تنبيه النيام

أما آن أن يغشى البلاد سعودها
ويذهب عن هذي النيام هجودُها؟
متى يتأتَّى في القلوب انتباهها
فينجابَ عنها رَيْنها وجمودُها؟١
أما أسدٌ يحمي البلادَ غضنفرٌ؟
فقد عاث فيها بالمظالم سِيدُها٢
برئتُ إلى الأحرار من شرِّ أمَّةٍ
أسيرة حكام ثقال قيودها
سقى اللَّه أرضًا أمحلت من أمانها
وقد كان رُوَّاد الأمان ترودها٣
جرى الجور منها في بلادٍ وسيعة
فضاقت على الأحرار ذَرعًا حدودها

•••

عجبتُ لقومٍ يخضعون لدولةٍ
يسوسهمْ بالموبقات عميدُها
وأعجب من ذا أنهم يرهبونها
وأموالها منهم ومنهم جنودها
إذا وُليَت أمرَ العباد طغاتها
وساد على القوم السراة مَسودها
وأصبح حرُّ النفس في كل وجهةٍ
يُردُّ مهانًا عن سبيل يريدها
وصارت لئام الناس تعْلو كرامها
وعاب لبيدًا في النشيد بليدُها٤
فما أنت إلا أيُّها الموت نعمةٌ
يعزُّ على أهل الحفاظ جحودها٥

•••

ألا إنما حرِّية العيش غادة
مُنى كل نفسٍ وصلُها ووفودُها
يُضيء دجنَّاتِ الحياة جبينها
وتبدو المعالي حيث أتلع جيدها٦
لقد واصلت قومًا وخلت وراءها
أناسًا تمنَّى الموت لولا وعودها
وقد مرضت أرواحنا في انتظارها
فما ضرَّها، وا لهفتا! لو تعودها٧

•••

بني وطني ما لي أراكم صَبرْتمُ
على نُوَبٍ أعيا الحُصاةَ عديدُها؟!
أما آدكم حمل الهوان فإنَّه
إذا حُمِّلته الراسياتُ يئودها؟!٨
قعدتم عن السعي المؤدِّي إلى العلا
على حين يُزري بالرجال قعودها
ولم تأخذوا للأمر يومًا عتادَه
فجاءت أمورٌ ساءَ فيكم عتيدها٩
ألم تَرَوُا الأقوامَ بالسعي خلَّدت
مآثر يستقصي الزمانَ خلودها
وساروا كرامًا رافلين إلى العلا
بأثواب عزٍّ ليس يبلى جديدها

•••

قد استحوذتْ، يا للخسار! عليكمُ
شياطينُ إنس صال منكم مَريدها١٠
وما اتَّقدت نار الحميَّة منكمُ
لفقد اتحادٍ فاستطال خمودها١١
ولولا اتحاد العنصرين لمَا غدا
من النار يذكو لو علمتم وقودها
إذا جاهلٌ منكم مشى نحو سُبَّةٍ
مشى جمعكم من غير قصدٍ يريدها١٢
كأنَّكم المعْزَى تهاوَينَ عندما
نزا فنزتْ فوق الجبال عتودها١٣
وما ثَلَّةٌ قد أهملتها رُعاتها
بمأسدةٍ جاعت لعشر أسودها١٤
فباتت ولا راعٍ يحامي مراحها
فرائسَ بين الضاريات تبيدها
بأضيعَ منكم حيث لا ذو شهامة
يذبُّ الرزايا عنكمُ ويذودها١٥

•••

أتطمع هذي الناس أن تبلغ المنى
ولم تورِ في يوم الصدام زنودها١٦
فهل لمعتْ في الجو شعلة بارق
وما ارتجست بين الغيوم رعودها؟١٧
وأدخنة النيران لولا اشتعالها
لما تمَّ في هذا الفضاء صعودها
وإنَّ مياه الأرض تعذب ما جرت
ويفسدها فوق الصعيد ركودها
وَمَنْ رام في سوق المعالي تجارةً
فليس سوى بيض المساعي نقودها
١  الرين: ما غطى على القلب بحيث يحجب عنه رؤية الحقيقة.
٢  عاث فيها: أفسدها. السيد الذئب.
٣  الرواد: جمع رائد، وهو الرسول الذي يرسله القوم لينظر لهم مكانًا ينزلون فيه، يقال منه: راد المكان يروده، يرتاده؛ بمعنى طلبه.
٤  لبيد: عَلَمُ الشاعر المشهور.
٥  أهل الحفاظ: المحامون عن عوراتهم، والمدافعون دون أن يصل إليهم الضيم.
٦  أتلع عنقه: مده متطاولًا.
٧  تعودها: تزورها من عيادة المريض.
٨  آدكم: أثقلكم. يئودها: يثقلها.
٩  العتاد: العدة لأمر ما تهيئه وما أعد من سلاح ودواب وآلة حرب. العتيد: الحاضر المهيأ، يقول: لم تستعدوا للرقي فيما مضى، فجاءكم يوم ساءكم فيه حاضركم، ويعني بالحاضر ما كانت تقاسيه الأمة من جور الحكام واستبداد الطغاة، وهو يصلح لحالتنا الحاضرة أيضًا، ويكون حاضرنا السابق ماضيًا، وحريتنا الآن حاضر لنا، فإنها جاءتنا على غير استعداد منا لها بما أفسده الظالمون من نفوسنا فأسأنا استعمالها ولم نحسن فهمها بسبب ما يوحيه المتقهقرون إلى زعانف القوم وما يبثونه في نفوسهم من الشرور، تارة باسم الوطنية، أصلح الله الأحوال وجعل كيد الرجعيين في ضلال.
١٠  المريد: الخبيث المتمرد الشرير.
١١  أي إن نار حميتكم لم تتَّقد لأنكم لم تتحدوا، فإن اشتعال النار لا يكون إلا باتحاد العنصرين: الأكسجين والكربون.
١٢  السبة: العار.
١٣  نزا: وثب. العتود: الجدي الذي استكرش، أو هو ما رعى وقوي وأتى عليه حول؛ يريد بذلك أنه إذا قام قائم منا بأمر نتابعه عليه من غير أن نعلم ما هو ولا أن ندري أكانت عاقبته شرًّا أم خيرًا؟
١٤  الثلة بفتح الثاء: الجماعة الكثيرة من الغنم، وأما الثلة بضم الثاء: فهي الجماعة من الناس. المأسدة: المكان الذي تكثر أو ترى فيه الأسود.
١٥  يذب: يدفع، ومثله يذود.
١٦  أورى الزند: أخرج ناره، والزند: العود الذي يقتدح به النار، والأسفل يقال له: زنده.
١٧  ارتجست السماء: رعدت، وارتجس البناء: رجف وتحرك حركة سمع لها صوت.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤