على البسفور

وقفتُ على البوسفور والريح عاطف
وللدَّوح ظل دونه متقلِّصُ
وفي البحر مجرى موجة إثرَ موجةٍ
كجري طموح الخيل إذ يتوقص١
ويُزبد أعلى الموج حتى كأنه
هضابٌ إلى أطرافها الثلج يخلص
كأنَّ رياح الجو عند هبوبها
تغنِّي وهذا الموج في البحر يرقص
كذا حادثات الدهر تمضي رواقصًا
بها العيش يصفو أو بها يتنغَّص
وفي كل يوم للزمان عجائبٌ
بها الناس تغلو أو بها الناس ترخص
وأعجب ما في الدهر أن هباتهِ
تزيد لمن فيه المروءة تنقص
وربَّ أفيكٍ جاء يمذُق وُدَّه
ويُظهر إخلاصًا وما هو مخلص٢
ولكنه في ودِّه الثعلب الذي
يروغ أو الكلب الذي يتبصبص
تعاليتُ عن تبكيته إذ رأيته
جهولًا على علاته يتعنفص
وقلت له: لا تدنُ مني فإنني
بغيضٌ إليَّ الكاذب المتخَرِّص
وإنك عارٍ من سوى العار فابتعد
فإني بأثواب العلا متقمِّص
حَرَصت على تكريم محضر صاحبي
وإني على ذا في المغيب لأحرص
وما غرني ذو ظاهر متودِّدٍ
إذا كان فيه باطنٌ متلصِّص
ويا رُبَّ وجهٍ لم يَرقْني بياضُه
فلمَّا دنا مني إذا هو أبرص
فيا شعراء القوم كفُّوا وَغَاكمُ
فشرح العلا في بعض شعري مُلخص
دعوا كشف مكنون الصدور لفطتني
فإني بذا من دونكم متخصص
ذكاء لو اجتزتُ الجدار بنوره
لشف لعينيَّ الجدارُ المجصَّص
ولست على الأعقاب في الرأي ناكصًا
إذا كان للمستضعفِ الرأي منكص
على أن لي في معرض الشكِّ ربصةٌ
ورُبَّ يقينٍ ناله المتربص
إذا أنا لم أنكر على الدهر جورَهُ
فلا وطئت بي موطئَ العز أخمصُ
١  يتوقص: يثب في عدوه وهو يقارب الخطو.
٢  أفيك: كاذب. ويمذق: يخلط.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤