الغروب

قالها سنة ١٨٩٤ وقد وصف فيها ما شاهده في الأعظمية عيانًا من منظر الغروب.

نزلت تجرُّ إلى الغروب ذيولا
صفراء تشبه عاشقًا مَتبولا
تهتزُّ بين يد المغيب كأنها
صبٌّ تملمَل في الفراش عليلا
ضحكت مشارقها بوجهك بُكرةً
وبكت مغاربُها الدماء أصيلا
مذ حان في نصف النهار دلوكها
هبطت تزيد على النزول نزولا١
قد غادرت كبدَ السماءِ منيرةً
تدنو قليلًا للأفول قليلا
حتى دنت نحو المغيب ووجهها
كالورْس حال به الضياء حُئولا٢
وغدت بأقصى الأفق مثلَ عَرارة
عطِشت فأبدت صفرةً وذبولا٣
غَرَبت فأبقت كالشُّواظ عَقيبها
شفقًا بحاشيةِ السماء طويلا
شفَقٌ يروع القلبَ شاحب لونه
كالسَّيف ضُمِّخ بالدِّما مسلولا
يحكي دمَ المظلوم مازَجَ أدمعًا
هملت بها عين اليتيم همولا
رقت أعاليه وأسفله الذي
في الأفق أُشبِعَ عُصفرًا محلولا٤
شفقٌ كأن الشمس قد رفعت به
رُدنًا بذوبِ ضيائها مبلولا٥
كالخود ظلَّت يوم ودَّع إلفها
ترنو وترفع خَلفه المِنديلا٦
حتى توارت بالحِجاب وغادرت
وجه البسيطة كاسفًا مخذولا
فكأنَّها رَجلٌ تخرَّم عِزَّه
قرع الخطوب له فعاد ذليلا
وانحطَّ من غُرف النباهة صاغرًا
وأقام في غار الهوان خمولا

•••

لم أنسَ قرب «الأعظميَّة» موقفي
والشمس دانيةٌ تريد أفولا
وعن اليمين أرى مُروج مُزارعٍ
وعن الشمال حدائقًا ونخيلا
وتروع قلبي للدَّوالي نعرة
في البين يحسِبها الحزين عَويلا٧
ووراء ذاك الزرع راعيَ ثلة
رجعت تؤُمُّ إلى المراح قفولا٨
وهناك ذو برذونتين قد انثنى
بهما العشيَّ من الكراب نحيلا٩
وبمنتهى نظري دخان صاعد
يعلو كثيرًا تارةً وقليلا
مدَّ الفروع إلى السماء ولم يزل
بالأرض متصلًا يمدُّ أصولا
وتراكبت في الجوِّ سُودُ طباقهِ
تحكي تلولًا قد حملن تلولا
فوقفتُ أرسل في المحيط إلى المدَى
نظرًا كما نظر السقيم كليلا
والشمس قد غرَبت ولما ودَّعَتْ
أبكت حُزُونًا بعدها وسهولا
غابت فأوحشتِ الفضاء بكدرة
سَقِم الضياء بها فزاد نحولا
حتى قضت رُوح الضياء ولم يكن
غير الظلام هناك عزرائيلا
وأتى الظلامُ دُجنَّة فدجنَّة
يُرخي سدولًا جمَّةً فسدولا
ليل بغيهبه الشخوصُ تلفعت
فظَلِلتُ أحْسِب كلَّ شخصٍ غولا
ثم انثنيت أخوض غمر ظلامه
وتخِذْت نجم القطب فيه دليلا
إن كان أوحشني الدجى فنجومه
بعثت لتؤنسني الضياءَ رسولا
سبحان من جعل العوالم أنجمًا
يسبحنَ عرضًا في الأثير وطُولا
كم قد تصادمتِ العقول بشأنها
وسعت لتكشف سرها المجهولا
لا تحتقرْ صِغَر النجوم فإنما
أرقى الكواكب ما استبان ضئيلا
دارَتْ قديمًا في الفضاء رَحى القوى
فغدا الأثير دقيقها المنخولا
فاقرأ كتاب الكون تلْقَ بمتنه
آيات ربك فُصِّلتْ تفصيلا
ودع الظُّنون فلا وربِّك إنها
لم تغنِ من علم اليقين فتيلا
١  دلوك الشمس والنجوم: زوالها على الاستواء، ويستعمل في الغروب أيضًا.
٢  الورس: نبت أصفر، يزرع باليمن وتصبغ به، أو هو صنف من الكركم.
٣  العرارة: واحدة العرار، وهو نبت طيب الريح، قيل: هو النرجس البري.
٤  العصفر: نبت أصفر، يصبغ به.
٥  الردن: أصل الكم.
٦  الخود: الفتاة الحسنة الخلق الشابة، والجمع خودات، وخود بضم الخاء في الأخير.
٧  الدوالي: جمع دالية، وهي الناعورة تديرها البقرة، والنعرة بالفتح: المرة من نعر إذا صوت.
٨  الثلة: القطيع من الغنم. والمراح: المكان تروح إليه الدواب وتأوي إليه بعد المراعي.
٩  الكراب مصدر كرب الأرض كربًا وكرابًا: قلبها للحرث، وأثارها للزرع.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤