرق إلى باب المندب في المغرب أربعة آلاف فرسخ وخمسمائة فرسخ.

وقال الفخر [الرازي] عن الكسائي في غيره، طوله ثمانية آلاف ميل وعرضه ألفا ميل وسبعمائة ميل، ويمتد٨٦ هذا البحر من أرض الحبشة من المغرب إلى أقصى أرض الهند والصين٨٧ من المشرق ويجاوز خط الاستواء بألف ميل وسبعمائة ميل، ويخرج منه أربعة أخاليج:
  • الأول: عند أرض الحبشة، قال الفخر ويمتد٨٨ إلى ناحية البربر ويُسمَّى الخليج البربري وطوله مقدار خمسمائة ميل وعرضه مائة ميل.
  • الثاني: خليج بحر آيلة وهو بحر القلزم، ومبدؤه من باب المندب فيمر في جهة الشمال مُغربًا قليلًا فيتصل بغربي اليمن ويمرُّ بتمامه والحجاز، وينتهي إلى مدينة القلزم وإليها ينسب، وهذا البحر الذي أغرق الله فيه فرعون، وهو بحر مُظلم وحش لا خير فيه، ثم ينعطف راجعًا في جهة الجنوب فيمر بشرقَي بلاد الصين إلى عيذاب إلى الجزيرة سواكن إلى زيلع من٨٩ بلاد البجة التي بلاد الحبشة ويتصل بالبحر الهندي، وطوله ألف وأربعمائة ميل وعرضه سبعمائة ميل، قال الفخر وعلى شرقيه أرض اليمن وعدن وعلى غربيه أرض الحبشة.
  • الثالث: بحر فارس ويُسمَّى الخليج الفارسي والخليج الأخضر فيخرج من بحر الصين إلى أن ينتهي إلى عبادان ثم ينعطف راجعًا إلى جهة الجنوب فيمر ببلاد البحرين واليمامة ويتَّصِل بعمان وأرض اليمن، وهناك اتصاله بالبحر الهندي وهو بحر مبارك كثير الخير، دائم السلامة، وطيء الظهر، قليل الهيجان، قال الإمام الفخر وهو بحر البصرة وفارس، وطوله ألف وأربعمائة ميل وعرضه خمسمائة. قال وبين هذين الخليجين — أعني خليج آيلة وخليج فارس — أرض الحجاز واليمن وسائر بلاد العرب فيما بين مسافة ألف وخمسمائة ميل.
  • الرابع: خليج يخرج إلى أرض الهند يُسمَّى خليج الأرض طوله ألف وخمسمائة ميل. قال الفخر وفي بحر الهند من الجزائر العامرة ألف وثلاثمائة وسبعون جزيرة، وفي الخريدة أن في هذا البحر جزائر كثيرة قيل إنها تزيد على عشرين ألف جزيرة وفيها من الأُمَم ما لا يعلمها إلا الله تعالى، فأما ما يصِل إليه الناس فأقل قليل، فمنها أيضًا في بحر الصين اثنتا عشرة ألف جزيرة عامرة مسكونة وفي بعض جزائره ينبت الذهب.
البحر الثاني بحر المغرب وهو المُسمَّى عندهم بالمحيط وقد مرَّ ذكره، ويتصِل به بحر الهند ولا يعرف٩٠ طرفه إلا في ناحية المغرب والشمال عند مُحاذاة أرض الروم والصقالية فيأخذ من أقصى المُنتهى في الجنوب مُحاذيًا لأرض السودان مارًّا على حدود السوس الأقصى وطنجة وقاهرة إلى المشرق. قال الفخر: فيه ست جزائر تُقابل أرض الحبشة تُسمَّى جزائر الخالدات. ويخرج من هذا البحر خليج عظيم في شمال الصقالية يمتدُّ إلى أرض المسلمين طوله من المشرق إلى٩١ المغرب ثلاثمائة ميل وعرضه ميل.
البحر الثالث بحر الروم وإفريقية ومصر والشام، طوله مقدار خمسة آلاف ميل وعرضه ستمائة ميل، ويخرج من خليج إلى أرض البربر طوله ميل. قال في الخريدة: مَخرجه من المحيط ثم يأخذ مشرقًا فيمرُّ من شمالي الأندلس ثم ببلاد الفرنج إلى قسطنطينية، ويمتدُّ٩٢ ببلاد الجنوب إلى سبتة٩٣ إلى طرابلس الغربي إلى الإسكندرية ثم إلى سواحل الشام إلى أنطاكية وهناك مجمع البحرين.
وذكر في كتاب أخبار مصر أنه بعد هلاك الفراعنة كانت ملوك بني دلوكي في شق البحر٩٤ المحيط من المغرب فانقلب الماء على بلاد كثيرة وممالك عظيمة فخربها وامتدَّ الماء إلى الشام وبلاد الروم وصار حاجزًا بين بلاد مصر وبلاد الروم على إحدى ساحلَيه النصارى وعلى الأخرى٩٥ المسلمون. قال الفخر وفي هذا البحر مائتان واثنتان وستون جزيرة عامرة منها خمسون جزيرة عظيمة، وذكر أبو حامد أنه لمَّا غاض بحر الروم انكشف عن مدنٍ٩٦ وعمارات لا تُوصَف.
البحر الرابع بحر نيطش٩٧ ومبدؤه من البحر الشامي. قال الفخر: وهو يمتد٩٨ من الأزرقية إلى خلف قسطنطينية وأرض الروم والصقالية، طوله ألف وثلاثمائة ميل وعرضه ثلاثمائة ميل. وفي الخريدة عن هذا البحر فيتصل بالقسطنطينية فيكون عرضه من هناك ستة أميال، ويمر من جهة المشرق فيتصل في جهة الجنوب من أرض هراقلة إلى سواحل أطراف برندة إلى أرض الشكاله إلى أرض٩٩ لاينه وينتهي طرف هذا الخليج هناك، ثم ينعطف راجعًا إلى مكان يتصل ببلاد الروسية وبلاد يرجان، ولا يزال حتى ينتهي إلى مضيق فم خليج قسطنطينية ويمر بشرقي١٠٠ مقدونية إلى أن يتَّصِل بالموضع الذي منه ابتدأ، وبين ساحله وبين أرض الترك أرضون وجبال مجهولة.١٠١
البحر١٠٢ الخامس بحر بجرجان والديلم وهو بحر واسع ولا اتصال له بشيءٍ من البحار غير أنه مخلوق في مكانه من غير مادة، لكن يصبُّ في المحيط بواسطة خليج القسطنطينية وهو بحر هائل وتقع فيه أنهار كثيرة وعيون دائمة الجريان. وذكر الحوقلي أن هذا البحر مظلم القعر، وأنه يتصِل ببحر نيطش١٠٣ من تحت الأرض ويتصل بهذا البحر من جهة الغرب بلاد أذربيجان ومن جهة الجنوب بلاد طبرستان ومن جهة المشرق أرض الغربة ومن جهة الشمال أرض الخزور، فطوله ألف ميل وعرضه على ما قال الفخر ستمائة ميل، وفيه جزيرتان كانتا عامرتَين ويعرف١٠٤ هذا البحر ببحر المسكون.
قال الفخر فهذه البحور الخمسة هي البحور العظام، وأما غيرها فبُحيرات وبطائح١٠٥ كبحيرة خوارزم وبحيرة طبرية وبحيرة فلسطين بالغور.
في ذكر١٠٦ شيء من جزائر بحر الهند. قد مرَّ أنَّ فيه من الجزائر ما يزيد على عشرين ألف جزيرة منها جزيرة كولم. قال صاحب الجعفرية: هي جزيرة عظيمة دورها في البحر خمسمائة فرسخ، وفيها خمس مدائن، وهي أخصب جزائر السند وأطيبها رائحة، ومنها يجلب المسك من حيوان عندهم على شبه الماعز، لها أعناق طوال ولا قرون لها، في أعناقها صرر على قدر البيض فإذا امتلأت سقطت فتؤخَذ فتُجفَّف حتى تيبس ثم تُفتح فتخرج منها المسك العجيب، ثم ينبت في أعناقها غيرها، تعمل ذلك في كل ثلاثة أشهر. وفيها من الفلفل والقرفة واللبان والجوز الهندي شيء كثير، ويستخرج من الجوز أطيار على شبه الزرازير يطبخونها ولا يأكلون لحمًا غيرها.
ومنها جزيرة كبيرة قدرها خمسون فرسخًا في مثلها، فيها١٠٧ العود القماري وهو أعجب العيدان نكهة وأفرحها لاسيما إن جُعل في خمر عتيق. وسائر أجناس العود عشرة كل جنس١٠٨ لا يُشبه الآخر وفيها كثير من الفاقلا والزنجبيل.
ومنها جزيرة أرين، حكى صاحب الجعفرية أنها نقطة الأرض كلها قَفرُها ومعمورها، وإذا توسطت الشمس الحمل لم يكن في هذه الجزيرة ظِل لشيءٍ قائم، وهي١٠٩ أعدل الأرض هواءً، واعتدال ليلها ونهارها طول الدهر لا يزيد ولا ينقص، ولا يسقط من شجرها ورقة، وكاد١١٠ لا يموت فيها إنسان إلا على مائة عام، وفيها من الأعاجيب المنارة التي وصفها المسعودي، وارتفاعها كارتفاع منارة الإسكندرية، في وسطها طلسم ظهره مما يلي الجنوب ووجهه مما يلي الشمال ويدُه اليُسرى مما يلي وسط المغرب وذراعه اليُمنى مبسوطة مما يلي وسط الشرق، وقد قبض أنامل كفِّه ومد السبابة على وسط مطلع الشمس، فإذا طلعت كان إصبعه في قاع أفق المشرق، فكلَّما طلعت رفع إصبعه معها حتى تكون على سمت رأسه وتكون إصبعه قائمة معها، فإذا مالت الشمس إلى المغرب أمال إصبعه إلى تحت الأرض كأنه يشير إلى الشمس، حتى إذا كان نصف الليل كان إصبعه في نصف الأرض، ثم لا يزال كذلك في الليل حتى تطلع الشمس وإصبعه على الشمس وهكذا طول الدهر وهذا أعجب ما في بلاد الهند.
ومنها جزيرة النهروان هي آخر جزائر الهند إلى العراق، ومن أعاجيب هذه الجزيرة شجر الشيرج وهي شجر كبار لها أوراق كأوراق الليم١١١ تثمر كل عام بجوز عظيم الخلقة تشبع من الواحدة الربع وأكثر، فإذا بلغ أوانه أُثقب في أسفل كل جوزةٍ ثُقب، وعُلِّق فيه آنية فتُوجَد تلك الآنية مملوءة لبنًا أشدَّ بياضًا من لبن الغنم فيأكلونه ويشربونه ويطبخونه ويصرفونه في طعامهم، فما بقِيَ من ذلك اللبن إلى اليوم الثالث صار خلًّا فيتأدَّمون به١١٢ فما بقي لا يتبدل ولا يتغير إلى آخر الدهر. وما لم يُثقب منه ذلك الجوز يسقط على الأرض، فإذا فُتِحت وُجِد فيها مثل السميد فيصبُّون عليه الماء السخن فيعود زيتًا يأكلونه ويسرجون منه المصابيح فسبحان الفعال لما يريد.

ومنها جزيرة الروح، هي ثلاثة جزائر متجاورات وهي أقرب جزائر الهند إلى جزائر اليمن، وفيها كثير من الفلفل واللبان والزنجبيل، وفيها جبال الياقوت الأبيض، وفيها جبال الحيَّات كل حية قدر النخلة.

ومنها الجزائر الثلاثة، قال صاحب تحفة الغرائب: في إحداهن برق الليل كله، وفي الأخرى تهب رياح شديدة الليل كله، وفي الأخرى تمطر السماء الليل كله صيفًا وشتاءً على ممر الأيام والليالي.

ومنها جزيرة أرض سرنديب قد أحاط بها البحر من كل جانبٍ، يسير بها الراكب نحو الشهر والشهرين، وفيها الجبل الذي نزل عليه آدم عليه السلام عليه نور شعاعي كلَون قوس قزح لا يخلو منه ليلًا ولا نهارًا، له رائحة تفوق رائحة المسك، وعليه الصخرة التي نزل عليها آدم عليه السلام، وفيه أثر قدَمِه. وذكر ابن الجوزي في كتاب أعاجيب الأرض أن في هذا الجبل شجرة لها أوراق للورقة وجهٌ أحمر وباطن أخضر مكتوب في الحمرة بالبياض لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وفي الخضرة مكتوب بالحمرة سبحان الله العظيم. وفي هذه الشجرة أطيار على قدر اليمامة تُسبح الله بألسنةٍ عربية وسريانية، فإذا أخذ منها طائر لم ينطق، ولم يتكلم، ولم يمكث أكثر من يومَين ويموت، ولهذه الأطيار أصوات حسنة يبكي السامع لها تشوُّقًا وخيفة عند سماعها.

ومنها١١٣ جزيرة القصر؛ وهو قصر عظيم مُرتفع من بلُّور شفاف يبان أبيض لمن في المراكب، فإذا شاهدوه تباشروا بالسلامة، وهو قصر أبيض شاهق في الهواء لا يُدرى ما داخله ولا يمكن الوصول إليه، ومرَّ به ذو القرنَين وأراد التوجُّه إليه فمنعه بهرام الفيلسوف الهندي وقال: لا تفعل يا ملك الزمان فإن مَن وصل إلى هذا القصر غلب عليه الخدَر فقلَّة الحركة ولا يقدِر على الخروج ويهلك، وإذا كان الليل ظهر لذلك القصر شرافات تسرج بالمصابيح الليل كله.
وفي بحر الصين جزائر كثيرة يُذكَر أنها تزيد على اثني عشر ألفًا؛ ومنها جزيرة الطرب دورها في البحر مائة فرسخ وارتفعت في البحر من كل ناحية كالعمود لا يُستطاع الصعود إليها؛ لارتفاعها في الهواء، قد تدلَّت ثمارها وأشجارها على حافتها، واشتبك بعضها ببعضٍ فيسمع كل من مرَّ عليها في البحر أنواعًا من الملاهي كالمزامير والعيدان وغير ذلك من أنواع مختلفة. ولا يقدر أحد يسمع ذلك مخافة أن يقع هناك من شدَّة الفرح والطرب، ويزعمون أن الدجَّال هنالك ويسمعون أحيانًا فيها صوتًا عظيمًا كالرعد القاصف تكاد تذهل منه القلوب، فإذا سمع ذلك أهل الصين علموا١١٤ بموت ملكِهم أو عظيمٍ من عظمائهم، وحولها جواري البحر الموصوفة، وهي حيتان في البحر لها آذان وأجنحة كأجنحة الطير ولها رءوس الجواري يظهر عليها شعور على وجه الماء يُسبِّحن الله تعالى في جميع الألسنة من عربية وغيرها، فيجتمع السامع لذلك حتى يبكي خوفًا من الله تعالى.
ومنها جزيرة النساء وفيها أمة على شبه النساء الحسان، سُبط الشعور نواهد١١٥ الصدور، ويُقال لهنَّ بنات الماء لهن قهقهة وضحك وكلام لا يفهم، وليس١١٦ فيهن ذكر أصلًا. قيل إنهن يُلقَّحن ويحملن من الريح ويلدْنَ نساء مثلهن، وقيل إن بتلك الجزيرة نوعًا١١٧ من الشجر يأكلن منه ويحملن. وتراب هذه الجزيرة كله ذهب وقد استولد بعض البحريين منهن غلامًا فكان يعرف بابن البحرية.

ومنها جزيرة السحاب. قال في الخريدة: سُمِّيت بذلك؛ لأنه يطلع عليها سحاب أبيض ويعلو على المراكب في البحر، ويخرج منه لسان طويل رقيق مع ريح عاصف حتى يلتصق ذلك اللسان بالبحر فيغلي كالقدر حين يغور ويضطرب كالزوبعة الهائلة، فإن أدركت المراكب ابتلعتها. وبهذه الجزيرة تلول إذا أضرمت فيها النار سالت منها الفضة الخالصة.

ومنها جزيرة زامي.١١٨ قال في الخريدة: وهي جزيرة طويلة عريضة طيبة التربة معتدلة الهواء بها مُدن وقرى، وطولها سبعمائة فرسخ. قال الفقيه: بهذه الجزيرة عجائب كثيرة ومنها أناس حفاة عراة على أبدانهم شعور تُغطي سوأتهم يأكلون من الثمار، ويفرُّون من الناس وطول أحدهم أربعة أشبار ولا يُلحَقون بسرعة جريهم.
ومنها جزيرة الرخ. قال في الخريدة: وهذا الرخ طير عظيم غريب مهول الخلقة حتى قيل إن طول جناحه الواحد عشرة آلاف باع، ذكر ذلك الحافظ ابن الجوزي وكان قد وصل إلى الجزيرة رجل من أهل الغرب ممن سافر الصين وأحضر معه١١٩ قصبة١٢٠ ريشة من جناح فرخ الرخ وهو في البيضة فكانت تلك القصبة١٢١ تسع قربة ماء. وذكر أنهم رأوا بيضة في الجزيرة فاعتقدوها قبة بيضاء عظيمة لمَّاعة أعلى من مائة ذراع، فقصدوها وجعلوا يضربونها بالقوس حتى انشقَّت١٢٢ عن فرخ الرخ كأنه جبل راسخ فتعلقوا بريشِه فقتلوه وحملوا ما أمكنهم من لحمه وقطعوا من ريشه ورحلوا. قال فلمَّا طلعت الشمس والمركب سائر إذْ أقبل الرخ كأنه سحاب وفي رجله قطعة جبل كالبيت العظيم فلما حاذى السفينة ألقى الحجر وكانت السفينة مُسرعة في الجري فسبقت الحجر فوقع في البحر وكتب الله السلامة.

ومنها جزيرة الواق الواق المشهورة. يُوجَد عندها سمكة تزيد على خمسمائة ذراع، وإذا رفعت جناحها كان كالجبل العظيم، يُخاف على السفن منها فإذا رأوها صاحوا وضربوا الطبول حتى تهرب عنهم. وذكروا أن بجزائر الهند شجر إذا عمل منه دُهْن ودُهِنَ به أحد لم يقطع فيه الحديد. وفيها شجرة إذا أُخِذ دهنها وشُرِب على حالة مخصوصة استُغني به عن الغذاء ولا يناله سقم ولا مرض ولا يموت لذلك وطوَّل حيوته أبدًا. فهذا وأنواعه من الأسرار والخواص التي أودعها الله في العالم. انتهى ما أردنا نقله من بهجة الناظرين.

وفي خريدة العجائب خصَّ الله بحر فارس بالخيرات الكثيرة والبركات الغزيرة والفوائد والعجائب والظُّرَف والغرائب منها: مغاص اللؤلؤ الذي يخرج منه الحب الكبير البالِغ، وربما وقعت فيه الدرة اليتيمة التي لا قيمةَ لها. وفي جزائر منه أنواع معادن اليواقيت والأحجار الملوَّنة النفيسة ومعادن الذهب١٢٣ والفضة والحديد والرصاص والنحاس والسنباذج والعقيق وأنواع الطيب.

وذكر أن من جزائره جزيرة الطورشان قال: وهي جزيرة خصبة ذات أشجار وأثمار وأعين وأنهار وبها قوم أبدانهم أبدان الآدميين ورءوسهم رءوس الكلاب والسباع، وبها نهر شديد البياض وعلى شطه شجرة عظيمة تُظِلُّ خمسمائة رجلٍ، فيها من كل ثمرة طيبة مُشرقة بأنواع الألوان، وكل ثمرها أحلى من الشهد والعسل، وطعم كل ثمرة لا تُشبه الأخرى، وتلك الثمار أليَنُ من الزبد وأزكى من رائحة المسك، وورقها كحلل الحرير والديباج، وهذه الشجرة تسير بسير الشمس وترتفع من الغداة إلى الزوال وتنحطُّ من الزوال إلى الغروب حتى تغيب بغيبوبة الشفق.

وذكر منها جزيرة العبَّاد. قال: وهي جزيرة عظيمة دخلها ذو القرنين فوجد بها قومًا قد أنحلتهم العبادة حتى صاروا كالحمم السود، فسلَّم عليهم فردُّوا عليه السلام، فقال: ما عيشكم يا قوم؟ فقالوا: ما رُزقنا من الأموال وأنواع النبات ونشرب من هذه المياه. فقال: ألا أنقلكم إلى عيشة أطيب مما أنتم فيه وأخصب؟ فقالوا: ما نصنع به إن عندنا في جزيرتنا ما نغتني به عن جميع العالم، ويكفيهم لو وصلوا إليه؛ فانطلقوا به إلى وادٍ لا نهاية لطوله وعرضه وهو يتوقَّد من ألوان الدرِّ واليواقيت والزبرجد والبلخش والأحجار التي لم تُرَ في الدنيا مثلها، والجواهر التي لا تقوم. ثم انطلقوا من شفير١٢٤ ذلك الوادي فأتوا به إلى مستوٍ واسع من الأرض لا تنتهيه الأبصار به أصناف الأشجار وأنواع النخل والأزهار وجناس الأطيار وأفياء وظلال١٢٥ ونسيم ذو نُزَهٍ ورياض وجنات وغياض، فلمَّا رأى ذو القرنين ذلك استصغر أمر الوادي وما به من الجواهر، عند ذلك المنظر البهي، ثم قالوا له: هل في مُلك مَلِكٍ في الدنيا بعض بعض ذلك؟ فقال: لا، قالوا: فهذا كله بين أيدينا ولا نُكلِّف أنفسنا إلى شيءٍ من ذلك، ونقنع بما نقوى به على عبادة الخالق، فسِرْ عنَّا ودعنا بحالنا أرشدنا الله وإياك. فودَّعوه وفارقوه وقالوا له: دونك والوادي، فأبى أن يحمل منه شئيًا.

وذكر منها جزيرة الحكماء. قال: وهي جزيرة عامرة وصل إليها الإسكندر فرأى بها قومًا لباسهم ورق الشجر وبيوتهم كهوف في الصخور، فسألهم مسائل في الحِكمة فأجابوا؛ فقال: سلوا حوائجكم فقالوا نسألك الخُلد في الدنيا، فقال وأنَّى به لنفسي، قالوا: فصحَّة الأبدان؟ قال: وهذا لا أقدر عليه، قالوا: فمعرفة ما بقي من أعمارنا، فقال لا أعرف ذلك لروحي، فقالوا دعْنا نطلُب ذلك ممن يقدر على ذلك، وجعلوا ينظرون إلى كثرة جيوشه وبينهم شيخ صعلوك لا يرفع رأسه، فقال له الإسكندر: ما لك لا تنظر إلى ما ينظرون إليه؟ قال: ما أعجبني المُلك الذي رأيته قبلك حتى أنظر إليك وإلى مُلكك، قال: وما ذاك؟ قال: كان عندنا ملك وصعلوك ماتا في يومٍ واحد، فغبتُ عنهم مدةً ثم جئتُ فما عرفت الملك من الصعلوك. فتركهم الإسكندر وانصرف.

وذُكر أن في هذا البحر سمكة تُسمَّى الدلفين لها رأس مُربَّع لا تفتحه، يقولون إذا أكل الأجذم من لحمها مطبوخًا برئ، وذكر أن فيه سمكة وجهها كوجه الإنسان وبدنها كبدن السمك تظهر على وجهه١٢٦ شهرًا وتغيب شهرًا.

قال: وفيه سمكة تطفو على وجه الماء فإذا رأت سمكةً أو حيوانًا من دواب البحر قد فتح فاه دخلت فيه وصارت غذاء له. قال: وفيه حيوان يخرج من البحر إلى البر ويرتع والنار تخرج من فيه ومنخرَيه فتحرق ما حولها من النبات. قال: وفيه سمكة طيارة تطير ليلًا من البحر إلى البر فتأكل الحشيش إلى طلوع الشمس ثم تعود طائرة إلى البحر. قال: وفي هذا البحر العطب الذي يُسمَّى بالدردور إذا وقع فيه المركب يدور ولا يخرج منه طول الأزمان والدهور. قال: والدردور في ثلاثة أبحُر؛ في هذا البحر، وفي بحر الصين، وبحر الهند.

وذكر أن في بحر عمان جزيرة بها شجرة تحمل ثمرًا كاللوز في صفته وقدره ويؤكَل بقشره وهو أحلى من العسل، فيقوم مقام كل دواءٍ ومن أكله من الرجال والنساء يزداد نضرةً وشبابًا ولا يهرم ولا يشيب أبدًا، وإن أكله طاعن في السن ذهبت قوته وأبيضَّ شعره، عاد في الحال إلى قوته ونضارته وأسودَّ شعره.

وذكر أن في بحر القلزم سمكة طولها نحو عشرين ذراعًا تلِد كالآدمية وتُرضع، وفيه سمكة تُصاد وتُخيف فيبقى لحمُها مثل القطن ويُتَّخذ منه غزلٌ ويُنسج ثيابًا فاخرةً.

وذكر أن في بحر الزنج جزيرة تُسمَّى جزيرة الضوضاء بها جزيرة من حجر أبيض لا ساكن بها غير أنهم يسمعون بها غلبة وضوضاء وجلبة، وبها ماء عذب فيه رائحة الكافور وبِقُربها جبال عظيمة تتوقَّد نارًا في الليل وحوالَيها حية تظهر في كل سنةٍ مرة فيتحيَّل عليها ملوك الزنج ويصيدونها ويتَّخذون من جلدها فُرشًا١٢٧ يجلس عليها صاحب السُّلِّ فيبرأ.
وذكر١٢٨ أيضًا أن فيها١٢٩ جزيرة العور وهي جزيرة واسعة، دخلها رجل من أهل رومية فوصل إلى مدينةٍ قامات أهلها على طول ذراع وأكثرهم عُور، فساقوه إلى مَلِكهم فحبَسَه في قفصٍ فكسره فأمنوا عليه، وتركوا الاحتجار عليه فلمَّا كان بعض الأيام إذا هم قد استعدُّوا للقتال، فسألهم فقالوا لنا عدوٌّ يأتينا في كل سنةٍ ويُحاربنا وهذا أوانه. فلم يلبث إلا قليلًا حتى أقبلت عليهم عصابة من الطيور الغرانيق وكان ما بهم من العوَر من نقر الغرانيق، فحملت الطيور عليهم وصاحوا بهم، فلما رأى ذلك الرجل شدَّ وسطه وأخذ عصًا وصاح فيها صيحة مُنكرة فرمى منهم جماعة فصاحوا وطاروا، فلمَّا رأى أهل الجزيرة ذلك أكرموه وأفادوه مالًا وسألوه الإقامة عندهم فلم يفعل فحملوه في مركب وجهزوه.
وذكر أن مجمع البحرين هو مجمع بحر الروم والغرب، وعرضه ثلاثة فراسخ وطوله خمسة وعشرين فرسخًا، والمد والجزر هناك في كل يومٍ وليلة أربع مرات. وذلك أن البحر الأسود وهو بحر الغرب١٣٠ عند طلوع الشمس يعلو فيصب في مجمع البحرَين حتى يدخل في بحر الروم، وهو البحر١٣١ الأخضر إلى وقت الزوال، فإذا زالت الشمس غاض البحر الأسود وانصب١٣٢ فيه الماء من البحر الأخضر إلى مغيب الشمس، ويعلو البحر الأسود إلى نصف الليل ثم يفيض ويعلو البحر الأخضر على الدوام.
قلت ما ذكره من البيان والتعليل إنما يقتضي مدَّه وجزْرَه في كل يومٍ وليلةٍ مرتَين، وهذا لا اختصاص له به فإن غيره كذلك؛ وذلك لأن الجزْرَ كما في الصحاح١٣٣ رجوع الماء إلى خلف، أي إلى خلف جهة المد،١٣٤ فإذا١٣٥ اعتبر انصباب بحر المغرب فيه مدًّا كان انصباب بحر الروم ورجوع مائه إلى بحر المغرب جزْرًا، وإن اعتبر انصباب بحر الروم مدًّا كان انصباب بحر المغرب فيه ورجوعه إلى بحر الروم جزْرًا، اللهم إلا أن يُقال يحصل لمائه رجوع إلى كل منهما إذا انصب فيه قبل انصباب الآخر فيه ودخوله إلى صاحبه فيكون انصباب كلٍّ منهما فيه حتى يدخل على صاحبه مدٌّ ورجوع مائه إليه. قيل انصباب الآخر فيه جزْر ويُقال إن ماءهما لا يمتزجان فيه بل بينهما حاجز من قدرة الله تعالى، فيمد إحدى حافتَيه بمدِّ ماء البحر المُلاقي لها وتجزُر بجزْره وتمتدُّ الحافة الأخرى بمدِّ الآخر، وتجزر١٣٦ بجزره. ولكل منهما في كل يومٍ وليلة مدَّان وجزْران فيكون في مجمعهما كل يوم وليلة مدٌّ وجزْر أربع مرات وهذه صورة التقدير الذي ذكرناه:

ولَكم وجدْنا في نهرٍ واحد ماءً مشرقًا وماء مغربًا وهما مُتلاصقان عرضًا، وكم من عينٍ عذبة في بحر لا يُمازجها ماؤه لبرزخ من القدرة جعله الله بينهما.

وقد حكى لي من أثِق به أنه كان في بحر فارس فوجد قطعةً من الماء العذب جاء بها الجزْر من نهر البصرة فاستقَوا منها فسبحان القادر الحكيم المدبر لملكه.

وذكر الواحدي في تفسيره الوجيز في قوله تعالى: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ١٣٧ خلط البحر العذب والبحر١٣٨ المالح يلتقِيان يجتمعان. وذلك أن البحر المالح فيه عيون ماء عذبة، بينهما برزخ حاجز من قدرة الله، لا يبغيان لا يختلطان ولا يُجاوزان ما قدَّر الله لهما، فلا الملح يخلتط بالعذب ولا العذب بالملح انتهى.
وذكر الواحدي وناصر الدين القاضي البيضاوي في تفسيريهما: مجمع١٣٩ البحرين مُلتقى بحرَي فارس والروم، [و]زاد البيضاوي مما يلي المشرق. قال البيضاوي وعد لقاء الخضر فيه، وقيل البحران موسى والخضر عليهما السلام، فإن موسى كان بحر عالَم١٤٠ الظاهر وخضر كان بحر عالَم١٤١ الباطن، إلى أن قال: رُويَ أن موسى خطب بالناس — بعد هلاك القبط ودخوله مصر — خطبةً بليغة فأعجب بها، فقيل له هل تعلم أحدًا أعلم منك؟ فقال: لا. فأوحى الله إليه بلى عبدنا الخضر وهو بمجمع البحرين. وكان الخضر في أيام أفريدون١٤٢ وكان على مقدمة ذي القرنين الأكبر وبقِيَ إلى أيام موسى عليه السلام. وقيل إن موسى سأل ربه: أي عبادك أحبُّ إليك؟ قال: الذي يذكرني ولا ينساني. قال: فأي عبادك أقضى؟ قال: الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى. قال: فأي عبادك أعلم؟ قال: الذي يبتغي علم الناس إلى علمه عسى أن يُصيب كلمة تدلُّ على هُدًى أو تردُّه عن ردًى. فقال: إن كان في عبادك أعلم منِّي فدلَّني عليه. قال: أعلم منك الخضر. قال: أين أطلبه؟ قال: على الساحل عند الصخرة. قال: كيف لي به؟ قال: تأخذ حوتًا في مكتل فحيث فقدْتَه فهو هناك. فقال: لفتاه إذا فقدتَ الحوت فأخبرني، فذهبا يمشيان فلما بلغ مجمع بينهما (مجمع البحرين) وبينهما ظرف أضيف عليه على الاتساع أو بمعنى الوصل، نسِيا حوتهما؛ نسِي موسى أن يطلُبه ويتعرَّف حاله ويوشع أن يذكر له ما رأى١٤٣ من حياته ووقوعه في البحر. روي أن موسى عليه السلام رقد فاضطرب الحوت المُستوي ووثب في البحر مُعجزةً لموسى أو الخضر، وقيل توضأ يوشع من عين الحياة فانتضح الماء عليه فعاش فوثب في الماء، وقيل نسِيا تفقُّد أمره وما يكون منه أمارة١٤٤ على الظفر بالمطلوب، واتخذ سبيله في البحر سربًا، فاتخذ الحوت طريقَه في البحر مسلكًا١٤٥ من قوله تعالى وَسَارِبٌ بِالنهَارِ،١٤٦ وقيل أمسك الله جرية الماء على الحوت فصار كالطاق عليه ونصبَه على المفعول الثاني وفي البحر حال منه أو من السبيل ويجوز تعلُّقه باتخذ انتهى.
فقد صرح هذان الإمامان بأن مجمع البحرين هو مجمع بحرَي فارس والروم لا بحرَي المغرب والروم كما في الخريدة، وإنما سقتُ من كلام البيضاوي ما سُقت؛ لأن فيه دلالة١٤٧ ما يدل أن عين الحياة هي بمجمع بحرَي فارس والروم أو بالقُرب منه، وما تقدم مما نقلناه عن الإنسان الكامل يدل على أنها في البحر المحيط وفي الخريدة ما يؤيده فإنه ذكر فيها أن عين الحياة التي شرب منها الخضر في الظلمات، وهي في القطعة التي بين الغرب والجنوب انتهى.

فلعلَّها عينان أو يراد بجمعهما مجمعهما في المحيط فإنهما ينشعِبان منه كما ذكره البيضاوي في تفسير سورة الرحمن لا مجمعهما بأنطاكية كما يدلُّ عليه ما نقلناه من البهجة انتهى.

فإن قلت: هل كان البحر قبل الطوفان أو حصل بعده؟ قلت: الظاهر أنه كان قبل آدم عليه السلام؛ لأنه الخليفة في١٤٨ الأرض، والخليفة إنما يسكن الدار بعد تمام العمارة، كيف لا وهو صفيُّ الله وحبيبه، وكيف يسكن الحبيب دارًا بُنِيت له وهُيِّئَت لخلافته إلا بعد تمام عمارتها، فلم يهبط إلى الأرض إلا بعد تمام عمارتها من برٍّ وبحر وسهل وجبل ونبات وحيوان، وأيضًا قد علَّم الله تعالى آدم١٤٩ الأسماء ثم عرض مُسمَّياتها على الملائكة وعرْض١٥٠ الشيء فرع وجودِه، وقوله تعالى بِأَسْمَاءِ هَؤلاءِ١٥١ يدلُّ على ذلك؛ فإن أصله الإشارة أن تكون لمحسوسٍ موجود فدلَّ على أن المُسمَّيات التي أعلم آدم بأسمائها كانت موجودة.
ومن جملة ما علَّم الله آدم البحر، كما أخرج ابن كثير في تفسيره عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى: وَعَلمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ١٥٢ قال هي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس: إنسان ودابة وأرض وسهل وبحر، فالبحر كان موجودًا وقت التعليم والعرض. وأيضًا قد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: خلق الله تعالى وراء هذه الأرض بحرًا مُحيطًا بها، ثم خلق من وراء ذلك جبلًا يُقال له قاف، السماء مُترفرفة عليه إلى آخره، يدل على أن البحر خُلق قبل قاف.
ولا شك أن آدم أهبط إلى الأرض بعد خلق قاف. وعن ابن عباس قال: أول من سكن الأرض الجن، فأفسدوا فيها وسفكوا الدماء وقتل بعضهم بعضًا، قال: فبعث الله إليهم إبليس فقتلَهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال، ثم خلق آدم وأسكنه إيَّاها فلذلك قال إِني جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً١٥٣ فهذا صريح في أنها كانت قبله.
فإن قلتَ قد أخرج السيوطي في الهيئة عن إسحاق بن بشر وابن عساكر من طريق جويبر ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي١٥٤ فابتلعت الأرض ماءها وارتفع ماء السماء حتى بلغ عنان السماء رجاء أن يعود إلى مكانه، فأوحى الله إليه أنِ١٥٥ ارجع فإنك رجْسٌ وغضب، فرجع الماء فملَّح وخمَّ وتردَّد فأصاب الناس منه الأذى فأرسل الله الريح فجمعه١٥٦ في مواضع البحار فصار زعاقًا مالحًا لا ينتفع به. الحديث. فقوله فجمعه في مواضع البحار إلى آخره يدلُّ أن البحار إنما تكون منه.

قلت: قد أخرج ابن كثير في تفسيره عن ابن جرير حدَّثنا أبو كريب حدَّثنا عثمان بن سعيد حدثنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس قال: كان إبليس من حيٍّ من أحياء الملائكة يُقال لهم الجن خُلقوا من نار السموم من بين الملائكة، وكان اسمه الحارث، وكان خازنًا من خُزان الجنة، قال: وخلقت الملائكة كلهم من نور غير هذا الحي، قال: وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارجٍ من نار، وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا لهبت، قال: وخلق الإنسان من طين فأول من سكن الأرض الجن، فأفسدوا فيها وسفكوا الدماء وقتل بعضهم بعضًا، قال: فبعث الله إليهم إبليس في جندٍ من الملائكة وهم هذا الحي الذين يُقال لهم الجن فقتلهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم بجزائر البحور وأطراف الجبال … الحديث.

فهذا يدل على أن البحور كانت قبل آدم فضلًا١٥٧ عن الطوفان، على أنَّا لا نُسلم أن الحديث الأول يدل على أن البحار لم تكن قبل بل إنما يدل على أن الماء جمع في مواضعها، فلعلَّها بلعتها الأرض لمَّا أُمِرت ببلع مائها.

فإن قلت في سياق الحديث الثاني غرابة كما ذكر ابن كثير في آخره، قلت: وفي متن الأول إشكال فإن قوله «فإنك رجْس وغضب.» ينافي قوله في البحر هو الطهور ماؤه والحل ميتتُه.

(٤-٢) فوائد

  • الأولى: أخرج السيوطي في الهيئة عن أبي الشيخ عن ابن عباس قال: قال رسول١٥٨ الله : ما أنزل الله كفًّا من الماء إلا بمكيال، إلا يوم نوح فإن الماء طغى على الخزان. قال الله تعالى: إِنَّا لَما طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ.١٥٩
  • الثانية: أخرج السيوطي عن ابن أبي زمنين في أصول السنة بسنده عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: تحت هذه السماء بحر ماء يطفح فيه الدواب مثل بحركم هذا، ومن ذلك البحر أغرق الله قوم نوح، وهو ماء أسكنه الله للعذاب وسينزله قبل يوم القيامة فيُغرق به ما يشاء ويعذب من يشاء.
  • الثالثة: الحكمة في كون البحر مِلحًا أجاجًا لا يُذاق ولا يشاع؛ لئلا ينتن من تقادُم الدهور والأزمان وعلى ممَرِّ الأحقاب والأحيان فيهلَك من نتنِه العالَم الآدمي، ولو كان حلوًا لكان كذلك حكمة منه تعالى. ألا ترى أن العين لمَّا كانت شحمة، والشحم لا يُصان إلا بالمِلح جعل الله الدمع مالحًا وكانت مغمورة به حكمةً منه وفضلًا.

قلت ولعل هذا حكمة المد والجزر، فإن الماء الدائم يتسارع إليه النتن بخلاف الجاري المُتحرِّك فإنه لا ينتن أبدًا.

فرع اختلف أصحابنا في وجوب الحج إذا كان الطريق بحرًا، ففي الطيبي — بفتح الطاء ونسبة إلى طيبة لمحمد بن الحسين خليفة — أنه لا يجب، وفي الشمني ولو كان الطريق بحرًا لا يجب الحج، ولو كان نهرًا كسيحون والفرات يجب، وقال الكرماني: إن كان الغالب فيه السلامة يجب.

ولنشرع الآن فيما نحن بصددِه فنقول وبالله التوفيق.

بسم الله الرحمن الرحيم.١٦٠

اختلف الناس في سبب المد والجزر على أقوال: أحدُها ما قاله أرسطاطاليس إن علة ذلك من الشمس إذا حركت الريح، فإذا زالت الرياح كان منها الجزر وهو باطل من وجوه:

[الوجه] الأول: أن حركة الريح إنما هو بتحريك الله الفاعل المختار، قال تعالى: اللَهُ الَذِي أَرْسَلَ الرِيَاحَ١٦١ لا لذات الريح أو شيء من لوازم ذاته، ولا للشمس لأنه إن كان الأول أو الثاني لزم دوام الريح بدوام ذاته وهو مُنتفٍ، وإن كان الثالث فإما أن يكون المُوجب لذلك طبيعة هذا الكوكب لا بشرط شيء أو بشرط حصوله في البرج المُعين والدرجة المُعينة، والأول باطل وإلا لدامت الريح بدوام تلك الطبيعة. والثاني كذلك وإلا لوجب حركتها مدة دوامه في ذلك البرج والدرجة، ومتى حصلت فيها ولوجب أن يتحرَّك كل هواء عند ذلك وليس فليس، فثبت أن حركتها إنما هو بفعل الفاعل المختار خالق الليل والنهار.
فإن قلت: قد زعمت الفلاسفة أنه١٦٢ يرفع من الأرض من أجزاء مُتسخنة تسخُّنًا قويًّا، فإذا وصلت إلى القُرب من الفلك امتنعت من الصعود فتتفرَّق في الجوانب وبسبب ذلك التفرُّق تحصل الرياح فيجوز أن يكون المسخن لذلك هو الشمس فصح نسبة المُتحرك إليها.
قلت: رد عليهم الفخر بأن صعود الأجزاء الأرضية إنما تكون لأجل شدة تسخينها١٦٣ فإذا صعدت إلى الطبقة الباردة من الهواء امتنع بقاء الحرارة فيها، فإذا بردت امتنع بلوغها في الصعود إلى الطبقة الهوائية المتحركة بحركة الفلك، وأيضًا لو كان كذلك لكان نزولها على الاستقامة، والرياح إنما تتحرَّك يمنةً ويسرة أيضًا فحركة الأجزاء الأرضية لا تكون حركة قاهرة، وهذه الرياح تقلع الأشجار وتهدم الجبال وتموج البحار فبطل ما قاله الفلاسفة.
الوجه الثاني: مُقتضاه أن مقرَّ الريح في قعر البحر ليحصل من تحريك الشمس تحريك الماء فيحصل المد. لأنا نرى البحر إذا مَدَّ مُد سطحه١٦٤ الأعلى والأسفل وما بينهما من السطوح، وذلك لا يتأتي إلا عن تحريك الكلِّ فلا بد وأن تكون الريح هائجة من القعر إلى السطح الأعلى، إذ لو لم تكن كذلك لم تؤثر ذلك، وأيضًا لو كان مقرُّها غير القعر كالسطح الأعلى مثلًا لم يُوجب تحريكها جريَ الماء على عكس ما هو عليه من الجريان حالة الجزر، فإنا نشاهد الأنهار الجارية كدجلة١٦٥ والفرات عند تحريك الريح على عكس مجراها جارية إلى الجهة التي كانت تجري إليها؛ قيل التحريك غير مؤثر تحريك الريح في عكس جريها، بل لم يُوجب الماء جريًا قويًّا مثل جري المدِّ إذا كان ساكنًا كما نشاهد في الغدران والبطيحات الساكنة، وإن أوجب تحريكًا ما فلا بد وأن يكون مقرها القعر وهذا باطل لوجهَين:١٦٦
  • الأول: أنه لا شيء منها مقره ذلك، ولم يقم دليل من نقل أو عقل عن ذلك.
  • والثاني: أن١٦٧ ما مقره ذلك أنى للشمس التأثير فيه؟ وها نحن نجد من غاص١٦٨ في شدة حرِّ الشمس في ماءٍ عُمقه عشرة أبواع١٦٩ أو أقل ووصل إلى قعره يخرج ينتفض من شدة البرد، بل احتاج إلى التدثير،١٧٠ بل من غاص في ثلاثة أبواع ووصل إلى القعر لا يجد للشمس أثر وإن كان في الرابع والعشرين من تموز، فكيف بماء قعره مائتا باع بل ألوف أبواع؛ فإن قلت فأين مقر الرياح؟ قلت: هي مختلفة حسبما١٧١ وردت به السنة النبوية والآثار، ففي الهيئة السنية للحافظ السيوطي أخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو — رضي الله عنهما — قال: قال رسول الله الريح مسجونة في الأرض الثانية، فلمَّا أراد الله أن يُهلك عادًا أمر الله خازن الريح أن يرسل عليهم ريحًا يهلك عادًا. قال: يا رب أرسل١٧٢ من الريح قدر منخر الثور؟ قال له الجبار: لا، إذن تكفي الأرض ومن عليها، ولكن أُرسل عليهم بقدر الخاتم.
    وأخرج أبو الشيخ عن كعب، قال: ساكنة الأرض الثانية الريح العقيم، لمَّا أراد الله أن يهلك قوم عاد أوحى إلى خزنتها١٧٣ أن يفتحوا منها بابًا قالوا: يا ربنا منخر الثور؟ قال: إذن تكفي الأرض بمن عليها، افتحوا منها مِثلَ١٧٤ حلقة الخاتم. وأخرج ابن جرير وابن مرذويب في تفسيرهما وابن أبي الدنيا في كتاب السخا وأبو الشيخ في العظمة عن أبي هريرة — رضي الله عنه — سمعت رسول الله يقول: ريح الجنوب من الجنة وهي من اللواقح وفيها منافع للناس، والشمال من النار تخرج وتمر بالجنة فتصيبها لفحة من الجنة فبردها من ذلك.
    وأخرج ابن راهوية وابن أبي شيبة في سنديهما والبخاري من تاريخه١٧٥ والبزار وأبو الشيخ عن أبي ذر عن النبي قال: إن الله خلق في الجنة ريحًا بعد الريح سبع سنين من دونها باب متعلق وإنما يأتيكم روح الريح من خلال ذلك الباب، ولو فتح ذلك الباب لأذرت ما بين السماء والأرض، وهي عند الله الأزيب وعندكم الجنوب.
    وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس — رضي الله عنهما — قال: الجنوب سيد الأرواح واسمها عند الله الأزيب وعندكم الجنوب،١٧٦ ومن دونها سبعة أبواب وإنما يأتيكم منها ما يأتيكم من خلالها، ولو فتح منها باب واحد لأذرت ما بين السماء والأرض.

    وأخرج أبو الشيخ عن أنسٍ — رضي الله عنه — قال: قال رسول الله الجنوب من ريح الجنة. وأخرج أبو الشيخ عن عثمان الأعرج قال: إن مساكن الرياح تحت أجنحة الكروبيين حملة العرش فتهيج فتقع بعجلة الشمس فتعين الملائكة على جرِّها، ثم تهيج من عجلة الشمس فتقع في البحر، ثم تهيج من البحر فتقع برءوس الجبال، ثم تهيج من رءوس الجبال فتقع في البر. فأما الشمال فإنها تمر بجنة عدن فتأخذ من عرف طيبها، ثم يأتي الشمال حدها من كرسي بنات نعشٍ إلى مغرب الشمس، وتأتي الدبور حدها من مغرب الشمس إلى مطلع سهيل، وتأتي الجنوب حدها من مطلع سهيل إلى مطلع الشمس، ويأتي الصبا حدها من مطلع الشمس إلى كرسي بنات نعش، فلا تدخل هذه في حدِّ هذه ولا هذه في هذه. قال الفخر الرازي وما بين كل واحدٍ من هذه الأمهات، أي من هذه الرياح الأربع فهي نكباء انتهى.

    فقد علمت ما سمعت أن محالَّها مختلفة ولا شيء منها محله١٧٧ قعر البحر. فإن قلت: فما تدفع المعارضة الثانية بين حديث ابن١٧٨ عمرو السابق، وبين حديث أبي هريرة وما أخرجه أبو االشيخ عن عثمان الأعرج، فإن حديث ابن عمرو بإطلاقه يقتضي أن مقرَّ الكل في مقر الأرض الثانية، والآخران يُخالفانه، وحديث أبي هريرة يقتضي أن الشمال مقرها النار والجنوب مقرها الجنة والآخر يُخالفه.
    قلت: أما حديث ابن عمرو١٧٩ فمحمول على الريح العقيم كما صرح به حديث كعب، وأما حديث عثمان فمحمول على أن الأجنحة المذكورة مسكنها بعد خروجها من مقرهما، وأما بقية الرياح فلا مانع من حمل مسكنها تحت الأجنحة على مقرها ابتداء خلقها؛ إذْ لا مُعارض فاندفعت المعارضة بين هذه الأخبار.

    فإن قلت: فما جوابك عما أخرجه السيوطي في الهيئة عن أبي عبيد وابن أبي حاتم وابن المنذر وابن أبي الدنيا وأبي الشيخ عن ابن عمر — رضي الله عنهما — قال: الرياح ثمانٍ أربعٌ منها رحمة وأربع عذاب؛ فأما الرحمة فالناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات، وأما العذاب فالعقيم والصرصر وهما في البر والعاصف والقاصف وهما في البحر، فإنه معارض لما ذكرته فإنه صريح في أن أرواح العذاب مقر اثنَين منها البر واثنين منها البحر، وإذا ثبت أن البحر مقر اثنين منها جاز أنْ يكون الشمس تحركهما فيحصل المد.

    قلت: لمَّا ذكر العقيم منها ومقرها في الأرض الثانية كما جاء في الحديثَين االسابقين، تبيَّن١٨٠ أن المراد بكونهن فيها١٨١ أنهما مَهبَّهن؛ فالبحر مهبُّ العاصف والقاصف والبر مهبُّ١٨٢ الصرصر والعقيم. وأيضًا القاصف والعاصف ريحا عذاب والمد ليس من آثار العذاب، وأيضًا لو كان المد إنما يحصل منهما لهلك وعذب في كل مدٍّ خلق ممن يركب البحر؛ لأن شأنهما العذاب، قال تعالى أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَىٰ فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا منَ الريحِ فَيُغْرِقَكُم،١٨٣ وقال تعالى حَتىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُل مَكَانٍ.١٨٤ وليس فليس.

فوائد

  • الأولى: أخرج أبو داؤد في سُننه عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: الريح من روح الله؛ فإذا رأيتموها فلا تسبُّوها، واسألوا الله خيرَها، واستعيذوا من شرها. وأخرج البخاري ومسلم والترمذي عن عائشة — رضي الله عنها — أن رسول الله كان إذا عصفت الريح قال: اللهم إني أسألك خيرَها وخير ما فيها وخير ما أُرسِلت به، وأعوذ بك من شرِّها وشر ما فيها وشر ما أُرسِلت به. ولفظ الترمذي كان إذا رأى السحاب.
  • الثانية: تُسَن الصلاة فرادى للريح الشديدة كالخسوف والظلمة والفزع والزلازل والصواعق وانتشار الكواكب والضوء الهائل بالليل والثلج والأمطار الدائمة وعموم الأمراض والخوف الغالب من العدو ونحو ذلك من الأفزاع والأهوال؛ لأن ذلك كله من الآيات المخوفة، والله تعالى يخوف عباده ليتركوا المعاصي ويرجعوا إلى طاعته التي فيها فوزهم وخلاصهم فأقرب أحوال العبد في الرجوع إلى ربه١٨٥،١٨٦ الصلاة كذا في البحر.
  • الثالثة: ذكر بعضهم لكلٍّ من الرياح الأربع خاصَّة؛ فالجنوب حارة رطبة، والشمال باردة يابسة، والصبا حارة يابسة، والدبور باردة ورطبة.
الوجه الثالث: إنا كثيرًا ما نجد المد مع سكون الريح، وكثيرًا ما نرى ازدياده مع نقصها ونقصه مع زيادتها، وكثيرًا ما نراه مع الريح المُخالف مهبُّها لمجراه كالشمال مثلًا، ولو كان سببه تحريك الشمس الريح لما وُجِد مد بدونه، ولو وجب ازدياده بازدياده ونقصه بنقصه، وألا يكون إلا مع الريح الموافق مهبُّه لمجراه كالتي تهبُّ من المطلع وكل غير لازم كما ذكرنا.
الوجه الرابع: لو كان علة المد الشمس لما وجد ليل قطُّ واللازم باطل؛ لأنه موجود بل الغالِب أن يكون ليلًا أبلغ وأكبر منه نهارًا. فإن قلت: إن الشمس لا تُفارق فلكها لأنها ثابتة فيه مركوزة كالشامة في الجسد أو البرَص فيه أو الفص في الخاتم، فإذا غربت من وجه الأرض بدورانه كانت تسير بدوره تحتها؛ لأن السماوات مُحيطة بالأرض إحاطة البياض والقشر من البيضة بالمح، إلا أنها أكمل استدارة لأن السماوات والأرض كروية الشكل وكل سماء يحكُّ سطحها مقعر الأخرى، فكما أنها إذا كانت فوق الأرض تؤثر في تحريك الريح مع أنها في الفلك الرابع ولا يحجبها ثخن أجرام السماوات عن ذلك فلتؤثر فيه إذا كانت تحت الأرض، وأي مانع من ذلك؟
قلت: هذا قياس مع الفارق فإن السماوات أنها لا تَحجُب لِلَطافتها بخلاف الأرض١٨٧ فإنها كثيفة والكثيف يَحجُب، على أن كلًّا مما ذكرت من كونها لا تفارق فلكها، وكونها ثابتة فيه، وكون سطح كل يحدُّه١٨٨ مقعر فوقَها وكون كل من السماوات والأرض كروي الشكل، لا يقوم عليه دليل قاطع ولا برهان ساطع بل هو مُخالف للنقل الصريح والكشف الصحيح فهو باطل.
أما بطلان الأول:١٨٩ فما أخرج البخاري عن أبي ذر — رضي الله عنه — قال: قال رسول الله يومًا حين غربت الشمس أتدري أين تذهب؟ قلت الله وسوله أعلم. قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذَن لها، ويوشك أن تسجد فلا يُقبَل منها، وتستأذن فلا يؤذَن لها، فيُقال لها: ارجعي من حيث شئت، فتطلع من مغربها. وأخرج أيضًا عنه رضي الله عنه قال: سألت النبي عن قوله تعالى وَالشمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَر لهَا١٩٠ قال مُستقرها تحت العرش.

وأخرج السيوطي في الهيئة عن أبي الشيخ وابن مردويه في التفسير من حديث ابن عباس أنها إذا غربت رفع بها إلى السماء السابعة في سرعة طيران الملائكة وتحبس تحت العرش، فتستأذن من أين تؤمر بالطلوع، ثم يُنطلَق بها ما بين السماء السابعة، وهي أسفل درجات الجنان في سرعة طيران الملائكة فتنحدِر جبال المشرق من سماءٍ إلى سماء … الحديث.

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: إنها كلما غربت أتت تحت العرش فسجدت واستأذنت في الرجوع فيؤذَن لها فيه، حتى إذا بدا لله أن تطلع من مغربها وفعلت كما كانت تفعل لم يُرَدَّ عليها مرة بعد١٩١ أخرى ثلاثًا، حتى إذا ذهب من الليل ما شاء الله أن يذهب وعرفت وإن أُذِن لها في الرجوع لم تُدرك المشرق قالت: رب ما أبعد المشرق! من لي بالناس؟ حتى إذا صار الأفق كأنه طوق استأذنت في الرجوع فيقال لها من مكانك فاطلعي، فتطلع على الناس من مغربها.

وأخرج السيوطي في الهيئة عن أبي حاتم وأبي الشيخ كليهما عن عكرمة قال: إن الشمس إذا غربت دخلت بحرًا تحت العرش فتُسبح الله حتى إذا هي أصبحت استعفت ربها من الخروج. قال: ولم قالت إني إذا خرجت عُبِدت من دونك، قال لها: اخرجي فليس عليك من ذلك شيء حسبهم جهنم.

فهذه الأحاديث والأخبار دالة على أن الشمس إذا غربت فارقت فلكها وذهبت نحو العرش إما بواسطة الملائكة كما هو ظاهر حديث ابن عباس، وإما بنفسها كما هو ظاهر بقية الأحاديث.

وإذا ثبت أنها كذلك بطل الأول وبطل الثاني أيضًا؛ لأن مفارقتها له يدل على أنها غير ثابتة فيه على أن كونها في الفلك الرابع أمر غير مقطوع به. فقد ذكر مرعي الحنبلي في كتابه بهجة الناظرين وآيات المُستدلِّين ما نصُّه: وأما الفلك الذي هي فيه فاختلفوا فيه فقال الفلكيون:١٩٢ إنه الفلك الرابع ويصل شعاعها إلى العالم السُّفلي؛ لأن أجرام السموات رقيقة فلا تَحجُب١٩٣ أصول النور بخلاف ما إذا قابلها حجاب كثيف كالغيم ونحوه. وذكر بعضهم أن وجهها نحو السماء وظهرها إلى الأرض ولولا ذلك لأحرقت الأرض.
وقال بعضهم: إنها تجري والكواكب في البحر الذي دون السماء بقدر١٩٤ ثلاثة١٩٥ فراسخ وهو مموج مكفوف١٩٦ قائم في الهواء بإذن الله تعالى لا يقطر منه قطرة، والبحار كلها ساكنة وهذا البحر يجري بسرعة السهم كأنه حبل ممدود بين المشرق والغرب فتجري الشمس والقمر والخُنَّس١٩٧ في ذلك البحر فذلك قوله تعالى كُل فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ.١٩٨ وفي الحديث، والذي نفس محمدٍ بيدِه لو بدت الشمس من ذلك البحر لأحرقت الأرض، ولو بدا القمر منه لافتتن به أهل الأرض حتى يعبدوه من دون الله إلا من شاء الله انتهى.

ومما يُبطل الثاني أيضًا ما أخرجه السيوطي في الهيئة عن ابن أبي شيبه وابن المنذر وأبي الشيخ عن سعيد بن المسيب قال: لا تطلع الشمس حتى ينخسها ثلاثمائة وستون ملكًا كراهية أن تُعبَد من دون الله.

وأخرج عن الطبراني وأبي الشيخ وابن مردويه عن أبي إمامة الباهلي — رضي الله عنه — قال: قال رسول الله وكل بالشمس سبعة أملاك يرمونها بالثلج كل يوم، ولولا ذلك ما أصابت شيئًا إلا أحرقته.

وأخرج عن ابن المنذر عن عكرمة قال: ما طلعت شمس حتى يُناديها سبعون ألف ملك اطلعي فتقول: كيف أطلع وأنا أُعبَد من دون الله فيدفعها ملكان حتى تستقل، ولولا برد ماء السماء لاحترق١٩٩ أهل الأرض من حر الشمس، ولولا أصوات الروم أو رومية لسمع الناس وجوب الشمس حين تَجِب. فهذه الأحاديث الثلاثة تدل على أنها غير ثابتة بفلكها مُلتصقة به دائرة بدورانه، فإن نخس الملائكة لها وأمرهم لها٢٠٠ بالطلوع وتوقُّفها عن ذلك بعد ذلك لكونها تعبد من دون الله ورفعهم٢٠١ لها بعد ذلك يدل على أنها ليست سائرة بدورانه لكونها ثابتة فيه وإلا لم يكن لذلك معنًى؛ لأنها حينئذٍ تكون تابعة الحركة فلا فائدة في ذلك. وكذا رميهم لها بالثلج يدل على انفصالها عنه اللهم إلا أن يُحمل الرمي على الرش عبر عنه به تنبيهًا على كثرته وتكاثفه.

(٤-٣) فوائد

اختلف العلماء في ما خلقت منه الشمس فقيل من نور العرش، وقيل من نار، وقيل إنها ملك أجوف٢٠٢ مملوء نارًا يخرج من هذا الوهج والشعاع، وقيل إنها سحابة مُمتلئة نارًا، وقيل هي أجزاء كثيرة من نار محترقة، وقيل هو جوهر خامس زائد على العناصر الأربعة.

قال الفلاسفة: هي اجتماع أجزاء نارية يدفعها البخار والصحيح الأول. وقد أخرج الثعلبي عن ابن عباس عن النبي أن الله تعالى لمَّا أبرم خلقَه فلم يبقَ من خلقه غير آدم شمسين من نور عرشه؛ فأما ما كان في سابق عِلمه أنه لا يطمسها فخلقها مثل الدنيا ما بين مشارقها ومغاربها، وأما ما كان في سابق عِلمه أن يطمسها ويُحوِّلها قمرًا، فخلقها دون الشمس في العِظم ولكن يرى صغرها من شدة ارتفاع السماء. الحديث.

الثانية اختلفوا في شكلها فقيل إنه بمنزلة صحفة عريضة وقيل كالصحفة المكفوفة، وقيل إنها كالكرة المدحرجة.

الثالثة اختلفوا في مقدارها فقيل إنها مقدار قدم إنسان، وقيل إنها أضعاف الأرض مائة وعشرين مرة، وقيل مائة وخمسين، وقيل مائة وستِّين، وقيل مائة وستة٢٠٣ وستين مرة وربع مرة وثمن مرة، وقيل مائة وسبع وستِّين مرة وثلث مرة، وقيل مائتَين مرة، وقيل ثلاثمائة وستٍّ وعشرين مرة، وقيل هي مثل الأرض وهو الموافق لحديث الثعلبي.

وأخرج السيوطي عن أبي الشيخ عن أبي صالح من طريق الكلبي عن ابن عباس إن رجلًا قال: كم طول الشمس؟ وكم عرضها؟ قال تسعمائة فرسخ في تسعمائة فرسخ، وطول الكواكب اثنَي عشر فرسخًا.

وأخرج عنه عن عكرمة قال: الشمس على قدر الدنيا وزيادة ثلث، والقمر على قدر الدنيا. وأخرج عن قتادة قال الشمس طولها ثمانون فرسخًا في عرض ثمانين فرسخًا.

الرابعة معنى غروب الشمس في العين الحمئة ليس غيبوبتها في نفس العين حقيقة، وإنما ذلك في رأي العين كراكب البحر يعتقد أن الشمس قد غربت في الماء، وإلا فأي عين في الأرض تسع ما هو أكبر منها بأضعافٍ مضاعفة.

وأما بطلان الثالث فلِقوله تعالى الذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُن يَتَنَزلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُن٢٠٤ فإن اثبات البينة لهنَّ يدل على ثبوت البُعد وعدم المُماسَّة، وقد دلت الأحاديث النبوية على ذلك والأخبار، فمنها ما أخرج السيوطي في الهيئة عن ابن٢٠٥ راهويه في مُسنده وعن أبي الشيخ عن البزار بسندٍ صحيح عن أبي ذر — رضي الله عنه قال: قال رسول الله ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام، وغلظ كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وما بين السماء التي تليها مسيرة خمسمائة عام، كذلك إلى السماء السابعة، والأرضون مثل ذلك، وما بين السماء السابعة إلى العرش مثل جميع ذلك.
وأخرج٢٠٦ عن الإمام أحمد في مسنده وأبي داؤد والترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه وابن أبي عاصم في السنة وأبي الشيخ وأبي يعلى وابن خزيمة والطبراني عن العباس بن عبد المطلب — رضي الله عنه — قال: كنا عند رسول الله فقال: أتدرون كم بين السماء والأرض؟ قلنا الله ورسول أعلم. قال: بينهما مسيرة خمسمائة سنة،٢٠٧ وبين كل سماء إلى سماء مسير خمسمائة سنة وكثف كل سماء خمسمائة سنة، وفوق السماء السابعة بحر بين أعلاه وأسفله كما بين السماء والأرض، ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين ركبهم وأظلافهن كما بين السماء والأرض، ثم فوق ذلك العرش بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض ثم الله فوق ذلك.
وأخرج عن الترمذي وابن مردويه وأبي الشيخ عن أبي هريرة — رضي الله عنه — قال: كنا جلوسًا مع رسول الله فمرَّت سحابة فقال أتدرون ما هذه؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: هذه الغيابة هذه ذوية٢٠٨ الأرض يسوقها الله إلى أهل بلد لا يعبدونه ولا يشكرونه. هل تدرون ما فوق ذلك؟ قالوا: الله ورسول أعلم. قال: فإن فوق ذلك موج مكفوف وسقف محفوظ. هل تدرون ما فوق ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإن فوق ذلك سماء أخرى. هل تدرون ما بينهما؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإن بينهما مسيرة خمسمائة عام حتى عدَّ سبع سموات بين كل سماء مسيرة٢٠٩ خمسمائة عام. ثم قال: هل تدرون ما فوق ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإن فوق ذلك العرش. فهل تدرون كم بينهما؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإن بين٢١٠ ذلك كما بين السماءين أو٢١١ كما قال. ثم قال: هل تدرون ما هذه؟ هذه أرض. هل تدرون ما تحتها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: أرض أخرى، وبينهما مسيرة خمسمائة عام حتى عدَّ سبع أرضِين بين كل أرضَين مسيرة خمسمائة عام.

وأخرج عن أبي حاتم وأبي الشيخ عن كعب قال: إن الله خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن وجعل ما بين كل سماءين كما بين السماء والأرض، وجعل كثفها مثل ذلك، وجعل ما بين كل أرضَين كما بين السماء والأرض، وكثف كل أرض مثل ذلك، وكان العرش على الماء فرفع الماء حتى جُعل عليه العرش، ثم ذُهِب بالماء حتى جعله تحت الأرض السابعة.

وأخرج عن أبي المنذر في تفسيره وعمر بن سعيد الدارمي في كتاب الرد على الجهمية، وأبي الشيخ عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام، وما بين كل سماءين خمسمائة عام، وبصر كل سماء وأرض — يعني غلظ ذلك — مسيرة خمسمائة، وما بين السماء السابعة إلى الكرسي مسيرة خمسمائة عام، وما بين الكرسي والماء مسيرة خمسمائة عام، والعرش على الماء والله فوق العرش وهو يعلم ما أنتم عليه.

وأخرج عن أبي جرير وابن المنذر عن ابن مسعود — رضي الله عنه — وناس من الصحابة رضي الله عنهم قال: إن الله كان عرشه على الماء لم يخلق شيئًا مما خلق قبل الماء، فلمَّا أراد أن يخلق الخلق أخرج من الماء دخانًا فارتفع فوق الماء فسما عليه فسمَّاه سماء، ثم أيبس الماء فجعله أرضًا واحدة، ثم فتقَها فجعلها سبع أرضين في يومَين؛ الأحد٢١٢ والاثنين فخلق الأرض على حوتٍ وهو الذي ذكره في قوله ن * وَالْقَلَمِ٢١٣والحوت في الماء والماء على ظهر الصفاة والصفاة على ظهر ملك والملك على صخرة في الريح، وهي الصخرة التي ذكرها لقمان ليست في السماء ولا في الأرض فتحرَّك الحوت فاضطرب فتزلزلت الأرض فأرسى عليها الجبال فقرَّت. وخلق الجبال فيها وأقوات أهلها وشجرها وما ينبغي لها في يومَين: الثلاثاء والأربعاء، ثم استوى إلى السماء وهي دخان وذلك الدخان من تنفُّس الماء حين تنفَّس فجعلها سماء واحدة، ثم فتقها فجعلها سبع سموات في يومَين: الخميس والجمعة، وإنما سُمِّي يوم الجمعة؛ لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض، وأوحى في كل سماء أمرها.

قال خلق في كل سماء خلقها من الملائكة، والخلق الذي فيها من البحار وجبال البرد وما لا يُعلَم، ثم زين السماء الدنيا بالكواكب فجعلها زينة وحفظًا من الشياطين انتهى.

فهذه الأحاديث كما ترى دالة على ثبوت الفضاء بين كل سماء وأُختها كما هو بين السماء والأرض، وأن مقداره مسيرة خمسمائة عام، فبطل القول بمماسَّةِ كلٍّ لما فوقها، وإذا تقرَّر ذلك فاعلم أنه قد ذكر في بهجة الناظرين وآيات المُستدلِّين للشيخ مرعي بن يوسف المقدسي الحنبلي ما نصُّه وفي حديث العباس بن عبد المطلب عن النبي قال: أتدرون ما بين السماء والأرض؟ قالوا: لا والله لا ندري. قال: فإن بُعد ما بينهما إما واحدة وإما اثنتان وإما ثلاث وسبعون سنة. أخرجه الترمذي. وفي سنن ابن ماجة أن ما بين السماء والأرض مسيرة ثلاث وسبعين سنة أو نحوها وكذا بين كل سماء وسماء.٢١٤

قال بعضهم إنه حديث صحيح وهو موافق لما دلَّ عليه علم الهيئة بأنَّ ما بين السماء والأرض ثمانون سنة مسافة كل يومٍ ثلاثون ميلًا إذا صعدت على استواء. قال: فما يذكر أن بينهما خمسمائة عام لا صحة ولا دليل عليه انتهى.

وأقول كان تضعيف هذا البعض الذي نقله مرعي لذلك لكونه غير موافق لكلام أهل الهيئة وأنت خبير بأن ذلك لا يُوجِب تضعيفًا، كما أن موافقتهم لا تُوجِب تصحيحًا وإلا فقد علمت ما نقلناه عن الهيئة السنية وسمعت تصحيح البزار والحاكم له على أن حديث العباس بن عبد المطلب قد أخرجه الإمام أحمد وأبو داؤد والترمذي وابن ماجه وغيرهم بأن ما بين كل سماء وسماء خمسمائة عام كما سبق، فينبغي أنْ يُقال في الجواب في رفع المعارضة أنه٢١٥ لا مفهوم للعدد، وأن التنصيص على عددٍ لا يدل على نفي الزائد عليه، كما فعل الفخر الرازي لمَّا ذهب إلى أن الأفلاك تسعة: فلك القمر وفلك عطارد وفلك الزهرة وفلك الشمس وفلك المريخ وفلك المشتري وفلك زحل وفلك الكواكب الثمانية وعشرين٢١٦ والفلك الأطلس عملًا على الرصد مع نص القرآن بأن السموات سبع. قال التنصيص على عدد السموات لا يدل على نفي الزائد.

(٤-٤) تنبيه

الفوقية الثانية الله في حديث ابن مسعود وحديث العباس بن عبد المطلب — رضي الله عنهما — ليست فوقية مكانٍ واستقرار بل فوقية قهر واستيلاء واقتدار، وكذا يجب تأويل كل ما٢١٧ ورد في القرآن والسنة مما يُوهِم ظاهره الجسمية أو يؤمن به على الوجه الذي أراد الشارع منه من غير تأويل، لا كما يُفهَم منه لغةً وهذا هو مذهب السلف وهو أسلم،٢١٨ والأول مذهب الخلف وهو أحكم.

(٤-٥) فوائد

الأولى أخرج السيوطي في الهيئة عن ابن راهويه في مُسنده والطبراني في الأوسط وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن المُنذر عن الربيع بن أنس قال: السماء الدنيا مَوج مكفوف، والثانية مرمرة بيضاء والثالثة حديد والرابعة نحاس والخامسة فضة والسادسة ذهب والسابعة ياقوتة حمراء، زاد ابن أبي حاتم وما فوق ذلك صحاري من نور، ولا يعلم ما فوق ذلك إلا الله وملك مُوكل بالحجب يُقال له ميطاطروس.

وذكر بعض أهل الكشف أن سماء الدنيا أشد بياضًا من اللبن فعلى هذا ما نراه من زرقتها٢١٩ قيل هو من خضرة جبل قاف؛ لأنه من زمردة خضراء، قاله الضحَّاك.٢٢٠ قال: وما أصاب الناس من زمرد فهو أممًا يتساقط٢٢١ منه.

وقيل إن الذي نراه هو البخار الطالع بحكم الطبيعة من يبوسة الأرض ورطوبة الماء صعد بها حرارة الشمس إلى الهواء فملأت الجو الخالي بين الأرض وبين السماء، ولهذا تراها تارةً زرقاء، وتارةً شمطاء، وتارة غبراء، كل ذلك على حكم البخار الصاعد من الأرض، وعلى قدر سقوط الضياء بين ذلك البخار. فهي باتصالها بسماء الدنيا تُسمَّى سماء، وأما سماء الدنيا نفسها فلا يقع عليها النظر لشدَّة البُعد واللطافة، ولولا أن الكواكب يسقط شعاعها إلى الأرض لما شُوهِدت ولا رُؤيت. وكم في السماء من نجمٍ مضيءٍ لا يسقط شعاعه في الأرض فلا تراه لبُعده ولطافته.

وقيل: إنها مخلوقة من زمردة فما نراه هو لونها، وفي الهيئة السنية أخرج أبو الشيخ بسند واهٍ جدًّا عن سلمان الفارسي قال: السماء الدنيا من زمردة خضراء واسمها رفيعا.٢٢٢

والثانية من فضة بيضاء واسمها أرقلون.

والثالثة من ياقوتة حمراء واسمها قيدوم.

والرابعة من دُرةٍ بيضاء واسمها ماعونا.

والخامسة من ذهبةٍ حمراء واسمها ديقا.٢٢٣

والسادسة من ياقوتة صفراء واسمها دفنا.

والسابعة من نور واسمها أربيا.

[الفائدة] الثانية ورد في حديث المِعراج أنه — عليه السلام — رأى آدم في السماء الدنيا، وعيسى ويحيى في الثانية، ويوسف في الثالثة، وإدريس في الرابعة، وهارون في الخامسة، وإبراهيم في السادسة مُسندًا ظهره إلى البيت المعمور، كذا في مُسلم وفي البخاري، وموسى في السابعة بتفضيل كلام الله تعالى — صلواته وسلامه عليهم أجمعين. والظاهر أن وجود كل واحدٍ في الفلك الذي هو فيه إنما هو لمناسبة ما بينه وبين ذلك الفلك.

الثالثة من فضل السماء أن الله تعالى زينها بسبعة أشياء بالنجوم والشمس والقمر والعرش والكرسي واللوح والقلَم وجعلها قبلةً٢٢٤ للدُّعاء وجعل الأيدي تُرفَع إليها، وقدم ذكرها على الأرض في أكثر الآيات وجعل لونها أخضر وهو أنفع الألوان للبصر وتقويةً له قاله الأطباء، ولذلك يأمرون من به وجع العين أن ينظر إلى الورقة الخضراء، فجعل الله أديمها أزرق نفعًا للأبصار وتقويةً لها. وجعل شكلها مُستديرًا وهو٢٢٥ أفضل الأشكال.
وعن ابن عباس في قوله تعالى وَالسمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ٢٢٦ قال أبو صالح:٢٢٧ ذات السماء والجمال، وقال الحسن: ذات الخَلق الحسن بحبكة بالنجوم، وقال أبو صالح: ذات الخَلق السديد وجعلها منزل الأبرار ومحل الصفاء والطهارة والعصمة والعباد المكرمين.

وأما الثالث وهو كون كل مَن في السماوات والأرض كروي الشكل فيشتمل على ثلاث مسائل: كون الأرض كرة وكونها واحدة؛ لأن القائلين بهذا، وهم أهل الهيئة، لم يُثبتوا غير هذه الأرض التي نحن عليها، وكون السماوات أُكَرٌ محيطةٌ بالأرض والكل باطل.

أما بطلان الأولى فلقوله تعالى وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا،٢٢٨ وقوله تعالى وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا٢٢٩ أي بسطها قاله ابن عباس وغيره، وعن ابن عمرو وابن عباس خلق الله الكعبة ووضعها على الماء على أربعة أركان قبل أن يخلق الدنيا بألفي عام، ثم دُحِيَت الأرض من تحت البيت. فإن قيل لا نُسلِّم أن الأرض بسيطة وآية مددناها لا تدل على بساطتها؛ لأن الأرض جسم عظيم والكرة إذا كانت في غاية الكبر كانت كل قطعةٍ منها تُشاهَد كالسطح والتفاوت بينهما لا يحصل إلا في علم الله.
قلت: أي ضرورة تدعو إلى القول بكونها كرة حتى تركبت٢٣٠ هذا التأويل؟ مع أن الحس شاهدٌ ببساطتها، على أن ابن عباس وغيره من السلف — رضوان الله عليهم أجمعين — أعلم بالبيان من غيرهم، وقد حكموا بالبساطة كما نقلنا. وأما بطلان الثانية فلقوله تعالى اللهُ الذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُن٢٣١ ولِما مَرَّ من الأحاديث الدالة على كونهنَّ سبعًا، وفي صحيح مسلم عن سعيد بن زيد أنه — عليه السلام — قال: مَن اقتطع شبرًا من الأرض٢٣٢ ظلمًا طَوَّقه الله إيَّاه من سبع أراضين. وفي صحيح البخاري خسف به يوم القيامة إلى سبع أراضين، وفي الهيئة السنية أخرج عمر بن سعيد الدارمي في كتاب الرد على الجهمية عن عبد الله بن عمر — رضي الله عنهما — قال: لما أراد الله أن يخلق الأشياء إذْ٢٣٣ كان عرشه على الماء، وإذْ لا أرض ولا سماء خلق الريح فسلَّطها على الماء حتى اضطربَتْ أمواجه وأثار زكامه فأخرج من الماء دخانًا وطينًا وزبدًا، فأمر الدخان فَعَلا وسما ونما، فخلق منه السموات وخلق من الطين الأراضين، وخلق من الزبد الجبال انتهى. فذِكر الأرض بلفظ الجمع يدلُّ على تعدُّدها وفيها٢٣٤ أيضًا.

وأخرج أبو الشيخ عن أبي الدرداء — رضي الله عنه — قال: قال رسول الله : كثف الأرض مُسيرة خمسمائة عام، وكثف الثانية مثل ذلك، وما بين كل أرضَين مثل ذلك.

وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد في قوله تعالى كانتا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا٢٣٥ قال من الأرضين ستٌّ فتلك سبع، ومن السماء ستٌّ فتلك سبع.

وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله إن الأراضين بين كل أرضَين إلى التي تليها مسيرة خمسمائة عام الحديث.

وأخرج أبو الشيخ عن الديناري قال: الريح العقيم في الأرض الثانية والثالثة فيها حجارة النار، والرابعة فيها عقارب النار، والخامسة فيها حيات النار، والسادسة فيها كبريت النار، والسابعة فيها إبليس.

وأخرج أبو الشيخ عن ابن عمر قال: إن على الأرض الرابعة وتحت الأرض الثالثة من٢٣٦ الجن ما لو أنهم ظهروا لكم لم تروا معهم نور الشمس، على كل زاوية منها خاتم من خواتم الله، على كل خاتم ملك من الملائكة يبعث الله إليه كل يومٍ ملكان من عنده أن احتفظ بما عندك.

وفي بعض التواريخ أنه قيل لعيسى عليه السلام يا روح ما تحت هذه الأرض؟ قال: بحر من ماء، قيل فما تحت البحر؟ قال: أرض. قيل فما تحت الأرض؟ قال: بحر ماء حتى بلغ سبع أراضين وسبعة أبحر. قيل: فما تحت الأرض السابعة؟ قال: صخرة مجوَّفة. قيل: فما تحت الصخرة؟ قال: هي على منكب ملك قائم. قيل: فما تحت الملك؟ قال: هو على ظهر ثور. قيل: فما تحت الثور؟ قال: هو قائم على ظهر حوت، وقد التقى طرفاه تحت العرش. قيل: فما تحت الحوت؟ قال: الماء. قيل: فما تحت الماء؟ قال: الريح. قيل: فما تحت الريح؟ قال: هواء وظلمة. قيل: فما تحت ذلك؟ قال: إلى هنا انتهى علمي وعلم العلماء.

وذكر شيخنا قُدِّس سِرُّه ولا زال في عافية شاملة في كتابه قصد السبيل نقلًا عن بعض أهل الكشف أنَّ سكان الطبقة الثانية من الأرض مؤمنو الجن. وسكان الثالثة مُشركو الجن ليس فيها مؤمن. وسكان الرابعة الشياطين على أنواع كثيرة. وسكان الخامسة عفاريت الجن والشياطين وهم رجل إبليس. وسكان السادسة المرَدة الذين لا يتحكمون لأحد من عباد الله وهم خيل إبليس. وسكان السابعة الحيات والعقارب كأمثال الجبال وأعناق البُخت وبعض زبانية جهنم، وهي محتد٢٣٧ إبليس انتهى.
فهذه الأحاديث والأخبار كلها دالة على تعدُّد الأرض وأنها ليست بواحدة، بل هي سبع بعضها فوق بعض بين كل [واحدةٍ] وما فوقها مسافة خمسمائة عام، كما صرح به حديث عبد الله بن عمر وحديث أبي هريرة السابق، فبطل القول بحمل الأراضين السبع على الإقليم السبع كما ذهب إليه بعض أهل النظر من المسلمين، أو بكونها سبعًا على الانخفاض٢٣٨ والارتفاع كدرَج المراقي كما ذهب إليه البعض في أنه مُخالفة الظاهر من غير ضرورة تدعو إليه.
قال الشيخ الأكبر قدَّس سِرَّه في الفتوحات المكية: واعلم أن الله تعالى قد جعل هذه الأرض بعدما كانت رتقًا كالجسم الواحد كما كانت السماء، ففتق رتقها وجعلها سبع طباق كما فعل بالسموات، وجعل لكل أرضٍ استعداد انفعال لأثر حركة فلك من أفلاك السموات، وشعاع كوكبها في الأرض الأولى وهي التي نحن عليها للفلك٢٣٩ الأول، إلى أن قال فلذلك قال من غصب شبرًا من الأرض طوقه الله به من سبعة أراضين؛ لأنه إذا غصب شيئًا من الأرض كان ما تحت ذلك المغصوب مغصوبًا إلى مُنتهى الأرض، ولو لم تكن طباقًا بعضها فوق بعض لبطل معقول هذا الخبر، وكذلك الخبر الوارد في سجود العبد على الأرض طهر الله بسجدته إلى سبع أراضين قال تعالى أَن السمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا٢٤٠ أي كل واحدة منهما مرتوقة ثم قال فَفَتَقْنَاهُمَا٢٤١ يعني فصل بعضها عن٢٤٢ بعض حتى تميَّزت كل واحدةٍ عن صاحبتها كما قال خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُن٢٤٣ الظاهر أنه يريد طباقًا، ثم قال يَتَنَزلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُن٢٤٤ أي بين السموات والأرض ولو كانت واحدة لقال بينهما انتهى.
فان قلت: إذا كانت الأرض سبعًا فلِمَ لم يأت بلفظ الجمع كما جاءت السماء؟ قلت: أجيب عنه بأن السماوات لمَّا كانت أجناسًا مختلفة أتى فيها بلفظ الجمع تنبيهًا على ذلك، والأراضين لما كانت من جنسٍ واحدٍ أتى فيها بصيغة الإفراد تنبيهًا٢٤٥على ذلك، وقيل لأن الأرض إذا جُمِعت ثقل التلفُّظ بها لكونها لا بدَّ لها من تحرُّك الوسط بخلاف السماء.

(٤-٦) فوائد

[الأولى]: اختلف القدماء من الفلاسفة وأهل الهيئة في المُوجِب لسكون الأرض حتى تكون فراشًا لنا، ويُمكننا التصرُّف عليها بالبناء وغيره على أقوالٍ: فقيل لأن الأرض لا نهاية لها من جهة السفل فلا مهبط لها إذن، قال الفخر وهذا باطل لتناهي الأجسام، وقيل المُوجِب لسكونها جذب الفلك لها من كل جانب فليس بعض الجوانب بأولى بجذبها من بعض، فوجب وقوفها. وقيل رفع الفلك لها من كل الجوانب، وقيل لأن الأرض بطبعها تطلُب وسط الفلك، والحق أن سكونها فعل الواحد القهَّار والعقل لا يقع على جميع حكم الله في المخلوقات لحصول العجز.
الثانية: في المسالك للبكري أن الأرض كلها مسيرة خمسمائة عام: ثلث عمران وثلث بحار وثلث براري غير مسكونة. وعن مكحول مسيرة ما بين أقصى الدنيا إلى أدناها مسيرة خمسمائة عام؛ مائتان في البحر، ومائتان ليس ساكنها أحد، وثمانون فيها يأجوج ومأجوج، وعشرون فيها سائر الخلق. وفي عيون الأخبار لابن قتيبة: الدنيا كلها — أي المعمور منها — أربعة وعشرون ألف فرسخ: اثنا عشر ألفًا للسودان، وثمانية آلاف للروم، وثلاثة آلاف لفارس، وألف للعرب. وقال قتادة: الأرض المعمورة هي أربعة وعشرون ألف فرسخ: اثنا عشر ألف فرسخ للسند والهند، وثمانية آلاف ليأجوج ومأجوج، وثلاثة آلاف للروم، وألف للعرب، كذا في بهجة النفس. وقال بعض المؤرخين: اتفق الفلاسفة وكل٢٤٦ من عنى٢٤٧ بمساحة الأرض أن تكسير الأرض اثنان وعشرون ألف فرسخ. وحكى البكري عن أبي عبيد أنه٢٤٨ حكى اتفاقهم على أن طول عمران الأرض ثلاثة عشر ألف ميل وخمسمائة ميل وذلك من أقصى٢٤٩ الجزائر الست بالبحر المُسمَّى أوقيانس وهو البحر المحيط الذي لا يُعلَم ما وراءه غربًا إلى أقصى٢٥٠ عمران الصين شرقًا.
وذكر بعضهم أن استدارة الأرض ستة وثلاثون درجة، والدرجة خمسة وعشرون فرسخًا والفرسخ اثنا عشر ألف ذراع، والذراع اثنان وأربعون إصبعًا، والإصبع ستُّ حبَّاتٍ وتسعان مصفوفة بعضها إلى بعض. قال الإمام الفخر: اتفقوا على أن جعلوا ابتداء العمارة من المغرب، إلا أنهم اختلفوا في التعيين؛ فبعضهم يأخذه من ساحل البحر المحيط وهو بحر أوقيانس، وبعضهم يأخذه من جزائر أغلة وهي التي تُسمَّى الخالدات.٢٥١ زعم الأوائل أنها كانت عامرة في قديم الدهر، قال الفخر: إن بعد هذه الجزائر عشر جزائر، قال: فيلزم٢٥٢ على هذا وقوع الاختلاف في الانتهاء أيضًا، ولم يُوجَد أرض العمارة إلا بعد ستةٍ وستِّين درجة من خط الاستواء. إلا أن بطلميوس زعم أن مِن وراء خط الاستواء عمارة إلى بعد ست عشرة درجة، فيكون عرض العمارة قريبًا من الاثنين وثمانين درجة. وأما مقدار سعة الأرض بالمراحل ففي الخريدة أن من مصر إلى أقصى المغرب نحو مائة وثمانين مرحلة، وإذا قطعت من القلزم شرقي مصر إلى حد الصين على خط مستقيم كان مقدار تلك المسافة نحو مائين مرحلة، فجملة ما بين أقصى المغرب إلى أقصى المشرق نحو أربعمائة مرحلة هذا طول الأرض، وأما عرضها من أقصاها في حد الشمال إلى أقصاها في حد الجنوب فمن ناحية يأجوج ومأجوج٢٥٣ إلى أرض بلغار وأرض السقالبة نحو أربعين مرحلة، ومن أرض السقالبة إلى بلد الروم إلى الشام نحو ستين مرحلة، ومن أرض الشام إلى مصر نحو ثلاثين مرحلة، ومنها إلى أقصى النوبة نحو ثمانين مرحلة حتى تنتهي إلى البرية، فذلك٢٥٤ مائتان وعشر مراحل كلها عمارة.
وأما ما بين يأجوج ومأجوج إلى البحر المحيط فغير معلوم، وذلك لأن٢٥٥ سلوكها غير ممكن لفرط البرد، وما بين براري السودان إلى البحر المحيط قفرٌ٢٥٦ خراب ليس فيه نبات ولا طير ولا وحش ولا شيء من المخلوقات ولا يعلم أحد مسافة هاتَين البريتَين كم هي إلى المحيط، وذلك؛ لأن سلوكهما غير ممكن لفرط البرد المانع من العمارة والحياة في الشمال، وفرط الحر٢٥٧ المانع من ذلك في الجنوب.
وأما جميع ما بين الصين والمغرب فمعمور كله والبحر المحيط مختلف به كالطرق، وأما عدد الأقاليم٢٥٨ [في] الأرض فمذهب الفلكيين أن الأقاليم سبعة، وذكر بعضهم أن طول كل إقليم من الأقاليم تسعمائة فرسخ في ميلها؛ فالأول منه٢٥٩ أرض بابل وخراسان وفارس والأهواز وموصل وأرض الجبل وله من البروج الحمل ومن النجوم المُشتري.
والثاني السند والهند والسودان وله من البروج الجدي وزحل. والثالث مكة والمدينة والحجاز واليمن وله العقرب والزهرة. والرابع مصر وإفريقية والبربر والأندلس وله الجوزاء وعطارد. والخامس الشام والروم والجزيرة وله الدلو والقمر. والسادس الترك والخزر والديلم والصقالبة٢٦٠ وله السرطان والمريخ. والسابع٢٦١ الذبيل وصفين وله الميزان والشمس.

ولأهل الهيئة وغيرهم اختلاف واضطراب في تعيين هذه الأقاليم السبعة. وذكر أن الأقاليم؛ الأول أطول أيامًا وأعدلُ ساعاتٍ من الثاني، والثاني أعدل من الثالث ثم كذلك إلى آخرها. وإن ما وراء السابع لا يسكن ولا يعيش فيه حيوان ولا يُدْخل إذا كانت الشمس في آخر الأبراج الشمالية في رأس السرطان. وزعم الفلاسفة أن الشموس شموس كثيرة، والأقمار أقمار كثيرة، ففي كل إقليم شمس وقمر ونجوم كذا في بهجة الناظرين.

الثالثة: اختلف المُفسِّرون هل السماء مخلوقة قبل الأرض أو بعدها؟ فذهب ابن عباس إلى أن الأرض خُلقت قبل، وبه قال الزمحشري وجماعة. وذهب آخرون أن السماء خُلقت قبل والعادة تشهد للأول؛ لأن مَن بنى بيتًا بنى أسافِلَه قبل أعالِيه.
الرابعة: قال صاحب كشف الأسرار: اختلفوا في تفضيل الأرض على السماء وعكسه، والأكثرون على تفضيل الأرض على السماء لأن الأنبياء خُلقوا منها وعبدوا الله فيها ودُفنوا فيها.
الخامسة: هذه الأرض العُليا أفضل مما تحتها لاستقرار ذُرية آدم فيها ولانتفاعنا بها ودفن الأنبياء بها، وهي مَهبط الوحي وغيره من الملائكة قاله في كشف الأسرار أيضًا. ومما يدل عليه ما خرَّجه الدارمي عن ابن عباس قال: سيد السماوات السماء التي فيها العرش، وسيد الأراضين التي نحن عليها.
وأما بطلان الثالثة فلِما أخرج السيوطي عن ابن أبي حاتم عن جُبير بن مطعم أن٢٦٢ النبي قال: إن الله على عرشه، وعرشه على سماواته، وسماواته على أرضه هكذا قال بإصبعه مثل القبة.
وأخرج عن ابن أبي حاتم عن السدي في قوله تعالى وَالسمَاءَ بِنَاءً٢٦٣ قال: السماء على الأرض كهيئة القبة وهي سقف على الأرض.
وأخرج عن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله تعالى وَالسمَاءَ بِنَاءً٢٦٤ قال: السماء على الأرض كهيئة القبة وهي سقف على الأرض.٢٦٥

وأخرج عن ابن أبي حاتم عن القاسم بن أبي بزة قال: ليست السماء مربعة ولكنها مُقبَّبة يراها الناس خضراء.

وأخرج عن أبي الشيخ عن إياس بن معاوية قال: السماء مُقبَّبة على الأرض مثل القبة.

وأخرج عن عبد بن حميد وأبي الشيخ عن وهب بن منبه قال: شيء من أطراف السماء مُحدق بالأرضين والبحار كأطناب الفسطاط.٢٦٦
وأخرج عن ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: خلق الله تعالى وراء هذه الأرض بحرًا مُحيطًا بها، ثم خلق من وراء ذلك جبلًا يُقال له قاف، السماء الدنيا مترفرفة عليه، ثم خلق ما٢٦٧ وراء ذلك الجبل أرضًا مثل تلك الأرض سبع مرات، ثم خلق من وراء ذلك بحرًا محيطًا بها، ثم خلق وراء ذلك جبلًا يُقال له قاف٢٦٨ السماء الثانية مترفرفة عليه حتى عد سبع أراضين وسبعة أبحر وسبعة أجبل وسبع سماوات، قال وذلك قوله تعالى وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ.٢٦٩
تتمة تتعلق بما نحن بصدَدِه، نقل شيخنا قُدِّس سرُّه في قصد السبيل٢٧٠ عن الشيخ الأكبر قُدِّس سرُّه أنه قال في الباب ٣٤٨ من الفتوحات المكية٢٧١ بعد ما أثبت الفضاء بين كل فلكٍ فلك ما نصُّه ولا يُعلَم ذلك إلا بالمشاهدة، والذين لا عِلم لهم يقولون إن الأفلاك يحك مقعر كل فلكٍ منها سطح الذي تحته ولا علم له بأن بينهم فضاء … إلخ.٢٧٢
وقال في الباب ٣٧١ خلَق السماوات وجعلها كالقباب على الأرض قبة فوق قبة كما سنُوقِفك في هذا الباب على شكل وضع هذه الأجرام وجعل هذه السماوات ساكنة، وخلق فيها نجومًا جعل لها في سيرها وسباحتها٢٧٣ في هذه السموات حركات مُقدرة لا تزيد ولا تنقص، وجعلها عاقلة سامعة مُطيعة وأوحى في كل سماءٍ أمرَها إلى أن قال: وهي سريعة السير في جرم السماء، فتخترق الهواء المماس لها فتَحدث بسيرها أصوات ونغمات مُطربات٢٧٤ لكون سيرها على وزنٍ معلوم، قد علم بالرصد مقادير تلك الحركات، إلى أن قال: فجعل أصحاب الهيئة للأفلاك ترتيبًا جائزًا مُمكنًا في حكم العقل أعطاهم ذلك علم رصد الكواكب وسيرها وتقدُّمها وتأخُّرها وبطئها وسرعتها، وأضافوا ذلك إلى الأفلاك٢٧٥ الدائرة بها، وجعلوا الكواكب في الأفلاك كالشامات على سطح٢٧٦ الجسم، وكل ما قالوه يُعطي ذلك ميزان حركاتها، وأن الله لو فعل ذلك كما ذكروه لكان السير السير بعينه؛ ولذلك يُصيبون في علم الكسوفات فإنهم مُصيبون في الأوزان، مخطئون في أن الأمر كما رتَّبوه وأن السموات كالأكر وأن الأرض في جوف هذه الأكر، إلى أن قال: وليس الأمر إلا كما ذكرنا شهودًا وكشفًا انتهى.
وقال المُحقق مؤيد الدين الجندي قُدِّس سرُّه: إن الأصول المذكورة في علم الهيئة من الأوضاع الفلكية وأكرة العناصر وفي كروية السماوات وكونها أفلاكًا مُحيطات متحركات حركات٢٧٧ دولابية على رأي المُتأخِّرين من حكماء الرسوم لا توافق مقتضى الكشف والشرع والبراهين التي أسَّسوا علمهم عليها في زعمهم إنما هي فروض وتقادير ليس شيء منها واقعًا بل هي واهية، وجميع براهينهم على كروية السماوات وإحاطتها بمركز الأرض بضعة عشر وجهًا كما ذكرها الشيخ أبو ريحان في قانونه المسعودي أكثرها يتعلَّق بإحاطة فلك الثوابت ونحن قائلون: بأن فلك الثوابت والأطلس فلَكان مُحيطان فلا يرد علينا وارد واحد منها، وثلاثة وجوه باقية تتعلق بغروب الشمس والكواكب السيارة. وهي أيضًا مدفوعة بفرض حركة منطقة البروج والكواكب السيارة فيها حمالية٢٧٨ لا دولابية. انتهى ما ذكره سلَّمه الله تعالى في قصده.

قلت: فلك الثوابت والفلك الأطلس فلَكان مُحيطان بالسماوات للسبع والأراضين السبع، والثور والصخرة والهواء والظلمة كما سنقِف عليه في تمثيل الشيخ الأكبر قُدس سِرُّه وهما المُعبَّر عنهما بلسان أهل الشرع بالعرش والكرسي على ما في شرح المواقف ففلَك الثوابت هو الكرسي والفلك الأطلس هو العرش وسُمي أطلسًا؛ لأنه غير مكوكب.

قال المُحقق الشمس الفناري رحمه الله في المصباح، عن المُحقق الفرغاني قُدِّس سرُّه كما نقله شيخنا قُدِّس سِرُّه عنه في قصده أن كلًّا من العرش والكرسي اعتبر صورتهما المثالية تارة بحكم المرتبة التي ظهرت الهيئة فيها. فسُمِّيا العرش والكرسي واعتبر صورتهما الجسمانية المُركبة من الطول والعرض والعمق فيُسمَّى العرش باعتبارها فلك الأفلاك والفلك الأطلس والمُحدَّد ويُسمَّى الكرسي باعتبارها فلك الكواكب والمنازل.

(٤-٧) تنبيه٢٧٩

قال الإمام فخر الدين: الفلك في كلام العرب كل شيءٍ دائر، وجمعُه أفلاك، وفيه قولان: فقيل أجسام تدور عليه النجوم قاله أكثر المُفسرين، وقيل إنه ليس بجسمٍ وإنما هو مدار النجوم، فإذا قُلنا بالقول الأول ففي كيفية اختلاف فقيل: إن الفلك موج مكفوف تجري فيه الكواكب. وقال جمهور الفلاسفة وأهل الهيئة هي أجرام صلبة لا ثقيلة ولا خفيفة غير قابلة للخرق والالتئام.

وإنما أشبعنا القول في هذا المقام وخرجنا عن المقصد الذي نحن بصدد بيانه؛ لأن كثيرًا من الناس، بل كثيرًا من فُضلاء زماننا، يعتقدون مذهب أهل الهيئة غاية الاعتقاد، ويعتمدون عليه غاية الاعتماد ويرتكبون التويل البعيد إذا سمعوا ما يُخالف مشربهم من نصوص الكتاب والسنة، ويخبطون خبطَ من به جِنة، ولعمري أن لا سبيل إلى معرفة السماوات والأرض إلا بالخبر؛ لأنها غيب لا يُدرَك إلا بالوحي والمشاهدة والعيان لا بالقياس والتخمين والحسبان، والعجب العجيب العُجاب أنهم يسلمون لائمة الدين والسلف ما نقلوه من الأحاديث وبيان الأحكام وتفاسير القرآن التي لا تُخالف مشربهم مما له تعلق بالدين ويدينون الله بالتعبُّد بأقوالهم وأفعالهم، وإذا رأوا منهم ما يخالف مذهب الحكماء والفلاسفة رفضوه وراء ظهورهم، فما مثلهم إلا مثل من يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض، أعاذنا من مذاهب الحكماء والفلاسفة.

وهذه صورة ما سبق الوعد به في كلام الشيخ الأكبر — قُدِّس سرُّه — كما نقله عنه شيخنا — سلمه الله — ولا زال في عافية شاملة، قال في الفتوحات صورة الفلك المُكوكب وقباب السموات وما٢٨٠ تستقر عليه وهي الأرض والأركان الثلاثة والعمد التي يمسك الله بها القبة والمعدن والنبات والحيوان والإنسان.٢٨١
فإن قلت قد فدت وأجدت في الإفادة ولو بينت٢٨٢ كيفية صورة هذه المنازل ووقت طلوع الطالع منها والغارب والشامي منها واليماني وانقسامها على الفصول، وتبينتَ البُعد بين كل منزلة وأختها وتكلَّمت على الألوان كان أكمل للفائدة.
قلت: أما بيان كيفية صورتها؛ فالشرطان كوكبان نيران مُتعارضان من الشمال إلى الجنوب بينهما قاب قوسين ويقرب من الجنوبي منها من شرقيه كوكب صغير بينهما قدر نصف ذراع مأخوذ من تثنيه شرط وهو العلامة؛ لأنها أول الربيع٢٨٣ واعتدل الزمان.

والبطين ثلاثة كواكب خفية على هيئة مُثلث متساوي الأضلاع وبينهم وبين الشرطين قدْر رمح في رؤية العين.

والثريا ستة كواكب وقيل سبعة صغار مجتمعة كعنقود عنب.

والدبران كوكب أحمر يتربع أربعة كواكب أصغر منه وهو معها كصورة الدال، وسُمي دبران لاستدباره٢٨٤ الثريا، [و]يُسمَّى المخدع وعادي النجم.

والهقعة ثلاثة كواكب خفية مجتمعة كنقطة الثاء كأنها لطخة سحاب.

والهنعة كوكبان أحدهما صغير والآخر أنور منه ويتصل بها أنجم فترى الجميع كصورة الصولجان وقيل كباءٍ منكوسة الرأس.

figure
والذراع كوكبان نيِّران مُعترضان بين الشمال والجنوب وهو ذراع الأسد، وللأسد ذراعان مقبوضة وهي الشامية وسميت مقبوضة؛ لأنها تَخفى عند طلوع الأسد فكأنه قبضها، ويُقارنها نجوم صغار تُسمَّى الأطفار وهي أربع وأحد كوكبي الذراع الشعرى٢٨٥ الغميضاء والآخر الأحمر يُسمَّى مرزم الذراع. والشعرى شعريان: أحدهما الشعرى العبور وهي يمانية نيرة تقطع السماء،٢٨٦ يقابلها الشعرى الغميضاء التي هي ذراع الأسد المبسوطة، ويُقابل العبور وهي في المجرة٢٨٧ من شماليها. ومن أكاذيب٢٨٨ العرب يقولون إن سهيلًا والشعرى كانا مُجتمعَين في يماني المجرة فخطب سهيل الشعرى العبور فلم تتزوَّج فمال عن المجرة فصار يمانيًّا فندمت على ردِّه فعبرت إليه المجرة في طلبه٢٨٩ فلذلك سُمِّيت الشعرى العبور وبقيت الشعرى الغميضاء في الجانب الشمالي فبكت لفراق أُختها فغمضت عيناها فصارت أقل نورًا من العبور. ويقال٢٩٠ الغميصاء والغميضاء بالمعجمة والمهملة.

والنثرة وهي كواكب صغار مجتمعة سحابية كأنها لطخة غيم.

والطرف كوكبان مُعترضان من الجنوب إلى الشمال سميت٢٩١ بذلك؛ لأنهما عيني الأسد وقدامهما كواكب صغار تُسمَّى الأشغار.

والجبهة أربعة كواكب على أثر الطرف كالنعش إلا أن فيها اعوجاجًا، وهي معترضة بين الشمال والجنوب، والجنوبيان منهما أحمران.

والزبرة كوكبان نيران مُعترضان بين الشمال والجنوب.

والصرفة كوكب أبيض نير عنده كواكب صغار وتُسمَّى الصرفة لانصراف الحر عند طلوعه بالعشاء.

والعواء هي خمسة كواكب متقاربة الأقدار متباينة الأبعاد ثلاثة منها مصطفة واثنان في المغرب إلى المشرق٢٩٢ كهيئة لام قد كتبت باليد اليسرى.
والسماك [الأعزل] كوكب نير في الجنوب من أربعة كواكب كمُربع فيه انحراف ويُسمَّى عرش السماك ويُسمَّى أيضًا الخباء، ويُسمَّى سماكًا؛ لأنه مرتفع سامك٢٩٣ وهو الأعزل، ويُسمَّى أعزل لخلوه مما٢٩٤ خطر لسمِيِّه من هيئة السلاح، فإن الأعزل الرجل الذي لا سلاح معه.
والسماك الرامح كوكب نيِّر في الشمال بين يدَيه كوكب صغير يُقال له رمح السماك، ولله٢٩٥ در القائل:
لا تطلبنَّ بغير حظٍّ رتبةً
قلم البليغ بغير حظٍ مغزل
سكن السماكان السماء كلاهما
هذا له رمح وهذا أعزل٢٩٦
وهو الحد بين النجوم الشمالية والجنوبية لقُربه من مطلع الاستواء فما٢٩٧ كان مطلعه فوق السماك الأعزل فهو شمالي وما كان تحته فهو جنوبي.

والغفر ثلاثة كواكب مُعترضة من الجنوب إلى الشمال على خطٍّ فيه تقوُّس بسبب بروز الأوسط منها عن استواء الخط إلى جهة الغرب وهي خفية وأنوَرُها الأوسط.

والزبانا كوكبان صغيران في الشمال والجنوب بينهما قدْر رمح.

والإكليل ثلاثة كواكب خفية على سطر مقوسة.

والقلب كوكب نيِّر مُحمَّر لمَّاع بين كوكبَين؛ شرقي وغربي.

والشولة كوكبان صغيران مُتقاربان بينهما قدْر فترٍ في رأي العين.

والنعائم ثمانية كواكب؛ أربعة منها في المجرة وتُسمَّى النعائم الصادرة وكأنها هذه قد صدرت من الماء، ووردت تلك لتروى من المجرة؛ لأن المجرة عند العرب مُشبَّهة بالنهر.

والبلدة رقعة في السماء ليس فيها كواكب وسُمِّيت أيضًا المفازة وهي خلف القلادة.

والقلادة ستة كواكب؛ ثلاثة شمالية وثلاثة جنوبية، صورة دائرة غير تامَّة الاستدارة تُشبَّه بالقوس وحيالهن كوكب يُقال له سهم الرامي وهو عصا الراعي.

وسعد الذابح كوكبان معترضان من الشمال إلى الجنوب بينهما قدْر باع وليسا٢٩٨ بالنيِّرَين بل الشمالي منهما كوكب صغير.

وسعد بلع ثلاثة كواكب مُعترضة بين الشمال والجنوب على خطٍّ فيه تقويس جذبته إلى المغرب وأوسطها أخفاها.

وسعد السعود ثلاثة كواكب على خطٍّ فيه تقويس بين الشمال والجنوب جذبته إلى الغرب والشمالي أنوَرُ من أخويه، وسُمِّي بذلك؛ لأنه يُتمنى به إقبال الربيع وانكسار حرِّ البرد وتليين الزمان.

وسعد الأخبية أربعة كواكب ثلاثة منها على شكل مُثلث والرابع في وسطه.

والفرغ المقدم بالغين المُعجمة كوكبان نيران مُعترضان بين الشمال والجنوب بينهما قدْر رمح، والمؤخَّر مثله والأربعة على صورة مُربَّع متساوي الأضلاع.

والرشا وهو بطن٢٩٩ الحوت، كوكب أحمر من جملة كواكب السمكة ويُسمَّى قلب الحوت، عليه كواكب خفية أحاطت بصورة سمكة.
وأما بيان طلوعها فاعلم أن المنازل لمَّا كانت ثمانية وعشرين كانت ثلاثة عشر منها ظاهرة في الأفق الأعلى، وثلاثة عشر في الأفق الأسفل، والطالع في حكم الطلوع والغارب في حكم الغروب. فإذا عرفت الطالِع كان رقيبه الخامس عشر، وإنما سُمِّي الغارب رقيبًا تشبيهًا له برقيب يرصده ليسقط من المغرب إذا ظهر ذلك من المشرق. والطالع والغارب كما يُعدَّان لأهل الأفق الأعلى كذلك يُعدان٣٠٠ لأهل الأفق الأسفل، وبقية الثلاثة عشر الظاهرة؛ واحد متوسط في خطِّ وسط السماء وستة منها إلى جهة المشرق وستة٣٠١ إلى المغرب وكذلك الثلاثة عشر السفلية فإذا غربت منزلة طلعت من المشرق أخرى فيتوسط ما بعد المتوسط في العدد، ومهما كان الطالِع فالغارب الخامس عشر منه والثامن منه متوسط فإذا عرفت هذا فاعلم أن الشرطَين يطلع مع الفجر في رابع٣٠٢ عشر نيسان ويتوسَّط سعد الذابح ويغرب الغفر وتكون الزبرة قبلة وقت المغرب.

والبطين يطلع مع الفجر في سابع أيار ويتوسط سعد بلع، وتغرب الزبانا وتكون الصرفة قبلة وقت صلاة المغرب.

الثريا تطلع مع الفجر في عاشر أيار ويتوسط سعد السعود ويغرب الإكليل وتكون العواء قبله وقت صلاة المغرب.

والدبران يطلع مع الفجر في ثاني حزيران ويتوسَّط سعد الأخبية ويغرب القلب ويكون السماك قبلة وقت المغرب.

والهقعة تطلع مع الفجر في خامس حزيران ويتوسط الفرغ المُقدم وتغرب الشولة ويكون الغفر قبلة وقت المغرب.

والهنعة تطلع مع الفجر في ثامن عشر حزيران ويتوسط الفرغ المؤخَّر وتغرب النعائم وتكون الزبانا قبلة وقت المغرب.

والذراع يطلع مع الفجر في حادي عشر تموز ويتوسط الرشا وتغرب البلدة ويكون الإكليل قبلة وقت المغرب.

والنثرة٣٠٣ تطلع مع الفجر رابع عشر من تموز ويتوسط الشرطان ويغرب سعد الذابح ويكون القلب قبلة وقت المغرب.
والطرف يطلع مع الفجر في سادس آب ويتوسط البطين٣٠٤ ويغرب سعد بلع وتكون الشولة قبلة وقت المغرب.

والجبهة تطلع مع الفجر في تاسع عشر من آب ويتوسط الثريا ويغرب سعد السعود وتكون النعائم قبلة وقت المغرب.

والزبرة تطلع مع الفجر من٣٠٥ ثاني أيلول ويتوسط الدبران ويغرب سعد الأخبية وتكون البلدة قبلة وقت المغرب.

والصرفة تطلع مع الفجر خامس عشر أيلول ويتوسط الهقعة ويغرب الفرغ المُقدم وتكون سعد الذابح قبلة وقت المغرب.

والعواء تطلع مع الفجر في ثامن عشر أيلول وتتوسَّط الهقعة ويغرب الفرغ المؤخَّر ويكون سعد بلع قبلة وقت المغرب.

والسماك يطلع مع الفجر في حادي تشرين الأول ويتوسط الذراع ويغرب بطن الحوت ويكون سعد السعود قبلة وقت المغرب.

والغفر يطلع مع الفجر في رابع عشر تشرين الأول ويتوسط النثرة ويغرب الشرطان ويكون سعد الأخبية قبلة وقت المغرب.

والزبانة تطلع مع الفجر في سادس تشرين الثاني ويتوسط الطرف ويغرب البطين ويكون٣٠٦ فرغ الدلو المُقدم قبلة وقت المغرب.
والإكليل يطلع مع الفجر في تاسع عشر تشرين الثاني ويتوسط فرغ الدلو ويغرب الثريا والجبهة يكون المؤخر٣٠٧ قبلة وقت المغرب.
والقلب يطلع مع الفجر في خامس عشر كانون الأول ويتوسط الزبرة ويغرب الدبران وحينئذٍ يكون الرشا٣٠٨ وقت المغرب.

والشولة تطلع مع الفجر في خامس عشر كانون الأول ويتوسط الصرفة ويغرب الهقعة ويكون الشرطان قبلة وقت المغرب.

والنعائم تطلع مع الفجر في ثاني عشر كانون الأول ويتوسط العواء ويغرب الهنعة ويكون البطين قبلة وقت المغرب.

والبلدة تطلع مع الفجر في عاشر كانون الثاني وتتوسط السماك ويغرب الذراع وتكون الثريا قبلة وقت المغرب.

وسعد الذابح يطلع مع الفجر في ثالث عشرين٣٠٩ كانون الثاني ويتوسط الغفر وتغرب النثرة ويكون الدبران قبلة وقت المغرب.
وسعد بلع يطلع مع الفجر في خامس شباط وتتوسط الزبانا ويغرب٣١٠ الطرف وتكون الهقعة قبلة وقت المغرب.

وسعد السعود يطلع مع الفجر في ثامن عشر شباط ويتوسط الإكليل وتغرب الجبهة وتكون الهنعة قبلة وقت المغرب.

وسعد الأخبية يطلع مع الفجر في ثالث أذار ويتوسط القلب وتغرب الزبرة ويكون٣١١ الذراع قبلة وقت المغرب.
والفرغ المُقدَّم يطلع مع الفجر في سادس عشر أذار وتتوسط٣١٢ الشولة وتغرب الصرفة وتكون النثرة قبلة وقت المغرب.

والفرغ المؤخَّر يطلع مع الفجر في الثلاثين من آذار وتتوسط النعائم وتغرب العواء ويكون الطرف قبلة وقت المغرب.

والرشا يطلع مع الفجر في حادي عشر نيسان ويتوسط البلدة ويغرب السماك وتكون الجبهة قبلة وقت المغرب.

واعلم أن هذه المنازل تنقسِم على البروج الاثني عشر فيحصل لكل برجٍ منها منزلتان وثلث، والقمر ينزل كل منزلٍ منها ليلةً ويسير سيرًا من غير تفاوت ويستتر ليلتَين من الشهر إن كان تامًّا وليلة إن كان ناقصًا. فإذا قطعها٣١٣ دق وتقوس، فذلك معنى قوله تعالى وَالْقَمَرَ قَدرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ.٣١٤

وأما بيان الشامي واليماني

فاعلم أن هذه المنازل تنقسِم إلى شامي ويماني وإن شئتَ قلتَ شامي وجنوبي فالشامية من الشرطين إلى السماك واليمانية من الغفر إلى بطن الحوت.

وأما انقسامها على الفصول فاعلم أن لكل فصلٍ من فصول السنة سبع منازل؛ فللربيع من الشرطين إلى الذراع، وللصيف من النثرة إلى السماك، وللخريف من الغفر إلى البلدة، وللشتاء من الذابح إلى الرشا.

وأما بيان البُعد بين هذه المنازل فاعلم أن البُعد من الشرطين إلى البطين اثنتا٣١٥ عشرة درجة، ومن البطين إلى الثريا ثلاث عشرة درجة، ومن الثريا إلى الدبران خمس عشرة درجة، ومن الدبران إلى الهقعة أربع عشرة درجة، ومن الهقعة إلى الهنعة ست عشرة درجة، ومن الهنعة٣١٦ إلى الذراع ومن الذراع إلى النثرة ثلاث عشرة درجة، ومن الطرف إلى الجبهة عشر درجات، ومن الجبهة إلى الزبرة أربع عشرة درجة، ومن الزبرة إلى الصرفة ثلاث عشرة درجة، ومن الصرفة إلى العواء ست عشرة درجة، ومن العواء إلى السماك اثنتا عشرة درجة، ومن السماك إلى الغفر مثل ذلك، ومن الغفر إلى الزبانا مثل ذلك، وتُسمَّى هذه متساوية الأبعاد، ومن الزبانا إلى الإكليل أربع عشرة درجة ومن الإكليل إلى القلب خمس عشرة٣١٧ درجة، ومن القلب إلى الشولة ست عشرة درجة.

ومن الشولة إلى النعائم عشرون درجة، ومن النعائم إلى البلدة تسع درجات وهن أوسط الأبعاد، ومن البلدة إلى سعد الذابح إحدى عشرة درجة، ومن الذابح إلى سعد بلع عشر درجات، ومن سعد بلع إلى سعد السعود مثل ذلك، ومنه إلى سعد الأخبية كذلك، ومنه إلى الفرغ المُقدَّم كذلك، وهذه الأربعة متساوية الأبعاد، ومنه إلى الفرغ المؤخَّر تسع عشرة درجة، ومنه إلى بطن الحوت عشر درجات، ومن بطن الحوت إلى الشرطين ست عشرة درجة.

وأما٣١٨ بيان الأنواء فاعلم أن العرب قسمت المنازل على سبعة أقسام بالنسبة إلى أنوائها، والنوء عبارة عن سقوط النجم في الغرب مع وقت الفجر؛

فالأول من الأنواء البدري وهو تسعة وثلاثون يومًا من سبعة أيام خلَون من أيلول إلى ثمانية عشر خلون من تشرين الأول ونوءُه سقوط الفرغ المقدم والفرغ المؤخَّر والحوت.

والثاني الوهي وهو اثنان وخمسون يومًا، ومبدؤه من ثلاثة عشر يومًا بَقِين من تشرين الأول إلى تسعة أيام تمضي من كانون الأول، ونوءُه سقوط الشرطين والبطين والثريا والدبران.

الثالث الؤلآ وهو مائة وثلاثون يومًا ومبدؤه من تسعة أيام تمضي من كانون الأول إلى ثمانية عشر تمضي من نيسان، ونوءُه سقوط الهقعة والهنعة والذراع والنثرة والطرف والجبهة والزبرة والصرفة والعواء والسماك.

والرابع العمر والمند٣١٩ وهما مُتداخلان وهما اثنان وخمسون يومًا من ثمانية عشر من نيسان إلى تسعة أيام تمضي من حزيران ونوءُه سقوط الغفر والزبانا والإكليل والقلب.

الخامس النهري وهو ستة وعشرون يومًا ومبدؤه من تسعة أيام تمضي من حزيران إلى خمسة أيام تمضي من تموز، وتُسمِّيه العامة النفاخ؛ لأنه يكبر فيه البلح فيصير بسرًا، وكذلك الفواكه والسمك ونوءُه سقوط الشولة والنعائم.

السادس بارج القيظ٣٢٠ وهو السموم الشديدة، وتُسميه العامة الطباخ؛ لأنه يطبخ البسر٣٢١ الذي ينفخه النهري فيصير رطبًا، وكذا الفاكهة كالتين والأجاص والعنب وما٣٢٢ أشبهه وهو تسعة وثلاثون يومًا، ومبدؤه من خمسة أيام مضَين٣٢٣ من تموز إلى ثلاثة وعشرين يومًا تخلو من آب، ونوءُه سقوط البلدة وسعد الذابح وسعد بلع.

السابع أحراف الهوى وهو تسعة وعشرون يومًا من ثلاثة عشر يومًا من آب إلى ثلاثة أيام من أيلول ونوءُه سقوط سعد السعود وسعد الأخبية.

(٤-٨) تنبيه

ذُكِرَ في تدبير الأزمنة أن مزاج الربيع حار رطب وطبيعته الدم يصلح فيه الأسواغ بالقيء والفصد والحجامة والجماع والإسهال والختان، والاعتماد على الأغذية المُعتدلة كالفراريج والبيض النيم برشت٣٢٤ ولبن الماعز والضأن.

والصيف حار يابس وطبيعته المرة الصفراء يُتوقَّى فيه كل حار يابس، ويُؤكل فيه كل بارد رطب ويُقلل فيه اللبث في الحمام والحركة والجماع، وأجود ما كان القيء من أيام السنة فيه.

والخريف بارد يابس وطبيعته المرة السوداء، ويُتوقَّى فيه البارد اليابس، ويُؤكل فيه كل حار رطب كطبيخ الحنطة، ويستعمل الأدهان المرطبة ويُجتنَّب إخراج الدم إلا في الضرورة والقيء فإنه يثير الحُمَّى.

والشتاء بارد رطب وطبيعته البلغم يُستعمل فيه الأغذية الحارة كالعصافير والجزر واللحوم الوحشية والحركة والاستجماع والاستحمام ويُجتنَّب فيه الإسهال.

(٤-٩) إلحاق٣٢٥

وإذ قد تعرَّضْنا لبيان هذه المنازل فلا بأس بالكلام على البروج الاثني عشر تتميمًا للفائدة. فنقول وبالله التوفيق البروج هي مقادير مُعينة في الفلك الأطلس، كما أن المنازل مقادير٣٢٦ مُعينة في الفلك المكوكب، كذا ذكره الشيخ الأكبر في الفتوحات وهي اثنا عشر برجًا: الحمل، الثور، الجوزاء، السرطان، الأسد، السنبلة، الميزان، العقرب، القوس، الجدي، الدلو، الحوت.
قال البغوي في تفسير قوله تعالى وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السمَاءِ بُرُوجًا٣٢٧ من سورة الفرقان قال الحسن ومجاهد وقتادة: البروج هي النجوم الكبار سُمِّيت بروجًا لظهورها، وقال عطية العوفي: أي قصورًا فيها الحرس كما قال تعالى وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مشَيدَةٍ،٣٢٨ وقال عطاء عن ابن عباس: هي البروج الاثني عشر التي هي منازل الكواكب السبعة السيارة وهي الحمل … إلخ.٣٢٩
فالحمل والعقرب بيتا المريخ، والثور والميزان بيتا الزهرة والجوزاء والسنبلة بيتا عطارد، والسرطان بيت القمر، والأسد بيت الشمس، والقوس والحوت بيتا المشتري، والجدي والدلو بيتا زحل، قال البيضاوي في تفسير قوله تعالى وَالسمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ:٣٣٠ أعني البروج الاثني عشر شُبهت بالقصور؛ لأنها ينزلها السيارات ويكون فيها الثوابت، ومنازل القمر وعظام الكواكب سُمِّيت بروجًا لظهورها انتهى.
ومعنى نزول القمر والشمس وغيرها ودخولها فيها مُسامَتُتها لنقطتها؛ فمعنى دخول الشمس بروج الحمل مُسامَتَتُها لنقطة الحمل، لا أنها تحلها. لما علمت أنها مقادير في الفلك الأطلس، فأما الشمس فإنها تقطعها في ثلاثمائة وخمس وستِّين يومًا وربع يوم إلا جزءًا من ثلاثمائة جزء من يوم؛ فتقطع الحمل بواحدٍ وثلاثين يومًا، وتقطع الثور بواحدٍ وثلاثين يومًا، وتقطع الجوزاء باثنين وثلاثين يومًا، وتقطع السرطان بواحد وثلاثين يومًا، وتقطع الأسد بواحد وثلاثين يومًا، وتقطع السنبلة بواحد وثلاثين يومًا،٣٣١ وتقطع الميزان بثلاثين يومًا، وتقطع العقرب بثلاثين يومًا، وتقطع القوس بتسعة وعشرين يومًا، وتقطع الجدي بتسعة وعشرين يومًا، وتقطع الدلو بثلاثين يومًا، وتقطع الحوت بثلاثين يومًا.
فخمسة منها تقطع كل واحدٍ منها بواحدٍ وثلاثين يومًا وهي: الحمل والثور والسرطان والأسد والسنبلة. وأربعة تقطعها بثلاثين ثلاثين وهي: الميزان والعقرب والدلو والحوت. واثنان منها تقطع كل واحدٍ بتسعةٍ وعشرين وهما: الجدي والقوس. وواحد وهو الجوزاء فإنها تقطعه باثنين وثلاثين. والحاصل٣٣٢ أنها تقطع النصف الأول بواحدٍ وثلاثين إلا٣٣٣ الجوزاء فإنها تقطعها باثنين وثلاثين وتقطع النصف الثاني بثلاثين ثلاثين إلا القوس والجدي فإنها تقطعها بتسعة٣٣٤ وعشرين وتسعة وعشرين.
وأما القمر فإنه يقطعها في كل شهر؛ وذلك لأن فلكه لما٣٣٥ كان أصغر وأضيق من فلك الشمس كانت مُسامَتَتُه لنقطة٣٣٦ كلٍّ أسرع من مُسامَتة الشمس لها؛ فالشمس تحلُّ أول البروج وهو الحمل يوم الحادي عشر من آذار فتبقى واحدًا وثلاثين يومًا، وبعد مضي ذلك من دخولها وهو الحادي عشر من نيسان تتحول إلى بروج الثور، وهكذا في كل برج تبقى المقدار الذي قُلنا إنها تقطعه فيه، ثم تتحول منه إلى غيره، فإذا عرفتَ مبدأ دخولها في برج الحمل وضبطتَ ذلك لم يُشكل عليك في أي برج هي.
وأما القمر فإن لمعرفة كونه في أي برجٍ هو طرقٌ أيسرها حساب الراعي، وبيانه أنك تنظر كم مضى من الشهر العربي من يومٍ فتُضيف إليه مثله ثم تضيف إلى المجموع خمسة وتنظر٣٣٧ إلى الشمس في أي برجٍ هي من البروج الاثني عشر، وتطرح منه لكلِّ برج خمسة فحيث انتهى العدد كان القمر في ذلك البرج. فإن كان الماضي من الشهر ستة تضيف٣٣٨ إليها مثلها فتصير اثني عشر ثم تضيف إليه خمسة فتكون سبعة عشر، فإذا كانت الشمس في الحمل مثلًا كان القمر في السرطان وعلى هذا فقس.
لكن ينبغي التقريب لحسن النظر، مثلًا إذا كان الماضي من الشهر خمسة فإن المجتمع٣٣٩ من الحساب يكون خمسة عشر، فإذا كانت الشمس في آخر البرج التي هي فيه نعلم قطعًا أن القمر ليس في الثالث بل في الرابع، وإذا كانت الشمس في أول بُرجها كان القمر في آخر بُرجه، فلو كان الماضي من الشهر ستة وكانت الشمس في أول برجها كان القمر٣٤٠ في أول رابعه.

واعلم أن هذه البروج تنقسم إلى منقلبٍ وثابتٍ ومجدٍ فهي تدور على هذه الأدوار؛ فالأول منقلب والثاني ثابت والثالث مجد، والرابع منقلب والخامس ثابت والسادس مجد، وهكذا فهي منقلب ثابت مجد منقلب ثابت مجد إلى الآخر؛ فالمُنقلب الحمل والسرطان والميزان والجدي، والثابت الثور والأسد والعقرب والدلو، والمجد الجوزاء والسنبلة والقوس والحوت.

فالمُنقلِب يحسبونه للذي لا يُرجى دوامه كالسفر ولبس الثياب الجدد،٣٤١ والثابت لما يرجى دوامه كالتقلب إلى المساكن التي يريدون الإقامة بها والبناء ووضع الأساسات،٣٤٢ والمجد على الأوسط من ذلك كالتزويج والشركة.
وتنقسم باعتبارٍ آخر إلى ناري وتُرابي وهوائي ومائي؛ فالأول ناري والثاني ترابي والثالث هوائي والرابع مائي والخامس ناري والسادس ترابي٣٤٣ والسابع رياحي وهكذا؛ فالناري منها: الحمل والأسد والقوس. والترابي: الثور والسنبلة والجدي. والهوائي منها: الجوزاء والميزان والدلو. والمائي منها: السرطان والعقرب والحوت.
فالناري يصلح فيه إخراج الدم كالحجامة والفصادة، والترابي يصلح فيه مثل الزرع والبناء، والهوائي يصلح فيه ما يصلح في الترابي، والمائي٣٤٤ يصلح فيه مثل سفر البحر والإسهال ويُتوقى فيه الفصادة حذرًا من تعفُّن الجرح وبطو الدمالة.٣٤٥ قال بطلميوس: لا ينبغي الفصد في عضو والقمر دليل ذلك العضو؛ فالحمل دليل الرأس والثور دليل العنق والجوزاء دليل البدن والسرطان دليل الصدر والأسد دليل القلب والمعدة والسنبلة دليل السرة وما حولها. وقيل إن الميزان دليله٣٤٦ الكلأ وما حولها والعقرب دليل الأنثيين والمذاكير، والقوس دليل الفخذين، والجدي دليل الركبتين، والدلو دليل الساقين، والحوت دليل القدمَين، فلا يجوز الفصد ولا الحجامة في عضو من هذه الأعضاء إذا كان القمر موضعها؛ لأنه بارد رطب فيتأثر ذلك العضو بالرطوبة فيخشى عليه من التعفُّن.

(٤-١٠) إرشاد

قد ورد النهي عن تعليم النجوم حذرًا من اعتقاد تأثيرها فإيَّاك وأن تعتقد أن لها تأثيرًا في موجود، فإن ذلك كفر. وكذا يحرم الاعتماد على ما تقوله العرب في الأنواء فإنهم يقولون أُمطِرنا بنوء كذا، ويريدون أن النوء له تأثير في إيجاد المطر، وذلك لا يجوز فإن لا تأثير في شيءٍ ما إلا لله تعالى، وقد جاء عنه ٣٤٧ قال ربكم: من عبادي مؤمن بي وكافر بالكواكب، ومن عبادي كافر بي ومؤمِن بالكواكب؛ فأما من قال: أُمطِرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب، وأما من قال أُمطرنا بنوء كذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب. وقال : ما أنزل الله من السماء من بركةٍ إلا أصبح فريق من الناس بها كافرون يُنزل الله الغيث فيقولون أُمطِرنا بنوء كذا.

فإن قلت ما تشرين ونيسان وكانون وآذار؟

قلت: هي شهور رومية، وإنما جعلوا مدار العمل عليها لأنها أقل اضطرابًا من غيرها. قال في براعة الاستهلال فيما يتعلق بالشهر والهلال للعلَّامة المرشدي٣٤٨ — رحمه الله: أما أشهر الرومية فهي أشهر سِني التاريخ الرومي المُسمَّى بالسرياني أيضًا، وهو تاريخ الإسكندر الثاني المعروف بالإسكندر المقدوني اليوناني، ومبدؤه يوم الاثنين أول السنة السابعة من مُلكه حين خرج من مقدونة وسار في الأرض وبلغ من معمورها ما بلغ، وذلك بعد موت الإسكندر بن فيلفوس الرومي الذي هو الإسكندر الأول باثنتي عشرة سنة شمسية، وهو أقدم من العربي بأيام عدَّتها ٣٤٠٧٠٠ وهو عبارة عن ثلاثمائة ألف يوم وأربعين ألف يوم وسبعمائة يوم.

ونظم ذلك بعضهم فقال:

إني أقول لسريانٍ إذا سبقوا
تاريخنا العربي مهلًا فسبقكمو
صفر وصفر وزاي ثم صفركم
والدال والجيم في الأعداد ترتسم
وأقدم من القبطي بأيامٍ عدَّتها ٢١٧٢٩١ وهي عبارة عن مائتي ألف يوم وسبعة عشر ألف يوم ومائتي يوم وواحدٍ٣٤٩ وتسعين، ونظم ذلك بعضهم فقال:
للروم تاريخ حوى سبقًا
على قبطٍ بأيامٍ أتت لك تُحسَبُ
ألف وطاء ثم باء بعدها
زاي كذا ألف وباء تُكتبُ

فعلى هذا يكون مبدأ التاريخ القبطي موافقًا لتاسع عشر آب الرومي، وقال فيها قبل هذا بيسير.

وأما الروم فإنهم جعلوا شهورهم على مدار الشمس وحركاتها مختلفة في أرباع السنة، فبعضها أكثر أيامًا من البعض على ما تعلقت به الأرصاد القديمة والحديثة؛ ولهذا جعلوا بعض الشهور ثلاثين وبعضها واحدًا وثلاثين، وبعضها ثمانية وعشرين، فأعطَوا كل شهر ما يَستحقه حتى صار مجموع أيام سنتِهم ثلاثمائة وخمس وستِّين يومًا وربع يوم، الأجزاء من ثلاثمائة جزء من يوم؛ لأن في هذه المدة تقطع الشمس دائرة الفلك. وهذا في البسيطة من سِنيهم، وأما الكبيسة منها فهي ثلاثمائة وستة وستِّين يومًا وذلك؛ لأن شباط عندهم كما سيأتي ثمانية وعشرون يومًا وربع يوم، غير أنهم يجعلون ثلاث سنين كل سنة ثمانية وعشرين يومًا وفي السنة الرابعة تسعة وعشرين يومًا وهم يتيمَّنون بالعام الذي تكبس فيه السنة حتى يتفاءلوا بمن يُولد أو يقدم فيه انتهى.

فمهما مضت ثلاث سنين فالرابعة كبيسة وهي:

تشرين الأول: بفتح المُثناة الفوقية وسكون المعجمة وكسر المهملة وسكون التحتية وبالنون في آخره على وزن نسرين، هكذا اشترط ضبطه على الألسنة. وفي هذا الشهر تكون الرياح مختلفة وتتحرك نسائم السحر،٣٥٠ وتزيد الحرارة العزيزية في البدن، والأغذية فيه كل حار رطب معتدل، والحلاوة الرمان الحلو والحامض٣٥١ والجماع يفيد البدن. وإياك من الجوع ومن الفواكه المختلفة وإفراط الجلوس في الحمام فإنه مضر.
وهو أحد وثلاثون يومًا: في اليوم الأول منه تهيج ريح الصبا وإكليل السنة السريانية. وفي الثاني منه آخر مدِّ النيل. وفي الثالث منه دير الثعالب. وفي الرابع منه شرف زحل وذهاب الحَر. وفي الخامس عيد كنيسة القمامة ببيت المقدس، يزعمون أن نارًا تنزل من السماء وتشعل الشمع هناك، وقيل إن عيد القمامة في اليوم الثامن. وفي السابع منه عيد التبارك٣٥٢ وتوسط سهيل مع الفجر. وفي الثامن منه عيد القمامة بالقدس الشريف. وفي التاسع توسط اليمامة مع الفجر. وفي العاشر نزول كبش إسماعيل. وفي الثالث عشر تغور٣٥٣ المياه ويقوم السوق بأذرعات ويضطرب البحر، وقيل إن اضطراب البحر وغور الماء في الرابع عشر. وفي الرابع عشر تحويل الشمس إلى برج العقرب. وفي الخامس عشر يبرد الزمان ويكثر الرياح ويصرم النخل، وإذا قطع منها خشب لم ينخر ولم يتسوَّس، وقيل إن قطع الشجر في اليوم السادس عشر. وفي السابع عشر يكره الفصد. وفي الثامن عشر منه ينقص نيل مصر ويترك السهل وقيل إن نقص النيل في التاسع عشر. وفي الحادي والعشرين منه يزرع على نيل مصر، وفي الثالث والعشرين يبتدئ الهواء بالبرد وينقطع أوان شرب الدواء. وفي الرابع والعشرين منه يدخل النموس بيوتهم. وفي الخامس والعشرين غاية قوة فصل الخريف. وفي السادس والعشرين منه بدء الزرع بالشام، وذكر أن رأس يحيى بن زكريا عليه السلام وضع في القبر.٣٥٤ وفي السابع والعشرين يوم٣٥٥ قاسم كوني. وفي التاسع والعشرين طلوع الغفر ونوء الشرطين. وفي الثلاثين منه تذهب الحدأة والرخم والخطاطيف للغور ويسكن النمل بطن الأرض.

وتشرين الثاني: وفيه يشتد البرد يومًا فيومًا والحرارة الغزيزية تتمكن في باطن البدن والأغذية فيه هريسة ولحم الشوي وكراع الغنم وكل طعام طبعه حار، والحذَر من الماء البارد وكل ما طبعه بارد، والفصد والحجامة فيه مُضِران.

وهو ثلاثون يومًا: في اليوم الأول منه تهب الجنوب وتهيج البحر. وفي الثاني ينقطع سفر البحر. وفي الثالث منه أول المطر الوسمي. وفي الرابع يستقر الحشرات٣٥٦ تحت الأرض. وفي الخامس منه تختفي الهوام. وفي السادس قيل تهب رياح٣٥٧ الجنوب.
وفي السابع منه٣٥٨ لقط الزيتون بالشام ويكثر الغيوم ويضطرب البحر وتكثر أمواجه ولا تجري فيه جارية، وقيل إن لقط الزيتون بالثامن. وفي الثامن منه غليان البحر وقيل إن غليانه في السابع. وفي التاسع منه أول المدود وفي العاشر نزول المياه في أسافل الشجر. وفي الحادي عشر تختفي الهوام. وفي الثالث عشر منه ابتداء اضطراب بحر فارس فإن قطع في هذا اليوم خشب لا تقع فيه الأرضة ولا السوس، وتتحوَّل الشمس فيه إلى برج القوس. وفي الرابع عشر صوم الميلاد. وفي السابع عشر منه قيل ابتداء صوم الميلاد وهو أربعون يومًا وابتداء البرد. وفي الثامن عشر يمنع البحر على المسافر. وفي العشرين منه تموت كل دابة لا عظم لها٣٥٩ وعيد دخول السيدة للهيكل. وفي الحادي والعشرين يكره شرب الماء بعد٣٦٠ النوم. وفي الثاني والعشرين منه اشتداد أمواج البحر وتغييب الثريا. وفي الثالث والعشرين هبوب العواصف. وفي الرابع والعشرين تهب الرياح الشمالية ويسقط الورق وفي السابع والعشرين امتزاج الفصلَين.
وكانون الأول: وهذا الشهر طبعه كالشهر الماضي. وفي اليوم السادس عشر منه أكل الحلويات، ولا يؤكل فيه ما يكون فيه حموضة، ولا من لحم البقر، ويكره فيه حلق شعر الرأس والبدن. وهو واحد وثلاثون يومًا: في اليوم الأول منه يقوم سوق توما بدمشق ويغرس قضب٣٦١ البان. وفي الثاني منه يدخل النمل إلى جحره. وفي الرابع منه عيد بربارة. وفي الخامس طلوع القلب ونوء الدبران. وفي التاسع تعمى الحيات. وفي الحادي عشر منه قيام سوق الأردن وآخر فصل الخريف. وفي الثاني عشر منه بدء زيادة النهار، وأول الأربعينية وتتحول الشمس إلى برج الجدي. وفي الثالث عشر يسخن بطن الأرض. وفي الرابع عشر منه قيل أول الأربعينيات. وفي الخامس عشر تغرس الأشجار. وفي السابع عشر منه يُنهى عن تناول لحم البقر والأترنج وشرب الماء عند النوم والحجامة وطلي النورة ويُسمُّون هذا اليوم الميلاد الأكبر يعنون به الانقلاب الشتوي، ويقولون إن فيه يخرج النور٣٦٢ من حدِّ النقصان إلى حدِّ الزيادة، وتأخذ الإنس في النشوء والنماء والجن في الذبول والفناء. وفي الثامن عشر طلوع الشولة ونوء الهقعة. وفي التاسع عشر منه قيل يكون غاية طول الليل وقصر النهار. وفي العشرين يكسر قصب السكر. وفي الحادي والعشرين قطع٣٦٣ الخشب المبلغ. وفي الثاني والعشرين منه يمطر الثلج. وفي الثالث والعشرين منه تنتهي زيادة النيل ويكثر الأنداء وترجع حرارة الأرض إلى باطنها وتسقط ورق الأشجار. وفي الرابع والعشرين فار التنور بالكوفة. وفي الخامس والعشرين عيد ميلاد المسيح — عليه السلام. وفي السادس والعشرين آخر الميلاد وميلاد يعقوب وداود — عليهما السلام. وفي الثامن والعشرين يُنهى عن شرب الماء عند النوم، ويزعمون أن الجن تتقيأ في الماء حينئذٍ فمن شرب منه يغلب عليه البلَه ويُورث الصرع والجنون فيجب ألا يترك الماء مكشوفًا وقيل إن ذلك في التاسع والعشرين. وفي التاسع والعشرين طلوع النعايم ونوء الهنعة.
وكانون الثاني: وهو ثاني شهر من فصول الشتاء وفيه يزيد البلغم في البدن، ويجب أن يُوكل فيه شيء قليل دون الشبع، ويُتجرَّع فيه من الماء السخن والجماع يزيد في الباءة، والحذر فيه من اللبن والسمك. وهو واحد وثلاثون يومًا: في اليوم الأول منه يجري المطر، وفيه القلنداس٣٦٤ لأهل الشام يُوقِدون في هذه الليلة نيرانًا عظيمة وكذلك في سائر بلاد النصارى سيما أنطاكية فإنها أول مدينة بدَت منها الملَّة النصرانية. وفي الثاني منه أوان قطع الخشب زعموا أن الخشب إذا قُطع فيه لم يجف. وفي الخامس صوم الذبح وليلة الغمطان. وفي السادس عيد الذبح زعموا أن فيه ساعة يَعذُب فيها الماء المالح. وفي السابع طلوع النسر الطائر مع الفجر. وفي الثامن شرف المريخ. وفي التاسع يغيب العيوق. وفي العاشر٣٦٥ منه صوم العذارى وتتحول فيه الشمس إلى برج الدلو. وفي الحادي عشر سعد. وفي الثاني عشر تغيب الشعرى الشامية. وفي الرابع عشر وفاة أبي بكر وخلافة عمر. وفي السادس عشر آخر شدة البرد. وفي السابع عشر منه يذهب البرد ببلاد فارس. وفي الثامن عشر يصفو ماء النيل. وفي العشرين آخر الأربعينية وأول الخمسينية. وفي الحادي والعشرين تقل الأوجاع. وفي الثاني والعشرين منه قيل ينتهي الأربعينيات. وفي الرابع والعشرين منه بدو العشب في الأرض وتزاوج الطيور. وفي الخامس والعشرين منه زرع القطن والبطيخ وتغرس الأشجار بالأردن بالروم وتكسح الكروم بأرض مصر وتغتلم٣٦٦ فحولة الإبل وفيه يطلع سعد الذابح ونوء النثرة. وفي السابع والعشرين تختلف الرياح. وفي التاسع والعشرين مولد الحسين كرم الله وجهه.
شُباط: بضم السين المهملة كما ضبطة الجوهري والمشهور بين الناس شباط بالمعجمة ولا يبعد أن يكون عُرِّب بالمهملة، وذكره في القاموس في فصل الشين المعجمة وضبطه بضمها، وهو ثالث شهر من٣٦٧ فصل الشتاء.
وأيامه ثمانية وعشرون يومًا إنْ كانت السنة بسيطة وتسعة وعشرون إنْ كانت كبيسة: في اليوم الأول منه عيد الشمع. وفي الرابع غرس الأشجار وعيد الهيكل. والخامس نحس ويتوسَّط العيوق فيه وقت العشاء. وفي السادس طلوع سعد بلع ونوء الطرف. وفي السابع منه تسقط الجمرة الأولى في الهواء. والتاسع سعد وتتحول٣٦٨ الشمس فيه إلى برج الحوت. وفي الحادي عشر يزرع النرجس. وفي الثالث عشر منه يجري الماء في العود من أسافله إلى أعاليه، وتنق الضفادع، ويرجع الكركي والغرنوق. وفي الرابع عشر منه صوم النصارى، وتسقط الجمرة الثانية في الماء. وفي الخامس عشر منه تُزرع بقول الصيف، والقثاء، والبطيخ، ويرد الوحش، ويصوت الطير، وتطير الخطاطيف، وتلد المعز، وتغرس شجر الورد، ويزرع النرجس والياسمين والسوسن، ويُورق الكرم، ويكثر العشب، وينكسر البرد. وفي السادس عشر تحويل القبلة إلى الكعبة، وتختلف الأرياح والأمطار بالقبط وخروج الكمأة بالشام. وفي التاسع عشر ينعقد اللوز وفيه وفاة جعفر الصادق. وفي العشرين منه يخرج الدبيب وتتحرَّك البراغيث. وفي الحادي والعشرين منه سقوط الجمرة الثالثة في التراب. وفي الثالث والعشرين يزرع قصب السكر. وفي الرابع والعشرين هبوب اللواقح. وفي الخامس والعشرين يظهر الدفا ويسخن بطن الأرض وتهب الرياح اللواقح وتكسح الكروم، قيل وفيه أول برد العجوز وقطع الأظفار فيه جيد. وفي السادس والعشرين منه يكون أول أيام العجوز الآتي بيانها ويتوسط٣٦٩ سهيل العشاء. وفي الثلاثين امتزاج الفصلين.

(٤-١١) تنبيهان

  • الأول: معنى سقوط الجمرات الثلاث أن الناس كانوا يتخذون في قديم الزمان أخبية ثلاثة في الشتاء بعضها محيط بالبعض، وكانت دوابهم الكبار كالإبل والبقر والخيل في البيت الأول، ودوابهم الصغار كالغنم في البيت الثاني٣٧٠ وهم في البيت الثالث وكانوا يُشعلون النار في كل بيت ويتخذون الجمر للاصطلاء فإذا كان السابع من شباط أخرجوا دوابهم الكبار إلى الصحراء وجعلوا الصغار مكانها في البيت الأول، وهم يسكنون مكان الدواب الصغار في البيت الثاني فحينئذٍ سقطت من الجمرات الثلاث واحدة، فإذا مضى أسبوع آخر أخرجوا الغنم أيضًا إلى الصحراء وهم سكنوا مكانها فسقطت جمرة أخرى، فإذا مضى أسبوع آخر خرجوا إلى الصحراء بأنفسهم وتركوا إشعال النار؛ لقلة البرد وطيب الهواء فسقطت الجمرات الثلاث. وفي بعض رسائل إخوان الصفا أن الجمرة هذه ليست بلفظة عربية بل رومية وإن كانت عربية فمعناها الحرارة إطلاقًا للسبب على المسبب أو المحل على الحال؛ لأن الجمرة سبب ومحل للحرارة المأخوذة من كرة النار إلى كرة الهواء السفلى المتصلة٣٧١ بكرة الأرض انتهى.
  • الثاني: أيام الحسوم الثمانية المذكورة في القرآن العزيز في قوله تعالى سَخرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيامٍ حُسُومًا٣٧٢ هي ثلاثة أيام من شباط وأربعة من آذار وأربعة من شباط وثلاثة من آذار، كذا نقله الصلاح الصفدي وفيه أن مجموع ما ذكر سبعة لا ثمانية، سُمِّيت بذلك من الحسم وهو القطع لأنها حسمتهم.
قال البيضاوي: وكانت من صبيحة يوم الأربعاء إلى غروب الأربعاء الأخرى انتهى.٣٧٣ وهي المُسمَّاة بأيام العجوز. ووجهه أن عجوزًا من عادٍ توارت في سربٍ فانتزعتها الريح في اليوم الثامن وأهلكتها، وقيل لأنهم بقي منهم عجوز كانت تنوح عليهم وتندبهم في تلك الأيام فسُمِّيت بها، وقيل لوقوعها في عجز الشتاء.

وحُكي أن الكسائي سأله الرشيد عن سببها فقال: كانت امرأة من العرب قد اهتزت، وكان لها سبعة أولاد فقالت لهم زوجوني وهم يُضربون عنها ولا يكترثون لها، فأنشأت تقول:

أيا بني إنني لناكحة
فإن أبيتم إنني لجامحة
هان عليكم ما لقيت البارحة
من الهياج وحكاك الوامحة

ويروى الفاضحة قيل أراد بالوامحة الواحمة أي المشتهية من قولهم وحمت المرأة تُوحِم وحمًا فهى وَحْمى. فقالوا لها تبيتين لنا سبع ليال على ثَنِيَّة هذا الجبل، لكل ابنٍ ليلة لنُزوجك، بعد ذلك فجاءوها بعد السابعة فوجدوها قد هلكت.

وقال أبو سعيد الضرير: سُمِّيت أيام العجوز لأن العرب تجزُّ الأصواف والأوبار فيها مُؤذِنة بالصيف، وقالت عجوز منهم: لا أجزُّ حتى تنقضي هذه الأيام فإني لا آمَنُها فاشتدَّ البرد وأضر بمن قدم جزَّه وسلمت العجوز بمالها.

وقال ثعلب: الصحيح أن العجوز عجَّلت بجزِّ صوفها لحاجتها إليه وثقتها بالجز في البرد فموَّتَت غنمها. وكانت سبعة فماتت كل يومٍ واحدة فمن جعلها سبعة فلهذه العلة، وإلا فبرد العجوز ربما بقي عشرة أيام فأكثر، وهذه الأيام لا تخلو عن برد أو رياح أو كدورة.

وذهب بعضهم إلى أنها من الأمور الطبيعية، فإن البرد يشتدُّ في آخره كما أن الحر يشتدُّ في آخر الصيف، وذلك جارٍ مجرى السراج الذي فنِيَت رطوبته فإنه عند انطفائه يشتدُّ ضوءُه ثم٣٧٤ ينطفئ، وكذلك كل شيءٍ ينتهي فإنه يشتدُّ عند انتهائه.
ولكل يوم منها عند العرب اسم يخصُّه؛ فالأول أمر لأنه يأمر الناس بالحذَر منه، وثانيها مؤتمر لأنه يأتمر بالناس أي يرى لهم السر ويؤذنهم، وثالثها صنا٣٧٥ لشدة البرد فيه، والصن البرد، ورابعها صنبر٣٧٦ لأنه يترك الأشياء كالصبرة من البرد في الجمود. وخامسها وبر لأنه وبر آثار الأشياء أي عفَّى والشو بين المحور والإخفاء. وسادسها مُطفئ الجمر لأن شدة البرد يُطفئ الجمر. وسابعها معللًا لأنه يُعلل الناس بشيء من تخفيف البرد.
ومن الناس من يقول في أيام العجوز هي المُسترقة في أول الشتاء ومنهم من يجعلها في آخر الشتاء ويُسميها بأيام الشهلة، ومنهم من يعدُّها سبعة ومنهم من يعدُّها خمسة؛ فمن عدَّها سبعة قال هي: صن وصنبر وبر وآمر ومؤتمر ومُعلل ومطفئ الجمر، ومن عدَّها خمسة قال هي: صن وصنبر وآخرهما وبر ومطفئ الجمر ومكفئ٣٧٧ الظعن، وقد نظمها الشيخ جمال الدين محمد بن مالك في قوله شعر:
سأذكر أيام العجوز مُرتِّبًا
لها عددًا نظمًا لدى الكل مُستمر٣٧٨
فصن وصنبرو وبر معلل
ومطفئ جمر آمر ثم مؤتمر
وآذار: بالذال المعجمة بعد الهمزة المفتوحة وبعدها ألف قيل الراء في آخره بلا مد، وفيه تعمر الأرض ويكثر البلغم ويحمد الفصد والحجامة فيه وتنقية الدماغ والقيء والغرغرة وشرب المسهل. والغذاء فيه اللحوم اللطيفة والشرابات المعتدلة والحلويات والبيض البرشت، ويحترز من أكل البصل والسماق والحوامض واللحوم٣٧٩ الغليظة كالبقر وغيره.
وهو أول شهر من فصل الربيع، وهو واحد وثلاثون يومًا: في اليوم الأول منه يخرج الجراد والدبيب، قيل وتفتح الحيات أعينها. وفي الرابع منه آخر أيام العجوز. وفي الخامس تخرج كل أخبية. وفي السابع منه اختلاف الرياح العواصف وشرف الزهراء ويُربى دود القز. وفي الثامن منه سعد أكبر ومباشرة الأمور. وفي التاسع قيل تظهر الخطاطيف. والعاشر منه آخر الخمسينية وبدو نتاج الخيل. وفي الحادي عشر أول النوروز السلطاني، قيل ويتساوى الليل والنهار وتتحول الشمس إلى برج الحمل. وفي الثاني عشر منه يؤمر بالحجامة. وفي الثالث عشر منه تخرج الخطاطيف والحدأة وتتوالد الحيات. وفي الرابع عشر إنْ صار مطرًا يكون الزرع جيدًا. وفي الخامس عشر تكثر الرياح ويتحرك الدم. وفي السادس عشر منه تفتح الحيات أعينها فإنها تجتمع في أيام البرد وتحت الأرض فيظلم بصرها وتتحرك حشرات الأرض. وفي السابع عشر يُحمَد الجماع وتجري السفن في البحر. وفي الثامن عشر منه قيل يعتدل الليل والنهار وهو أول ربيع العجم وخريف الصين ويغلظ فيه ماء البحر؛ لأن الشمس تجر لطيف أجزائه. زعموا أن العقيم من الرجال إذا نظر في ليلة هذا اليوم السُّهى ثم جامع أهله فإنها تحمل منه، وتهب في هذا اليوم الرياح اللواقح وتسنبل الحنطة ويُدرك النبق والباقلاء واللوز والمشمش ويورق الشجر ويغرس الكرم، ويخاف من التمساح بمصر، وفيه طلوع الفرغ المتقدم٣٨٠،٣٨١ ونوء الصرفة. وفي التاسع عشر يزرع القطن في بلاد٣٨٢ الشام. وفي العشرين عيد الشعانين.٣٨٣ وفي الحادي والعشرين يموت العندليب ويظهر دود القز. وفي الثاني والعشرين نحس. وفي الثالث والعشرين يطيب ركوب البحر. وفي الرابع والعشرين أول شرب المُسهِل. وفي الخامس والعشرين منه غليان البحر وفيه عيد السادس وهو بشارة مريم بحمل عيسى عليه السلام. وفي السادس والعشرين أول شُرب الدواء وتفريق السحاب. وفي الثامن والعشرين يخرج الهوام ويُنتَفَع بالفصد. وفي التاسع والعشرين شرف الشمس. وفي الواحد والثلاثين يكتب فيه الأوفاق والمحبة.

ونيسان: بفتح النون وكسرها وقيل لا يجوز فيه غير الكسر. وفيه يكون لابن آدم الفرح ويزيد في المياه، ويقوي فصل الربيع الغذاء فيه البريان والقلايا ولحم الخرفان ولحم الصيد والأدهان الطيبة والطعام الذي يعمل بالخل والروائح الطيبة، وعند الصباح يُشرَب الماء البارد ويُحترز من لحم البقر ومن الحلويات ومن الأطعمة الحارة اليابسة ومن الفجل والرشاد.

وهو ثاني شهر من فصل الربيع وهو ثلاثون يومًا: واليوم الأول منه عيد الفطر، ويُرجى فيه المطر. وفي الثاني غياب سهل. وفي الثالث نوء العواء.٣٨٤ وفي الرابع منه الشقانين. وفي السادس هبوط آدم إلى الدنيا. وفي السابع قيل لا بد من مطر. وفي الثامن آخر٣٨٥ عيد الفطر. وفي التاسع نزول الزبور عند البعض. وفي العاشر تنفجر العيون والمياه. وفي الحادي٣٨٦ عشر وفاة آدم ونزول الزبور٣٨٧ وسعد أكبر وتحول٣٨٨ الشمس إلى برج الثور وفيه فطر النصارى. وفي الثاني عشر سعد أكبر. وفي الثالث عشر شرف القمر. وفي الرابع عشر يلقح النخل وتبيض الطاووس. وفي الخامس عشر سعد أكبر. وفي السادس عشر يهبُّ الهواء الشرقي وأيام المطر. وفي السابع عشر مولد النبي وفي الثامن عشر دخول نوح في السفينة. وفي التاسع عشر عيد دير الثعالب. وفي العشرين منه تهيج الرياح الشرقية ويفرخ الطير وهو يوم نحس. وفي الحادي والعشرين قيام سوق فلسطين. وفي الثاني والعشرين منه هبوب الجنوب وامتداد الأودية وتهيج النعام. وفي الثالث والعشرين منه يقوم دير أيوب بالشام ويوم الخذر — عليه السلام — وعيد النصارى. وفي الرابع والعشرين نزول الإنجيل. وفي الخامس والعشرين طلوع الضفدع الأول. وفي السادس والعشرين توسُّط النسر مع الفجر. وفي السابع والعشرين منه٣٨٩ مد الفرات. وفي الثامن والعشرين منه تهيج الدم وتنعقد الثمار ويُدرك اللوز وطلوع الشرطين ونوء الغفر. وفي التاسع والعشرين من آخر أيام المطر. وفي الثلاثين عيد الجندي.
وأيَّار: ضبطه في القاموس بفتح الهمزة وتشديد المُثناة التحتية، وقال الجاذيري هو أجيار بفتح أوله وسكون الجيم وبالمُثناة التحتية، وبعضهم يسقط الجيم انتهى. ومُقتضى ذلك تخفيف يائه. وهو الشهر الثالث من فصل الربيع، وفيه يكون الهواء معتدلًا وتصفو فيه المياه، وتبدو فيه زيادة النيل بمصر وتكون الصفراء غالبة، والغذاء فيه الأطعمة السريعة الهضم المُلائمة، ولا يكثر فيه من إدخال طعام على طعام ويُحذر فيه من٣٩٠ لحم البقر ومن المالح ومن اللبن الحامض، وفيه قلة الطعام خير من كثرته، وفي النصف الأخير منه ترتفع الطواعين بإذن الله تعالى، ويخصب الزرع ويركب البحر وتبدو السمائم وتهب الشمال ويسود العنب ويهب الدبور أيضًا.
وهو واحد وثلاثون يومًا: في اليوم الأول من ولد النبي إرميا عليه السلام، وهو آخر أيام المطر، قيل وهو يوم نحس. وفي الثاني قيل عيد دير الثعالب وينعقد الزيتون. وفي الثالث منه حركة البحر وبدو الورد. والسادس منه نحس ووفاة أيوب. والسابع يؤكل الحلو ويكثر الخيار، وفيه عيد الصليب. وفي الثامن تزرع الذرة ويجمع الخشخاش. وفي التاسع حركة البحر. وفي الحادي عشر خروج عيسى وبناء إسلام بول، وأول البوارح. وفي الثاني عشر طلوع البطين ونوء الزبانا وتتحول الشمس فيه إلى برج الجوزاء. وفي الثالث عشر نزول المن والسلوى. وفي الخامس عشر منه عيد الورد المُستحدث، ورجوع المُشتري. وفي السادس عشر منه يهيج الصبا وتقطع الكمأة ويطيب ركوب البحر. وفي السابع عشر وفاة النبي . وفي الثامن عشر ابتداء عيد اليهود، قيل وأول البوارح. والتاسع عشر نحس. وفي العشرين مولد إلياس عليه السلام. وفي الحادي والعشرين نهى أبقراط عن العلاج. وفي الثاني والعشرين آخر العنصرة، ويبقى ريح الشمال. وفي الثالث والعشرين يحمد السفر في البحر. وفي الرابع والعشرين امتزاج الفصلين. وفي الخامس والعشرين نزول التوراة٣٩١ وطلوع الثريا ونوء الإكليل. وفي الثامن والعشرين آخر العيدات. وفي الثلاثين توبة٣٩٢ آدم — عليه السلام — وبدو بئر زمزم. وفي الحادي والثلاثين يطيب ركوب البحر.

وحُزيران: بضم الحاء المُهملة وفتح الزاي وسكون المثناة التحتية وبالراء على المشهور على الألسنة. وضبطه الجاذيري بفتح الحاء وكسر الزاي، وهو أول شهر من فصل الصيف وتكون فيه الصفراء غالبة، ويُوجد في البدن حُمَّى، وينفع فيه شرب الماء البارد على بكرة قبل الفطور. الغذاء فيه لحوم الجدايا والأطعمة الباردة والفواكه السريعة الهضم ويحترز من الرياضة من الطعام الحار اليابس ويحترز فيه من كثرة الأكل ومن كثرة الجماع، ومن كثرة شم المسك والزعفران.

وهو ثلاثون يومًا: في اليوم الأول منه ولد حزقيل عليه السلام. وفي الثاني تهب رياح السمائم. وفي الرابع منه جمعة الذهب وهو نحس. وفي الخامس طلوع الدبران ونوء قلب العقرب. وفي السادس وفاة أيوب عليه السلام. وفي السابع نحس ويتحرك فيه شهوة الجماع. وفي التاسع بدو حصاد الشعير. وفي العاشر سعد ويعمل فيه للترياق. وفي الحادي عشر منه نوروز الخلفاء ببغداد وفيه اللعب ورش الماء وغيره مما هو المشهور. وفي الثاني عشر سعد وفيه موت يحيى عليه السلام. والثالث عشر تتحوَّل فيه الشمس إلى برج السرطان. وفي الرابع عشر قيل بدو نقص النهار وأول رياح السموم. وفي الخامس عشر عيد الكنيسة ويُنهى عن شرب المُسهل. وفي السادس عشر منه تنفيس نيل مصر وتغور المياه. وفي السابع عشر بدو حصاد الحنطة. وفي الثامن عشر منه قيل غاية طول الليل وقصر النهار وهو الامتلاء الأكبر تُعظمه العرب والعجم وهو الانقلاب الصيفي وفيه عيد٣٩٣ أيوب. وفي التاسع عشر طلوع الهقعة ونوء الشولة. وفي العشرين مولد إلياس عليه السلام. وفي الثاني والعشرين منه يوضع المنجل في الزرع وتُدرك الفاكهة والتين والعنب والبطيخ ويشتدُّ فيه الحر. وفي الثالث والعشرين يكره شرب الدواء. وفي الرابع والعشرين عيد العنصرة. وفي الخامس والعشرين منه مَولد يحيى بن زكريا — عليهما٣٩٤ السلام — وابتداء السمائم بالهبوب واحد وخمسين يومًا، ويمتد٣٩٥ جيحون وفيه ظهور رأس زكريا وحركة البحر، وقيل إن ميلاد يحيى بن زكريا في السادس والعشرين. وفي السابع والعشرين آخر رياح البوارح وشرف المشتري. وفي الثامن والعشرين منه ينظر أرباب التجارب بمصر فإن٣٩٦ كثر فيها النداء قالوا يمتد النيل وإن لم يكن قالوا لم يمتد. والثلاثون سفره محمود وإن لبس فيه جديدًا كان مباركًا.
وتموز: بفتح المُثناة الفوقية وتشديد الميم المضمومة وبالمعجمة في آخره على ما اشتُهر على الألسنة، وهو ثاني شهر من فصل الصيف وفيه يحصل للبدن ضعف وتحلُّل، وفيه قيام البراغيث وهلاك البرد والأغذية فيه لحم وطعام سريع الهضم٣٩٧ وفي كل صباح يشرب فيه البارد قبل الطعام والأشربة الباردة الطبع، وإياك من أكل الأجزاء الحارة اليابسة.
وهو واحد وثلاثون يومًا؛ في اليوم الأول: نوء النعائم. في اليوم الثاني من دخول أصحاب الفيل قرب مكة. في الثالث منه ذهاب البراغيث. وفي الرابع يرتفع الطاعون إن كان له وجود. وفي اليوم الخامس منه تطلع٣٩٨ الشعرى وبطلوعها يعرفون صلاح الزرع وفساده، وذلك أن أصحاب الفلاحة من العجم يأخذون لوحًا قبل طلوع الشعرى بأسبوع، ويزرعون عليه أصناف الحبوب فإذا كانت الليلة التي تطلع فيه الشعرى وضعوا ذلك اللوح في موضع عالٍ لا يَحول بينه وبين السماء شيء فما أصبح مُخضرًّا فهو يصلح في تلك السنة وما أصبح مصفرًا فهو الذي يفسد فيها، كذلك الفُرس كانت تفعل، وهو يوم سعد وفيه تهيج الحشرات. وفي السادس هاجرة الصيف. وفي السابع منه يموت الجراد. وفي الثامن منه انفلاق البحر لموسى. وفي التاسع أول ريح السموم وفي العاشر منه يقوم سوق بُصْرى وفيه٣٩٩ هبوط المريخ. وفي الحادي عشر منه طلب الحوائج. وفي الثاني عشر سعد. وفي الثالث عشر سعد ويبرد بطن الأرض. والرابع عشر سعد يكثر فيه رمد العين وتتحول الشمس فيه إلى برج الأسد. وفي السادس عشر قيل آخر رياح البوارح. والثامن عشر أول أيام الباحور فإنها ستة أيام متوالية يستدلُّون بكل يوم منها على شهر من أشهر الخريف والشتاء من تغيرات وتلوُّن وزعموا أنها للسنة كأيام البحران للمريض، وإن حال كل شهر من تلك الشهور كحال يومٍ من تلك الأيام أولها كأولها وآخرها كآخرها في التغيرات، وفيه قوة البطيخ الأصفر وقيل إن ابتداء أيام الباحور في التاسع عشر. والعشرين أول أيام الباحور عند البعض أيضًا. وفي الحادي عشر والعشرين طلوع الشعرى اليمانية. وفي الثاني والعشرين عيد مريم المجيد. وفي الثالث والعشرين يُدرك نخل الحجاز. وفي الرابع٤٠٠ والعشرين يشتد صولة الحر ويرفع الطاعون ويكثر الرمد ويزرع البطيخ الشتوي والذرة والجزر وسائر الخضراوات. وفي الخامس والعشرين يُنهى عن الجماع، وأول صوم مريم عند اليعاقبة. وفي السادس والعشرين عيد شمعون. وفي السابع والعشرين منه يحمر البسر ويقطف العنب والقصب القبطي وتغور المياه وتنضج الفواكه كلها، وتختلف الرياح في البحر. وفي الثامن والعشرين يهيج دم الصفراوي. وفي التاسع والعشرين قوة الباذنجان وفي الثلاثين عيد كنيسة مريم عليها السلام.

وآب: ككتاب، ثالث شهر من فصل الصيف، وفيه يحصل للدماغ قوة وفيه تكثر الأخلاط ويكثر تَحلُّل البدن والزكام وتتحرَّك الرياح الشمالية، والأغذية فيه شرب الرمان ولحم السخل وقلية اليقطين، ويشم فيه ماء الورد وسائر الرياحين لأنها نافعة، وإيَّاك من الحمام وشرب المُسهلات ومن الجوع فيه ولا تُكثر الحركة.

وهو واحد وثلاثون يومًا: في اليوم الأول منه وفاة مريم — عليها السلام — وهو يوم صومها ويوم سعدٍ وقيل إن وفاتها في اليوم الثاني. وفي الثالث عيد إلياس وهو سعد أكبر. وفي الرابع آخِر نهي بقراط عن العلاج. وفي الخامس طلوع الشِّعرى الشامية. وفي السادس أول عيدِ التجلِّي، قيل هو تجلِّي المسيح للحواريين ونزول التوراة. وفي الثامن تجلَّى ربك للجبل فجعله دكَّاء. وفي التاسع تختلف الرياح عيد العدوية٤٠١ مريم وشهادة يعقوب وهو يوم سعد. وفي العاشر منه يقوم سوق عمان وعيد إبراهيم ويعقوب وهو يوم سعد.٤٠٢ وفي الحادي٤٠٣ عشر قيل تختلف الرياح. وفي الثاني عشر منه تبتدئ ملوك العراق في الطيب. وفي الرابع عشر نزول الزبور وتحويل الشمس إلى برج السنبلة. وفي الخامس عشر عيد مارب مريم٤٠٤ عليها السلام. وفي السادس عشر يترك المسهل وفي السابع عشر من آخر عيد التجلِّي ويكسر النيل بمصر في الغالب. وفي التاسع عشر منه يهيج رياح البوارح ويكثر الرمان ويصفر الأترج، قيل٤٠٥ وفيه نجاة نوح عليه السلام. وفي العشرين منه فتور الحر ويهيج الزكام وفي الحادي والعشرين نوء سعد السعود. وفي الثاني والعشرين قيل انكسار حدة الحر. وفي الثالث والعشرين تتولَّد الأسماك. وفي الرابع والعشرين امتزاج الفصلَين. وفي الخامس والعشرين طلوع سهيل٤٠٦ بمصر. وفي السادس والعشرين يهيج الرمد. وفي السابع والعشرين ولادة إليسع ويحيى — عليهما٤٠٧ السلام — قيل ويكثر الزكام. وفي الثامن والعشرين يطيب الليل والماء ويهيج الزكام ويثور البلغم ويصلح شرب الدواء ويكثر الرطب ويسقط الطل والمن بالشام، وفيه شرف عطارد. وفي التاسع والعشرين يُنهى عن الجماع. وفي الثلاثين آخر النهي عن الفصادة.

وأيلول: بفتح الهمزة وسكون التحتية وضم اللام الأولى. وهو أول شهر من فصل الخريف وفيه يعتدل الرياح وتكثر السودة في الدماغ ويقع في بعض الخلق أوجاع، والأغذية فيه لحم الشاة الذي كمل سنتَين والحلويات والجلوس على الماء فيه مُفيد، والحذَر من لحم البقر والمعز ومن كثرة الدخول للحمام.

وهو ثلاثون يومًا: في اليوم الأول منه٤٠٨ عيد رأس السنة الرومية وتمامها، وقيام سوق منيح. والثاني٤٠٩ منه نحس وعيد شمعون. والثالث طلوع سهيل بالعراق وفيه وُلِد يوشع بن نون — عليه السلام — ويبدأ بإيقاد النار في البلاد الباردة. والرابع سعد وسقوط النداء وعبور النبي للغار. الخامس ينكسر الحر، وعيد موسى وزكريا. السادس سعد وعيد الخنافس. والسابع منه ولادة مريم. وفي الثامن طلوع سهيل بالشام. وفي التاسع وفاة والدة مريم. وفي العاشر يغرس المنثور. وفي الحادي عشر يبرد الليل. وفي الثاني عشر منه يفصد ويشرب الدواء. وفي الثالث عشر منه تنتهي زيادة نيل مصر وعيد كنيسة٤١٠ القمامة ويقطف الرمان، وقيل فيه عيد يونان. وفي الرابع عشر منه قيل عيد الصليب وأول فصل الخريف ويتساوى فيه الليل والنهار، وتتحول الشمس فيه إلى برج الميزان. وفي السادس عشر تُدرك الثمار وفيه تفطم٤١١ الأطفال. وفي السابع عشر يتوسط العيوق مع الفجر. وفي الثامن عشر قيل فيه اعتدال الليل والنهار، وهو أول الخريف عند العجم والربيع عند الصين، زعموا أن السحاب الذي يرتفع فيه يُضيء الروح ويبرئ الجسد، وفيه نوء الفرغ المُقدَّم. وفي العشرين يرجع الماء من أعالي الشجر إلى عروقه ويعمل فيه الأشربة. وفي الثاني والعشرين يكره شرب الماء عند النوم. وفي الرابع والعشرين منه زعم أصحاب التجارب أنها تهبُّ فيه ريح وتأتي الغربان البقع في أكثر البلاد. وفي الخامس والعشرين عيد مضلَّة اليهود. وفي السادس والعشرين أُمطِرت الحجارة على أصحاب الفيل. وفي السابع والعشرين يذهب الحر وفي الثامن والعشرين طلوع٤١٢ العواء ونوء الفرغ المؤخَّر. وفي الثلاثين قيل يذهب الحر، وهو خير الأوقات وقد جمعها الشيخ صلاح الدين العلائي٤١٣ في قوله شعر:
شهور الروم إن حاولت عدًّا
بترتيب لها فاضبط بتذكار
فكانون وثانيه شباط
وآذار ونيسان وأيار
حزيران وتموز وآب
وأيلول وتشرين بتكرار

فالشهور الثلاثينية منها أربعة: تشرين الثاني ونيسان وحزيران وأيلول، والباقية واحد وثلاثون ما عدا شباط؛ فإنه ثمانية وعشرون كما تقدم وضبط بعضهم ذلك بقوله: فإن ضيف هنا نزل فما كان في مُقابلة حرف معجم منقوط من فوق من هذا التركيب فهو واحد وثلاثون يومًا، وما كان في مقابلة حرف مُهمل فهو ثلاثون، وما كان في مقابلة الياء المنقوطة من تحت فهي ثمانية وعشرون فنفس كل حرفٍ عبارة عن ثلاثين والنقطة زيادة يوم إن كانت فوقية ونقص يوم إن كانت تحتية؛ فالفاء تشرين الأول والألف تشرين الثاني وهكذا إلى آخر. وقد نظم ذلك بعضهم بقوله:

شهور الروم ألوان
زيادات ونقصان
فتشرينهم الثاني
وأيلول ونيسان
ثلاثون ثلاثون
سواء وحزيران
شباط خُص بالنقص
وحد النقص يومان
وباقيها ثلاثون
ويومًا واحدًا كان

(٤-١٢) القول الثاني٤١٤

قاله بعض المُنجمين زعموا بأن المد بامتلاء القمر والجزر بنقصانه وهذا ظاهر البطلان؛ لأن كلًّا من المد والجزر يكون مع امتلائه ونقصانه؛ فإنه في كل يوم من أيام الشهر مد وجزر، ولو كان كما زعموا لكان النصف الأول من الشهر القمري كله مدَّان، أو أرادوا بامتلائه أخذه بالزيادة كما يدل عليه ظاهر مُقابله، أو في أيامٍ منه إن أرادوا كِبَره وانتفاخه، أو استكماله بدرًا، والنصف الثاني كله جزرًا إن أرادوا بنقصانه أخذه بالنقصان، أو أيامًا منه كلها إن أرادوا ظهور النقص ظهورًا تامًّا، أو يومًا كله إنْ أرادوا بلوغه فيه حدًّا مُعينًا، واللازم باطل لِما علمتَ أنه لا بد في كل يومٍ من مدٍّ وجزر.

(٤-١٣) القول الثالث

سببه طلوع القمر وغروبه، وهذا القول لا يُعلَم قائله، ولكن يؤيده دوران المد معهما٤١٥ وجودًا وعدمًا، ولا مانع من أن يكون قد جعل الله في القمر خاصية جذب الماء وارتفاعه كما جعل في المغناطيس خاصية جذب الحديد. والفاعل عند ذلك هو الله تعالى والتأثير له سبحانه فإنه لا يؤثر في الأشياء إلا هو، والأسباب إنما هي علامة على أفعاله كالنعيم فإنه علامة على إيجاد الله المطر، لا أنه مؤثر في إيجاده فإن الله يفعل عند الأسباب بمشيئته واختياره لا أن الأسباب فعالة؛ إذْ لا أثر في مؤثرٍ ما إلا لله،٤١٦ ولا أنه تعالى يفعل بالتعليل أو الطبع؛ إذْ ليست ذاته العليَّة علةً لشيء من المُمكنات أو مُؤثرة فيه بالطبع وإلا لزم قِدَم ذلك الممكن لوجوب اقتران العِلِّيَّة بمعلولها والطبيعة بمطبوعها.
فإذا٤١٧ كانتا قديمتَين وجب قِدَم المعلول٤١٨ والمطبوع، ولهذا لمَّا اعتقد الفلاسفة — أهلكهم الله تعالى٤١٩ — أن إسناد العالم إليه تعالى إنما هو على طريق إسناد المعلول٤٢٠ إلى العلة قالوا بقِدَم العالَم فضلُّوا وأضلُّوا، ولا أنه يفعل بالأسباب؛ لأنه تعالى يفعل عند الأشياء لا بالأشياء، فالكلُّ مخلوق لله بلا واسطة، فسبحان من انفرد بالخلق والتصوير كما انفرد في التقدير والتدبير. وإذا كان كذلك جاز أن يخلق المد ويجذب الماء ويرفعه عند قُرب القمر من الماء حالة الطلوع والغروب فإذا ارتفع القمر أو غرب خلق الجزر فرجع الماء على أثره.

(٤-١٤) فائدة

ذكر بعض المُحقِّقين من أهل الكشف ممن يرى كروية الأفلاك أن دور فلك القمر، وهو سماء الدنيا، أحد عشر ألف سنةٍ وهو أصغر أفلاك السموات دورًا، فيقطع القمر دور هذا الفلك في أربعةٍ وعشرين ساعة مُعتدلة يقطع في كل ساعةٍ مَسيرة أربعمائة وثمانية وخمسين سنة ومائة وعشرين يومًا. وإن قطر هذا الفلك أربعة آلاف عام وخمسمائة عام، وإن للقمر فلكًا في نفس الفلك، وكذلك كل كوكب فإن له فلكًا صغيرًا يدور بنفسه في الفلك الكبير؛ فالفلك الكبير بطيء الدورة وذلك الفلك الصغير سريع الدورة، وما تراه من خنس الكواكب — وهو رجوعها — فإنه لاختلاف دورها في دوران الفلك فيسبقه الدور يَحسبها الشخص راجعةً ولم ترجع.

(٤-١٥) تنبيهات

الأول القمر في أول ليلة من الشهر يُسمَّى هلالًا، وقيل إلى ليلتَين وقيل٤٢١ إلى سبعٍ ولِلَيلتَين من آخر الشهر؛ ست وعشرين وسبع وعشرين، وقيل الهلال الشهر بِعَينه، ومنهم من خصَّه بأول يوم فإن خفي ففي الثاني وفيما عدا ذلك فهو قمر، فلو غطَّاه سحاب ونحوه٤٢٢ فلم يظهر إلا بعد ثلاثين فهو قمر ولا يُدعى هلالًا، وقيل يُسمَّى قمرًا إذا استدار، وقيل إذا بهر٤٢٣ ضوءُه وسُمِّي بهذه الحالة قمرًا لأنه يبهر ضوءه الكواكب أي يُغطيها. ويجمع على أهلة وأهاليل واستهل الشهر واستهللناه يتعدَّى ولا يتعدى.
قال بعضهم: ويقال أهلَّ الهلال بالبناء للمفعول والفاعل، واستُهِل بالبناء للمفعول فقط، ومنهم من يُجيز بناءه للفاعل وهلَّ الهلال يهلُّ من الباب الثاني لغةً أيضًا، وأهللنا الهلال واستهللناه رفعنا الصوت برؤيته. قال في الصحاح: يقال أهللنا عن ليلة٤٢٤ كذا ولا يُقال أهللناه، فهل كما يُقال أدخلناه فدخل وهي قياسية. وقال أبو حنيفة الدينوري: حكي عن الثقة أنه يُقال هلَّ الهلال نفسه أي يطلع أو هللناه نحو رأيناه، ويُقال أتيته عند إهلاله وعند استهلالِه وهلَّتِه وهلِّه وهلولِه، وأتيتُه لنيفان الهلال ولؤفانه ومَنافه. ويُسمَّى الهلال الإزميم وابن مزنة وابن ملاط الثاني. ظاهر الأحاديث والقرآن أن نور القمر لذاته كما قال الله تعالى وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَ نُورًا،٤٢٥ وعن أنسٍ — رضي الله عنه — قال: حدثني رسول الله أن الشمس والقمر والنجوم خلقن من نور العرش.
وأخرج٤٢٦ السيوطي في الهيئة عن ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن كعب قال: خلق الله القمر من نور ألا ترى أنه قال وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَ نُورًا،٤٢٧ وأخرج عن أبي الشيخ عن ابن عمر قال: إن الشمس والقمر وجوههما إلى السماء وقفاهما إلى الأرض، يُضيئان من في السماء كما يُضيئان من في الأرض. وروى الثعلبي عن ابن عباس عن النبي : قال إن الله تعالى لمَّا أبرم خلقه فلم يُبقِ من خلقه غير آدم خلق شمسَين مِن نور عرشه، فأما ما كان في سابق عِلمه أن لا يطمسها خلقها مثل الدنيا ما بين مشارقها ومغاربها، وما كان في سابق عِلمه أنه يطمسها ويُحولها قمرًا فخلقها دون الشمس في العظم ولكن يُرى صغرها من شدة ارتفاع السماء وبعده من الأرض، ولو ترك الشمس والقمر كما خلقهما لم يُعرَف الليل من النهار، ولا كان يُدرى الأجير إلى متى يعمل، ولا الصائم إلى متى يصوم، ولا المُصلي متى يُصلي، ولا المرأة كم تعتد، ولا أوقات الصلاة، ولا وقت الحج ومتى تحل الديون، ومتى يبذرون ويزرعون، ومتى تكون الراحة لأبدانهم، فكان الله أنظر بعباده وأرحم؛ فأرسل جبريل — عليه السلام — فأمرَّ جناحه على وجه القمر وهو يومئذٍ شمس ثلاثَ مراتٍ فطمس عنه الضوء وبقي فيه النور فذلك قوله تعالى وَجَعَلْنَا الليْلَ وَالنهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ الليْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النهَارِ مُبْصِرَةً،٤٢٨ وقيل إنه نور شفَّاف قابل لنور الشمس يستمد منها، فإذا قرب منها ضعف نور استمداده، وإذا بعد عنها قوي نوره؛ فكلما بعد قوي٤٢٩ نوره حتى إذا قابلها وهو أبعد ما يكون بينهما فيكون القمر أكثر نورًا ثم يقرب من الشمس، فكلما قرب نقص نوره. وقيل إنه جرم كروي لا ضياء له في نفسه من حيث إنه إذا قابل الشمس يكون مُظلمًا؛ فلهذا لا ترى نور القمر من جهة الشمس أبدًا بخلاف بقية الكواكب السيارة فإن كل كوكب منها يُقابل نور الشمس في جميعها، فمثلها مثل البلورة الشفافة إذا وقع فيها النور سرى في باطنها وظاهرها بخلاف القمر فإنه كالكرة المعدنية، ولهذا ينقص نوره في الأرض ويزيد بخلاف بقية الكواكب.

الثالث اختُلف في فلك القمر الذي هو فيه؛ فقيل: البحر دون السماء وقيل إنه سماء الدنيا.

الرابع اختُلف في خسوف القمر وكسوف الشمس؛ فقيل: إن سبب الخسوف توسُّط الأرض بينه وبين نور الشمس؛ لأن نوره مُستفاد من نورها، فإذا كان القمر على مُسامتة أحد نُقطتي الرأس أو الذنب، أو قريبًا منهما توسط الأرض بينه وبين ضياء الشمس فيقع في ظلِّ الأرض ويبقى على ظلامه الأصلي فيُرى مُنكسفًا، وظِل الأرض أبدًا يكون في الجهة التي تُقابل جرم الشمس، وخسوفه لا يختلف باختلاف البلاد؛ لأن الكاسف عارض في جرمه، وهو وقوعه في ظل الأرض، ولكن تختلف أوقات٤٣٠ الخسوف باختلافه بأن تكون في بعض البلاد على مُضي ساعة، وفي بعضها على مضي نصفٍ أو أقل أو أكثر، وقد يطلُع في بعضها مُنخسفًا ولا يُرى في بعضها لكونه تحت الأرض؛ لأن طلوعه في البلاد الشرقية قبل طلوعه في البلاد الغربية، وبدو خسوف القمر من طرفه الشرقي إذ هو الذاهب٤٣١ إلى الاستقبال ثم ينحرف نحو الشمال أو الجنوب. وانجلاؤه أيضًا من الطرف الشرقي وأطول ما يكون زمانه بالتقريب أربع ساعات.
والسبب في كسوف الشمس توسط القمر بينها وبين أبصارنا؛ لأن جرم القمر كدِر مُظلم فيحتجب ما وراءه عن الأبصار؛ لأن فلكه دون فلك الشمس فإذا اجتمع معها في درجةٍ واحدة وكان على مُسامتة أحد نُقطتي الرأس أو الذنب أو قريبًا فإنه يكون تحت الشمس فيحُول بينهما وبين أبصارنا، ولا يُتصوَّر لكسوف الشمس مُكث أكثر من ساعتَين مُستويتَين؛ لأن حركة القمر متصلة سريعة لضيق٤٣٢ فلكه، فإذا كان الكاسف ليس عارضًا في نفس الشمس بل هو بسبب التوسُّط بينها وبين الأبصار فيجوز أن يختلف وضع المُتوسط، وهذا هو سبب الاختلاف في الزمان والقدْر في بعض البلاد وانجلاؤها من طرفها الغربي، إذ القمر مُتصل بها ناحية الغرب.
وقيل سببه تجلِّي الحق عليهما بالعظمة؛ فعن أنسٍ — رضي الله عنه — عن النبي قال: إن الشمس والقمر إذا رأى أحدهما شيئًا من عظمة الله حاد عن مجراه فانكسف. وعن ابن عباس — رضي الله عنهما — قال: خلق الله بحرًا دون السماء بمقدار ثلاثة فراسخ فهو مَوج مكفوف قائم في الهواء بأمر الله لا يقطر منه قطرة، جارٍ٤٣٣ في سرعة السهم، تجري فيه الشمس والقمر والنجوم وذلك قوله تعالى كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ،٤٣٤ والفلك دوران العجلة في لجَّة غمر ذلك البحر، فإذا أحب الله أن يُحدِث الخسوف خرَّت الشمس على العجلة فتقع في غمر ذلك البحر، فإذا أراد الله٤٣٥ أن يُعظم الآية وقعت كلها فلا٤٣٦ يبقى على العجلة منها شيءٌ، وإذا أراد دون ذلك وقع النصف منها أو الثلث أو الثلثان في الماء، ويبقى سائر ذلك على٤٣٧ العجلة، وصارت الملائكة المُوكلون بها فرقتَين: فرقة يُقبلون على الشمس فيَجرُّونها نحو العجلة، وفرقة يُقبلون على العجلة فيَجرُّونها إلى الشمس. فإذا غربت رفع بها إلى السماء السابعة في سرعة طيران الملائكة وتحبس تحت العرش. الحديث.
قلت: إن صح هذا عن ابن عباس فقياس خسوف القمر ككسوف الشمس والعجلة كما في الصحاح المنجنون٤٣٨ يُستسقى الماء عليها.

الخامس السواد الذي يرى في القمر هو أثر المحو كما دل عليه حديث ابن عباس السابق. وسُئل علي بن أبي طالب عن السواد الذي في القمر فقال ذلك آية الليل مُحِيت فذلك أثر المحو.

السادس على القول بأن القمر في ابتداء خلقه كان شمسًا فمُحِيَ ضوءه وبقي نوره كما تقدم مُقتضى القياس أنْ ينقص من حرِّه بمقدار ما نقص من نوره؛ لأن الشمس حارة وهو لا حر له أصلًا. والجواب أنه خُلق ابتداءً بلا حر وإن حرَّه ذهب مع الطمس، والأول أرجح كذا ذكره بعضهم.

السابع مقتضى حديث ابن عباس السابق أن يكون القمر دون الأرض في المقدار، وقيل إنه بمقدار الأرض ثمانين مرة.

(٤-١٦) فائدتان

  • الأولى: معنى قوله تعالى وَالْقَمَرَ قَدرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتىٰ عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ٤٣٩ قدَّرنا منازله وهي ثمانية وعشرون منزلًا، وهي مواقع النجوم التي تَنسِب العرب إليها الأنواء٤٤٠ وهي: الشرطان وبقية المنازل التي مرَّ ذكرها، فإن القمر ينزلُ كل ليلةٍ منزلًا منها ويسير سيرًا من غير تفاوت، ويستتر ليلتَين إنْ كان تامًّا وليلة إنْ كان ناقصًا، وإذا نزل تلك المنازل دق وتقوَّس في رأي العين حتى عاد كالعرجون القديم وهو العذق الذي فيه الشماريخ٤٤١ إذا عتق ويبس وتقوَّس واصفرَّ شُبهَ به القمر في دِقَّته وصفرته.
  • الثانية: معنى قوله تعالى لَا الشمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ٤٤٢ لا يصلح لها ولا يمكن أن تدركه؛ لأن فلكها غير فلكه، ولأنها تقطع فلكها في كل سنة مرةً وهو يقطع فلكه في كل شهرٍ مرة فلا سبيل أن تُدركه. وقال عكرمة: لكل واحد منهما سُلطان؛ فسُلطان القمر الليل وسلطان الشمس النهار والمعنى على هذا لا يدخل الليل على النهار قبل انقضائه ولا النهار على الليل قبل انقضائه وهذا معنى قوله وَلَا اللَيْلُ سَابِقُ النَهَارِ٤٤٣ وكذا نقله من الكواسي.

(٤-١٧) لطيفتان

  • الأولى: من العرب من يفضل القمر على الشمس ويقول هو: مُذكر والشمس مؤنثة والمذكر أفضل من المؤنث، ومنهم من يُفضل الشمس ويقول إن الله قدمها في الذكر فقال الشمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَان،٤٤٤ ووَالشمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنجُومُ مُسَخرَاتٌ٤٤٥وَالشمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا.٤٤٦ ومنهم من لا يُفضل أحدهما على الآخر، ورجَّح بعضهم الأول بأن التذكير أصل والتأنيث فرع، وأجاب عن دليل الثاني بأن التمسُّك في الفضل بمجرد التقديم في الذكر ضعيف، فقد يتقدَّم٤٤٧ المفضول ويتأخَّر الفاضل قال تعالى هُوَ الذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مؤْمِنٌ٤٤٨ وقال تعالى لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النارِ وَأَصْحَابُ الْجَنةِ * أَصْحَابُ الْجَنةِ هُمُ الْفَائِزُونَ٤٤٩ والصحيح إن٤٥٠ أراد التفضيل بحسب ما عند الله فذلك غير معقول لنا٤٥١ لأنه يحتاج إلى التوقيف، وإنْ كان بحسب الضياء والنور ومزيد الإشراق فلا شك أن الشمس أفضل بهذا الاعتبار، ولأنها باقية على نورها التي خلقت عليه والقمر نقص من نوره كما تقدم.
  • الثانية: قيل: قال القمر لربِّه اللهم إنك فضلت الشمس عليَّ ونقصتني وأشنتني فلا تُطلعها على ما نقصت منِّي. فلا يُرى القمر أبدًا إلا والتمام مما يلي الشمس.

(٤-١٨) إسعاف استطرادي

ذكر الشيخ مرعي في بهجته نقلًا عن مسالك البكري أن جرم عطارد جزء من اثنين وعشرين جزءًا من جرم الأرض، وجرم الزهرة جزء من أربعة وعشرين جزءًا من جرم الأرض، وجرم المُشتري مثل جرم الأرض واحدًا وثمانين مرة ونصف مرة بالتقريب، وجرم زُحَل مثل جرم الأرض تسعًا وسبعين مرة ونصف مرة بالتقريب. وقال الغزالي في باب التفكر من الإحياء: [إن] الكواكب التي تراها أصغرها مثل الأرض ثلاث مراتٍ وأكبرها ينتهي إلى مائة وعشرين مرة مثل الأرض.

وذكروا أن زحل٤٥٢ يدور فلكه في كل ثلاثين سنة دورة واحدة بالتقريب، والمُشتري يدور فلكه في كل اثنتي عشرة سنة بالتقريب دورة وحدة، والمريخ يدور فلكه في كل سنتَين إلا شهرًا تقريبًا دورة واحدة، والشمس يدور٤٥٣ فلكها في كل سنة مرة، والزهرة مثل الشمس ولكن مرة تُسرع السير فتكون أمامها ومرة ترجع فتكون وراءها، وعطارد٤٥٤ قيل إنه مثل الزهرة وقيل إنه يقطع فلكه في كل مائة سنة وستة وعشرين يومًا مرة. وعطارد والزهرة والشمس تتساوى٤٥٥ مُدَد أدوارها في فلك البروج، والقمر يقطع فلكه في السنة اثنتي عشرة مرة فمن ثم حكم الطبائعيون بأن فلك القمر أقرب الأفلاك إلينا وفوقه عطارد وفوقه الزهرة وفوقه الشمس وفوقه المريخ وفوقه المشتري وفوقه زُحل؛ لأن الأقل حركة فلكه أوسع. وأما الرياضيون فاعتمدوا على ذلك بكسوف الكواكب بعضها بعضًا؛ لأن الأدنى يكسف الأعلى ضرورةً، فلمَّا وجدوا القمر يكسف الكواكب كلها ولا يكسفه إلا ظل الأرض حكموا بأن فلكه أقرب الأفلاك إلينا، ولمَّا وجدوا عطارد يكسف الزهرة حكموا بأن فلكه دونها، ولما وجدوا الزهرة تكسف المريخ حكموا بأن فلكها دونه، ولما وجدوا المريخ يكسف المُشتري حكموا بأن فلكه دونه، والمُشتري يكسف زُحَل فكان تحته، وزحل يكسف ما يُسامِته من الثوابت وكان فلكها فوقه، وبقي الشك في الشمس بالنسبة إلى الكواكب الخمسة دون القمر لكونه تحتها قطعًا لكسفها لها٤٥٦ بخلاف البقية فإنها لا تكسفها أو٤٥٧ لا تنكسف بها؛ لاستتارها بشعاعها، فمن ثم كانوا في شكٍّ هل فلكه فوق الزهرة أم تحته؟ حتى أتى الرئيس علي بن سينا ورصدَها حتى كسفت الشمس ورأى الزهرة في الشمس كالخال في الوجه، فعلم أن فلكها تحت الشمس. وقد زعم بعض المهندسين أن فلك الزهرة دون فلك عطارد فوق فلك الشمس، وكذَّبه ابن سينا لرؤيته تلك.
وذكروا أن كل كوكبٍ من الكواكب السيارة في فلكه الذي يخصُّه مُرصَّع فيه كالفص في الخاتم والأفلاك السبعة دائرة من المغرب إلى المشرق بدليل أن الهلال في الليلة الأولى٤٥٨ من الشهر في مكان، وفي الثانية ينتقل إلى مكان آخر آخِذًا إلى جهة الشرق، وهكذا في ثالثه ورابعه إلى آخر الشهر حتى تكتمل لفلكه الدورة، وهو أنْ يعود إلى النقطة التي كان عليها أولًا، وهذه الحركة للفلك لا للكوكب، وهي الحركة الذاتية المُختصَّة بكل فلك، وهذه الأفلاك السبعة وفلك البروج — وهو فلك الثوابت — يُحيط بها فلك التاسع يسمى الأطلَس؛ لأنه لم يظهر للعين فيه شيء من الكواكب، ولعله فيه كواكب لم تُرَ للبُعد المفرط، وهذا الأطلس يدور بها في باطنه من الأفلاك الثمانية في كل يومٍ وليلة من المشرق إلى المغرب دورة كاملة، فحينئذٍ لكل فلك من الثمانية دورتان ذاتية وهي التي من المغرب إلى المشرق وقسرية وهي التي من المشرق إلى المغرب وشبهوا ذلك بنملة على رحى؛ فالرحى تسعى إلى جهة اليمين مثلًا والنملة إلى جهة اليسار؛ فللنملة حركتان؛ ذاتية وقسرية، وإنما سُمِّيت هذه الحركة العظمى القسرية؛ لأنها تقسر الأفلاك وتدور بها إلى غير جهة حركتها الذاتية عكسًا، ولهذه الحركة ترى الشمس كل يومٍ في شروق وغروب وإلا ففلكها ما يدور الدورة الكاملة إلا٤٥٩ بعد مضي سنة شمسية ولله در الأرجاني٤٦٠ حيث يقول:
سعيي إليكم في الحقيقة والذي
تجِدون عندكم فسعيُ الدهر بي
أنحوكم ويرد وجهي القهقرى
دهري فسَيري مثل سير الكوكب
فالقصد نحو المشرق الأقصى له
والسير رأي العين نحو المغرب
ولقد٤٦١ أخذ هذا المعنى الشيخ تقي الدين دقيق العيد٤٦٢ ونظمه وأجاد وأتى به في بيتٍ واحد فقال:
الحمد لله كم أسمو بعزمي في
نَيل العُلا وقضاء٤٦٣ الله ينكسُه
كأنني البدر يبغي السير والفلك
الأعلى يُعارض مَسراه فيعكِسُه
وروي أن النبي سأل جبريل عليه السلام: هل زالت الشمس؟ فقال جبرائيل عليه السلام: لا، نعم. فقال النبي — : لمَ قُلتَ لا ثم قلت نعم؟ فقال: بين ما قلتُ لك لا جرت الشمس خمسمائة عام. قيل إن هذه الحركة التي ذكرها جبريل عليه السلام هي حركة الشمس القسرية لا الذاتية وهي حركة الفلك الأعظم. وقال الإمام فخر الدين: إنه بقدْر ما يرفع الفرس سنبكَهُ من الأرض ويضعه وهو في أقوى جريِهِ يتحرك الفلك الأطلس كذا كذا ألف ميل، أو كما قال. فسبحان الله العظيم ذو القدرة والجلال والعظمة لَخَلْقُ السمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناسِ وَلَٰكِن أَكْثَرَ الناسِ لَا يَعْلَمُونَ.٤٦٤

وفي المواقف وشرحه وزعموا أن للثوابت مع كونها مُتحركة بالحركة اليومية تبعًا لفلك الأفلاك حركة خاصة بها بطيئة جدًّا، وإنها تُتمُّ الدورة في ثلاثين ألف سنة، وقيل في ستٍّ وثلاثين ألف سنة وقيل في ثلاثة وعشرين ألفًا وسبعمائة وستِّين سنة، وقيل في خمسةٍ وعشرين ألف سنة، وهذا هو الموافق للرصد الجديد الذي بمراغة.

وإنما حكموا بإتمام الدورة فيما ذكر من المدد إذْ قد أحسُّوا منها بحركةٍ بطيئةٍ بالرصد على وجوه٤٦٥ مختلفة، واعتقادهم أنها تتم الدورة لدوامها على زعمهم فقدَّروا بالحساب تمام الدور في هذه المدد المُختلف فيها كما لخصناه.

وإنما سُميت بالثوابت إما لبطء حركتها فلا تُحَس إلا بتدقيق النظر في أحوالها المعلومة بأرصادٍ بينها مُدد طويلة، ولذلك اختفت على الأوائل حتى زعموا أن الأفلاك ثمانية، وأن الحركة اليومية لكرة الثوابت. وإما لثبات أوضاعها بعضًا من بعض في القُرب والبُعد والمحاذاة. انتهى.

وهذا الذي ذكروه أمر مُمكن في نفسه لولا مصادمة ما نقلناه أولًا فإنه صريح في أن السير للشمس والقمر والكواكب أنفسها، وحديث جبريل المذكور آنفًا صريح في ذلك. وتأويل جري الشمس بجري فلكها من حركة الفلك الأطلس له القسرية خلاف الظاهر والمعروف من الأدلة الشرعية أن الشمس والقمر كل يومٍ يقطعان فلكهما بكماله، وكل يوم تطلع الشمس من مشرق لا تطلُع منه في اليوم الثاني، وتغرب في مغرب لا تغرب منه في اليوم الثاني إلى كمال السنة، وإليه الإشارة بقوله تعالى فَلَا أُقْسِمُ بِرَب الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِب،٤٦٦ وأما قوله تعالى رَب الْمَشْرِقَيْنِ وَرَب الْمَغْرِبَيْنِ٤٦٧ فالمراد بها مَشرِقا الشتاء والصيف ومغرباهما.
أخرج السيوطي عن أبي الشيخ عند سعيد٤٦٨ بن عبد الرحمن بن أثري في قوله تعالى رَب الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ٤٦٩ قال للشمس ثلاثمائة وستُّون برجًا في المشرق وثلاثمائة وستُّون برجًا في المغرب، لا تطلع يومَين من برجٍ واحد ولا تغيب يومَين في برجٍ واحد.
وأخرج٤٧٠ عنه عن يحيى بن آدم قال الشمس تمكثُ في كل برجٍ شهرًا والبرج ثلاثون مطلعًا بين كل مطلعَين شعيرة حتى تستكمل ثلاثين يومًا ثم تتحوَّل إلى البرج الآخر.

وأخرج عنه عن علي بن أبي طالب — رضي الله عنه — قال: إن الشمس إذا غربت هتف معها ملكان مُوكَّلان بها يجريان معها ما جرت حتى إذا وقعت في قُطبها حذاء بطنان العرش خرَّت ساجدة حتى يُقال لها: امضي فتمضي بقدرة الله، فإذا طلعت أضاء وجهها سبع سماوات وقفاها لأهل الأرض. وفي السماء ستُّون وثلاثمائة برج؛ كل برجٍ منها أعظم من جزيرة العرب، للشمس في كل برجٍ منها منزلة منزلة حتى إذا وقعت في قطبها قام ملك بالمشرق فقال: اللهم أعطِ مُنفقًا خلفًا وقام ملك بالمغرب وقال: اللهم أعط مُمسِكًا تلفًا.

وأخرج عنه وعن ابن عساكر عن ابن عباس — رضي الله عنهما — قال: للشمس ثلاثمائة وستون كوة تطلع كل يومٍ في كوة فلا ترجع إلى تلك الكوة إلى ذلك اليوم من العام المُقبل، ولا تطلع إلا وهي كارهة تقول لا تُطلعني على عبادك فإنهم يَعصونك. وذكر بعض أهل الكشف أن لكلٍّ من القمر والشمس والكواكب فلكًا صغيرًا يدور بنفسه في فلكه الكبير والفلك الكبير بطيء الدورة، وذلك الفلك الصغير سريع الدورة. قال: وما نراه٤٧١ من خنس الكواكب — وهو رجوعها — فإنه لاختلاف دَورها في دوران الفلك فيسبقه بالدور يَحسَبُها الشخص راجعةً ولم ترجع إذ لو رجعت لخرب العالَم كله.
وذكر أيضًا أن دور فلك سماء الدنيا مَسيرة أحد عشر ألف سنة والقمر٤٧٢ يقطعه في أربعة وعشرين ساعة.

ودور فلك السماء الثانية مسيرة ثلاثة عشر ألف سنة وثمانمائة سنة وثلاثة وثلاثين سنة ومائة وعشرين يومًا، وعطارد يقطع جميع ذلك في مضي أربعٍ وعشرين ساعة معتدلة.

ودور فلك السماء الثالثة مسيرة٤٧٣ خمسة عشر ألف سنة وستة وثلاثين سنة ومائة وعشرين يومًا، وكوكبها الزهرة يقطعه في أربع وعشرين ساعة.

ودور فلك السماء الرابعة مسيرة سبعة عشر ألف سنة وتسع وعشرين سنة وستين يومًا، والشمس تقطعه في أربع وعشرين ساعة معتدلة.

ودور فلك السماء الخامسة مسيرة تسعة عشر ألف سنة وثمانمائة وثلاثين سنة ومائة وعشرين يومًا، والمريخ يقطعها في أربعٍ وعشرين ساعة.

ودور فلك السماء السادسة مسيرة اثنين وعشرين ألف سنة وستة وستِّين سنة وثمانية أشهر، والمشتري يقطعه في أربعٍ وعشرين ساعة.

ودور فلك السماء السابعة مسيرة أربعة وعشرين ألف سنة وخمسمائة عام، وزحل يقطعها في أربعٍ وعشرين ساعة.

قال وجميع الكواكب الثابتة لكلٍّ منهم سَير خفي ضعيف لا يكاد أن يتبيَّن، منهم من يقطع كل برج في الفلك في ثلاثين ألف سنة، ومنهم من يقطع بأكثر وأقل ولأجلِ دقَّتهم وكثرتهم لا يُعرَفون وليس لهم اسم عند أهل الحساب ولكن أهل الكشف يعرفون اسم كل نجمٍ ويُخاطبونه باسمه ويسألونه عن مسيره فيُجيبهم ويُخبرهم بما يقتضيه في فلكه.

غريبة

ذكر الشيخ الأكبر قُدِّس سرُّه أنه رأى في بعض أهرام مصر مكتوبًا بخط لا يعرفه٤٧٤ كل أحد عمرت هذه الأهرام والنسر في برج الحمل، قال قُدِّس سرُّه: النسر في هذا اليوم في برج الدلو فيكون قد تحول أحد عشر برجًا فيكون من مدة ابتداء عمارة الأهرام إلى يوم قرأه الشيخ لذلك ثلاثمائة ألف سنة وكذا كذا سنة؛ لأن الشيخ قدس سره لم يبين أنه في أوله أو في آخره فسبحان من ليس لأوليته بداية وليس لآخريته نهاية.

فإن قلت: فعلى ما ذكر الشيخ يلزم أن تكون بناء هذه الأهرام قبل آدم؛ لأن من آدم إلى زمان الشيخ لم يتم سبعة آلاف سنة؟

قلت: نعم ولا مانع من ذلك، فإن الله تعالى قد خلق قبل آدم خلقًا وأسكنهم الأرض، واستدل له بعض الأكابر بقوله تعالى حكاية عن الملائكة أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدمَاءَ٤٧٥ قائلًا إن الملائكة لم يقولوا ذلك إلا عن معاينة، فلو لم يشاهدوا الفساد والسفك في الأرض قبل آدم لما قالوه.

وروي أنه كان قبل آدم في الأرض خلق فأرسل الله إليهم نبيًّا اسمه يوسف فقتلوه؛ فآدم لم يكن أول مخلوق أسكن الأرض. وفي الخبر أن آدم لما أُسكن الأرض قالت الأرض: يا آدم قد جئتني بعد ما ذهبت جِدَّتي ونُضرتي وقد خَلِقْتُ أي بَليت. وروي عن محمد الباقر — رضي الله عنه — أنه قال: قد انقضى من قبل آدم الذي هو أبونا ألف آدم أو أكثر.

وروي عن جعفر الصادق — رضي الله عنه — مائة ألف آدم. وذكر السيوطي في محاضراته٤٧٦ إنه وجد بقلم على بعض أهرام مصر أنه بُني منذ ستة وثلاثين ألف سنة، وقيل اثنين وسبعين ألف سنة. وذكر الشيخ الأكبر قُدِّس سِرُّه في الفتوحات أنه شاهد قومًا بالطواف لا يعرفهم فأنشدوا بيتَين حفظ أحدهما ونسي الآخر وهو:
لقد طفتم كما طُفنا سنينا
بهذا البيت طرًّا أجمعونا
فقال: لواحد منهم من أنتم؟ فقال: نحن من أجدادك الأُول. فقال: كم لك٤٧٧ من الزمان منذ مت؟ قال: بضع وأربعون ألف سنة. فقال: ليس لآدم قريب من تلك السنين. فقال: عن أي آدم تقول عن هذا الأقرب إليك أم عن غيره؟ قال: ففكرتُ في ذلك ودُهِشت، فتذكرتُ حديثًا روي عن رسول الله أن الله خلق قبل آدم الذي هو أبوكم مائة ألف آدم. قال قُدِّس سرُّه اجتمعتُ مرة في عالم الأرواح مع إدريس وسألته عن صحة ذلك الكشف والخبر في ذلك لأن كل كشفٍ لا يُعضده خبر صحيح لا يُعوَّل عليه عند المُحققين. فقال: إدريس — عليه السلام — صدق الخبر وصدق شهودك ومكاشفتك في ذلك ونحن معاشر الأنبياء آمنَّا بحدوث العالم وانقطع عِلمنا عن مبدأ الأعيان والأكوان. قال قُدِّس سرُّه: فالتاريخ لبداية العالم مجهول كذا نقله عنه صاحب محاضرات الأوائل ومسامرة٤٧٨ الأواخر. وقد نقل القصيري هذه المكاشفة عن الشيخ من الفتوحات وذكر أنه سأله عن مدة وفاته وأخبره بذلك قال الشيخ: إن من آدم إلى يومِنا لم يكمل السبعة آلاف سنة بعد، فقال عن أي آدم تقول عن هذا الذي كان قريبًا منكم الذي ظهر في الأُوَل هذه السبعة آلاف؟٤٧٩

قلت: مُقتضى هذه العبارة أنه كان على دور كل سبعة آلاف سنة آدم، لكن آدم الذي هو أبونا آخرهم لأنه لا آدم بعدَه. إذن القيامة تقوم على بنيه كما جاء مُصرحًا به في الأحاديث، فلا تغتر بما فرَّع القيصري على هذه الواقعة مما يُوهِم خلاف ذلك.

(٤-١٩) تذييل

قيل أول ما يكون الجنين في الرحم يتولى في الشهر الأول تدبيره زُحَل، وفي الثاني المُشتري وهكذا حتى يتولى في السابع تدبيره القمر، فإن وُلد فيه عاش؛ لأنَّ خلقته قد تمَّت واستوفى طبائع الكواكب وقواها. وأما الشهر الثامن فيستولي عليه البرد والجمود والضعف فإن وُلِد فيه مات، وأما التاسع فيتولَّاه المُشتري فيكتسب المولود قوةً وحرارةً وصلاحًا فإذا وُلِد فيه عاش. كذا نقل من شرح لامية العجم.

(٤-٢٠) القول الرابع

قال كيماووس:٤٨٠ زعم أن المدَّ بانصباب الأنهار في البحر والجزر بسكونها. وهذا القول باطل من وجوه:
[الوجه] الأول: أنَّا شاهدنا الأنهار لا يحصل لها الانصباب إلا في حالة الجزر، وأما في حالة المدِّ فإنها تسكن لردِّ ماء المد لها وإيقافه إيَّاها حتى إنه ليَغلبها فيرُدَّها راجعةً على أثرها فيحصل المد للأنهار مقدار عشرين فرسخًا وأكثر وأقل ويغلب على الطرف المُلاقي للبحر ملوحة ماء البحر بمقدار فرسخٍ فأكثر أو أقل.
الوجه الثاني: أنَّا لا نُسلم أن انصبابها يُوجِب المد ومتى يتأثر هذا البحر العظيم من انصبابها.٤٨١

حتى يحصل له ذلك فإنَّا لو سلَّمنا أن جميعها ينصبُّ في البحر لم يحصل له التأثر المُوجِب للمدِّ فكيف وذلك غير مُحقَّق فإن مجموعها كما ذكره بطلميوس مائتا نهر، وذلك لا يُوجِب تأثيرًا تامًّا يحصل منه اندفاع ماء البحر حتى يحصل المد وعلى الخصوص في حالة نقص الأنهار لأن انصبابها حينئذٍ ضعيف جدًّا.

الوجه الثالث: أن وهب بن منبه رضي الله عنه ذكر أن الثور والحوت يبتلِعان ما ينصبُّ من مياه الأرض في البحر، قال فذلك لا تؤثر في البحر زيادة فإذا امتلأت أجوافها من المياه قامت القيامة انتهى. وإذا كان الأمر كذلك بطل القول بإن موجب المد هو انصباب الأنهار؛ لأنه حينئذٍ لا يحصل إلا عن تأثير زيادة مياهه وقد علمت أنه لا يوثر زيادة.
الوجه الرابع: أن بطلميوس زعم أن مياه الأنهار المنصبة في البحار إذا أشرقت الشمس عليها صعدت تلك المياه إلى الجو بُخارًا وانعقدت غيومًا أبدية كالدولاب الدائر فلا يزال الأمر كذلك حتى يبلغ الكتاب أجله انتهى. فإن صحَّ ذلك بطل القول بأن مُوجبه الانصباب؛ لأنه في حالة ارتفاعها وبعده بقليل يقتضي أن لا يحصل مدٌّ لأنه لم يبقَ شيء مِن ماء الأنهار حينئذٍ ولم يحصل انصباب يُوجِب تأثيرًا في المد واللازم بُطلانه.٤٨٢ واعلم أن ما ذكره بطلميوس أمر ممكن في نفسه لا يردُّه العقل إذ من الجائز أن يُصعِد الله تلك المياه عند إشراق الشمس بُخارًا ويعقدها غيومًا، ولا مانع من أن يتقيَّد فعله تعالى بوقتٍ دون وقت، إذْ هو الفاعل المُختار فله أن يقيد٤٨٣ فعله بوقتٍ دون وقتٍ وله أن يُطلقه، وإنما المحذور في اعتقاد أن الشمس تفعل ذلك بطبعها أو بقوة أودعت فيها٤٨٤ فلا وجه لرد بعض المُتأخِّرين هذا القول والتشنيع عليه؛ فإنه ليس في كلامه ما يدل على أن الشمس هي الفاعلة لذلك والمُؤثره فيه وما علينا من اعتقاده.

(٤-٢١) فوائد

  • الأولى: ذكر البكري أن مجموع ما في الأرض من الأنهار الكبار مائتان وتسعون نهرًا، ومن العيون الكبار مائتان وثلاثون عينًا. قال: وهي في الأرض كالعروق في البدن، ووجه الجمع بين ما ذكره وما ذكره بطلميوس أن بطلميوس أراد الأنهار الواقعة في الربع المعمور كما حكاه ابن الوردي عنه مُقيدًا له بذلك. والبكري أراد مجموع الأنهار الكائنة في الأرض كما حكاه عن مرعي مُطلقًا غير مُقيد بالمعمور.
  • الثانية: قيل حق الماء أن يكون على سطح الأرض، لكن لمَّا كان منها المرتفع والمنخفض انحاز الماء إلى أعماق الأرض فانضغطت وطلت النفس فانفتقت عيونًا. قال بعض المُتأخِّرين بعد نقله لهذا القول: والصحيح أن انفتاق العيون وتفجير الأنهار بقدرة الفاعل المختار لا كما يقوله الفلاسفة والطبائعيون.

    وأقول: إن عنوا بذلك الماء قد أثر في الانفتاق وأنه حصل لها من الضغط وأن المؤثر فيه ذلك، فكلامهم باطل، وإلَّا فلا مانع من أن يخلق الله ذلك عند ذلك لا بذلك؛ لأنه تعالى يفعل عند الأشياء لا بها.

  • الثالثة: كل ماء عذب من بئر٤٨٥ أو نهر أو عين فمن الماء المُنزل من السماء لقوله٤٨٦ تعالى أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ،٤٨٧ وقوله تعالى وَأَنزَلْنَا مِنَ السمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَناهُ فِي الْأَرْضِ٤٨٨ فإذا قربت الساعة بعث الله ملكًا معه ملك لا يعلم عظمه إلا الله تعالى فجمع تلك المياه فردَّها٤٨٩ إلى الجنة، كذا في خريدة العجائب.
  • الرابعة: قال بطلميوس: إن من الأنهار ما يجري من المشرق إلى المغرب ومنها ما يجري بالعكس، منها ما يجري من الشمال إلى الجنوب ومنها ما يجري بالعكس، وكل هذه بَدْوها من الجبال وتنصب في البحار بعد انتفاع العالَم بها وفي ضمن ممرِّها تتصور بطائح وبحيرات، وإن منها ما طوله خمسين فرسخًا ومنها ما هو أكثر من ذلك إلى ألف فرسخ انتهى.
  • الخامسة: جاء في الحديث أن النيل يخرج من الجنة ولو التمستُم فيه حين يخرج لوجدتم من ورقها. وأخرج السيوطي في الهيئة عن مُسلم عن أبي هريرة — رضي الله عنه — قال: قال رسول الله : سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة. وأخرج عن البيهقي عن كعب قال: نهر النيل نهر العسل في الجنة، ونهر دجلة نهر اللبن في الجنة، ونهر الفرات نهر الخمر في الجنة، ونهر سيحان نهر الماء في الجنة. وأخرج عن أحمد والحاكم وصحَّحه الحاكم عن أنس — رضي الله عنه — أن رسول الله قال: رفعت لي سدرة المُنتهى في السماء السابعة يخرج من ساقها نهران ظاهران ونهران باطنان. قلت:٤٩٠ يا جبريل ما هذان؟ قال: أمَّا الباطنان ففي الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات.
    قلت: قد حصل من مجموع هذه الأحاديث أن مِن أنهار الجنة خمسة في الأرض؛ سيحان وجيحان والفرات والنيل ودجلة، فلا وجه لقول ابن الوردي في الخريدة. وزعم أهل الكتاب أن أربعة أنهار تخرج من الجنة الفرات وسيحان وجيحان ودجلة، وذلك أنهم يزعمون أن الجنة في مشارق الأرض الدال على خطأ هذا القول وافترائه؛ لأن زعم مطيته٤٩١ الكذب، فإن قلت إنما قال ذلك لخطئهم في قولهم إن الجنة في الأرض.

    قلت: هذا علَّة لقولهم والخطأ في العلة لا يستلزم خطأ المعلوم. فإن قلت: ما وجه الجمع بين حديث مسلم الذي أخرجه عن أبي هريرة وحديث أنس الذي صحَّحه الحاكم فإن مُقتضى الثاني أن النيل والفرات ليسا من أنهار الجنة وصريح الأول أنهما منها.

    قلت: تندفع المعارضة بينهما بأن يُقال إنها بعد خروجها من سدرة المُنتهى يدخُلان الجنة ثم يخرجان منها وبهذا الاعتبار يصحُّ نِسبتهما إلى الجنة، ويُقال إنهما من أنهار الجنة، فإن قلت هذا التوجيه يُنافي قول جبرائيل — عليه السلام — «أما الباطنان ففي الجنة.» فإنهما لو كانا يمرَّان بها فينسبان إليها لَما صح التخصيص. قلت: لا مُنافاة لأن تخصيص الباطنين في الجنة في حديث جبرائيل عليه السلام إنما هو لأنهما لا يخرجان٤٩٢ منها، وحيث كانت هذه الخمسة من أنهار الجنة فلا بأس بالتعرُّض لذكرها تتميمًا للفائدة.

    فنقول وبالله التوفيق: أما النيل فهو سيدها، أخرج السيوطي عن بن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو قال: نيل مصر سيد الأنهار سخر الله له كل نهر من المَشرق إلى المغرب، فإذا أراد الله أن يُجري نيل مصر أمر كلَّ نهرٍ أن يمدَّه فأمدته الأنهار بمائها، وفجر الله له الأرض عيونًا، فإذا انتهى جريُه إلى ما أراد الله أوحى الله إلى كل ماء فرجع إلى عنصره.

    وقيل إن النيل من عجائب الأنهار الدنيا؛ لأنه ليس له فيها نهر يزيد في شدة الحر حتى تنقُص له الأنهار كلها ويزيد بترتيبٍ وينقُص بترتيب غير النيل. وذكر ابن الوردي في خريدة العجائب أنه ليس في الدنيا نهر أطول مِن نهر النيل مَسيرة شهرَين في [بلاد] الإسلام، وشهرين في [بلاد] الكفر بالبرية، وأربعة أشهر في الخراب، ومخرجه من بلاد جبل القمر خلف خط الاستواء، فيخرج منه هابطًا بين جبال الذهب على بلاد الحبشة إلى كوكو إلى أهواز إلى قوص إلى أخيم إلى مصر إلى البحر المالح وينصبُّ في بحر الروم. وطوله من جبل القمر إلى البحر ألف فرسخ وأربعون فرسخًا.

    قيل وسُمِّي هذا الجبل بجبل القمر لتلوُّنه بزيادة القمر في كل ليلة، ففي أول ليلةٍ يعلوه نور أبيض، وفي الثانية يعلوه نور أصفر كشعاع الشمس، وفي الثالثة تتبيَّن منه قاعدة، وفي الرابعة يكسوه نور أحمر مثل النار، وفي الخامسة يعلوه نور أخضر شعاعي فيتلوه كذلك كل ليلةٍ إلى ليلة البدر فيكون كذنب الطاووس لا يخفى عليه مَنْ قُرب مَنْ مِنَ النوبة والحبشة٤٩٣ لشدة نوره.
    ويخرج منه أنهار كثيرة تجتمع في بُحيرات في وسط هذه الصحراء. وفي الخريدة يُسمَّى جبل القمر لأن القمر لا يطلع عليه أصلًا؛ لخروجه عن خط الاستواء وميله عن نوره وضوءه. يُقال إن هرمس الحكيم قد حملته الشياطين إلى هذا الجبل ورأى النيل كيف يخرج من البحر الأسود ويدخل تحت جبل القمر فبنى في سفح ذلك الجبل قصرًا فيه خمسة وثمانون تمثالًا من نحاس جعلها جامعة لما يخرج من ماء هذا الجبل بمعاقدَ٤٩٤ ومَصابَّ وأحكامٍ مُدبرة يجري الماء منها٤٩٥ إلى تلك الصور والتماثيل، فيخرج من حلوقها على قياس معلوم وأذرعة معدودة، فتصب إلى أنهار كثيرة فتتصل بالبطيحة وعلى هذه البطيحة بلاد السودان، وبها جبل مُعترض فيخرج النيل منه نهرًا واحدًا ويفترق في أرض النوبة، ففرقة تمر إلى أقصى المغرب وعليها غالب بلاد السودان فتمر على بلاد النوبة إلى جبال الأركان إلى بلاد الزنج إلى البحر الأعظم المُحيط في ناحية المغرب. والفرقة الأخرى تنصب إلى مصر إلى البحر.
    وأخرج السيوطي في الهيئة السنية عن الشيخ في العظمة عن الليث بن سعد قال: بلغني أنه كان رجلا من بني العيص يقال له حايد بن أبي شالوم بن العيص بن اسحق بن إبراهيم — عليه الصلاة والسلام — خرج هاربًا من ملك من ملوكهم حتى دخل أرض مصر، فأقام بها فلمَّا رأى عجيب بنائها جعل الله عليه أن لا يُفارق ساحلها حتى يبلغ مُنتهاه من حيث يخرج أو يموت فسار عليه، قيل ثلاثين سنة في الناس وثلاثين سنة في غير الناس، وقيل خمسة عشر كذا وخمسة كذا حتى انتهى إلى بحر أخضر٤٩٦ فنظر إلى النيل ينشقُّ مقبلًا وإذا رجل قائم يُصلي تحت شجرة تفاح، فلما رآه استأنس به وسلم عليه فقال: له من أنت؟ فقال: أنا حايد بن أبي شالوم بن العيص، فمن أنت؟ فقال: أنا عمران ابن فلان بن العيص، فما الذي جاء بك يا حايد؟ قال: جئت من أجل هذا النيل. قال: وأنا جاء بي الذي جاء بك حتى انتهيت إلى الموضع، فأوحى الله إلي أن أقف هنا حتى يأتيني أمره. قال له: يا حايد أخبرني ما انتهى إليك من أمر هذا النيل، وهل بلغك في الكتب أن أحدًا من بني آدم يبلغه؟ قال: نعم بلغني أن رجلًا من بني العيص يبلغه، ولا أظنه غيرك. قال: كيف الطريق إليه؟ قال: سر كما أنت على هذا البحر فإنك ستأتي دابة ترى أولها ولا ترى آخرها، فلا يهولنك أمرها وهي معادية٤٩٧ للشمس إذا طلعت أهوت عليها لتلقمها، وإذا غربت أهوت إليها كذلك، فاركبها تذهب بك إلى جانب البحر فسر عليه فإنك ستبلغ أرضًا من حديد، فإن جزتها وقعت في أرضٍ من نحاس، فإن جزتها وقعت في أرضٍ من فضة، فإن جزتها وقعت في أرض من ذهب، فيها ينتهي إليك علم النيل.٤٩٨
    فسار حتى انتهى إلى أرض الذهب، فسار فيها حتى انتهى إلى سور من ذهب [و]شرفة من ذهب٤٩٩ وقبة من ذهب لها أربعة أبواب فنظر إلى ماء ينحدِر من فوق ذلك السور حتى يستقر في القبة ثم ينصرف في الأبواب الأربعة، فأما ثلاثة فتفيض في الأرض وأما واحد فيسير على وجه الأرض وهو النيل فشرب منه واستراح وأهوى إلى السور ليصعد فأتاه ملك فقال له: يا حايد قف مكانك فقد انتهى إليك علم هذا النيل، وهذه الجنة وإنما ينزل٥٠٠ من الجنة. انتهى.
    وذكر ابن الوردي هذا الخبر في خريدة العجائب وزاد فيه أن الثلاثة التي تغيض في الأرض سيحون وجيحون والفرات، وأنه أتاه ملك بعنقود من العنب فيه ثلاثة ألوان كاللؤلؤ، ولون كالزبرجد الأخضر ولون كالياقوت الأحمر وقال له: يا حايد هذا من حصرم الجنة؛ فأخذه حايد ورجع فرأى شيخًا تحت شجرة من تفاح فآنسه وحدَّثه فقال له: يا حايد ألا تأكل من هذا التفاح؟ فقال: إن معي طعامًا من الجنة، وإني أستغني عن تفاحك. فقال له: صدقت يا حايد إني لأعلم أنه٥٠١ من الجنة، ولم يزل به ذلك الشيخ حتى أكل من التفاح وحين عضَّ على التفاحة ورأى ذلك الملك هو٥٠٢ يعض على إصبعه ويقول أتعرف الشيخ؟ قال: لا. قال: والله هو الذي أخرج أباك من الجنة، ولو قنعت بالعنقود الذي معك لأكل منه أهل الدنيا ما بقيت الدنيا ولم ينفد، وهو الآن مجهودك. قال: فبكى حايد وندم، ثم سار حتى دخل مصر وجعل يُحدث الناس بما رأى في سيره من العجائب انتهى.

    قلت: إن صح هذا الخبر فهذه الجنة غير الجنة التي أعدها الله لعباده المُتقين؛ لأن تلك في السماء كما هو مذهب الجمهور، والجنة لغة تُطلَق على الحديقة ذات الأشجار، فإن قلت خروج النيل منها يدلُّ على أنها هي؛ لأن الأحاديث التي دلَّت أن النيل من أنهار الجنة تدل على أن الجنة التي يخرج منها النيل هي جنة الخلد إذْ هي المراد عند الإطلاق.

    قلت:٥٠٣ الجنة إذا أُطلقت يراد بها جنة الخلد، إلا أن تلك لمَّا كانت في السماء وهذه في الأرض لم يجز حمل هذه على تلك ووجب التأويل بأن الماء ينزل من جنة الخلد إلى هذه الجنة ثم يخرج منها. ولعل في قوله هذه الجنة، وإنما ينزل من الجنة إشارة إلى ذلك حيث أعاد ذكرها بلفظها ولم يُعَدِّها بالضمير؛ لأن الإتيان بالمظهر موضع المُضمر خلاف مُقتضى الظاهر، فلا بد له من نكتة، ويُحتمل أن يكون٥٠٤ النكتة هذه، فإن قلت يُنافي ما ذكرت قولهم إن المعرفة أو النكرة إذا أُعيدت معرفة كانت عين الأولى، كما أن النكرة إذا أُعيدت نكرة كانت غيرها بدليل قوله تعالى أَرْسَلْنَا إلىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَىٰ فِرْعَوْنُ الرسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا٥٠٥ فإن الرسول الذي عصاه هو الذي أرسل إليه، وقوله تعالى فَإِن مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِن مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا٥٠٦ فإن العسر الثاني هو عين العسر الأول بخلاف اليسر بدليل قوله لن يغلب العسر يُسرَين.
    قلت: هذا حكم أغلبي لا كُلِّي، والمثال الجزئي لا يُثبت القاعدة الكلية. وأما الفرات فهو نهر عظيم عذب طيب وخَرجه من ثغور أرمينية ثم يمتدُّ إلى فاليقا وإلى ملطية وإلى الرقة٥٠٧ إلى عانة ويمر بصفَّين؛ موضع حرب علي ومعاوية، ثم ينصب بعضه في دجلة وبعضه يمر إلى بحر فارس فينصب فيه. ورُويَ عن علي — رضي الله عنه — أنه قال: يا أهل الكوفة إن نهركم هذا ينصبُّ إليه ميزابان من الجنة. ورُوي عن جعفر الصادق — رضي الله عنه — أنه شرب من ماء الفرات ثم استزاد وحمد الله تعالى وقال: ما أعظم بركته! لو يعلم الناس ما فيه من البركة لضربوا٥٠٨ على حافته القباب؛ ما انغمس فيه ذو عاهة إلا شُفي. وعن السدي أن الفرات مُدَّ في زمن عمر — رضي الله عنه — فألقى رُمانة عظيمة فيها كثير من الحب فأمر المسلمين أن يقتسموها بينهم.

    وأما نهر دجلة فهو نهر بغداد فمخرجه من أصل جبل بقُرب آمِد بديار بكر، ويمتد إلى حصن كيفا وإلى جزيرة ابن عمر وإلى مَوصل وتمتدُّ إلى بغداد وإلى واسط وإلى البصرة وينصبُّ إلى بحر فارس.

    وعن ابن عباس قال: أوحى الله عز وجل إلى دانيال — عليه السلام — أن أَجْرِ لي لمصالح عبادي نهرًا، واجعل مصبَّه في البحر فقد أمرت الأرض أن تُطيعك. قال: فأخذ خشبة فجرَّها٥٠٩ في الأرض والماء يتبعه وكلَّما مرَّ بأرض يتيم أو امرأة أو شيخ ناشَدَه الله فيحيد عنهم، وهو الدجلة.٥١٠ وهو نهر مبارك، في الغالب ينجو غريقه. وحُكي أنهم وجدوا غريقًا فأخذوه فإذا فيه رمق فلمَّا رجعت روحه إليه سألوه عن مكانه الذي وقع فأخبرهم، فكان من موضع وقوعه إلى موضع نجاته خمسة أيام.
    وأما جيحون فهو نهر عظيم يخرج من حدود بدخشان، ثم ينضم إليه أنهار كثيرة٥١١ من حدود الجبل ودخش؛ فيصير نهرًا عظيمًا ويمر على مدن كثيرة حتى يصل إلى خوارزم، وينصب في بحيرتها. وهذا النهر يجمد في الشتاء عند قوة البرد فيجمد قطعًا قطعًا، ثم تصير تلك القطع على وجه الماء حتى يلصق بعضها ببعض إلى أن تصير سطحًا واحدًا على وجه الماء في سمك ذراعَين أو ثلاثة أذرُع، ويستحكِم حتى تمرَّ عليه الدواب والقوافل، ويبقى كذلك نحو الشهر والشهرَين٥١٢ فإذا انكسر٥١٣ البرد عاد إلى حالته، وهو نهر قتَّال قلَّ أن ينجو منه غريق.

    ونهر سيحون نهر عظيم ومخرجه من نحو ثلاثة أميال من مدينة ملطية ويجري في بلاد الروم وينصب في بحر الروم.

    وحيث تعرَّضنا لذكر هذه الأنهار وانساق الكلام إلى ذلك، فلا بأس بالتعرض لذكر بعض العيون وذكر عجائبها تتميمًا للفائدة.

    ومنها عين بقرية من قرى قزوين إذا شرب الإنسان منها انسهل انسهالًا شديدًا، ويمكن الإنسان أن يشرب منها عشرة أرطال لخفته.

    ومنها عين بارخاني قال صاحب تحفة الغرائب: إذا أراد أهل هذه القرية هبوب الريح أخذوا خرقة الحيض ووضعوها في الماء فتُحرك الرياح. ومن شرب من مائها ولو جرعة انتفخ بطنه كالطبل ومن حمل من ذلك إلى مكانٍ آخر انعقد حجرًا.

    ومنها عين جاج قال صاحب تحفة الغرائب: إذا كانت السماء مصحية لا يرى فيها قطرة ماء وإذا كانت مغيمة امتلأت ماء.

    ومنها عين باميان قال في كتاب تحفة الغرائب: بأرض باميان عين ينبع منها كثير بصوت عظيم وجلبة يُشم منها رائحة الكبريت من اغتسل بمائها زال عنه الحكة والجرب والدماميل. وإذا جعل من مائها في إناء وسُدَّ الإناء سدًّا محكمًا وترك يومًا صار كالطين فإن قرب من النار اشتعل والتهب. وبناحية ناميان جبال فيها عيون لا تقبل شيئًا من النجاسات وإذا ألقَى فيها أحد شيئًا من النجاسة هاج الماء وغلى وفار، فإن لحق الذي ألقاه غرقه.

    ومنها٥١٤ عين غزنة إذا ألقي فيها شيء من النجاسات والقاذورات يتغير الهواء في الحال، ويظهر البرد والريح والمطر والثلج ويبقى ذلك إلى أن يزول منها ذلك القاذورات. وحُكي أن السلطان محمود — تغمده الله٥١٥ برحمته — لما أراد فتح غزنة جعل أهلها كل ما قصد إليها يلقون في تلك العين شيئًا من القاذورات فتقوم القيامة من شدة البرد والريح والمطر فيرجع بعسكره كالمكسور، وصلى ليلة من الليالي ودعا وقال: إلهي إن كان قصدي في هذه البلاد حظوظ الدنيا فجرِّد عزمي عن ذلك، وإن كان قصدي التوبة والآخرة وتقوية دولة الإسلام فاجعل لي إلى فتحها سبيلا، وأرح عبادك المسلمين المجاهدين في سبيلك، ثم سجد سجدةً ونام ووجهه على التراب فأتاه آتٍ وخاطبه بكلام بيِّنٍ قائلًا: يا ابن سبكتكتين إن أردتَ الخلاص من هذه المحنة فأرسِل جنودًا لحفظ العين، وقد افتتحت غزنة فسعيك مشكور وفعلك مبرور، فانتبَهَ وأرسلَ مُقدمًا إلى حراسة العين ثم زحف على غزنة وافتتحها كطرفة عين.

    ومنها عين سياه سك. قال في تحفة الغرائب: بجرجان موضع يُسمَّى سياه سك عين على تلٍّ يأخذ الناس منها الماء للشرب وهو عذب طيب. وفي الطريق إلى العين دودة معروفة بين أهلها، فمن أخذ من ذلك الماء وأصابت رجله تلك الدودة وهو ذاهب بالماء صار الماء مرًّا علقمًا فيُريقه ويمضي إلى ماء ثانيًا.

    عين الأوقات وهي في المغرب لا تجري إلا في أوقات الصلاة الخمس في أولها ثم٥١٦ تنقطع ولَبثه قدْر ما يتوضأ الناس.
    عين غرناطة قال الأندلسي بقرب غرناطة كنيسة عندها٥١٧ عين ماء وشجرة زيتون يقصدها الناس في يومٍ معلوم من السنة، فإذا طلعت الشمس في ذلك اليوم فاضت تلك العين، ثم ظهر على تلك الشجرة زهر زيتون ثم ينعقد زيتونًا في الحال والوقت ويكبر ويسودُّ في يومِه ذلك، وتأخذه الناس ويأخذون من ماء ذلك العين كل أحد بمَقدرته ويدخرون ذلك الزيتون والماء للتداوي ولذلك فيما بينهم منافع عظيمة.
    ومنها عين شبرم وهي بين أصفهان وشيراز، فإذا وقع الجراد بأرضٍ حمل إليها من تلك العين ماءً في ظرف أو غيره فيتبع ذلك الماء طيور سود تُسمَّى السمرمر بحيث إن حامل الماء لا يضعه على الأرض ولا يلتفت وراءه فتبقى تلك الطيور على رأس حامل الماء في الجو كالسحابة السوداء إلى أن يصل إلى الأرض التي بها الجراد فتصيح٥١٨ الطيور عليها وتقتلها فلا ترى من الجراد مُتحركًا وتموت من أصواتها وهذا من عجائب الدنيا.
  • الفائدة السادسة: قد ذكرنا فيما سبق كلام بطلميوس في السحاب، فلنذكر كلام علماء الملَّة فيه وفي المطر؛ أما المطر فقد أخرج السيوطي في الهيئة عن أبي الشيخ عن عطا قال: السحاب يخرج من الأرض ثم قرأ اللهُ الذِي يُرْسِلُ الريَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا.٥١٩ وأخرج عنه أيضًا عن خالد بن معدان قال في الجنة ثمرة تُثمر السحاب فاالسوداء٥٢٠ منها الثمرة التي قد نضجت التي تحمل المطر، والبيضاء التي لم تنضج لا تحمل المطر. وأخرج أيضًا عنه وعن أحمد وابن أبي الدنيا عن الغفاري سمعت رسول الله يقول: يُنشئ الله السحاب فينطق أحسن النطق ويضحك أحسن الضحك. قال إبراهيم بن سعد: المنطق الرعد والضحك البرق.

    وعن السدِّي يُرسِل الله الريح فتأتي بالسحاب من بين الخافقَين طرف السماء والأرض حيث يلتقِيان فيُخرجه، من ثم يُنشئه فيبسطه في السماء كيف يشاء، ثم يفتح أبواب السماء فيسيل الماء على السحاب ثم يمطر السحاب بعد ذلك.

    وعن عبيد بن عمير قال: يبعث الله ريحًا فتقوم الأرض، ثم يبعث الثانية فتسير٥٢١ سحابًا فيجعله كسفًا، ثم يبعث الثالثة فتؤلف بينه فتجعله ركامًا، ثم الرابعة فيمطر. وأما٥٢٢ المطر؛ فعن ابن عباس أن الله تعالى يبعث الريح تحمل الماء من السماء ترمي به السحاب تدرُّ كما تدر اللقحة. وسُئل الحسن عن المطر أمن السماء أم من السحاب؟ قال: من السماء إنما السحاب علما ينزل عليه الماء من السماء.
    وعن عكرمة ينزل الماء من السماء السابعة فيقع القطرة من على السحابة مثل البعيرة. وعن٥٢٣ خالد بن معدان المطر: يخرج من تحت العرش فينزل من سماء إلى سماء حتى يجتمع في السماء الدنيا فيجتمع في موضع يُقال له الأبزم، فتجيء السحاب السود فتدخله فتشربه مثل شُرب الإسفنجة فيسوقها الله حيث يشاء.
    وعن ابن عباس المطر مزاجه من الجنة فإذا كثر المزاج عظمت البركة وإن قلَّ المطر، وإذا قل المزاج قلت٥٢٤ البركة وإن عظم المطر. وعن الخالد بن يزيد قال: المطر منه من السماء ومنه ماء يَسقيه الغيم من البحر فيُعذِبه الرعد والبرق، فأما ما كان من البحر فلا يكون له نبات وأما النبات فممَّا كان من السماء. وعن أبي مالك الغفاري قال: سألتُ ابن عباس فقلت: تنزل الأرض القفير فتمطر من الليل فتصبح من الغد في الأرض ضفادع خضر؛ فقال ابن عباس: إن هذه السماء الدنيا التي تليها وما بينهما ماء مُطبق يجري فيه من الدواب مثل ما في مائكم هذا.
    وعن وهب لا أدري المطر أنزل قطرة من السماء في السحاب أم في خلق٥٢٥ السحاب فأمطر؟! وذكر٥٢٦ اللقاني في شرح منظومته؛ عمدة المُريد أن مذهب أهل السنة والأشاعرة كما دلَّت عليه الأحاديث أن السحاب من شجرة مُثمرة في الجنة والمطر من تحت العرش خلافًا للحكماء والمعتزلة في أن منشأه البحر، أو أنه أجسام ذوات خراطيم تأخذ الماء من البحر المالح وتقصره الريح فيعذب انتهى.
    أقول كأنَّ وجه جزمِه بذلك الرد٥٢٧ نفي قول الزاعم أن الأمطار إنما تتكوَّن من البخارات المُتصاعدة من قعر٥٢٨ الأرض إلى الجبال ومن الجبال إلى السماء حتى صارت عذبةً صافية بواسطة التصعيد والسحاب يتألَّف ويتكوَّن معه.

    وبعضهم يقول إن السحاب له خراطيم يغترف الماء من البحر ثم إن الماء المالح يحلو بسبب التقطير كما أشار إليه، وإلا فقد علمتَ ما فيه من الخلاف.

    ومن ثم ذهب بعضهم إلى الوقف، ومال البعض إلى أن الله تعالى يَخلقهما ابتداءً بين السماء والأرض متى شاء ثم٥٢٩ ينزل المطر متى شاء؛ فيُنشئ سبحانه من العدم ما أراد في لحظةٍ واحدة؛ وهذا العبرة فيه أتم والقدرة فيه أظهر.
    قيل والحكمة والسحاب ما أخرجه أبو الشيخ عن كعب قال: السحاب غربال٥٣٠ المطر، ولولا السحاب حين ينزل الماء من السماء لفسد ما يقع عليه من الأرض. وأخرج عن ابن أبي المُثنى أن الأرض قالت: رب أروني من الماء ولا تُنزله عليَّ منهمرًا كما أنزلته على قوم الطوفان. قال: سأجعل لك غربالًا.

(٤-٢٢) تتمة

قال : ما من ساعة من ليل ولا نهار إلا والسماء تمطر فيها يصرفه٥٣١ الله حيث يشاء. أخرجه الشافعي في الأم عن ابن عباس يخلق الله اللؤلؤ في الأصداف٥٣٢ من المطر يفتح الأصداف أفواهها عند المطر؛ فاللؤلؤة العظيمة من القطرة العظيمة واللؤلؤة الصغيرة من القطرة٥٣٣ الصغيرة.

(٤-٢٣) القول الخامس

نقله لي بعض أصحابي ممن أثِق بديانته وذكر لي أن قائله استدلَّ له بحديث غَرُبَ عن باله، وهو أن الله تعالى خلق دابة تشرَب من ماء البحر حتى ينقص ويحصل الجزْر وتتقيَّؤه فيزيد ويحصل المد. ولعمري إن هذا أمر ممكن في نفسه لا يأباه عقل ذو نور ساطع ولا يردُّه نقل ذو نصٍّ قاطع، وأن في قدرة الله تعالى ما هو أعظم من ذلك، فقد ورد في الحديث أن في السماء أبحُر وتحت الأرض بحر وفيما بين السماء والأرض بحر، وإن بحرَنا هذا بزق حوت وأنه في نقرة إبهام ملك حكاه ابن الطلَّاع في غريب٥٣٤ الحديث ونقله عنه زروق٥٣٥ قُدِّس سِرُّه في شرح خرب البحر فإذا كان هذا البحر كله بزق حوت أي جلده وكان في نقرة إبهام ملك جاز أن يخلق الله حوتًا عظيمًا يشرَب من البحر يؤثر فيه النقص ويحصل الجزر، ويتقيَّؤه فيزيد ويحصل المد إلى أن يرجع إلى حاله ثم يشرب فينقص ويتقيَّأ فيزيد وهكذا إلى الأجل المعلوم عند الله.
وثبت أيضًا في الخبر عن وهب بن منبه أن لله دابة رزقها كل يومٍ مثل رزق العالَم بأسرِه. وفي حياة الحيوان قال القشيري: إن سليمان — عليه السلام — سأل من الله أن يأذن له أن يُضيف يومًا جميع الحيوانات فأذن له، فأخذ سليمان في جمع٥٣٦ الطعام مدة طويلة،٥٣٧ فأرسل حوتًا واحدًا من البحر فأكل كلَّ ما جمعه سليمان في تلك المدة ثم استزاده، فقال سليمان عليه السلام: لم يبقَ لي شيء، وقال له: أنت كل يوم تأكل مثل هذا؟ فقال: رزقي كل يوم ثلاثة أضعاف هذا، ولكن الله لم يُطعمني اليوم إلا ما أطعمتني فليتَك لم تُضفني؛ فإني بقيتُ اليوم جائعًا حين كنتُ ضيفَك، وقد مرَّ لك أن الحوت الحامل للثور الحامل للملك الحامل للأرض قد التقى طرفاه تحت العرش.
وعن كعب الأحبار قال: لمَّا خلق الله العرش قال لن يخلق الله أعظم منِّي، فاهتزَّ فطوَّقه الله بحيةٍ وللحية سبعون ألف جناح وفي الجناح سبعون ألف ريشةٍ في كل ريشةٍ سبعون ألف وجه، في كل وجه سبعون ألف لسان يخرج من أفواهها في كل يومٍ من التسبيح عدد قطر الماء وعدد٥٣٨ ورق الشجر وعدد الحصى والثرى وعدد أيام الدنيا وعدد الملائكة٥٣٩ أجمعين؛ فالْتَوَت الحية بالعرش فالعرش إلى نصف الحية وهي ملتوية عليه مع عظمة خلقه التي تُدهش العقول، فقد روي أن الأشياء كلها في العرش كحلقةٍ في فلاةٍ، وأن لله ملكًا يُقال له خرقائيل ثمانية عشر ألف جناح ما بين الجناح إلى الجناح خمسمائة عام، أوحى الله إليه أيها الملك طِرْ فطار عشرين ألف سنة، ثم لم ينل رأسه قائمة من قوائم العرش، ثم زاد الله له في الجناح والقوة وأمره أن يطير فطار ثلاثين ألف سنة فلم ينلها، فأوحى الله إليه أيها الملك لو طرتَ إلى نفخ الصور مع أجنحتك وقوَّتك لم تبلغ ساق العرش هذا مع ما علمت من سرعة طيران الملائكة.

وقال الثعلبي: بلغنا أن بعض الأنبياء قال: يا رب لو أن السموات والأراضين حين قلت لهما ائتِيا طوعًا أو كرهًا عصاك ما كنت تفعل بهما؟ قال: كنت أُمِرُّ عليهما دابة من دوابي فتبلعهما، قال: يا رب وأين تلك الدابة؟ قال: في برج من بروجي. قال: يا رب وأين هذا البرج؟ قال في علم من علومي.

(٤-٢٤) لطيفة

ذكر سعيد بن جبير لما أهبط الله آدم إلى الأرض لم يكن فيها غير النسر في البر والحوت في البحر فكان النسر يأوي إلى الحوت فيبيت عندَه فلمَّا رأى النسر آدم قال: يا حوت لقد أهبط الله اليوم إلى الأرض شيءٌ يمشي على رجلَيه ويبطش بيدَيه. فقال الحوت: لئن كنتَ صادقًا فمالي منه منجى في البحر ولا لك خلاص منه في البر.

(٤-٢٥) فوائد

  • الأولى: الأولى ذكر الدميري في حياة الحيوان قال: سُئل إمام الحرمَين هل الباري تعالى٥٤٠ في جهة؟ فقال هو مُتعالٍ عن ذلك، فقيل له ما الدليل على ذلك؟ قال: قوله لا تُفضِّلوني على يونس بن متى، فقيل له: ما وجه ذلك؟ قال: لا أقوله حتى يأخذ ضيفي هذا ألف دينار يقضي بها دَينه، فقال بها رجُلان فقال: إن يونس بن متى رمى نفسه في البحر فالتقمه الحوت وصار في قعر البحر في ظلماتٍ ثلاث، ونادى لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، ولم يكن النبي حين جلس على الرفرف الأخضر وانتهى إلى أن سمع صرير الأقلام وناجاه ربُّه بما ناجاه وأوحى إليه ما أوحى بأقرب إلى الله من يونس بن متى في بطن الحوت في ظلمة البحر انتهى.
    قلت: ولا يَخفى أن القرب المَنفي إنما هو القرب المكاني، وأما القرب المعنوي فهو ثابت له — — وغيره من الأنبياء والأولياء والصديقِين والشهداء، ولا شك أنه أقرب إلى الله من الكل بهذا المعنى. وإذا علمتَ ذلك علمتَ أن النفي المُتسلِّط على أفعل التفضيل في عبارته هو٥٤١ للقيد والمُقيد جميعًا لا للقيد وحدَه جريًا على القاعدة أن النفي إذا دخل على مُقيد نفى القيد وبقي أصل الفعل.٥٤٢
    واعلم أن في هذا الحديث إشكالًا من حديث المعنى وهو أنه قد أخبر بأنه أفضل الأنبياء كما يُشير٥٤٣ إليه قوله : أنا سيد ولد آدم ولا فخر، فانعقد٥٤٤ الإجماع على ذلك، بل لم يتوقَّف من قال بأفضلية رسل الملائكة على رسل البشر في أنه٥٤٥ أفضل٥٤٦ من الملائكة. وإذا كان كذلك فلا معنى لنهيه عن ذلك والجواب عن ذلك بأوجهٍ منها: ما ذكره إمام الحرمَين وحاصله٥٤٧ أن التفضيل المنهي عنه ليس هو التفضيل المشار إليه في الحديث والمجمع عليه وهو التفضيل بكثرة الثواب وكثرة المزايا. ومنها أنه قال ذلك قبل إعلام الله له بأنه الأفضل، ومنها أن المنهي عنه هو التفضيل المؤدي إلى نقصٍ في المفضل عليه، ومنها أنه لما قال ذلك تواضعًا وأدبًا مع ربه.
  • الثانية: روى الحاكم في مُستدركه عن الأصم عن الربيع عن الشافعي — رحمه الله — عن يحيى بن سليم عن بن جريج عن عكرمة قال: دخلتُ على ابن عباس — رضي الله عنهما — وهو يقرأ في المصحف قبل أن يذهب بصرُه وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك جعلني الله فداك؟ قال: تعرف أيله؟ قلت: وما أيله؟ قال قرية كان فيها ناس من اليهود فحرم الله عليهم صيد الحيتان يوم السبت فكانت الحيتان تأتيهم في سبتهم شُرَّعًا بيضاء سمانًا كأمثال المخاض٥٤٨ فإذا كانت غير يوم السبت لا يجدونها ولا يُدركونها إلا بمشقَّةٍ ومؤنة، ثم إن رجلًا منهم أخذ حوتًا يوم السبت فربطه إلى وتدٍ في الساحل وتركه في الماء حتى إذا كان الغداء أخذه فأكله فعل ذلك أهل بيت منهم فأخذوا وشَوَوا، فوجدوا جيرانهم ريح الشواء ففعلوا كفِعلهم وكثر ذلك فيهم، فافترقوا؛ فرقة أكلت، وفرقة نهَت، وفرقة قالت لِمَ تعِظُون قومًا … الآية، فقالت الفرقة التي نهت: إنا نُحذِّركم غضب الله وعقابه أن يصيبكم بخسفٍ أو قذف أو بعض ما عنده من العذاب، والله ما نساكنكم في مكان أنتم فيه، وخرجوا من السور ثم غدوا عليه من الغد فضربوا باب السور فلم يُجِبْهُم٥٤٩ أحد فتسوَّر منهم إنسان السور فقال: قردة والله لها أذناب تتعاوى، ثم نزل وفتح الباب ودخل الناس عليهم فعرفت القردة أنسابها ولم تعرف الإنس أنسابها من القردة، قال فيأتي القِرْد إلى نَسيبه وقريبه فيحتكُّ به ويلتصق فيقول الإنسي أنت فلان فيُشير برأسه أنْ نعم ويبكي. وتأتي القِرْدة إلى نسيبها وقريبها الإنسي فيقول أنتِ فلانة فتشير برأسها أنْ نعم وتبكي. قال ابن عباس: فاسمع الله يقول فأَنجَيْنَا الذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السوءِ وَأَخَذْنَا الذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ٥٥٠ فلا أدري ما فعلت الفرقة الثالثة فكم رأينا منكرًا فلم نَنْهَ عنه. قال عكرمة فقلت: فما ترى — جعلني الله فداك — أنهم قد أنكروا وكرهوا حين قالوا لِمَ تَعظون قومًا الله مهلكهم أو مُعذبهم عذابًا شديدًا؟ فأعجبه قولي ذلك وأمر لي ببُردَين غليظَين فكسانيهما، ثم قال هذا صحيح الإسناد.

    قال في حياة الحيوان في سبب إتيانهم يوم السبت وعدم إتيانهم في غيره، وهذا أمر يمكن أن يقع من الحوت بإرسالٍ من الله كما يُرسِل السحاب أو الوحي وإلهام كالوحي إلى النحل أو بإشعارٍ في ذلك اليوم نحو ما يشعر الله الدواب يوم الجمعة بأمر الساعة بحسب ما يقتضيه قول رسول الله — : ما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة فرقًا من قيام الساعة. ويُحتمَل أن يكون ذلك من الحوت شعورًا بالسلامة في ذلك اليوم، على نحو شعور حمام الحرم بالسلامة. قال أصحاب القصص: كان الحوت يقرب ويكثر حتى يمكن أخذه باليد فإذا كان ليلة الأحد غاب بجملته وقيل يغيب أكثره ولم يبق منه إلا القليل.

  • الثالثة: عن أبي الدرداء — رضي الله عنه — قال: سمعت رسول الله يقول: من سلك طريقًا يطلب فيه علمًا سلك الله به طريقًا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضًى لطالب العلم، وإن العالِم ليستغفِر له من في السموات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالِم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يُورِّثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم؛ فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافر.٥٥١
    قال أبو أمامة الباهلي: ذُكر لرسول الله رجلان أحدهما عابد والآخر عالم فقال رسول الله : فضل العالِم على العابد كفضلي على أدناكم. ثم قال رسول الله — ٥٥٢ — إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جُحرها وحتى الحوت ليُصلُّون على مُعلم٥٥٣ الناس الخير.
    قال الطيبي: وضع الأجنحة يمكن أن يكون حقيقة وإن لم يُشاهَد، أي تكفُّ أجنحتها عن الطيران وتنزل لسماع الذكر، كما ورد ونزلت عليهم السكينة وحفَّت بهم الملائكة. وأن يكون مجازًا عن التواضع كقوله تعالى وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ٥٥٤ وقيل معناه المعونة وتيسير السعي له في طلب العلم، وقوله وإن العالم أثبت لهم العلم وجعلهم مُعلمين بعد أن كانوا طالبين متعلمين تَرقِّيًا، ووصفهم بما هو أعلى مما وصفهم أولًا، حيث جعل الموجودات من الملائكة والثقلين وغيرهم حتى الحيتان في البحر مُستغفِرين لهم طالِبين لتحليتهم مما لا ينبغي ولا يليق بهم من الأدناس والأوضار؛٥٥٥ لأن بركة علمهم٥٥٦ وعملهم وإرشادهم وبقائهم سبب لرحمة العالمين، وذكر الحيتان بعد ذكر الملائكة والثقلين تتميمًا لاستيعاب جميع أنواع الحيوان.

    وأما تخصيص الحيتان بالذكر فللدلالة على إنزال المطر وحصول الخير والخصب ببركتهم كما قال بهم يُمطرون وبهم يُرزقون، حتى الحيتان التي لا تفتقر إلى الماء افتقار غيرها لكونها في جوف الماء تعيش أيضًا ببركتهم.

    وقوله في الحديث الثاني كفضلي على أدناكم، هذا التفضيل موافق للحديث السابق من حيث المبالغة وما به التفضيل، فإن المخاطبين بقوله أدناكم هم الصحابة رضي الله عنهم، وقد شبهوا بالنجوم لقوله أصحابي كالنجوم الحديث، وشبه صلوات الله وسلامه عليه بالقمر ليلة البدر.

    والمبالغة التي يعطيها أدناكم في الحديث الثاني يقرب منها قوله — صلوات الله عليه — على سائر الكواكب؛ لأن فضل القمر على الكواكب أجمع يستلزم ذلك التفاوت العظيم بين البدر وبين كوكبٍ هو أدنى الكواكب في الضوء كالسُّها،٥٥٧ وهذا التشبيه ينبهك على أن لا بد للعالِم من العبادة والعابد من العلم؛ لأن تشبيههما برسول الله والصحابة يستدعي المشاركة فيما فضلوا به من العلم والعمل وعلة التفاوت بالفضل بين العالم والعابد أنَّ نفع العابد مقصورٌ على نفسه، ونفع العالم مُتجاوز إلى الخلائق حتى النملة، وذكر النملة وتخصيصها مُشعِر بأن صلاتها بحصول البركة النازلة من السماء فإن دأب النملة القنية وادخار القوت في جحرها ثم التدرُّج منها إلى الحيتان فإعادة٥٥٨ كلمة الغاية للترقي٥٥٩ كما مرَّ في الحديث السابق انتهى مختصرًا.
  • الرابعة: من أنواع الحوت حوت الحيض٥٦٠ قال في حياة الحيوان نقلًا عن ابن زهر عمن رآه أنه دابة عظيمة في البحر يمنع المراكب الكبار من السير فإذا أشرف٥٦١ أهل السفينة على العطب رمَوا بخرق الحيض معدَّة لذلك؛ فيهرب ولا يقربهم. ومن عجيب أمر هذا الحيوان أنه لا يقرب مركبًا فيه امرأة حائض. قال الدميري وحُكمه كعموم السمك، أي الحِل، وإذا سعط٥٦٢ المصروع بوزن حبةٍ من مرارته أبرأه من الصرع، وكبده إذا جُفِّفت وسُحقت وذرَّ منها على الدم السائل قطعه، أو على الجرح أكمه٥٦٣ وأبرأه. ووسط لحم ظهره إذا أخذت من قطعة ولاكها إنسان هيَّجِت الباه وأنعظ. ومن أنواعه حوت موسى ويُوشع عليهما السلام. قال الدميري نقلًا عن أبي حامد الأندلسي: رأيتُ سمكةً بقُرب مدينة سبتة من نسل الحوت الذي أكل منه موسى وفتاه فأحيا الله نصفه فاتخذ سبيله في البحر سربًا، ونسلها في البحر إلى الآن في ذلك الموضع وهي سمكة طولها أكثر من ذراع وعرضها شبر وفي أحد جنبَيها شوك وعظام وجلد رقيق على أحشائها وعينها، رأسها نصف رأس، من رآها من هذا الجانب استقذرها ويحسب مأكولة ميتة، ونصفها الآخر صحيح والناس يتبركون بها ويهدونها إلى الأماكن البعيدة.
  • الخامسة: كان بالإسكندرية صنم يُقال له شراحيل على خسفة من خسف مُستقبلًا بإصبع من أصابع يدَيه القسطنطينية تُصاد عنده الحيتان وكانت تدور حوله وحول٥٦٤ الإسكندرية فكسروه وعملوه فلوسًا فانطلقت الحيتان ولم ترجِع إلى ذلك المكان.
  • السادسة: نقل صاحب محاضرات الأوائل عن الشيخ الأكبر قُدِّس سرُّه في الفتوحات أن جبل قاف قد أحاطت به حية عظيمة اجتمع رأسها بذنَبها وكانت تُرسِل سلامها إلى أبي مدين وغيره من أهل طريق الله.
  • السابعة: قال الدميري: تُطلَق الحية على الذكر والأنثى، وإدخال الهاء عليها لأنها واحد من جنس كبطة ودجاجة، على أنه قد روي عن بعض العرب رأيت حيًّا على حية أي ذكرًا على أنثى، وذكر ابن خالويه لها٥٦٥ مائة اسم. ونقل السهيلي عن المسعودي أن الله تعالى لما أهبط الحية إلى الأرض أنزلها بسجستان فهي أكثر٥٦٦ الأرض حيات، ولولا العربد٥٦٧ يأكل ويفني كثيرًا منها لخلت من أهلها لكثرة الحيات. وقال كعب الأحبار أهبط الله الحية بأصبهان، وإبليس بجدة وحواء بعرفة وآدم بجبل سرنديب وهو بأعلى الصين في بحر الهند. قال الجمهور في قوله تعالى اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُو٥٦٨ الخطاب لآدم وحواء والحية وإبليس. روى قتادة عن النبي قال: ما سالمناهن منذ عاديناهن. قال ابن عمر: ومن تركهن فليس منا. وقالت عائشة من ترك حية خشية من ثأرها فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وفي مسند الإمام عن بن مسعود أن النبي قال: من قتل حيةً فكأنما قتل رجلًا مشركًا، ومن ترك حية مخافة عاقبتها فليس منَّا انتهى مختصرًا.
  • الثامنة: قتل الحية والعقرب في الصلاة مباح غير مكروه قال في طرفة الهندي إلى تحفة المبتدي لشيخنا العلامة خاتمة الفقهاء في الديار الشرقية الشيخ إبراهيم بن حسن الإحسائي — تغمده الله برحمته — لأنه أمر بقتلهما فيما روي من قوله اقتلوا الأسودَين في الصلاة: الحية والعقرب. فإطلاق الحديث يدل على إباحة قتل الحيات كلها الجنية وهي البيضاء التي تمشي مُستوية، وغير الجنية وهي السوداء التي تمشي طولًا، وقيل لا تقتل الحية الجنية لقوله — عليه الصلاة والسلام: اقتلوا ذا الطفيتَين والأبتر وإياكم والحية البيضاء فإنها من الجن. وفي القاموس الطفية بالضم خوصة المقل وحية خبيثة على ظهرها خيطان كالطفيتَين أي الخوصتَين.٥٦٩

    وقال الطحاوي: لا بأس بقتل الكل؛ لأنه عاهد الجن أن لا يدخلوا بيوت أُمته ولا يظهروا أنفسهم، فإذا خالفوا فقد نقضوا عهدهم فلا حرمة لهم. قال ابن الهمام: وقد حصل في عهده — عليه الصلاة والسلام — وفيمن بعده الضرر بقتل بعض الحيات من الجن، والحق أن الكل ثابت، ومع ذلك فالأولى الإمساك عن ما فيه علامة للجان لا للحرمة بل لدفع الضرر المُتوهَّم من جهتهم. وقيل تذرها فيقول خلِّي طريق المسلمين أو ارجعي بإذن الله تعالى، فإن أبت اقتلها وهذا في غير الصلاة انتهى.

    يعني وأما في الصلاة فإنه يُباح القتل ولا يكره إذا مشتا أو أحدهما بين يدي المُصلي وخاف٥٧٠ أذاهما فيقتلهما ولو كان قتلهما بضربات؛ لأنه رُخِّص للمصلي في ذلك كالمشي بعد الحدث والاستقاء من البئر والتوضُّؤ وهذا اختيار النسفي وشمس الأئمة السرخسي. وفي المبسوط إلا ظهر أنه لا تفصيل فيه. وفي الخلاصة إذا٥٧١ أخذ المُقتدي النعل بيدِه ومشى إليها ليقتلها لم تفسد صلاته، وإن صار قدام الإمام، وقيل إنما يُباح إذا تمكن من قتلهما بفعلٍ يسير كالضربة، وأما إذا احتاج إلى المعالجة والمشي تفسد وإن علِم المصلي الأذى منهما فقتلهما بالصلاة مكروه، ذكره في الخلاصة الكافي انتهى.

    قال في حياة الحيوان اختلف العلماء في الإنذار هل هو ثلاثة أيام أو ثلاث مرات، والأول عليه الجمهور وكيفية ذلك أن يقول أنشدكن بالعهد الذي أخذه عليكن نوح وسليمان عليهما السلام أن لا تبدوا لنا ولا تؤذوننا. وفي أسد الغابة عن عبد الرحمن بن أبي ليلة أنه قال: قال رسول الله إذا ظهرت الحية في المسكن فقولوا لها إنا نسألك بعهد نوح — — وبعهد سليمان بن داود — عليهما السلام — لا تؤذينا فإن عادت فاقتلوها انتهى.

  • التاسعة: من الحيات الأزعر٥٧٢ وهو غالب فيها، ومنها ما هو أرب ذو شعر، ومنها ذات القرون. وأرسطو يُنكر ذلك، ومنها ذو الطفيتَين والأبتر. وفي الصحيحَين وغيرهما من حديث ابن عمر وعائشة أن النبي قال: اقتلوا الحيات ذوي٥٧٣ الطفيتَين والأبتر فإنهما يسقطان الحبَل ويلتمسان البصر. قال النووي: قال العلماء: الطفيتان الخطَّان الأبيضان على ظهر الحية، والأبتر قصير الذنب، وقال النضر٥٧٤ بن شميل هو صنف من الحيات أزرق مقطوع الذنب لا تنظر إليه حامل إلا ألقت ما٥٧٥ في بطنها غالبًا. وذكر مُسلم في روايته٥٧٦ عن الزهري٥٧٧ أنه يُقال يُرى ذلك من سُمِّها. وأما يلتمسان البصر ففيه تأويلان أصحُّهما أنهما يخطفانه ويطمسانه بمجرد نظرهما إليه لخاصية جعلها الله في بصرهما٥٧٨ إذا وقع على بصر الإنسان، ويؤيد٥٧٩ هذا أن في رواية مسلم يخطفان البصر والثاني أنهما يقصدان البصر باللسع والنهش.

    ومنها العربد وهو حية عظيمة تأكل الحيات ذكره الدميري. ومنها الشجاع وهو حية عظيمة تواثب الفارس والرجل وتقوم على ذنبها وربما تلسع رأس الفارس وتكون في الصحاري. ومنها نوع يُسمَّى الناظر متى وقع نظره على إنسان مات من ساعته. ونوع آخر إذا سمع الإنسان صوته مات. ومنها الأصلة وهو عظيم جدًّا له وجه كوجه الإنسان، ويُقال إنه يصير كذلك إذا مرَّت عليه ألوف من السنين ومن خاصيته هذا أن يقتل بالنظر أيضًا.

    ومنها الصل وتُسمَّى الملكة وهي شديدة الفساد تحرق كل ما مرَّت عليه ولا ينبت حول جحرها شيءٌ من الزرع أصلًا، وإذا حاذى مسكنها طائر سقط ولا يمر حيوان بقربها إلا هلك، وتقتل بصفيرها على غلوة سهم،٥٨٠ ومن وقع عليه بصرها ولو من بُعدٍ مات، ومن نَهَشته مات في الحال وضربها فارس برُمحه فمات هو وفرسه وهي كثيره ببلاد الترك.
  • العاشرة: قال في حياة الحيوان من عجيب أمر الحية أنها إذا ابتلعت شيئًا له عظم أتت شجرة أو نحوها فتلتوي عليه التواءً شديدًا حتى ينكسر ذلك في جوفها، ومن عادتها أنها إذا نهشت انقلبت فيتوهَّم بعض الناس أنها فعلت ذلك لتفرغ سمَّها وليس كذلك. ومن غريب أمرها أنها إذا لم تجد طعامًا تعيش٥٨١ بالنسيم وتقتات به الزمن الطويل وتبلغ الجهد من الجوع ولا تأكل إلا لحمَ الشيء الحي، وإذا كبرت صغر جرمها واقتنعت بالنسيم ولم تَشتَهِ الطعام. وبين عجيب أمرها أنها لا تَرِد الماء ولا تُريده، إلا أنها لا تملك نفسها عن الشراب إذا شمَّته لما٥٨٢ في طبعها من الشوق إليه، فهي إذا وجدته شرِبَت منه حتى تسكر، وربما كان سكرها سبب هلاكها. والذكر لا يُقيم بموضعٍ واحد وإنما تُقيم الأنثى على بيضها حتى تخرج أفراخها وتقوى على الكسب، ثم تخرج هي سائرة فإذا وجدت حجرًا انسابت فيه. وعينها لا تدور في رأسها بل كأنها مسمار مضروب في رأسها، وكذلك عين الجراد، وإذا قلعت عادت، وكذلك نابها إذا قُلع عاد بعد ثلاثة أيام، وكذلك ذنبها إذا قُطع نبت.
    ومن عجيب أمرها أنها تهرب من الرجل العريان وتفرح بالنار وتطلعها وتتعجَّب من أمرها وتُحب اللبن حبًّا شديدًا، وإذا ضُربت بسوط مسَّه عرَق الخيل ماتت وتُذبح فتبقى أيامًا لا تموت،٥٨٣ وتَقدَّم٥٨٤ أنها إذا عمِيَت أو خرجت من تحت لا تُبصر طلبت الرازيانج الأخضر٥٨٥ فتحكُّ به بصرَها فتبرأ.

    وليس شيءٌ في الأرض مثل الحية إلا وجسم الحية أقوى منه؛ ولذلك إذا أدخلَتْ صدرها في جحر أو صدعٍ لم يستطع أقوى الناس إخراجها منه، وربما تقطعت ولا تخرج وليس لها قوائم ولا أظفار تنشب بها وإنما قوى ظهرها هذه القوة بسبب كثرة أضلاعها فإن لها ثلاثين ضلعًا، وإذا مشت على بطنها فيتدافع أجزاؤها وتسعى بذلك الدفع الشديد، وتعيش في البحر بعد أن كانت برية وفي البر بعد إن كانت بحرية انتهى.

  • الحادية عشرة: الدابة ما دبَّ من الحيوان كله وأخرج بعض منها الطير لقوله تعالى وَمَا مِن دَابةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ٥٨٦ ورُدَّ بقوله تعالى وَمَا مِن دَابةٍ فِي الْأَرْضِ إِلا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا٥٨٧ كذا في حياة٥٨٨ الحيوان.٥٨٩
    أقول وجه الاستدلال بالآية الأولى هو أن الله تعالى عطف الطير على الدابة، والعطف يقتضي المغايرة والرد بالآية٥٩٠ الثانية لا يستقيم إذ لا يلزم من كون جميع دواب٥٩١ الأرض رزقها على الله أن تكون الطير دابة؛ فالرد أن يُقال إن الاشتقاق يقتضي بعمومه دخول الطير فلا يخرج إلا بدليل والعطف لا يصلح أن يكون دليلًا لجواز أن يكون من عطف الخاص على العام ومتى لم يَسلَم الدليل من الاحتمال لا يصلح للاستدلال.
  • الثانية عشرة: أخرج أبو داود والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة عن أبي هريرة أن النبي قال: ما من دابة إلا وهي مُصيخة يوم الجمعة خشية٥٩٢ أن تقوم الساعة. ويُروَى٥٩٣ مُسيخة بالسين ومعناهما مُنصتة مستمعة.
  • الثالثة عشرة: خلقت الدواب يوم الخميس لما في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: أخذ النبي بيدي وقال: خلق الله التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة في آخر ساعة من ساعات فيما بين العصر إلى المغرب.
    قلت: وما استدل به السبكي على خلق ذكور الخيل قبل إناثها من شرف الذَّكَر على الأنثى٥٩٤ وحرارته، وإن عادت القدرة الإلهية إذا كان اثنان من جنسٍ واحد، من مزاج واحد، وأحدهما أكثر حرارةً من الآخر أن تكون أقواهما حرارة.٥٩٥ قيل يقتضي تقدُّم الذكَر على الأنثى من جميع الدواب.
  • الرابعة عشرة: روى ابن السنِّي عن عبد الله بن مسعود عن النبي قال: إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليُناد يا عباد الله احبسوا فإن الله عز وجل حاضرًا سيحبسه.
  • الخامسة عشرة: قال بعض التابعين: ليس رجل يكون على دابة صعبة فيقول في أذنها أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ٥٩٦ إلا وقفت. وعن أنسٍ — رضي الله عنه — قال: قال رسول الله — — من ساء خلقه من الرقيق والدواب والصبيان فأقرءوا في أذنه أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ.٥٩٧
  • السادسة عشرة: عن أبي الدرداء أن النبي قال: من قال إذا ركب دابة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء، سبحانه ليس له سَمِي، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، والحمد لله رب العالمين٥٩٨ وصلى الله على سيدنا محمد عليه السلام. قالت الدابة: بارك الله عليك من مؤمن خفَّفتَ على ظهري، وأطعت ربك، وأحسنتَ إلى نفسك، بارك الله لك في سفرك وأنجح حاجتك.
  • السابعة عشرة: لا يجوز لعن الدابة كغيرها، وعن عمرو٥٩٩ بن قيس الملامي أنه قال: إذا ركب الرجل قالت: اللهم اجعله بي رفيقًا رحيمًا، فإذا لعنها قالت: على أعصانا لله لعنةُ الله.٦٠٠
  • الثامنة عشرة: روى ابن عمر — رضي الله عنهما٦٠١ — قال: قال رسول الله اضربوا الدواب على النفار ولا تضربوها على العثار.
  • التاسعة عشرة: يجوز الإرداف على الدابة إذا كانت تُطيقه، ولا يجوز إذا لم تُطقه،٦٠٢ وإذا وقع الإرداف فصاحب الدابة أولى بصدرِها ويكون الرديف وراءه إلا أن يرضى صاحبها بتقديمه بجلالِه وقدره أو غير٦٠٣ ذلك. وقد صح أنه أردف جماعةً منهم مُعاذ على الرحل وأردفه على حِمار يُسمَّى عفير. وفي حياة الحيوان عن الحافظ بن منده أن الذين أردفهم النبي — ثلاثة وثلاثون نفسًا. وروى الطبراني عن جابر أن النبي نهى أن يَركب ثلاثة على دابة.
  • العشرون: دابة الأرض التي ذكرها الله تعالى في سورة سبأ [هي] الأرضة وقيل سوسة الخشب، قال تعالى فَلَما قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلا دَابةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ،٦٠٤ والسبب في ذلك أن سليمان عليه السلام كان قد أمر الجنَّ ببناء صرحٍ فبنوه له ودخله مُخبتئًا ليصفو له يوم واحد من الدهر عن الكدَر فدخل عليه شابٌّ فقال: كيف دخلتَ من غير استئذان؟ فقال له: إنما دخلتُ بإذن، قال: ومن أذن لك؟ قال: رب هذا الصرح، فعلم سليمان أنه ملك الموت أتى ليقبض روحه، فقال: سبحان الله هذا اليوم الذي طلبتُ فيه الصفاء. قال: طلبت ما لم يُخلَق فاستوثِق من الاتكاء٦٠٥ على العصا؛ لأنه كان بقي من تمام٦٠٦ بناء المسجد عمل سنة، فسأل الله تمامها على يدِ الإنس والجن؛ فمات وهو مُتكئٌ عليها. وكانت الشياطين تجتمع حول محرابه فلا ينظر إليه أحد٦٠٧ إلا احتراق، ولمَّا مات كان عمره ثلاثة وخمسين سنة.
    والمنسأة٦٠٨ العصا وكانت٦٠٩ من الخَروب.٦١٠ عن ابن عباس أن النبي قال: كان نبي الله سليمان إذا قام في مُصلَّاه رأى شجرةً نابتة بين يدَيه فيقول: اسمك؟ فتقول: كذا، فيقول: لأي شيءٍ أنت؟ فتقول: لكذا وكذا، فإن كانت لدواءٍ كتبت وإن كانت لغرس غرست، فبينما هو يُصلي يومًا إذْ رأى شجرة فقال: ما اسمك؟ قالت: الخروب٦١١ فقال: لأي شيءٍ أنت؟ قالت: لخراب هذا البيت. قال سليمان: اللهم عمِّ عن الجن موتي؛ حتى تعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب. قال: فنحتَها عصا وتوكَّأ عليها، فأكلتها الأرضة فسقط فوجدوه حولًا، فتبيَّنت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولًا في العذاب المهين. وكان ابن عباس — رضي الله تعالى عنهما — يقرأها فشكرت الجن الأرضة، فكانت تأتيها بالماء حيث كانت. كذا في حياة الحيوان.
  • الحادية والعشرون: قال ابن عمر — رضي الله عنه — في قوله تعالى وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابةً منَ الْأَرْضِ تُكَلمُهُمْ٦١٢ قال: إذا لم يَأمروا بالمعروف ولم يَنهوا عن المنكر. قيل إنها دابة طولها ستون ذراعًا ذات قوائم ووبر، وقيل هي مختلفة الخلقة تُشبه عدة من الحيوانات يتصدع جبل الصفا فتخرج من ليلة جمعة والناس سائرون إلى مِنى، وقيل من الحِجر، وقيل من أرض الطائف ومعها عصا وخاتم سليمان — عليه السلام، لا يُدركها٦١٣ طالب ولا يُعجزها هارب، تضرب المؤمن بالعصا وتكتب في وجهه مؤمن، وتطبع الكافر بالخاتم وتكتب في وجهه كافر.

(٤-٢٦) غريبة

في تاريخ ابن خلكان في ترجمة عماد الدولة أبي الحسن على بن بويه وكان أبوه صيادًا ليست له معيشة إلا صيد السمك، وكان له ثلاثة أولاد عماد الدولة أكبرهم ثم ركن الدولة الحسن، ثم مغر الدولة. والجميع ملكوا وكان عماد الدولة سبب سعادتهم وانتشار صِيتهم، ملكوا العراقين والأهواز وفارس، وساسوا أمر الرعية أحسن سياسة، ومن عجيب ما اتفق لعماد الدولة أنه لمَّا ملك شيراز في أول مُلكه اجتمع أصحابه وطالبوه بالأموال، ولم يكن عندَه ما يُرضيهم به وأشرف أمره على الانحلال فاغتمَّ لذلك، فبينما هو مُفكر قد استلقى على ظهره في مجلس قد خلا فيه للفكر والتدبير رأى حيةً خرجت من موضعٍ من سقف ذلك المجلس ودخلت موضعًا آخر منه، فخاف أن تسقط عليه فدعا الفراشين وأمرهم بنصب سُلَّم وأن يخرجوا الحية، فلما صعدوا ونبشوا عنها وجدوا ذلك السقف يُفضي إلى غرفة بين سقفَين فعرفوه بذلك، فأمرهم بفتحها ففتحت فإذا فيها صناديق فيها خمسمائة ألف دينار فحمد ذلك الذي بين يدَيه فقسمه على رجاله، وثبت أمره بعد أن كان قد أشفى على الانخرام،٦١٤ ثم إنه جهز ثيابًا وسأل عن خياطٍ حاذق فوُصِف له خياط كان لصاحب البلد قبله، فأمر بإحضاره وكان أطروشًا٦١٥ فوقع في نفسه أنه سعى به إليه في وديعة كانت لصاحبه وأنه طلبه لهذا السبب فلمَّا خاطبة حلف٦١٦ أنه لم يكن عنده سوى اثنَي عشر صندوقًا لا يدري ما فيها، فتعجَّب عماد الدولة من جوابه ووجَّه معه من حملها فوجد فيها٦١٧ أموالًا وثيابًا بجُملة عظيمة، وكانت هذه الأسباب من أقوى دلائل سعادته.

(٤-٢٧) أعجوبة

أخبرني بعض من أثق به أن طائفةً من الناس في الدورق يُقال لهم كولكيان إذا عضت الحية أحدَهم ماتت من وقتها حتى إن بعضهم حصلت له ريبة من حمل زوجته لتُهمة اتهمَها بعض الأعداء مع رجل من غير قبيلة فانتظرها حتى وضعت حملَها واصطاد حية ووضعها مع الطفل فلما نهشته ماتت فتحقَّق براءتها لذلك من ذلك.

(٤-٢٨) تكملة

ذكر في كتاب عجائب المخلوقات أن الريحان الفارسي لم يكن قبل كسرى أنوشروان وإنما وُجِد في زمانه، وسببه أنه كان ذات يوم جالسًا للمظالم إذْ أقبلت حية عظيمة تنساب تحت سريره فهمُّوا لقتلها فقال كسرى: كفُّوا عنها؛ فإني أظنُّها مظلومة، فمرَّت تنساب حتى استدارت على فوهة بئر فنزلت فيها، ثم أقبلت تتطلَّع فإذا في قعر البئر حية مقتولة وعلى متنها عقرب أسود فأدلى بعض الأساورة رمحه إلى العقرب ونخسه به، وأتى الملك يُخبره بحال الحية، فلمَّا كان في العام القابل أتت الحية في اليوم الذي كان كسرى جالسًا فيه للمظالم وجعلت تنساب حتى وقفت ونفضت من فيها بزرًا أسود فأمر الملك أن يُزرَع فنبت منه الريحان، وكان الملك كثير الزكام وأوجاع الدماغ٦١٨ فاستعمل منه فنفعه جدًّا.

ايفاض٦١٩

قال الدميري روى أحمد والبيهقي في الشُّعَب عن ابن سيرين قال: خرجت دابة تقتل الناس، فمن دنا منها قتلته فجاء رجل أعور فقال: دعوني وإيَّاها فدنا منها فوضعت رأسها له حتى قتلها. فقالوا: حدِّثنا من أمرك؟ قال: ما أصبتُ ذنبًا قطُّ إلا ذنبًا واحدًا بعيني هذه فأخذتُ سهمًا٦٢٠ ففقأتُها به. فقال الإمام أحمد: لعلَّ هذا في بني إسرائيل أو في شريعة من كان قبلنا، فأما في شريعتنا فلا يجوز فقء العين التي ينظر بها إلى ما لا يحل، لكن يستغفر الله تعالى من ذلك ولا يعود إليه.
قلت تركه للذنب وفقؤه لعينه عند ارتكابه يدلُّ على شدة خوفه من الله وعدم مبالاته بالناس فهذا يخاف الله وحده، ومن خاف الله وحده، خافه كلُّ شيءٍ فلا جرم أن سلط هيبته على هذه الدابة فوضعت رأسها له حتى قتلها. روي عن عبد الله بن عمر أنه خرج في بعض أسفاره، فبينما هو يسير إذا هو بقومٍ وقوف، فقال: ما لهؤلاء؟ قالوا: أسد على الطريق وقد أخافهم؛ فنزل عن دابته ثم مشى إليه حتى إذا أخذ بأُذنه ونحَّاه عن الطريق. قال: ما كذب عليك رسول الله — — إنما سُلِّطت على ابن آدم من مخافة غير الله ولو أن ابن آدم لم يخف الله لم تُسلَّط عليه ولو لم يرجُ إلا الله لما وكلَه إلى غيره. ثم كلام الإمام أحمد — رضي الله عنه — لمجرد٦٢١ بيان هذا الحكم أو تصحيحًا لقوله ما أصبتُ ذنبًا قطُّ إلا ذنبًا واحدًا بعيني لا استبعادًا أن يُكرمه من الله تعالى بمثل هذه٦٢٢ الكرامة مع الجهل المؤدي إلى فقء العين المُحرَّم بارتكابه الذنب للخوف من الله تعالى؛ إذْ لا بُعد فيه وكرم الله أوسع من ذلك، ولاحتمال أنْ يكون فعله في حالة دهشٍ وغلبة خوف وشدة جزع ذهب بتفطنه وتعقُّله٦٢٣ لما يفعله، فإن هذه الحالة مُلحقة بحالة الغفلة والنسيان فلا يؤاخَذ بما يفعله فيها، كما لم يُؤاخَذ الرجل الذي أسرف على نفسه، فلمَّا حضره الموت أوصى بنيه إذا مات فحرَقوه٦٢٤ ثم أذرَوا نصفَه في البر ونصفه في البحر فوالله لئن قدر الله ليعذبه عذابًا لا يعذبه أحدًا من العالمين. فلمَّا مات فعلوا ما أمرهم فأمر الله البحر فجمع ما فيه وأمر البر فجمع ما فيه، ثم قال: لِمَ فعلت هذا؟ قال: من خشيتك يا رب وأنت أعلم، فغفر له، كما جاء في الحديث.

لأنه إنما أوصى بذلك بنيه، وقال لئن قدر الله عليَّ، الذي هو شكٌّ في قدرة الله على إعادته بعد صنيعهم به ذلك كما هو المُتبادر من اللفظ وفحوى الخطاب. ويدل عليه رواية فلعلِّي أضل الله أي أغيب عنه في حالة غلب عليه الدهش فيها والخوف وشديد الجزع بحيث ذهب بتفطُّنه وتدبُّره لما يقوله ويأمر به فكان في معنى الغافل والناسي فلم يؤاخَذ بذلك.

ومثل هذا الرجل الذي انفلتت راحلته في فلاة فأيس منها فلما وجدَها قال من شدة: الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك، كما جاء في حديث مسلم، ولفظه: للهُ أشدُّ فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى٦٢٥ شجرةً فاضطجع في ظلِّها قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك. أخطأ من شدَّة الفرح فإنه لم يكفر ولم يؤاخَذ بذلك للدهشة والغلبة من شدَّة الفرح الذي ذهب بتدبُّره وتفطُّنه لما يقوله.

(٤-٢٩) القول السادس

قيل إن سمكةً في البحر تتنفس وتجذب نفسَها٦٢٦ إلى جوفها في اليوم والليلة مرتَين، فإذا أخرجته إلى خارجٍ حصل المد وإذا أدخلته حصل الجزر، وهذا القول أيضًا لم أقف عليه وإنما أخبرني به بعض طلبة العلم ممن له تولُّع بالأخبار العجيبة والحكايات الغريبة، وهو كالذي قبله لا يردُّه العقل ولا يأباه قاطع النقل، وقُدرته تعالى صالحة للتعليق بكل مُمكن، ومن الجائز أن يخلق الله سمكة عظيمة إذا تنفَّست فار البحر وفاض وإذا جذبت النفَس نقص وغاص، بل من الجائز أن يجعل هذه القوة في أصغر الحيوان وإذا نظر في نفسه الإنسان لم يستغرب ما يكون وما كان.
حُكِي أن اللعين إبليس جاء متدلسًا إلى نبي الله إدريس فقال: هل يقدر ربك أن يجعل الدنيا في قشر هذه البيضة، وكان، إذ جاءه اللعين٦٢٧ الطريد عن الرحمة الخاصة وساحة الكرام، بيده إبرة يخيط بها عليه السلام، فقال: إن الله قادر على أن يجعل الدنيا في سَمِّ هذه الإبرة وفقأ عينه بالإبرة. ومعناه كما قاله علماء الكلام إن الله قادر على أن يصغر الدنيا ويجعلها في قشر البيضة، أو أن يكبر قشر البيضة٦٢٨ ويمده حتى يجعله يسع الدنيا وهي على هذه الحالة، لا أنه تعالى يجعل الدنيا في البيضة، وكلٌّ على حاله؛ لأن إدخال الكبير في الصغير باقيين على حالهما محال، وقدرته تعالى لا يعلقها٦٢٩ بمحال حفظًا للأحكام العقلية؛ إذ لو علق قدرته بغير المُمكن لم يبق الواجب واجبًا ولا المُستحيل مستحيلًا؛ ولأن في تعليقها بهما لزوم النقص وهو جواز إعدام ذاته تعالى وصفاته وإثبات الشريك له إلى غير ذلك من النقائص، لا يقال إن تكبير قشر البيضة وتوسعته بمقدار الدنيا محال، فإذا جوزتم ذلك فقد ذهبتم إلى ما عنه هربتم؛ لأنا نقول لا نسلم٦٣٠ أن ذلك محال٦٣١ فإن المحال ما لم يجز في العقل وجوده والعقل إذا خُلي ونفسه لم يمنع من جواز ذلك.
ذكر الشيخ الأكبر قُدِّس سرُّه في الباب الثامن من الفتوحات: أن الله تعالى لما خلق آدم فضلت من خميرة٦٣٢ طينته فضلة خلق منها النخلة فهي أخت لآدم عليه السلام، وهي لنا عمة وسمَّاها الشارع عمة، وفضل من الطينة بعد خلق النخلة قدر السمسمة في الخفا فمد الله من تلك الفضلة أرضًا واسعة الفضاء؛ إذا جُعِلَ العرش وما حواه والكرسي والسموات والأرضون وما تحت الثرى والجنات كلها والنار في هذه الأرض لكان الجميع فيها كحلقة ملقاة في فلاة من الأرض، وفيها من العجائب والغرائب ما لا يُقدَّر قدره ويُبهر العقول أمره، وفي كل نفسٍ خلق الله فيها عوالم يُسبِّحون الليل والنهار ولا يفترون، وفي هذه الأرض ظهرت عظمة الله وعظُمَت عند المشاهد لها قُدرته وكثير من المحالات العقلية التي قام٦٣٣ الدليل الصحيح العقلي على إحالتها هي موجودة في هذه الأرض وهي مسرح عيون العارفين العلماء بالله وفيها يحولون، وخلق الله من جملة عوالمها عالمًا على صورنا إذا أبصره٦٣٤ العارف يُشاهد نفسه فيها، وذكر من عجائبها أن التفاحة فيها مقدار القبة إذا قبض عليها الرجل الذي يريد أكلها بهذه اليد المعهودة في القدر عمها بقبضته مع هذا العظم، وهذا مما يُحيله العقول في نظرها، ولمَّا شاهدها ذو النون المصري نطق بما حُكي عنه من إيراد الكبير على الصغير من غير أن يصغر الكبير أو٦٣٥ يكبر الصغير أو يوسع الضيق أو يضيق الواسع؛ فالعظم في التفاحة على ما ذكرته باق والقبض عليها باليد الصغيرة والإحاطة بها موجودة والكيفية مشهودة مجهولة لا يعرفها إلا الله انتهى.
قال:٦٣٦ فقد بان لك أن تكبير ما هو مثل ذلك إلى أن يسع الدنيا بأسرِها مما يجوز تعلق القدرة به، وأنه ليس بمحال وأن العقول إنما تُحيله من حيث أفكارها، فإن قلتَ فقد صرح الشيخ قُدِّس سِره بتجويز ما منعتم من إدخال الكبير في٦٣٧ الصغير من غير تكبير ولا تصغير، حيث ذكر أن اليد تُحيط بالتفاحة مع أنها في العظم مثل القبة وكل منهما على ما هي عليه، وقد٦٣٨ صرح ذو النون بذلك كما نقله عنه قُدِّس سرُّه،٦٣٩ فإما أن تجوزوا تعلق القدرة بالمحال أو تنفوا عن ذلك الإحالة.
قلت: لمَّا صحَّ النقل في وجود مثل ذلك وجب نفي الإحالة عنه؛ حفظًا للقاعدة وصونًا لتقصيم الحكم العقلي من الإبطال، وهربًا من تجويز لحوق النقص٦٤٠،٦٤١ به تعالى كتجويز إثبات الشريك واتخاذ الصاحبة والولد وغير ذلك مما لا يليق بجنابه الأقدس، فيقال:٦٤٢ إن العقل إنما يُحيله تمسكًا بالحسِّ والعادة، أما لو خُلِّي ونفسه فلا، فلذا يقوله٦٤٣ أولًا ولا يصير إلى الإنكار إلا بعد النظر إلى الحس والعادة على أنه إذا أسنده إلى الله تعالى لا يُداخله تردُّد ولا تشكيك في الجواز إلا لتقليد، ولو كان محالًا لم يختلف في نسبته وفيه تأمُّل له، أو٦٤٤ أن تُستثنى هذه الجزئية٦٤٥ من تلك الكلية وفيه نظر.
وقد سألت شيخنا — سلَّمه الله تعالى٦٤٦ — ولا زال في عافيةٍ شاملة عما ذكرَه الشيخ الأكبر قُدِّس سره من حكاية التفاحة وقبض اليد عليها باقيين على حالهما من غير تكبيرٍ ولا تصغير، وقلت: إنها مصادِمة لما ذكره علماء الكلام لكون ذلك محال، فأجابني بأن العقول إنما تُحيل ذلك من حيث ما هي مفكرة، وأما من حيث هي قابلة فلا. والمراد بالممكن الذي تتعلق القدرة به ما لا يجب وجوده ولا عدمه، أو ما لا يمتنع وجوده ولا عدمه لذاته؛ إذ هو المتبادر عند٦٤٧ الإطلاق فدخل ما لم يتأتَّ إيجاده من الممكنات، لكن لا بالنظر إلى ذاته بل بالنظر إلى غيره كمُمكن تعلق علم الله بعدم وقوعه كإيمان أبي لهب مثلًا وهو أحد قولَين في صحة تعلق القدرة الأزلية بالمُمتنع لتعلُّق العلم، وإن وفَّق حجة الإسلام بينهما بالنظر إلى إمكانه في ذاته وإلى تعلُّق العلم بعدم وقوعه احتج القائل بصحة التعلق بأنه لو انتفى تعلق القدرة لأجل تعلق العلم لعدم٦٤٨ الوقوع للزم ألا يكون للقدرة مُتعلق البتة،٦٤٩ والثاني باطل بالإجماع في المقدم بيان٦٥٠ الملازمة أن الممكن إما واجب الوقوع إن تعلق علم الله بوقوعه أو مُستحيله، إنْ تعلق علمُه بعدم وقوعه، فلو منعت الاستحالة العارضة من تعلق القدرة لمنع منه الوجوب العارض؛ إذْ هما في المنع من تعلق القدرة سواء، ويؤيد المانع قولهم إن القدرة تابعة للإرادة والإرادة تابعة للعلم فلا تُوجَد القدرة إلا ما تعلقت الإرادة بوجوده، ولا تتعلق الإرادة بوجود إلا ما تعلق العلم بوجوده، فما لم يتعلَّق العلم به لا تتعلق الإرادة به، وما لا يتعلق الإرادة به لا تتعلق القدرة به، وفي كل من الدليلَين نظر، ويدخل في الممكنات التي تتعلق بها قدرة الله تعالى؛ الإعدام والتروك المُمكنة ويخرج به الواجب والمستحيل؛ لأن القدرة صفة مؤثرة ومن لازم الأثر وجوده بعد عدم، فما لا يقبل العدم كالواجب لا يصح أن يكون أثرًا لها أيضًا، وإلا لزم تحصيل الحاصل، وما لا يقبل الوجود أصلًا كالمستحيل لا يصح أن يكون أثرًا لها أيضًا، وإلا لزم قلب الحقيقة بصيرورة المستحيل جائزًا، وكلاهما محال.
وبهذا٦٥١ عرفت أنْ لا عجز ولا قصور في عدم تعلق القدرة الأزلية بالواجب والمستحيل؛ إذْ ليسا من متعلقاتها،٦٥٢ بل لو تعلقت بهما للزم المحال؛ لأنه يلزم على هذا التقدير الفاسد أن يجوز تعلقها بإعدام نفسها، بل وبإعدام الذات العلية، وبإثبات الألوهية لمن لا يقبلها من الحوادث، وبسلبها عمن تجب له وهو مولانا عز وجل، وأي نقص وفساد أعظم من هذا، والعجب من خفاء هذا المعنى على بعض٦٥٣ المبتدعة حتى صرح بنقيض ذلك.

وعلى ابن حزم حتى قال: إنه تعالى قادر على أن يتخذ ولدًا إذْ لو لم يقدر عليه لكان عاجزًا فانظر إلى اختلال هذا المبتدع كيف غفل عما يلزمه على هذه المقالة الشنيعة من اللوازم التي لا تدخل تحت وهم، وكيف فاته أن العجز إنما يكون لو كان القصور جائيًا من ناحية القدرة وأما إذا كان لعدم متعلق القدرة فلا يتوهم عاقل أن هذا عجز.

(٤-٣٠) تفسير

سئل بعض ممن يرى جواز تعلق القدرة بكل شيءٍ من مُمكن ومُستحيل إلا ما دل العقل والنقل على عدم تعلُّقها به مما يُوجب نقصًا في الربوبية كاتخاذ الصاحبة والولد ونحوهما: هل يقدر الحق سبحانه أن يدخل الجمل في سم الخياط من غير تصغير ولا تكبير؟ فأجاب بأن الله على كل شيء قدير، قال : إذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء. فلا يمنعه مانع عما أراد قدرته في الأشياء بلا مزاج، وفعله للأشياء بلا علاج، يفعل ما يشاء بلا تصغير ولا تكبير ولا سبب ولا آلة ولا ظهير. فإن قال قائل: دخول الكبير في الصغير مُستحيل، قُلنا إذا أسند الفعل إلى المخلوق فهو كما قيل، وإن أسند إلى القادر على كل شيء ولا يعجزه شيء إِنمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ.٦٥٤
ولا يُقال إن كونه يفعل٦٥٥ هذا بلا تصغير ولا تكبير نقصًا، بل هو كمال والاحتياج إلى السبب والوسائط في الأفعال من صفات المخلوقين، فلا تقس٦٥٦ قدرته بقدرتك ولا فعله بفعلك؛ إذ قدرته لا تُكيف٦٥٧ ولا تُمثل، وحد العقل إدراك آثار القدرة فلا يُحيط العقل بإدراك ذاته٦٥٨ ولا صفاته، بل قدرته معلومة من حيث الوجود مجهولة من حيث الكيفية، كما يُقال في الذات وهكذا سائر الصفات، كما يُقال كنه الذات والصفات العقل محجوبٌ على إدراكها؛ فليس لأحدٍ أن يخوض في الكُنه، فعلى هذا تعلق القدرة بالإدخال معلوم والكيف مجهول، ولا يلزم من ذلك محذور ولا فيه نقص ولا قصور بل كونه مُستحيلًا تعجيزًا ونقصًا واحتياجًا إلى المهلة، ووجود مانع لهيئة إلى هيئة وتشبيهًا بأفعالنا.٦٥٩
والتصغير ينحصر في صورة تصغير بالتداخُل وتصغير بالإعدام وتصغير بلا كيف؛ فالأول مستحيل، والثاني لا يفي بالمقصود لعدم صدقِه على الكل، والثالث جائز والإدخال بلا كيف أولى منه للاحتياج إلى المهلة، والعلاج في٦٦٠ التصغير وعدم ذلك في الإدخال بالتصغير، انظر إلى ما فعل ولا تقُل كيف فعل. والآية الشريفة إن ما يلِج فيها هو الجمل الذي يمتنع في حقه الدخول وليس هو الحق سبحانه، فزالت الشبهة بهذا لمن ألقى السمع.
وأيضًا كل شيءٍ لفظ عام، واللفظ إذا عم فقصوره عن عمومه يحتاج إلى مُخصَّص إما لفظي وإما عقلي؛ فاللفظي معدوم والعقل يخرج هنا الذات والصفات وسائر النقائض٦٦١
قال البيضاوي: وأخرج العقل ذاته فليس عليها بقادر والضد والند والولد وشبهها منفي بالنقل والعقل، وانظر إلى جواب إدريس — عليه السلام — لإبليس حيث قال: يقدر، ولم يذكر سببًا. وهذا على طريق السلف الصالح. قال الشيخ عبد الوهاب٦٦٢ الشعراوي: ومن علومهم أنه تعالى قادر بلا تصغير ولا تكبير. وقال٦٦٣ سيدي الشيخ أحمد زروق: قادر بلا سبب ولا آلة ولا واسطة. وقال سيدي شهاب الدين السهروردي: فعوالم قدرته غير محصورة، وغرائب مشيئته غير منكورة، وما نحن فيه من العالم بما نحن عليه من العقل والعلم عالَم من عوالمه، لا تستبعد قولي لو شاء كوننا في غير مكان لكان فقد كوَّن المكان لا في مكان؛ إذْ لو كان في مكان لتسلسل فلا تحصر القدرة بعقلك إذ قوته أن تحصر الحكمة، فأما القدرة فلا يحصرها فحدِّث عن البحر ولا حرج، ومن هذا الأساس تمشت وتبينت الأمور الأخروية وعَلِمها من علِمَها وأنكرها مَن عجز عقله عن إدراكها انتهى.

وكتب في جوابه بعض الفضلاء. أما قوله بلا تصغير ولا تكبير ولا آلة إنْ كان في تعلق العلم فهذا لا تُنكره ولا يُنكره أحد من المتكلمين، وإن كان في تعلق القدرة فقد صدر منه زلة عظيمة لا يكفرها إلا التوبة وتجديد الإيمان؛ لأنه قد صدر منه ما هو مُنكَر عند أهل الحقيقة وعند أهل الكلام.

وجوابنا أولًا بعدم تكفيره جهل منَّا باعتقاده، وأما الآن فقد تحقَّقنا اعتقاده؛ لأن اعتقاده في هذه الجزئية تدخُل عليه جزئيات تُوجِب تكفيره؛٦٦٤ لأنه إذا اعتقد أن هذا من قبيل المحال وقال تتعلق القدرة به فهذا القول يلزمه في الجزئيات المُستحيلة في حق الربوبية من الشريك والولد والصاحبة، ويلزم من هذا تعلق القدرة بإعدام نفسها وإعدام جميع صفات الربوبية بل بإعدام الذات؛ لأن هذه الجزئية المُتكلَّم فيها مثل هذه الجزيئات من باب لا فرق، وما يجوز على المثل يجوز على المُماثل؛ لأنك مهما قلت تتعلق القدرة بالمحال يلزمك الإيجاد والإعدام.٦٦٥
لأن ملازم الحقائق لا ينفك عنها وأطال في الرد عليه وشنع، وأقول لقد أخطأ في تكفيره له كيف، وقد قال بمِثل ما قاله جماعة من العارفين بالله كذي النون المصري وغيره، وأخبرنا٦٦٦ بالوقوع وقوله في التعليل؛ لأنه قد صدر منه ما هو منكر عند أهل الحقيقة، وأهل الكلام لا يصلح سندًا لدعواه؛ إذْ ليس صدور كل ما هو منكر عندهم يُوجب تكفيرًا، على أن دعوى إنكاره عند أهل الحقيقة باطلة، وقوله لأنه إذا اعتقد أن هذا من قبيل المحال، وقال بتعلق القدرة به فهذا القول يلزمه في الجزئيات … إلخ٦٦٧ ممنوع، إذْ لا يلزم من صحة تعلق القدرة بجزءٍ من جزئيات المحال صحة التعلق بالكل؛ إذ المثال الجزئي لا يثبت القاعدة الكلية على أنَّا لو سلَّمنا اللزوم لا يُوجب ذلك التكفير؛ لأنه فرق كبير بين الكفر ولزوم الكفر، وقوله لأن هذه الجزئية المُتكلَّم فيها مثل هذه الجزئيات من باب لا فرق جوابه إن أراد المُماثلة من كل الوجوه، فهذا ظاهر البطلان وإن أراد المُماثلة في الإحالة فهو لم يُجوِّز تعلق القدرة بها من حيث كونها محالًا حتى يلزمه القول بمثلها في كل ما دخل تحت الإحالة، فجاز أن يكون فيها أمر مانع من جواز التعلق كلزوم النقص في جانب الربوبية، كيف لا ومُستنده في الجواز عموم الآية، وهذه الجزئيات مُخرِجة منها عقلًا ونقلًا وإجماعًا، والذي كان يجب عليه حمل حال أخيه على الصواب والتسديد عنه بما يُمكنه، فإن حمل حال المُسلم على الصلاح واجب مهما أمكن؛ فقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب — رضي الله عنه: وضع أمر أخيك على أحسنه حتى٦٦٨ يجيئك منه ما يغلبك. وقال الإمام ابن فورك: إدخال ألف كافر إلى الإسلام ولا إخراج مسلم إلى الكفر وإن كان في كلامه — رحمه الله — ما لا يصلح سندًا لدعواه.

(٤-٣١) تنبيهات

  • الأولى: الحكماء الإلهيون، فإنهم قالوا: إنه تعالى واحد حقيقي فلا يصدر منه أثران والصادر عنه ابتداءً هو العقل الأول والبواقي صادرة عنه بالوسائط.
    والجواب عن ذلك أنَّا لا نُسلِّم٦٦٩ أن الواحد الحقيقي لا يصدر منه إلا الواحد.

    الأول خالف في شمول قدرته للمُمكنات طوائف:

  • الثانية: المنجمون، ومنهم الصائبة قالوا: الكواكب المتحركة بحركات الأفلاك، أي المدبرات أمرًا في عالمنا لدوران الحوادث السفلية والتغيُّرات الواقعة في جوف فلك القمر وجودًا وعدمًا مع مواضعها في البروج، وأوضاعها بعضها إلى بعض، وإلى السفليات وأظهرها ما نُشاهده من اختلاف الفصول الأربعة، وما يتجدَّد فيها من الحر والبرد والاعتدال بواسطة قرب الشمس من سمت الرأس وبُعدها عنه وتوسُّطها فيما بينهما، وتأثير الطوالع في المواليد بالسعادة والنحوسة.
    والجواب أن الدوران لا يفيد العِلِّية سيما إذا تحقق التخلُّف، كما في توأمَين أحدهما في غاية السعادة والآخر في غاية الشقاوة؛ وُلِدا دفعة أو بين ولادتَيهما مقدار درجة الذي لا يُوجب تغير الأحكام باتفاق منهم، وسيما إذا قام البرهان على نقيضه. وقد قامت البراهين العقلية والنقلية بأن لا٦٧٠ مؤثر في الوجود إلا الله رب البرية، على أن ما أثبتوه٦٧١ من الأحكام لا يستثبت٦٧٢ على قواعدهم؛ لأنهم قد ادَّعوا أن الأفلاك بسيطة،٦٧٣ وإذا كانت كذلك كانت أجزاؤها متساوية في الماهية فلا يمكن حينئذٍ جعل درجة حارة أو نيرة أو نهارية وجعل أخرى باردة أو مظلمة أو ليلية إلا تحكُّمًا بحتًا، وكذا الحال في جعل بعض البروج بيتًا لكوكب وبعضها بيتًا لكوكبٍ آخر، وبعضها شرفًا وبعضها وبالًا، إلى غير ذلك من الأمور التي يدعونها، فإنها على تقدير البساطة تحكُّمات محضة.
    وأيضًا الفلك إنْ كان بسيطًا فقد بطل الأحكام التي يزعمونها كما بيَّنَّا، وإلا فعلم الهيئة باطل؛ لأن مَبناه أن الفلك بسيط٦٧٤ فحركاته بسيطة مُتشابهة في أنفسها، والحركات المختلفة المشاهدة والمرصودة منها تقتضي محركات مختلفة على أوضاع متفاوتة، وإذا٦٧٥ بطلت الهيئة بطلت الأحكام النجومية؛ لأنها مبنية على الهيئات المُتخيلة لهم، وإلا فلا أوج ولا حضيض، ولا وقوف ولا رجوع، فكيف تثبت٦٧٦ لها أحكام مترتبة عليها لا يُقال الأفلاك، وإن كانت بسيطة فالبروج مكوكبة بالثوابت المختلفة الطبائع. والعبرة في تلك الأحكام ليست بنفس البروج المتوافقة في الطبيعة بل بقُرب كواكبها الثابتة من السيارات وبُعدها منها وتسامُتها وعدمها، فمدار الأحكام المختلفة على اختلاف أوضاع الكواكب السيارة بحركاتها من الثوابت المركوزة في البروج؛ لأننا نقول البروج كما علمتَ تُعتبر من الفلك الأطلس الذي لا كوكب فيه على رأيهم، فإن قيل البروج المُعتبرة فيه،٦٧٧ وإن كانت خالية من الكواكب إلا أنها تُسامِتها كواكب مُتخالفة الطبائع وهذا القدر كافٍ لاختلاف الأحكام والآثار، فالجواب٦٧٨ أن٦٧٩ تلك الكواكب تزول عن تلك المُسامَتة بالحركة البطيئة فيلزم أن تنتقل الأحوال من برج إلى برج آخر وهو باطل٦٨٠ عندهم.
  • الثالثة: الثنوية، ومنهم المجوس قالوا: إنه تعالى لا يقدر على خلق البشر ولا على الأجسام المؤذية، وإلا لكان خيرًا شريرًا؛ فالخالق للشر إله آخر عندهم اسمه أهرمن.
    والجواب عن ذلك أن المُلازمة باطلة،٦٨١ إن أريد بالشرير من غلب شرُّه، وإن أريد به خالق الشر فلا محذور فيه وإنما لا يُطلق عليه لفظ الشرير. إما لأن أسماءه توقيفية، وإما لإيهام أن ذلك دأبه وعادته كما يُقال فلان شرير إذا كان ذلك يقتضي طبيعته والغالب على عادته، على أن عدم الإطلاق لا يدلُّ على عدم الصدور، ألا يرى أنه خلق القردة والخنازير مع أنه لا يطلق عليه الوصف مضافًا إليهما.
  • الرابعة: النظامية، قالوا: لا يقدر على خلق القبيح؛ لأنه مع العلم سفه وبدونه جهل وكلاهما نقص.

والجواب أنه لا قبح بالنسبة إليه، كيف وهو تصرُّف في ملكه؟ ولو سلم فالقدرة عليه لا تنافي امتناع الصدور عنه؛ لوجود الصارف وعدم الداعي وإن كان ممكنًا في نفسه.

الخامسة عبَّاد وأتباعه قالوا: إنه ليس بقادر على ما علم أنه لا يقع لاستحالته ولا على ما علم أنه يقع لوجوبه.

والجواب أن مثل هذه الاستحالة والوجوب لا ينافي المقدورية.

السادسة٦٨٢ البلخي المعروف بالكعبي وأتباعه قالوا: لا يقدر على مثل فعل العبد؛ لأنه٦٨٣ إما طاعة أو معصية أو سفه وهو مُنزَّه عن ذلك.

والجواب أنها اعتبارات تفرض للفعل بالنسبة إلينا، وأما فعله تعالى فمُنزَّه عن هذه الاعتبارات، فجاز أن يصدر عنه مثل فعل العبد مجردًا عنها فإن الاختلاف بالعوارض لا ينافي التماثُل في الماهية.

السابعة الجبائية، قالوا: لا يقدر على نفس مقدور العبد؛ لأنه لو صح مقدور بين قادرَين لصحَّ مخلوق بين خالقَين؛ لأنه يجب وقوعه بكلٍّ منهما عند تعلق الإرادة لأنه يجب حصول الفعل عند خلوص القدرة والداعي واجتماع مؤشرَين على أثرٍ واحد باطل،٦٨٤ وأيضًا لو أراد فعلًا وأراد العبد عدمه لزم إما وقوعهما٦٨٥ فيجتمع النقيضان وإما عدمهما فيرتفعان٦٨٦ وقوع أحدهما فلا قدرة للآخر.
والجواب أنه مبني على تأثير القدرة الحادثة وهو بطل.٦٨٧
واعلم أن عدَّ الفلاسفة ممَّن لا يقول بعموم قدرته مسامحةً؛ لأن القول بعدم الشمول فرع للثبوت، وهم لا يقولون بأنه تعالى قادر مُختار، فلذا عدهم بعضٌ من الفِرق المُخالفة وتركهم٦٨٨ آخر، والدليل على شمول قدرته تعالى النص كقوله تعالى اللهُ خَالِقُ كُل شَيْءٍ٦٨٩هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ٦٩٠ وغير ذلك من الآيات والأحاديث وإجماع الأمة فإنها كانت مُجْمِعة على ذلك قبل حدوث البِدَع والعقل؛ لأنه لو وقع شيءٌ بإيجاد الغير فرضنا تعلق قدرة الله تعالى وإرادته بضد ذلك الشيء حال تعلق٦٩١ قدرة ذلك الغير وإرادته بإيجاد ذلك الشيء كحركة جسمٍ مُعيَّن وسكونه في زمان بعَينه، فإن وقع الأمران معًا لزم اجتماع النقيضَين، وإن لم يقع شيءٌ منهما، لزم ارتفاعهما، وعجز الباري، وتخلف المعلوم عن عِلته التامَّة، وإن وقع أحدهما لزم الترجيح بلا مُرجح وهو محال، فلا بدَّ وأن يكون قدرة الغير غير مؤثرة فلزم شمول قدرته تعالى.
الثاني الإرادة كالقدرة مُتعلقًا فتختصُّ بالمُمكنات دون الواجبات والمُستحيلات إلا أن جهة تعلُّقهما مختلفة؛ فالقدرة تؤثر في الإيجاد والإعدام على وفق الإرادة، والإرادة توثر في اختصاص أحد طرفَي المُمكن بالوقوع، فتأثير القدرة فرع تأثير الإرادة إذْ لا يُوجَد ولا يُعدم بقدرته تعالى إلا ما أراد وجوده أو إعدامه وتأثير الإرادة على وفق العلم فكلُّ ما علم تعالى أنه يكون من المُمكنات أو لا يكون فذلك٦٩٢ مراده، والمُعتزلة جعلوا تعلق الإرادة تابعًا للأمر فلا يريد إلا ما أمر به سواء وقع أم لا؛ فإيمان أبي جهل مأمور به غير مرادٍ له عندنا لتعلق علم الله بعدم٦٩٣ وقوعه وكُفره مَنهي عنه واقع بإرادة الله تعالى وقدرته، وعند المعتزلة إيمانه هو المراد لا كُفره فلزمهم وقوع النقص في ملك مولانا عز وجل إذا وقع فيه على قولهم مالا يُريده تعالى له ملك السموات والأرض وما بينهما تعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا.

(٤-٣٢) استطراد

دخل القاضي عبد الجبار على الصاحب بن عباد وعنده الأستاذ أبو٦٩٤ إسحاق الإسفراييني فقال عبد الجبار مُعرضًا بالأستاذ: سبحان من تنزَّه عن الفحشاء، ففهم الأستاذ أنه أراد التعريض به فقال: سبحان من لا يكون في ملكه إلا ما شاء؛ ففهم أنه فهم مراده. فقال: أرأيت إن منعني الهُدى وسلك بي سُبل الردى أأحسن بي أم أساء؟ فقال الأستاذ: إن كان منعك ما هو لك فقد تعدى وأساء،٦٩٥ وإن كان منعك ما هو له فالله يختصُّ برحمته من يشاء فأفحمه وانصرف الحاضرون يقولون والله ليس لهذا الجواب مدفع.

(٤-٣٣) فرع

لا يحل أكل حيوان مائي سوى سمك لهم يطف؛ لأن ما سواه خبيث لاستخباث٦٩٦ الطبيعة السليمة إياه، وقال تعالى وَيُحَرمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ٦٩٧ وأباحه ابن أبي ليلى ومالك والشافعي وأحمد واستثنى بعض المالكية كلب الماء وخنزيره وإنسانه. وعن أحمد والشافعي إلا الضفدع، وعن أحمد وبعض الشافعية كقولنا وعن الثلاثة لا يحلُّ في البحر ما لا يحل مِثله في البر. وأما السمك فحلال بالإجماع وهو المراد بقوله في البحر: هو الطهور ماؤه والحل ميتته. عندنا وهو بإطلاقه يتناول جميع أنواعه حتى الجريث والمارماهي وما نُقِلَ عن محمد في المغرب من تحريمهما٦٩٨ فضعيف والروافض واليهود يحرمون الحديث، ويقولون: كان ديوثًا يدعو الناس إلى حليلته فمسح به. وإنما استثنَينا الطافي وهو ما مات حتف أنفه وطفى على الماء بقوله ما نضب عنه الماء فكلوا وما طاف فلا تأكلوا. فلا يؤكل منه٦٩٩ إلا ما مات بسبب كالمأخوذ منه، فلو٧٠٠ ضرب سمكة وقطع بعضها حل الجميع، وكذا إن وجد في بطنها سمكة أخرى، أو قتلها شيء من الطير أو ماتت في جب، أو جمعها في حظيرة لا تستطيع الخروج منها وهو قادر على أخذها بغير صيد فمتن فيها، أو ماتت في الشبكة غير قادرة على التخلُّص منها، أو يأكل شيء ألقاه لتأكله، أو ماتت بسبب ربطها بالماء، أو انجماد الماء؛ لأن موت الكل بسبب إما أن ماتت بحر الماء وبرده فلا تؤكل في رواية لأن الماء لا يقتلها حارًّا ولا باردًا وتؤكل في أخرى؛ لأنه موت بسبب.

(٤-٣٤) القول السابع

أن المد من تنفُّس ثور الأرض والجزر من رد نفسه. قال في الخريدة رُوي أن الله تعالى لمَّا خلق الأرض كانت تتكفأ كما تتكفأ السفينة فبعث الله تعالى ملكًا فهبط حتى دخل تحت الأرض فوضعها على كاهله، ثم أخرج يديه؛ إحداهما من المشرق والأخرى من المغرب، ثم قبض على الأراضين٧٠١ السبع فضبطها فاستقرت، ولم يكن لقدَم الملك قرار فأهبط الله٧٠٢ له ثورًا من الجنة له أربعون ألف قرن وأربعون ألف قائمة فجعل قرار قدم الملك على سنامه، فلم تصل قدماه إلى سنامه فبعث الله تعالى ياقوتة خضراء من الجنة مسيرة غلظها كذا ألف عام فوضعها على سنام الثور فاستقرت عليه قدما الملك.

وقرون الثور خارجة من أقطار الأرض مُشتبكة إلى تحت العرش ومنخرَي الثور في ثُقبين من تلك الياقوتة الخضراء تحت البحر فهو يتنفَّس كل يومٍ نفسَين، فإذا تنفَّس مد البحر وإذا رد النفس جزر البحر.

قال: ولم يكن لقوائم الثور٧٠٣ قرار فخلق الله كمكمًا٧٠٤ من رمل كغلظ سبع سموات وسبع أرضين فاستقرت عليه قوائم الثور، ولم يكن الكمكم مُستقرًّا فخلق الله حوتًا يُقال له بهموت فوضع الكمكم على وتر الحوت والوتر الجناح الذي يكون في وسط ظهره، وذلك مزموم بسلسلة من القدرة كغلظ السموات والأرض مرارًا فانتهى إبليس — لعنه الله — إلى ذلك الحوت فيقال له ما خلق الله خلقًا أعظم منك، فلم لا تترك الدنيا عن ظهرك فهمَّ بشيء من ذلك فسلط الله عليه بقشة في عينه فشغلته.

وزعم لبعضهم أن الله سلط عليه سمكة كالشبر شغلته فهو ينظر إليها ويهابها ويخافها. قيل وأنبت الله من تلك الياقوتة جبل ق؛ وهو من زمردة خضراء وله رأس ووجه وأسنان، وأثبت الله من جبل ق الجبال الشواهق، كما أنبت الشجر من عروق الشجر انتهى.

قلت: يستأنس له بما أخرجه السيوطي عن أبي الشيخ وعن أبي الدنيا عن ابن عباس — رضي الله عنهما — قال: خلق الله جبلًا يُقال له قاف محُيط بالأرض وعروقه إلى الصخرة التي عليها الأرض، فإذا أراد الله أن يُزلزل قريةً أمر ذلك الجبل فيحرك الذي يلي تلك القرية فيزلزلها ويحركها فمن ثم تُزلزل٧٠٥ القرية دون القرية انتهى.

(٤-٣٥) القول الثامن

إن المد من وضع رِجل الملك المُوكل في البحر فيه والجزر من رفعها. ففي الهيئة السنية أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس — رضي الله عنهما — أنه سئل عن المد والجزر فقال: إن لله ملكًا مُوكلًا بقاموس البحر إذا وضع رجله فاض وإذا رفعها٧٠٦ غاص فذلك٧٠٧ المد والجزر. وقال في الخريدة بعد حكايته لقول أرسطاطاليس وكيماووس والمنجمين. وقد روي في بعض الأخبار أن الله تعالى جعل ملكًا موكلًا بالبحار، فإذا وضع قدمه في البحر مدَّ وإذا رفعه جزر.

فإن صح ذلك — والله أعلم — كان اعتقاده أولى من المصير إلى غيره مما لا يُفيد حقيقةً. ولو ذهب ذاهب إلى أن ذلك الملك هو مهبُّ الرياح التي تكون سببًا للمد وتزيد في الأنهار ويفعل ذلك عند امتلاء القمر حتى يكون توفيقًا وجمعًا بين الكل لكان مذهبًا حسنًا والله أعلم انتهى.

أقول قد تحقَّقت بطلان كل من الأقوال فلا حسن في رعايتها على أن القول يكون ذلك الملك مهب الرياح لا يُقال إلا عن توفيق فلا يُقال بالاحتمال، وأيضًا دعوى أن الرياح تزيد في الأنهار ممنوعة وإنما زيادتها بالأمطار وإذابة الثلوج، ولو قال إن الرياح سبب لإثارة السحاب الذي هو سبب للأمطار التي هي سبب الزيادة لكان له وجه لقوله تعالى اللهُ الذِي يُرْسِلُ الريَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا.٧٠٨
ولعلَّه أراد ذلك لكن قوله يفعل ذلك عند امتلاء القمر باطل٧٠٩ لِما علمت أن في كل يومٍ وليلة مَدَّين وجزرَين، فلو سكت عن لو لكان حسنًا لا يُقال إذا كانت الشرطية لا تقتضي إلا مكانًا، فلا دلالة لها على الترجيح والاختيار.
لأنا نقول وإن لم تقتضِ إلَّا مكانًا لكان يلزم من فرض وقوع مُقدمها وقوع تاليها؛ فيلزم من فرض وقوع هذا القول ثبوت الحسن له مع أنه لا حسن فيه، على٧١٠ أن مثل هذه العبارة في هذا المقام للتعريض بالقول بالمُقدم فهي أمر للقول به بطريق التعريض والصواب أن يُقال لما كان هذا القول لابن عباس — رضي الله عنهما — كما أخرجه أبو الشيخ عنه وهو في مثل هذه لا يقول إلا عن توقيف، ولا مُعارض له مثله تعين الأخذ به وبطل كل ماعداه اللهم إلا أن يظهر في المسألة قول يُساويه ويُعارضه، فيطلب الترجيح فإن وجد أخذ بالراجح وإلا فالتوقف أسلم.

(٤-٣٦) فوائد

اختلف الناس في حقيقة الملائكة مع اتفاقهم في أنها ذواتٌ قائمة بأنفسها؛ فمنهم من قال إنها أجسام لطيفة هوائية تقدِر على التشكُّل بأشكالٍ مختلفة مسكنها السماوات، وهذا قول أكثر المفسرين.

ومنهم من قال إنها الكواكب الموصوفة بالسعود والنحوس، وهو قول عبدة الأوثان. ومنهم من قال العالَم مُركب من أصلَين قديمَين؛ وهما النور والظلمة، وهما جوهران؛ فجوهر النور أصل خير كريم النفس، وجوهر الظلمة على ضد ذلك، ثم إن جوهر النور لم يزل يولد الأولياء وهم الملائكة على سبيل تولُّد الحِكَم من الحكيم والضوء من المُضيء، وجوهر الظلمة لم يزل يُولِّد الأعداء وهم الشياطين على سبيل تولُّد السفه من السفيه. هذا إذا كانت الملائكة جواهر مُتحيزة، أما إذا لم تكن، فمنهم من قال إنها هي النفوس الناطقة المفارقة لأبدانها، فإن المفارقة إذا كانت صافية خالصة فهي الملائكة، وإن كانت على خلاف ذلك فهي الشياطين وهذا هو مذهب أهل الهند وقوم من النصارى.

ومنهم من قال إنها جواهر قائمة بأنفسها مخالفة للنفوس ثم إنها على طائفتَين: طائفة منهم مُستغرقة في معرفة الله تعالى٧١١ وطاعته ومَحبته، وهم٧١٢ الملائكة المُقربون وطائفة منها مُدبرة للسماوات وما فيها من الكواكب. ونسبة الطائفة الأولى إلى الثانية كنسبة الثانية إلى نفوسنا الناطقة، وهذا هو مذهب الفلاسفة.

ومنهم من أثبت أنواعًا أُخَر من الملائكة وهي الملائكة الأرضية المُدبرة لأحوال هذا العالم السُّفلي، ثم المدبرة إن كانت شريرة فهي الشياطين. وأما إثبات الملائكة، فمنهم من قال لا يمكن إلا بالسمع، ومنهم من قال يمكن بالعقل أيضًا وهو قول الفلاسفة، والأظهر من الدلائل العقلية عندهم هو أن الملَك عبارة عن الحي الناطق الذي لا يكون مائتًا، وهو ثابت إذِ الحي إما أن يكون ناطقًا دون مائت وهو الملَك، أو ناطقًا ومائتًا وهو الإنسان، أو مائتًا غير ناطق وهو البهائم.

ولا خفاء في أن الأشرَف منها هو الأول وهو الناطق دون المائت، فلمَّا اقتضت الحكمة الإلهية إيجاد أحسن المراتب وهو الثاني منها، والثالث فلأن يقتضي إيجاد أشرف المراتب وهو الأَولى، كان أولى ولأن العقل يشهد بأن عالم السماوات أشرف من هذا العالم، ويشهد بأن الحياة والنطق والعقل أشرف من أضدادها فيبعد في العقل أن يحصل الحياة والعقل والنطق في هذا العالَم ولا يحصل في ذلك، ولا يُستراب في أنهما من الدلائل الإقناعية، قال السعد: وعندنا ظاهر الكتاب والسنة أن الملائكة أجسام لطيفة نورانية قادرة على التشكُّل بأشكالٍ مختلفة كاملة في العلم والقدرة على الأفعال الشاقة. والجن أجسام لطيفة هوائية تتشكل٧١٣ بأشكالٍ مُختلفة يظهر٧١٤ منها أفعال عجيبة منهم المؤمن والكافر والمطيع والعاصي. والشياطين أجسام نارية شأنها إلقاء الناس في المفاسد والغواية بتذكير أسباب المعاصي واللذَّات ونسيان منافع الطاعات.
قيل الأنواع الثلاثة مُركبة من امتزاج العناصر الأربعة إلا أن الغالب على الشياطين عنصر النار وعلى الآخرين عنصر الهواء، وذلك أن امتزاج العناصر قد لا٧١٥ يكون على القُرب من الاعتدال بل على قدرٍ صالح من غلَبَة أحدِها، فإن كانت الغلبية للأرضية يكون المُمتزج مائلًا إلى عنصر الأرض وهو التراب، وإن كانت للمائية فإلى الماء، أو للهوائية فإلى الهواء، وللنارية فإلى النار.
لا يبرح ولا يُفارق إلَّا بالإجبار أو بأن يكون حيوانًا فيُفارق بالاختيار مثل ما يعيش بالماء كالضفادع، أو غيره كحشرات الأرض مثلًا، وليس لهذه الغلبة حدٌّ مُعين بل يختلف إلى مراتب بحسب أنواع الممتزجات التي تسكن هذه العناصر، ولكون الهواء والنار في غاية التشفيف واللطافة كانت الملائكة والجن والشياطين حيث٧١٦ يدخلون المنافذ والمضائق حتى في أجواف الإنسان، ولا يرَون بحسن البصر إلا إذا اكتسبوا من المُمتزجات الأُخَر التي تغلب عليها الأرضية والمائية جلابيب وغواش٧١٧ ويرَون في أبدانٍ كأبدان الناس أو غيرهم من الحيوانات. والملائكة كثيرًا ما يُعاونون الناس على أعمالٍ يعجزون عنها لقوتهم؛ كالغلبة على الأعداء، والطيران في الهواء، والمشي على الماء، وتحفظهم خصوصًا المُضطرين عن كثير من الآفات.
وأما الجن والشياطين والخلاف٧١٨،٧١٩ في غير نبينا — ، إذ الاجماع منعقد على أفضليته على جميع المخلوقات، ومن تأمَّل لقوله إن الله خلق آدم على صورته وكونه من البشر، مع أنه الحبيب الأعظم والخليل الأقدم الذي لم تكن خلَّته من وراء وراء بخلاف خلة غيره، لم يشك في أن هذا الجنس أفضل من جميع ما عداه ولا مُنافاة بينه٧٢٠ وبين قوله تعالى وَفَضلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ ممنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا،٧٢١ حيث إنه يدل بمفهومه المُخالف أن ثم أجناسًا لم يُفضَّلوا عليهم؛ فهم إما فاضلون أو مساوون؛ لأنا نحمل الكثير على الكل ولا بُعد فيه، وإن استبعده البيضاوي إذا جعلت مَن بيانية كما في قوله تعالى وَعَدَ اللهُ الذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالِحَاتِ مِنْهُم،٧٢٢ أو يكون التفضيل بالغلبة والاستعلاء، أو بنوع خصوصيته لا يُوجب أكمليتها التفضيل عند الله حتى لا يلزم من ترجيح غيرهم فيها عليهم، أو مساواته لهم أن يكون أفضل منهم وعدم تفضيلهم عليه، أو نقول لما كان تفضيلهم على من عداهم على قسمين: تارةً يكون مطلقًا لا تفضيل فيه بين فردٍ وفرد وهو تفضيلهم على الكثير، وتارة يكون فيه تفضيل وهو تفضيلهم على ما عداه، وكان المقام مقام الامتداح والامتنان، والمناسب فيه ذكر الأول قيَّده بالكثير فلا بأس إذْ دل بمفهومه على نفي الحكم على٧٢٣ الباقي، وقد يستأنس له بتأكيده بالمصدر يحمل التنوين فيه على التنويع،٧٢٤ أو التعظيم والكمال إذا التفضيل الذي لا تفضيل فيه أعظم وأكمل من غيره، أو أنه مُطلق فينصرف إلى الفرد الكامل وتفضيل بعض أجزاء الجملة المفضولة فيُخالطون٧٢٥ بعض الأناسي ويعاونونهم على السحر والطلسمات.

الثانية أن المُفاضلة واقعة بينهم كما بين البشر، فأفضلهم رسلهم وأفضلهم الأربعة المُوكلون بتدبير العالم: جبريل وهو ملك الحروب والزلازل والصواعق، وإسرافيل وهو ملك النفخة، وميكائيل وهو ملك الأرزاق، وعزرائيل وهو ملك الموت والمصائب، وأفضلهم جبريل وإسرافيل واختلف في أيهما أفضل واختار قوم الوقف.

الثالثة اختلف الناس في تفضيلهم على البشر وتفضيل البشر عليهم؛ فالصحيح عندنا أن رسل البشر كموسى أفضل من رسل الملائكة كجبرائيل، ورسل الملائكة كإسرافيل أفضل من عامة البشر كأبي بكر، وعامة البشر كعمر أفضل من عامة الملائكة كحملة العرش والكروبيين.

والمراد بالرسُل ما يعم الأنبياء وبعامة البشر الصلحاء دون الفسقة، وفي رواية عن أصحابنا أن خواص البشر وهم الرسل أفضل من خواص الملائكة، وخواص الملائكة أفضل من الأنبياء غير الرسل، والأنبياء غير الرسل أفضل من أنبياء الملائكة، وأنبياء الملائكة أفضل من عوام البشر. واختلفوا في التفضيل بين عوام الملائكة وعوام البشر واختار بعضهم الوقف. وعند الأشعرية في القول المشهور عنهم إن أنبياء البشر أفضل من الملائكة مطلقًا، والملائكة مطلقًا أفضل مما عدا الأنبياء من البشر. وفي رواية عنهم كالمشهور عن أصحابنا وذهب بعض أهل السنة والمعتزلة إلى تفضيل الملائكة على البشر مُطلقًا حتى الأنبياء على الجملة٧٢٦ الفاضلة لا يقدح في تفضيل الجنس على الجنس كما في الصلاة والصوم.
أو٧٢٧ تقول إن كثيرًا وإنْ كان وصفًا في الأصل إلا أنه لمَّا عُومل معاملة الاسم في عدم إجرائه على موصوف عُومل معاملته في عدم المفهومية؛ إذ لا مفهوم للقب خلافًا لابن الدقَّاق هذا على مذهب من يقول بالمفهوم، وأما مذهبنا فنحن لا نقول به في الأصول، وإن قُلنا به في كلام العلماء في الفروع وغيرها كما نقله القاضي زكريا في حاشيته على جمع الجوامع ناقلًا عن التحرير فلا إشكال.

الرابعة جريان الخلاف في التفضيل بالتفضيل بين البشر ومُطلق الملائكة وخصه الرازي بالملائكة السماوية، وأما الملائكة الأرضية فحكى الإجماع على تفضيل الأنبياء عليهم.

الخامسة اختلف الناس في وجوب عصمتهم فذهب طائفة إلى أنهم معصومون لا يصدر منهم ذنب، وقالت طائفة بعدم العصمة قال السعد: والصحيح أنه لا قاطع عليها، وإنما تمسك مثبوتها بالعمومات الواردة في حقِّهم كقوله تعالى بَلْ عِبَادٌ مكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ.٧٢٨ وأمثال ذلك وهي لا تُفيد إلا الظن والخلاف إنما هو في غير أنبيائهم، أما أنبياؤهم فحكمهم حكم أنبياء البشر، وفي بحر الكلام للنسفي ما يدل أن الحنفية على الثاني، وحكاه الفخر عن الحشوية.

السادسة لا تُوصَف الملائكة بذكورة ولا أنوثة؛ إذْ لا دليل على ذلك من نقل صريح أو عقل صحيح.

السابعة٧٢٩ يجوز في حق البشر غير الأنبياء رؤية الملائكة وتكليمهم لهم، وقد كلمت الملائكة مريم وأم موسى ورجل خرج لزيارة أخٍ له في الله، وبلغته أن الله يُحبه كحُبه لأخيه ذكره اللقاني في هداية المريد. والمُختص بالأنبياء إنما هو تكليمهم بالأحكام التكليفية على وجه التشريع.

الثامنة اختلفوا في إرساله إلى الملائكة، فذهب بعض الحنفية كمحمود بن حمزة الكرماني، وبعض الشافعية كالبيهقي، إلى أنه لم يُرسَل إليهم. وحكى البرهان النسفي والرازي في تفسيرهما الإجماع على ذلك، والصحيح وقوع الخلاف بل ذهب جمع من المتأخِّرين كالسبكي والسيوطي وغيرهما إلى ترجيح إرساله إليهم.

التاسعة اختلفوا في تكليفهم والصحيح أنهم مكلفون بالطاعات العملية بخلافٍ نحو الإيمان؛ فإنه فيهم ضروري فالتكليف به٧٣٠ تحصيل للحاصل، وهو محال كذا في عمدة المريد نقلًا عن البعض.

العاشرة اختلفوا في قدرتهم على المعاصي والشرور، فقال جمهور الفلاسفة وأكثر الجبريين: لا قدرة لهم على ذلك؛ لأنهم خيرٌ محض، وقال جمهور المعتزلة وكثير من الفقهاء إنهم قادرون على الأمرين.

الحادية عشرة اختلفوا في الملائكة المأمورين بالسجود لآدم، فذهب الأكثرون إلى أن الجميع كانوا مأمورين، قال وهب بن منبه: أول من سجد لآدم جبرائيل٧٣١ فأكرمه الله بإنزال الوحي على النبيِّين خصوصًا سيد المرسلين، ثم ميكائيل ثم إسرافيل ثم عزرائيل ثم سائر الملائكة. وقيل أول من سجد إسرافيل فرفع رأسه وقد ظهر القرآن كله مكتوبًا على جبهته كرامةً له على سبقيته على الائتمار.
وقيل إنهم مأمورون ما سوى العالمين وهم المُهيِّمون في جلال الله لعدم شعورهم بآدم وخلقه. وقيل إن المأمورين٧٣٢ هم الملائكة الأرضية دون السماوية. وأما الحكماء فإنهم يحملون الملائكة على الجواهر الروحانية، وقالوا يستحيل أن يكون الأرواح السماوية منقادة للنفوس الناطقة، إنما المراد بالملائكة المأمورين بالسجود القوى الجسمانية البشرية المطيعة للنفس الناطقة.
الثانية عشرة اختلفوا في الذي يقبض أرواح الملائكة؛ فمذهب أهل السنة أن القابض لها ملك الموت قالوا: لأنه يقبض روح كل ذي روح من مقرها، أو من يد أعوانه٧٣٣ المُعالجين لنزعها منه بشرًا كان أو ملكًا أو جنًّا أو غير ذلك من سائر الحيوانات حتى البراغيث. وقيل حتى روح نفسه، وقيل القابض لروحه هو الله تعالى. وزعم المعتزلة أنما يقبض ملك الموت أرواح الثقلين، وقالت المبتدعة إنما يقبض أرواح البهائم أعوانه،٧٣٤ وعلى قول المعتزلة القابض لأرواح الملائكة هو الله تعالى.

الثالثة عشرة ذكر الفخر الاتفاق على أن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون، يسبحون الليل والنهار ولا يفترون.

الرابعة عشرة٧٣٥ اختلفوا في تشكُّل الملائكة بصورةٍ أصغر من صورتهم كشكل جبريل عليه السلام في صورة دحية،٧٣٦ وتشكُّله في صورة فحل من الإبل فاتحًا فاه على أبي جهل مريد أن يثب٧٣٧ عليه، فمن قائل بأنه سبحانه يغني الزائد من خلقه ثم يعيده إليه، ومن قائل بأنه تمثيل، ومن قائل بالتداخُل. قال بعضهم وهو محال عقلًا، والذي يظهر أنه لا إحالة فيه وتحقيق القول إن جبرائيل عبارة عن الحقيقة الملكية الخاصة وتلك الحقيقة لا تتغيَّر بتغير الصور والأشكال.
الخامسة عشرة يجب الإيمان بوجود الملائكة؛ لأن الله تعالى ورسوله أخبر عنهم بأنهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون، وأنهم يصلون على النبي، وأنهم يستغفرون لمن في الأرض، وأنهم سجدوا لآدم إلى غير ذلك. وهذه الأفعال لا تسند٧٣٨ إلا إلى موجود فيجب الإيمان بذلك لوقوعه في خبر الله ورسوله، وقد فسر الإيمان في حديث جبرائيل عليه السلام بأن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله الحديث، فلا إيمان لمُنكر وجودهم.
السادسة عشرة في كثرتهم،٧٣٩ أخرج السيوطي في جامع الصغير عن ابن مردويه عن أنس قال: قال رسول الله : أطَّت٧٤٠ السماء ويحقُّها أن تئط، والذي نفس محمد بيده ما فيها موضع شبرٍ إلا وفيه جبهة ملك ساجد يسبح الله بحمده. وفي تفسير الفخر قال : أطَّت السماء وحُقَّ لها أن تئط ما فيها موضع قدم إلا وفيه ملك ساجد أو راكع.
وروي أن بني آدم عُشر الجن والجن٧٤١ وبنو آدم عُشر حيوانات البَر، وهؤلاء كلهم عشر الطيور وهؤلاء كلهم عُشر حيوانات البحر، وكلهم عُشر ملائكة الأرض المُوكلين، وكل هؤلاء عُشر ملائكة سماء الدنيا، وكل هؤلاء عُشر ملائكة السماء الثانية، وعلى هذا الترتيب إلى السماء السابعة، ثم الكل في مقابلة الكرسي نَزر قليل، ثم كل هؤلاء عُشر ملائكة السرادق٧٤٢ الواحد من سرادقات العرش التي عدَّدها ستمائة ألف، طول كل واحدٍ وعرضه وسُمكه إذا قُوبلت بها السماء والأرضون وما فيها وما بينها فإنها كلها تكون شيئًا يسيرًا وقدرًا صغيرًا وما من مقدار قدَمٍ إلا وفيه ملك ساجد أو راكع أو قائم، لهم زجل بالتسبيح والتقديس، ثم هؤلاء في مقابلة الملائكة الذين يحومون حول العرش كالقطرة في البحر لا يعرف عددهم إلا الله، ثم مع٧٤٣ هؤلاء ملائكة اللوح الذين هم أشياع إسرافيل عليه السلام، والملائكة الذين هم جنود جبرائيل — عليه السلام — كلهم سامعون مُطيعون لا يفترون ويشتغلون بعبادته سبحانه، رطاب الألسنة بذكره وتعظيمه، يتسابقون في ذلك مُذْ خلقهم، لا يستكبرون عن عبادته آناء الليل والنهار ولا يسأمون. لا تحصى أجناسهم ولا مدة أعمارهم، ولا كيفية عباداتهم، وهذا يُحقق حقيقة ملكوته جل جلاله على ما قال وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبكَ إِلا هُوَ.٧٤٤
وأقول رأيتُ في بعض كتب التذكرة أنه حين عُرج به رأى ملائكة في موضعٍ مُشرف عال، بعضهم يمشي تجاه بعض فسأل رسول الله إلى أين تذهبون؟ فقال جبرائيل عليه السلام: لا أدري، إلا أني أراهم منذ٧٤٥ خُلِقت ولا أدري واحدًا منهم قد رأيته قبل ذلك، ثم سألا واحدًا منهم وقيل له منذ كم خلقت؟ فقال: لا أدري، غير أن الله تعالى يخلق في كل أربعمائة ألف سنة كوكبًا، فخلق مثل ذلك الكواكب منذ خلقني أربعمائة ألف كوكب، فسبحانه من إله ما أعظم قُدرته، وما أجلَّ كماله! انتهى.
وفي الثعلبي عن الأوزاعي قال موسى: يا رب من معك في السماء؟ قال: ملائكة. قال: كم عددهم يا رب؟ قال: اثنا عشر سبطًا. قال: كم كل سبط؟ قال: عدد التراب. وعن ابن عباس أن عن يمين العرش نهرًا٧٤٦ من نور مثل السماوات السبع والأرضين والبحار السبع، يدخل جبرائيل فيه فيغتسل فيزداد نورًا إلى نوره وجمالًا إلى جماله وعِظَمًا إلى عظمته، ثم ينتقض فيخرج الله تعالى في كل ريشةٍ تقع من ريشِه كذا وكذا ألف ملك لا يعودون إليه إلى يوم القيامة.
وقال وهب: إن جبرائيل واقف بين يدي الله، ترعد فرائصه، يخلق الله تعالى من٧٤٧ كل رعدة مائة ألف ملك. وعن أُبي بن كعب إن العالمين رهط من الملائكة وهم ثمانية عشر ألف ملك، منهم أربعة آلاف وخمسمائة بالمشرق، ومثل ذلك بالمغرب، ومثل ذلك في الجانبَين الأخيرين، مع كل ملك منهم من الأعوان ما لا يعلم عددهم غير الله تعالى، ومن ورائهم من الجهات الأربع أرض بيضاء عرضها مسيرة السماء أربعين مرة مملوءة ملائكة يُقال لهم الروحانيون؛ لهم زجل بالتسبيح والتهليل، لو كشف عن صوت أحدهم لهلك أهل الأرض من صوته، فهم العالمون مُنتهاهم إلى حملة العرش.
قال مجاهد: العالمون ثمانية عشر ألف ملك في نواحي الأرض الأربع، في كل ناحية منها٧٤٨ أربعة آلاف وخمسمائة مع كل ملك منهم عدد الإنس والجن وبهم يرفع الله العذاب عن أهل الأرض.
السابعة عشرة في ذكر شيءٍ من قدرتهم؛ فمن ذلك حمل العرش المجيد والنزول منه، مع أن بين القائمَين من قوائمه خفقان٧٤٩ الطير المُسرع ثمانين ألف عام، وارتفاعه لا يُحيط به الوهم. قال الفخر ويدلُّ عليه قوله تعالى تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالروحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ،٧٥٠ مع أن الحامل له أربعة كما جاء في رواية أو ثمانية كما جاء في أخرى. ووجه الجمع بينهما أن التنصيص على عددٍ لا يدل على نفي الزائد عنه، فهم ثمانية كما جاء مصرحًا في حديث العباس السابق، ولهذا حمل ابن عباس — رضي الله عنهما — الثمانية في قوله تعالى وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ،٧٥١ على ثمانية صفوف، وإذا أراد الله أمرًا نزلت الملائكة من العرش في لحظة واحدة، ومن ذلك حمل الكرسي الذي وسع السماوات والأرض وفضله عليها كفضل الفلاة على الحلقة.
مع أن الحامل له أربعة، قال اللقاني في هداية المريد: حملة الكرسي أربعة، فأتت أقدامهم الأرض السابعة السُّفلى مسيرة خمسمائة عام وبينهم٧٥٢ وبين حملة العرش سبعون حجابًا من نور، غلظ كل حجاب مسيرة خمسمائة عام، لولا ذلك لاحترقت حملة الكرسي من نور حملة العرش.
ومن ذلك قوة إسرافيل الذي بلغ منها أنه ينفخ في الصور فيصعق من في السموات والأرض، إلا من شاء الله ثم ينفخ أخرى فإذا هم قيام ينظرون. ومن ذلك قوة جبرائيل التي بلغ منها أنه اقتلع٧٥٣ مدائن قوم السبع وجبالهم وقلبَها في دفعة واحدة.

الثامنة عشرة في ذكر شيءٍ من عظيم خلقتهم. عن أبي داود جابر بن عبد الله أن النبي قال: أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله تعالى من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسير سبعمائة عام.

وحكى٧٥٤ الثعلبي عن ابن عباس قال: حملة العرش ما بين كعب أحدِهم إلى أسفل قدمَيه مسيرة خمسمائة عام. وحكى عنه أيضًا لمَّا خلق الله حملة العرش قال لهم احملوا عرشي فلم يُطيقوا؛ فخلق مع كل ملك منهم من الأعوان مثل جنود سبع سموات وسبع أرضين وما في الأرض من عدد الحصى والثرى، فقال: احملوا عرشي فلم يُطيقوا، فقال: قولوا لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فقالوها، فاستقلوا بعرش ربنا فنفذت أقدامهم في الأرض السابعة على متن الثرى، فلم تزل لا تستقر فكتب في قدم كل ملك منهم اسمًا من أسماء الله تعالى فاستقرت أقدامهم.
وروي أن جبرائيل — عليه السلام — سدَّ الأفق بجناح واحد، وقال: أنا إذا طرت في جناح إسرافيل وخرجت من الجانب الآخر لم يحس بي. وروي أن النبي سأل جبرائيل — عليه السلام — أن يتراءى في صورته، فقال جبرائيل: إنك لا تطيق ذلك، فقال له: أحب أن تفعل فخرج النبي إلى المُصلى في ليلة مقمرة فأتاه جبرائيل في صورته فغشي على النبي ثم أفاق وجبرائيل مُسنده واضعٌ إحدى يدَيه على صدره والأخرى بين كتفَيه فقال النبي٧٥٥: ما كنتُ أرى شيئًا من الخلق هكذا.

التاسعة عشرة في ذكر شيءٍ من خوفهم مع كثرة عباداتهم وعدم إقدامهم على الزلَّات، وما ذاك إلا لمعرفتهم بربهم وعظمته واعترافهم بأنهم ما قدروه حق قدره ولا عظموه حق عظمته، فكأنهم نزلوا عباداتهم معاصي، وعلى قدر علم المرء يعظم خوفه. وقد جاء في الحديث: أنا أعرفكم بالله وأخوفكم منه أو مخافة من مكرِه. كما قيل على قدْر علم المرء يعظم خوفه، ولا عارف إلا من الله خائف، فآمِن مكر الله بالله جاهِل، وخائف مكر الله بالله عارف.

وقد روي أن جبرائيل عليه السلام وميكائيل أخذا يبكيان فأوحى الله إليهما إسرافيل وقال: لِمَ تبكيان؟ قالا: نخاف من مكر الله. فأوحى الله إليهما لا تأمنا مكري، قال الله تعالى في حقهم يَخَافُونَ رَبهُم من فَوْقِهِمْ٧٥٦ وقال تعالى وَهُم منْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ.٧٥٧
ورُوي أن جبرائيل واقف بين يدي الله ترعد فرائصه، ورُوي أن إسرافيل — عليه السلام — يتضاءل الآحايين من عظمة الله تعالى حتى يعود مثل الوضع أي عصفور صغير مع ما علمتَ ما هو عليه من عظيم الخلقة. وروى البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال: بينما رسول الله — ومعه جبرائيل إذا انشقَّ أفق من السماء فطفق جبرائيل يضأل ويدخل بعضه في بعض، فإذا الملك قد مثل بين يدي رسول الله فقال: يا محمد إن ربك يُقرئك السلام، ويُخيِّرك بين أن تكون نبيًا ملِكًا وبين أن تكون نبيًّا عبدًا؟ قال: فنظر رسول الله إلى جبرائيل٧٥٨ كالمُستفهم، فأشار جبرائيل بيده إلى رسول الله أن تواضع. قال عليه السلام: فعرفت أنه لي ناصح، فقلت: عبدًا نبيًّا، فعرج ذلك الملك إلى السماء. فقلت يا جبرائيل: إني أردتُ أن أسألك عن هذا فرأيتُ من حالك ما شغلني عن المسألة فمن هذا الملك؟ قال جبرائيل: يا محمد هذا إسرافيل خلقه منذ خلقه صافًّا قدميه لا يرفع طرفه وبينه وبين رب العزة سبعون حجابًا من نور، ما منها نور يدنو منه أحد إلا احترق، وبين يدَيه اللوح المحفوظ، فإذا أذن الله في شيءٍ من السماء أو في الأرض ارتفع ذلك اللوح فضرب جبينه فينظر فيه فإن كان الأمر من عملي أمرَني به، وإن كان من عمل ميكائيل أمره به، وإن كان من عمل ملك الموت أمره به. قال: يا جبرائيل على أي٧٥٩ شيء أنت؟ قال: الرياح والحروب. قال فعلى أي شيء ميكائيل؟ قال: يا محمد على النبات. فقال فعلى أي شيء ملك الموت؟ قال: على قبض الأنفس. والذي بعثك بالحق ما ظننتُ أنه هبط إلا لقيام الساعة، وما ذاك الذي رأيتَ منِّي إلا خوفًا من قيام الساعة انتهى.

فإذا كان هذا جبرائيل عليه السلام مع قربه من الله تعالى على ما سمع من الخوف من قيام الساعة، فكيف حال من هو مُكبل بالشهوات، ملطخ بالنجاسات، مُنكبٌّ على الزلَّات، عاكف على المعاصي والسيئات؟ اللهم يا غفار يا غفور أخرجنا من الظلمات إلى النور، وقُدنا إليك بسلاسل المحبة بيد التوفيق ويسِّر لنا الوصول إليك وسلوك الطريق.

وأقول قد دلَّ حديث البيهقي المذكور بصريحه على أن إسرافيل عليه السلام هو الآمر٧٦٠ للثلاثة بالأوامر الإلهية، ومنه يظهر وجه وجيه أنه قال بأفضليته على جبرائيل. وها هنا إشكال وهو أن إسرافيل قد وكل بالوحي قبل جبرائيل بثلاث سنين كما أخرجه السيوطي في كتاب الإتقان نقلًا عن الإمام أحمد بن حنبل — رحمه الله — قال: أنزل الله على النبي النبوة وهو ابن أربعين سنة فقرن نُبوته إسرافيل ثلاث سنين فكان يُعلِّمه الكلمة والشيء ولم ينزل عليه القرآن على لِسانه، فلمَّا مضت ثلاث سنين قرن نُبوته جبرائيل — عليه السلام — فنزل القرآن على لِسانه عشرين سنة كما نقله صاحب المحاضرات عن الاتقان. وإذا كان كذلك يبعد منه أن يسأل جبرائيل عنه فإنه سؤال مُستفهم لا سؤال مُستخبر ما عند صاحبه من العلم. ويمكن الجواب عن ذلك والتوفيق بين الروايتين: أنه نزل في هذه الواقعة على غير الصورة التي كان ينزل عليها حال توليته على الوحي، فلعله لم يعرفه من اختلاف الصورة.
العشرون في ذلك شيء من شريف عباداتهم، ووصف بعضٍ من شيء حالاتهم. اعلم أنهم كلهم عباد مكرمون لا يَسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون لا يفترون من عبادته ولا يسأمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، يقتحمون من الأعمال مما يبهر العقول، ويأتون من العبادة ما يعجز عن بعضه الفحول. وفي تاريخ الخميس قالوا: لو قوبل طاعات أهل الأرض بطاعة واحد من أهل السماء الدنيا لرجح عمل ذلك الواحد٧٦١ عليها. وطاعات أهل السماء الدنيا وأهل الأرض لو قُوبلت بعمل واحد من أهل السماء الثانية لرجح عمل ذلك على عمل هؤلاء، وكذلك كل سماء على هذا الاعتبار إلى العرش. ثم هم يُسَرُّون بعمل أهل الأرض ويتقرَّبون إليهم انتهى.
فهم لا يزالون مُطيعون على ممر الأدوار، إلا أنهم من اختلاف الطاعة على أطوار كما قال أمير المؤمنين علي — رضي الله عنه — في وصفهم في بعض خطبه: فتق السماوات العُلى فملأهن أطوارًا من ملائكته، منهم سجود لا يركعون، وركوع لا ينتصبون، وصافُّون لا يزالون، ومُسبحون لا يسأمون، لا يغشاهم نوم العيون ولا سهو العقول ولا فتوة الأبدان ولا غفلة النسيان. ومنهم أُمناء على وحيه وألسنة إلى رسله ومختلفون بقضائه وأمره، ومنهم الحفظة لعباده والسدنة٧٦٢ لأبواب جناته، ومنهم الثابتة في الأرضين السُّفلى أقدامهم، والمارقة من السماء العليا أعناقهم، والخارجة من الأقطار أركانهم والمناسبة لقوائم العرش. أكتافهم ناكسة دونه أبصارهم مُتلففون تحته بأجنحتهم مضروبة بينهم وبين من دونهم حجب العزة وأستار القدرة، لا يتأمَّلون ربهم بالتصوير، ولا يجوزون عليه صنعات المصنوعين، ولا يجدونه بالأماكن ولا يُشيرون إليه بالنظائر.
وذكر الجيلي قُدِّس سره في الإنسان الكامل الذي رأى من يسكن سدرة المنتهى من الكروبيين على هيئاتٍ مختلفة؛ لا يحصى عددهم وقد انطبقت أنوار التجلِّيات عليهم حتى لا يكاد أحد منهم يحرك جفن طرفه، ومنهم من وقع على وجهه، ومنهم من وقع على ركبتَيه٧٦٣ وهو الأكمل. ومنهم من سقط على جنبه،٧٦٤ ومنهم من حمل في قيامه وهو أقوى، ومنهم من دُهش في هويته، ومنهم من خطف في آنيته.

قال: ورأيت فيهم مائة ملك مُقدمين على هؤلاء جميعهم، بأيديهم أعمدة من النور مكتوب على كل عمود اسمٌ من أسماء الله تعالى. قال: ثم رأيت سبعة من هذه الملائكة مُتقدِّمة على جميعهم يُسمَّون باسم الكروبيين، ومن بلغ من مرتبتهم من أهل الله تعالى. ورأيت ثلاثة متقدمة على هذه السبعة يُسمَّون بأهل المراتب والتمكين، ورأيت واحدًا مُتقدمًا على جميعهم يُسمَّى عبد الله. قال: وهؤلاء كلهم من العالين الذين لم يؤمَروا بالسجود لآدم.

الحادية والعشرون٧٦٥ في ذكر أصنافهم. فمنهم الحفظة قال تعالى لَهُ مُعَقبَاتٌ من بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ٧٦٦ وهم غير الكاتِبين وعن عثمان — رضي الله عنه — سئل النبي كم من ملك على الإنسان؟ فذكر عشرين ملكًا، وقال: بعضهم إن كلَّ آدميٍّ يُوكل به من حين وقوعه نُطفة في الرحم إلى موته أربعمائة ملك. كذا في هداية المريد. وفي بهجة الناظرين نقلًا عن بعض التفاسير وُكِّل بالمؤمن مائة وستون ملكًا يذبون عنه ما لم يقدر عليه؛ من ذلك على البصر سبعة أملاك يذبون عنه كما يذب عن قصعة العسل الذباب، ولو وكل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين، ومنهم الكاتبون واختلف في عددهم فقيل ملكان يَلزمانه إلى مماته وإذا مات قاما على قبره يُسبحان ويُهللان ويُكبران ويُكتَب٧٦٧ ثوابهم للميت إلى يوم القيامة إنْ كان مؤمنًا، ويلعنانه إلى يوم القيامة إن كان كافرًا.

وقيل هم أربعة؛ اثنان بالليل واثنان بالنهار، وقيل خمسة؛ واحد لا يفارق في الليل ولا النهار، وأربعة يتعاقبون؛ اثنان في الليل، واثنان في النهار. واختلفت فيما يكتب عليه؛ فقيل كل شيءٍ حتى أنينه في مرضه، وقيل ما يكتب إلا ما يؤجَر عليه أو يوزَر. وعن الحسن أن الملائكة تجتنِب الإنسان عند غائطه، والظاهر أنه أراد الكتبة دون الحفظة.

ومنهم ملائكة الجنة قال الله تعالى وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُل بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ.٧٦٨ ثم ومنهم ملائكة النار قال تعالى وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النارِ إِلا مَلَائِكَةً٧٦٩ قال الفخر: ورئيسهم مالك، وأسماء جملتهم الزبانية.
ومنهم الملائكة التي تزجر السحاب قال تعالى فَالزاجِرَاتِ زَجْرًا.٧٧٠ ومنهم المُوكلون بقبض الأرواح؛ وهم النازعات والناشطات؛ فالأولى لأرواح الكفار تنزعها من أقاصي الأبدان، والثانية لأرواح المؤمنين ينشطون أي يخرجون أرواحهم برفق.
ومنهم المُوكلون بالمطر، نقل الواحدي عن ابن عباس — رضي الله عنه — قال: لا تنزل نقطة من المطر إلا ومعها ملك. وفي الثعلبي عن ابن عيينة قال: بلغنا أنه ينزل مع المطر ملائكة أكثر من عدد ولد إبليس وولد آدم، يحصون كل قطرةٍ حيث وقعت وما نبتت، والفلاسفة يحملون ذلك الملك على الطبيعة الحالَّة في تلك الجسمية الموجبة لذلك النزول. قال بعضهم: فإن قلت الملائكة النازلين مع المطر هل يفنون بفنائه أو لا؟ فإن قلت لا — وهو الحق — لزم أنْ تضيق الأرض بهم؛ لأن الملائكة مُتخيرة على الصحيح كما نطقت به ألسنة السنة النبوية، ثم أجاب٧٧١ عنه بأن الظاهر أنهم يصعدون إلى السماء وينزلون مع المطر كل مرة لكونهم مُوكلين، أو أنهم يذهبون في غامض علم الله تعالى.
وأقول وجدت في بعض الآثار لا يصعدون، بل يتعبدون في المساجد الخربة ولا مانع من أن يوسع الله عليهم تلك الأمكنة حتى تسعهم، ومنهم الملائكة المُوكلون بأحوال هذا العالم. قال الفخر في تفسيره: وهم المرادون بقوله تعالى وَالصافاتِ صَفا٧٧٢ وبقوله تعالى وَالذارِيَاتِ ذَرْوًا٧٧٣ وقوله تعالى َالنازِعَاتِ غَرْقًا٧٧٤ إلى قوله فَالْمُدَبرَاتِ أَمْرًا،٧٧٥ قال وعن ابن عباس أن لله ملائكة سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر فإذا أصاب أحدكم عجزه بأرض فلاة فلينادِ أعينوا عباد الله رحمكم الله.
قال الجيلي قُدِّس سره في الإنسان الكامل في الكلام عن السماء الثالثة: ثم إن ملائكتها مُحيطون بالعالم، يُجيبون من دعاهم من بني آدم قال: أُريت ملائكة هذه السماء مؤتلفة لكن على أنواع مختلفة؛ فمنهم من وكله الله بالإيحاء إلى النائم، إما صريحًا وإما بضرب ما يعقله العالم، ومنهم من وكله الله بتربية الأطفال وتعليم المعاني والأقوال، ومنهم من وكله الله تعالى بتسلية الهموم وتفريج الغموم، ومنهم من وكله الله بإيناس المُستوحِشين وبمكالمة المتوحِّدين، ومنهم من وكله الله بامتثال أوامر أهل التمكين ليخرج لهم ثمار الجنان على أيدي الحور العين، ومنهم من وكله الله بإضرام نار المُحبين في سويداء اللب، ومنهم من وكَّله الله بحفظ صورة المحبوب لئلَّا يغيب عن عاشقه الملهوب، ومنهم من وكله الله بإبلاغ الرسائل بين أهل الرسائل.٧٧٦ انتهى.

وقال قُدِّس سرُّه في الكلام عن السماء الخامسة، وملائكة هذه السماء خلقهم الله تعالى مرائي للكمال، ومظاهر للجلال بهم عبد الله في الوجود، بهم دان أهل التقليد للحق بالسجود جعل الله عبادة هذه الملائكة كمثل تقريب وإيجاد الفقيه، فمنهم من عبادته تأسيس قواعد الإيمان في القلوب والجنان، ومنهم من عبادته طرد الكفار عن عالم الأسرار، ومنهم من عبادته شفاء المريض وجبر الكسير المهيض، ومنهم من خُلِق لقبض الأرواح بإذن الحاكم ولا جناح.

وقال قُدِّس سرُّه في الكلام عن السماء السادسة: جعل الله ميكائيل موكلًا بملائكتها وهم ملائكة جعلهم الله معارج الأنبياء ومراقي الأولياء، خلقهم الله تعالى لإيصال الرقائق إلى من اقتضتها له الحقائق، دأبهم دفع الوضيع وتسهيل الصعب المنيع، يجولون في الأرض بسبب رفع أهلها من ظلمة الخفض، فهم أهل البسط بين الملائكة والقبض، هم المُوكَّلون بإيصال الأرزاق إلى المرزوقين على قدر الوفاق، جعلهم الله من أهل البسط والخطوة فهم بين الملائكة مُجابو الدعوة لا يدعون لأحدٍ بشيءٍ إلا أُجيب، ولا يمرُّون بذي عاهة إلا يبرأ ويطيب إليهم. أشار — عليه الصلاة والسلام — في قوله فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة أُجيبت دعوته وحصلت بُغيته، فما كل ملكٍ تُجاب دعوته ولا كل حامدٍ يُستطاب ثناؤه ومدحته.

قال: ثم إني رأيتُ ملائكة هذه السماء مخلوقة على سائر أنواع الحيوانات؛ فمنهم من خلقه الله على هيئة الطائر لا ينحصر للحاصر وعبادة هذا النوع خدمة٧٧٧ الأسرار؛ رفعها من حضيض الظلمة إلى عالم الأنوار، ومنهم من خلقه الله تعالى على هيئة الحيوان المُسوَّمة وعبادة هذه الطائفة المكرمة رفع القلوب من سجن الشهادة إلى قضاء الغيوب، ومنهم من خلقه الله تعالى على هيئة النجائب وفي صورة الركائب وعبادة هذا النوع رفع النفوس إلى عالَم المعاني من المحسوس، ومنهم من خلقه الله على هيئة البغال والحمير وعبادة هذا النوع رفع الحقير وجبر الكسير والعبور من القليل إلى الكثير، ومنهم من خلقه الله على سائر بسائط الجواهر والأعراض وعبادة هؤلاء تدبير الأديان، ومنهم من خلقه الله على سائر بسائط الجواهر والأعراض وعبادة هؤلاء إيصال الصحة إلى أجسام أهل الأمراض، ومنهم من خلق على أنواع الحبوب والمياه وسائر المخلوقات انتهى.

وقال قُدس سره في الكلام عن السماء الثانية: إن ملائكتها مخلوقون من نور القدرة، لا يتصور شيءٌ في عالم الوجود إلا وملائكتها المُتولية لتصوير ذلك المشهود ففي دقائق التقدير المحكمة في دقائق التصوير عليه يدور أمر الآيات القاهرة والمعجزات الظاهرة، ومنها تنشأ الكرامات الباهرة خلق الله من هذه السماء ملائكة ليس لهم عبادة إلا إرشاد الخلق إلى أنوار الحق انتهى.

تمت الرسالة الموسومة بوري الزند بالجزر والمد، وإن شئتَ قل يتيمة العصر في المد والجزر، تأليف٧٧٨ سيدي — وقد وفَّى — الشيخ الأكمل الأرشد الشيخ عبد القادر بن أحمد علي بن ميمي تغمده الله تعالى برحمته ورضوانه وأسكنه فسيح جناته آمين.
اللهم آمين
والحمد لله رب العالمين

تمام شد.

كاتب الحروف سيدي محمد مرتضى — عفا الله عنه — يبلك لا نبرير يبنه- رياح سنة ١٩٣١ع.

كان٧٧٩ الشيخ ابن حجر في حاشيته على إيضاح المناسك للنووي للقطب الشمالي، وهو كما قال الشيخان تبعًا لأهل اللغة نجم صغير في نبات نعش الصغرى بين الفرقدَين والجدي ومحله النصف من الخط الخارج بالوهم من الجدي إلى الكوكب المنير بين الفرقدَين، وقول أهل الهيئة ليس نجمًا بل نقطة صغيرة تدور عليها الكواكب المذكورة، وهي وسطها مخالف لما ذكر في التسمية لا في الحقيقة والمرجع في التسمية لأهل اللغة. انتهى والله أعلى وأعلم.
١  الزركلي، خير الدين، قاموس الأعلام، ط٥، ج٤، ص٣٦-٣٧.
٢  كحالة، عمر رضا، معجم المؤلفين، ج٥، مكتبة المُثنى ودار إحياء التراث العربي، بيروت، (د.ت)، ص٢٨٣.
٣  الباباني البغدادي، إسماعيل بن محمد أمين بن مير سليم (المتوفى: ١٣٩٩ﻫ)، طبع بعناية وكالة المعارف الجليلة في مطبعتها البهية إستانبول، أعادت طبعه بالأوفست دار إحياء التراث العربي، ج١، بيروت، ١٩٥١م، ص٦٠٢.
٤  (ط): كتاب المد والجزر في البحر.
٥  ص: ١.
٦  (د): زينها.
٧  (د): حقيقة.
٨  (د): الفجر.
٩  الوَحرُ: الغيظ والحِقْدُ وبَلابِلُ الصدر ووساوسه، والوَحَرُ في الصدر مثل الغِل. لسان العرب، مدخل «وحر».
١٠  (د): المفجرة.
١١  (ط) — شعر.
١٢  بيت الشعر هذا للشاعر أبي عبد الله محمد بن القاسم بن خلَّاد بن ياسر بن سليمان اليمامي الهاشمي (توفي ٢٨٣ﻫ/٨٩٦م) ولُقِّب بأبي العيناء. شاعر من العصر العباسي الأول، عُرِف بالفصاحة والظرافة، وتُروَى عنه نوادر كثيرة.
١٣  ص: ٢.
١٤  يقصد نُصيب بن رَباح، أبو محجن، (توفي ١٠٨ﻫ/٧٢٦م) من شعراء العصر الأموي، كان مولى عبد العزيز بن مروان. وهو شاعر فحل، مُقدَّم في النسيب والمدائح. كان عبدًا أسود لراشد.
١٥  (د): الرمح.
١٦  (د) — كما.
١٧  بياض في نسخة (د)، على الهامش: في الأصل هاهنا شيء لم يقرأ؛ لكنه في (ط): بارزًا ليس.
١٨  بياض في نسخة (د)، على الهامش: في الأصل هاهنا شيء لم يقرأ؛ لكنه في (ط): الفراء: هي ابنة السائب، وحُكمها حكم أمِّها. وتبحَّر في العلم وغيره أي تعمَّق فيه وتوسَّع.
١٩  ص: ٣.
٢٠  سورة الروم، الآية: ٤١.
٢١  (د): يعنون.
٢٢  (د): لأن.
٢٣  (ط): بتبعية.
٢٤  سورة الطور، الآية: ٦.
٢٥  سورة التكوير، الآية: ٦.
٢٦  ص: ٤.
٢٧  (د): شجرة.
٢٨  في نسخة (د)، على الهامش: هاهنا بياض؛ لكنه في (ط): إذا ملأته.
٢٩  (ط) — فقد.
٣٠  (د): ميتته.
٣١  (د): ظهور.
٣٢  (د): إذى.
٣٣  (ط): ونقصها.
٣٤  (د): يتسع.
٣٥  ص: ٥.
٣٦  (ط): فالطهورية.
٣٧  أصل الحديث هو: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إنا نَرْكَبُ الْبَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ؛ فَإِنْ تَوَضأْنَا بِهِ عَطِشْنَا، أَفَنَتَوَضأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : «هُوَ الطهُورُ مَاؤُهُ، الْحِل مَيْتَتُهُ.» وهو حديث صحيح أخرجه مالك في «المُوطأ»، عن صفوان بن سُليم، عن سعيد بن سلمة، من آل بني الأزرق، عن المغيرة بن أبي بردة، وهو من بني عبد الدار، أنه سمع أبا هريرة، رضي الله عنه، به. وقال ابن الأثير في «الشافي في شرح مسند الشافعي» — كما نقله عنه ابن المُلقن في «البدر المنير»: «هذا حديث صحيح مشهور، أخرجه الأئمة في كتبهم، واحتجُّوا به، ورجاله ثقات.»
٣٨  (ط): أخرجه | وقد جاء في سنن أبي داوود، باب الوضوء بماء البحر: «وكذا وقع في رواية الدارمي ولفظه قال: أتى رجل من بني مدلج إلى رسول الله «إنا نركب البحر»: الملح وهو مالح ومر وريحه منتن، زاد الحاكم نريد الصيد «به»: أي بالماء القليل الذي نحمله «عطشنا»: بكسر الطاء لقلة الماء وفقده «أفنتوضأ بماء البحر»: فإن قيل كيف شكُّوا في جواز الوضوء بماء البحر قُلنا يُحتمل أنهم لمَّا سمعوا قوله لا تركب البحر إلا حاجًّا أو مُعتمرًا أو غازيًا في سبيل الله فإن تحت البحر نارًا وتحت النار بحرًا. أخرجه أبو داود وسعيد بن منصور في سُننه عن ابن عمر مرفوعًا، ظنُّوا أنه لا يجزئ التطهير به، وقد رُوي موقوفًا على ابن عمر بلفظ: ماء البحر لا يُجزئ من وضوءٍ ولا جنابة، إن تحت البحر نارا ثم ماء، ثم نارًا حتى عد سبعة أبحر وسبع نيران.» ج١، ص١٢٤.
٣٩  (ط) — خبر.
٤٠  في النص الذي أخرجه ابن أبي شيبة (١/١٢٢، رقم: ١٣٩٦) وشرح مختصر الطحاوي للرازي الجصاص (١ / ٢٠١): «ركبت مع أصحاب رسول الله البحر ففني ماؤهم فتوضئوا بالنبيذ وكرهوا ماء البحر.» اللكنوي، أحسن الحواشي على أصول الشاشي، ص٣٥٠.
٤١  (ط): فيهه.
٤٢  الحد: شاطئ النهر.
٤٣  (ط): ثبت.
٤٤  ص: ٦.
٤٥  (د): صلي.
٤٦  (د): صلي.
٤٧  (د): الغل.
٤٨  (د): وأبي.
٤٩  (د): بالشط.
٥٠  (ط): النهاية والهداية.
٥١  في (د): علا.
٥٢  (د): اختاروا.
٥٣  ص: ٧.
٥٤  (ط): اقتدائه.
٥٥  ص: ٨.
٥٦  ص: ٩.
٥٧  (د): فهب.
٥٨  ص: ١٠.
٥٩  (د): البحر.
٦٠  (د): قنيس.
٦١  (د): وما.
٦٢  (ط) — منها؛ مسير.
٦٣  (ط) مسير.
٦٤  (د) — خريدة.
٦٥  (ط): إدفيانس.
٦٦  (ط): إدفيانس.
٦٧  ص: ١١.
٦٨  (ط): وإيما.
٦٩  (ط): تظليلهم.
٧٠  (د): لسدية.
٧١  (د): بنيب.
٧٢  (د): الجزيرة.
٧٣  (د) + ربع.
٧٤  (د): من.
٧٥  (ط) + الخراب.
٧٦  (ط): الصورة.
٧٧  (ط)-وفي البحر المحيط من الجزائر المسكونة والخالية ما لا يعلمه إلا الله.
٧٨  ص: ١٢.
٧٩  (د): من.
٨٠  (د)-قد صحب الإسكندر.
٨١  (د): فذالهم.
٨٢  ص: ١٣.
٨٣  مكتبة في النُّسختَين «بطليموس»، والأصح والأدق هي «بطلميوس»، لذلك قُمنا بتصحيحها في كل الكتاب.
٨٤  (د): اليسارة.
٨٥  ص: ١٤.
٨٦  (د): وتميد.
٨٧  (د): والطين.
٨٨  (د): وتميد.
٨٩  ص:١٥.
٩٠  (د): يغرق.
٩١  ص: ١٦.
٩٢  (د): وتميد.
٩٣  (د): ست.
٩٤  (د): بحر.
٩٥  (د): الآخر.
٩٦  (د): عدمدن.
٩٧  (ط): نيطس.
٩٨  (د): وتميد.
٩٩  (د): الأرض.
١٠٠  (د): بمشرقي.
١٠١  (د): بجهولة.
١٠٢  ص: ١٧.
١٠٣  (د): نيطس.
١٠٤  (د): يغرق.
١٠٥  (د): لطائح.
١٠٦  (د): فيذكر.
١٠٧  (د): فيرمى.
١٠٨  ص: ١٨.
١٠٩  (د): وهو.
١١٠  (د): كاد.
١١١  (د): اللئيم.
١١٢  ص: ١٩.
١١٣  ص: ٢٠.
١١٤  (د): عملوا.
١١٥  ص: ٢١.
١١٦  (د): وليد.
١١٧  (د): نوعان.
١١٨  (د): ذامي.
١١٩  ص: ٢٢.
١٢٠  (د): قبصة.
١٢١  (ط): البيضة.
١٢٢  (د): انتفشت.
١٢٣  ص: ٢٣.
١٢٤  (د): سفير.
١٢٥  ص: ٢٤.
١٢٦  ص: ٢٥.
١٢٧  ص: ٢٦.
١٢٨  (د): ذكره.
١٢٩  (د): فيه.
١٣٠  (د): القرب.
١٣١  (د): بحر.
١٣٢  (د): واهنب.
١٣٣  ص: ٢٧.
١٣٤  (ط): رجوع الماء إلى خلف جهة المد.
١٣٥  (ط): فإن.
١٣٦  (ط): يجزره.
١٣٧  سورة الرحمن، الآية ١٩.
١٣٨  (د): البحر.
١٣٩  ص: ٢٨.
١٤٠  (ط): علم.
١٤١  (ط): علم.
١٤٢  (ط): أفريذون.
١٤٣  (ط): رآه.
١٤٤  ص: ٢٩.
١٤٥  (د): مسلكًا.
١٤٦  سورة الرعد، الآية ١٠.
١٤٧  (د) — دلالة.
١٤٨  (د): من.
١٤٩  (د): لآدم.
١٥٠  ص: ٣٠.
١٥١  سورة البقرة، الآية ٣١.
١٥٢  سورة البقرة، الآية ٣١.
١٥٣  سورة البقرة، الآية ٣٠.
١٥٤  سورة هود، الآية ٤٤.
١٥٥  (د): إذ.
١٥٦  ص: ٣١.
١٥٧  (د): فضله.
١٥٨  ص: ٣٢.
١٥٩  سورة الحاقة، الآية ١١.
١٦٠  ص: ٣٣.
١٦١  سورة فاطر، الآية: ٩.
١٦٢  (د): أن.
١٦٣  ص: ٣٤.
١٦٤  (د): سحطه | (ط): سطح.
١٦٥  (د): كدجلى.
١٦٦  (د): الوجهين.
١٦٧  (د): أن أن.
١٦٨  ص: ٣٥.
١٦٩  تتراوح قيمة الباع عند العرب بين (١٫٧ متر — ٢ متر). عن: فاخوري، محمود وخوام، صلاح الدين، موسوعة وحدات القياس العربية، ص٩٥.
١٧٠  (د): التدثين.
١٧١  (د): جسمًا.
١٧٢  (د): أرسله.
١٧٣  (ط): خزانتها.
١٧٤  (د) — مثل.
١٧٥  ص: ٣٦.
١٧٦  (ط) + وعندكم الجنوب.
١٧٧  ص: ٣٧.
١٧٨  (د): أبي.
١٧٩  (ط)، (د): عمر.
١٨٠  (د): نبين.
١٨١  (د): فيهما.
١٨٢  ص: ٣٨.
١٨٣  سورة الإسراء، الآية: ٦٩.
١٨٤  سورة يونس، الآية ٢٢.
١٨٥  (د): الجدية.
١٨٦  ص: ٣٩.
١٨٧  ص: ٤٠.
١٨٨  (ط): يحك.
١٨٩  (د): يوجد بياض في الأصل.
١٩٠  سورة يس، الآية ٣٨.
١٩١  ص: ٤١.
١٩٢  (د): الفلكويون.
١٩٣  (د): تحتجب.
١٩٤  ص: ٤٢.
١٩٥  (د): ثلاث.
١٩٦  أي على هيئة دوائر.
١٩٧  هي النجوم التي تختفي نهارًا.
١٩٨  سورة الأنبياء، الآية ٣٣.
١٩٩  (د): لاحترقت.
٢٠٠  (د) — لها.
٢٠١  ص: ٤٣.
٢٠٢  (د): أخوف.
٢٠٣  ص: ٤٤.
٢٠٤  سورة الطلاق، الآية ١٢.
٢٠٥  (ط) — ابن.
٢٠٦  ص: ٤٥.
٢٠٧  (د): عام.
٢٠٨  (ط): زوايا.
٢٠٩  (ط): بين كل سماءين مسيرة.
٢١٠  (ط) — بين.
٢١١  ص: ٤٦.
٢١٢  ص: ٤٧.
٢١٣  سورة القلم، الآية ١.
٢١٤  ص: ٤٨.
٢١٥  (د): لأنه.
٢١٦  يقصد بالكواكب الثمانية والعشرين الكوكبات السماوية؛ مثل الكوكبة الدب الأكبر والدب الأصغر وغيرها. لكن هذه الإشارة غريبة؛ لأن الإمام الفخر الرازي من أعلام القرن (٧ ﻫ/١٣م)، وهذا يعني بحكم اطلاعه الموسوعي يجب أن يكون قد مر عليه كتاب عبد الرحمن الصوفي «صور الكواكب» الذي يُقرر فيه وجود ٤٨ كوكبة نجمية ثابتة وليس ٢٨ كوكبة. كما أننا لا نجد الميمي يُصحح له هذه المعلومة، وإنما يوافقه عليها على ما يبدو.
٢١٧  (د): ماء.
٢١٨  ص: ٤٩.
٢١٩  (د): زرقها.
٢٢٠  (ط) + قاله الضحاك.
٢٢١  (د): تتساقط.
٢٢٢  ص: ٥٠.
٢٢٣  (د): دبقا.
٢٢٤  (د): قبلتًا.
٢٢٥  ص: ٥١.
٢٢٦  سورة الذاريات، الآية ٧.
٢٢٧  (ط) — أبو صالح.
٢٢٨  سورة الحجر، الآية ١٩.
٢٢٩  سورة النازعات، الآية ٣٠.
٢٣٠  (ط): نرتكب.
٢٣١  سورة الطلاق، الآية ١٢.
٢٣٢  ص: ٥٢.
٢٣٣  (د): إذا.
٢٣٤  (ط): وفيها.
٢٣٥  سورة الأنبياء، الآية: ٣٠.
٢٣٦  ص: ٥٣.
٢٣٧  هكذا وردت في النسختَين.
٢٣٨  ص: ٥٤.
٢٣٩  (ط): الفلك.
٢٤٠  سورة الأنبياء، الآية: ٣٠.
٢٤١  سورة الأنبياء، الآية: ٣٠.
٢٤٢  (د): على.
٢٤٣  سورة الطلاق، الآية: ١٢.
٢٤٤  سورة الطلاق، الآية: ١٢.
٢٤٥  ص: ٥٥.
٢٤٦  ص: ٥٦.
٢٤٧  (د)، (ط): عنا.
٢٤٨  (ط): فإنه.
٢٤٩  (د): أقصا.
٢٥٠  (د): أقصا.
٢٥١  أي جزر الكناري حاليًّا. وهي أرخبيل؛ جزر تابعة لإسبانيا في المحيط الأطلسي.
٢٥٢  (ط): فليلزم.
٢٥٣  ص: ٥٧.
٢٥٤  (د): فلذلك.
٢٥٥  (د): لأنا.
٢٥٦  (د): قعرٌ.
٢٥٧  (د): البحر.
٢٥٨  (د): أقاليمهم.
٢٥٩  (د): فيه.
٢٦٠  (ط): الصقالية.
٢٦١  ص: ٥٨.
٢٦٢  ص: ٥٩.
٢٦٣  سورة البقرة، الآية ٢٢.
٢٦٤  سورة البقرة، الآية ٢٢.
٢٦٥  (ط): قال سقف على الأرض كهيئة القبة.
٢٦٦  (د): الفسطاس.
٢٦٧  (ط): من.
٢٦٨  (د): ق.
٢٦٩  سورة لقمان، الآية ٢٧.
٢٧٠  ص: ٦٠.
٢٧١  (د): الملكية.
٢٧٢  (ط): إلى آخره.
٢٧٣  (د): سياحتها.
٢٧٤  (د): مطربة.
٢٧٥  (د): أفلاك.
٢٧٦  (د): السطح.
٢٧٧  ص: ٦١.
٢٧٨  (ط): حمايلية.
٢٧٩  ص: ٦٢.
٢٨٠  ص: ٦٣.
٢٨١  في هامش (د): عنه عمران الثاني، إنسان كامل.
٢٨٢  (د): تبينت.
٢٨٣  ص: ٦٤.
٢٨٤  (د): لاستدبار.
٢٨٥  (د): الشعرا.
٢٨٦  (د): بياض.
٢٨٧  (د): بياض.
٢٨٨  يقصد أساطير العرب.
٢٨٩  ص: ٦٥.
٢٩٠  (د): قال.
٢٩١  (د): سمي.
٢٩٢  (ط): في المشرق إلى المغرب.
٢٩٣  (د): شامل.
٢٩٤  (ط): عما.
٢٩٥  ص: ٦٦.
٢٩٦  القائل هو أبو العلاء المعري (توفي ٤٤٩ﻫ/١٠٥٧م).
٢٩٧  (د): كما.
٢٩٨  ص: ٦٧.
٢٩٩  (د): لا بطن.
٣٠٠  (د): يعدلان.
٣٠١  ص: ٦٨.
٣٠٢  (د): الرابع.
٣٠٣  ص: ٦٩.
٣٠٤  (د): بطين.
٣٠٥  (د) — من.
٣٠٦  ص: ٧٠.
٣٠٧  (ط): ويتوسط الجبهة ويغرب الثريا ويكون فرغ الدلو المؤخَّر.
٣٠٨  (ط) — الرشا.
٣٠٩  (ط): في ثالث عشر من.
٣١٠  (ط): وتغرب.
٣١١  ص: ٧١.
٣١٢  (ط): ويتوسط.
٣١٣  (د): قطعها.
٣١٤  سورة يس، الآية ٣٩.
٣١٥  ص: ٧٢.
٣١٦  (د): الدبران.
٣١٧  (د): تعشر.
٣١٨  ص: ٧٣.
٣١٩  (ط): المد.
٣٢٠  (ط): القيض.
٣٢١  (ط): البسر بها.
٣٢٢  ص: ٧٤.
٣٢٣  (ط): تمضي.
٣٢٤  (د): بوشت.
٣٢٥  (ط) — إلحاق.
٣٢٦  ص: ٧٥.
٣٢٧  سورة الحجر، الآية ١٦.
٣٢٨  سورة النساء، الآية ٧٨.
٣٢٩  (ط): إلى آخره.
٣٣٠  سورة البروج، الآية ١.
٣٣١  ص: ٧٦.
٣٣٢  (د): الحاصل.
٣٣٣  (د): إلى.
٣٣٤  (د): سبعة.
٣٣٥  (د) + لما.
٣٣٦  (د): لنقطعة.
٣٣٧  ص: ٧٧.
٣٣٨  (ط): فتضيف.
٣٣٩  (د): مل المجتمع.
٣٤٠  (ط)-في آخر برجه، فلو كان الماضي من الشهر ستة وكانت الشمس في أول برجها كان القمر.
٣٤١  (ط): الجدة.
٣٤٢  (د): الإسامات.
٣٤٣  ص: ٧٨.
٣٤٤  (د)، (ط): الماوي.
٣٤٥  أي بطء اندمال الجرح.
٣٤٦  (د): دليل.
٣٤٧  ص: ٧٩.
٣٤٨  هو عبد الرحمن بن عيسى المرشدي، إمام ومفتي الحرم المكي، توفي سنة (١٠٣٧ﻫ/١٦٢٨م).
٣٤٩  ص: ٨٠.
٣٥٠  يوجد اختلاط في أوراق المخطوط، حيث ينقطع النص في نسخة (ط) من (نسائم السحر … وحتى وفي السابع منه).
٣٥١  ص: ٨١.
٣٥٢  (ط): البناريك.
٣٥٣  (د): تفور.
٣٥٤  ص: ٨٢.
٣٥٥  (د) — يوم.
٣٥٦  (د): الحسرات.
٣٥٧  (د): الرياح.
٣٥٨  يستأنف النص من نسخة (ط).
٣٥٩  (ط): فيها.
٣٦٠  ص: ٨٣.
٣٦١  (د): غضب.
٣٦٢  (ط): بالنور.
٣٦٣  ص: ٨٤.
٣٦٤  القلنداس: من أعياد النصارى.
٣٦٥  ص: ٨٥.
٣٦٦  (د): تعتلم.
٣٦٧  يُوجَد اختلاط في أوراق المخطوط، حيث ينقطع النص في نسخة (ط) من (ثالث شهر من …).
٣٦٨  ص: ٨٦.
٣٦٩  (د): ويتوصل.
٣٧٠  ص: ٨٧.
٣٧١  (د): المتصل.
٣٧٢  سورة الحاقة، الآية ٧.
٣٧٣  ص: ٨٨.
٣٧٤  ص: ٨٩.
٣٧٥  (د): صبا.
٣٧٦  (د): صنبرة.
٣٧٧  (د): ويكفي.
٣٧٨  (ط): مستقر.
٣٧٩  ص: ٩٠.
٣٨٠  (ط): المقدم.
٣٨١  ص: ٩١.
٣٨٢  (د): بلد.
٣٨٣  (د): العشانين.
٣٨٤  (د): العوام.
٣٨٥  (د): أخرج.
٣٨٦  ص: ٩٢.
٣٨٧  (ط)-عند البعض. وفي العاشر تنفجر العيون والمياه. وفي الحادي عشر وفاة آدم ونزول الزبور.
٣٨٨  (ط): وتتحول.
٣٨٩  (ط) + منه.
٣٩٠  ص: ٩٣.
٣٩١  (د)، (ط): التورته.
٣٩٢  ص: ٩٤.
٣٩٣  ص: ٩٥.
٣٩٤  (د): عليه.
٣٩٥  (د): وتميد.
٣٩٦  (د): وإن.
٣٩٧  (ط): الهظم.
٣٩٨  ص: ٩٦.
٣٩٩  (د): وهو.
٤٠٠  ص: ٩٧.
٤٠١  (د): الغدوية.
٤٠٢  (ط)-وفي العاشر منه يقوم سوق عمان وعيد إبراهيم ويعقوب وهو يوم سعد.
٤٠٣  ص: ٩٨.
٤٠٤  (ط) — مريم.
٤٠٥  (ط) + وقيل.
٤٠٦  (د): سهل.
٤٠٧  (ط): عليهم.
٤٠٨  (ط) + منه.
٤٠٩  ص: ٩٩.
٤١٠  (د): الكنيسة.
٤١١  (د): فيستعظم.
٤١٢  ص: ١٠٠.
٤١٣  وهو المحدث، البحاثة صلاح الدين العلائي (توفي ٧٦١ﻫ/١٣٥٩م).
٤١٤  ص: ١٠١.
٤١٥  (د): معها.
٤١٦  (د): مؤثرها إلا الله.
٤١٧  ص: ١٠٢.
٤١٨  (د): المعلوم.
٤١٩  (ط) + تعالى.
٤٢٠  (د): المعلوم.
٤٢١  ص: ١٠٣.
٤٢٢  (ط): أو نحوه.
٤٢٣  (ط): أبهر.
٤٢٤  (د): ليل.
٤٢٥  سورة نوح، الآية ١٦.
٤٢٦  ص: ١٠٤.
٤٢٧  سورة نوح، الآية ١٦.
٤٢٨  سورة الإسراء، الآية ١٢.
٤٢٩  ص: ١٠٥.
٤٣٠  (ط): بأوقات.
٤٣١  ص: ١٠٦.
٤٣٢  (د): يضيق.
٤٣٣  (د): جاز.
٤٣٤  سورة الأنبياء، الآية ٣٣.
٤٣٥  (ط) + الله.
٤٣٦  ص: ١٠٧.
٤٣٧  (ط) — على.
٤٣٨  المنجنون: الدولاب الذي يستقى عليه.
٤٣٩  سورة يس، الآية ٣٩.
٤٤٠  ص: ١٠٨.
٤٤١  الشمْروخ: غُصْنٌ دقيق رَخْصٌ يَنْبُتُ في أَعلى الغصن الغليظ خرج في سَنَتِه رَخْصًا.
٤٤٢  سورة يس، الآية ٤٠.
٤٤٣  سورة يس، الآية ٤٠.
٤٤٤  سورة الرحمن، الآية ٥.
٤٤٥  سورة النحل، الآية ١٢.
٤٤٦  سورة الشمس، الآية ١-٢.
٤٤٧  (د): فيتقدم.
٤٤٨  سورة التغابن، الآية ٢.
٤٤٩  سورة الحشر، الآية ٢٠.
٤٥٠  ص: ١٠٩.
٤٥١  (ط) + لنا.
٤٥٢  (د): الزحل.
٤٥٣  (د): تدور.
٤٥٤  (د): عطارد.
٤٥٥  ص: ١١٠.
٤٥٦  (د)-لها.
٤٥٧  (ط): و.
٤٥٨  ص: ١١١.
٤٥٩  (د): إلى.
٤٦٠  هو الشاعر ناصح الدين أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسين الأرجاني. توفي سنة (٥٤٤ﻫ / ١١٤٩م).
٤٦١  ص: ١١٢.
٤٦٢  وهو محمد بن علي بن وهب بن مطيع بن أبي الطاعة القشيري القوصي، أبو الفتح تقي الدين، المعروف بابن دقيق العيد، الحافظ الفقيه المحدث البارع. توفي (٧٠٢ﻫ/١٣٠٢م).
٤٦٣  (د): قصا.
٤٦٤  سورة غافر، الآية ٥٧.
٤٦٥  ص: ١١٣.
٤٦٦  سورة المعارج، الآية ٤٠.
٤٦٧  سورة الرحمن، الآية ١٧.
٤٦٨  (ط): عن أبي سعيد.
٤٦٩  سورة المعارج، الآية ٤٠.
٤٧٠  ص: ١١٤.
٤٧١  (ط): تراه.
٤٧٢  ص: ١١٥.
٤٧٣  (ط) — ثلاثة عشر ألف … مسيرة.
٤٧٤  ص: ١١٦.
٤٧٥  سورة البقرة، الآية ٣٠.
٤٧٦  ص: ١١٧.
٤٧٧  (د): ألك.
٤٧٨  (د): مشاهدات.
٤٧٩  ص: ١١٨.
٤٨٠  (ط): هكذا كُتبت في النسختَين. والحقيقة لم نجد شخصيةً بهذا الاسم حرفيًّا، فربما يكون المقصود بها كيكاوس، وهو من أبرز شخصيات الشاهنامة والأفستا، حيث ذكر اسمه في الأساطير الدينية الهندية والإيرانية. وهو الملك الثاني من الكيانيين وهو ابن كيقباد في الشاهنامة، وفي كتبٍ أُخرى أنه حفيده أو ابن أخيه. أو ربما يكون طيماوس وهو فيلسوف يوناني فيثاغوري من القرن الخامس ق.م.
٤٨١  ص: ١١٩.
٤٨٢  (د): بط.
٤٨٣  ص: ١٢٠.
٤٨٤  (د) — فيها.
٤٨٥  (د): يبهر.
٤٨٦  ص: ١٢١.
٤٨٧  سورة الواقعة، الآيتين ٦٨-٦٩.
٤٨٨  سورة المؤمنون، الآية ١٨.
٤٨٩  (ط) — فردها.
٤٩٠  ص: ١٢٢.
٤٩١  (د): مطية.
٤٩٢  ص: ١٢٣.
٤٩٣  ص: ١٢٤.
٤٩٤  (د): بمقاعد.
٤٩٥  (د): منه.
٤٩٦  ص: ١٢٥.
٤٩٧  (د): دية.
٤٩٨  (ط)-فيها ينتهي إليك علم النيل. فسار حتى انتهى إلى أرض الذهب فسار …
٤٩٩  (د) + شرفةٍ من ذهب.
٥٠٠  ص: ١٢٦.
٥٠١  (د) — أنه.
٥٠٢  (ط): رأى ذلك وهو.
٥٠٣  ص: ١٢٧.
٥٠٤  (ط): تكون.
٥٠٥  سورة الشرح، الآيتين ١٥ و١٦.
٥٠٦  سورة الشرح، الآيتين ٥ و٦.
٥٠٧  (ط): الرقعة.
٥٠٨  ص: ١٢٨.
٥٠٩  (ط): وجرها.
٥١٠  (ط): والدجلة.
٥١١  (د): كثير.
٥١٢  (ط): والشهر.
٥١٣  ص: ١٢٩.
٥١٤  ص: ١٣٠.
٥١٥  (د) — الله.
٥١٦  ص: ١٣١.
٥١٧  (ط): وعندها.
٥١٨  (د): فتصبح.
٥١٩  سورة الروم، الآية ٤٨.
٥٢٠  ص: ١٣٢.
٥٢١  (د): تسير.
٥٢٢  (د): وإنما.
٥٢٣  (د): عن.
٥٢٤  ص: ١٣٣.
٥٢٥  (د) — خلق.
٥٢٦  (ط): وذكر.
٥٢٧  (د) — الرد.
٥٢٨  (د): قصر.
٥٢٩  ص: ١٣٤.
٥٣٠  (د): عن بال.
٥٣١  (د): فيصرفه.
٥٣٢  (ط): الصدف.
٥٣٣  (ط)، (د): قطرة.
٥٣٤  (ط): غرائب.
٥٣٥  ص: ١٣٥.
٥٣٦  (د): جميع.
٥٣٧  (ط): في تلك المدة.
٥٣٨  (د): ووعد.
٥٣٩  ص: ١٣٦.
٥٤٠  ص: ١٣٧.
٥٤١  (د) — هو.
٥٤٢  (د): الفصل.
٥٤٣  (د): بشر.
٥٤٤  (ط): وانعقد.
٥٤٥  (د): فإنه.
٥٤٦  ص: ١٣٨.
٥٤٧  (ط): في حاصله.
٥٤٨  المخاض من الإبل: التي استكملت سنة من عمرها ولم تتم الثانية.
٥٤٩  ص: ١٣٩.
٥٥٠  سورة الأعراف، الآية ١٦٥.
٥٥١  ص: ١٤٠.
٥٥٢  (ط)-فضل العالِم على العابد كفضلي على أدناكم. ثم قال رسول الله .
٥٥٣  (ط) — الخير.
٥٥٤  سورة الشعراء، الآية ٢١٥.
٥٥٥  الأوساخ.
٥٥٦  ص: ١٤١.
٥٥٧  (د): كالسا.
٥٥٨  (ط): وإعادة.
٥٥٩  ص: ١٤٢.
٥٦٠  (د): المحيض.
٥٦١  (د): أشرفت.
٥٦٢  السعُوطُ: الدوَاءُ يُدخَل في الأَنف.
٥٦٣  (ط): ألحمه.
٥٦٤  ص: ١٤٣.
٥٦٥  (د): بها.
٥٦٦  (ط): أكر.
٥٦٧  العِرْبِد والعِرْبَد كلاهما: حية تَنْفُخ ولا تؤْذِي، مثال سِلْغَد ملحق بِجِرْدَحْلٍ، والمعروف أَنها الحية الخبيثة.
٥٦٨  سورة الأعراف، الآية ٢٤.
٥٦٩  ص: ١٤٤.
٥٧٠  (د): أخاف.
٥٧١  ص: ١٤٥.
٥٧٢  (د): الأذغر.
٥٧٣  (د): وذا.
٥٧٤  (د): النظر.
٥٧٥  (د) — ما.
٥٧٦  (ط): روايةً.
٥٧٧  ص: ١٤٦.
٥٧٨  (د): بصرها.
٥٧٩  (ط): وهو.
٥٨٠  مقدارُ رميةِ سهمٍ، وتُقَدرُ بين ٣٠٠-٤٠٠ ذراع (أي حوالي ١٥٠-٢٠٠ متر)، حيث إن الذراع حوالي ٥٠ سنتيمترًا.
٥٨١  ص: ١٤٧.
٥٨٢  (ط)-لما.
٥٨٣  (د): تهوت.
٥٨٤  (د): يقدم.
٥٨٥  هو نبات الشمرة Fennel .
٥٨٦  سورة الأنعام، الآية ٣٨.
٥٨٧  سورة هود، الآية ٦.
٥٨٨  (د): حيوته.
٥٨٩  ص: ١٤٨.
٥٩٠  (د): وبالآية.
٥٩١  (د): أبواب.
٥٩٢  (د): حسبه.
٥٩٣  (ط): ويرى.
٥٩٤  ص: ١٤٩.
٥٩٥  (د) أن تكون أقواهما حرارة.
٥٩٦  سورة آل عمران، الآية ٨٣.
٥٩٧  سورة آل عمران، الآية ٨٣.
٥٩٨  (ط)-والحمد لله رب العالمين.
٥٩٩  (د): عمر.
٦٠٠  ص: ١٥٠.
٦٠١  (د): عنه.
٦٠٢  (ط): تطقه.
٦٠٣  (ط): لجلالة قدره وغير.
٦٠٤  سورة سبأ، الآية ١٤.
٦٠٥  (د): فاستوفق من الانكار.
٦٠٦  ص: ١٥١.
٦٠٧  (د): ولا ينظر الله أحدًا.
٦٠٨  (د): ولمنسأة.
٦٠٩  (د): أو كانت.
٦١٠  الخَروب أو الخرنوب تذكُر المصادر العالمية أن التسمية ذات أصلٍ عربي وهي شجرة دائمة الخضرة تنتمي إلى الأسرة من الفصيلة البقولية تعيش بشكلٍ طبيعي في المنطقة المتوسطية.
٦١١  (د): الخرنوب.
٦١٢  سورة النمل، الآية ٨٢.
٦١٣  ص: ١٥٢.
٦١٤  (د): انخرام.
٦١٥  الأَطْرُشُ والأُطْرُوشُ هو الأَصم.
٦١٦  ص: ١٥٣.
٦١٧  (ط): فيه.
٦١٨  ص: ١٥٤.
٦١٩  (ط) + ايفاض.
٦٢٠  (د): مبهمًا.
٦٢١  (د): بمجرد.
٦٢٢  ص: ١٥٥.
٦٢٣  (د): تعلقه.
٦٢٤  (ط): فاحرقوه.
٦٢٥  ص: ١٥٦.
٦٢٦  (د): نفسًا.
٦٢٧  (د): العين اللعين.
٦٢٨  ص: ١٥٧.
٦٢٩  (د): يعقلها.
٦٣٠  (د): لا نم.
٦٣١  (د): نح.
٦٣٢  (ط): خمرة.
٦٣٣  ص: ١٥٨.
٦٣٤  (ط): أبصرهم.
٦٣٥  (د): و.
٦٣٦  (ط) + قال.
٦٣٧  (ط): على.
٦٣٨  (ط): فقد.
٦٣٩  (د): سرهما.
٦٤٠  (د): والنقص.
٦٤١  ص: ١٥٩.
٦٤٢  (ط): ويقال.
٦٤٣  (د): يقله.
٦٤٤  (د): و.
٦٤٥  (ط): المزية.
٦٤٦  (ط) + تعالى.
٦٤٧  (د): عن.
٦٤٨  (د): بعدم.
٦٤٩  ص: ١٦٠.
٦٥٠  (د): والتالي باطل بالإجماع، فالمُقدم مثله وبيان.
٦٥١  (ط): فبهذا.
٦٥٢  (ط): ليس من تعلقاتها.
٦٥٣  ص: ١٦١.
٦٥٤  سورة يس، الآية ٨٢.
٦٥٥  (د): بفعل.
٦٥٦  (د): نفس.
٦٥٧  (د): يكتف.
٦٥٨  ص: ١٦٢.
٦٥٩  (د): بأفعالنا.
٦٦٠  (ط): فاعل.
٦٦١  (ط): النقائص.
٦٦٢  (ط): وعلى هذا طريق السلف الصالح، قال الشعراوي.
٦٦٣  ص: ١٦٣.
٦٦٤  (د): بكفره.
٦٦٥  ص: ١٦٤.
٦٦٦  (ط): أخبروا.
٦٦٧  (ط): إلى آخره.
٦٦٨  ص: ١٦٥.
٦٦٩  (د): لانم.
٦٧٠  (د) — لا.
٦٧١  (ط): أثبتموه.
٦٧٢  (د): يستثب.
٦٧٣  ص: ١٦٦.
٦٧٤  (ط): بسيطه.
٦٧٥  (ط): إذا.
٦٧٦  (د): ثبت.
٦٧٧  (د): فيهم.
٦٧٨  (ط): والجواب.
٦٧٩  ص: ١٦٧.
٦٨٠  (د): بط.
٦٨١  (د): بط.
٦٨٢  ص: ١٦٨.
٦٨٣  (ط) — لأنه.
٦٨٤  (د): بط.
٦٨٥  (د): وقوعها.
٦٨٦  (د): فيه نفعان.
٦٨٧  (د): بط.
٦٨٨  (د): واتركهم.
٦٨٩  سورة الزمر، الآية ٦٢.
٦٩٠  سورة فاطر، الآية ٣.
٦٩١  ص: ١٦٩.
٦٩٢  (د): فلذلك.
٦٩٣  (د): لعدم.
٦٩٤  ص: ١٧٠.
٦٩٥  (د)، (ط): أسى.
٦٩٦  (د): لاستخبار.
٦٩٧  سورة الأعراف، الآية ١٥٧.
٦٩٨  (د): تحريمها.
٦٩٩  (د): سنة.
٧٠٠  ص: ١٧١.
٧٠١  (د)، (ط): الأرضين.
٧٠٢  (د) — الله.
٧٠٣  ص: ١٧٢.
٧٠٤  الكمكم أو القمقم هو وعاء يسخن فيه الماء، ويصنع من نحاس عادة، ويكون ضيق الرأس.
٧٠٥  (د): زلزل.
٧٠٦  ص: ١٧٣.
٧٠٧  (د): فلذلك.
٧٠٨  سورة الروم، الآية ٤٨.
٧٠٩  (د): بط.
٧١٠  ص: ١٧٤.
٧١١  ص: ١٧٥.
٧١٢  (د): وهي.
٧١٣  (د): تشتكل.
٧١٤  ص: ١٧٦.
٧١٥  (ط) — لا.
٧١٦  (ط): بحيث.
٧١٧  غطاء.
٧١٨  (ط) — والخلاف … الفضولة. وقد وضعها في الصفحة ١٠٩ظ.
٧١٩  ص: ١٧٧.
٧٢٠  (د): نبيه.
٧٢١  سورة الإسراء، الآية ٧٠.
٧٢٢  سورة الفتح، الآية ٢٩.
٧٢٣  (ط): عن.
٧٢٤  (ط)-فيه على التنويع.
٧٢٥  ص: ١٧٨.
٧٢٦  ص: ١٧٩.
٧٢٧  (ط) + أو.
٧٢٨  سورة الأنبياء، الآية ٢٦-٢٧.
٧٢٩  ص: ١٨٠.
٧٣٠  (ط) + به.
٧٣١  ص: ١٨١.
٧٣٢  (ط): المأمور.
٧٣٣  (د): يداعوا.
٧٣٤  (د): ثم أعوانه.
٧٣٥  ص: ١٨٢.
٧٣٦  يقصد الصحابي الجليل دحية الكلبي.
٧٣٧  (د): مزيد أن يثبت.
٧٣٨  (د): تنسد.
٧٣٩  (ط) — في كثرتهم.
٧٤٠  أَطت الإِبِلُ: أَنَّت من تَعَب أَو ثِقَلِ حِمْلٍ أو حَنِين.
٧٤١  ص: ١٨٣.
٧٤٢  السرادِقُ: كل ما أحاطَ بشيءٍ نحو الشقة في المِضْرَب أو الحائط المُشتمل على الشيء.
٧٤٣  (ط) — مع.
٧٤٤  سورة المدثر، الآية ٣١.
٧٤٥  ص: ١٨٤.
٧٤٦  (د): حراس.
٧٤٧  (د) — من.
٧٤٨  ص: ١٨٥.
٧٤٩  (د): خفضان.
٧٥٠  سورة المعارج، الآية ٤.
٧٥١  سورة الحاقة، الآية ١٧.
٧٥٢  (د): بينهم.
٧٥٣  ص: ١٨٦.
٧٥٤  (د): حكى.
٧٥٥  ص: ١٨٧.
٧٥٦  سورة النحل، الآية ٥٠.
٧٥٧  سورة الأنبياء، الآية ٢٨.
٧٥٨  ص: ١٨٨.
٧٥٩  (د) — أي.
٧٦٠  ص: ١٨٩.
٧٦١  ص: ١٩٠.
٧٦٢  (د): يوجد بياض في الأصل.
٧٦٣  ص: ١٩١.
٧٦٤  (د): جنبيه.
٧٦٥  (ط) — الحادية والعشرين … انتهى والله أعلم وعلم.
٧٦٦  سورة الرعد، الآية ١١.
٧٦٧  ص: ١٩٢.
٧٦٨  سورة الرعد، الآية ٢٣-٢٤.
٧٦٩  سورة المدثر، الآية ٣١.
٧٧٠  سورة الصافات، الآية ٢.
٧٧١  ص: ١٩٣.
٧٧٢  سورة الصافات، الآية ١.
٧٧٣  سورة الذاريات، الآية ١.
٧٧٤  سورة النازعات، الآية ١.
٧٧٥  سورة النازعات، الآية ٥.
٧٧٦  ص: ١٩٤.
٧٧٧  ص: ١٩٥.
٧٧٨  ص: ١٩٦.
٧٧٩  ص: ١٩٧.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤