أطلال العلم أو المدرسة النظامية في بغداد

قوَّض الدهرُ بالخراب عمادي
ورَمتْني يداه بالأنكادِ
كم أنادي وليس لي من مجيبٍ
وا ضياعاه جهرةً كم أنادي!
ضعضع الدهرُ من بنائيَ أركا
نًا شِدادًا طالت على الأطواد
طالما رفرفت من العلم رايا
ت فخارٍ مني على بغداد
كنتُ للعلم روضةً باكرت أز
هارها الغرَّ بالعِهاد الغوادي١
وجميع الأنام تضرب أكبا
د المطايا كي تجتني أورادي٢
فالغزاليُّ سَلْهُ بي، وأبا إسـْ
ـحاق عما حويت من إرشاد٣
سَلْهُ إذ في طلابيَ الإبلُ النُّجـْ
ـبُ تُحفَّى مَضروبة الأكباد
فرمتني صواعق الدهر فانهد
بنائي وصرت بعض الوهاد
فبكتني من السماء دَراريـ
ـها وكانت تعَدُّ من حُسادي

•••

أهل بغدادَ ما لأعينكم تغـْ
ـمِض عني كأنكم في رُقاد؟!
أهلَ بغداد هل ترقُّ قلوبٌ
منكمُ راعها انقضاضُ عِمادي؟!
رقَّ حتى قلبُ الجماد لفقدِي
فلتكُوننَّ قلوبكم من جَماد
أفلا تنجدون مدرسة العلـ
ـم وعهدي بكم أولي إنجاد؟!
أين ما شِيدَ من نظاميِّ رَبْعي؟
فلقد كان نُجْعة المرتاد
أين تلكِ العلوم وَهْيَ التي كا
نت ربوعي تُذيعها في البلاد؟
كيف قضَّت خيامَها زعزعُ الدهـ
ـر وكانت رصينة الأوتاد؟!
أقفرتْ سُوحها وقد نعي العلـ
ـم فلاحت تجرُّ ثوبَ الحِداد
وتوارت بالجهل ظلمًا وكانت
خافقًا فوقها لواء الرشاد
أيها الدهر كلما شئت فافعل
إذ حدا في ركائبي غيرُ حاد
ورعاني من راح من ظلمه العدْ
ل فقيدًا مِيعاده في المَعاد
فرَّقوا جمع أمة قبلهم كا
نت لعمري وحيدَة الإتحادِ
١  العهاد: جمع عهد، وهو المطر بعد المطر.
٢  الأوراد: جمع ورد، والمراد به هنا: الجزء الذي يقرؤه العالم من العلم، أو القارئ من القرآن في المرة والواحدة.
٣  أبو إسحاق: كان من مشيخة بغداد، وإمام المذهب الشافعي بها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤