سرُّ العلبة الصغيرة!

لقد انفتحَت نهايةُ الصالة فجأة … وظهر عددٌ من الرجال، التصق بالحائط بسرعة … فجأة مرة أخرى … تحرَّك الجدار خلفه في نفس اللحظة التي انطلقَت فيها طلقاتُ الرصاص في اتجاهه، لكنه كان قد أصبح في مكان آخر … فما إن انفتح الجدار حتى كانت طرقة أخرى تمتدُّ خلفه … وعندما خطَا إليها انغلق الجدار مرة أخرى … إنهم يمكن أن يظهروا من نفس الجدار، ما دام يُفتح بفعل حرارة الجسم … نظر حوله … لم يكن يرى أحدًا … إنها طرقة أخرى ممتدة. جرَى بسرعة، لكن فجأة انفتح باب، وخرجَت منه يدٌ، قبضَت على ملابس «أحمد» وجذبَته بقوة، ثم أغلقَت الباب.

كان «أحمد» يشعر بالدوار أمام سرعة الأحداث … ومفاجأة اليد التي جذبَته، لكنه استعاد نفسه بسرعة، وعندما وعَى ما حوله وقف مشدوهًا، لقد كان الشياطين أمامه. وكان «خالد» هو الذي جذبه إلى الداخل. كانت أصواتُ الرصاص تتردَّد خارج الغرفة التي يقفون فيها.

قال «خالد»: لقد كنَّا نتبعك من خلال التليفزيون.

ظهرَت الدهشةُ على وجهه، فقال «خالد» مبتسمًا: إن هذه غرفة عمليات أخرى في «القصر الأبيض».

ضغط «خالد» أرضَ الغرفة في نقطة معينة، فظهر عددٌ من شاشات التليفزيون تكشف كلَّ ما هو داخل القصر. كانت هناك فِرَقٌ متعددة من رجال المافيا، كلٌّ يبحث في اتجاه. في نفس الوقت الذي كانت فيه فِرَقٌ أخرى تتصارع بالرصاص … همس «أحمد»: إنه اكتشافٌ مذهل! ابتسم «خالد»، وقال: «عثمان» هو صاحب الاكتشاف.

أضاف «عثمان»: إنها الصدفة؛ فقد وقعَت قدمي على زرِّ التشغيل، فظهر كلُّ شيء! فكَّر «أحمد» لحظة، ثم قال: إذن، نستطيع أن نُديرَ معركتنا من هنا، حتى نطمئنَّ على كلِّ شيء.

ثم أخرج من ثيابه العلبةَ الصغيرة التي قدَّمها له «فورميو»، وقال: هذه هدية السيد «فورميو»!

نظر الشياطين في دهشة …

وسأله «رشيد»: وأين «فورميو» الآن؟

تنهَّد «أحمد» وهمس: لقد انتقل إلى العالم الآخر.

سأل «عثمان» بسرعة: كيف؟

مرة أخرى تنهَّد «أحمد» وقد ظهرَت علاماتُ الحزن على وجهه: هذه حكاية طويلة، سوف أحكيها لكم عندما ننتهي من مغامرتنا.

علَّق «رشيد»: إنها هدية غريبة. ماذا يعني «فورميو» بهذه العلبة الصغيرة؟!

قال «أحمد»: إنها هدفُ الصراعِ كلِّه.

سأل «عثمان»: ماذا يعني؟

فتح «أحمد» العلبة، فظهرَت داخلها ورقةٌ مطوية. جذبَها في هدوء. كان الشياطين ينظرون إليه بدهشة، لكنه عندما بسط الورقة ازدادَت دهشةُ الجميع، لقد كانت الورقة بيضاء تمامًا. قال «خالد»: إنني لا أفهم شيئًا.

فكَّر «أحمد»: هل تكون خدعة من «فورميو»؟ لكن لماذا يخدعني وقد وقفتُ معه وكشفتُ له خيانة مساعده «بيتر»؟ وماذا يقصد من هذه الخدعة؟

قطع صوتُ «خالد» تفكيرَه وهو يقول: فيمَ تفكِّر؟

نظر له «أحمد» لحظة، ثم قال: أفكِّر في خدعة «فورميو» …

قال «عثمان» بسرعة: ما هي الحكاية؟!

رد «أحمد»: لقد أعطاني «فورميو» العلبة باختياره، وأخبرني أنها تضم خريطة هي التي تُوصل إلى مكان المذكرات.

لمعَت عينَا «عثمان»، وقال: ربما لا تكون خدعة؛ فقد تكون عملية ذكية من «فورميو» حتى لا يكشفَها أحد، ثم مدَّ يدَه وأخذ الورقة البيضاء. ظل يقلبها بين يدَيه لحظة، ثم قال: ربما تكون مرسومة بحبر سري، ولا بد أن نجد ما يُظهر هذا الحبر.

فكر لحظة، فقال «خالد»: لا توجد لدينا إمكانات، والورقة كما ذكر «أحمد» تساوي الكثير، خصوصًا أن «فورميو» لم يَعُد موجودًا، وأي خطأ في هذه الورقة، يمكن أن يكون السبب في ضياع المذكرات.

سكت لحظة ثم أضاف: يجب التعامل مع هذه الورقة بحرص شديد!

قال «رشيد»: ربما يكون تعرُّضُها للضوء هو السبيلَ لكشف ما فيها.

قال «عثمان»: لا أظن … إن ورقة لها هذه الأهمية لا يمكن أن تكشف سرها بهذه السهولة … مدَّ «عثمان» يده، وأخذ العلبة الصغيرة، ثم أخذ يتأملها. استغرق في التفكير وهو يقلب العلبة بين يدَيه عدة مرات. يغلقها، ثم يفتحها مرة أخرى. ظل ينظر إلى قاعها في تركيز شديد، وضع طرف أصبعه في قاع العلبة، ثم ضغط عليه. ظل على هذه الحالة لحظة، ثم رفع يده، لكن أصبعه ظل ملتصقًا بقاع العلبة. لمعَت عيناه وبدأَت ابتسامةٌ تزحف إلى وجهه …

قال «رشيد»: هل اكتشفتَ شيئًا؟

ابتسم «عثمان» وقال: أظن ذلك.

ظل يجذب أصبعه في هدوء حتى خرج من العلبة، ثم قال: هناك مادة لزجة في قاع العلبة.

قال «أحمد»: كيف، وقد كانت الورقة فيها، دون أن تلتصق بالقاع؟!

أجاب «عثمان»: المادة جافة، لكنها تصبح لزجة، عندما يقترب منها شيء ساخن، أو حتى دافئ، وهذا يعني أننا لو وضعنا فيها بعض نقط الماء الساخن، فإن المادة سوف تذوب فيها، وربما في هذه الحالة تكون المادة الذائبة، هي نفسها المادة التي تكشف سرَّ الورقة.

لم يبدأ الشياطين في أية خطوة، كانوا مترددين، فهذه الورقة إذا أصابها التلف فإن المذكرات تكون قد فُقدت إلى الأبد. فجأة قال «عثمان»: دعونا نجرب، وسوف نفعل ذلك على جزء صغير من الورقة، حتى لا نفقدَها كلَّها.

اتجه إلى حيث يوجد حوض، فتح صنبور الماء الساخن، ثم أخذ منه قطرات ووضعها في العلبة. كان الشياطين يقفون حوله في قلق. إنها تجربة يمكن أن تُفسد مغامرتهم. فجأة أخذَت قطرات الماء تتلون بلون أصفر، ثم تزداد درجة اللون، ثم تحوَّلَت إلى اللون البنيِّ.

قال «رشيد»: إنها عملية مدهشة!

وقال «خالد»: نرجو أن تكون التجربة صحيحة.

وعلى طرف قلم أخذ «عثمان» نقطة ماء، في حين بسط «أحمد» الورقة البيضاء. وضع «عثمان» نقطة الماء على جانب من الورقة، التي شربَت الماء. كان الشياطين يراقبون ما يحدث في قلق. فجأة ظهرَت فوق سطح الورقة عدة خطوط، وبعض الأرقام مكتوبة باللون الأسود. لمعَت أعين الشياطين.

وقال «أحمد»: لقد نجحتَ يا عزيزي «عثمان» …

ابتسم «عثمان» دون أن يتوقف عن العمل، وبحرص شديد، أخذ ينقل السائلَ البنيَّ نقطة نقطة إلى الورقة. في نفس الوقت ظلَّت خطوط الخريطة تظهر. وعندما انتهى، كانت الخريطة قد اكتملت تمامًا. لقد ظهر القصر، وظهرَت خطوط وطرق منه متعرجة، ثم اتجهَت إلى البحر، واختفَت فيه، في نفس الوقت، كانت هناك عدة أرقام فوق هذه الخطوط، لكنها لم تكن مفهومة جيدًا.

قال «أحمد»: دعوها تجف أولًا، حتى لا يتأثر الورق.

علق «رشيد»: إنها خطة شديدة الذكاء من السيد «فورميو»!

أضاف «خالد»: إن أحدًا لا يستطيع أن يَصِل إلى كشفِ سرِّ هذه الخريطة بسهولة!

كانت الطلقات لا تزال تدوي في الخارج، لكن الشياطين لم يكونوا يفكرون فيها. كانت شاشات التليفزيون أمامهم تكشف كلَّ شيء، وكان ذلك يعني أنهم في أمان.

فجأة قال «عثمان»: أقترح أن نُرسلَ إلى رقم «صفر» بتفاصيل الخريطة حتى لا نضيعَ وقتنا.

ردَّ «خالد»: أظن أنه يجب أن نحاول نحن أولًا؛ فإذا فشلنا أرسلنا إلى رقم «صفر»، لكن «رشيد» كان له رأيٌ آخر. قال «رشيد»: أقترح ضم الاقتراحَين معًا؛ ففي الوقت الذي نُرسل فيه إلى الزعيم، نكون نحن قد بدأنا محاولةَ حلِّ رموزها؛ فإذا اكتشفناها نُكمل طريقنا، وإذا فشلنا نُصبح في انتظار أوامر الزعيم.

ردَّ «أحمد»، وقال: إنني أوافق على اقتراح «رشيد»، خصوصًا ونحن لن نُقدمَ على أية خطوة، ما لم نعرف أسرار الخريطة؛ فهي التي ستوجِّهنا إلى هدفنا.

وافق الجميع على رأيِ «رشيد»، فبدأ «أحمد» يُترجم الخريطة إلى أرقام شفرية، ثم أرسلها إلى الزعيم في المقر السري. في نفس الوقت، جلس الشياطين حول الخريطة في محاولة … لفكِّ رموزها. مرَّت فترةُ صمتٍ قطعَها «عثمان» قائلًا: إن هذا الخطَّ الممتدَّ من نقطة القصر إلى البحر يبدو أنه الطريق الصحيح إلى المذكرات.

ثم دقَّق النظر قليلًا في الخريطة، وقال: لاحِظوا أن الخطَّ ينتهي قبل الماء بقليل، وربما يكون هذا يعني أن المذكرات مدفونة على شاطئ البحر.

سأل «رشيد»: وهذه الخطوط الأخرى؟

قال «أحمد»: أعتقد أن السرَّ كلَّه يكمن في الأرقام، لو استطعنا فهْمَ مدلولها، فإننا سوف نَصِل إلى الهدف.

ثم مدَّ يدَه يُشير إلى خطٍّ ممتدٍّ من نقطة القصر إلى الحديقة، وقبل أن ينطق بكلمة، كانت الغرفة قد سادها ظلام تام.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤