نحن والماضي

عهدتك شاعرَ العرب المُجيدا
فما لك لا تطارحُنا النشيدا١
فنحن إليك بالأسماع نُصغِي
فهل لك أن تفيد فنستفيدا
بشعرٍ لا تزال تنوط منه
بجيد بدائع الدنيا عقودا٢
إذا أنشدْتَه الحسناءَ تاهتْ
كأنْ قرَّطتها دُرًّا فريدا٣
وأنت إذا قرعتَ به عبيدًا
رددت إلى الحرار به العبيدا٤
ولو تستنهض الجُبناء يومًا
به لتقَحَّموا الهيجا أسودا
ولو كرَّرتهُ للقوم أَلفًا
لأقسم سامعوه بأن تُعيدا
وكم تهتز أعطافُ المعالي
إذا ما قلتَ قافيةً شرودا
فلو أنشدتنا في الفخر شعرًا
تذكرنا به العهد البعيدا
تذكرنا الأوائل كيف سادوا
وكيف تبوَّعوا الشرف المديدا٥

•••

فقلت له وقد أبدى ارتياحًا
إليَّ إذ ارتجلتُ له القصيدا:
أَجَلْ إنَّ القبائل من مَعدٍّ
علوا فتسنَّموا المجد المجيدا٦
وإنَّ لهاشمٍ في الدهر مجدًا
بناه لها الذي هشمَ الثريدا
ومذ قام ابن عبد اللَّه فيهم
أقام لكل مكرمةٍ عمودا٧
وأنهضهم إلى الشرف المُعلَّى
وكانوا عنه قبْلئذٍ قعودا
فأصبح واريًا زند المعالي
وقبلًا كان مقْدحُه صُلودا
فهم فتحوا البلاد ودوَّخوها
وقادوا في معاركها الجنودا٨
وهم كانوا أشدَّ الناس بأسًا
وأمنعَ جانبًا وأعمَّ جُودا
وأرجحهم لدى الجُلَّى حلومًا
وأصلبهم لدى الغمرات عودا٩
ولكن أيُّها العربيُّ إني
أراك لغير ما يُجدي مُريدا
وما يُجدي افتخارك بالأوالي
إذا لم تفتخر فخرًا جديدا؟!

•••

أرى مستقبل الأيام أولى
بمطمح من يحاول أن يسودا
فما بلغ المقاصد غيرُ ساعٍ
يُردِّد في غدٍ نظرًا سديدا
فوجِّه وجهَ عزمك نحو آت
ولا تلْفِتْ إلى الماضين جِيدا
وهل إن كان حاضرنا شقيًّا
نسود بكون ماضينا سعيدا؟
تقدَّم أيُّها العربي شوطًا
فإن أمامك العيشَ الرَّغيدا١٠
وأسِّس في بنائك كلَّ مجد
طريفٍ واترُكِ المجدَ التليدا١١
فشرُّ العالمين ذوو خمول
إذا فاخرتهم ذكروا الجدودا
وخيرُ الناس ذو حسب قديم
أقام لنفسه حسبًا جديدا
تراه إذا ادَّعى فِي الناس فخرًا
تُقيم له مكارمُه الشهودا
فدَعْني والفخارَ بمجدِ قومٍ
مضى الزمن القديم بهم حميدا
قد ابتسمت وجوه الدهر بيضًا
لهم ورأيننا فعبسْنَ سودا
وقد عهِدوا لنا بتراث مُلكٍ
أضعنا في رعايته العهودا١٢
وعاشوا سادة في كل أرض
وعشنا في مواطننا عبيدا
إذا ما الجهل خيَّم في بلادٍ
رأيتَ أسودَها مُسِخت قرودا
١  قوله: «لا تطارحنا النشيد»: أي لا تجاوبنا منشدًا، يقال: طارحه الكلام والشعر والغناء إذا ناظره وجاوبه.
٢  تنوط: تعلق. والجيد: العنق أو مقلده أو مقدمه.
٣  تاهت: تكبرت. وقرطتها: أي ألبستها قرطًا، والقرط بالضم: هو الذي يعلق في شحمة الأذن، من درة أو نحوها.
٤  قرعت: ضربت. والحرار بالفتح: العتق والحرية.
٥  تبوَّعوا الشرف: امتدوا فيه وأدركوا غايته. والشرف المديد: أي الممدود الطويل.
٦  أجل: حرف جواب بمعنى نعم. وتسنموا المجد: أي علوه. ومعد: هو معد بن عدنان أبو العرب.
٧  ابن عبد الله: يعني محمد بن عبد الله .
٨  دوخوها: أي قهروها واستولوا على أهلها.
٩  الجلى: الخطب العظيم، والأمر الشديد، وهي مؤنث الأجل.
١٠  الشوط: الجري مرة إلى الغاية.
١١  المجد الطريف: الحديث المكتسب، والتليد: القديم الموروث.
١٢  قوله: بتراث ملك، التراث: ما يخلفه الرجل لورثته، أي: بتراث هو ملك، فالإضافة بيانية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤