إلى أبناء المدارس

كفى بالعلم في الظلمات نورا
يبيِّن في الحياة لنا الأمورا
فكم وجد الذليل به اعتزازًا
وكم لبس الحزين به سرورا
تزيد به العقول هُدًى ورشدًا
وتستعلي النفوس به شعورا

•••

إذا ما عقَّ موطنهم أناس
ولم يبنوا به للعلم دورا١
فإنَّ ثيابهم أكفان موتى
وليس بيوتهم إلا قبورا
وحُقَّ لمثلهم في العيش ضَنْكٌ
وإن يُدْعوا بدنياهم ثبورا٢

•••

أرى لُبَّ العلا أدبًا وعلمًا
بغيرهما العُلا أمست قشورا
أأبناءَ المدارس إنَّ نفسي
تؤمِّل فيكُمُ الأملَ الكبيرا
فسُقيًا للمدارس من رياضٍ
لنا قد أنبتت منكم زهورا
ستكتسب البلاد بكم عُلوًّا
إذا وجَدتْ لها منكم نصيرا
فإن دَجَتِ الخطوب بجانبيها
طلعتُمْ في دُجنَّتها بدورا٣
وأصبحتم بها للعزِّ حصنًا
وكنتم حولها للمجد سورا

•••

إذا ارتوتِ البلاد بفيضِ علْمٍ
فعاجزُ أهلها يمسي قديرا
ويقوَى من يكون بها ضعيفًا
ويغنى من يعيش بها فقيرا
ولكن ليس منتفعًا بعلمٍ
فتًى لم يحرز الخُلُق النضِيرا
فإنَّ عماد بيت المجد خلقٌ
حكى في أنف ناشقه العبيرا
فلا تستنفعوا التعليم إلا
إذا هذَّبتمُ الطَّبعَ الشريرا
إذا ما العلم لابسَ حسنَ خُلقٍ
فرجِّ لأهله خَيرًا كثيرا
وما إنْ فاز أغزرنا علومًا
ولكن فاز أسلمُنا ضَميرا

•••

أأبناءَ المدارسِ هل مُصِيخٌ
إلى من تسألونَ به خبيرا؟٤
ألا هل تسمعون فإن عندي
حديثًا عن مواطنكم خطيرا؟
ورأيًا في تعاونكم صوابًا
وقلبًا من تخاذلكم كسيرا
قد انقلب الزمان بنا فأمست
بُغَاثُ القوم تحتقر النسورا٥
وساء تقلُّب الأيام حتى
حمدنا من زعازعها الدَّبورا٦
وكم من فأرةٍ عمياء أمست
تُسمَّى عندنا أسدًا هصورا!٧
فكيف تروم في الأوطان عزًّا
وقد ساءت بساكنها مصيرا؟!
ولم يك بعضنا فيها لبعض
على ما ناب من خطبٍ ظهيرا٨
ألسنا الناظمين عقود مجد
نزين من العصور بها النحورا؟
إذا لُجَجُ الخطوب طَمَتْ بنَينا
عليها من عزائمنا جسورا
لنبتدر العُبور إلى المعالي
بحيث تطاول الشعرَى العَبورا٩

•••

ألا يا ابن العراق إليك أشكو
وفيك أمارس الدهر المَكُورا١٠
تنفَّضْ من غبار الجهل واهرعْ
إلى تلك المدارس مستجيرا١١
فهنَّ أمانُ من خشيَ الليالي
وهُنَّ ضمان من طلب الظهورا
١  عقه يعقه عقوقًا: لم يوفَ له بعهده وحقه.
٢  حق لهم كذا: استحقوه. والضنك: الضيق والذل. أن يدعوا ثبورًا: أن يطلبوا الهلاك في الدنيا، يريد أن من قصر في حق العلم استهدف للهلاك.
٣  دجت الخطوب: أظلمت الحوادث واشتدت. والدجنة: الظلمة.
٤  مصيخ: مستمع.
٥  البغاث: مثلث الباء؛ صغار الطير وضعافها.
٦  الزعازع: جمع زعزع، وهي الريح الشديدة. والدبور: هي الريح التي تأتي من الجنوب وهي مكروهة عند العرب.
٧  الهصور: الشديد الافتراس.
٨  ظهيرًا: عونًا ومساعدًا.
٩  الشعرى: كوكب مضيء يطلع في الحر، وهما شعريان: العبور والغميصاء.
١٠  المكور: شديد المكر.
١١  اهرع: أسرع.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤