عتاب وولاء

أقيم راية تحميدي وشكراني
للشاعر الصادق الإحساس نعمان
أقيمها رمز تعظيم على نشر
من القريض رفيعٍ ليس بالداني
للشهم ذي الأدب الزاكي بمحتده
فرع الذُّؤابَة من علياء عدنان
من جاءني بقوافٍ جدُّ زاهيةٍ
كمثل أزهار روض ذات ألوان
قد زانهنَّ بوشيٍ من بدائعه
حتى اتَّسقْنَ بأنغامٍ وأوزان
لما شدوْنَ بموسيقى براعته
مازَجْن في الشدو ألحانًا بألحان
ينوط بالسمع من ألفاظها دررًا
ويزدهيك من المعنى بأفنان
لقد فعلن بنفسي حين أنشدها
ما يفعل الماء في أحشاء ظمآن
فقلت، والنفس تطفو في مسرَّتها
حينًا وترسب أحيانًا بأحزان
يا شاعرًا تطرب الدنيا نشائده
كيف ابتدعت نشيدًا هاج أشجاني؟!
أنشدتنيه رُقًى تحكي بروعتها
حسن الفرائد في أسلاك عقيان
شعر يفيض شعورًا قد نكأتَ به
قرحًا بقلبي قديمًا كان أدماني
إن كان بالشَّجَن الماضي يذكِّرني
فإِنه عن شجون اليوم سلَّاني
هذا لعمرك شعر قد سررت به
وإن يكن هاج بي شجوًا فأبكاني

•••

إليك أرسل يا نعمان قافيةً
تنبيك عن شغفي في حبِّ أوطاني
أُشربتُ حبَّ بلادٍ ما نشأت بها
إلا لأدفع عنها كل عدوان
أخلصت حبِّي لها حتى نسيت به
نفسي وأهلي وأحبابي وخلاني
يا موطنًا لست منه في موادعة
عشْ بعد موتيَ عيشَ الوادع الهاني
فكل مَنْ فيك تغنيني سعادتهم
وكل أبنائك الأعداء إخواني
إن سرَّكَ الدهر يومًا سرني وإذا
آذاك بالمزعجات الدهر آذاني
ما ضرَّني أنَّ كل الناس تحقرني
إن كنت أنت جليل القدر والشان
وليس ينفعني عزٌّ ولا شرف
إن لم تكن أنت ذا عزٍّ وسلطان
لو ملَّكونيكَ عن قهرٍ بلا ثقة
ما كت غير ظلومٍ فيك خوَّان
آليتُ منذ بلغت الحلم في وطني
أن لا أقابلَ نعماه بكفران
وأن أكونَ له عونًا أؤازرُه
بالنصر أول أنصار وأعوان
إني وإن لم أوفَّق في تحرره
بنيت للمجد فيه خير بنيان
لولا التعاون بين الناس ما شرفت
نفسٌ ولا ازدهرت أرض بعمران
لولا التعادي الذي تشقى الوحوش به
ما كان أفضل منها كل إنسان
يا قوم إني من الدنيا ضحيتكم
فقربوا من حياتي كل قربان
واستنصروا اللَّه وادعوه لينقذكم
مما بكم حل من هونٍ وخسران
لا تحسبونيَ منكم جازعًا ضجرًا
وإن يكن شظفي في العيش أصواني
إني ألفت على الأيام مخمصتي
فالنعم والبؤس عندي اليوم سيان
تختار نفسي الطوى بالعز قانعة
وتترك القصف في ذلٍّ لِمِبْطان
أعيش عيشة «غندي» وهو ذو جِدةِ
في الهند يمشي وئيدًا شبه عريان
العز أعظم للإنسان من شبع
والذل أقتل من جوع لجوعان
فالذل يقتل نفسًا منه باقيةً
والجوع يقتل منه جسمه الفاني
وما الطعام بمأكولٍ للذته
وإنما هو تقويم لأبدانِ
وفي القفار غنًى للمستقيت به
عن المطاعم تخليطًا بألوان
وكل ما يملك الإنسان عاريةٌ
يزول عنه ولو من بعد أحيان
وإنَّ ذِكرَ الفتى بعد الممات بما
يحيي الثناءُ عليه عمرَه الثاني

•••

يا لاهِجينَ بشتمي في مجالسهم
ناموا على الأمن في أحضان غفراني
لولا ترفُّع نفسي في سفاهتكم
أُحْرِقْتُمُ من لظى هجوي بنيران
جادلتموني فما أحسنتموا جدلي
حتى بذيتُمْ بذاءَ الماجن الخاني
وخضتم الباطل المبدي بنعرته
شتى الأقاويل من زور وبهتان
ومن عناء الليالي أن يجادلني
مَنْ ليس يقرع بالبرهان برهاني
بل يترك القول من عجزٍ ومن خوَرٍ
إلى التقوُّل عن زهو وطغيان
تأبى المروءة إلا أن أخالفكم
فالغش ديدانكم والنصح ديداني
وإن لي في إبائي كلَّ شائنةٍ
عزمًا يؤيده باللَّه إيماني
ولا أريد قصاصًا من شتائمكم
بل أتبع العفو عنها بعض إحسان
تلكم سجيَّة حرٍّ النفس يذكرها
عني الأخلاء من شيبٍ وشبان
يا منتمين إلى عرب وهم عجمٌ
من كل أحمر هيَّان بن بيَّان
سمج الملامح في عثنونهِ صهب
مستعجم القول جافي الطبع مرطان
كيف استويتم صقورًا في مجاثمكم
ولستمو في السجايا غيرَ غربان؟
وما بكم غير قرد في جبلَّتهِ
وإن يكن جاء في مسلاخ إنسان
إذا تسمَّيتمو عربًا فلا عجبٌ
في أن يُسمَّى ابن آوى باسم سرحان
تستنثرون صغارًا في معاطسكم
وتشمخون إلى آفاق كيوان
ورب مستكبر منكم تُتَلْتِلُهُ
أيدي الأجانب تلَّ الجارمِ الجاني
فيستكين لهم حتى يكلمهم
في رعدة بلسان الخائف العاني
كم تظهرون عفافًا في تدينكم
وتضمرون ضمير الفاجر الزاني
لو كان في الجنِّ شيء من خباثتكم
لعاذ باللَّه من كل شيطان
هذي قوافٍ دعاني أن أبوح بها
شعرٌ أتى من زكيٍّ النفس نعمان
ذاك الأديب الذي باهى بسيرته
كل الكواكب من قاصٍ ومن دان
وباهرَتْ في مساعيه مكارمه
أهل المكارم من أبناء عدنان
أكرم به يافعًا شرخ الشباب به
ريَّان من شرفٍ بالمجد مزدان!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤