مع «فورميو» في قاع المحيط!

كانت هناك شاشة كبيرة، وعليها صورةٌ لمكتب ضخم بيضاوي الشكل، يجلس إليه رجلٌ أشيبُ الشعر، كان ظهرُ الرجل هو الذي يظهر، أما وجهه فكان في الاتجاه الآخر. فجأة، دخل أحد الرجال وانحنى على العجوز، وهمس في أُذُنه بكلمات ثم خرج.

مرَّت لحظات و«أحمد» يتأمل ذلك المنظر الذي أمامه، لقد فَهِم أن هناك كاميرا تنقل كلَّ ما يدور على هذه الشاشة. فجأة، جاء صوت العجوز يقول: ماذا يريد هؤلاء الصغار؟

نظر «بيتر» إلى «أحمد» مبتسمًا، وقال: هل تُجيب على سؤال السيد «فورميو»؟ تساءل «أحمد» بينه وبين نفسه: هل «فورميو» هذا هو الجالس بظهره؟ وهل هو موجود في القصر، أو أنه خارجه كما يعرف؟ وهل هذا المكتب الغريب في مكان ما … خارج القصر، أسئلة كثيرة كانت تدور في رأسه، بينما كان «بيتر» ينظر إليه … مبتسمًا.

قال «بيتر» في هدوء: أراك لم تُجِب على سؤال السيد «فورميو».

نقل «أحمد» عينَيه من الشاشة العريضة إلى وجهِ «بيتر»، وظل يرسم ابتسامتَه على وجهه، ثم همس: هناك مؤامرة على السيد «فورميو» وقد تتحقَّق الليلة.

فجأةً استدار «فورميو» بكرسيِّه، والتقَت عيناه بعينَي «أحمد». كان يبدو وكأنه جالس أمامه مباشرة، ظهرَت ابتسامةٌ على وجه «فورميو»، وقال: إنك تُذكِّرني بشبابي؛ فقد كنت لا أهابُ شيئًا مثلك.

صمت لحظة ثم وقف، فكان يتحرك في إجهاد واضح، فهو رجل ضئيل الجسم إلى درجة كبيرة، لكنَّ عينَيه تبدوان وكأنهما عينَا صقر، لهما نظرات حادة. ظل يتقدم في بطء، ثم فجأة خرج من الشاشة العريضة واختفى. ظهرَت الدهشة على وجه «أحمد» في الوقت الذي كان «بيتر» يضحك ضحكة صغيرة، ثم قال بصوتٍ خافتٍ: سوف ترى ما يُدهشك أكثر؛ فأنت في عالم لا يخطر لك على بال.

كان «أحمد» يقف مشدوهًا فعلًا … فجأة، كان العجوز «فورميو» يدخل من باب المكتب، انتقل العجوز من هناك إلى هنا، وبهذه السرعة؟ هل مكتبه موجود خلف مكتب «بيتر»؟ وقبل أن تتوالى الأسئلة في رأسه. كان «فورميو» قد اقترب، ووقف ينظر إليه بعينَيه النفَّاذتَين، وشعره الذي له لونُ الثلج، وقال: هل تريد أن ترى ما يُخيفك، أو ما يُطمئنك على العجوز «فورميو»؟

ثم ضحك وأضاف: أنت صغير يا بُنيَّ، وأميل لأن أصدقَك، لكن ينبغي أن تعترف لأيِّ الجماعات تنتمي؟

نظر له «أحمد» لحظة، ثم قال في ثبات: لا أنتمي لأية جماعات.

قال «فورميو»: من أين إذن أتيتَ بهذه المعلومات؟ ومَن الذي أرسلك؟

بهدوء أجاب «أحمد»: إنني أعرف الكثير يا سيدي. لكن، أرجو أن تعفيَني من ذكْر أية معلومات عن مَن أرسلني. مرَّت لحظةُ صمتٍ ثم قال «فورميو»: هل تطمع في مكافأة؟

أجاب «أحمد»: ليس هذا مقصدي يا سيدي.

ثم سكت لحظة، أوشك «فورميو» أن ينطق، لكن «أحمد» كان قد عاد ليُكمل كلامه: أرجو أن يسمح لي السيد «فورميو» بسؤال … ولكن ظهرَت الدهشة على وجه «فورميو»، وتعجَّب من شجاعة «أحمد»، ثم نظر إلى «بيتر» الذي كان يبتسم، فقال «فورميو»: هل تذكرت شيئًا يا «بيتر»؟ إنه يذكِّرني بك عندما كنت صغيرًا. إن له نفس الشجاعة ونفس الذكاء. ويبدو أنه سوف ينضمُّ إليك. ويكون من رجالك.

ثم نظر إلى «أحمد» وقال: قبل أن أُعطيَك فرصة السؤال. دَعْني أريك شيئًا مثيرًا، حتى تعرف أين أنت بالضبط.

خطَا خطوةً بعيدة في اتجاه الشاشة العريضة، ثم اختفى داخلها. ظهرَت الدهشةُ على وجه «أحمد»، بينما كان «بيتر» يضحك نفسَ ضحكته الصغيرة. تساءل «أحمد» بينه وبين نفسه: هل هي خدعة؟ فجأة ظهر «فورميو» داخل مكتبه، نظر إلى «أحمد» مبتسمًا، ثم قال: تعالَ أيها الشاب الذي لا أعرف اسمَه حتى الآن.

أسرع «أحمد» يقول: اسمي «جوبال» يا سيدي.

ضحك «فورميو»، وهو يقول: لا بأس، وإن كنت أعرف أن اسمك ليس «جوبال»، لكن ليس هذا هو المهم. لم يتردد «أحمد»، ولم يبدُ عليه أن كلمات «فورميو» قد أثَّرَت فيه؛ فقد ظل وجهُه واثقًا. قال «فورميو» وهو يخاطب «بيتر»: هاتِه وتعالَ.

صحب «بيتر» «أحمد» إلى ممرٍّ طويلٍ خافتِ الضوء. فجأة قال «بيتر»: لا تنزعج؛ فسوف نَصِل إليه سريعًا.

وصلَا إلى سُلَّمٍ حديديٍّ ووقفَا عند مقدمته. فجأةً تحرَّك السلَّم بسرعة رهيبة، لكن السرعة لم تكن تؤثر على توازن «أحمد»، وكان كأنه يطير واقفًا. وبهدوء، توقَّف السُّلَّم أمام بقعة ضوء كبيرة، فدخلَا فيها. فجأة انزلقَت بقعةُ الضوء إلى أسفل، فوجد نفسه في مكتب «فورميو». كان العجوز يجلس مبتسمًا أمام مكتبه البيضاوي. وفي الوقت الذي ظهر فيه «أحمد» متماسكًا تمامًا، كانت أعماقه في حالة دهشة كاملة. إن ما يحدث حوله خارج نطاق ما يمكن أن يفكر فيه.

قال «فورميو» … مبتسمًا: سوف ترى الآن، ما لم يرَه غيرُك؛ فلا أحدَ يعرف ما يدور هنا سواي، و«بيتر» … ضغط على زرٍّ أمامه، فظهر الشياطين. كانوا يقفون في حالةِ تحفُّزٍ كاملة، وأمامهم يقف «كوبر» منتبهًا تمامًا. قال «فورميو»: هؤلاء زملاؤك، أليس كذلك؟

هزَّ «أحمد» رأسَه، بمعنى: نعم.

ضغط «فورميو» زرًّا آخر، فظهر شاطئ الجزيرة. كانت هناك قوارب تقترب، وبعيدًا ظهرَت باخرة متوسطة الحجم. ابتسم «فورميو» وهو يقول: إن هؤلاء أستطيع أن أقضيَ عليهم الآن بمجرد ضغطة من أصبعي … ثم ضغط زرًّا آخر فظهرَت مجموعةٌ تتسلَّق الشاطئ من اتجاه آخر في طريقها إلى القصر. قال «فورميو»: هذه المجموعة عندما تَصِل إلى نقطة معينة سوف تنتهي. ثم ابتسم وأضاف: راقب المشهد جيدًا.

كانت المجموعة تتقدم بسرعة. فجأة، حدث انفجارٌ مكتوم، فتناثرَت المجموعةُ كلٌّ في اتجاه. ضحك «فورميو»، بينما لم يستطع «أحمد» أن يُخفيَ دهشتَه. قال «فورميو»: إن الجزيرةَ كلَّها أمامي أراها هنا من خلال عدسات خاصة، حتى الذين يأتون للسياحة، أراقبُ حركاتِهم … صمتَ لحظة ثم أضاف: هل تريد أن ترى؟

ضغط زرًّا آخر، فظهر شارع من شوارع الجزيرة يضجُّ بالحركة، أناس من كل لون وجنس، بيع وشراء، بعضهم يضحكون، وبعضهم الآخر يرقصون.

قال «فورميو»: ما رأيك؟ إنه شيء مثير بالتأكيد، ولا يستطيع أحد في هذه الجزيرة أن يخرج بعيدًا عن عيني. توقَّف لحظة، ثم ابتسم، وقال: إنني معجب بك يا عزيزي «جوبال»؛ ولهذا أعرض أمامك كل هذا. لكن ما سوف تراه سوف يُصيبك، ليس فقط بالدهشة، ولكن بالدوار، وربما أُغميَ عليك. فحاول أن تكون ثابتًا.

فجأة، سَمِع ضغطةً خفيَّة، فَهِم أنها تحت قدم «فورميو». فجأة، رأى المكتب يهبط بهم. اتسعَت عيناه في دهشة، بينما ضحك «فورميو»، وأيضًا ابتسم «بيتر». قال «فورميو»: سوف ترى عالمًا آخر، إنه عالم المافيا، لكنها مافيا أخرى، غير جماعاتنا.

فجأةً، ظهرَت الأسماك. عرَف أن المكتب نزل إلى أعماق المحيط. كانت هناك أسماك القرش الضخمة، تُطارد الأسماك الصغيرة وتبتلعها، بينما كان «فورميو» يتأملها وهو يقول: أرأيت هذه مافيا أخرى. لها قوانينها، ولها عالمها.

ثم نظر إلى «أحمد»، وقال: هل تعرف أنني كنت صيادًا وأنا في مثل سنِّك؟ وفي البحر تعلَّمتُ أشياء كثيرة. إن للقوة فوائدَ كثيرة. وإذا لم تكن قويًّا، فلن تستطيع مواجهة الآخرين.

ثم تنفَّس في عمق، وأضاف: لقد كتبتُ كلَّ ذلك في مذكراتي، التي جئتَ أنت تبحث عنها.

لم تتغيَّر ملامح «أحمد» حتى لا تكشفَه. كان يبدو ثابتًا تمامًا. حتى إن «فورميو» ضحك بقوة. كانت ضحكتُه مزيجًا من الخشونة والنعومة معًا. وعندما انتهَت ضحكتُه قال: أعرف أن هذه المذكرات تهمُّك.

سكت لحظة ثم قال: إنني أستطيع أن أُعطيَك إياها.

ظهر الاهتمامُ على وجه «بيتر». بينما ابتسم «أحمد» ابتسامةً هادئة. وقال «فورميو»: فقط أعرف لأيِّ جماعة تنتمي.

ابتسم «أحمد» من جديد، وأضاف العجوز: أعرف أننا سوف نتفق.

ثم صمتَ وشرد لحظة. كانت عيناه ترقب صراعَ الأسماك في قاع المحيط. فجأة نظر إلى «أحمد»، وقال في هدوء: لقد رأيت الجانب الطيب مني. لكنك لم ترَ الجانب الشرير.

انتبه «أحمد» فضحك «فورميو» وهو يُشير إلى الأسماك: هل ترى هذا الصراع؟ إنك يمكن أن تكون داخله بعد لحظة. وكما رأيت أن مجرد ضغطة من أصبعي تُرسلك إلى هذه الوحوش البحرية.

صمتَ لحظة، ثم أضاف: لهذا ينبغي أن تكون واضحًا معي، وأن تُقرَّ بكل شيء تعرفه حتى لا تُرسلَ نفسَك إلى الهلاك …

توقَّف لحظة، ثم أضاف مرة أخرى: لستَ أنت وحدك، ولكن زملاءك أيضًا.

كان الموقف معقَّدًا وصعبًا، ولم يكن «أحمد» يدري ماذا يفعل. كان عليه أن يفكِّر، حتى يجدَ حلًّا يُنقذ به نفسه، وينقذ الشياطين أيضًا. لكن ما حدث فجأة في هذه اللحظة كان هو الحل الوحيد!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤