استجوابي عن المعتقلين السياسيين

١٩٤١-١٩٤٢

في إبان الحرب العالمية الأخيرة اعتقلت الحكومة بعض الشبان استنادًا إلى نظام الأحكام العرفية.

فتقدمت في ٢٤ نوفمبر سنة ١٩٤١ بسؤال عن الأسباب التي سوَّغت اعتقالهم، وهل كان بأمر النيابة العمومية أم ماذا؟ وهل هناك تهمٌ معيَّنة موجَّهة إلى أولئك المعتقلين، وهل حصل تحقيق في هذه التهم أم لا؟ وكان غرضي من السؤال وصيغته اعتبار الاعتقال باطلًا ما لم يكن بأمرٍ من النيابة.

أجابت الحكومة على هذا السؤال بجلسة ٩ ديسمبر سنة ١٩٤١ «في عهد وزارة حسين سرِّي باشا». وقد ذكرت في بياني بالجلسة أسماء بعض هؤلاء المعتقلين، وهم: المرحوم الأستاذ حسن البنا المرشد العام لجمعية الإخوان المسلمين، والأستاذ أحمد السكري وكيلها، والأستاذ عبد الحكيم عابدين سكرتيرها، ومن المحامين الأساتذة أحمد حسين وإبراهيم الزيادي وإبراهيم طلعت، ومن الصحفيين الأستاذ محمد صبيح، ومن المهندسين الأستاذ فتحي أبو الوفا.

كان جواب الحكومة على السؤال أنها أفرجت عن الأساتذة حسن البنا وأحمد السكري وعبد الحكيم عابدين «لزوال الأسباب التي بُني عليها أمر اعتقالهم»، فطلبت من الوزارة إعادة البحث في التهم المنسوبة إلى المعتقلين الآخرين، فوعدت بذلك.

ثم تقدَّم استجواب من المرحوم الأستاذ يوسف الجندي عن المعتقلين السياسيين، وبعد وفاته تمسكت بهذا الاستجواب، وبدأ المجلس بنظره بجلسة ٢٠ يناير سنة ١٩٤٢ في أواخر عهد وزارة سري باشا، وأخذت في شرحه. ثم استقالت الوزارة وخلفتها الوزارة الوفدية برئاسة مصطفى النحاس باشا في فبراير سنة ١٩٤٢، واستمر اعتقال المعتقلين، وزاد عليهم معتقلون آخرون.

وفي ٧ أبريل سنة ١٩٤٢ جددت الاستجواب بتوجيهه إلى رئيس الوزارة الوفدية ونُظر بجلسة ٢٠ مايو سنة ١٩٤٢.

وقد استغرق شرحي للاستجواب خمس صحائف كاملة من مضابط المجلس المطبوعة، وأخذت على حكومة الوفد إبقاءها المعتقلين السياسيين، وزدت عليهم من اعتقلتهم هي، وفي مقدمتهم علي ماهر باشا، وقلت إن الاعتقال السياسي في عهد حكومة الوفد قد حصلت له مضاعفات شديدة تدعو للأسف.

وكان المجلس قبل أن أشرح هذا الاستجواب قد نظر بجلسة سابقة استجواب الأستاذ مصطفى الشوربجي بك عن اعتقال علي باشا ماهر، وقرر المجلس بعد مناقشته «الانتقال إلى جدول الأعمال»، ولاحظ لي بعض الأعضاء من أنصار الحكومة قبل انعقاد الجلسة أن هذا القرار له حجته في استجوابي. فناشدت أعضاء المجلس أن ينظروا في استجوابي غير متأثرين بقرارهم السابق، وقلت في هذا الصدد ما يأتي:

«إني أرجو من حضراتكم ألا تعتبروا القرار الذي صدر فيما يتعلق بالحصانة له أثره في استجوابي؛ لأن القرار الذي صدر من المجلس في شأن رفعة علي ماهر باشا إنما هو قرار بالانتقال إلى جدول الأعمال، فليس قرارًا موضوعيًّا ولا مسببًا، وإنما هو قرار سلبي بالانتقال من المسألة الفلانية إلى المسألة الفلانية، وهذا لا يمكن أن يؤثِّر في رأي حضراتكم فيما لو عُرضت عليكم مسألة تشبه هذه المسألة عن قربٍ أو عن بُعد.

ومع ذلك، يا حضرات الزملاء، فإن المبادئ السامية التي قررت حقوق الإنسان، ومنها الحرية الشخصية، ووضعت بذلك الحجر الأساسي للحضارة البشرية وللمجتمع الإنساني، لم تتقرر دفعةً واحدة في المجالس التشريعية في مختلف العصور والبلدان، بل احتاجت إلى أخذٍ وردٍّ طويلَين، وشدٍّ وجذبٍ، ومدٍّ وجزْر، حتى استقرت آخر الأمر على أساس مكين، وإن مضابط هذه المجالس التشريعية لَتفيض بشتى القرارات والبحوث، بعضها غامض مبهم، وبعضها صريح فصيح. وكانت هذه المبادئ في حاجة إلى هذا التطور حتى وُضعت في نِصابها، فلا يضيرنا أبدًا أن تُعرَض هذه المسائل مرةً بعد مرة لأن هذه المبادئ التي استنفدت قرائح العلماء والفلاسفة والمشرِّعين، والسياسيين والمجاهدين، استنفدت قرائحهم وجهودهم على توالي السنين، جديرة بأن يعاد فيها النظر المرة بعد المرة، والكرَّة بعد الكرة، حتى تبرُز في حقيقتها الرائعة، وفي حُلتها الساطعة، مقرِّرة حقوق الإنسان.

فهذه المبادئ، يا حضرات الزملاء، جديرة بأن تعيدوا النظر فيها حينًا بعد حين، وآنًا بعد آن، وفي كل ظرف، وفي كل مناسبة، ولا يحُول دون ذلك قرارٌ سابقٌ أو لاحق، هذه المبادئ جديرة بأن تَحْبُوها بتأييدكم وعنايتكم، حتى يمكن أن تبرُز جليَّةً واضحة وأن تُوضع في نِصابها الصحيح، وحتى يتقرر فيها حقًّا أن حرية الفرد مكفولة بحكم الدستور وحكم المبادئ السامية.

هذه المبادئ جديرة بأن تَحْبُوها بتأييدكم وعنايتكم، وأنتم جديرون بذلك؛ ومَن أجدرُ منكم بذلك يا شيوخ الأمة، يا حماة الحق، وحماة الدستور، وحماة الحرية؟!

فلا يؤثِّرْ إذن في موضوع الاستجواب القرار الذي صدر منكم، وهو قرارٌ محترم، ولكنه ليس قرارًا صادرًا في الموضِع، ولا في الموضوع الذي صدر فيه، ولا يؤثر في الموضوع المعروض الليلة عليكم، ومع ذلك فإن ميزة هذه القاعة الكبرى أنها تنشُد الحقيقة في كل مسألة تُعرض عليها وتنشُد المُثل العليا، فإذا ما عُرضت عليها مسألة وجب أن يُنظر فيها كأنها مسألة جديدة جديرة بأن يُنظر فيها بعين العدل والإنصاف والدستور. فاسمحوا لي إذن، يا حضرات الزملاء، أن أعرض على حضراتكم وجهة نظري في أن الأحكام العرفية لا تؤثِّر مطلقًا في حقوق الأفراد التي قررها الدستور، وأن السلطة العسكرية لا تملك القبض على الأشخاص إلا في الحدود الواردة في قانون تحقيق الجنايات.»

ثم شرحتُ للمجلس وجهة نظري في مدى سلطة الحكومة في الاعتقال، وخلاصتها أن الدستور؛ إذ أجاز تعطيل حكم من أحكامه في أثناء قيام الأحكام العرفية قد اشترط أن يكون ذلك على الوجه المبيَّن في القانون وهو قانون الأحكام العرفية الذي صدر في ٢٦ يونيو سنة ١٩٢٣؛ أي في أعقاب الدستور. وهذا القانون حدد الأحكام العرفية التي يصح فيها تعطيل حكم من أحكام الدستور، وهي التي تعلن كلما تعرَّض الأمن أو النظام العام في مصر أو في أي جهة منها للخطر سواءً كان ذلك بسبب إغارة قوات العدو المسلحة أو بسبب وقوع اضطرابات داخلية. أما الأحكام العرفية التي أُعلنت في سبتمبر سنة ١٩٣٩ فقد كان إعلانها بناءً على طلب الحكومة البريطانية تنفيذًا لمعاهدة سنة ١٩٣٦ كما هو ثابتٌ من الوثائق الرسمية. فليست هذه هي الحالة التي عناها الشارع في قانون الأحكام العرفية؛ ومن ثَمَّ تظل حصانة الأفراد في ظلِّها قائمة ولا يجوز المساس بها إلا في حدود قانون تحقيق الجنايات.

وهنا قال صبري أبو علم باشا (وزير العدل وقتئذٍ) إن المعاهدة قد أُبرمت بقانون، فأجبت بأن لي رأيًا آخر وهو أن المعاهدة شيء والقانون شيء آخر، والمعاهدة ليست قانونًا. وتابعت شرح وجهة نظري في أن الأحكام العرفية التي أُعلنت في سبتمبر سنة ١٩٣٩ بناءً على طلب الحليفة ليست من النوع الذي يجوز فيه إهدار حصانة الأفراد؛ لأن هناك نوعين من الأحكام العرفية: نوع يقصده الدستور في المادة «١٥٥» وهو الموضَّح في قانون سنة ١٩٢٣، ونوع آخر تولَّد عن التزام في معاهدة سنة ١٩٣٦، فما كان الدستور وهو يوضع في سنة ١٩٢٣ يتنبأ بأحكام عرفية ستُعلن طبقًا لمعاهدة أُبرمت في سنة ١٩٣٦؛ أي بعد ثلاث عشرة سنة من صدور الدستور.

وقد ردَّ صبري أبو علم على وجهة نظري ردًّا ارتكن فيه على المعاهدة، واشترك بعض الأعضاء في المناقشة، ثم قدمتُ اقتراحًا هذا نصه: «أقترح أن يقرِّر المجلس أن يطلب من الوزارة الإفراج عن المعتقلين السياسيين الذين لم يُثبِت التحقيق اتهامهم بأي تهمة قانونية وأن يحيل إلى المحاكمة من أثبت التحقيق إدانتهم قانونًا.»

فردَّ صبري أبو علم على هذا الاقتراح بأنه غير دستوري، بحجة أنه تكليف من المجلس للسلطة التنفيذية باتخاذ إجراءٍ معيَّن، وأن هذا يُحِلُّ أحد المجلسَين محلَّ الحكومة في مباشرة سلطتها التنفيذية وهذا إخلالٌ بمبدأ فصل السلطات.

فأجبت بأن المجلس سار على قاعدة مطردة منذ سنة ١٩٢٤ إلى الآن وهي أن يقبل الاقتراحات برغبات.

واقترح بعض الشيوخ الوفديين إقفال باب المناقشة والانتقال إلى جدول الأعمال. وتقدَّم اقتراح ثالث من الشيخ حسن عبد القادر بإحالة الاستجواب إلى لجنة الشئون الدستورية لإبداء رأيها فيه وبحثه من الوجهة الدستورية وتقديم تقريرها للمجلس في ظرف أسبوعين، وقد أُجِّل أخذ الرأي في الاقتراحات الثلاثة إلى جلسة تالية. وبهذه الجلسة (٩ يونيو سنة ١٩٤٢) وافقت الأغلبية على «الانتقال إلى جدول الأعمال …»

(١) استجوابي عن الخبير الاقتصادي البريطاني (يونيو-يوليو سنة ١٩٤٣)

عيَّنت وزارة الوفد في مايو سنة ١٩٤٣ المستر جيمس باكستر الاقتصادي البريطاني خبيرًا ماليًّا للحكومة المصرية في المسائل المالية والاقتصادية بعقدٍ لمدة ثلاث سنوات، وكان أمين عثمان باشا وزيرًا للمالية في ذلك العهد.

فتقدمت في ٥ يونيو سنة ١٩٤٣ إلى رئيس الوزارة باستجواب عن مسوغات هذا التعيين وأسبابه وظروفه وملابساته، ومبلغ الحاجة إليه، وعن راتبه ومدى سلطته الرسمية وغير الرسمية وأثره في سياسة مصر الاقتصادية والمالية الحالية والمستقبلة.

نُظر هذا الاستجواب بجلسة ١٥ يوليو سنة ١٩٤٣، وكانت آخر جلسة للدورة البرلمانية. فلما شرعت في شرح استجوابي طلب مني بعض الأعضاء الوفديين أن أنتظر حتى أسمع ردَّ رئيس الوزارة (النحاس باشا) ثم أتكلم بعده، فقلت لهم إن الوضع السليم أن أتكلم أولًا ثم يرد رئيس الوزارة، وتمسكت بحقي في الكلام أولًا مستندًا إلى اللائحة الداخلية، فأجاب المجلس طلبي على مضض، وأخذت في شرح الاستجواب، وموجز أقوالي أن تعيين هذا الموظف المالي الكبير البريطاني قوبل بالدهشة وأن ما يوحي به هذا التعيين أن ليس لدينا خبير أو خبراء ممتازون فنيون في المسائل الاقتصادية والمالية، مع أننا خطونا في الثلاثين سنة الماضية خطواتٍ واسعةً في هذا الميدان وتكونت في البلاد فئة ممتازة من الخبراء الاقتصاديين والماليين، أفلا يوجد رجل واحد في هذه الفئة يمكن للحكومة أن تسترشد بخبرته الاقتصادية والمالية في المشاكل التي نشأت عن الحرب والتي ستنشأ بعد انتهائها؟ واستطردت إلى أن المسائل المالية والاقتصادية ليست مسائل فنية فحسب، وإنما هي أولًا وقبل كل شيء مسائل قومية قبل أن تكون فنية، وأن الفن فيها يجب أن يكون في خدمة الأغراض القومية، وهي مرتبطة بما يسمى الاستقلال الاقتصادي للبلاد، وكلها ترجع إلى هذا الأساس لأنه لا يصح مطلقًا أن تُعتبر مصر سوقًا دولية. وبعد أن شرحت هذه الفكرة انتقلت إلى فكرة أخرى وهي أن هذا التعين بالذات هو نوع من أنواع الغزو السلمي pénétration pacifique قد تكون له نتائج أخطر من الغزو المسلح؛ لأن الغزو السلمي يسير في شيء من الهوادة والاطمئنان وعدم المعارضة وربما يؤدي إلى تدخُّل دولة أجنبية في شئون الدولة.

وقد أثارت هذه الملاحظة اعتراضات بعض الشيوخ الوفديين، وصاح أحدهم (محمد المغازي عبد ربه باشا …) قائلًا في حدة: «لقد استنار المجلس وكفى!»

فقلت: «يجب أن تتركوني أُتمم كلمتي وتستمعوا لها.» وطلب الرئيس (علي زكي العرابي باشا) من الأعضاء أن يدَعوني أُتمم كلمتي.

فتابعت الكلام وضربت مثلًا بالبعثة العسكرية البريطانية والنص في المعاهدة على أن الغرض منها أن تستعين الحكومة المصرية بخبراء حربيين أجانب.

فقال الرئيس: «إن الخبير الاقتصادي لم يأتِ ذكره في المعاهدة المصرية البريطانية.»

وقال النحاس باشا: «هل نحن نتناقش الآن في المعاهدة المصرية البريطانية أم في تعيين الخبير الاقتصادي؟ إننا نعرف رأيك في المعاهدة ولا داعي لأن تُدخل شيئًا في شيء.»

فأجبت بأن البعثة العسكرية نُص عليها في المعاهدة، أما الخبير الاقتصادي وهو أشد خطورة منها فلم يُنص عليه في المعاهدة، وبالتالي نحن غير ملزَمين بأن يكون هذا الخبير إنجليزيًّا.

وألمعت في حديثي إلى ما كان من تعيين مستشار مالي بريطاني سنة ١٨٨٣ ثم أخذ نفوذه يستفحل حتى صارت له السيطرة الفعلية في الحكومة، وختمت كلمتي بأنه لا توجد مسوغات لتعيين خبير اقتصادي أجنبي للحكومة المصرية، فضلًا عن أن هذا التعيين يتعارض مع الاقتصاد القومي.

وردَّ النحاس باشا على استجوابي ردًّا طويلًا، خلاصته أن المشاكل الاقتصادية والمالية التي واجهتها مصر خلال الحرب وستواجهها بعد انتهائها استدعت تعيين هذا الخبير، ثم قال ما يأتي عن اختياره من الماليين الإنجليز: «وكان من الطبيعي أن يُختار الخبير من رجال دولة بيننا وبينها صلات مودة وصداقة وتحالف، وأن يكون معروفًا لمصر وعارفًا بظروفها المالية، ولم يكن ممكنًا اختيار خبير أوروبي من أية دولة أخرى ولا أمريكي لصعوبات مادية ظاهرة، ولأن النظام الإنجليزي المالي أقرب إلى الأنظمة المصرية.»

وبعد أن انتهى النحاس باشا من ردِّه قرَّر المجلس الانتقال إلى جدول الأعمال …

(٢) الأرصدة الإسترلينية (بمجلس الشيوخ أبريل سنة ١٩٤٤)

أخذت الأرصدة الإسترلينية تتزايد خلال الحرب العالمية بسبب إهمال الحكومة ومجاملتها لبريطانيا، واشتد التضخم في عهد وزارة الوفد، وقد نبَّهت إلى هذا الخطر في مجلس الشيوخ بجلسة ١٨ أبريل سنة ١٩٤٤ لمناسبة المناقشة في السياسة المالية العامة للدولة، وكان ذلك أيضًا في عهد وزارة الوفد وكان أمين عثمان باشا وزيرًا للمالية، وألقيت كلمة في منشأ الأرصدة وتكييفها وطالبت بوضع حد لها.١

وأيَّد بهي الدين بركات باشا وجهة نظري، وزادها وضوحًا وتفصيلًا في كلمته التي ألقاها في هذا الموضوع بجلسة ٢٠ أبريل سنة ١٩٤٤ وقال ضمن ما قال: «إن اللجنة المالية أرادت أن تقول أن ليس عندنا تضخم واكتفت بأن تُثبت نتائج التضخم — وهي كلها موجودة عندنا — ولكنها لم تُرِد أن تقول بأن في مصر تضخمًا. فما هي الحقيقة إذن؟ وبماذا نكيِّف هذه الحالة وما سببها؟ السبب ما قالته اللجنة وهو وجود الجيوش الأجنبية المتحالفة في مصر، كيف هذا؟ إن الجيوش تصرف وتدفع لنا مقابل ما تصرفه؛ إذن هي تدفع نقدًا في مقابل البضائع. والمطبعة المصرية تشتغل؛ إذن كيف يمكن أن يكون في مصر تضخم؟! منذ يومين عالج زميلي حضرة الشيخ المحترم عبد الرحمن الرافعي بك موضوع النقد في مصر وعالج هذه الحالة معالجة دقيقة بعد دراسة مسببة وعرض الحالة على حقيقتها فلا حاجة بي إلى أن أرجع إلى تكرار شيء مما قاله عن المبادئ الاقتصادية ولا عن تاريخ العملة في مصر لأني أوافقه على كل ما قاله.» ثم أفاض بهي الدين باشا في ضرر الأرصدة الإسترلينية واقترح عدة حلول لاستخلاصها.

وبجلسة ٢٥ أبريل سنة ١٩٤٥ ردَّ أمين عثمان باشا وزير المالية على أقوالي وأقوال بهي الدين بركات باشا، فلم يزد عن عباراتٍ عامة دعا فيها إلى الثقة في تعهدات «حليفتنا الكبرى»، قال: «وأود بهذه المناسبة أن أشير إلى ما أبداه بعض حضراتكم من التشكك في إمكان استردادنا بعد الحرب لِما نداين به بريطانيا. ولعلِّي لست بحاجة إلى أن أذكر أنه لا محل مطلقًا لهذا التشكك بل لمجرد التفكير فيه، بعد أن علَّقنا مصيرنا بمصير الديموقراطيات ووقفنا إلى جانبها في دفاعها عن الحرية والعدالة والمدنية. وبالنظر إلى ما هو معروف عن حليفتنا الكبرى من سلامة ماليتها وشدة محافظتها على تعهداتها ودقة وفائها بديونها مما يجعل ضمان هذه الديون في مَرقًى عن كل شك …» كذا.

ولَعَمْرِي ليس بمثل هذه الأقوال ولا بمثل هذه الروح تصان حقوق البلاد السياسية والمالية، وقد برهنت الحوادث على أن ديون مصر على بريطانيا من الأرصدة الإسترلينية بقيت طوال الحرب وبعد انتهائها قائمةً لم توفِّ منها إلا النزر اليسير.

١  نصُّها في كتاب ثورة سنة ١٩١٩، ج١، ص٦١.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤