الفصل الثاني

لماذا لا يُصاب الحمار الوحشي بقرحة المعدة: تأثير طريقة التفكير على الصحة

تأمَّل آخرَ مرة شعرت فيها بضغط نفسي — تسارع ضربات القلب، واضطراب المعدة، وشد العضلات. ما الذي سبَّب ذلك الشعور بالضغط النفسي؟ إن الأحداث اليومية التي تبعث على الضغط النفسي لدى أغلبنا هي أشياءُ بسيطة في العموم. قد يكون عليك تقديم عرضٍ تقديمي مهم في العمل، أو تكون عالقًا في المرور، أو تشعر بالعجز من هول الأشياء الواجب عليك فعْلها أو الفواتير الواجب سدادها. لا شك أن هذه الأشياء جميعًا مُثيرة للضغط النفسي بحق، وأن أجساد الناس تستجيب بناءً على ذلك.

تهدُف تفاعُلات الضغط النفسي الفسيولوجية إلى مساعدة البشر (والحيوانات) على الاستجابة للمواقف الخطيرة التي تُهدِّد حياتهم — مثل أن يُطاردَك كلب ضخم يَنبح أو عند القتال في الحرب. وقد تكون هذه الاستجابات الفسيولوجية تكيفية أيضًا خلال مواقفَ أخرى تبدو «شديدة التوتُّر»، مثل مقابلة العمل أو اللقاء الأول بمَحبوبك.

الحق أننا دائمًا ما تأتينا تفاعلات الضغط النفسي الفسيولوجية حتى في المواقف التي لا تُهدِّد حياتنا فعليًّا بأي طريقة. وللأسف من الممكن أن يكون لهذه النزعة لإظهار استجابة الضغط النفسي حتى في هذه المواقف التي لا تُهدِّد الحياة أثرًا سلبيًّا على صحتنا البدنية. ربما يفسِّر هذا التنشيطُ المستمرُّ لاستجابة الضغط النفسي في حياتنا اليومية ارتفاعَ معدَّل الأمراض المُرتبطة بالضغط النفسي، ومنها الصداع والقُرحة ومرض القلب التاجي. وكما قال روبرت سابولسكي عالِم الأعصاب في جامعة ستانفورد: «ينشأ المرض المرتبط بالضغط النفسي، في الغالب؛ لأننا كثيرًا ما نُنشِّط جهازًا فسيولوجيًّا تطوَّر من أجل الاستجابة للحالات الطارئة الفِعلية الخطيرة، لكنَّنا نُنشِّطه طوال شهور دون توقُّف، حين نقلق بشأن الرهون العقارية وعلاقاتنا وترقياتنا.»1 وربما لهذا السبب «لا يُصاب الحمار الوحشي بقرحة المعدة»، كما أشار سابولسكي في ملاحظة ذكية، في الوقت الذي يُصاب بها البشر في كثير من الأحيان.

رغم أننا لحُسنِ الحظ لا نُواجه عوامل ضغط نفسي تُهدِّد حياتنا بحق بصفة منتظمة (أو حتى غير منتظمة)، فإننا كثيرًا ما نبالغ في ردود أفعالنا النفسية تجاه عوامل الضغط النفسي الصُّغرى فتبعث في أنفسنا جزعًا وهمًّا بالغين. وبإمكان رد الفعل هذا، على الأقل في بعض الحالات، أن يُؤدِّي بدوره لعواقب تُهدِّد الحياة.

وفي هذا الفصل سأصف كيف تترك طريقة تفكيرنا آثارًا حقيقية وطويلة الأمد على صحتنا العُضوية. لكن لا تَقلقوا! سوف أذكر في النهاية استراتيجياتٍ معيَّنة يمكن استخدامها للسيطرة على الضغط النفسي على نحوٍ أفضل — لنكون أشبه بالحمار الوحشي.

قوة الأدوية الوهمية

تخيَّل نفسَك في صيدلية تتُوق لشراء دواء يُخلِّصك من أعراض برد بغيضةٍ للغاية — سعال مزمن وحلق مُلتهِب وأنف مسدود. ثم تُواجِه خيارًا: إما أن تبتاع الدواء الأرخص الذي لا يحمل علامة تجارية، أو تدفع ثَمن الدواء الباهظ الذي يَحمل علامة تجارية. ورغم أنك تُدرك ذهنيًّا أن هذَين الدواءين مُتماثلان تمامًا، فإنك تُقرِّر شراء الأغلى ثمنًا. لماذا؟ لأنك، مثل أغلبنا، تعتقد أنه أفضل مفعولًا.

وقد تندهش أن هذا الاعتقاد دقيق؛ الأدوية الباهظة ذات العلامات التجارية أفضلُ مفعولًا. لكن ها هي المفارقة: ليسَت هذه الأدوية أفضلَ مفعولًا إلا لأننا نَعتقِد هذا. وذلك الاعتقاد هو ما يؤدي إلى تخفيف الأعراض بشكلٍ أكبر. من المُمكِن أن تؤدي الأدوية والعلاجات الوهمية إلى آثارٍ حقيقية، بل ومُستمِرة في كل جهاز حيوي من أجهزة الجسم تقريبًا والعديد من الأسقام، منها ألم الصدر والتهاب المَفاصِل وحُمى الكلأ والصداع والقرح وارتفاع ضغط الدم وألمُ ما بعد الجراحة ودُوار البحر ونزلات البرد.

دعوني أستعرض مثالًا يُوضِّح كيف تؤثِّر بحقٍّ توقعاتنا عن الدواء على فعاليته. في إحدى الدراسات، أُعطي الناس الذين أبلغوا عن معاناتهم من صداع متكرِّر كبسولاتٍ وُسم عليها «نيوروفين» (علامة تجارية) أو «إيبوبروفين عام». لكن في الواقع، كان نصف الكبسولات يحتوي على إيبوبروفين فعَّال، بينما نصفها الآخر كان دواءً وهميًّا. والنتائج؟ أفاد الذين تناوَلوا أقراص الدواء الوهمية الموسومة باسمٍ تجاري بزوال الصداع بدرجة أكبرَ من الذين حصلوا على نفس الأقراص التي عليها الوسم العام.2

تقدِّم هذه الدراسة دليلًا قويًّا على أن العلامة التجارية لها تأثير مُهم. فالمشاركون الذين تناولوا الدواء الذي يَحمل علامة تجارية أفادوا بنسبٍ مُماثلة من زوال الألم بصرف النظر عما إذا كانوا تلقَوا إيبوبروفين حقيقيًّا أو وهميًّا. أما بالنسبة إلى أولئك الذين حصلوا على الدواء ذي الوسم العام، فقد أدلى الذين حصلوا على الدواء الحقيقي بتراجُع الألم بدرجةٍ أكبر من أولئك الذين حصلوا على الدواء الوهمي. إن توقعاتنا حيال فاعلية الدواء لها أثر كبير على شعورنا بالألم.

وليسَت العلامات التجارية وحدها هي التي تخلق هذه التوقُّعات — فحتى الاعتقاد بأن الدواء أغلى ثمنًا، وهو من الأمور التي نربطُها بالجودة، يزيد من فاعليته. فالناس الذين تناولوا أحد المسكنات التي أُقرت حديثًا مُعتقِدين أن تكلفتها للجرعة دولاران ونصف أفادوا بأنهم شعروا براحةٍ من الألم فاقت أولئك الذين أُخبروا بتخفيض سعر الدواء، وأن تكلفته لا تزيد عن ١٠ سنتات. وفي كلتا الحالتَين، كان المسكِّن قرصًا لا يحتوي على دواء فِعلي.3
حسنًا، السؤال المهم حقًّا هو ما إذا كانت هذه النتائج بشأن الفاعِلية الأكبر للأدوية التي يعتقد الناس أنها باهظة لا تَنطبِق فقط على التجارب القائمة في المُختبَرات ولكن في الظروف العادية كذلك. الإجابة نعم — فهذا بالضبط ما يُلاحظ في الدراسات التي تختبر شتَّى أنواع الأدوية التي تُعالج مختلف الحالات. فعلى سبيل المثال، مرضى باركنسون الذين اعتقدُوا أنهم تلقَوا حُقنًا تحتوي على دواء (وإن كان في واقع الأمر محلولًا ملحيًّا) بتكلفة ١٥٠٠ دولار للجُرعة كانت كفاءته في شهادتهم تفوق ضِعف كفاءته في شهادة أولئك الذين حصلوا على دواءٍ اعتقدوا أن تكلفتَه لا تتجاوَز ١٠٠ دولار للجرعة.4

فهم تأثير الدواء الوهمي

من الواضح إذن أن تأثيرَ الدواء الوهمي قوي جدًّا، وهو الفائدة التي تعود علينا لمجرد ترقُّب فاعليةِ تدخُّلٍ من نوعٍ ما (سواء قرص أو إجراء طبي أو حقن). لكن كيف على وجه التحديد تؤدي توقعات التخلُّص من الألم إلى الشعور بتحسُّن؟

من التفسيرات أن اعتقادات الناس إزاءَ العلاج لها أثرٌ في سلوكهم. فعلى سبيل التوضيح، حين نتوقَّع أن يكون أحد الأدوية ناجعًا، ربما نغيِّر سلوكنا بطريقةٍ تؤدي إلى آثارٍ مفيدة فعلًا. تخيَّل أنك كنت تعاني صداعًا شديدًا، ثم تناولت قرصًا وأنت مُوقِن أنه سيُزيل هذا الألم. يُحتمل أن يؤدي توقُّعك اختفاءَ الألمِ سريعًا إلى الاسترخاء، وهو ما سيُساعِد بدوره على الحد من الصداع.

أحد أوضح الأمثلة على قُدرة طريقة التفكير الإيجابية على إعطاء نتائجَ صحيةٍ أفضلَ اكتشفه بروس موزلي، جرَّاح تقويم العظام في مركز هيوستن الطبي لشئون المحاربين القدامى.5 في هذه الدراسة وزَّع الباحثون مرضى بالتهابِ مَفْصِل الرُّكبة عشوائيًّا على ثلاث مجموعات:
  • خضع الرجال في المجموعة الأولى لجراحةٍ قياسية بمنظار المَفصِل.

  • وخضع الرجال في المجموعة الثانية لعملية غسيل مَفصِل الركبة، لكن دون كَشطِها كما يحدث في الجراحة القياسية.

  • لم يُجرَ لرجال المجموعة الثالثة إجراءٌ جراحي فعلي — وإنما شُقَّت رُكَبهم بمبضع لتترك ندبة فحسب.

أُخبِر المشاركون كلهم أنهم سيُشاركون في دراسة بحثية — فوافَقُوا — وإن كانوا لم يُخبَروا بنوع الإجراء الذي سيخضعون له. بعد ذلك استمرَّ تقييم حالة المرضى جميعًا على مدار عامين لتحديدِ ما إن كانت «الجراحة الفعلية» أفضلَ بحقٍّ من «الجراحة الوهمية». فكان الباحثون يسألون هؤلاء الرجال أسئلة حول مقدار الألم الذي كانوا يشعرون به، وما إن كانت قدرتهم على أداء الأعمال اليومية، مثل السير وصعود السلالم، قد زادت.

كانت النتائج مُذهلة. فلم يكن ثمَّة اختلاف في درجة الألم أو أداء الوظائف بين مرضى المجموعات الثلاث في أي مرحلة خلال عمليات المتابعة.

رغم أن الباحثين لم يستطيعوا أن يعرفوا تحديدًا ما الذي أدَّى إلى شعور الرجال في المجموعات الثلاث بنفس القدْر من التحسُّن؛ فمِن بين الاحتمالات أن مجرَّد الاعتقاد بأنهم خضعوا لجراحةٍ ستُحسِّن حالتهم جعلهم يُغيِّرون سلوكهم. من الوارد أن يكون الرجال في المجموعات الثلاث قد اتبعوا تعليمات النقاهة بحذافيرها، مثل المواظبة على التمرين لزيادة الحركة والعمل مع اختصاصي علاج طبيعي. بالتالي من الوارد أن يكون سلوكهم هو ما أدَّى إلى تراجع الألم وتحسُّن الأداء الوظيفي.

كشفت دراسات أخرى عن نتائج مشابهة بشأن فاعلية «الجراحة الوهمية». فمثلًا حين خضع مرضى مصابون بكسورٍ في النخاع الشوكي لجراحةٍ وهمية أفادوا بتراجُع الألم، بل وتحسُّن الوظائف الجسدية، ومرضى باركنسون الذين أُجريت لهم جراحة وهمية تحسَّنت وظائفهم الحركية تحسنًا واضحًا.6
تشير بعض الأبحاث إلى أن الدواء الوهمي من الممكن فعلًا أن يُحدِث تغيُّرات فسيولوجية في الجسم، وهو ما يحول بدوره دون الشعور بالألم. فمن الممكن مثلًا أن ينشِّط الاعتقاد بأن الدواء سيساعد على تخفيف الألم نظامَ الإندورفين، الذي يعمل تلقائيًّا في الجسم لتخفيف الألم. ومما ينسجم مع هذا الرأي، أن الناس الذين يظنُّون أنهم يحصُلون على دواءٍ لتخفيف الألم يظهر لديهم نشاط منخفض في المناطق المستجيبة للألم في المخ والنخاع الشوكي.7 بالإضافة إلى ذلك، تظهر استجاباتٌ مشابهة في المخ لدى الأشخاص الذين يتلقون مُسكِّنًا في عبوة فخمة، بطباعة فاخرة وملصق علامة تجارية، في حين لا تظهر على مَن يتلقون نفس الدواء في عبوةٍ عادية تَحمل ملصقًا عامًّا.8 تُشير هذه الدراسات إلى أن تأثير الدواء الوهمي يُقلِّل الألم ولو جزئيًّا بتغيير طريقة استجابة المخ للألم.

كيف تؤثِّر المواقف الذهنية على الهرمونات والجوع والصحة

يدُلُّ تأثير الدواء الوهمي دلالةً واضحة على أن توقُّعاتنا إزاء تأثيرات الأدوية لها أثرٌ ملموس على الطريقة التي تستجيب بها أجسادنا وعقولنا. ومن هذا المُنطلَق، تؤدِّي مواقفنا الذهنية إزاءَ فاعلية الأدوية إلى تحسُّن حالتنا فعليًّا. لكن هذه إنما واحدة من الطرق التي تؤثِّر بها طريقةُ تفكيرنا على الاستجابة الفسيولوجية لأجسادنا.

في تجربة قوية للدلالة على تأثير طريقة التفكير، طلب الباحثون من المشاركين تذوُّق نوعين مُختلفَين من شراب الحليب بنكهة الفانيلا الفرنسية.9 قيل لبعضهم إنَّ شرابهم الأول كان شرابًا للحمية يُسمى «سينسي شيك»؛ وقيل لهم إنه لا يحتوي على دهون ولا سُكر إضافي ولا يحتوي إلا على ١٤٠ سعرًا حراريًّا. أُخبر بقية المشاركين أن هذا الشراب كان نوعًا من الحلوى يُدعى «إندالجنس» (متعة)؛ وقيل لهم إنه يحتوي على نسبة كبيرة من الدهون والسُّكر و٦٢٠ سعرًا حراريًّا. وبعد أسبوع، عاد المشاركون جميعًا وتذوَّقوا ما قيل لهم إنه شراب الحليب الآخر.

بالطبع كان الشرابان متطابقين.

بعد أن انتهى المشاركون من الشراب، قاس الباحثون مستوى الجريلين في أجسامهم. يُثير الجريلين الشعورَ بالجوع؛ أي إنه كلَّما ارتفع مستوى الهرمون زاد الجوع. من ثمَّ فإننا بعد أن نتناول وجبةً دسمة، ينخفض مستوى الجريلين، فكأنه يقول للجسم: «لقد تناوَلت ما يَكفي من الطعام.»

figure
شكل : صورة سينسي شيك تصِفُ الشرابَ بأنه صحي ومُنخفِض السعرات؛ أما صورة إندالجنس فهي تصِف الشرابَ نفسَه بأنه حلوى عالية السعرات. (Crum, A. J., Corbin, W. R., Brownell, K. D., & Salovey, P., Mind over milkshakes: Mindsets, not just nutrients, determine ghrelin response. Health Psychology, 30(4), 424-429, 2011, APA, reprinted with permission.)

كما توقَّع الباحثون، ظهر لدى الناس الذين اعتقدوا أنهم قد تناولوا مشروبًا عالي السعرات انخفاضٌ كبير في مستويات الجريلين — أكثر ثلاث مرات تقريبًا عن مستوياته حين اعتقدوا أنهم قد احتسَوا شرابًا للحمية. مجرَّد الاعتقاد أنهم قد استهلكوا سعراتٍ أكثر أدَّى إلى تغيرات في الاستجابة الفسيولوجية للجسم — وانخفاض هائل في الشعور بالجوع.

لم تختبِر هذه الدراسة الخاصة بشراب الحليب سوى الآثار القصيرة المدى لطريقة التفكير. لكن ظهر في أبحاث أخرى أن طريقةَ تفكيرنا من الممكن أن تؤدي إلى تغيراتٍ فسيولوجية جذرية وممتدة في أجسامنا. فقد طلب الباحثون على سبيل المثال من بعض النساء اللواتي يعملن في تنظيف غرف الفنادق المشاركةَ في دراسةٍ حول فوائد التمارين.10 فحصلت النساء جميعهن على معلوماتٍ حول أهمية الانخراط في نشاطٍ بدني منتظِم من أجل الحفاظ على الصحة. بعد ذلك، أُخبرت نصف النساء أيضًا بأن ما يَقُمن به من تنظيف غرف الفنادق كان نشاطًا كافيًا بالفعل لتلبية المتطلبات التي يحثُّ عليها وزير الصحة. فقد قيل لهنَّ مثلًا إن تغيير البياضات لمدة ١٥ دقيقة يحرق نحو ٤٠ سعرًا حراريًّا، وأن التنظيف بالمكنسة الكهربائية لمدة ١٥ دقيقة يحرق نحو ٥٠ سعرًا حراريًّا.

لم تُخبَر النساء في المجموعة الأخرى بهذه المعلومة.

ثم عاد الباحثون إلى الفندق بعد أربعة أسابيع لقياس أيِّ تغيُّرات ربما تكون قد طرأت على الحالة الصحية للنساء، ومنها الوزن ودهون الجسم وضغط الدم. اكتشفت الدراسة أن مجرد إخبار الناس بأنهم يمارسون نشاطًا رياضيًّا قد أدَّى بالفعل إلى تحسُّن الحالة الصحية. بعبارة أدق، أولئك النساء اللواتي قيل لهنَّ إن عملهن بالتنظيف يأتي في عِداد النشاط البدني الموصى بمُمارسته يوميًّا ظهر لديهن انخفاض في الوزن وضغط الدم ودهون الجسم ونسبة الخَصر إلى الورك ومؤشر كتلة الجسم، مقارنة بالنساء اللواتي لم يُخبَرن بتلك المعلومة.

كيف حدث هذا؟ الباحثون لا يَدرُون على وجه التحديد. هل انخرطَت النساء اللواتي قيل لهن إن عملهن في التنظيف يُحسَب نشاطًا بدنيًّا، في تلك الأعمال بهمةٍ أكبر؟ هل أدَّى اطمئنانهنَّ المستجد إلى أنهن كنَّ في الواقع يلبين إرشادات النشاط البدني اليومي الموصى بها إلى إدخال تغييرات أخرى في سلوكياتهن في الغذاء والتمارين؟ رغم أن الآليات التي تُفسِّر ما كان من فوائد محسنة ليست معروفة بعينها، فإن هذه النتائج تشير ببساطة إلى أنه من الممكن أن يؤدي تغيير المواقف الذهنية لدى الناس إزاء نشاطهم إلى نتائجَ أفضلَ من الناحية الصحية. وكما تُشير إلين لانجر، أستاذة علم النفس في جامعة هارفارد ومؤلفة هذه الدراسة: «أعتقد أن الدراسة تكشف عن أننا نملك السيطرة على أدائنا نفسيًّا وبدنيًّا أكثرَ بكثير مما يظن أغلبنا.»

لماذا يشعر الأشخاص الإيجابيون بضغط نفسي أقلَّ ويتمتعون بصحة أفضل

كما ذكرنا في مستهل هذا الفصل، فإن للطريقة التي نرى بها الضغط النفسي أكبرَ الأثر على صحتنا الجسدية. فالذين يرون الضغط النفسي ضارًّا ومُوهنًا تظهر لديهم مستوياتٌ أعلى من الكورتيزول، هرمون الضغط النفسي، استجابةً للمواقف الصعبة. وهذه الاستجابة الفسيولوجية من الممكن أن تؤدِّي مع الوقت إلى تبعاتٍ سيئة على الصحة، منها ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والأوعية الدموية.

لكن ليس الشعور بالضغط النفسي وحده ما يؤثِّر على الصحة — فمجرَّد الاعتقاد أن الضغط النفسي سيُؤثر على الصحة يؤثر عليها هو الآخر! في إحدى الدراسات طلب الباحثون من نحو ٢٥ ألف شخص تقييمَ مستوى الضغط النفسي لديهم في المجمل خلال العام المنصرم ولأي درجة يعتقدون أنه أثَّر على صحتهم — سواء كان قليلًا، أو بقدرٍ مُتوسِّط، أو بدرجة كبيرة.11 الأشخاص الذين أفادوا بأنهم عانوا الكثيرَ من الضغط النفسي والذين كانوا يعتقدُون كذلك أن للضغط النفسي تأثيرًا كبيرًا على صحتهم كان احتمال وفاتهم خلال الأعوام الثمانية التالية أكبرَ بنسبة ٤٣ في المائة. على النقيض، الأشخاص الذين تعرَّضوا للكثير من الضغط النفسي لكن من دون الشعور بأن له تأثيرًا بالغًا على الصحة لم يكونوا أكثرَ عرضة للموت من الذين تعرَّضوا لمستوياتٍ دُنيا أو متوسطة من الضغط النفسي.
تدُل هذه النتيجة على أن التعرُّض لمستوياتٍ مرتفعة من الضغط النفسي ليس بالضرورة ما يَرفع احتمال حدوث الوفاة وإنما ارتفاع مستوى الضغط النفسي مع الاعتقاد بأن الضغط النفسي يؤدي إلى نتائجَ سلبية على الصحة. بل إنَّ الأشخاص الذين يعتقدون أن الضغط النفسي يؤثِّر على الصحة «تأثيرًا كبيرًا أو حادًّا» عرضةٌ للموت بالنوبة القلبية أكثرَ مرتين من أولئك الذين لا يعتقدون ذلك.12
على الصعيد الآخر، أولئك الذين يمضون في الحياة بنظرةٍ إيجابية لا يشعُرون بسعادةٍ أكبر فحسب، وإنما يتمتَّعون برفاه جسدي أفضلَ على كل المستويات تقريبًا.13 فإنهم يعانون أعراضًا جسديةً أقلَّ، على غِرار السُّعال والإعياء والتهاب الحلق، ويتعافَون من الجراحات أسرعَ وبآلامٍ أقلَّ. ولديهم معدلات أقلُّ من الإصابات بالأمراض البسيطة والخطيرة، مثل الربو والإنفلونزا والقُرَح وضغط الدم المرتفع والسكري، بل وحتى السكتات ومرض القلب التاجي. وقد تجدر الإشارة هنا إلى أن إحدى الدراسات أثبتَت أنه بين المريضات اللواتي يتلقين علاجًا كيماويًّا لسرطان المبايض، يظهر تراجعٌ أكبرُ في واسمات السرطان لدى أولئك اللواتي يتمتَّعن بدرجة عالية من التفاؤل.14
يتمتَّع الأشخاص الذين يمضون في الحياة بنظرة إيجابية بصحةٍ أفضلَ لأنهم من ناحيةٍ يشعرون بضغط نفسي أقل. فحين يواجهون ظروفًا حياتية صعبة، يتصدَّون لها مستخدمين آلياتٍ للتأقلم — بمعالجة المشكلات مباشرةً، والبحث عن الدعم الاجتماعي، والعثور على الجانب الإيجابي، وما إلى ذلك. التعامل مع الضغط النفسي بأسلوبٍ استباقي يُقلِّل من آثاره واستنزافه للجسم.15 وبناءً على ذلك، فإن الناس الذين ينتهجون تلك الأساليب ويرون النصف الملآن من الكوب يتمتعون بأجهزةِ مناعة أقوى؛ ومن ثَم فإنهم أكثر قدرة على مقاومة أشكال العدوى الخفيفة.
في إحدى الدراسات، قاس الباحثون مستوى السعادة لدى ١٩٣ شخصًا من البالغين الأصحاء، ثم وضعوا في أنوفهم قطرات من سائلٍ يحتوي على فيروس الزكام، بموافَقة من المشاركين.16 (تذكَّر أن الزكام ليس خطيرًا على الأشخاص الأصحاء.) بعد ذلك، ظلَّ المشاركون على مدار الأسابيع الأربعة التالية يُعطون تقاريرَ عن أعراضهم المتصلة بالبرد، مثل السعال والعطس ورشح الأنف وما إلى ذلك. رغم أن المشاركين كلَّهم كانوا قد تعرَّضوا لفيروس الزكام مباشرةً، فإن الزكام لم يصِبهم جميعًا. فقد كشف الأشخاص ذوو النظرةِ الأكثر إيجابية بوجه عام عن إصابتهم بأعراضِ زكام أقل، وكانوا أقلَّ عرضة للإصابة بالزكام من الأساس. وظلت هذه النتائج صحيحة حتى حين وضع الباحثون في الحسبان المتغيراتِ الأخرى التي من الممكن أن تؤثِّر على الحساسية للمرض، مثل السن والجنس وكتلة الجسم والحالة الصحية العامة.

تأثير إعادة تأطير الضغط النفسي

حين كنتُ في أوائل العشرينيات من العمر، ثُقِب إطار سيارتي أنا وبارت صديقي أثناء القيادة على طريقٍ سريع قرب وسط مدينة أتلانتا. وفي الحال انتابني الذُّعر — إذ كان هذا قبل أن يصير مع كل شخص هاتفٌ محمول بزمن طويل. خشيت أن نظلَّ عالقين لساعات. خشيت أنني سأُضطر إما للسير وحدي لآتيَ بالنجدة أو البقاء بمفردي مع السيارة. خشيت أن يومنا بأكمله قد أفسده عُطْل السيارة.

بينما كان بارت يقف بالسيارة على جانب الطريق، رُحت أبوح بمخاوفي المتعدِّدة. فنظر إليَّ متعجِّبًا وقال: «سوف أغيِّر الإطار فحسب — لن يستغرق الأمر سوى بضع دقائق.»

ما رأيته مشكلةً كبرى رآه بارت إزعاجًا بسيطًا. فقد غيَّر الإطار، وصرنا على الطريق خلال ١٥ دقيقة تقريبًا. (عندئذٍ قرَّرت أن أتزوج هذا الرجل؛ وأصبح زوجي الآن.)

وإليكم مثالًا شخصيًّا آخرَ على ما لطريقةِ التفكير من أهمية. كانت الصحافة العامة قد أفردت عددًا لا حصرَ له من المقالات للحديث عن الضغط المتزايد الذي يشعر به الأطفال حين يَخضعون لاختبارات مصيرية، وشكا العديدُ من المعلمين والآباء هذه الاختباراتِ. حتى إن الأهالي في بعض المناطق أخرجوا أبناءهم من المدارس أيام الاختبارات. لذلك حين كان ابني روبرت متجهًا إلى المدرسة في أول يوم لذلك الاختبار، سألته عما يشعر به. فابتسم وقال: «إنني أحب الاختبارات — إن هذا أفضلُ أيامِ العام!» (من الواضح أنه يُشبه أباه.)

حين سألت روبرت لماذا هو يوم طيِّب، أجاب قائلًا: «يكون الهدوء شديدًا. ويظلُّ الكل يكتبون فحسب، ولا أحد يتحدَّث. ثم نحصل على حلوى.»

قد يرى العديد من الناس الاختبارات المصيرية مثيرةً للضغط النفسي والقلق، بل وكثيرًا ما يرونها كذلك. أما روبرت، وهو شخص انطوائي؛ فالاختبار يمنحه استراحةً يرجوها بشدة من الفوضى العارمة للمدرسة. حيث الجميع صامتون ويقرءون ويملئون الفراغات في أوراق الأسئلة. كما أنه توجد حلوى في النهاية، على حدِّ قوله. فماذا عساه لا يروق له؟

تؤكد هذه الحكايات ما يُخبرنا به الكثير من الأبحاث العلمية: يتفاعل الناس المختلِفون مع نفس الأشياء بطرقٍ مختلِفة.

يرى الكثير من الناس الضغطَ النفسي شيئًا سلبيًّا لا بد من تحاشيه؛ لأنه يؤدي إلى عواقب رديئة — درجات متدنية في الاختبارات لدى الأطفال، وإنهاك وظيفي لدى الموظفين، و«خسارة بطولات» لدى الرياضيِّين. وللأسف فإن رؤية الضغط النفسي على نحوٍ سلبي تزيد من الجزع وتُخِلُّ بالأداء، فتحقِّق ما كان يخشاه المرء، بسبب طريقة التفكير هذه على وجه التحديد.

لكنَّ هناك أناسًا يرون الضغطَ النفسي جزءًا عاديًّا من الحياة اليومية ويواجهونه بطريقة تفكير إيجابية باعتباره شيئًا مثيرًا محفِّزًا ويُعطي الجسمَ طاقةً إضافيةً للاستجابة بفاعلية لمختلِف التحديات. وكما قد تتوقَّعون، غالبًا ما ينتهي الحال بالناس الذين يتخذون هذا النوع من المواقف الذهنية بنتائجَ أفضل. هؤلاء هم الناس الذين يُبدعون تحت الضغط وحين يكون القرار مصيريًّا.

تقييم طريقة تفكيرك إزاء الضغط النفسي

إنني متأكِّدة أنك الآن تتساءل عن نفسك. حسنًا، إنك محظوظ؛ لأن الباحثِين آليًّا جيه كرام وبيتر سالوفي وشون آكر ألَّفوا اختبارًا ذاتيًّا ليُقيِّم به المرء طريقةَ تفكيره عند الضغط النفسي.17 لحساب درجاتك، ضع علامةً على الرقم الذي يَعكِس مقدارَ موافقتك أو رفضك لكل عبارة من العبارات الثماني التالية. إجمالي الدرجات:

اجمع حاصلَ درجاتك عن كلِّ مجموعة من النقاط الأربع على حدة. كلما كان إجمالي درجاتك عن أولِ أربع نقاط مُرتفعًا، كانت طريقة تفكيرك عند الضغط النفسي أشدَّ سلبية. وكلما كان إجمالي درجاتك عن المجموعة الثانية من النقاط الأربع مرتفعًا، كانت طريقةُ تفكيرك حيالَ الضغط النفسي أكثرَ إيجابية.

الآن وقد صار لديك صورةٌ عن الطريقة التي ترى بها الضغط النفسي، فلتعلم أنه بإمكانك أن تغيِّر من طريقة تفكيرك إلى الأفضل أو الأسوأ، بصرف النظرِ عن درجاتك. إن فهْمَ دور طريقة التفكير في التأثير على رؤيتك للضغط النفسي هو الخطوة الأولى على طريق تعلُّمك الكيفيةَ التي تراه بها وتُعيد صياغتَه بأسلوبٍ جديد أكثرَ إيجابية.

ما هي خلاصة القول؟

لا سبيلَ لتحاشي الضغط النفسي. كلُّنا نمرُّ بمتاعبَ يومية مزعجة، مثل الاضطرار للانتظارِ في صف طويل، والتعامل مع زملاء مُزعجين في العمل، والشعور بالإنهاك من قائمةِ واجباتٍ لا تنتهي. لا يمكن أن نَمحو كلَّ ما يُسبِّب الضغطَ النفسي من حياتنا. لكننا نملِك الكثيرَ من السيطرة على الطريقة التي نرى بها ما يواجهنا من تحدياتٍ أو الطريقة التي نَصوغها بها. إليكم بعض الاستراتيجيات التي يمكن أن تُجرِّبوها للتعامل مع هذا الضغط النفسي بطرقٍ أفضلَ وتقليل آثاره السلبية على الجسم.

الاسترخاء

يؤدي الضغط النفسي إلى تبعاتٍ سيئة على الصحة لأنه يُحدِث استثارةً فسيولوجية تؤدِّي إلى استنزافِ الجسم مع الوقت. لكن التعوُّد على إبطال الاستجابة الطبيعية للجِسم تجاه التحديات من الممكن أن يُساعدَ على الحدِّ من الاستثارة، وبذلك يحول دون الآثار السلبية للضغط النفسي، أو يحدَّ منها على الأقل. تعلُّم أساليب تهدئة الذهن والجسم من الممكن أن يُسهِم إسهامًا كبيرًا في تقليل الآثار السلبية للضغط النفسي على ضغط الدم ومعدَّل نبضات القلب وتقلُّص العضلات.18
أساليب التنفُّس العميقِ من مناهج الاسترخاء البسيطة التي تهدف إلى مساعَدة الناس على إعادة أجسادهم لحالة من الراحة والاسترخاء. خلال أوقات الضغط النفسي، يَصير معدَّل تنفُّسنا بطبيعةِ الحال أسرعَ وأقل عمقًا. لكنَّ إمعان التركيز على التنفُّس بعمقٍ وملء الرئتين بالأكسجين يساعد الجسمَ بأكمله على الاسترخاء، وبذلك يحدُّ من الاستثارة. فالجنود الذين يعودون من الخدمة في الحرب ومعايشة صدمات القتال يُبدون مستوياتٍ أدنى من القلق بعد أسبوع واحد فقط من التمرين المكثَّف على التنفس.19

عند استخدام أسلوب انبساط العضلات التدريجي، يركِّز الناس على قبض كل جزء من الجسم عمدًا ثم بسطه (اليدين والكتفَين والساقين … إلخ) واحدًا تلوَ الآخر. وهذا يساعد الناس على تعلُّم التمييز بين حالة الانقباض وحالة الاسترخاء، وهو مفيد جدًّا من أجل الحفاظ على الهدوء في أي موقفٍ مُثير للضغط النفسي تقريبًا.

التخيُّل الموجَّه هو نوع محدَّد من أساليبِ الاسترخاء التي تقرن بين الاسترخاء الشديد للعضَلات وصورةٍ مبهجة محدَّدة. يهدف هذا النهج إلى مساعدةِ الناس على الاسترخاء جسديًّا وتركيز أذهانهم على شيء غيرِ مُسبِّبات الضغط النفسي على وجه الخصوص.

بل ومن الممكن أن يساعد التدرب على أساليب الاسترخاء الناسَ على السيطرة على الضغط النفسي الناشئ عن مُسبِّباتٍ بالغة الخطورة، بل وتُهدِّد حياتهم. فعلى سبيل المثال، النساء المصابات بسرطان الثدي اللواتي يتلقَّين تدريبًا على الاسترخاء يُفدن بمستوياتٍ منخفِضة من الاكتئاب، والمصابون بمرض القلب التاجي الذين يتلقون تدريبًا على الاسترخاء أقل عرضة للدخول في نوبة قلبية بعده.20

إذا وجدت نفْسك تشعر بضغطٍ نفسي دائم إزاء الأمور الصغيرة أو الكبيرة في حياتك، تعلَّم الاستراتيجياتِ التي تُساعد على تهدئة جسمك — وذهنك. يوجد على الإنترنت العديدُ من أساليبِ ممارسة الاسترخاء. كما أنني في الفصل الثامن، «غيِّر سلوكك لتتغيَّر به طريقة تفكيرك»، سأشرح التأمُّل، وهو استراتيجية خاصة من استراتيجيات الاسترخاء التي تؤدِّي إلى رفاهٍ أفضلَ نفسيًّا وجسديًّا.

غيِّر طريقة تفكيرك حيالَ الضغط النفسي

دائمًا ما نرى التأثيرات السَّلبية للضغط النفسي على رفاهنا الجسدي والنفسي متجسِّدة في مجتمعنا. لكنَّنا لسنا مجبرين على التأثُّر بهذه الرسائل. إذ نستطيع بدلًا من ذلك أن نختار إعادةَ تشكيلِ الطريقة التي نرى بها التحديات التي نُواجهها، ونتبنَّى طريقةَ تفكير أكثرَ إيجابية إزاء الضغط النفسي.

الأشخاص الذين يَمضون في الحياة بنظرةٍ إيجابية، مهما قابلتهم الحياة بمُكدِّرات، يؤدُّون هذا النوع من إعادة النظر فطريًّا، وهي آلية جيدة نوعًا ما لتقليلِ الآثار السلبية لتلك التجارب.21 يُوضِّح ذلك أيضًا لماذا هم أقل عرضة للإصابة بالاكتئاب بعد الأزمات التي تَعصِف بحياتهم.22
بيْد أن مجرَّد تغيير الطريقة التي ترى بها الضغط النفسي من الممكن أن يكون له أثرٌ كبير. فالناس الذين يتعلَّمون استراتيجياتٍ للتفكير في الضغط النفسي بأسلوبٍ أكثر تكيُّفًا — باعتباره مصدرًا للطاقة والإلهام، وليس متعبًا ومُستنزفًا فقط — يَبدون بحالة نفسية وجسدية أفضل. فمثلًا طلبة الجامعة الذين يطَّلعون على فوائدِ الضغط النفسي، مثل أن الضغط النفسي يزيد الاستثارة فيؤدي بذلك لأداءٍ أكاديمي أفضل، يُظهِرون مستويات أدنى من القلق من مادة الرياضيات ويحصلون على درجاتٍ أفضل فيها.23 يُقلِّل هذا النوعُ من إعادة الرؤية من الضغط النفسي القلبي الوعائي واستنزافه العام للجسم.
وإليكم مثالًا بسيطًا على الفوائد العملية لتغيير طريقةُ تفكيرنا إزاء الضغط النفسي. كلَّف الباحثون في إحدى الدراسات الموظَّفين في مؤسسةٍ مالية كبيرة بمشاهَدة واحدٍ من اثنين من الفيديوهات.24 فشاهدت مجموعةٌ من الناس فيديو حول استنزاف الضغط النفسي؛ حيث وصف هذا الفيديو جوانبَ ضارة شتَّى للضغط النفسي، منها أنه يسفِر عن أداءٍ هزيل في العمل وتبِعات سلبية على الصحة. وشاهدت المجموعة الأخرى فيديو عن الأثر التحفيزي للضَّغط النفسي؛ إذ وصف هذا الفيديو فوائدَ الضغط النفسي في تعزيز الإبداع والإنتاجية وجهاز المناعة.

وكما توقَّع الباحثون، كشف الأشخاص الذين شاهدوا فيديو الأثر التحفيزي للضغط النفسي عن فوائدَ كبرى. إذ أدلوا بتحسُّن أدائهم في العمل، وأفادوا بمستوياتٍ أدنى من القلق والاكتئاب.

إننا لا نملك السيطرةَ على ما تضعه الحياة في طريقنا، لكن بإمكاننا جميعًا أن ندأب على إعادةِ رؤية المواقف الصعبة باعتبارها تحديات، وليس تهديدات. ولهذا التحوُّل في طريقة التفكير فوائدُ كبرى لصحتنا النفسية والجسدية.

تعوَّد الرِّفق بالذات

إحدى أسهل الطرق التي نستطيع بها السيطرةَ على الضغط النفسي، مع الحد من آثاره السَّلبية على الصحة، هي أن نمنح أنفسنا مهلةً فحسب. كما أوضحت في الفصل الأول، الأشخاص الذين لديهم مستوياتٌ مرتفعة من الرفق بالذات، وأقصد هنا المَيل إلى معاملة النفس بحنانٍ وعطف، يرون الأحداثَ السَّلبية رؤيةً أقل فظاعة.25 فإنهم أقلُّ مَيلًا للوم أنفسِهم عند وقوع الأحداث الرديئة، وهو ما يُقلِّص بدوره من شعورهم بالضغط النفسي.
إن الأشخاص الذين يلتمسون لأنفسهم الأعذارَ عند وقوع الأحداث السيئة أفضلُ قدرة أيضًا على مقاومة الأمراض البسيطة والخطيرة. للتحقُّق من فوائدِ الرفق بالذات على الحالة الصحية في إحدى الدراسات، طلب الباحثون من الناس تقييمَ تقبُّلهم لعيوبهم وأوجه قصورهم ثم الخضوع لاختبارٍ للضغط النفسي.26 بعد ذلك قاسُوا مستوى الالتهاب لدى المشاركين، وهو واسمٌ فسيولوجي للضغط النفسي مرتبِط بأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان وألزهايمر.

وقد كشفت النتائج التي توصَّلوا إليها أن الأشخاصَ المتدنيين في مستوى رفْقهم بذواتهم لديهم مستوياتٌ أعلى من الالتهاب حتى قبل الخضوعِ لاختبار الضغط النفسي، مما يُشير إلى أن هؤلاء الأشخاص في الأساس يَمضون في الحياة شاعرين بقدرٍ أكبرَ من الضغط النفسي. كذلك ظهر لدى الأشخاصِ القليلي الرِّفقِ بذواتهم مستوياتٌ أعلى من الالتهاب بعد اختبارِ الضغط النفسي، وهو ما يشير إلى أنهم يتفاعلون بطرقٍ سلبية مع مكدِّرات الحياة اليومية. ومن الممكن مع الوقت أن يؤثِّر افتقارهم للرِّفق بالذات سلبًا على حالتهم الصحية، بل وأعمارهم أيضًا.

ولذا، إليكم طريقة سهلة لتصير أكثرَ سعادة وبحالة صحية أفضل: التمسْ لنفسِك بعض الأعذار. فلتغفِر لنفسِك، واعطفْ عليها، وعامِلها بعناية وحنان.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤