الفصل السابع عشر

كتابات الحمراء

تقرأ في قصر الحمراء كثيرًا من الآيات والمواعظ والأشعار زبرت على الحجر أو بالجص بالخط الأندلسي المشبك، وهو أقرب إلى النسخ المتعارف في هذه البلاد الشرقية منه بالخط المغربي، ومما تقرؤه على أحد الأبواب: «أمر ببناء هذا الباب المسمى بباب الشريعة أسعد الله به شريعة الإسلام كما جعله فخرًا باقيًا على الأيام مولانا أمير المسلمين السلطان المجاهد العادل أبو الحجاج يوسف ابن مولانا السلطان المجاهد المقدس أبي الوليد ابن نصر كافي الله في الإسلام صنائعه الزاكية، وتقبل أعماله الجهادية، فشيد ذلك في شهر المولد المعظم من عام تسعة وأربعين وسبعمائة، جعله الله عزة واقية، وكتبه في الأعمال الصالحة الباقية.»

ومنها: «الملك الدائم والعز القائم» ومنها: «الحمد لله على نعمة الإسلام» ومنها: «عز لمولانا، أي عبد الله» ومنها: «ولا غالب إلا الله» ومنها: وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ومنها: «النصر والتمكين والفتح المبين لمولانا أبي عبد الله أمير المسلمين» ومنها: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ومنها: فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

ومن الأبيات التي رُسمت على إحدى القباب في مدح أبي الحجاج يوسف الأول:

تبارك من ولاك أمر عباده
فأولى بك الإسلام فضلًا وأنعما
فكم بلدة بالكفر صبحت أهلها
وأمسيت في أعمارهم متحكما
وطوقتهم طوق الإسار فأصبحوا
ببابك يبنون القصور تخدما
وفتحت بالسيف الجزيرة عنوة
ففتحت بابًا كان للنصر مبهما

•••

ولو خير الإسلام فيما يريده
لما اختار إلا أن تعيش وتسلما

إلى أن قال:

فأمنت حتى من نفحة الصبا
وأرهبت حتى النجم في كبد السما
فإن رعشت زهر النجوم فخيفة
وإن مال غصن البان شكرك يمما

ومنها:

ومن قبلها استفتحت عشرين معقلًا
وصيرت ما فيها لجيشك مغنما

وكتب في قاعة السفراء:

أنا محلاة عروس
ذات حسن وكمال
فانظر الإبريق تعرف
فضل صدقي في مقالي
واعتبر تاجي تجده
مشبهًا تاج الهلال
وابن نصر شمس فلك
في ضياء وجمال
دام في رفعة شأن
آمنًا وقت الزوال

وكتب أيضًا:

وحكيت كرسي العروس وزدته
إني ضمنت سعادة الأزواج
من جاء يشكو الظماء فموردي
صرف الزلال العذب دون مزاج
فكأنني قوس الغمام إذا بدا
والشمس مولانا أبو الحجاج
لا زال محروس المثابة ما غدا
بيت الإله مثابة الحجاج

وكتب على القبة:

تحييك مني حين تصبح أو تمسي
ثغور المنى واليمن والسعد والأنس
هي القبة العليا ونحن بناتها
ولكن لي التفضيل والعز في جنسي
جوارح كنت القلب لا شك بينها
وفي القلب تبدو قوة الروح والنفس
وإن كان أشكالي بروج سمائها
ففي عدا ما بينها شرف الشمس

ومما كتب أيضًا على بركة صحن الأسود، وهو من نظم الوزير أبي عبد الله محمد بن يوسف بن زمرك تلميذ لسان الدين بن الخطيب:

تبارك من أعطى الإمام محمدًا
مغاني زانت بالجمال المغانيا
وإلا فهذا الروض فيه بدائع
أبى الله أن يلفى لها الحسن ثانيا
ومنحوتة من لؤلؤ شف نورها
تحلى بمرفض الجمان النواحيا
يذوب لحين سال بين جواهر
غدا مثلها في الحسن أبيض صافيا
تشابه جار للعيون بجامد
فلم ندر أيًّا منهما كان جاريا
ألم تر أن الماء تجري بصفحها
ولكنها مدت عليه المجاريا
كمثل محب فاض بالدمع جفنه
وغيض ذاك الدمع إذ خاف واشيا
وهل هي في التحقيق غير غمامة
تفيض إلى الآساد منها السواقيا
وقد أشبهت كف الخليفة إذ غدت
تفيض إلى أسد الجهاد الأياديا
فيا من رأى الآساد وهي روابض
عداها الحيا عن أن تكون عواديا
ويا وارث الأنصار لا عن كلالة
تراث جلال تستخف الرواسيا
عليك سلام الله فاسلم مخلدًا
تجدد أعيادًا وتبلي أعاديا

ومما كتب في إحدى القاعات أيضًا من نظم الوزير ابن زمرك:

أنا الروض قد أصبحت بالحسن حاليا
تأمل جمالي تستفد شرح حاليا
أباهي من المولى الإمام محمد
بأكرم من يأتي ومن كان ماضيا
ولله مبناه الجميل فإنه
يفوق على حكم السعود المبانيا
فكم فيه للإبصار من متنزه
تجد به (؟) نفس الحليم الأمانيا
تبيت له خمس الثريا معيذة
ويصبح معتل النواسم راقيا
به القبة الغراء قل نظيرها
ترى الحسن فيها مستكنًّا وباديا
تمد لها الجوزاء كف مصافح
ويدنو لها بدر السماء مناجيا
تهوي النجوم الزهر لو ثبتت بها
ولم تك في أفق السماء جواريا
ولو مثلت في ساحتيها وسابقت
إلى خدمة ترضيه منها الجواريا
ولا عجب إن فاقت الشهب في العلى
وإن جاوزت فيها المدى المتناهيا
فبين يدي مولاي قامت لخدمة
ومن خدم الأعلى استفاد المعاليا
بها البهو قد حاز البهاء وقد غدا
به القصر آفاق السماء مباهيا
وكم حلة قد جللته بحليها
من الوشي تنسي السابري اليمانيا
وكم من قسي في ذراه ترفعت
على عمد بالنور بانت حواليا
فتحسبها الأفلاك دارت قسيها
تظل عمود الصفح إذ لاح باديا
سواري قد جاءت بكل غريبة
فطارت بها الأمثال تجري سواريا
به المرمر المجلو قد شفت نوره
فيجلو من الظلماء ما كان داجيا
إذا ما أضاءت بالشعاع تخالها
على عظم الأجرام منها لآليا
فلم نر قصرًا منه أنعم نضرة
وأعطر أرجاء وأحلى مجانيا
مصارفه النقدين منه بمثلها
أجاز بها قاضي الجمال التقاضيا
فإن ملأت كف النسيم مع الضحى
دراهم نور ظل عنها مكافيا
فيملأ حجر الروض حول غصونها
دنانير شمس تترك الروض حاليا

ومن الأبيات اللطيفة:

وجاد بها برد الهواء نسيمها
فصحت هواء والنسيم قد اعتلا
وقد حزت من كل المحاسن غاية
تقبس عنها الشهب في الأفق الأعلا
وإني بهذا الروض عين قريرة
وإنسان تلك العين حقًّا هو المولى

وفي الأندلس إلى اليوم على كثرة ما انتاب مصانعها وقلاعها ومدارسها وتربها وجسورها وسدودها من التخريب لا تزال ترى بعض كتابات من النظم والنثر، وبعضها مثال البلاغة والفصاحة؛ لأن الأندلسيين عاشوا وتنعموا في أرض معتدلة الهواء جميلة الطبيعة فلا بدع أن جادت القرائح على تلك النسبة، وظهرت في كتابهم وشعرائهم آثار الإبداع والإعجاب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤