الوصول إلى المذكرات!

فَهِم الشياطين أن العصاباتِ قد اكتشفَت وجودَهم، سحب كلٌّ منهم مسدسَه في انتظارِ أيِّ هجوم. همس «أحمد»: ينبغي أن ننسحب من المكان مباشرة.

أضاف «رشيد»: أعتقد أنهم توصَّلوا إلى خريطة القصر؛ فالقصر لا يستطيع أحد من خارجه أن يتحرك داخله، ما لم تكن معه خريطة، خصوصًا وأن فيه سراديبَ كثيرةً لا يعرفها أحد.

وقال «خالد»: ربما يكونون قد عطلوا تغذية القصر بالكهرباء.

وقال «عثمان»: المهم هو الخروج بسرعة؛ فالمسألة بالنسبة لنا مسألة وقت.

تساءل «خالد»: المهم أكثر، أن نعرف كيف نتحرك من هنا؛ فالمكان بالنسبة لنا مجهول تمامًا.

بسرعة أخرج «عثمان» جهازَ الكشف، ووجَّهَه في الظلام إلى أحد الجدران، ثم ضغط زرًّا. خرج شعاع إلى الحائط ثم تجاوزه إلى الخارج. كان «عثمان» يراقب خطَّ سيرِ الشعاع على الشاشة الدقيقة التي كانت ترسم مسارَه ثم هتف: نستطيع أن نخرج من المكان إذا تجاوزنا الجدار الأول، ثم انحرفنا بزاوية ٦٠ درجة. هناك بابٌ يؤدي إلى الحديقة مباشرة!

تقدَّم «خالد» وهو يتحسَّس المكان قائلًا ﻟ «عثمان»: أعطني الجهاز!

تحسَّس الاثنان أيدي بعضهما حتى سلَّم «عثمان» الجهازَ إلى «خالد» الذي ضغط زرًّا آخر في الجهاز مرتَين متتاليتَين، فانطلقَت حزمةُ شعاعٍ تفتح بابًا في جدار الغرفة.

وقال «رشيد»: هل نُضيءُ شيئًا؟

قال «أحمد» بسرعة: إن مصدر الضوء سوف يكشف وجودنا.

تسلَّل الشياطين من الفتحة التي صنعها «خالد» في الجدار، وبحساب دقيق انحرف «أحمد» بجسمه، ثم قال: إن هذا الانحراف يساوي ٦٠ درجة.

تقدَّموا في الظلام الذي كان يُحيط بكلِّ شيء.

وقال «أحمد»: نحتاج فتحة أخرى في أول جدار يقابلنا.

ثم تقدَّموا … كان «خالد» ما زال يُمسك الجهاز في يده، وعندما اصطدمَت يدُ «أحمد» بحائط.

قال: انتظروا. إننا أمام حائط! تقدَّم «خالد» خطوة، ثم ضغط زرَّ الجهاز مرتَين متتاليتَين، فانطلق شعاعٌ غير مرئي وصنَع فتحةً في الجدار، فظهرَت حديقة القصر. كان ضوء بداية الليل لا يزال في الوجود، وكانت الأشياء تظهر بشكل جيد …

قال «أحمد»: ينبغي أن نتحرك بحذر، فمَن يدري ماذا يمكن أن يحدث في هذا المكان المليء بالألغام؟!

خرج أولًا وهو يترقب المكان، ثم همس: يمكنكم الخروج الآن!

خرج الشياطين الواحد خلف الآخر في حذر. كان القصر مبنيًّا على مرتفع وسط الحديقة، وكان عليهم أن يحذروا كلَّ شيء حولهم، حيث يمتدُّ الانحدار إلى ساحل المحيط. في نفس الوقت كانت تُسمع طلقاتُ رصاص متبادلة من حين لآخر، لكن لم يكن هذا يهمُّ الشياطين الآن، فالمهمُّ هو حلُّ لغزِ الخريطة للوصول إلى مذكرات «فورميو» … وعند الشاطئ توقَّفوا. همس «أحمد»: ينبغي أن نجد طريقة، لقد تأخرَت رسالة …

ثم توقَّف ولم يُكمل كلامَه؛ فقد شعر بدفء جهاز الاستقبال، فعرف أن هناك رسالةً في الطريق، قال «عثمان» متسائلًا: ماذا حدث؟

ابتسم «أحمد» ابتسامةً هادئة وهو يهمس: هناك رسالة.

قال «خالد»: أعتقد أننا في حاجة لاستدعاء اللنش الآن، حتى يكون قريبًا منا. ومَن يدري فقد نستخدمه في البحث عن المذكرات.

ردَّ «رشيد»: لا بأس.

أخرج «خالد» جهازَه الدقيق، ووجَّهَه إلى الماء، ثم ضغط زرًّا فيه. مرَّت لحظةٌ ثم بدأ المؤشر يهتزُّ، فقال «خالد»: إنه في الطريق إلينا.

كان «أحمد» قد انتهَى من تلقِّي الرسالة الشفرية من الزعيم، فأخذ في ترجمتها، بينما كان الشياطين يراقبونه باهتمام. لقد كانت هذه هي الخطوة الأخيرة … وتنتهي هذه المغامرة المعقدة. لكن فجأة، لمع ضوءٌ قويٌّ، أحال المكان إلى نهار فانبطح الشياطين بسرعة، غير أن الضوء لم يستمرَّ طويلًا، قال «أحمد» بسرعة: ينبغي أن نختفيَ حالًا، فيبدو أن هناك مَن يكشفنا.

قال «خالد»: إذن فاللنش أحسنُ مكانٍ يمكن أن نختفيَ فيه، بل إننا نستطيع أن نجهز أنفسنا ونحن داخله، ثم نبدأ عملنا.

ولم ينتظر. ضغط زرَّ جهاز الاستدعاء، ولم تمرَّ لحظات، حتى كان اللنش يطفو على سطح الماء ثم يقترب منهم. أسرعوا إليه، وقفزوا الواحد بعد الآخر داخله، وفي دقائق، كان اللنش يغوص مرة أخرى في أعماق الماء. قرأ «أحمد» رسالة رقم «صفر»، التي شرح فيها تفاصيل الخريطة السرية. وجاء في نهايتها أن المذكرات موجودة داخل صندوق زجاجي، تحت أول درجة من درجات السلم الذي يبدأ من الشاطئ وينتهي عند باب القصر. عندما انتهى «أحمد» من قراءة الرسالة أمام الشياطين، قال «عثمان»: هذه فرصتنا. نحن في بداية الليل، وبعد قليل يشتد الظلام، ونستطيع أن نقوم بعملنا في هدوء.

ردَّ «خالد»: هذا إذا لم يكن أحد هناك.

قال «رشيد»: إذن هيا بنا نبدأ. إن الأجهزة التي نحملها تستطيع أن تكشف وجود الجسم الزجاجي للصندوق. وبعدها، نفكر في الوصول إليه حسب ظروف المكان.

ضغط «خالد» زرًّا في تابلوه اللنش ثم ضبط البوصلة على الاتجاه المطلوب. فانطلق اللنش كالصاروخ. كان سُلَّم القصر يقع في يمين الجزيرة، وهذا يعني أنهم سوف يدورون نصف دورة حول القصر، لينتقلوا من الشمال إلى اليمين، لكن فجأة بدأَت سرعةُ اللنش تنخفض وحدها. ظهر الانزعاج على وجهِ «عثمان» وتساءل: ماذا حدث؟! إن اللنش يتصرف وحده!

ابتسم «رشيد»، وقال: لا بد أن هناك عائقًا أمامه!

ضغط زرَّ شاشة الرادار، فأضيئَت الشاشة الصغيرة. لم يكن يظهر عليها شيء. في نفس الوقت لم يتوقف اللنش، كان يتقدم في بطء. فجأة، ظهرَت علامات سوداء على الشاشة، فقال «خالد»: إن المنطقة محاصرة بالصخور. علينا أن ندخل في عمق المحيط حتى نصبح أمام نقطة الهدف تمامًا، ثم نتجه إليه، فإذا كانت المنطقة مسدودة تمامًا، أصبح علينا أن ننزل بأنفسنا.

علَّق «أحمد»: لا بأس، هيا ابدأ العمل.

وجَّه «خالد» اللنش إلى عمق المحيط، كان الشياطين يشعرون بالقلق، فكلما تأخَّر الوقت كلما كانت عمليات المافيا أشدَّ وأعنف، وعند نقطة محددة، بدأ «خالد» يُعيد توجيهَ اللنش مرة أخرى، في اتجاه نقطة الهدف، ولم تمضِ دقائق، حتى عاد اللنش لنفس الحكاية. بدأَت سرعتُه تهبط مرة أخرى، فقال «خالد»: إننا مقبلون على منطقة صخرية. وعندما يتوقف اللنش علينا أن نغادره. فجأة، توقَّف اللنش، وظهرَت على شاشة الرادار نقطةٌ سوداء كبيرة ممتدة من أول الشاشة حتى آخرها.

قال «أحمد»: سوف أنزل أنا و«عثمان»، وعليكما متابعتنا!

وفي سرعة. تحرَّك «أحمد» و«عثمان»، بينما بقيَ «خالد» و«رشيد» يتابعان الموقف على شاشة الرادار، وفي هدوء، انزلقَا إلى الماء، وعندما تجاوزَا اللنش بقليل، اصطدمَت أيديهما بكُتَل صخرية ملساء، وعن طريق اللمس بدأ الاثنان يتفاهمان.

قال «أحمد»: إن المنطقة وعرة تمامًا، وأفكر في استخدام الكشاف الإلكتروني.

ردَّ «عثمان» باللمس: أخشى أن يكشفَنا ضوءُ الكشاف؛ فالمؤكد أن هناك عمليات أخرى تجرى تحت الماء.

ثم أضاف بعد لحظة: أقترحُ أن نتبعَ البوصلة الإلكترونية، إنها يمكن أن تدلَّنا، بالإضافة إلى أنها سوف تُبعدنا عن المناطق الصخرية.

أخذ الاثنان يتحركان، تبعًا للبوصلة الإلكترونية. وفجأة قال «عثمان»: إن المنطقة ليست كبيرة؛ فالصخور تتراجع شيئًا فشيئًا.

فجأة، دخل الاثنان منطقةً سهلة تمامًا، فقال «أحمد»: يجب أن نطفوَ على السطح.

وفي هدوء، خرج إلى سطح الماء. كانت هناك أضواء متناثرة في أماكن مختلفة، وكان الضوء ينتشر بشكل يسمح لهما بالحركة والرؤية، وفي سهولة حدَّد «أحمد» اتجاه السلَّم، فاتجهَا إليه. قال «عثمان»: إن استخدام جهاز الكشف الآن يُفيدنا تمامًا.

أخرج جهاز الكشف الدقيق، ثم وجَّهَه إلى اتجاه السلَّم، وضغط زرًّا فيه. انتظر لحظة. فجأة أضاءَت لمبة حمراء في الجهاز، فاتسعَت عينَا «عثمان»، وهمس: إن الصندوق الزجاجي موجود.

سبحَا بسرعة في نفس الاتجاه، حتى وصلَا إلى هناك. وما إن لمسَت أقدامُهما قاعَ الساحل، حتى همس «أحمد»: هذا هو السلَّم.

كان يبعد عنهما خطوات.

اتجهَا إليه، حتى وقف «أحمد» على إحدى درجاته، ثم نظر إلى «عثمان» قائلًا: هذه ليست أول درجة، إن هناك درجات أخرى غارقة في الماء.

ثم أضاف: عليك بالمراقبة، وسوف أتبع درجات السلم، حتى نهايتها.

أخذ ينزل درجات السلم حتى أصبح الماء عند عنقه. قال: سوف أغطس.

استنشق كمية كبيرة من الهواء، ثم غطس. ظلَّت يداه تلامسان درجاتِ السلَّم حتى وصل إلى نهايتها، ولم يَعُد تحت يده سوى قاع المحيط. فكر، ثم أضاء الكشاف الإلكتروني فانكشف القاعُ أمامه، فرأى حلقة صغيرة، جذبها بقوة، فظهر الصندوق الزجاجي، جذبه بشدة، ولم يكن الصندوق ثقيلًا. احتضنه ثم ضرب القاع بقدمَيه في قوة فاتجه جسمُه إلى السطح، وفي لحظات كان يقف أمام «عثمان»، ولم يُضيعَا وقتًا فقد أسرعَا بالعودة إلى اللنش. في نفس الوقت كانت أصوات الرصاص تزداد، حتى بدَا وكأن هناك حربًا تدور في الخارج.

وصلَا إلى اللنش الذي انطلق بسرعة الصاروخ مبتعدًا عن المكان. وحصل الشياطين على مذكرات «فورميو»، في الوقت الذي كانت فيه عدة عصابات لا تزال تتناحر من أجل الحصول عليها.

وطارت رسالة إلى رقم «صفر» تزفُّ إليه البشارة وتنهي المغامرة، وجاءت رسالة الزعيم تُهنِّئهم، وتتمنى لهم عودةً سالمة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤