إلى أبناء الوطن

أنشدها في حفلة أقيمت له بعد رجوعه إلى بغداد سنة ١٩٢٣.

سر في حياتك سَيرَ نابهْ
ولُمِ الزمانَ ولا تحابِه١
وإذا حللتَ بموطنٍ
فاجعلْ محلَّك في هِضابه٢
واخترْ لنفسِك منزلًا
تهفو النجومُ على قِبابه٣
ورُمِ العلاءَ مخاطرًا
فيما تحاولُ من لُبابه
والمجدُ ليسَ ينالهُ
إلا المخاطرُ في طِلابه
وإذا يخاطبُك اللئيـ
ـمُ فصمَّ سمعَك عن خطابه
وإذا انبرى لك شاتمًا
فاربأْ بنفسكِ عن جوابه٤
فالروضُ ليس يضيرُه
ما قد يُطَنطِنُ من ذُبابه٥
ولرُبَّ ذنبٍ قد أتا
كَ من ابن آدمَ في إهابه٦
ما امتازَ قطُّ عن ابن آ
وى شخصُه بسوى ثيابه
وإذا ظفرتَ بذي الوفا
ءِ فحُطَّ رحلك في رحابه٧
فأخوكَ من إن غاب عنـ
ـكَ رعى ودادَك في غيابه
وإذا أصابك ما يسو
ءُ رأى مصابَك من مصابه
وتراهُ يَيْجع إن شكو
تَ كأنَّ ما بك بعضُ ما به٨

•••

يا قومُ قد هرم الزما
نُ من التمادي في انقلابه
فلذاكَ عندَ الهاجرا
تِ يسيلُ شيء من لعابه
ما زال عن خَرَف به
للناس يهذِر في كِذابه٩
يأتي بكل عجيبةٍ
تدعو اللبيبَ إلى ارتيابه
والناسُ في عطشٍ تسيـ
ـرُ إلى ارتواءٍ من سَرابه
فمتى يجود لنا الزما
نُ ولو بمذق من وِطابه؟١٠
وإلى متى هو ساترٌ
وجهَ الحقيقة في ضبابه؟١١
يتلو بصرفِ الحادثا
ت لنا فصولًا من كتابه
كمْ يدَّعي وطنيَّة
مَنْ لم تكنْ مرَّت ببابه!
فتراهُ ينفخُ لاغيًا
فيها وينفخ في جرابه
ليكونَ مكتسبًا بها
مالًا تهالكَ في اكتسابه
فكأنما هو صائدٌ
وكأنما هي من كلابه
وتراهُ يرمي المخلصيـ
ـنَ بكلِّ سهمٍ من جعابه
ويعيبُ قومًا بالخيا
نةِ والخيانةُ بعضُ عابه١٢

•••

لا بدَّ للوطنِ العزيزِ
من المسكِّنِ لاضطرابهْ
من مجلسٍ للشعب ينـ
ـظر بالتأمُّلِ في مآبِه
وينوبُ عن أبنائهِ
إن صادقوه على منابه
حتى نرَى أَمْرَ البلا
دِ به يعودُ إلى نصابِهْ
أَبِهتْ حكومتُنا لهُ
والشعب ليس له بآبِهْ
أترى الحكومة تبتغيـ
ـهِ ونحن نعرضُ عن طِلابهْ؟!
هذا لعمرُ أبيكَ ما
يدعو الحليم إلى انتخابِهْ
هلَّا يقوم القاعدون
مسارعينَ إلى انتخابهْ؟
كي ينقذ الوطنَ الذي
صرف الزمان له بنابهْ
وغدا يهدِّد بالبوار
بنيه، بورٌ في ترابهْ
إن لم تكونوا مدركيه
فلا محالةَ من خرابهْ

•••

آبَ المسافرُ للديا
رِ على اضطرارٍ في إيابِه
لو كان يجنح للإيا
بِ لما تعَجَّل في ذهابه
قد كان يمرح في التغرُّ
ب بالحفاوة من صحابه
لا تعجبنَّ لخاملٍ
لبس النَّباهة في اغترابه
فالسيفُ أحسن ما يكو
ن إذا تجرَّد من قِرابه
أما العراق فإنَّ لي
كلَّ الرجاء بأسْدِ غابه
ينجاب يأسي بالرجا
ء إذا نظرت إلى شبابه
من كل مَنْ هو في ظلا
م الليل أضوأ من شهابه
لمع الذكاء بوجهه
كالبرق يلمع في سَحابه
يا مَنْ زكت أحسابهم
فأتوا بأخلاقٍ نوابِهْ١٣
ووجوههم بالنَّيِّرا
ت من النجوم لها مشابه
إني لأشكر فضلكم
شكرَ المثاب على ثوابِه
كالروض يشكر وابلًا
حيَّا الأزاهر بانسكابه
١  النابه: المشهور، ضد الخامل.
٢  هضابه: جمع هضبة، وهي الجبل المنسبط على الأرض، والمراد: المنازل المرتفعة.
٣  تهفو: تسرع، يقال: هفت نفسه إلى الشيء إذا أسرعت إليه.
٤  انبرى له: عارض وصنع مثل صنعه، اربأ بنفسك: ارفع نفسك.
٥  يضيره: يؤذيه، يطنطن: يصوت ويحدث طنينًا.
٦  أصل الإهاب: الجلد قبل أن يدبغ، والمراد الجلد مطلقًا.
٧  حط رحلك في رحابه: أي انزل عنده في أرضه، والمراد تمسك بإخائه.
٨  يقال: وجع في الماضي، ويوجع وييجع وياجع في المضارع، يريد أنه يتوجع لِمَا ينوبك.
٩  الخوف: الهذيان والهذر، مثل كلام المحموم والمجنون، والمراد أنه يخلط فيما يأتي به من الحوادث ولا يستقيم له قصد.
١٠  المذق: اللبن الممزوج بالماء، يريد غير الخالص. والوطاب: جمع وطب، وهو سقاء يوضع فيه اللبن.
١١  يريد أن وجه الحقيقة ليس ظاهرًا وإنما يخفيه الضباب؛ يعني ما يأتي به الدهر من الخير والشر ليس واضحًا.
١٢  عابه: عيبه.
١٣  زكت أحسابهم: برئت أصولهم من الدنس. نوابه: جمع نابه، أي: شريف عالٍ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤