الفصل السابع

كشكش تقليد

أنا كشكش تقليد!

وقد اشتركت مع الحاج مصطفى حفني، وقمت بالفرقة إلى سوريا ولبنان في أولى رحلاتنا الفنية. وقد رميت بهذه الرحلة أولا وقبل كل شيء، إلى الترويح عن نفسي بعدما لحق بي من أسى، وتجديد نشاطي الذي تضاءل، والتخلص مما حل بي من فتور وسقم.

ونزلنا في بيروت وكلنا آمال بالنجاح الذي ينتظرنا فيها.

ولكن بكل أسف ضاعت الآمال من الليلة الأولى، وبلينا بالكثير من الإخفاق الذي لم نكن نتصوره.

أما علة ذلك فهي أن الأستاذ أمين عطا الله (وقد كان ممثلا بفرقتي قبل ذلك بسنوات)، استطاع إذ ذاك أن ينسخ جميع رواياتي فألف فرقة من مواطنيه في سوريا، وعرض بضاعتنا كلها، ولم ينس أن يغتصب كذلك اسم (كشكش بك).

وأحب أن أنصفه فأقول إنه لم يأخذ الاسم على علاته، بل تصرف فيه من حيث الشكل فضم «الكافين» في بيروت وفتحهما في دمشق، في حين أنهما مكسورتان في مصر!

هذا هو كل التصرف الذي أدخله أمين عطا الله على عمدة كفر البلاص!

المهم أن الناس هناك اعتبروني مقلدا لكشكش بك الأصلي، الذي هو أمين عطا الله، وزاد الطين بلة أن هذا الكشكش بك كان سوريا، وقد مكنه ذلك من معرفة عادات مواطنيه، والوقوف على ما يرضيهم وما لا يرضيهم، فكان يؤدي لهم ما يرغبون كما يرغبون.

وهذه الرغبة أن القوم هناك يميلون إلى الكوميدي المفتعل، بمعنى أن الممثل يجب أن «يتمرمغ» في الأرض، أو يخبط دماغه في الحيط، أو … أو إلخ، وقد تعمق معهم أمين في هذا النوع، أما نحن فقد حافظنا على روح رواياتنا، وعرضناها مقتطعة من عادات الحياة المصرية، فإنها كانت بعيدة عن عادات إخواننا السوريين، ولذا أصبحت أنا كشكش «التقليد» في حين أضحى أمين عطا الله في نظرهم كشكش «الأصلي». وقد كنت أسمع بأذني بعض الناس هناك يقولون: «هايدا مانه كشكش، هايدا تقليد!» فكنت آخذ هذا الوصف في «أجنابي» فأقول في سري … سبحان مغير الكشاكش!

المهم لم تنجح الرحلة من الوجهة الفنية ولا من الناحية المادية، فقد كانت النتيجة أن الإيرادات والمصروفات كانا متوازيين، أي أن الميزانية كانت متوازنة فلم نخسر ولم نكسب هذا من الناحية العامة. أما من وجهة نظري الشخصية فقد كان هناك شيئا متناقضان، يدخل أحدهما في باب الخسارة والثاني في كفة الربح، فالخسارة كان مبعثها أن التسلية والترويح اللذين قصدت إليهما من الرحلة أتيا بنتيجة عكسية وزادا من همومي، وأما من ناحية الربح فلها قصة!

بديعة مصابني

في أول حفلاتنا هناك لفت نظري في المقصورة الأولى سيدة «بتلعلع» وقد ارتدت أفخم ملبس وتحلت بأبهى زينة.

لم أعرفها حقا، ولكنني تنبهت لوجودها وفي فترة الاستراحة بين الفصول، أدهشني أن وجدت هذه السيدة بذاتها تحضر لتحيتي وتهنئتي في حجرتي بالمسرح. ويظهر أنها لاحظت ما أنا فيه من ارتباك، فدفعها ذكاؤها إلى أن تعرفني بنفسها فقالت: «إلا أنت مش فاكرني والا إيه؟ أنا بديعة مصابني اللي قابلتك في مصر وكتبت وياك كنتراتو ولا اشتغلتش!».

وبعد أداء ما قضى به الواجب من أهلا وسهلا، وإزاي الصحة وسلامات، عرفت منها أن الدافع لها على هجر مصر، بعد أن اتفقت على العمل في فرقتي، هي أنها استرجعت للشام على عجل لأمور قضائية تتصل بعملها الفني هناك. وقد عرفت إذ ذاك أنها كانت تعمل بنجاح تام كراقصة وأن اسمها ذاع في أنحاء سوريا ولبنان.

كما أنها كانت قد اشتركت في فرقة أمين عطا الله، وحفظت الكثير من مقطوعاتنا الغنائية التي ورثها عنا أمين … ونحن على قيد الحياة. ثم سألتني السيدة بديعة: «هل إذا التحقت بفرقتك يكون لي نصيب من النجاح في التمثيل؟».

فأجبتها: «إنك لا تنجحين على المسرح فقط، بل إنني أتنبأ لك بمستقبل تصلين فيه إلى مراتب النجوم من أقرب طريق وفي أسرع وقت».

وفي تلك الليلة جددنا عقد الاتفاق على العمل، وانضمت بديعة إلى الفرقة، وظهرت معنا لأول مرة بمرتب شهري قدره أربعون جنيها مصريا.

وكان أول اشتراك فعلي لها معنا في بيروت حيث ظهرت في أدوار غنائية، فنالت ما كنت أوقن به من نجاح.

قضية

مكثنا في رحلتنا بسوريا ولبنان ثلاثة أشهر كاملة، فلما عدت إلى مصر، راعني أن أجد في انتظاري قضية مدنية رفعها ضدي المرحوم (ديموكنجس) صاحب تياترو الأجبسيانة الذي كنت أعمل فيه. وإليك موضوعها:

كان في ذمة «ديمو» لي مبلغ ستمائة جنيه كتأمين، فلما اتفقت على القيام بالرحلة تراضينا على أن أدفع له مبلغ خمسة جنيهات عن كل يوم من أيام تغيبنا في هذه الرحلة. إلا أنه انتهز فرصة غيابي فرفع هذه الدعوى مطالبا إياي بتعويض مالي لما سببته له من خسائر «بامتناعي» عن العمل في مسرحه! واخد بالك!! نهايته استمرت هذه المنازعات حوالي شهرين، وانتهت والحمد لله في مصلحتي!

وفي أوائل سنة ١٩٢٢ تقدمت إلي شركة سجاير ماتوسيان تعرض مشروعا للاتفاق معها على أن تعمل فرقتي ثلاثة أشهر في الإسكندرية لحسابها. وكانت طريقة الشركة أن تضع في علب سجايرها كوبونات يستطيع الزبون أن يقدمها لعامل شباك التياترو فيحصل بواسطتها على تنزيل.

وافقت على مشروع شركة ماتوسيان بالطبع، وبدأنا عملنا في تياترو كونكورديا بالميناء الشرقي بالإسكندرية، من أول شهر مارس وانتهى في مايو. وكانت هذه المدة فرصة استطاعت السيدة بديعة في أثنائها أن تحفظ أدوارا في رواياتي القديمة التي لم تكن يد السيد أمين عطا الله قد وصلت إليها، كما أن لهجتها السورية بدأت تنقلب في هذه الأشهر الثلاثة، وعدت إلى مصر، فشعرت بشيء غير قليل من الضيق، واحتل قلبي نوع من اليأس زاد في إضرامه موت والدتي.

وكأن قسوة القدر لم تكتف بهذه الكارثة، ففجعتني بأروع منها! ذلك أن أصغر إخوتي وأقربهم إلي وأعزهم على نفسي … بل قل إنه كان التعزية الوحيدة لي، والأمل الباسم في حياتي، هذا الشقيق المحبوب، اختفى في ذلك العام المنحوس — ومازال إلى هذه اللحظة التي أسطر فيها مذكراتي، دامع العين، مفتت الكبد جريح الفؤاد، أقول مازال شقيقي هذا مجهول المصير مني ومن محبيه وأصدقائه — ولم تكن منزلته لديهم لتقل كثيرا عنها لدي فاللهم صبرا جميلا.

وبعد أن انتهت مدة الثلاثة أشهر التي اتفقنا فيها مع شركة سجاير «ماتوسيان» للعمل بتياترو «كونكورديا» بالإسكندرية، تقدم إلي متعهد يعرض علي أن تقوم الفرقة إلى سوريا مرة أخرى في رحلة فنية، ويسوؤني أن أقول إنها لم تكن أحسن حظا من سابقتها، خصوصا وقد لقيت في أثنائها من تعنت الممثلين الشيء الكثير.

يوسف وهبي وعزيز عيد

عاد إلي إذ ذاك فتوري القديم، وكدت أيأس من مواصلة العمل، لولا خبر نما إلي وأنا في ربوع لبنان.

أما الخبر فهو أن الأستاذين يوسف وهبي وعزيز عيد قد عادا من إيطاليا، وقررا تأليف فرقة يهيئان لها مسرحا في شارع عماد الدين.

ولقد كان مجرد علمي بذلك باعثا لي على إشعال جذوة النشاط في نفسي، فعقدت العزم على العودة إلى مصر وموالاة العمل فيها، مهما كانت الأحوال ومهما حكمت الظروف.

كان ذلك في يناير عام ١٩٢٣، وهنا يجدر بي أن أنوه باكتشاف وفقت إليه! ذلك أن صديقي بديع خيري كان إلى هذا التاريخ زجالا فحسب، ولم يكن قد اشتغل بالتأليف بعد. فلما وجد مني اهتماما بالبحث عن رواية أقابل بها المنافسين المستجدين، تقدم إلي في حيائه المعروف وهو يقول بأنه انتهز بعض فرص الخلو من العمل واشترك مع شقيقي الأصغر في وضع رواية «على قد الحال».

اتهمت بالكسل صداقة فنية

وقد عرفت منه فيما بعد ما أقصه عليك أيها القارئ فيما يلي:

كان أخي الصغير صديقا حميما لبديع. وكان كل منهما يخلص الود لصاحبه، وقد تآلفت روحاهما، واتحدت أفكارهما، فكان الواحد منهما يجد في زميله الأخ الشقيق لا مجرد صديق.

وقد ظن الاثنان أن في مقدورهما أن يخلقا من نفسيهما مؤلفين، ولكن واحدا منهما لم يطلعني على هذا السر الدفين.

ومن ثم راحا يعملان فيما بينهما، فوفقا إلى رواية فرنسية اسمها «الفانوس السحري، أو علاء الدين» وهي إحدى قصص «ألف ليلة».

فلما انتهيا منها، رغبا أن يبرهنا على قدرتهما بطريق غير مباشر، ولذلك لم يعرضا روايتهما علي بل راحا «يسرحان» بها على الفرق الأخرى لعل واحدة منها تضع في عينها «حصوة ملح»، وتشتري الرواية. وفي ذلك البرهان القاطع الذي يقدمانه لي، ويحملاني به على الإقرار لهما بأنهما مؤلفان لا يشق لهما غبار!

على أن الفرق التي قصدا إليها السيدان المؤلفان لم تر في الرواية رأيهما، فلم تقبل إحداها الشراء!! كما أن بديعا وأخي لم يجرآ على مفاتحتي في الأمر، ومن ثم أودعا الرواية في المهملات بمنزل الأستاذ بديع، وأبقياها كهدية منهما إلى جياع الفيران، إذ لم تحن الفرصة لبعثها!

ومضت السنوات على ذلك إلى أن عادت الفرقة من سوريا — وكنت كما قدمت — في أشد الحاجة إلى رواية أقابل منافسي. فتقدم إلي الأستاذ بديع «باقتراحه المتواضع» الذي سبق بيانه!

اطلعت على الرواية فوجدتها من «حسبة ٢٥:٣٠ منظرا» ومع أنها كانت كلعب الأطفال أو عبث المبتدئين، إلا أنني أحسست فيها ثمرة يمكن اجتناؤها وأساسا يصح البناء عليه، وإذ ذاك اشتركت مع بديع في «توضيبها»، وصبها في القالب المرضي الذي يضمن لها النجاح المنشود، وكان أن أطلقنا عليها اسم «الليالي الملاح». وكان هذا أول عهد بديع بالتأليف الروائي، ومن ذلك اليوم سار ملازمي في كل ما نضع للمسرح من روايات.

بديعة تبكي

حدثتك يا سيدي القارئ عن «بديع» والآن فلتسمح لي أن أحدثك كذلك عن «بديعة».

قلت إنني اتفقت وإياها على أن تعمل بفرقتي، وأمضينا اتفاقا «في أثناء وجودنا بسوريا»، ينص على أن تتقاضى أربعين جنيها شهريا، فلما عدنا إلى مصر، بدأنا إجراء بروفات «الليالي الملاح». وكم قاسى الممثلون في تلك البروفات، وكم بذلوا من جهود جبارة لم تكن السيدة بديعة قد اعتادتها في عملها مع غيرنا. وإني لأذكر أنها كانت في كثير من الأحوال تبكي وتنتحب و«تقطع» شعرها من الجذور بعد أن ينهكها التعب، وتتوتر أعصابها من العمل المتوالي في البروفات.

ولم يكن ذلك ليقلل من قسوتي أو يثبط من عزيمتي، فقد آليت على نفسي أن أجعل منها عروسا للمسارح، وكوكبا يلمع في أفق الفن. ولم أقصر في إطلاعها على هذه الرغبة في بعض الأحايين، فكان ذلك يدفعها إلى تحمل الألم، حتى إذا ما بلغ غايته، تملكها الغضب وغادرت المسرح باكية صاخبة ولسان حالي يقول: «برضه ولو!».

فنانة بالفطرة

كانت بديعة فنانة بفطرتها، وكانت تهوى المسرح بطبيعتها، وكنت أحس ذلك منها، وأرى في قوامها وفي جمالها ما يساعد على تكوين عقيدتي التي أبديتها، وهي أنني لابد وأن أجعل منها الممثلة التي أبتغيها، ولذلك لم أكن أولي غضبها و«عصبيتها» أية عناية. بل بالعكس، كانت كلما ازدادت غضبا ازددت قسوة ونضالا في سبيل مصلحتها من ناحية ومصلحة عملي من الناحية الأخرى.

وأخيرا آن أوان اقتطاف الثمرة، وجاء الوقت الذي شاءت فيه العناية أن تنيلنا أجر ما بذلنا من جهود. فظهرت «الليالي الملاح» آية فنية رائعة، وبدت فيها «بديعة مصابني» كوكبا هل على الجمهور في صورة ملكت لبه، واحتلت مكامن إعجابه. وزاد الإقبال وتحسنت الأحوال، وبدأ الناس يتحدثون في كل مكان عن ممثلتنا الجديدة فيقرظها عارفوها، ويرفعها غيرهم إلى أسمى مكان من إعجابهم! وهنا فقط عرفت بديعة سر التدقيق في «البروفات»، ورأت بعينيها أن نجاحها لم يكن إلا وليد تلك الجهود التي أبكتها فيما مضى فأغضبتها المرة تلو المرة.

أراني ملزما بتحليل نقطة في منتهى الأهمية، ولو من وجهة نظري أنا، كانت بديعة هاوية خالصة الهواية وكانت — وما تزال على ما أعتقد — شعلة من النشاط، فجاء نجاحها المجيد بعد ذلك حافزا قويا حملها على مطالبتي بموالاة العمل لإخراج رواية جديدة. وكأنها ظنت أن تأليف الرواية لا يكلفنا شيئا من العناء. وما هي إلا أيام معدودة أجتمع فيها بزميلي بديع ونتبادل الرأي ثم تنتهي الرواية وتكون معدة للمسرح!

حاولت أن أفهمها خطأ ما ذهبت إليه، وأبين لها أن المسألة أبعد مما يتراءى لها، ولكن! كيف أصل إلى موضع الاقتناع منها؟

هل أنا كسول؟

ومضى الشهر الأول والنجاح حليف «الليالي الملاح»، ولم نكن قد أنهينا من الرواية التالية غير الفصل الأول. وبعد أيام تبعه الثاني، وكانت بديعة أشبه بالسوط يلهب ظهورنا، ويستحثنا على الإسراع وبذل الهمة «للفراغ من دي المهمة»! فلما أبطأنا بعض الشيء لم تجد إلا أن ترميني بالكسل.

وقد كانت سامحها الله، أول من خلع علي لقب البطولة في هذه الرذيلة. وقد وجدت دعايتها من أذهان الناس مرتعا، فأصبحت في نظرهم جميعا شخصا كسولا، ولزمني هذا الوصف «بهتانا» إلى اليوم، كذكرى من ذكريات السيدة بديعة مصابني. وأقول بهتانا لأنني لا أرى مسوغا له، ولا أرضى أن أوصف به!

وأعددنا بقية الرواية الثانية «الشاطر حسن» وكان من أثر استعجال بديعة، أن أخرجنا الرواية قبل تهيئة الفصل الأخير منها، فظهر في اليوم الأول مفككا لا ضابط له، إلا أننا استطعنا بحمد الله أن نصلح ما أفسدت السرعة منه. فاحتلت الرواية مكانها من إعجاب الجمهور، وكانت كسابقتها من حيث النجاح والإقبال.

ويهمني أن أعترف هنا، بأن بديعة كانت تنتقل في كل يوم من نجاح إلى نجاح، حتى جاءت الرواية الثالثة «أيام العز»، وفيها ارتكز مجد بديعة على أساس ثابت، وأضحت العروس التي تنبأت بها، والمعدن الذي كشف الصقل جوهره، فبدا للعيان لامعا كشمس الضحى. كان هذا حال بديعة بعد الرواية الثالثة، فإذا كانت قد رمتنا بالكسل قبل أن تصل إلى هذه الدرجة من السمو، فماذا بربك تكون حالتنا في نظرها وهي تريد أن تظهر كل يوم في رواية جديدة؟

بديع مؤلف وزجال

وقد قلت فيما قبل إن الزميل بديع خيري كان إلى ما قبل ظهور رواية «الليالي الملاح» زجالا فحسب. إلا أنني حين اطلعت على أثره في تلك الرواية عرفت أنه مؤلف بغريزته، وأن أثوابه تخفي تحتها عبقريا لا ينقصه إلا أن يرفع عنه ستار الخجل الذي يكسوه، وإلا أن يحل من قيد التردد الذي يعروه. هذا ما تأكدت منه بعد درس روايته الأولى التي اشترك معه فيها أخي الصغير.

وتوالت الروايات التي اشترك معي في تأليفها بديع، وفي خلال تلك المدة كسبت في شخصه أكبر معين لي في عملي، إذ اتحدت أذواقنا، وائتلفت أرواحنا، وأصبح كل منا للآخر أخا روحيا أو تكملة لابد منها للثاني.

لقد قلت في مناسبات كثيرة إن بديعا الزجال كان آية من آيات النبوغ في فنه، وهاأنذا أؤكد أن تلك المكانة من الزجل لمست فيه أضعافها في التأليف، ورسم الحقائق والأخلاق المصرية الصميمة، والقدرة على إلباسها الثوب الحقيقي الخلاب في أسلوب يلذ للمرء أن يتابعه بشغف وانتباه.

أضحى بديع خيري إذن زجالا ومؤلفا في وقت واحد. وقد ساعدني ذلك على التفكير في إخراج الكوميدي المصري الصميم.

هذا ما أرى من واجبي أن أثبته للحقيقة والتاريخ قبل أن أواصل السير في سرد الوقائع التي بدأت بها.

اشترك معي بديع في «الليالي الملاح» و«الشاطر حسن» و«أيام العز» … وقد كان نجاحها بليغا، كما كان أثر بديع وبديعة فيها واضحا جليا.

ريا وسكينة

وهنا … معذرة يا قرائي الأعزاء إذا عدت بكم ثلاث سنوات إلى الوراء، لأسجل حادثا له أهميته الاجتماعية والفنية.

في سنة ١٩٢١ روعت مصر من أقصاها إلى أقصاها إثر اكتشاف حوادث جنائية في الإسكندرية لم يكن للبلاد بها عهد من قبل، وتلك الحوادث هي استدراج بعض النسوة إلى مكان معين، وسلب حليهن ثم قتلهن أشنع قتلة، والتمثيل بجثثهن ثم دفنهن تحت الجدران. وكان أبطال هذه العصابة امرأتين «ريا» و«سكينة» وزوج إحداهما واسمه «حسب الله».

كان اكتشاف هذه الجنايات حديث الناس جميعا. ولما كنت أشعر بأنني خلقت للدراما لا للكوميديا، فقد عولت على اقتباس موضوع من هذه الحوادث الدامية وإخراجه على المسرح.

وهذه النزعة — نزعة الدرام — يظهر أنها تسكن أدمغة رجال الكوميدي جميعا، فكل منهم يعتقد — إن حقا وإن باطلا — بأنه مبرز في هذا النوع، وأنه إذا اتجه إليه فاق نفسه في الكوميدي بمراحل.

ولعل القراء يعرفون كيف عقد شارلي شابلن عزمه على إخراج دوري نابليون وهملت، وكيف صرح مرارا بأنه سيكون المجلى فيهما. نهايته … أعددت رواية «ريا وسكينة» وأخرجتها في مسرح برنتانيا، ففاق نجاحها كل حد، بحيث كنت أسمع بأذني النحيب والبكاء صادرين من الناس طرا. وكم سمعت البعض ينادون بالصوت العالي: «بزياده بقى … قتلتونا يا ناس …».

كان الممثل حسين إبراهيم يقوم بدور «ريا»، وكانت بديعة تظهر في دور إحدى الضحايا التي تفتك بهن العصابة. كما اضطلعت أنا بدور سفاك اسمه مرزوق. وما دمت قد أشرت إلى ما كان لهذه «الدرام» من تأثير عميق في الجمهور، فلا مانع من ذكر هذه الواقعة.

دشرها ولاك …!

حدث عندما كنا نمثل هذه الرواية في يافا، أن كان أحد المشاهد حاميا بيني وبين بديعة، وكان الحوار بالغا أشده، حين تقدمت من الفريسة وأطبقت أصابع اليدين حول عنقها وهي تتلوى — كالطير يرقص مذبوحا من الألم — وأرجو السماح يا حضرات القراء في الاستشهاد بهذا المثل … واستحملوا فلسفتي … ربنا ما يوريكم مكروه.

أقول بينما المناقشة حادة، وأنا أقوم بمهمة الخنق خير قيام، إذ بي أسمع صوتا يدوي من أقصى الصالة صائحا: «دشرها ولاك … العمى بعينتينك …!».

وأتبع حضرته هذا القول بطلقة من غدَّارته، كادت ترديني على خشبة المسرح … لولا أنني أخدتها من قصيره، وبرطعت إلى الخارج تاركا الفريسة تعرف شغلها مع صاحب هذا الاحتجاج العملي الغريب في نوعه! أما وقد انتهينا من ذكر ما نسينا فلنقفز بعد ذلك ولنواصل ما انقطع.

معلهش يا زهر

عرفتم أنني صادفت في أثناء عملي في شركة السكر بنجع حمادي عرافة فرنسية تنبأت لي بسنوات أعوم في أثنائها في الفلوس عوم، وأن هذه السنوات ستتبعها أخرى عجاف، وهكذا دواليك.

انقضت سنوات القحط والنحس والبلا الأزرق. فاستمع يا سيدي وارث معي للحال التي كنت فيها.

لعلك تذكر المسيو ديمو كنجس … صاحب تياترو برنتانيا، وكيف فتحت أبواب النعيم باتفاقي وإياه على العمل في مسرحه، ذلك العمل الذي در عليه ربحا لم يكن يتصوره، وملأ خزانته بمال لم يكن يمتد إليه أمله حتى في أحلامه. وإنه وإن كان لي أن أتحدث بنعمة ربي، فإني أقول إنني نقلت هذا الرجل إلى سماء الثروة الجارفة، إذ كان إيراده السنوي من المسرح ثمانية آلاف جنيه أو يزيد. فهل عرف لي هذا الجميل؟ وهل قدر لي ذلك الصنيع؟

الجواب على ذلك: أنه اتفق مع الحاج مصطفى حفني «مدير مسرح برنتانيا» على أن يشتركا في إتمام بناء التياترو (لأنه كان إلى هذه اللحظة، على الله، سقف خيش وجدران مترين طوب وأرضية من الرمل و… إلخ).

ولكن للأسف كان الشرط الأساسي أن يخرجاني منه، وأن يجلبا فرقا أجنبية من الخارج للعمل به، الواحدة تلو الأخرى. ألحفت في الرجاء لعلي ألين قلب هذين الشريكين، وبعد مقت وفلقة قلب، تفضلا وتنازلا وقبلا أن يسمحا لي بالتمثيل في فترات متقطعة، بين سفر فرقة أجنبية ووصول أخرى، وفي أيام الصيف القائظة التي يرفض الأجانب أن يعملوا في أثنائها! برضه معلهش يا زهر إذ لم يكن أمامي إلا قبول ما يملى على من قاسي الشروط.

دقات أخرى

آدي دقة! أما الأخرى. فقد كان لي في أحد البنوك الأجنبية سندات تقدر بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه كنت أقترض عليها إذا ما أعوزني المال. إلا أنني فوجئت بحجز تحفظي على هذه السندات، لأن رجلا أتى من عرض الطريق ادعى أنني مدين له بمبلغ مائة جنيه! ولذلك رفض البنك أن يجيب مطالبي، وتوقف عن إقراضي أي مبلغ، بالرغم من توسلاتي إليه أن يحتفظ بمبلغ الدين، بل بأضعاف أضعافه، إذ أين المائة من الثلاثة آلاف.

عام بأكمله قضيته دون أن أجد قرشا واحدا، في حين أنني أملك في البنك آلاف الجنيهات!

أما ثالثة الأثافي، ولا مانع من الاعتراف بأنني أستعمل هذا الاصطلاح غصبا عن عين زميلي بديع خيري، ورغم معارضته، لأنه يدعي أن مافيش حاجة في الدنيا اسمها «ثالثة الأثافي»، وأنه لا يفهم لها معنى، ومع أنني أوافقه على أنني أنا أيضا لا أفهم لها معنى إلا أنني برضه أستعملها لأني سمعتها من أحد الفضلاء المبجلين أعضاء بسلامته المجمع اللغوي!

أقول إن ثالثة الأثافي «واللي يزعل يشرب من الزير»، أنني صدمت صدمة نفسانية قاصمة، لا تقاس بجانبها الصدمات المادية مهما اشتدت. صدمة جاءت في الصميم، فضعضعت حواسي، وأسلمتني إلى اضطرابات عصبية قاسية كنت في أثنائها في حاجة إلى من يواسيني … ولكن أين لي أن أجده؟

لست أريد التوسع في شرح تلك الصدمة مكتفيا بهذه الإشارة الموجزة حتى لا أسيء إلى أحد.

هجر شخصية كشكش

قلت إنني قبلت شروط الشريكين ديمو كنجس والحاج مصطفى حفني، ورضيت أن أعمل في «برنتانيا» في فترات متقطعة، فأعددت رواية «البرنسيس» مع زميلي بديع، وقد كانت أول محاولة حقيقية لنوع الكوميدي في مصر، وإن كانت أشربت ببعض نواحي «الأوبريت».

وفي هذه الرواية — وللمرة الأولى — خرجت عن شخصية كشكش، وظهرت في دور آلاتي بائس يعزف على القانون اسمه «المعلم حسنين»، كما ظهرت بديعة في دور «عيوشة».

ونجحت الرواية كما كان مقدرا لها، وتوطد مركز بطلتها بديعة في عالم التمثيل. ولولا أن الرواية كانت تعرض في فترات متقطعة لواصلت نجاحها يوميا، ولآتت أكلها كما كنا نبغي. ولكن آه! ثم آه! … من الحاج حفني. ومن أجواقه التي كانت كأجواق «أبو حجاب»، الذي يقولون إنه لا ودى ولا جاب!!

وبعد رواية «البرنسيس» أخرجنا رواية «الفلوس»، ثم رواية «لو كنت ملك» ثم «مجلس الأنس».

وفي هذه الأيام، كنا كالأيتام في مأدبة اللئام، إذ لم يكن لنا — كما شرحت — مسرح ثابت نعمل فيه، كما أن الدرام قد طغى على مصر فاشتهر فيها اسم «مسرح رمسيس»، وعمل عميده يوسف وهبي ومخرجه عزيز عيد، على ترجمة أحسن منتجات الغرب الأدبية، وعرضها على الجمهور في ثوب قشيب ومظهر خلاب، لفت هذا النوع أنظار الناس قاطبة، فتهافتوا على مشاهدته، وولوا وجوههم شطره، وتركنا نتابع سيرنا الأعرج تحت رحمة الحاج مصطفى حفني، وفي ظل رضائه عنا حينا وغضبه علينا أحيانا، فكانت محاولاتنا الكوميدية تنجح في محيطها المحدود، ولكن لم يكن لها مثل ذلك الدوي الذي كان يتمتع به الدرام إذ ذاك.

تأويل مدهش

أي والله مدهش! ذلك التفسير لنصوص العقد، الذي أجبرتني الحالة على توقيعه مع الحاج مصطفى حفني مدير تياترو برنتانيا. كان بين الشروط التي أملاها «الحاج» أن تحيي الفرقة أربع حفلات نهارية (ماتنيه) في كل أسبوع، وإذا «امتنعت عن إحياء إحدى هذه الحفلات كان عليها أن تدفع غرامة مقدارها ثمانية جنيهات.

هذا هو الشرط. وقد كان يحدث في شهور القيظ أن يفتح شباك التذاكر لحفلات الماتينيه، ولكن العامل «لا يصطبح» بابن حلال يوحد الله. لأن الناس كانوا يفضلون سهر الليالي على حجز أنفسهم عصر كل يوم في ذلك العرق المحرق. فإذا جاء أوان رفع الستار وجدنا التياترو خاويا على عروشه، ومقاعده أفرغ من فؤاد أم موسى. ولذلك كنا نتفق مع الحاج مصطفى على إلغاء الحفلة.

وفي أواخر يوليه من عام ١٩٢٤ انتهت مدة التعاقد.

وفيما أنا مستعد لنقل الحال والمحتال — أي ما أملك في المسرح من ملابس ومناظر وأدوات وستائر — وقف الحاج مصطفى يحول بيني وبين نقل أي «قشايه» … إيه يا سيدنا؟ — لأنك مدين لي بمبلغ سبعمائة وعشرين جنيها؟

– يا خبر زي بعضه … وبتوع إيه دول يا حاج؟

– بقى يعني مش عارف حضرتك؟ بتوع الماتينات اللي بسلامتك رفضت تشتغلها!

– لكن دا مش بسلامتي بس اللي رفض، دا بسلامتك أنت كمان لأن مافيش حد جه، ولأنك كنت حاتخسر ثمن النور وأجرة العمال!

– لا. مافيش كلام من ده!!

وطبعا انتهت المناقشة وانفض المشكل على أن (ما فيش كلام من ده). وضاعت ملابسي ومناظري وستائري الغالية في شربة ماء. والظريف أن الحاج مصطفى بعد الرجاء الحار، والوسائط الكثيرة، قبل أن يكتفي بهذه الأشياء … ويتنازل — وخد بالك من يتنازل — عن بقية ما في ذمتي من أموال نظير الامتناع عن «إحياء» الحفلات الميتة إياها!!

بعد هذه الفصول السخنة، وبلاش الكلمة الثانية، يئست من هذه الحياة، التي أنكر الناس فيها الوفاء وباعوا الأصدقاء، فاعتزمت أن أرحل بعيدا عن أناس اشتريتهم، فباعوني، وأخلصت لهم فأنكروني. ثم فكرت أن أجد في الزواج تعزية أو شبه تعزية، فكان قراني ببديعة مصابني، وامتلأ رأسي بفكرة النزوح عن الوطن، والبحث ولو عن فائدة واحدة من الفوائد الخمس، التي يقولون إنها مقرونة بالسفر.

كشكش الأصلي

وفي أحد الأيام نصحت لي بديعة أن نتسلى بشم الهواء في مصيف روض الفرج فرافقتها، وما كدنا نصل حتى طرق أذني صراخ شخص يوزع رقاع إعلان وهو يقول بصوته المنكر: «الحق هنا يا جدع، تعالى شوف كشكش الأصلي يا جدع، هنا ملك الكوموكودو — أي والله هكذا قال — الحق قبل ما يلعب».

وتراءى لبديعة أن تقف هنيهة لتناقش ذلك «الإعلانجي» في صيغة ندائه، ولم يكن بالطبع يعرف شخصيتها، فجرى بينهما الحوار التالي:

بديعة : لكن يا أخينا (كشكش الأصلي) في عماد الدين مش هنا.
الإعلانجي : لا يا ستي هانم. دكهه تقليد، لكن الأصلي هنا.
بديعة : طيب وإزاي الأصلي يهزأ نفسه في روض الفرج، ويسيب التقليد يتمتع في عماد الدين؟
الإعلانجي : وإيه يعني عماد الدين يا ست. فيه في الدنيا أحسن من روض الفرج؟ دا روض العشاق يا هانم …!

ورأيت أن الخناقة قد تطول وتتشعب البحوث فتجر إلي توتر العلائق بين كشكش الأصلي وبين حرم كشكش التقليد، اللي هو أنا، فجذبت بديعة ودخلنا لنشاهد (الكوموكودو) كشكش اللي مش تقليد!!

ورفع الستار وظهر «المبروك»، فرقص ومثل وغنى وأنشد، فكدت أطير … لا من السرور، ولكن لأن كشكش ذلك الاسم الذي كنت أعتز به أضحى على هذه الحال من الهوان، يتلاعب به مثل هذا الإنسان «ويمرمغ» به الأرض. ولست أخفي على القارئ أنني لولا وجود بديعة إلى جانبي في تلك اللحظة، يعلم الله أنني ربما ألقيت نفسي في النيل منتحرا، وبلاش الغلب الأزلي ده!!

نهايته. كانت هذه السهرة (الروض فرجية) سببا في القضاء على ترددي في السفر، فلم ينقض الليل، حتى كنت في صباح اليوم التالي قاصدا إلى قلم الجوازات، لاستخراج جواز السفر لي ولبديعة.

غريبالدي

وبعد الانتهاء من الإجراءات اللازمة قابلني الممثل (فريد صبري).

فلما عرف أنني قاصد إلى أمريكا الجنوبية، أظهر الرغبة في مرافقتي، فأفهمته أنني لا أضمن أن أعمل هناك، وقد يقتصر الأمر على تبديل الهواء وانتجاع الصحة. فأجابني بأن الأمر من وجهة نظره على حد سواء. لأنه — وهكذا قال — مقطوع من شجرة، ولا يهمه ما يأتي به السفر، وبناء عليه لم أمانع في أن يصحبني كما صحبني الممثل محمود التوني.

وقصدت إلى إحدى شركات الملاحة، وهناك فهمت أن باخرة اسمها «غريبالدي» تقوم من جنوا قاصدة إلى البرازيل.

فاسترحت إلى قطع التذاكر بها، وقلت لابد وأن إيطاليا إذا أطلقت اسم زعيمها العظيم «غريبالدي» على إحدى بواخرها، فإن هذه الباخرة لابد أن تكون عروس زميلاتها الأخريات.

وغادرت مصر إلى جنوا، وفي معيتي بديعة مصابني وفريد صبري ومحمود التوني وجوجو ابنة بديعة … شايف المعية يا عم!! وظللت أمني نفسي بعظمة «غريبالدي» وأبهتها وفخامتها، حتى إذا وصلنا إلى جنوا تبخرت هذه الأحلام. لأن تلك «الغريبالدي» شبهت لي بقارب من قوارب الصيد، أو بسفينة من ذلك النوع القديم الذي علق أثره بأذهاننا من عهد الدراسة، والتي كان الفينيقيون يتنقلون عليها بين ثغور البحر الأبيض. وهنا قلت كيف يتسنى لهذه «القربة» أن تخطو خطوة واحدة في المحيط الأطلنطي؟ نهايته.

أنا سندباد بحري

سارت غريبالدي «تهكع» بنا، موجة تشيلها، وموجة تحطها، إلى أن اجتزنا مضيق جبل طارق، ودخلنا مياه المحيط وهنا كان الغلب الأزلي!! بل هنا كان التحقيق العملي للمثل المعروف وهو: «كالريشة في مهب الريح» أي والله ريشة!!

ولكي تفهم قيمتها في المحيط أقول إنها قضت بنا فيه أو قضينا بها في المحيط خمسة وعشرين يوما في حين أن غيرها من بواخر خلق الله يقطع هذه المسافة في أسبوع.

كان هذا حال «غريبالدي» أما ركابها فربنا ما يوري عدو ولا حبيب. ملك دوار البحر بديعة فلم تعرف رأسها من رجليها. وطرح التوني وفريد صبري أرضا، لكن أرض إيه؟ هي فين الأرض؟ قول طرحا خشبا!! وهذه كانت حالة الركاب جميعا، ولم تكن مقصورة على زملائي، ولم يكن بين الجمع إلا فرد واحد لم يستطع البحر ولا دواره، بل ولم تستطع «غريبالدي» «بخيابة» قدرها أن تؤثر فيه أي تأثير. فكان يغدو ويروح واضعا يديه في جيوبه، ضاحكا من هذا ومن ذاك ممن كانوا يتلقحون في الممرات. هذا الفرد الواحد هو أنا.

ولكن ما ذنبي وقد خلقت مني الأقدار «سندبادا بحريا» في آخر الزمن؟ ولقد كنت أنتهز بعض فرص هدوء البحر فأجمع زملائي، و«أسليهم» بعمل بروفه … على رواية «هملت»، وغيرها من «الدرامات»، لأن الموقف لم يكن يتحمل عمل بروفات كوميدي!!

وبعد هذه النكبات المدلهمات، شاهدنا أرضا عن بعد.

فقلت: «الله يرحمك يا خريستوف كولومب ويحسن إليك. ولو أنك كنت السبب في المرار الذي شربناه من حفيدتكم المحترمة «غريبالدي» إذ لولا أنها طلعت في مخ حضرتكم فاكتشفتم أمريكا، ما فكرت في النزوح إليها!!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤