بين تونس وبغداد

أنشدت في حفلة التأهيل والترحيب بالزعيم التونسي الأستاذ الكبير عبد العزيز الثعالبي، عند قدومه بغداد سنة ١٩٢٥.

أتونِس إنَّ في بغدادَ قومًا
ترِفُّ قلوبهم لك بالوِداد
ويجمعهمْ وإياكِ انتسابٌ
إلى مَنْ خصَّ مَنِطقَهم بضاد
ودينٌ أوضحتْ للناس قبلًا
نواصعُ آيه سبلَ الرشاد
فنحن على الحقيقة أهل قُربى
وإن قضتِ السياسة بالبعاد
وما ضَرَّ البِعاد إذا تدانت
أواصرُ من لسان واعتقاد
وإن المسلمين على التآخِي
وإن أغرى الأجانب بالتعادي

•••

أتونِس إن مجدكِ ذو انتماء
إلى عُليا نِزار أو إياد
لنا بثعالبيِّك خيرُ مُلْقٍ
على أشتاتنا حبلَ اتحاد
وأكبرُ حامل بيد اعتزامٍ
لحبِّ بلاده عَلمَ التفادي
وأسمى من سما أدبًا وعِلمًا
وأفصحُ مَنْ تكلم عن سداد
دع القول الْمُرِيب وقائليه
وسل عنه المنابر والنوادي
تجدْه خطيبها في كل خَطب
ومِدْرَهها لدى كل احتشاد١
فتًى صَرُحت عزائمه وجلَّتْ
عن الرَّوَغان في طَلب المراد
تغرَّبَ ضاربًا في الأرض يبغي
مَدًى من دونه خَرْط القتاد٢
فأوغلَ في الْمَفاوز والْمَوامِي
وطوَّف في الحواضر والبوادي٣
وكان طوافه شرقًا وغربًا
لغير تكسُّبٍ وسوَى ارتفاد٤
ولكن ساح لاستنهاض قوم
حَكَوا بجمودهم صفة الجماد
يغار على العُروبة أن يراها
مهدَّدة المصَالح بالفساد
فأنَّى سار كان له هدير
يهُزُّ دَويُّه أقصَى البلاد
وكم قد قام في نادٍ خطيبًا
بمُحكمة المقاصدِ والْمَبادي
تُنير بكهْربائيِّ المعاني
أمورًا كن كالظلم الدَّآدي٥
تحلُّ من القلوب إذا وعتها
مَحَل الْحُبِّ من شَغف الفؤاد
إلى أن جاء حاضرة نماها
أبو الأمناء ذو الشرَف التِّلاد
فكان نزوله في ساكنيها
نزولَ الماء في الْمُهَج الصوادي
فيا عبدَ العزيز أقم عزيزًا
بحيث الأرض طيِّبةُ الْمَراد
يحيِّيك العراق برافِدَيهِ
تحيَّةَ مخلص لك في الوِداد
١  المدره: المحامي المدافع عن القوم.
٢  خرط القتاد: قطع ورقه باليد، والقتاد: نبت ترعاه الإبل فتسمن عليه، ويصعب خرط ورقه لكثرة شوكه وقوته.
٣  الموامي: جمع موماة، وهي الصحراء أيضًا.
٤  الارتفاد: طلب الرفد، وهو العطاء، يريد أنه لا يبغي من تطوافه كسب مال.
٥  الدَّآدي: جمع دأدأ بالفتح، أو دؤدؤ بالضم؛ وهي آخر ليلة في الشهر، وأصله: الدآدئ بالهمزة، ثم خفف.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤