التربية والأمهات

هي الأخلاق تنبت كالنباتِ
إذا سُقيتْ بماء المَكرُماتِ
تقوم إذا تعهدها المُربِّي
على ساق الفضيلة مُثمِرات
وتسمو للمكارم باتَّساقٍ
كما اتسقت أنابيبُ القناة١
وتنعش من صميم المجد رُوحًا
بأزهار لها مُتضوِّعات
ولم أرَ للخلائق من محلٍّ
يُهذِّبها كحِضن الأمهات
فحضْن الأمِّ مدرسة تسامتْ
بتربية البنين أو البنات
وأخلاقُ الوليدِ تقاسُ حسنًا
بأخلاق النساء الوالدات
وليس ربيبُ عاليةِ المزايا
كمثل ربيبِ سافلة الصفات
وليس النبت ينبت في جنانٍ
كمثل النبت ينبت في الفَلاة

•••

فيا صدرَ الفتاة رَحُبْتَ صدرًا
فأنت مَقرُّ أسنى العاطفات
نراك إذا ضممتَ الطفل لَوْحًا
يفوق جميع ألواح الحياة
إذا أستند الوليدُ عليك لاحت
تصاويرُ الحنانِ مصوَّرات
لأخلاق الصبيِّ بك انعكاسٌ
كما انعكس الخيالُ على المِراة
وما ضَرَبانُ قلبك غير درس
لتلقينِ الخصال الفاضلات
فأوَّل درس تهذيب السجايا
يكون عليك يا صدر الفتاة
فكيف نظنُّ بالأبناء خيرًا
إذا نشئوا بحضن الجاهلات؟!
وهل يُرجَى لأطفالٍ كمالٌ
إذا ارتضعوا ثُدِيَّ الناقصات؟!
فما للأمَّهات جهلْنَ حتى
أتَيْن بكل طيَّاشِ الحصاة؟!٢
حَنوْنَ على الرضيع بغير علم
فضاع حنُوُّ تلك المرضعات

•••

أأُمَّ المؤمنين إليك نشكو
مصيبتنا بجهل المؤمنات
فتلك مصيبة يا أمُّ منها
«نكاد نغَصُّ بالماءِ الفراتِ»
تخِذْنا بعدك العادات دينًا
فأشقى المسلمون المسلمات
فقد سلكوا بهنَّ سبيلَ خُسرٍ
وصدُّوهنَّ عن سبل الحياة
بحيث لزِمْن قعرَ البيت حتى
نزلنَ به بمنزلة الأدَاة٣
وعَدُّوهن أضعف من ذبابٍ
بلا جنح وأهون من شذاة٤
وقالوا: شِرعةُ الإسلام تقضي
بتفضيل «الذين على اللواتي»
وقالوا: إنَّ معنى العلم شيء
تضيق به صدور الغانيات
وقالوا: الجاهلات أعفُّ نفسًا
عن الفحشا من المتعلمات
لقد كذبوا على الإسلام كِذْبًا
تزول الشمُّ منهُ مزَلزَلات
أليس العلم في الإسلام فرْضًا
على أبنائِه وعلى البنات
وكانت أُمُّنَا في العلم بحرًا
تحل لسائِليها المشكلات
وعلَّمها النبيُّ أجلَّ علمٍ
فكانت من أجلِّ العالمات
لذا قال: ارجِعُوا أبدًا إليها
بثلثي دينكم ذي البينات
وكان العلم تلقينًا فأمْسى
يُحصَّل بانتياب المَدرَسات
وبالتقرير من كتبٍ ضخامٍ
وبالقلم الممَدِّ من الدواة
ألم ترَ في الحسان الغيدِ قبلًا
أوانس كاتباتٍ شاعراتِ
وقد كانت نساء القوم قِدْمًا
يرُحْنَ إلى الحروب مع الغزاة
يكنَّ لهم على الأعداء عونًا
ويضمِدن الجروح الداميات
وكم منهن من أُسرَت وذاقت
عذاب الهُون في أسر العُداة
فماذا اليوم ضرَّ لو التفتنا
إلى أسلافنا بعض التفات!
فهم ساروا بنهج هُدًى وسرنا
بمنهاج التفرق والشتات
نرى جهل الفتاة لها عَفافًا
كأنَّ الجهل حصن للفتاة
ونحتقر الحلائلَ لا لجُرْمٍ
فنؤذيهن أنواع الأذاة
ونلزمهن قعر البيت قهرًا
ونحسبهن فيه من الهَنات٥
لئن وأدوا البنات فقد قَبرنا
جميع نسائِنا قبل الممات
حجبناهن عن طلب المعالي
فعشن بجهلهن مُهَتَّكات
ولو عَدمت طباع القوم لؤمًا
لما غدت النساءُ محجَّبات
وتهذيب الرجال أجلُّ شرط
لجعل نسائهم مُتهذبات
وما ضرَّ العفيفة كشفُ وجهٍ
بدا بين الأعفَّاء الأباة
فِدًى لخلائق الأعراب نفسي
وإن وُصفوا لدينا بالجُفاة
فكم برزت بحبِّهم الغواني
حواسِرَ غير ما متريِّبات
وكم خِشفٍ بمربعهم وظبي
يَمرُّ مع الجداية والمهاة٦
ولولا الجهل ثَمَّ لقلتُ مَرحَى
لمن ألِفوا البدَاوة في الفلاة
١  القناة: الرمح وكل عصا مستوية.
٢  الطياش: الذي لا يقصد وجهًا واحدًا لخفة عقله. والحصاة: العقل والرأي.
٣  الأداة: الآلة، يريد بها ما يستعمل في البيوت كالآنية، والشاعر يقرع بذلك بعض من لا أخلاق لهم.
٤  الشذاة: كسر العود.
٥  الهن: كناية عن كل جنس، ومعناه شيء ومؤنثة هنة، وجمعها هنوات وهنات، يريد بذلك أننا نحسب المرأة من جهلنا شيئًا من أشياء البيت.
٦  الخشف والظبي: الغزال. الجداية والمهاة: الغزالة، وفي الكلام مجاز لا يخفى.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤