النشأة الأولى

وُلِدت يوم ٨ فبراير سنة ١٨٨٩ بالقاهرة بمنزل جدي لأمي المرحوم الشيخ محمود رضوان، بعطفة أبو داود رقم ٢ بشارع درب الحصر (قسم الخليفة).

(١) والدتي

هي السيدة حميدة، كريمة الشيخ محمود رضوان، من صميم أهل القاهرة، كان كاتبًا بدائرة الحلمية،١ وقد خدم رحمه الله هذه الدائرة وكان موضع ثقة القائمين عليها لصدقه وأمانته. وعندما أنشأت الأميرة مهوش قادن وقْفها أدخلته ضمن مستحقيه، هو وذريته من بعده. ولما تُوفِّيَ خلَفه في وظيفته نجله حسن أفندي المعايرجي (خالي) الذي صار رئيسًا لكَتَبة هذه الدائرة، وكان أيضًا رجلًا مشهورًا بالتقوى والصدق والأمانة، وسُمِّي المعايرجي؛ لأن جده الشيخ رضوان أحمد كان يشغل وظيفة معايرجي دار الضرب بالقلعة.

فوالدتي مصرية صميمة، وقد تُوفِّيت في ٢١ يوليو سنة ١٨٩٣ غير متجاوزة الخامسة والثلاثين من العمر، إثر التهابٍ رحميٍّ بريتونيٍّ أصابها عقب الولادة، وكنت لا أزال طفلًا؛ إذ كانت سني لا تزيد على أربع سنوات وبضعة أشهر.

figure
إخوتي الأشقاء.

وبالرغم من صغر سني إذ ذاك فإني أذكر صورتها جيدًا، وأذكر حنانها عليَّ وعلى إخوتي الأشقاء أمين وأحمد وإبراهيم. وكانت سيدة كاملة الصفات والأخلاق، عُرفت بين أفراد العائلة بطيبة القلب، وصفاء النفس، والخصال الحميدة. وقد عشت بعدها يتيمًا من الأم، ولم أجد بعدها من يحبوني بحنوِّ الأمومة. ولا أدري ماذا كان تأثير حرماني من هذا الحنو في نشأتي ونفسيتي وحياتي. على أن الذي أستطيع أن أدركه من هذا الأثر أني ظللت على حبي لها وتمجيدي لذكراها طوال السنين، وتملَّكني مع الزمن شعور بأني مدين لها بما حباني الله من مواهب (بحسب ظني). وزاد هذا الشعورَ رسوخًا في نفسي ما لاحظت من اجتماع هذه المزايا في إخوتي لأمي؛ فمنهم شقيقي أحمد، ثم شقيقي أمين الذي كان يكبرني بسنتين، ثم شقيقي الأصغر إبراهيم.

كان أخي أحمد قد انتظم في الأزهر، وعُرف بالذكاء والميل إلى الشعر والأدب، ومات في شرخ الشباب سنة ١٩٠٣.

أما أخي أمين فلست في حاجة إلى التنويه بمنزلته في الجهاد ومكانته في الصحافة، وقد توفاه الله في ٢٩ ديسمبر سنة ١٩٢٧ في سن مبكرة؛ إذ لم يتجاوز الحادية والأربعين من العمر.

وكان إبراهيم من نوابغ مدرسة المهندسخانة وأول خريجيها عام ١٩١٣. وقد حدثني زملاؤه في التلمذة والتخرج أنه كان مشهودًا له بينهم بالنبوغ والتفوق، وقد عُيِّن معيدًا في المدرسة عام تخرُّجه منها. وعندي منه خطابات تدل على ميله إلى الأدب منذ صباه؛ ومنها كتاب أرسله إليَّ في ٩ أبريل سنة ١٩١٠ وهو بعدُ طالب بالمهندسخانة لمناسبة اشتغالي بالمحاماة قال فيه:

أخي العزيز، سلام يتبعه تسليم، مزاجه من تسنيم. مضت مدة ليست بالقصيرة كنت أستطلع فيها أخبارك من السيد أمين، فكنت أبتهج كلما علمت أنك سائر في طريق النجاح غير هيَّاب ولا وجِل، مع العلم بأن كثيرًا ممن سلكوا سبيلكم هذا ما عَتَّموا أن طرقوا بابه حتى ولَّوا على أعقابهم مُدْبِرين، فأساءوا إلى أنفسهم وأساءوا إلى غيرهم؛ لأن كل من وصله خبرهم اتخذهم حجةً دامغة وتقاعد بل تقاعس هو عن العمل، فيصبح الكُلُّ وهُم عضوٌ أبتر، عضوٌ أشلُّ في كيان هذه الأمة. ولكنك أيها الأخ قد ألقيت عليَّ وعلى كثير من إخواني درسًا من دروس المكافحة في هذه الحياة. فلتَسِرْ في حياتك الجديدة، ولتُواصِل المسير في تلك المعمعة، ولتستمر في تتميم ذلك البناء الذي وضعت أول حجرٍ في أساسه من مدة وجيزة، ولتكن على يقين من أنك ستُحيي مَيْتَ رجاءِ كثيرٍ من الطلبة الذين استولى عليهم القنوط وظنوا أن أبواب الفوز والنجاح مُوصَدة في وجوههم مغلقة دونهم، ولكنك بإذن الله سبحانه وتعالى ستكون حجةً على هؤلاء المتقاعدين فيحذون حذوك، فيكون لك بذلك كمال الشرف وشرف الكمال. فعليك مني السلام يوم دخلت في ذلك الدور الجديد من الحياة، وسلام عليك يوم تخرج منه وقد كُلِّلت أعمالك بالفوز والمنفعة لبلادنا المفتقرة إلى كثير ممن لا يبالون بما يصادفهم من العثرات، بل يمرون عليها وهم شُمُّ الأنوف كأن لم تكن تلك الحوائل شيئًا مذكورًا. والسلام.

من المخلص
أخيك إبراهيم

ويبدو لي أن مستقبلًا زاهرًا كان ينتظر أخي إبراهيم لولا أن عاجلته منيَّته وهو في ريعان الشباب؛ فقد عُيِّن رحمه الله مهندسًا للري بمديرية الفيوم ومحل إقامته في «طامية»، وأصيب هناك بحمى التيفوئيد التي قضت على شبابه في يوليو ١٩١٥.

(٢) والدي

هو الشيخ عبد اللطيف الرافعي. ويرجع أصله البعيد إلى الحجاز؛ إذ هو من سلالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ ولذلك سُمِّي الفاروقي. وهو من علماء الأزهر. تولى مناصب القضاء الشرعي منذ سنة ١٨٧٧. وكان حين ولادتي قاضيًا لمحكمة البحيرة الشرعية. ونُقِل قاضيًا للشرقية في يونيو سنة ١٨٨٩، ثم قاضيًا للغربية في سبتمبر سنة ١٨٩١، فقاضيًا للشرقية سنة ١٨٩٥، فعضوًا بمحكمة مصر الشرعية سنة ١٨٩٧، فمفتيًا لثغر الإسكندرية سنة ١٨٩٨، وبقي يتولى هذا المنصب إلى أن أحيل إلى المعاش في ديسمبر سنة ١٩٠٩، واستقر بالإسكندرية منذ تعيينه مفتيًا لها ومكث بها بعد إحالته على المعاش، ولما مرض مرضه الأخير انتقل إلى القاهرة حيث تُوفِّيَ بها في ٢٤ يناير سنة ١٩١٨.

كان رحمه الله عالِمًا تقيًّا، تلقيت عنه نشأتي الدينية؛ فكان يعوِّدني وإخوتي على الصلوات الخمس نؤديها في أوقاتها، ويرتل القرآن بحضورنا، ويأمرنا بالصلاة في المسجد أحيانًا. وأذكر أنه كان يوقظني قبل الفجر لأؤدي معه الصلاة في مسجد سيدي ياقوت العرش بالإسكندرية وكان قريبًا من منزلنا بالأنفوشي، وأعود معه إلى المنزل بعد أداء الصلاة. وتعودت الصوم على يده في سن مبكرة، وكنت أراه أمرًا عاديًّا ومألوفًا. وكان رحمه الله يعظنا ويأمرنا بالمعروف وينهانا عن المنكر ويحبب إلينا التمسك بشعائر الدين وتعاليمه. وكنت من ناحيتي مرهف الحس من الوجهة الدينية الروحية، أفهم من هذه الشعائر والتعاليم أنها اتجاه من النفس إلى الله، واستشعار بالخشوع له والعمل على اكتساب رضاه، واطمئنان إلى عدله وقدرته، وركون في أوقات الشدة إلى لطفه ورحمته. وهذه الأحاسيس كان لها دخْل كبير في تكويني الروحي، وفي حياتي الوطنية؛ لأنني كنت ولا أزال أرى في الالتجاء إلى الله والاعتماد عليه القوة الروحية التي تعوِّد النفس الصمود للشدائد والعقبات.

(٣) في التعليم الأوَّلي والابتدائي

كان أول مكتب تلقيت فيه القراءة والكتابة كُتَّاب الشيخ هلال٢ بشارع درب الحصر، ومكثت به عدة أشهر، ثم انتقلت منه إلى المدارس النظامية.

وصرت أتنقل مع والدي في البلاد التي وليَ فيها مناصب القضاء؛ فدخلت مدرسة الزقازيق الابتدائية الأميرية سنة ١٨٩٥، ثم مدرسة القربية الابتدائية بالقاهرة، ولما انتقل والدي إلى الإسكندرية سنة ١٨٩٨ انتقلت إلى مدرسة «رأس التين» الابتدائية.

قضيت بالإسكندرية معظم سِنِي الدراسة، وتلقيت فيها تعليمي الابتدائي والثانوي بمدرسة «رأس التين»، وكانت من أهم مدارس القُطر، وكان ناظرها طيلة هذه المدة المرحوم إسماعيل بك حسنين «باشا».

ونلت فيها الشهادة الابتدائية في يوليو سنة ١٩٠١،٣ وكنت لصغر سني لا أفقه كثيرًا معنى الشهادات. وأذكر أن أحد أقراني بالمدرسة حين علم بالنبأ — وكنت أجهله — سارع إلى الحضور لمنزل والدي بالأنفوشي٤ ليبشِّرني بالنجاح، فألفاني في حديقة المنزل الصغيرة يجرُّني أخي أمين في قفص من الجريد جعلنا منه شبه عربة صغيرة نتناوب ركوبها وجرها بحبل، فناداني في لهفة، فتركت القفص أسأله عن الخبر، فهنأني بالنجاح وأطلعني على نسخة اللواء التي فيها اسمي ضمن الناجحين في الشهادة الابتدائية، فضحكت مغتبطًا ثم عدت إلى قفص الجريد لنُتم أنا وأخي أمين عملية الجر واللعب، وكان هو أيضًا من الناجحين في هذا العام.

(٤) في التعليم الثانوي

لم أكن — إلى أن نلت الشهادة الابتدائية — أعي من أمور الدنيا شيئًا ذا بال، وكان جُل اهتمامي أن أواظب على دروسي وأستذكرها وأحفظ ما يُطلب من التلميذ حفظه.

دخلت القسم الثانوي (قسم فرنسي) بمدرسة رأس التين، ومكثت به ثلاث سنوات وهي مدة الدراسة الثانوية في ذلك العهد. وكنت في معظم سني الدراسة الثانوية لا أعي أيضًا شيئًا من الشئون العامة ولا أعرف غير منزل والدي ومدرستي.

وكنت أتردد قليلًا على مكتبة بلدية الإسكندرية؛ إذ كان أساتذتنا يذكرونها لنا كمكان يصح أن نقضي فيه أوقات الفراغ والتسلية …

إلى أن كانت سنة ١٩٠٤، فبدأت أذهب إلى قهوة بلدية أنيقة بشارع رأس التين تجاه سراي محسن باشا، وكنا نذهب إليها يوم الجمعة من كل أسبوع، وكان صاحبها «الحاج أحمد» يقدِّم لنا شراب الليمون (الليموناده) ويتقنه كل الإتقان حتى صار علَمًا على قهوته، ويُطلعنا على بعض الصحف اليومية التي كانت تصدر في هذا العهد، ومنها «اللواء» لصاحبه ومؤسسه الزعيم «مصطفى كامل»، ولكن لم أتبيَّن بعدُ منهجه ولا منهج الصحف الأخرى. ولم تكن في ذهني أية صورة عن «مصطفى كامل»؛ إذ لم أكن رأيته بعدُ أو سمعته، وكنت وقتئذٍ في الخامسة عشرة من عمري، على أنني أدركت من قراءة الصحف وقتئذٍ شيئًا من الوعي الذي أخذ يتفتح ويتسع مداه في مدرسة الحقوق. وكنت أسمع أثناء دراستي الثانوية من أستاذ لنا في الرياضة وهو المرحوم عثمان بك لبيب، أحاديث يلقيها علينا بين حين وآخر عن حالة البلاد السياسية، وكان رحمه الله من خريجي مدرسة المعلمين العليا القديمة (النورمال) وصار فيما بعدُ مدرسًا بمدرسة المعلمين العليا الحديثة، وكان وطنيًّا صميمًا، لا يفتأ يطعن في سياسة الإنجليز ويذكر لنا كيف احتلوا مصر غدرًا وحيلة، وكيف يعملون على إرساخ أقدامهم في البلاد ويحاربون الروح الوطنية، وكان يقول لنا خلال أحاديثه: «افهموا يا اولاد كويس»، فكنت أستشعر معاني هذه الأحاديث وآنس لها وأُعجب بها، وأحببت من أجلها هذا الأستاذ. وكنت ألاحظ أنه حين يبدأ بالحديث في السياسة يقفل بنفسه باب الفصل لكيلا يسمع حديثه ناظر المدرسة عند مروره بين الفصول، فكان إقفال الباب إشارة إلى بدء دروسه الوطنية، وقد أفدت منها كثيرًا.

وأذكر من أساتذتي في القسم الثانوي بمدرسة رأس التين الشيخ أحمد إبراهيم «بك» العالِم الفقيه المشهور، والشيخ عرفة علي غراب، والشيخ محمد عابدين، والشيخ عبد الحكيم محمد، ومن أساتذتي الأجانب المسيو هاي والمسيو توندور وكلاهما فرنسي.

(٥) البكالوريا

وقد نلت الشهادة الثانوية (البكالوريا) من مدرسة رأس التين في مايو سنة ١٩٠٤، وكان ترتيبي الثالث٥ في الناجحين البالغ عددهم ١٣٦.

(٦) أراد والدي أن يُدخلني الأزهر

وأراد والدي أن يُدخلني الأزهر، ولكني اعتذرت بصغر سني وبأني تعودت على المدارس النظامية ولم آلَف نظام الدراسة في الأزهر؛ وإذ كنت أخجل من مراجعة والدي فقد وسَّطت لديه بعض الأقارب لإقناعه بالعدول عن فكرته، فأفهموه أن لا محل لتغيير منهجي في الدراسة، وما دام قد اختار هو لي المدارس النظامية فمن الخير أن أستمر فيها، وذكروا له ميلي إلى الدخول في مدرسة الحقوق ورغَّبوا إليه أن يُلحقني بها. فقال لهم إنه يريد أن يجعلني عالِمًا من علماء الأزهر كأبيه وعمومته، فأجابوه أن الزمن قد تطور وما دام هو لا يميل إلى الأزهر فلتختر له المدرسة التي يميل إليها. فقال: أتريدون أن يخرج منها قاضيًا أهليًّا يحكم بغير الشرع؟! فأجابوه: هذه مسألة لا يحين وقت البحث فيها إلا بعد تخرُّجه من مدرسة الحقوق. وهل من المحتم أن يكون قاضيًا؟! فلم يقتنع بهذا الجواب، وأراد أن يخلُص من هذا الإحراج، فأعرب عن رغبته في أن يُلحقني بإحدى الوظائف بالبكالوريا — وكانت لها قيمة كبيرة في ذلك العصر — فقالوا له: إنه لا يميل الآن إلى التوظف، وهو صغير السن ولا يصح أن يُرهق بالوظيفة. فقال لهم: إني أختار له وظيفة «معاون إدارة» وهي وظيفة سهلة لا تحتاج إلى عناء. فعرضوا عليَّ الأمر، فاعتذرت، وقلت لهم ولوالدي: إني صغير السن ولا أحتمل أعباء الوظيفة، وإن الدراسة لا تُتعبني، فدعوني أدخل المدرسة التي تميل إليها نفسي. وإزاء هذا الإلحاح قَبِل والدي ما طلبت، وأدخلني مدرسة الحقوق.

(٧) في مدرسة الحقوق

دخلت كلية الحقوق — وكان اسمها «مدرسة الحقوق الخديوية» — في أكتوبر سنة ١٩٠٤، ومقرها وقتئذٍ بميدان عابدين في المكان الذي به الآن ثكنات الحرس الملكي، وكان ناظرها المسيو جرانمولان، ووكيلها عمر بك لطفي. واقتضى دخولي المدرسة انتقالي وإقامتي بالقاهرة في شهور الدراسة.

(٨) متى تتلمذت لمصطفى كامل؟ (سنة ١٩٠٤)

بدأ وعيي السياسي يتقدم في مدرسة الحقوق، وأخذت في قراءة الصحف قراءة فهمٍ وإدراك. وكان الطلبة يجتمعون في أوقات الفراغ ويتحدثون عن السياسة وما وصلت إليه حالة البلاد تحت الاحتلال البريطاني. واخترنا لقضاء أوقات الفراغ والسمر قهوة راقية بشارع عابدين على ملتقاه بشارع الصنافيري (علي باشا ذو الفقار الآن) تُدعى «قهوة الحقوق» لصاحبها الخواجة أندريا، وقد أعجبنا اسم القهوة، واخترناها لذلك منتدًى لنا نقرأ فيه الصحف على اختلاف ميولها ومذاهبها، وأهمها «اللواء» و«المؤيد» و«الأهرام».

انتقلت إذن من قهوة «الحاج أحمد» بالإسكندرية، إلى قهوة «الخواجة أندريا» بالقاهرة، وكان لهاتين القهوتين أثر كبير في اتجاهي الوطني والسياسي. وبدأت أقرأ اللواء قراءة فهمٍ وإدراك، فتعجبني روحه ومقالاته، وقد تتلمذت لمصطفى كامل (صاحب اللواء) منذ أواخر تلك السنة قبل أن أراه، وصار لي «اللواء» بمثابة المدرسة التي تلقيت عنها مبادئ الوطنية، كما أنه كان مدرسة الوطنية للجيل كله.

أما أول مرة قابلت فيها «مصطفى كامل» ففي فبراير سنة ١٩٠٦، أثناء إضراب طلبة الحقوق، فقد تاقت نفسي إلى رؤيته، وكان «اللواء» يناصر الطلبة في مطالبهم الحقة، فذهبت مع لفيف من زملائي إلى دار اللواء بشارع الدواوين — نوبار باشا الآن — تجاه وزارة العدل — وكان اسمها وزارة الحقانية. وقابلت الزعيم لأول مرة، وسمعت حديثه، وشعرت بتأثيره الروحي ينفذ إلى أعماق قلبي، وصار لي بمثابة أبي الروحي في المبادئ، وأكثرت من التردد على دار اللواء لكي أقابله وأراه وأسمع صوته، فكان يفيض علينا من الأحاديث التي غرست في نفسي مبادئ الوطنية، ولعله رحمه الله قد توسم فيَّ أن أكون من تلاميذه الحافظين لعهده، فعرض عليَّ سنة ١٩٠٧ أن يوفدني في بعثة صحفية إلى باريس للتخصص في الصحافة بعد حصولي على إجازة الحقوق، فقبلت هذه الثقة شاكرًا، ولكن المنيَّة عاجلته في فبراير سنة ١٩٠٨ قبل تخرُّجي من المدرسة.

(٩) نادي المدارس العليا

كانت مدرسة الحقوق أول بيئة للشباب ظهرت فيها روح اليقظة الوطنية ولبت دعوة الزعيم مصطفى كامل؛ إذ كانت الغالبية العظمى من طلبة الحقوق قد استجابت إلى ندائه.

وإذ كان الشعور الوطني الصادق يستتبع النشاط الاجتماعي والعلمي؛ فقد ظهرت بيننا روح التكتل وتنظيم الكفاح، وكان تأسيس نادي المدارس العليا أول مظهر لهذه الروح، ولقد عبَّرت عن هذا التطور بقولي في كتاب «مصطفى كامل»: تفتحت في قلوب الشباب زهرة الوطنية التي أنبتتها دعوة مصطفى كامل وأخذت تجيش بالشعور الوطني وتتحرك نحو أغراضه وأهدافه، وبدأت علائم اليقظة والحياة تظهر فيهم بشكل عملي سنة ١٩٠٥، وكان أول مظهر لهذه الحياة الجديدة أن فكَّر طائفة منهم في إنشاء نادٍ للمدارس العليا يجمع بين طلبة هذه المدارس وخريجيها.

فكَّر طلبة الحقوق في إنشاء هذا النادي سنة ١٩٠٥ وشاركهم في الفكرة طلبة المدارس العليا الأخرى، واجتمعت أول جمعية عمومية له — الجمعية التأسيسية — يوم الجمعة ٨ ديسمبر سنة ١٩٠٥ بإحدى قاعات مدرسة الطب لانتخاب مجلس الإدارة. وبلغ عدد الحاضرين من الطلبة مائتي طالب من مختلف المدارس العليا، وحضره كذلك لفيف من المتخرجين، وكان اشتراكهم في نادٍ للطلبة دليلًا واضحًا على تقديرهم للشباب المثقف وما نالوه من ثقة أسلافهم من الخريجين؛ فإنهم لم يجدوا غضاضة في أن يجتمعوا وإياهم في نادٍ واحد. وفي الحق إنهم كانوا رجالًا في شبابهم وأخلاقهم وأساليبهم، فنالوا بذلك تقدير مواطنيهم ممن كانوا يكبرونهم سنًّا، بل كان بعضهم أساتذة لهم.

اشتركتُ في الجمعية العمومية التأسيسية لنادي المدارس العليا؛ إذ كنت طالبًا في مدرسة الحقوق ومن المشتركين في تأسيسه، وأسفرت عملية الانتخاب عن اختيار المرحوم عمر بك لطفي — وكان وكيلًا لمدرسة الحقوق — رئيسًا للنادي، وكان من خاصة أصدقاء مصطفى كامل وأنصاره هو وشقيقه المرحوم أحمد بك لطفي.

كملت معدات تأسيس النادي، واتخذ دارًا له بالمنزل رقم ٤ بشارع قصر النيل بالقرب من سافواي أوتيل القديمة، وافتُتح يوم الخميس ٥ أبريل سنة ١٩٠٦. وقد حضرت حفلة الافتتاح مع إخواني المشتركين فيه من طلبة الحقوق. وكان هذا الاحتفال يومًا مشهودًا، وأخذنا نجتمع بالنادي؛ وبذلك انتقلنا من «قهوة الخواجة أندريا» إلى نادي المدارس العليا. وبدا لنا الفرق كبيرًا بين القهوة والنادي؛ فلقد كان بناءً فخمًا تحيط به حديقة غنَّاء، وبه غرف واسعة مؤثثة تأثيثًا فاخرًا، الأمر الذي لم نعهده من قبلُ، لا في قهوة الخواجة أندريا، ولا في قهوة الحاج أحمد بالإسكندرية.

وكان اجتماعنا بالخريجين مما زاد في نضجنا العلمي والثقافي، وتعددت المحاضرات والاجتماعات في النادي، فكان لنا شبه معهد علمي عالٍ أكملنا فيه دراستنا وزدنا من ثقافتنا، وقد أفدت منه كثيرًا، وكانت به مكتبة غنية بالكُتب والصحف والمجلات ساعدتني على توسيع مداركي وترقية أفكاري، ولم تفُتني محاضرة أُلقيت فيه، وظللت عضوًا به إلى أن أُقفل بأمر السلطة العسكرية البريطانية سنة ١٩١٤ في أوائل الحرب العالمية الأولى، وكان مقره حين أُقفل بميدان حليم باشا بعمارة الخاصة الخديوية على ملتقى شارع بولاق «فؤاد» بشارع كامل «إبراهيم باشا».

(١٠) إضراب سنة ١٩٠٦

كان لهذا الإضراب تأثير كبير في نفسي، يعدل تأثير نادي المدارس العليا؛ إذ كان بداية اتصالي الروحي الوثيق بالزعيم مصطفى كامل.

في يناير سنة ١٩٠٦ وضعت وزارة المعارف نظامًا لمدرسة الحقوق كان الغرض منه استفزاز شعور الطلبة والتضييق عليهم ومعاملتهم بنظام المدارس الابتدائية، وقد يكون لتظاهرهم بالشعور الوطني دخْل في وضع هذا النظام إذلالًا لهم وكبحًا لجماحهم، فما إن علمنا به حتى قررنا الإضراب احتجاجًا عليه. وأضربنا فعلًا عن الدراسة في فبراير، وكانت طلباتنا العدول عن النظام الذي وضعته الوزارة والرجوع إلى النظام القديم.

لم يكن إضرابنا خروجًا على النظام، ولا رغبة في التعطل عن الدراسة، أو التسكع في الشوارع، أو سعيًا لمطالب مادية شخصية، بل كان مظهرًا من مظاهر المقاومة الوطنية لسياسة الاحتلال في التعليم.

كان هذا الإضراب هو الأول من نوعه في مصر؛ لأنه شمل مدرسة عالية بأسرها، وكان موجَّهًا ضد سياسة التعليم التي وضعها الاحتلال، وقد تدخَّل اللورد كرومر (المعتمد البريطاني) في شأنه وأمر وزارة المعارف بأن تأخذ الطلبة بالشدة، فأعلنت تعطيل الدروس في المدرسة من يوم ٢٦ فبراير سنة ١٩٠٦ حتى يوم السبت ٣ مارس، وأنذرتنا بأن من يتأخر عن الحضور في ذلك اليوم يُفصل من سلك التلاميذ. وكان للإضراب لجنة تقوم على تنظيمه، فاجتمعت على عجل للنظر في هذا الإنذار. وتدخَّل المستشار القضائي البريطاني السير مالكولم ماكلريث في الأمر، وكان يعطف على الطلبة (بعكس المستر دنلوب) فوعدهم بالنظر في طلباتهم على شرط أن يعودوا إلى الدراسة، فاتفق الطلبة رأيًا على الرجوع إلى المدرسة يوم السبت ٣ مارس سنة ١٩٠٦، وكان لهذه العودة أثرها في نفوسنا، وكان فيها معنى الرضوخ والإذعان، فزادتنا سخطًا على الاحتلال وسياسته. وأراد اللورد كرومر تثبيت مركز المستر دنلوب — وكان إلى ذلك الحين سكرتيرًا عامًّا لوزارة المعارف، وعليه تقع مسئولية الإخلال بنظام التعليم الذي أدى إلى الإضراب — فرُقي مستشارًا للوزارة في مارس سنة ١٩٠٦ مكافأةً له على أخذه الطلبة بالشدة.

وكتبت مقالة عن هذا الإضراب، ذهبت بها إلى مصطفى كامل يوم رجوعنا إلى الدراسة، وكانت لهجتها شديدة ضد الاحتلال، فقرأها الزعيم وأثنى عليَّ، ولكن فهمت من حديثه أنه لا يرى نشرها، حرصًا على مستقبلي، وكانت هذه المقالة (التي لم تُنشر) بدء مراسلتي للصحف.

(١١) حادثة دنشواي سنة ١٩٠٦

وقعت حادثة دنشواي في ١٣ يونيو سنة ١٩٠٦، فزادتني سخطًا على الاحتلال وتعلقًا بالحركة الوطنية.

كنت عام وقوعها طالبًا بالسنة الثانية بمدرسة الحقوق، وكنت أطالع أنباءها في «اللواء»، فأدهش لمخالفة منهج التحقيق والمحاكمة فيها لِما كنا نتلقاه من أصول المحاكمات الجنائية التي تقضي بها القوانين، وتساءلت: ما فائدة ما نتلقاه من الدروس والقواعد القانونية إذا كانت لا تنطبق على الناس كافة. ولما تلوت وصف تنفيذ الحكم في «اللواء» بقلم الأستاذ أحمد حلمي أحد محرريه، اقشعر بدني من هول ما قرأت، وأدركت مبلغ هوان المصري في نظر الاحتلال، وتحققت ألَّا كرامة لأمة ولا لأي فرد من أبنائها بغير الاستقلال، وحفزتني هذه الحادثة إلى أن أخصص حياتي للجهاد في سبيل الاستقلال.

(١٢) وفاة مصطفى كامل سنة ١٩٠٨

كنت في السنة النهائية لمدرسة الحقوق لما فُجعنا بوفاة مصطفى كامل يوم الاثنين ١٠ فبراير سنة ١٩٠٨، ويا لها من لحظة رهيبة حين فوجئنا بنعيه ونحن في المدرسة، فقابلناه بالذهول والوجوم، وفاضت دموعنا حزنًا وأسًى على الزعيم الذي كان لنا إمامًا وطنيًّا وأبًا روحيًّا. وفي غمرة الذهول الذي أصابنا من هول الكارثة تباحثنا فيما يجب علينا عمله إظهارًا لشعورنا، فقررنا بالإجماع اعتبار يوم تشييع جنازة الزعيم يوم حداد عام تُعطل فيه المدارس جميعها ويشترك طلبتها في تشييع الجنازة، واتصلنا بالمدارس العليا والثانوية، فرأينا من طلبتها نفس هذا الشعور ونفس هذا الإجماع، واتخذوا نفس القرار الذي اتخذناه، واشتركنا في الجنازة، وكنت ممن حملوا النعش ضمن طلبة الحقوق الذين نُدبوا لذلك من قِبَل جميع طلبة المدارس العليا. وكان لهذا اليوم في نفسي أثر لم تمحُه الأيام والأعوام؛ فلقد طبع في قلبي مبادئ الزعيم فصارت عقيدتي الوطنية. وإلى هذه الصلة الروحية أشرت في كتابي عن «مصطفى كامل» سنة ١٩٣٩؛ إذ قلت في إهدائي الكتاب إليه: «إلى من كانت حياته للأمة بعثًا وطنيًّا، من كان لي أبًا روحيًّا، وسأبقى له تلميذًا وفيًّا، من علَّمني أن الحياة بغير المُثل العليا عرَضٌ زائل وعبث ضائع، إلى مصطفى كامل أُهدي كتاب «مصطفى كامل» هدية الوفاء إلى روحه العظيمة.»

(١٣) صلتي بمحمد فريد

إني إذ أعدُّ نفسي تلميذًا لمصطفى كامل، فإني كذلك تلميذ لمحمد فريد، بل إن صلتي بفريد كانت أطول مدًى من صلتي بمصطفى؛ فإني لم أدرك مصطفى كامل إلا في أوقات محدودة حين كنت أستمع لبعض خُطبه أو أقابله في «اللواء» منذ سنة ١٩٠٦ مرات معدودة، أما فريد فقد اتصلت به عن كثب وعملت معه تحت لوائه سنين عديدة.

كنت سنة ١٩٠٨ لم أتخرَّج بعد من مدرسة الحقوق حين تولَّى فريد بك زعامة الحركة الوطنية، وكنت أتردد عليه كثيرًا في «اللواء»، وتلقيت عنه مبادئ الوطنية كما تلقيتها من قبلُ عن مصطفى، فصادفت من نفسي موضع العقيدة والإيمان، واتخذته بعد مصطفى أستاذًا وإمامًا لي في الوطنية، وبدأت أكتب في اللواء على عهده وأنا طالب بمدرسة الحقوق.

(١٤) أول مقالة لي في الصحف سنة ١٩٠٨

وأذكر أن أول مقالة لي نُشرت بالعدد الصادر في ٩ مارس سنة ١٩٠٨ تحت عنوان «تبدد الشعور الوطني وتجمُّعه» بإمضاء «حقوقي»، كتبتها بعد وفاة المرحوم مصطفى كامل بشهر، ووصفت فيها خواطري وآمالي في الجهاد، وكأنما رسمت لنفسي في هذه المقالة خطتي في الحياة؛ لذلك أود أن أنشر فقرات منها لأنها صورة من شعوري وتفكيري في مستهل حياتي السياسية، قلت:

«للحوادث العظيمة على حياة الأمم تأثير كبير بما تُحرك في القلوب من الشعور وتستفز فيها من العواطف؛ فلربما كانت حادثةٌ مبدأَ حياة أمة أو سببًا في خلاصها من استبداد ظالم. وإذا عُدَّت الحوادث الكبيرة التي لها يد في تكوين الشعور الوطني عندنا، لجعلنا في مقدمتها وفاة فقيدنا العظيم مصطفى كامل. فلقد كانت وفاته كشعلة من نار مسَّت الشعور الوطني وأصابت منه موضع الإحساس والتأثر، فانفجر وظهر بمظهر لم يكن أحد منا يتنبأ به ولا يزال في نمو وازدياد.

هذا الشعور الشريف هو رأس مال الاستقلال، إذا تعهَّده الرجال العاملون منا زادوه قوة وشدة وحفظوه من دواعي الفتور والخمود، وساروا به في خطة منتظمة محددة، وانحصر في تيار يجري رأسًا إلى غايتنا وهي التخلص من سلطة الاحتلال.

إن الشعور بالحاجة إذا لم يدفع المرء إلى العمل لنَيل تلك الحاجة فلا فائدة منه البتة، فليس مجرد الشعور إلا معنًى في النفس لا وجود له ما لم يظهر أثره في الخارج، الشعور قوة ولكن بشرط أن ينبعث في طريق واحد فيأمن شر التبدد والتلاشي.»

إلى أن قلت: «مات مصطفى كامل فهاج موتُه شعورَ الاستقلال في النفوس، وكان أول من أحس بوقع المصاب النابغون منا في العلم والفكر، فبَكَوْه مع الباكين ورَثَوْه مع الراثين، ولكن ما رأينا أحدًا منهم دفعه الشعور إلى أن ينزل في ميدان الحياة الوطنية فيعمل مع العاملين في تعهُّد الشعور الوطني وإبلاغه الغاية التي ذكرناها. كلٌّ منا يعلم حاجتنا إلى رءوس مفكرة عاملة تنير لنا سبيل تلك النهضة، ولكنا نرى نابغينا في معزلٍ عنها مع أنهم هم أبناء بَجْدَتِها، والشعور الصحيح هو الذي يدفع صاحبه إلى البدء في محاربة رأس مال الاحتلال أفرادًا وجماعات، حتى يقوى الشعور العام في كافة الطبقات وترسخ عاطفة الحرية في القلوب، فلا يكون أمامنا سوى أمرين: الاستقلال أو الموت. حينذاك يقال: هذه أمةٌ محالٌ استعبادها حيث تؤْثِر الموت على الرضوخ، فخيرٌ لمن يريد منها نفعًا أن يعاملها معاملة صديق مهاب.

ليس من الصعب علينا أن نصل بالشعور الوطني إلى هذه الدرجة ما دمنا نعمل على خطة منظمة؛ فالأساس الذي يبني عليه الاحتلال صرحه نحن مقيموه بأنفسنا؛ ألسنا راضين بأن نعيش في كنفه؟ هل يُعقل أن إرادة الملايين من النفوس إذا قويت وتوجهت بصدقٍ نحو غرض واحد، هل يُعقل أن تصدها وتكبح جماحها إرادة أفراد معدودين؟! رأس مال الاحتلال في قلوبنا؛ إن شئنا استبقيناه، وإن شئنا نزعناه من بين جوانحنا، فلا يعود له مقام بين ظهرانينا؛ فصرحُ الاحتلال قائم على عمادين: حُسن الظن به من جهة، والوهم من جهة أخرى. فبحُسن الظن ترضى الملايين من البشر بتحكُّم الأجنبي فيهم فيُثبِّتون سلطانه، وبالوهم يعطون له قوة لم يكن يحلم بها فيخافون من شيء هم خالقوه.

على هذين الأساسين أمكن لبضعة آلاف أن يسودوا على مئات الملايين في بقاع متباعدة؛ فلا عجب أن كانت سياسة الاستعمار الآن هي تخدير أعصاب الأمم باستجلاب حبهم من جهة وبإلقاء الهيبة والرعب من سطوتهم من جهة أخرى. فإذا نحن عملنا على هدم هذا الأساس من قلوبنا كنا مقيمين بعملنا بناء الاستقلال، وقد دلَّنا التاريخ على أن الأمة التي يشتد ألمها من الاستبداد وتتخلص من آثار الوهم من سلطانه تصبح على أبواب الحرية، ولم تستطع قوةٌ ما الثبات إزاء سلطان عاطفة الاستقلال.

هذا هو الطريق الذي سلكه غيرنا فأفلَحوا؛ إذا شعروا بحاجة قاموا ودفعهم الشعور إلى التكاتف سرًّا وعلانيةً على العمل لنَيل ما يريدون، فوضعوا غايتهم أمامهم، ورسموا لها الخطة العملية، وأعدوا لها معداتها، فعملوا على النظام الذي وضعوه، وكانوا بذلك من الناجحين.»

١  دائرة الأميرة مهوش قادن والدة الأمير إبراهيم إلهامي باشا ابن عباس باشا الأول، وقد سُميت دائرة الحلمية لأن مقرها كان بسراي الحلمية.
٢  الآن مدرسة حسن كتخدا عزبان رقم ٢٦ شارع درب الحصر.
٣  «اللواء» عدد ٢٨ يوليو سنة ١٩٠١.
٤  بشارع السلطان سليم (واسمه الآن شارع قصر رأس التين) رقم ٥٨، وهو المنزل الذي نلت فيه الشهادة الابتدائية والثانوية وليسانس الحقوق.
٥  «اللواء» عدد ٢٤ مايو سنة ١٩٠٤.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤