تجاه الريحاني

هي النفس

أنشدها في حفلة أقيمت في بيروت لأمين الريحاني، بعد رجوعه من سياحته في بلاد العرب.

هي النفس أغشى في رضاها المعاطبا
وأحمل منها بين جَنبيَّ قاضبا١
تكلفني أن أخبط الليل بالسُّرى
وأن أمتطي فيه من الهول غاربا٢
وتنهضني للمجد بالعزم ماضيًا
وبالهمِّ مِقلاقًا وبالرأي صائبا
ولم ترضَ إلا كالجبال معزةً
ولم تهوَ إلا كالشموس مناقبًا
إذا أنا أنزلت النجوم لأرضها
أبَتهن إلا أن يكنَّ ثواقبا
وترفضُ مني كل عيش منعم
إذا ازورَّ ذاك العيش بالذل جانبا
ولم تبغِ لي إلا الحقيقة بغية
ولم ترضَ لي إلا الكريمَ مصاحبا
تقول إذا أوردتها ماء مِذنَبٍ
ردِ البحرَ بي غمرًا وخلِّ المذانبا٣
وإني لأشكوها إليها تظلمًا
فأرجعُ عنها بعد شكواي خائبًا
على أنَّ لي منها حصاةً رزينة
قتلت بها كل الأمور تجاربا٤
لقد تعبت فيما تروم من العلا
كذلك نفس الحرِّ تلقى المتاعبا
ألم ترَ ما لاقى ابن لبنان في العلا
من الأين لما ساح في الأرض ضاربا؟!
تيمَّم من بعد الحجاز تهامة
وراح إلى صنعاءَ يُزجي الركائبا
وجاء إلى أرض العراقين مبحِرًا
وكرَّ إلى مجد يجوب السباسبا٥
ليجمع من أبناء يَعرُبَ شملَهم
ويقضيَ حقًّا للمواطن واجبا
أخو همة لو مدَّ باعًا إلى العلا
لأوشك منها أن ينال الكواكبا
له قلم عزَّ القرائحَ شاعرًا
كما ابتزَّ فُرسان البلاغة كاتبا٦

•••

لقد زرتَ نجدًا يا أمينُ فقل لنا
أتذكر من أخبار نجدٍ جوائبا؟٧
فما حالة الإخوان فيها فإننا
نرى الناس عنهم يذكرون الغرائبا؟
فهل كفَّروا من ليس يرسل لحية
وهل فسَّقوا من ليس يحفي الشواربا٨
وما أنا من قوم يدينون باللِّحى
ولم يقبلوا إلا من الحلق تائبا
ودعْ عنك أخبار العراق فإنني
لأعلم منها ما يفوق العجائبا
فويحًا لأهل الرافدين إذ انطووا
على اليأس من نور يَشقُّ الغياهبا٩
ألا عَدِّ عمَّا في العراق فإنني
أراه بأخلاق الزمان معايبا
معايبُ لو أني هتكت سِتارها
لأرسلتُ منها للمعاند حاصبا١٠
فلا تحسبَنْه أنه ذو حكومة
ولو ضربوا ظُلمًا عليه الضرائبا
لئن ألَّفوا بالكذب فيه وزارةً
فإن بها للكاذبين مآربا
وإني لأهوى الفجر إن كان صادقًا
وتنكر عيني الفجرَ إن كان كاذبا

•••

تبسَّم لبنانٌ بعَوْد أمينه
وأضحى لأذيال المَسرَّة ساحبا
أخا الفضل قد آنستَ لبنان حاضرًا
كما كنت قد أوحشتَ لبنان غائبا
وما أنت إلا البدُر يُبهج طالعًا
ويُحزِن آفاقَ المواطن غاربا
مُحيِّيكَ في بغداد إذ جئتَ قادمًا
يحيِّيكَ في بيروتَ إذ جئت آئبا
١  المعاطب: المهالك. وأصل القاضب: السيف القاطع، شبه نفسه بالسيف في مضائه.
٢  غارب البعير: ما بين سنامه وعنقه.
٣  المذانب: جمع مذنب كمنبر، وهو كهيئة الجدول.
٤  الحصاة: العقل.
٥  السباسب: جمع سبسب، وهو القفر والمفازة.
٦  عزَّ القرائح: غلبها. وابتز: فاق وغلب.
٧  الجوائب: جمع جائبة، وهي الأخبار تجوب الأرض من بلد إلى بلد.
٨  إحفاء الشارب: الأخذ منه.
٩  فويحًا: رحمة. والرافدان: دجلة والفرات. والغياهب: جمع غيهب، وهو الظلمة.
١٠  الحاصب: الريح تحمل الحصباء، وهي صغار الحجارة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤