الفصل السابع

مآثر الأمير عمر طوسون على الجمعية الزراعية الملكية، وجهاده لتنشيط النهضة الزراعية والصناعية

في الجمعية الزراعية الملكية

تأسَّسَت الجمعية الزراعية الملكية في سنة ١٨٩٨. كان أوَّل من يعودُ إليه الفضل في إنشائها المغفور له السلطان حسين كامل. ولكن في سنة ١٩٣٢ اختير لرئاستها ساكن الجنان المغفور له الأمير عمر طوسون، وظلَّ في هذا المنصبِ الرَّفيع طوال اثني عشر عامًا إلى أن اختاره الله إلى جواره الكريم.

figure
ساكن الجنان المغفور له السلطان حسين كامل.

رأي سموه بثاقب نظره أن الزراعة هي عمادُ ثروة البلاد، وأن الفلاح هو عماد هذه الزراعة؛ فعمل على النهوض بها، وامتدَّت عنايته فشمل الفلاح بالرعاية والعطف. وفي ذلك يقولُ صاحب السَّعادة فؤاد أباظة باشا — المدير العام للجمعية الزراعية — الذي تربطني به وبأعضاء الأسرة الأباظية الكرام صلات المودَّة والإخاء، وخدماتهم للبلاد معروفة، يقول — وحديثه هو اليقين:

«كان سموُّ الأمير عمر شديد العناية بترقية الزراعة، شغوفًا بها إلى أقصى حدٍّ، مُحبًّا لأهلها. فوصلت بذلك مزارعه من الخصب والنماء — بعد أن تعهدتها يده بالإصلاح والتعمير — إلى حدٍّ يدعو إلى الاغتباط.»

ويقول أيضًا وهو يعدِّدُ مناقب سموه:

«إنَّه قد أقام العلاقة بينه وبين المستأجرين لأراضيه على أساسِ التعاون، مع مُراعاة صالح العمَّال والمستأجرين. وقد رأى بسديد فكره أن مساكن الريف في حاجةٍ إلى التهذيب وكفالة الوسائل الصحيَّة؛ فأنشأَ قُرًى جديدة في مزارعه تتوافَرُ فيها الشرائط الصحيَّة، زُوِّدت بجميع المرافق التي جعلت منها بيئة اجتماعية صالحة: من مدارس، ومساجد، وحوانيت، وغيرها. ومنها كفر بساط وميت زنقر.

ومن أعماله أنه وضع لموظفي دائرته نظمًا تكفل راحتهم، واطمئنانهم في حياتهم، وعلى ذرياتهم بعد وفاتهم، فكان يرعاهم في شتَّى المناسبات، ويعمل على تيسير السُّبُلِ لتثقيف أبنائهم، والإنفاقِ على النُّجَبَاءِ منهم في مراحل تعليمهم.»

figure
صاحب السعادة فؤاد أباظة باشا المدير العام للجمعية الزراعية الملكية.

أفضاله على الجمعية الزراعية

منذ أنشئت الجمعية الزراعية الملكية منذ أكثر من ٤٦ سنة وسموُّه عضوٌ فيها، وقد تقلَّدَ منصب وكالتها في سنة ١٩٠٧، ثمَّ تولَّى رئاستها ١٩٣٢، خَلَفًا لمُؤسِّسِها ساكن الجنان المغفور له السلطان حسين كامل، ونجله المغفور له الأمير كمال الدين — طيب الله ثراهما، وجعل مثواهما الجنة.

ولا ريبَ أن الجمعية الزراعية قد اتَّسَعَ نطاقها، وتعدَّدَت خدماتها للبلاد في عهده وبهمَّة مديرها وأعضائها الكرام، بحسن توجيهات سمو الأمير عمر. وتمتاز هذه الفترة التي تولَّى فيها سموه رئاسة الجمعية بأنها فترة إصلاح وإنشاء وتجديد وتعمير مُستمِرٍّ.

وقد كانت عناية الأمير بالزراعة، تُعادِلُ اهتمامه بالصناعة. وهذه المباني الفخمة والقصور الشَّامخة، ودور المعرض المصري للصناعات القائمة على أرض الجزيرة الجميلة ناطقة بأفضاله؛ فقد كان سموه مُشجِّعًا للصناعة، مُنشِّطًا للصناع، دائم الالتفات لكلِّ ما يكفل لهم التقدم المطرد؛ ممَّا جعل لعهده في رياسة الجمعية أمجدَ مكان وأكبر أثر.

مبادئه في الجمعية وصلاته بأعضائها

ومن الأجدى أن نُسجِّل هنا ما قاله سعادة فؤاد أباظة باشا عن هذه الناحية؛ إذ يقول:

«لقد خَطت الجمعية في عهد سمو الأمير عمر — رحمه الله — خطوات واسعة نحو التقدم، بكريم إرشاداته؛ فنمَت ماليتها، وعظم نشاطها، واتسعت مباحثها الفنية؛ من كيميائية ونباتية وحشرية وتربية حيوان، وزادت تجاربها الزراعية على مُختلف المحاصيل؛ لإفادة الزُّرَّاع من تلك المباحث. وفي عَهدِهِ تمَّت المباني الفخمة في أرض المعرض بالجزيرة، كما أنشأت الجمعية باقي العزب النموذجية في تفتيش بهتيم، وزوَّدته بوحدةٍ صحيَّةٍ، وزادت في مساحته حتَّى بلغت ٥٠٠ فدان، وساهمت في عهده في كثيرٍ من نواحي النشاط العلمي والاجتماعي والاقتصادي، وعاونت كثيرًا من الهيئات والمعاهد العلمية، وشجَّعَت كثيرًا من المشروعات الأدبية، وقَامت بنشر بعض المؤلَّفات النَّافعة على نفقتها مثل كتاب «قوانين الدواوين لابن مماتي» وكتاب «الأحوال الزراعية في مصر أثناء الحملة الفرنسية». وفي عهده كذلك أُقيم المعرض الزراعي الصناعي في سنة ١٩٣٦ على حالٍ من الفخامة لم يعهده الشرق من قبل، بفضل اهتمامه بالحركة الصناعية وتقدم مصر الصناعي.

أمَّا صلته بأعضاء مجلس إدارة الجمعية، فكانت على أتمِّ ما تكونُ من الودِّ والصفاء، وكان له مكان التبجيل والحبِّ في نفوسهم. وكانت المناقشات والمباحثات تدورُ دائمًا في جوٍّ هادئٍ، وتصدر القرارات بعد البحث والرويَّة وحريَّة الفكر والاقتناع.

وكانت هذه الروح نفسها تُحدِثُ أثرها بين موظفي الجمعية؛ فكان العمل الإداري سائرًا على أكملِ وجه. والواقع أن كلَّ شيءٍ كان يسيرُ تحت إشراف سموِّه على أسس من النظم المتينة ومبدأ الشورى.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤