وا شيخاه!

أزمعتَ عنَّا إلى مولاك تَرحالا
لما رأيتَ مُناخَ القوم أوحالا
رأيتنا في ظلامٍ ليس يعقبُه
صبحٌ فشمَّرت للترحال أذيالا
كرهتَ طول مُقامٍ بين أظهرنا
بحيث تبصرنا للحق خُذالا
ولم ترُقْ نفسك الدنيا ونحن بها
لسنا نؤكد بالأفعال أقوالا
وكيف تحلو لذي علم إقامته
في معشر صحبوا الأيام جهالا؟!
لذاك كنت اعتزلتَ القوم منفردًا
حتى أقاربَك الأدْنَين والآلا
وما ركنتَ إلى الدنيا وزُخرِفها
ولا أردت بها جاهًا ولا مالا
لكن سلكت طريقَ العلم مجتهدًا
تهدي به من جميع الناس ضُلَّالا
«محمودَ شكري» فقدنا منك حَبْرَ هُدًى
للمشكلاتِ بحسن الرأي حلَّالا
قد كنتَ للعلم في أوطاننا جبلًا
إذا تقسَّم فيها كان أجبالا
وبحرَ علم إذا جاشت غَواربُه
تقاذفَ الدرُّ في لُجَّيه مُنهالا
يا من بشوَّال قد شالت نعامته
نغصت بالحزن شهر العيد شوالا١
أعْظم برزئك في الأيام من حدَثٍ
هزَّت عليَّ به الأيام عسَّالا٢
أمست لروعته الأبصار شاخصة
أما القلوبُ فقد أجفلن إجفالا
طاشت حصاةُ العلا لمَّا نُعيت لها
وكل ميزان علم بالأسى شالا
إذا نعيُّك وافى «مصر» منتشرًا
جئنا «أبو الهول» يشكو منه أهوالا
وإن أتى البيت «بيت الله» رُجَّ به
وأوجس «الركن» من مَنعاك زلزالا
أما «العراق» فأمسى «الرافدين» به
سَطرين للدمع في خدَّيهِ قد سالا
بكى الورى فيك حَبْرًا لا مثيل له
أقواله ضربت في العلم أمثالا
بَكَوك حتى قد احمرَّت مدامعهم
كأنهم نضحوا فيهن جِريالا
ولو لفظنا لك الأرواح من كمدٍ
لم نَقْضِ من حقك المفروض مثقالا
ولا نُخَصص في رزءٍ بتعزيةٍ
إلا علومًا أضاعت منك مفضالا
فإن رُزءك عمَّ الناس قاطبة
يا أكرم الناس أعمامًا وأخوالا
شكرًا لأقلامك اللائى كشفتَ بها
عن أوجه العلم أستارًا وأسدالا
كتبن في العلم أسفارًا سيدرسها
أهلُ البسيطة أجيالًا فأجيالا
أمددتها بمدادٍ ليس يعقبه
دمع الأنام وإن يبكوك أحوالا
وكنت أنت نطاسيَّ العلوم بها
وكن في سَبر جُرح الجهل أميالا٣
يا مطلعًا في سماء الفكر أنجمه
تهدي إلى العلم رُحالا وقفَّالا
لو أنني بَلغتْ زهرَ النجوم يدي
نحتُّها لك بعد الموت تمثالا
ما ضرَّ من بعد ما خلَّدت من كتبٍ
ألَّا نرى لك بين الناس أنجالا
إذا ذكرناك يومًا في محافلنا
قمنا لذكراك تعظيمًا وإجلالا
إني أخفُّ لدى ذكراك مضطربًا
وإن حملتُ من الأحزان أثقالا
لأشكرنَّك «يا شكري» مدى عُمُري
وأبكينَّك أبكارًا وآصالا
فأنت أنت الذي لقَّنتني حِكمًا
بها اكتسيتُ من الآداب سربالا
أوْجَرتني من فنون العلم أدويةً
شفَت من الجهل داء كان قتَّالا٤
فصحَّ عقلي وقبلًا كنتُ مشتكيًا
من عِلة الجهل أوجاعًا وأوجالا
أنا المقصر عن نعماك أشكرها
ولو ملأت عليك الدهر إعوالا
فاغفر عليك سلامُ اللهِ ما طلعت
شمسٌ وما ضاء بدْر الليل أو لالا
١  شالت نعامته: مات.
٢  العسال: الرمح المهتز لينًا.
٣  الأميال: جمع ميل بكسر الميم، وهو عويد صغير من زجاج يسبر به عمق الجرح.
٤  أوجرتني: سقيتني.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤