نواح دجلة

قالها بعد سقوط بغداد في أثناء الحرب العامة؛ جوابًا عن قصيدة الشاعر التركي الشهير سليمان نظيف.

هِيَ عيني ودمعُها نضَّاحُ
كلُّ حُزنٍ لمائها يَمتاحُ
كيف لا أذرُف الدموع وَعِزِّي
بيد الذلِّ هالك مجتاحُ؟!
قد رمتني يدُ الزمان بخطبٍ
جَلَل ما لليله إصباح
حيثُ غمَّت عليَّ وجه سَمائي
ظُلمات تخفى بها الأشباح
وتوارَى عن أعيني مضمحلًا
شَرَف في مواطني وضاح
يومَ أمسيتُ لا حُماةٌ تذود الضـ
ـيم عني ولا ظُبًا ورماح
فأنا اليومَ كالسفينة تجري
لا شِراعٌ لها ولا ملَّاح
ضقتُ ذرعًا بمحنتي فتراءتْ
قِيدَ شِبرٍ ليَ الفِجاج الفِساح
أخرسَ الحزن مَنْطقي بنحيبٍ
ألسنُ الدمع فيه ذُلْقٌ فِصاحُ
نُحْتُ حتى رثى العدو لحالي
واعتراني من العويل بُحاح
فمياهي هي انسكاب دموعي
وخريري هو البكا والنُّواح
أوَما تبصرُ اضطرابي إذا ما
خَفقتْ في جوانبي الأرواح؟!
ليس ذا الموجُ فيَّ موجًا ولكن
هو مني تنهُّد وصياح
إن وجدي هو الجحيمُ ولولا
أدمعي أحرقتْنيَ الأتراح
لو درى منبعي بما أنا فيه
من أسًى جفَّ ماؤه الضَّحْضَاح
علَّه قد درى بذاك فهذا
هو باكٍ ودَمعُه سفَّاح

•••

أين أهل الحفاظ هل تركوني
نهبةً في يد العدوِّ وراحوا؟
برحوا واديَ السَّلامِ عجالًا
أفجِدٌّ برَاحُهمْ أم مُزاح؟
ما لَهم يَبعدون عنِّي انتزاحًا
وعزيز منهم عليَّ انتزاح؟
أوَما يعلمون أن حريمي
للمُعادين بعدهم مستباح؟
فلئن يبعدوا فإن فؤادي
لَإلَيْهم بودِّه طمَّاح
تركوني من الفراق أقاسي
ألمًا ما تطيقه الأرواح
لو رأوني سبْيًّا بأيدي الأعادي
لبكوا مثلما بكيت وناحوا
لا مسائي بعد البعاد مساءٌ
يوم بانوا ولا الصباح صباح
أتمنى بأن أطيرَ إليهم
بجناحٍ وأين مني الجناح!
أنا أدرى بأنهم بعد هجري
لم يذوقوا غمضًا ولم يرتاحوا
بل هم اليوم عازمون على الزحـ
ـف بجيشٍ به تَغَصُّ البِطاح
إن تَأنَّوا فربضة الليث تأتي
بعدها وثبةٌ له وكفاح
كيف يُغضون عن إغاثة وادٍ
زانه من ودادهم أوضاح؟!
فعليه من فخر عثمان تاجٌ
وله راية الهلال وشاح
أنا باقٍ على الوفاء وإن كا
نت بقلبي ممن أحبُّ جراح
فإليهم ومنهمُ اليوم أشكو
بلِّغيهم شكايتي يا رياحُ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤