في يوم أبي غازي

القصيدة العصماء التي ألقاها شاعر العرب الكبير الأستاذ معروف الرصافي في حفلة تأبين فقيد العرب العظيم المغفور له الملك فيصل الأول طيب الله ثراه.

أبو غازي قضى فأقِيم غازي
فأنطقنا التهانيَ والتعازي
وأطلقنا المدائح والمراثي
بإنشاءٍ لهنَّ وبارتجاز١
وجئنا حاشدين بصدر يوم
حكى يومَيْ عكاظ وذي المجاز
غداةَ قلوبُنا امتلأت سرورًا
وحزنًا يجريان على التوازي
فهنَّ بعامليْ فرح وحزنٍ
خوافق في جوانحنا نوازي٢
فكنَّ من ابتهاج في هدوءٍ
وكنَّ من اهتياجٍ في اهتزاز

•••

قضى بدرُ المكارم والمعالي
وحيْدرة المعارك والمغازي
فيا لَلَّهِ يوم نعاه ناعٍ
لمرزئة محتْ كل المرازي
رزئنا ابنَ الحسين فنحن منه
برزء للحسين أولو اجتياز
فما مَيْز المحرَّم من جُمادى
يفرِّق في البُكاء ولا امتياز
له كَفٌّ تفيض ندًى ونبلًا
لها بهما غنًى عن حَزْو حاز٣
بنى مجدًا عِراقيًّا جديدًا
فأسسه على المجد الحجازي
وسار من السياسة في طريقٍ
بحسن الرأي مُعْلمة الطراز
فما ترك الجهود بلا نجاحٍ
ولا فُرَصًا تمر بلا انتهاز
إذا اعتزم الأمورَ مضى وأمضى
وإن سلَّ المهند قال ماز٤

•••

أبا غازي فقدنا منك قرمًا
يُناجز دوننا يوم النجاز٥
حللتَ من العراق وأنت رِكْزٌ
بحيث الأرض جيدة الركاز٦
فَحَلَّ اليُمن منذ حللت فيه
وقبلًا كان عنه ذا انحياز
لقد وُفقت بالقلم المسلي
كما وفقت بالسيف الجُراز٧
ومهدت الأمور لنا ففزْنا
من الآمال بالغرر العِزَاز
ودرَّت ذات أيدينا وكانت
كحلب النوقِ أيام الغراز٨
ولولا سعيُك المشكور كنا
كذي سفرٍ يسير بلا جواز
إذا المكَّاء أوتيَ منكَ حظًّا
يطير إلى العلا بجناح باز٩

•••

لأهل الرافدين عليك حزنٌ
له بقلوبهم فضل ارتكاز
فأنت هديتهم سبُلَ المعالي
كما جنَّبتهم طرق المخازي
لئن لبسوا الحداد عليك حزنًا
فقد ألبستهم ثوب اعتزاز
وما هو بالبكاء جزوك شيئًا
ولكنَّ الإله هو المجازي

•••

لقد قوَّيتنا من بعد عجزٍ
به كنا نحيد عن البراز١٠
وكنا كالبغاث فقمتَ فينا
بما صرنا به مثل البوازي١١
فنحن اليوم إذ دهمت خطوب
نظرنا للخطوب بطرف هازي
نقوم إلى الهياج بلا توانٍ
ونبتدر الأمور بلا احتراز
فلَسْنا من صروف الدهر نخشى
عَوادي ذاتَ سَلب وابتزاز
ونحن من الأُلَى في كل عصر
عَزا لَهُمُ المكارمَ كلُّ عاز
نراعي الحق في سلم وحرب
ونترك في مغارمنا التجازي
ولو شكت الحقيقة لانتزعنا
شكايتها بتضحية المجاز
وقد علمت بنو آثور أنا
أولو بأس يعرقب كل ناز
فنحن بسيفك الماضي جَززنا
نواصي جمعهم أيَّ اجتزازِ

•••

أفَيْصَلُ نمْ بقبرك مستريحًا
فإن الملك بعدك ملكُ غازي
١  الارتجاز: قول الرجز.
٢  النوازي: الواثبة الخافقة.
٣  حزو حاز: تبصر متبصر، والحازي الخبير بالأمور.
٤  المهند: السيف من صنع الهند. وماز الشيء: فرزه عن غيره.
٥  القرم: السيد. ويناجز: يقاتل.
٦  الركز: الرجل الحكيم الكريم، والركاز: ما ركزه الله؛ أي أحدثه ودفنه في المعادن من ذهب وفضة وغيرهما.
٧  السيف الجراز: القاطع.
٨  درت ذات يده: اتسعت حاله واغتنى. وأيام الغراز: التي لا لبن فيها.
٩  المكاء: طائر من القنابر، له تصعُّد وهبوط في الجو، أبيض اللون وله صفير حسن. والبازي: من الطيور الجارحة.
١٠  البراز: المبارزة والقتال.
١١  البغاث: طائر أغبر أصفر من الرخم، بطيء الطيران، يضرب به المثل في الضعف.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤