ولسون بين القول والفعل

قال قولًا به استحقَّ احترامَا
وتعدَّاه فاستحق مَلاما
رجل قد تنكَّب الحق قوسًا
ومن البُطْلِ ظلَّ يرمي سهاما
كان منه المقال نورًا فلمَّا
حان حِين الفعال كان ظلاما
خاض حربَ العدا بِمِقْوَلِ حرٍّ
فاق فيها المهنَّد الصمصاما
وبذا عرَّف الورى أن قول الـ
ـمرء في الحرب قد يفوق الحساما
إذ غدا ناطقًا بمرقد واشنـ
ـطون نطقًا شفى به الأسقاما
معربًا عن مبادئٍ محكمات
ساميات تحرر الأقواما
قال: حرية الأنام هي الغا
ية لي في الوغى فغرَّ الأناما١
فاشرأبَّ الورى إليه وظنُّوا
أنهم سوف يبلغون المراما
واطمأنت له القلوب بفوز
يغتدي في فم الزمان ابتساما
شام منه الورى بوارق غيم
من وراء البحر المحيط ترامى
فتصدَّى لغيثه كل قوم
قد شكوا غلة بهم وأواما
ثم خابت ظنونهم فيه لما
مر في الجو خُلَّبًا وَجهاما

•••

مدَّ وِلسون في السياسة حَبلًا
جمع النقض فيه والإبراما
فلبعض الأنام كان عِصامَا
ولبعض الأنام كان خِصاما
مَلأ الدهر في فيومة فخرًا
وبأزميرَ أخجل الأياما
إن أزميرَ صيَّرت ما لِولسو
نَ من الفخر في فيومةَ ذاما٢
فهل الحق عنده في سوى الغر
ب حقيرٌ أقلُّ من أن يُحامى؟!
أو هل الشرق وحده في الأقا
ليم مُباحٌ أن يُستبَى ويُضاما؟!
أم هل القوم عاهدوا الله في أن
لا يُراعوا للمسلمين ذماما؟!
ما لهم أرهقوا بني الشرق ظلمًا
وعلى الترك أشلوُا الأرواما؟٣
فاستباحوا حريم أزمير نهبًا
واستحلُّوا من الدماء حَراما
حيث جاسوا خلالها بجنود
ركِبت في عُتوِّها الآثاما

•••

أيها المجلس الرباعيُّ مَهلًا
فلقد جُرْتَ في الأمور احتكاما
أنت سكرانُ خمرةِ النصر فاحذر
حين تصحو ندامة ولِواما
لك عينٌ ترى السها في الدياجي
وعن الشمس في الضحى تتعامى٤
أولم تَدْر أن للدهر عينًا
إن تنم عين أهله لن تناما؟
لا تكن تابعًا هوى النفس فيما
أنت فيه تقرِّر الأحكاما
فهوى النفس قد يُضلُّ ذويه
فيطيشون في الورى أحلاما
ويرون الجُسامَ أمرًا صغيرًا
ويرون الصغير أمرًا جُساما
لا يغرَّنك الزمان إذا ما
لك أبدى بشاشة وابتساما
كم أشال الزمان أعلام قوم
في الذرا ثم نكَّس الأعلاما
مثلما دار للفرنج على الجِرْمَنِ
حربًا فأدركوا الانتقاما

•••

أيها المسلمون لستم من الغر
ب بحالٍ تستوجبون احتراما
إنما أنتمُ لدى الغرب قوم
خُلقوا عن سوى الشرور نياما
فإذا ما وسِعتمُ الناسَ حِلمًا
عدَّه الغرب شِرَّةً وعُراما٥
وإذا ما ملأتمُ الأرض عدلًا
عُدَّ جورًا، أو مفخرًا عُدَّ ذاما
وإذا ما فعلتم الخير يومًا
حسبوه جناية وأثاما
وإذا زَلَّةً لكم دَفَن الدهـ
ـر أمَلُّوا بنبشها الأقلاما
وإذا ما افترَى عليكم عدوٌ
أيدوه وصدقوا الأوهاما
وإذا ما جنى عليكم أناس
سكتوا عنهمُ ومرُّوا كراما
كم بأرضِ البلقان منكم قتيل
وأيامى مُضاعة ويتامى
نثر الظالمون في الأرض منهم
جُثَثًا تملأ الفضاء وهاما
لو أتينا تلك البلاد رأينا الـ
ـيوم منهم جَماجِمًا وعظاما
ما نضا للدفاع عنهم بنو الغرْ
بِ حسامًا ولا أحاروا كلاما
إن تكن هذه السياسة عدلًا
فإلى الظلم نشتكي الآلاما
رحم الله أمَّةً أصبح الغر
بُ يرى كل ذنبها الإسلاما
١  غر الأنام: خدعهم وغشهم.
٢  الذام: العيب.
٣  أشلى الكلب على الصيد: سلطه عليه ليصيده.
٤  السها: نجم صغير لا تكاد تراه العين لبعده.
٥  عراما: عتوًّا وطغيانًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤