الوطن والجهاد١

يا قومُ إنَّ العِدا قد هاجموا الوطنا
فانضوا الصوارمَ واحموا الأهل والسكنا
واستنفروا لعدوِّ الله كلَّ فتى
ممن نأى في أقاصي أرضكم ودَنا
واستنهضوا من بني الإسلام قاطبة
من يَسكن البدو والأرياف والمدُنا
واستقتلوا في سبيل الذود عن وَطن
به تقيمون دين الله والسُّننا
واستلئموا للعِدا بالصبر واتخذوا
صدق العزائم في تدميرهم جُننا٢
واستنكِفوا في الوَغى أن تلَبسوا أبدًا
عارَ الهزيمةِ حتَّى تلْبَسوا الكفَنا
إن لم تموتوا كرامًا في مواطنكم
مُتُّم أذلاءَ فيها مِيتةَ الجبنا
لا عُذر للمسلمين اليومَ إن وهنوا
في هَوشةٍ ذل فيها كل من وهنا٣
ولا حياة لهم من بعدُ إن جَبنوا
كلَّا وأي حياة للَّذي جَبنا؟!
عار على المسلمين اليوم أنهم
لم ينقذوا مصر أو لم ينقذوا عَدَنا

•••

قل للحُسَينين في مصرٍ: رُويدكما
قد خنتما الله والإسلامَ والوطنا٤
شايعتما الإنكليز اليومَ عن سَفهٍ
تالله ما كان هذا منكما حسنا
قد بعتما الدينَ بالدنيا مجازفة
فكنتما في البرايا شرَّ من غُبنا
لا تفرحا بالوسامين اللذين هما
طوقا إسارة مِصرٍ فيكما اقترنا٥
قد مثَّلا منكما للناس قاطبة
عجلًا أضلَّ الورى من قبلُ أو وَثنا
ما ازدان صدراكما شيئًا بحملهما
بل أصبحا في كلا صدريكما دَرَنا
إن الحمَّية لم تنظر بمقلتها
إلى وساميكما إلا بكَتْ حزَنا
ما كان أغلاهما إذ قد غدت لهما
خزائن النيل في أيدي العدا ثمنا
ستندمان ولا يُجديكما أبدًا
أن تقرعا السن أو أن تقبضا الذقنا
هذي جيوش بني التوحيد زاحفةً
على العدا وعلى من ضل مفتتنا
لترسلن عليكم كل راعدةٍ
تهمي الدماء وتمريها ظُبا وقنا
حتى تعودَ إلى مصرٍ كرامتها
ويطهر النيل من ماءٍ به أجِنا

•••

لا زلتَ يا وطن الإسلام منتصرًا
بالجيش يزحف من أبنائك الأمنا
يردُّ عنك يدَ الأعداء خاسرةً
ويكشف الغمَّ عن أفقيْك والمحنا
سعدَيكَ من وطنٍ جلَّت مفاخره
عن الزوال فلا تخشى بِلًى وفنا
تاللهِ إن معاليكَ التي سَلفتْ
تعيي الفصاحة والتبيانَ واللَّسَنا
كم قد أقمتَ على الأيام من شرفٍ
لنا وأنبتَّ من نبع العلا غصُنا
إنا نحبك حُبًّا لا انتهاء له
يستغرق الأرض والأكوان والزمنا
نفديك منا بأرواح مطهرةٍ
أخلصن لله فيك السر والعلنا
إذا دهتك من الأيام داهية
فلا رعى الله عينا تألف الوسنا
وإن فُتِنت بإحدى المزعجات نرق
منا الدِّماءَ إلى أن نخمد الفتنا
فَقَرَّ عينًا وطِبْ نفسًا وعشْ أبدًا
وفز بما شئت من حمد وطيب ثنا
وربَّ مُستصحَبٍ لي قال يخبرني:
إن العدوَّ إلى أرض العراق دنا
فقلتُ: دعْ عنك هذا، إنه خبرٌ
سِواه يبعث في أحشائيَ الشجنا
إن صحَّ أن العدوَّ اليوم مقترب
إلى العراق فقد أكدى وقد أفِنا٦
إن العراقَ لعمرُ الله مَسبعة
تواثبُ الأسدُ فيه من هُنا وهُنا
دون الوصول إليه كلُّ مُشعِلة
شعواء تترك وجه الشمس مكتمنا٧
فإن فيه رجالًا من بني مُضرٍ
إذا تحاربُ لا تستشفع الهدنا
قوم لِقاحٌ أبَوا أن يخضعوا أبدًا
إلى الملوك وإن أعطوْهم المؤَنا٨
تحمَّلوا كل عبءٍ في حياتهمُ
إلا الصَّغارَ وإلا الضيم والمننا
لو أن أمَّاتهم منَّتْ على أحدٍ
منهم بألبانها لم يشربوا اللبنا
هم المغاوير إن صالوا بملحمةٍ
فلا يروْن لهم غيرَ المنون مُنى
بَنوا فأعلوا بناءَ المجد فارتفعوا
به على كل من قد شَادهُ وبَنى
فكيف تقعد عن حرب العدا فئة
أبت سوى العز مأوى والعُلا وُكنا؟
١  قال الرصافي هذه القصيدة عند دخول الدولة العثمانية في الحرب العامة الكبرى يستنهض المسلمين إلى الجهاد في سبيل الذود عن الوطن.
٢  استلئموا: تدرعوا. وقوله: «جننا»: جمع جنة، بالضم، وهي كل ما وقى من سلاح.
٣  الهوشة: الفتنة، والهياج والاضطراب، وأراد بها الحرب العامة.
٤  يعني بالحسينين حسين كامل ووزيره حسين رشدي.
٥  يشير إلى الوسامين اللذين أهدتهما الحكومة الإنكليزية إذ ذاك إلى حسين كامل وحسين رشدي.
٦  أكدى: أخفق، ولم يظفر بحاجته. وأفن: ضعف رأيه وطاش.
٧  مشعلة: بصيغة اسم الفاعل: صفة لموصوف محذوف؛ أي غارة مشعلة، وهي الغارة المتفرقة التي تنصب من كل أوب، وكذلك قوله: شعواء؛ أي متفرقة. والمكتمن: المختفي.
٨  قوم لقاح: أي لا يدينون للملوك.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤