الفصل الثاني

الاحترار العالمي

كثير من الهواء الساخن؟

جدال؛ أيُّ جدال؟

لا يقتصر مفهوم الاحترار العالمي على فصول صيفٍ أكثر حرارة، وفيضانات في فصل الشتاء، وما تطلقه الأبقار من غازات. ليس هناك أدنى شك في أن حرارة الأرض ترتفع بسرعة، ولا يختلف في هذا سوى قلة من علماء المناخ. يكمن الخلاف فيما إذا كان الاحترار الذي نشهده الآن يعكس ببساطةٍ تحوُّلًا طبيعيًّا في الاتجاه الذي تسلكه درجة الحرارة العالمية مؤخرًا، أم أنه بسبب التلوث الناجم عن الأنشطة البشرية منذ أن وَجدت الثورة الصناعية لنفسها موطئ قدم راسخًا. الأمر الذي أراه غير مسئول بالمرة هو أن هذا الخلاف لا يزال يُطرح — على الأقل في بعض الدوائر — وكأنه معركة بين مدرستين فكريتين علميتين متكافئتَي الحجم وعلى القدر نفسه من الإقناع، في حين أن حقيقة الأمر أبعد ما تكون عن ذلك. إن التنبؤ بتغيُّر المناخ أمر صعب للغاية، وهو ما يفسر السبب وراء خضوع النماذج الخاصة بارتفاع درجات الحرارة وتغيرات مستوى سطح البحر في المستقبل للمراجعة المستمرة، لكن الدليل الآن دامغ؛ فالأنشطة التي يقوم بها البشر هي المحرك للفترة الحالية من الاحترار العالمي.

باستثناء عدد قليل من العلماء المنشقين عن السرب، والمدافعين عن شركات النفط، ورئيس أكثر الدول تلويثًا للعالم، هناك إجماع كاسح بين من يدركون حقائق الأمور على أن الوضع سيزداد سوءًا ما لم نقلل من انبعاثات الغازات الدفيئة. ومن المثير للدهشة أن هناك من لا يزال يُقلل من شأن هذا الاحتمال ويُخفيه عمدًا وراء ستار من التشويش، وآخر هؤلاء — في رأيي — الإحصائي الدانماركي الواهم بيورن لومبورج؛ ففي كتابه الذي لاقى نقدًا واسعًا «البيئي المتشكك»، يسخر لومبورج من ظاهرة الاحترار العالمي وأثرها في المستقبل، وفي الوقت نفسه — وعن طريق الإشارة إلى أبحاث علمية انتقائية للغاية — يَخْلُص إلى استنتاجٍ مفادُه أن العالم على ما يرام. إذا كنت قد قرأت هذا الكتاب، وتملكك شعورًا زائفًا بالأمان من رسالته التي تبث في النفس شعورًا بالرضا وبعدم الحاجة لفعل أي شيء، فاسمح لي أن أعيدك إلى الواقع عن طريق سردِ قليلٍ من الحقائق ذات الصلة.

على مدار السنوات السبعين الماضية، كانت الأرض أكثر سخونة مما كانت عليه في أي وقت آخر خلال الألفية الماضية، وقد تسارع الاحترار تسارعًا كبيرًا في العقود القليلة الماضية. لا شك أنَّ لدى كلٍّ منا واحدًا على الأقل من الأقارب المسنين الذين يعودون بالذكرى دائمًا إلى وقتٍ كانت فيه فصول الصيف أكثر حرارة، والسماء أكثر زرقة. ومع ذلك تُظهر سجلات الأرصاد الجوية أن هذه مجرد ذاكرة انتقائية؛ فالواقع يشهد أننا منذ عام ١٩٨٠ قد شهدنا ١٩ سنة من أكثر السنوات سخونة، بينما شهدت أواخر تسعينيات القرن العشرين أكثر الأعوام دفئًا في جميع أنحاء الكوكب ككل. الأرض الآن أكثر دفئًا مما كانت عليه لأكثر من ٩٠ بالمائة من تاريخها الذي يمتد ٤٫٦ مليارات عام، وبحلول نهاية القرن الحادي والعشرين قد يشهد كوكبنا ارتفاعًا في درجات الحرارة أكثر مما كان عليه في أي وقتٍ على مدار ١٥٠ ألف سنة ماضية.

الحرارة المتزايدة التي نشهدها الآن ليست حدثًا مناخيًّا عارضًا، ولا يمكن أن تفسَّر بالكامل — كما يحاول البعض أن يفعل — على أساس حدوث اختلافٍ فيما ينبعث عن الشمس، وإن كان من الواضح أن لهذا تأثيرًا كبيرًا على المناخ. بدلًا من ذلك، فإن هذه الحرارة المتزايدة هي نتيجة قرنَين من التلوث الذي صار الآن يغلف الأرض بغلاف عازل من ثاني أكسيد الكربون، والميثان، وأكسيد النيتروز، وغيرها من الغازات الدفيئة. منذ أواخر القرن الثامن عشر والجنس البشري منخرط في تجربة كوكبية عملاقة لا ندري شيئًا عن نتيجتها النهائية سوى تخمينات. وللأسف فإن تلك التجربة قد دخلت الآن مرحلة جموح، وبسبب القصور الذاتي لا يسعنا أن نوقفها على الفور، لكن يمكننا أن نبطئ من سرعتها فحسب. وحتى لو استطعنا أن نثبِّت انبعاثات الغازات الدفيئة اليوم، فسوف تستمر درجات الحرارة ومستويات مياه البحار في الارتفاع لعدة مئات من السنين. والسؤال المهم هنا: هل لدينا العزم على القيام بهذا أم سنفرُّ من المشكلة ويهتم كل واحد منَّا بنفسه فقط وإن هلك الآخرون؟ دعونا نتوجه إلى المختبر لنرى كيف تسير الأمور.

التجربة الكبرى للاحترار العالمي

fig5
شكل ٢-١: شهدت تركيزات الغازات الدفيئة زيادة هائلة منذ الثورة الصناعية.

نعلم من الدراسات التي أُجريت على عينات الجليد القطبي أنه قبل اكتشاف قوة البخار واستخدام المعادن إيذانًا بحلول العالم الصناعي، كانت تركيزات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي ثابتة للغاية منذ انحسار الأنهار الجليدية في نهاية العصر الجليدي الأخير. ومع ذلك فإنه منذ عصور ما قبل الصناعة، ارتفعت نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بنسبة ٣٠ بالمائة، إلى جانب الزيادات الكبيرة في الغازات الدفيئة الأخرى، لا سيما الميثان وأكسيد النيتروز. تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي الآن أعلى مما كانت عليه طوال ٤٢٠ ألف عام على الأقل، وربما الأعلى خلال العشرين مليون سنة الماضية. أضف إلى هذا أن معدل الزيادة في الغاز وصل إلى مستوًى غير مسبوق، وكان خلال السنوات المائة الأخيرة أكبر من أي وقتٍ مضى طوال ما لا يقل عن العشرين ألف سنة الماضية. أما نتاج القرن العشرين من غازات ملوِّثة أخرى، مثل مركبات الكلوروفلوروكربون والهيدروفلوروكربون، فإنها لم تكن حتى موجودة في الغلاف الجوي منذ قرنَين من الزمان. ومع تراكُم هذه الغازات في الغلاف الجوي للأرض فإنها جعلت منه — حرفيًّا — صوبة زجاجية تسمح بدخول حرارة الشمس إلى الأرض وتعيق عودتها إلى الفضاء. الواقع أن هذا كان حال الغلاف الجوي للأرض لمليارات السنين؛ يُحدث توازنًا في درجات الحرارة ويَحُول دون تطرفها، لكن التلوث الآن يعزز كثيرًا أثر الصوبة الزجاجية هذا، والنتيجة أن حرارة الأرض بدأت ترتفع تدريجيًّا طوال فترة طويلة من القرن الماضي.

مع ذلك، ولأن آلية عمل المناخ معقدة جدًّا، لا يمكن النظر إلى تأثير واحد بعينه، والعديد من العوامل الأخرى تؤثر في درجات حرارة العالم. أبرز تلك العوامل ما يَصدُر عن الشمس، وهو أيضًا متغير مع مرور الوقت، ويجب أن يؤخذ بعين الاعتبار قبل أن نعزوَ ارتفاع درجات الحرارة فقط إلى تراكم الغازات الدفيئة التي يتسبب فيها البشر. تتبع الشمس نمطًا منتظمًا من النشاط مدته أحد عشر عامًا يُعرف باسم «دورة البقع الشمسية»، وخلال تلك الفترة يختلف نتاج الشمس بنحو ٠٫١ بالمائة. يتغير الناتج الشمسي أيضًا على مدى فترات أطول تتراوح بين مئات إلى عشرات الآلاف من السنين، وهذه الفترات قد تؤدي دورًا مهمًّا في تبريد كوكب الأرض أو رفع درجة حرارته، وأيضًا — في القرون الأخيرة — في تعديل أو إخفاء تأثير الغازات الناتجة عن أنشطة البشر. وكما سنتناول بمزيد من التفصيل في الفصل الرابع، قد يكون للثورات البركانية أيضًا تأثير كبير في تغير مناخ الأرض. ومع أن الصورة المفصَّلة أكثر تعقيدًا إلى حدٍّ ما، فإن الثورات البركانية الكبرى تُطلِق كميات هائلة من ثاني أكسيد الكبريت وغازات الكبريت الأخرى إلى طبقة الستراتوسفير، يكون لها تأثير تبريدي واسع النطاق من خلال خفض مستوى الإشعاع الشمسي الذي يصل إلى سطح الأرض. وقد حدث انخفاض كبير في درجات الحرارة العالمية — وإن لم يدم طويلًا — إثر ثوران بركان تشيشون (المكسيك) عام ١٩٨٢ وبركان بيناتوبو (الفلبين) عام ١٩٩١. وأحيانًا تتضافر جهود البراكين والشمس معًا لتسفر عن تغيرات مناخية طويلة الأمد. على سبيل المثال، ظهر أثر الارتباط بين انخفاض نتاج الشمس وزيادة النشاط البركاني في موجة البرد التي ضربت العالم في القرون الوسطى، والتي يطلِق عليها علماء المناخ اسم العصر الجليدي الصغير. وقد استمرت تلك الفترة منذ نحو عام ١٤٥٠ بعد الميلاد إلى نحو نهاية القرن التاسع عشر، وشهدت تكوُّن الصقيع على نهر التيمز، وفصول شتاء قارسة البرودة في بقاعٍ كثيرة من العالم.

fig6
شكل ٢-٢: ارتفاع درجة الحرارة على مدار (أ) الألف سنة الماضية و(ب) المائة والأربعين سنة الماضية.1

من الصعب محاولة تحديد الاختلاف الحقيقي في درجات الحرارة العالمية على مدى الألف سنة الماضية، لا سيما أن الأرقام المسجلة عن فترة ما قبل القرنَين الماضيَين ليست جديرة بالثقة على الإطلاق. وهناك مشكلة أخرى مصدرها حقيقة أن ارتفاع الحرارة في جزءٍ من العالم لا يمنع أن يكون هناك جزء آخر تنخفض درجة حرارته. وإحدى الحجج التي لا يزال يستخدمها معارضو فكرة أن الإنسان هو سبب ظاهرة الاحترار العالمي أن العالم قد شهد انخفاضًا ظاهرًا في درجات الحرارة بين عامَي ١٩٤٦ و١٩٧٥؛ ومن ثَمَّ يدحضون فكرة أن النسب المرتفعة من الغازات الدفيئة لا بد أن تسفر تلقائيًّا عن ظاهرة الاحترار العالمي. غير أنه بالنظر الدقيق إلى الأرقام المسجلة في هذه الفترة، يتبيَّن لنا أنه مع أن معظم نصف الكرة الشمالي قد انخفضت حرارته انخفاضًا ملحوظًا، فالعكس قد حدث في نصف الكرة الجنوبي الذي ارتفعت درجة حرارته ارتفاعًا ملحوظًا. الواقع أنه بالرغم من الانخفاض الكلي الطفيف في درجة الحرارة في ذلك الوقت، فإنه الآن يُعزى إلى حَجْب الاحترار بسبب غازات الكبريت المنبعثة من الثورات البركانية والصناعات الثقيلة التي كانت حينها غير مقيدة بقوانين الهواء النقي. الخبر السيئ أن هذا الحجب — الذي يشار إليه الآن باسم التعتيم أو الإظلام العالمي — قد يعني أن درجات الحرارة من شأنها أن ترتفع بما يفوق التوقعات السابقة. وفي كل الحالات — وبالرغم من هذا الأمر العارض — تُظهِر السجلات الموثقة أن درجات الحرارة العالمية كانت تتبع مسارًا صاعدًا لا حيْد عنه منذ بدء توثيق هذه السجلات عام ١٨٦١. وتشير السجلات أيضًا إلى أن تسعينيات القرن العشرين كانت العقد الأكثر دفئًا منذ منتصف القرن التاسع عشر، وأن عام ١٩٩٨ كان أشد الأعوام حرارةً على الإطلاق. وفي أوروبا، ضربت ظاهرة الاحترار العالمي البلاد في صيف ٢٠٠٣، وذلك عندما سجلت درجات الحرارة رقمًا قياسيًّا في أنحاء القارة لتتسبب في وفاة ٣٥ ألف شخص.

إذا كانت تجربتنا الجليلة قد صُممت خصوصًا لرفع درجة حرارة الكوكب، فاستنادًا إلى النتائج المتحققة حتى الآن، يبدو أننا نستطيع تهنئة بعضنا بعضًا لأننا أحسنَّا القيام بتلك المهمة، والاسترخاء بينما تعمل التجربة من تلقاء نفسها لتزيد درجةَ الحرارة وتأخذنا إلى قائمة متزايدة من العواقب غير المتوقعة. لكن بالطبع لم يكن هذا هو مقصد التجربة على الإطلاق. الواقع أنه في العقود الأخيرة فحسب، بدأ التفكير في التأثير الملوِّث للأنشطة البشرية على البيئة العالمية. ولم تكن التجربة الجليلة قط سوى أثر جانبي لتعطُّش الجنس البشري المستمر للحصول على المزيد؛ مزيد من النمو، ومزيد من السلع، ومزيد من الثروة. والآن بعد أن اتضح لنا أن ما فعلناه — لا إراديًّا بالطبع — كان عبثًا بالأداء الطبيعي للأرض، لم يعد أمامنا أي خيار سوى إنهاء تلك التجربة. إن استمرار المماطلات السياسية وزيادة تعقيد الموقف العلمي من قِبل أصحاب المصالح المعادين لمقترحات التخفيف من ظاهرة الاحترار العالمي؛ قد أدَّيا إلى إخفاق بروتوكول كيوتو — بالرغم من التصديق عليه — في تحقيق هدفه، وهو خفض انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية بنسبة ٥٫٢ بالمائة (أدنى من نسب عام ١٩٩٠) خلال الفترة ٢٠٠٨–٢٠١٢. وهذا الإخفاق سببه في الأساس دول — مثل الولايات المتحدة وأستراليا — رفضت التوقيع على البروتوكول أو حتى الالتزام بنِسب التخفيض الضئيلة التي نادى بها. وفي ظل الحاجة إلى تقليل الانبعاثات بنسبة ٦٠ بالمائة إذا أردنا حدوث انخفاض حقيقي في التركيزات المتزايدة للغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، فالمستقبل يبدو مظلمًا حقًّا.

لأننا نشبه كثيرًا من يحاول الانعطاف بناقلة نفط عملاقة، فإن القصور الذاتي الهائل المتراكم في المنظومة لا يزال يعني أنه حتى لو عدنا إلى رشدنا وعملنا على تقليل الانبعاثات بنسب كبيرة في السنوات القليلة المقبلة، فستستمر درجات الحرارة ومستويات البحار في الارتفاع قرونًا قادمة؛ لذلك يبدو أننا لا محالة في طريقنا لمواجهة تغيرات هائلة في بيئتنا؛ بعضها نحو الأفضل، لكن معظمها ليس كذلك. المؤكد أن أطفالنا وأحفادهم سوف يجدون الأرض مكانًا مختلفًا جدًّا عما هي عليه الآن.

الدفيئة الأرضية

لن يكون العالم عام ٢١٠٠ ميلاديًّا أكثر سخونة بكثير فحسب، لكنه سيشهد أيضًا تطرفات في الطقس من شأنها — على أقل تقدير — أن تجعل حياة مليارات من البشر أكثر إزعاجًا بكثير. وبالفعل، فإن أنماط الطقس الجامحة التذبذب التي يراها العديد من المراقبين إحدى نتائج الاحترار العالمي، جنبًا إلى جنب مع زيادة التعرض للخطر في العالم النامي؛ يؤديان إلى زيادة هائلة في أعداد الكوارث الجوية. ففي تقرير الكوارث العالمية لعام ٢٠٠٤، كشف الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر عن أن الأرقام السنوية للكوارث الناجمة عن العواصف، والفيضانات، والانهيارات الأرضية، والجفاف قد ارتفعت من نحو ٢٠٠ كارثة قبل عام ١٩٩٦ إلى أكثر من ٧٠٠ كارثة في السنوات القليلة الأولى من الألفية. قليلون هم من يعتقدون أن الوضع سيتحسن، لكن الاحتمالات قائمة بأن الأمور ستسوء تدريجيًّا.

سوف يعاني سكان المناطق الساحلية المنخفضة — أكثر فأكثر — من ارتفاع مستويات سطح البحر وزيادة هطول الأمطار التي ستجعل الفيضانات المهلكة هي القاعدة وليس الاستثناء. في المقابل، سيزداد عدد من يتضورون جوعًا نظرًا لقلة الأمطار السنوية عامًا بعد عام، وستقع مناطق شاسعة من أفريقيا وآسيا فريسةً للجفاف والمجاعات المترتبة عليه. وقد قدَّم لنا صيف ٢٠٠٥ لمحة عما قد يصبح قاعدة؛ حيث الأمطار الموسمية التي لم يسبق لها مثيل التي أغرقت مدينة مومباي الهندية بفيضانات أودت بحياة أكثر من ١٠٠٠ شخص، بينما تسبب الجفاف الذي استمر طويلًا في تجويع أكثر من ٤ ملايين شخص — رُبعهم من الأطفال — في دولة النيجر الواقعة غرب أفريقيا. يبدو أيضًا أن الأرض سوف تكون أكثر تعرضًا للرياح؛ إذ تثير البحار الأكثر دفئًا هبوب عواصف أكثر عددًا وأشد تأثيرًا، لا سيما في المناطق الاستوائية. سنعود لتناول الآثار الخطرة المتعددة لظاهرة الاحترار العالمي لاحقًا، لكن دعنا الآن نُلقِ نظرة على أحدث التوقعات المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة خلال المائة عام القادمة؛ ففي النهاية، هذا هو العنصر الحاسم الذي من شأنه أن يحرك التغيرات الهائلة التي ستشهدها بيئتنا في هذا القرن وما بعده.

في عام ٢٠٠١، نشرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ «تقرير التقييم الثالث» بشأن ظاهرة الاحترار العالمي في ثلاثة مجلدات ضخمة يربو مجموع صفحاتها على ٢٦٠٠ صفحة. تأسست الهيئة عام ١٩٨٨ من قِبل برنامج الأمم المتحدة للبيئة، والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، وهو مختص بتقديم إجماعٍ للرأي العلمي جدير بالاعتماد فيما يتعلق بالتغير المناخي، وذلك باستخدام أفضل الخبرات المتاحة. الكلمة التي تهمنا هنا هي «إجماع للرأي»؛ فقد شارك أكثر من ١٠٠٠ عالِم إما في كتابة التقرير وإما في مراجعة محتواه؛ مما يبدد أيَّ شك في صحته إلا لدى المتشككين اللاعقلانيين، أو أصحاب النظرة التفاؤلية الدائمة، أو أصحاب النظرة المكيافيلية الخالصة. ولو جاز لنا أن نلخص مضمون التقرير الثالث الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في بضع كلمات، لربما قلنا: «هل قلنا في تقرير التقييم الثاني إن الوضع سيكون سيئًا؟ حسنًا، لقد كنا مخطئين؛ فالوضع سيكون أسوأ من ذلك بكثير.»

دعونا نُلقِ نظرة على ما تقوله الهيئة حول ارتفاع درجات الحرارة. فعلى مدار القرن الماضي، ارتفعت درجات الحرارة العالمية بمقدار ٠٫٦ درجة مئوية. وبحلول عام ٢١٠٠، يَتوقع أسوأ سيناريوهات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن درجات الحرارة ستكون أعلى مما هي عليه الآن بنحو ست درجات مئوية. حتى السيناريو المعتدل يتوقع أننا سنشهد حرًّا قائظًا نتيجة ارتفاع درجة الحرارة ٤ درجات مئوية. إذا بدت لك هذه النسبة ضئيلة، فاعلم أن ٤ أو ٥ درجات مئوية تعني الفرق بين ظروف العصر الجليدي وظروف مناخنا الحالي؛ وقد تضمَّن الانتقال بين الوضعين حدوث تغيرات هائلة في بيئة الأرض، ليس فقط في المناخ والطقس ولكن أيضًا في الحياة النباتية والحيوانية.

لدينا كل الأسباب التي تجعلنا نتوقع أنه بينما يتضاعف الارتفاع في درجة حرارة ما بعد العصر الجليدي مرة أخرى، سوف نشهد تغيرات جذرية مماثلة لما حدث من قبل. لكن هذه المرة هناك نوعان من الاختلافات المهمة؛ أولًا: سيكون على كوكب الأرض توفير غذاء وكساء ودعم لعدد ٦٫٥ مليارات نسمة، لا بضعة ملايين كما كانت الحال في المرة الأولى. ثانيًا: يحدث الارتفاع المشابه في درجة الحرارة اليوم على مدار مائة سنة فقط بدلًا من آلاف السنين. والعديد من تبعات هذا الارتفاع الهائل في درجات الحرارة العالمية بات واضحًا، لكن هناك تبعات أخرى أقل وضوحًا. والمناطق القطبية والجبلية التي يوجد بها ثلوج وجليد دائم تعاني الآن بالفعل، وسيظل الارتفاع في درجات الحرارة يُلحِق خسائر فادحة بتلك المناطق. فعلى مدى المائة سنة الماضية حدث انحسار هائل للأنهار الجليدية الجبلية في جميع أنحاء العالم، في حين بدأ جليد القطب الشمالي يتضاءل كثيرًا منذ خمسينيات القرن العشرين، والنتيجة أن القطب الشمالي خلا من الجليد في صيف عام ٢٠٠٠. وعلاوةً على ذلك، فإن مساحة الجليد البحري في القطب الشمالي في فصلَي الربيع والصيف أقل بنسبة ١٠–١٥ بالمائة مما كان عليه قبل ٤٠ عامًا، في حين أن جليد البحيرات والأنهار في المناطق المرتفعة في نصف الكرة الشمالي ينصهر الآن خلال فصل الربيع قبل أسبوعين مما كان عليه قبل قرن مضى. أما الغطاء الجليدي الربيعي في نصف الكرة الشمالي فهو أقل بنسبة ١٠ بالمائة عن متوسط الفترة ١٩٦٦–١٩٨٦، وتشير توقعات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى أن المناطق القطبية والجبلية من نصف الكرة الأرضية قد ترتفع درجة الحرارة فيها ٨ درجات مئوية بحلول عام ٢١٠٠. في عام ٢٠٠٤، كان تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي ٣٨٠ جزءًا في المليون. وحتى لو تمكَّنَّا — في وقتٍ ما في المستقبل — من تثبيت هذا التركيز عند ٤٥٠ جزءًا في المليون، فستستمر درجات الحرارة في الارتفاع، وإن كان بمعدلٍ أكثر بطئًا إلى ما بعد عام ٢٣٠٠.

fig7
شكل ٢-٣: متوسط التغيُّر السنوي في درجات الحرارة بين الآن وعام ٢١٠٠ (جميع درجات الحرارة مقدرة بالدرجة المئوية).1

تسفر الزيادة الهائلة في معدل ذوبان الثلج والجليد عن ارتفاع مستويات البحار؛ إذ تشير بيانات قياس المد والجزر إلى أن مستويات البحار العالمية قد ارتفعت بنسبة تتراوح بين ١٠ و٢٠ سنتيمترًا خلال القرن العشرين، ويُتوقع أن يتزايد هذا الارتفاع كثيرًا في المائة سنة القادمة، مع توقع ارتفاع مستويات البحار بمقدار ٤٠ سنتيمترًا، وربما تزيد على ٨٠ سنتيمترًا بحلول عام ٢١٠٠. ومعظم الزيادة الأخيرة والمتوقَّعة سببها التمدد الحراري للمحيطات الذي يحدث نتيجة سخونة مياهها أو نتيجة ما يضاف إليها من مياه الأنهار الجليدية الجبلية السريعة الذوبان. ومع ذلك فإن الإخفاق في تقليل انبعاث الغازات الدفيئة قد يؤدي في المستقبل إلى ذوبانٍ كارثيٍّ لألواح الجليد في كلٍّ من جزيرة جرينلاند وأنتاركتيكا (القارة القطبية الجنوبية)، وهو ما ستكون له تبعات وخيمة على المناطق الساحلية. وتتوقع أسوأ سيناريوهات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ اختفاء الصفيحة الجليدية في جرينلاند، وهو ما سيسفر عن ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار ستة أمتار بحلول عام ٣٠٠٠. الأخطر من ذلك أنه بالرغم مما تبدو عليه الصفيحة الجليدية في أنتاركتيكا من استقرار في الوقت الحاضر، فإن الاحترار الشديد الذي ستشهده القرون القليلة المقبلة قد يؤدي إلى تفككها واختفائها إلى الأبد. فاحتمال انهيار وذوبان الصفيحة الجليدية في أنتاركتيكا خلال القرنَين القادمَين قد يبلغ ١ إلى ٢٠. إذا ما حدث ذوبان كامل للصفيحة الجليدية سواء في جرينلاند أو أنتاركتيكا، فستجد كلُّ المدن الساحلية الكبرى في العالم نفسَها تحت الماء. وحتى لو لم يحدث ذلك، فإن تبعات ارتفاع مستوى البحر خلال المائة سنة القادمة ستكون مدمِّرة للبلدان المنخفضة. على سبيل المثال، ارتفاع سطح البحر مترًا واحدًا سيغمر جزر المالديف التي تقع في المحيط الهندي تحت الماء، في حين أنه من المتوقع أن ارتفاع مستوى سطح البحر جنبًا إلى جنب مع انخفاض سطح الأرض سيسفر عن ارتفاع سطح البحر ١٫٨ متر في بنجلاديش في غضون نحو خمسين عامًا فقط. وسيؤدي ذلك إلى فقدان نسبة كبيرة من سطح الأرض تبلغ ١٦ بالمائة، ويعيش عليها ١٣ بالمائة من السكان.

ستزيد الفيضانات الساحلية أيضًا بسبب المدود العاصفية؛ حيث يُتوقع أن يرتفع عدد المتضررين منها بما يصل إلى ٢٠٠ مليون شخص بحلول عام ٢٠٨٠. ونظرًا لأن استجابة المحيطات للتغير بطيئة جدًّا، فإن مشكلة ارتفاع مستوى سطح البحر لن تختفيَ في الحال. فحتى إذا نجحنا في تثبيت نسبة الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي عند التركيزات الحالية، فسيستمر مستوى سطح البحر في الارتفاع مدة ألف سنة أو أكثر.

fig8
شكل ٢-٤: مدينة نيو أورليانز غارقة تحت المياه في أعقاب إعصار كاترينا الذي تسبب في أفدح الخسائر على الإطلاق.2

اعتدنا أن نلقيَ بلائمة جميع الكوارث الطبيعية المرتبطة بالمناخ على ظاهرة الاحترار العالمي. ومع أنه لا يمكننا أن نعزيَ عاصفة بعينها أو فيضانًا بعينه إلى ارتفاع درجة الحرارة، فهناك أدلة متزايدة على وقوع أعداد أكبر من الظواهر الجوية المتطرفة. وقد زادت حوادث هطول الأمطار بنسبة تصل إلى أربعة بالمائة عند خطوط العرض العليا والمتوسطة خلال النصف الثاني من القرن العشرين، ويُتوقع أن يكون هناك المزيد من العواصف الممطرة والفيضانات والرياح العاصفة. ومن المرجح أن تزيد حدة الخصائص المناخية الحالية؛ إذ تزداد رطوبة المناطق الرطبة، بينما تعاني المناطق الجافة من الجفاف فترات طويلة ومتواصلة؛ ولذلك فإن أوروبا الشمالية والمملكة المتحدة ستواجهان مزيدًا من الفيضانات، في حين ستبدأ صحاري شمال أفريقيا في الزحف نحو جنوب أوروبا، وسوف تعاني أستراليا من درجات حرارة حارقة. ومن المرجح أن تصبح المنطقة التي يطلق عليها «زقاق الأعاصير» في المحيط الأطلسي أكثر نشاطًا خلال نصف القرن القادم، وقد أشار بحث نُشر عام ٢٠٠٥ إلى أن تلك الأعاصير المدارية قد تضاعفت قوَّتها التدميرية على مدى العقود الثلاثة الماضية. ويتوقع هذا البحث كذلك أن جزر الكاريبي والمناطق الجنوبية الشرقية وسواحل الخليج في الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وهونج كونج — من بين أهداف أخرى — قد تتعرض لكوارث متزايدة خلال السنوات المقبلة. حتى الآن، ليس هناك سوى قلة من الناس على استعداد للمجازفة بالقول بأن ما يحدث قطعًا سببه ظاهرة الاحترار العالمي. ومع ذلك، فبما أن بعضهم قد اقترح أن ارتفاع درجة حرارة سطح البحر هي السبب الرئيسي وراء تلك العواصف العاتية، يمكننا الإشارة إلى علاقة منطقية؛ فظاهرة الاحترار العالمي تعني ارتفاع درجة حرارة مياه البحار، وهذا بدوره من المرجح أن يُسفر عن عواصف أكثر عددًا وأشد قوة. بما أن المياه الاستوائية في المحيط الأطلسي قد ارتفعت درجة حرارتها على مدى السنوات الخمس الماضية فإن معدل تكوين الأعاصير قد تضاعف. في الوقت نفسه نجد أن العواصف تزداد قوة بزيادةٍ قدرُها ٢٥٠ بالمائة، تصاحبها رياح تتجاوز سرعتها ١٧٥ كيلومترًا في الساعة. وفي ظل توقُّع استمرار ارتفاع درجات الحرارة في المحيطات طوال القرن الحادي والعشرين، يبدو مستقبل ساكني منطقة «زقاق الأعاصير» قاتمًا؛ فحيث تهب الرياح، تتبعها الأمواج غالبًا، وما يتكشف من أدلةٍ الآن يشير إلى أن الأمواج ستكون أوسع نطاقًا وأشد تأثيرًا. فحول السواحل الغربية والجنوبية للمملكة المتحدة، زاد ارتفاع الأمواج العادية — البالغ نحو ٣ أمتار — بمقدار يزيد على المتر مقارنةً بما كان عليه الأمر قبل ثلاثة عقود، في حين ازداد ارتفاع أكبر الأمواج بمقدار ٣ أمتار كاملة ليصل إلى ١٠ أمتار. ومع أن العلماء لم ينسبوا زيادة ارتفاع الأمواج مباشرة إلى ظاهرة الاحترار العالمي، فإن تلك الزيادة تعكس التغيرات في أنماط الطقس في شمال المحيط الأطلسي، التي يمكن ربطها بدورها بإعادة تنظيم منظومة الطقس على سطح كوكبنا في ظل استمرار ارتفاع درجة الحرارة. أما تآكل السواحل فيسفر عن أضرار بالغةٍ الآن بالفعل على طول قطاعات كثيرة من السواحل الأكثر عرضة للخطر في المملكة المتحدة؛ وهو وضع من المرجَّح أن يزداد سوءًا ويتفاقم حتمًا بسبب ارتفاع منسوب مياه البحار والعواصف.

يبدو أيضًا أن ظاهرة الاحترار العالمي تؤدي إلى زيادة تكرار ظاهرة النينو؛ ثاني أكبر «إشارة» مناخية بعد فصول السنة. وتتضمن ظاهرة النينو ضعفًا في الرياح التجارية الغربية، وما ينتج عنه من هجرة لمياه السطح الدافئة من الغرب إلى شرق المحيط الهادي، فتدمر مصائد الأسماك المحلية وتُحدث خللًا في المناخ العالمي. وقد زادت وتيرة هذه الظاهرة غير الملحوظ أثرها من: مرة واحدة كل ست سنوات خلال القرن السابع عشر، إلى مرة كل ٢٫٢ سنة منذ سبعينيات القرن العشرين، ويقال إن الاحترار العالمي هو السبب وراء ذلك.

ومع استمرار ارتفاع درجة حرارة الأرض، يبدو أن تبعات ذلك لن تقتصر على البحار والسماء، بل ستمتد إلى قشرة الأرض. وارتفاع درجات الحرارة الآن في المناطق الجبلية مثل جبال الألب وجبال البرانس تسفر بالفعل عن ذوبان الطبقة الدائمة التجمد عند المرتفعات؛ مما يهدد القرى والمدن ومنتجعات التزلج بالمزيد من الانهيارات الأرضية الأشد تدميرًا. ونظرًا لأن ذوبان الجليد يُضعِف الجبال، فسوف تشهد سويسرا المزيد من الانهيارات الصخرية، والانهيارات الأرضية، والتدفقات الطينية، وربما تسوء الأمور كثيرًا عن هذا؛ فقد تنهار جبال بأكملها تتألف من مليارات الأطنان من الصخور، لتدفن مجتمعات سكانية بأكملها تحت أكوام هائلة من الصخور. وعلى مدى ١٠٠–١٥٠ سنة ماضية، ارتفعت درجة الحرارة بمقدار درجة واحدة أو درجتين مئويتين، وربما تزداد وتيرة ذلك؛ ففي الجبال التي تعلو منتجع التزلج السويسري سان موريتس — على سبيل المثال — ارتفعت درجة الحرارة بمقدار نصف درجة مئوية في غضون الخمس عشرة سنة الماضية. واستمرار ارتفاع درجات الحرارة بهذا المعدل قد يزعزع قمم الجبال في جميع أنحاء العالم؛ مما سيجعل حياة سكان المناطق الجبلية العالية أكثر صعوبة وخطرًا. وقد أشار أحد زملائي — الدكتور سايمون داي — أن زيادة هطول الأمطار على براكين الجزر المحيطية قد تؤدي إلى انهيارات أرضية مهولة يمكن أن تسفر بدورها عن أمواج تسونامي عاتية في المحيطين الهادي أو الأطلسي، وهو ما سنتناوله بالتفصيل في الفصل الرابع.

من الواضح إذنْ أن إحدى التبعات الرئيسية لظاهرة الاحترار العالمي أن يصبح العالم أكثر خطورة؛ بحيث لن ينجوَ منه سوى قليلين. وها هي الأوضاع تزداد سوءًا بالفعل، لا سيما على طول السواحل المنخفضة والجزر؛ ففي تسعينيات القرن العشرين، لقي أكثر من ٤٠ بالمائة من سكان جزر سليمان حتفهم أو أصيبوا بأضرار بالغة بسبب العواصف والفيضانات. والوضع لا يختلف كثيرًا في الدول الجزرية المنخفضة الأخرى جنوب غرب المحيط الهادي مثل تونجا وميكرونيزيا. فخلال الفترة نفسها، تعرض شخص من بين ١٢ شخصًا في أستراليا، وشخص من بين ٢٠٠ شخص في الولايات المتحدة الأمريكية، وشخص من بين ٢٠٠٠ شخص في المملكة المتحدة لإحدى الكوارث الطبيعية. تلك مجرد بداية فحسب؛ ففي السنة الأولى من الألفية الجديدة، تضرر أكثر من ٢٠٠ مليون شخص من الكوارث الطبيعية — الفيضانات، والعواصف، والجفاف في الأغلب — وهي نسبة هائلة تساوي واحدًا إلى ثلاثين من سكان الكوكب؛ كل هذا والاحترار العالمي لم يصل إلى أشُدِّه بعد. مما لا شك فيه أننا جميعًا سنُضطر إلى تقبُّل الكوارث الطبيعية باعتبارها جزءًا طبيعيًّا — وإن كان بغيضًا — من حياتنا في العقود المقبلة. وعلاوةً على ذلك، لا تقتصر تبعات ظاهرة الاحترار العالمي على زيادة تعريض كوكب الأرض للكوارث الطبيعية؛ فنحن على موعد مع تغيرات أخرى جذرية وواسعة النطاق لن يقل تأثيرها على حياتنا عن تأثير الكوارث الطبيعية. سوف تتلقى الاقتصادات القومية ضربات قاسمة، وسيتفكك نسيج مجتمعنا العالمي مع تزايد المشكلات المحيطة بالزراعة، وإمدادات المياه، والحياة البرية، وصحة الإنسان.

قلة من الدول ستتمكن من التأقلم إلى حدٍّ ما مع ذلك الوضع، لكن من المؤكد أن وتيرة التغيير ستبلغ حدًّا من السرعة يجعل ذلك مستحيلًا أمام الدول الأكثر تعرُّضًا للخطر في آسيا، وأفريقيا، وأماكن أخرى في العالم النامي. في ظل زيادة الكثافة السكانية، وتدنِّي الدخول، وزيادة التلوث، ما من شك في أن تأثير الاحترار العالمي سوف يكون مأساويًّا. ومن أكبر المشكلات التي سنواجهها النقصُ الحادُّ في المياه. في الوقت الحالي، يعيش ١٫٧ مليار شخص — أي ثُلث سكان العالم — في بلدان تفتقر إلى ما يكفيها من المياه الصالحة للشرب، وسيرتفع هذا الرقم ليجاوز ٥ مليارات شخص في غضون ٢٥ عامًا فقط؛ وهو ما سيشعل الصراع حول المياه في معظم أنحاء آسيا وأفريقيا. وإلى جانب هذا، من المتوقَّع أن ينخفض ناتج المحاصيل في المناطق المدارية وشبه المدارية، والكثير من المناطق القريبة من خطوط العرض المتوسطة؛ مما سيؤدي إلى اتساع رقعة الصحاري، ونقص الغذاء، وظهور المجاعات. وسيؤدي الصراع على الغذاء والماء إلى الهجرة الاقتصادية بأعدادٍ مهولة تفوق أي شيء نراه الآن؛ وهو ما سيؤدي بدوره إلى زعزعة الاستقرار ونشوب الصراعات في أجزاء كثيرة من العالم.

في أوروبا وآسيا تورق الأشجار في فصل الربيع قبل أسبوع من موعدها الذي كانت عليه قبل ٢٠ عامًا فقط، بينما يحل الخريف متأخرًا عن موعده عشرة أيام. قد يبدو هذا في ظاهره مفيدًا، لكنه سيشجع أيضًا حشرات جديدة على الانتقال إلى مناطق معتدلة المناخ لم تكن لتظهر فيها من قبل. وقد أنشأ النمل الأبيض بالفعل قاعدة في جنوب المملكة المتحدة، بينما ارتفعت درجات الحرارة في بعض الأماكن إلى الحد اللازم لبقاء وتكاثر البعوض الناقل للملاريا. أما في المناطق المدارية، فسيكون هناك ارتفاع هائل في عدد الأشخاص المعرَّضين لخطر الإصابة بالأمراض التي تنقلها الحشرات، خاصة الملاريا وحُمى الضَّنك، في حين أن ندرة مياه الشرب ستفتح الباب أمام تفشِّي الكوليرا بين الصغار والمسنين والضعفاء. أما في المناطق الحضرية فستبدأ حرارة الصيف القائظة وزيادة التلوث في إلحاق أذًى بالغٍ بصحة الإنسان، لا سيما في المجتمعات الفقيرة؛ حيث تنعدم فرص استخدام أجهزة تبريد الهواء. في ظل ارتفاع درجات حرارة الأرض عبر كل القارات حتى ٨ درجات مئوية بحلول نهاية القرن، ستبدأ الغابات المعتدلة والمدارية — التي تساعد حاليًّا على امتصاص الغازات الدفيئة — في الفناء، وستفنى معها آلاف الأنواع الحيوانية التي ستعجز عن التكيف مع الظروف الجديدة. والأمر لا يقتصر على الغابات؛ فالمراعي، والأراضي الرطبة، والشعاب المرجانية، والجزر المرجانية، والمستنقعات الاصطناعية، والنظم الإيكولوجية القطبية والألبية الحساسة ستلقى صعوبة بالغة في البقاء والتكيف، والكثير منها سيعجز عن ذلك. حتى الأنشطة التي نمارسها في أوقات فراغنا ستتأثر؛ إذ لن يقف الأمر عند تعرُّض جنوب أوروبا لجفاف شديد لا يصلح معه إنتاج محاصيل الحبوب، لكنه سيصل أيضًا إلى حدٍّ من ارتفاع درجة الحرارة — خلال أشهر الصيف على الأقل — لا يناسب الباحثين عن دفء الشمس. ويبدو مستقبل قطاع الرياضات الشتوية قاتمًا أيضًا في ظل احتمال ذوبان معظم الأنهار الجليدية الجبلية بحلول نهاية القرن، وفي ظل تضاؤل تساقط الثلوج كثيرًا. أما فيما يتعلق بالتنوع البيولوجي — وبواحدة من القطاعات السياحية — فلعل أسوأ التوقعات التي أُعلن عنها مؤخرًا أن جميع الشعاب الكبيرة سوف تفنى في غضون خمسين عامًا؛ وبعض أكبر العجائب الطبيعية في العالم ستختفي بفعل ارتفاع درجة حرارة البحار، وذلك فقط من أجل أن يتسنَّى لبعضنا الاستمرار في حياة الاستهلاك والترف أو النضال من أجلها.

كل ما تناولتُه إلى الآن إما أمور تقع بالفعل، وإما أمور تنبأَتْ بها نماذج مناخية فعالة من تصميم أجهزة الكمبيوتر تخضع لتحديث مستمر في محاولة لتحسين التنبؤ بما تخبئه لنا ظاهرة الاحترار العالمي في جعبتها. ومع ذلك يجب علينا أن نكون على استعداد دائم، وأن نتوقع ما لا يُتوقع؛ سواء العواقب الوخيمة التي تُعتبر حتى الآن ممكنة لكن ليست مرجحة، أو غيرها مما لم يخطر ببالنا. في الفصل القادم من هذا الكتاب سنتناول إحدى هذه القضايا بمزيد من التفصيل؛ وهي إمكانية وجود جزيرة باردة في إقليم شمال المحيط الأطلسي وسط عالم شديد الحرارة. إلا أنني هنا أريد أن أثير احتمالًا مخيفًا آخر، وهو أن التغيرات الكبيرة في مستوى سطح البحر بسبب ظاهرة الاحترار العالمي قد تؤدي إلى وقوع مزيد من الثورات البركانية، ومزيد من الزلازل، ومزيد من الانهيارات الأرضية العملاقة. هل يبدو هذا جنونًا؟ تشير الأدلة من الماضي إلى أن هذا وارد تمامًا. عندما كانت مستويات البحر ترتفع بسرعة بعد نهاية العصر الجليدي الأخير منذ ١٠ آلاف سنة، يبدو أن وزن الماء على الحوافِّ القارية كان له تأثير كبير؛ مما تسبب في ثوران البراكين، وتحرُّك الصدوع النشطة، ووقوع انهيارات أرضية ضخمة في مناطق الجرف القاري. كان متوسط معدل ارتفاع مستوى سطح البحر خلال أوقات ما بعد العصر الجليدي حوالي سبعة مليمترات في السنة، وهو يقارب الارتفاع الذي يمكن أن نراه إن وقع الغطاء الجليدي في جرينلاند أو الغطاء الجليدي في غرب منطقة القطب الجنوبي فريسة في آخر الأمر لظاهرة الاحترار العالمي.

المشكلة أننا لا نعرف مدى الضخامة أو السرعة التي ينبغي أن يحدث بها ذلك الارتفاع حتى تظهر تلك الآثار مرة أخرى، مع أنه مما يثير الاهتمام أن بركان بافلوف في ألاسكا يُستثار للانفجار في الشتاء عندما تتسبب أحوال الطقس ذات الضغط المنخفض التي تمر فوق البحر في رفع مستوى البحر بمقدار بضع عشرات من السنتيمترات. وحينها لعلنا لن نواجه مستقبلًا دافئًا فحسب، بل مستقبلًا ملتهبًا. وهناك مخاوف أخرى؛ فتراكم الغازات بسبب تحلل المخلفات العضوية سيؤدي إلى تشكيل ما يُسَمَّى بهيدرات الغاز في الرواسب البحرية. وهيدرات الغاز هذه موادُّ صُلبةٌ تتألف من الميثان تشبه جليد الماء، وتكون حالتها الفيزيائية حساسة جدًّا للتغيرات في درجة الحرارة. وارتفاع درجة الحرارة درجة مئوية واحدة فقط قد يسبب تفككًا سريعًا للمادة الصُّلبة فتصير في حالة غازية، فتمارس ضغطًا متزايدًا على الرواسب المحيطة؛ مما قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار وانهيار كتلة ضخمة من الرواسب. وقد قيل إن هذه العملية ربما تكون السبب في حدوث انهيارَيْ ستوريجا — زوج من الانهيارات الأرضية البحرية العملاقة قبالة ساحل جنوب النرويج — في ظل ارتفاع درجة حرارة الأرض الذي بدأ منذ ٨٠٠٠ سنة مضت. وقد أدى ذلك الانهيار إلى حدوث موجات تسونامي ضخمة تدفقت عبر شمال شرق اسكتلندا، وتركت رواسب رملية داخل الطبقات السميكة في الخُثِّ المستنقعي. إذا استمر الاحترار العالمي دون عائق على مدى القرون القليلة القادمة، فسيبدو كما لو أن ذلك سيكون بداية لأحداث مثيرة جدًّا.

الحلول ما بين الجيد والسيئ والجنوني

لا مفر لأحد على هذا الكوكب من آثار ظاهرة الاحترار العالمي؛ فالتدهور البيئي الناتج سيجعل الحياة أمام المليارات أشد صعوبة بكثير مما هي عليه الآن. لقد فات الآن أوان تدارُك الأمور، لكن يمكننا على الأقل أن نحاول التخفيف من أسوأ آثار الاحترار العالمي. والسؤال: هل سنتمكن يومًا ما من إيجاد إجماع دولي يتيح لنا أن ننجح في فعل ذلك ولو نسبيًّا؟ عام ١٩٩٧ منَحَنَا بروتوكول كيوتو بعض الأمل؛ إذ كان هدفه تقليل نسب انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية (لتكون دون نسب عام ١٩٩٠) بنسبة ٥٫٢ بالمائة، وذلك خلال الفترة من عام ٢٠٠٨ إلى عام ٢٠١٢. ومع ذلك، وبالرغم من تصديق روسيا عام ٢٠٠٥ على البروتوكول، فإن رفض الولايات المتحدة الأمريكية التوقيع عليه ترتَّب عليه أننا لم نتقدم حتى الآن من المربع رقم واحد. بل إن الواقع يشهد أننا صرنا في وضع أسوأ مما كنا عليه. فبدون توقيع الولايات المتحدة على البروتوكول، فإن الانبعاثات التي تخرج من جميع الدول الصناعية معًا قد ترتفع بنحو ١٢ بالمائة بحلول الفترة من عام ٢٠٠٨ إلى عام ٢٠١٢، التي تفوق حتى العديد من التوقعات حول «بقاء الوضع على ما هو عليه». إن تحدثنا عن انبعاثات الغازات الدفيئة، فالأمور تزداد سوءًا ولا تتحسن. من الصعب أن نرى كيف يمكن أن يتحسن هذا الوضع قبل أن تقتنع الولايات المتحدة — أكبر ملوث في العالم؛ إذ ينبعث منها رُبع الغازات الدفيئة — جنبًا إلى جنب مع شريكتها التي لا تقل ضلوعًا في الجريمة — أعني أستراليا — بالانضمام إلى بقية المجتمع الدولي في محاولة معالجة المشكلة. إنْ تحدثنا عن حكومات الدول، فأنا شخصيًّا أشك في أن طريقة الإقناع الوحيدة التي يمكن أن تنجح هي وقوع كوارث مستمرة تضرب مدن الولايات المتحدة التي تقع في الشرق وعلى ساحل الخليج، وذلك في صورة أعاصير تزداد قوة، أو ربما جفاف يضرب أستراليا مدة عشر سنوات. لكنْ هناك خبران سارَّان من الولايات المتحدة. في شهر أغسطس من عام ٢٠٠٥، وقَّع ١٧٧ عُمْدة — منهم عُمَد نيويورك ولوس أنجلوس وشيكاجو وميامي — على اتفاقية حماية المناخ التي وضعها عمدة سياتل، والتي تفرض على المدن المشاركة السعيَ لتحقيق أهداف بروتوكول كيوتو أو تحقيق ما هو أفضل منه. وفي الشهر نفسه، اتفقت مجموعة تتألف من تسع ولايات في شمال شرق الولايات المتحدة — من بينها نيويورك ونيو جيرسي وماساتشوستس — على تثبيت انبعاثات الغازات الدفيئة عند النسب الحالية، بهدف تقليصها بنسبة ١٠ بالمائة بحلول عام ٢٠٢٠. وهذه بالتأكيد خطوة صغيرة، لكنها خطوة في الاتجاه الصحيح.

كلما استمر الاحترار العالمي في الاستحواذ على الاهتمام، زاد سماعنا عما أسميه التحوُّل إلى الحلول التقنية. وبعض اقتراحات أصحاب هذا التوجه للتخفيف من ظاهرة الاحترار العالمي غريبة وحمقاء، مثل وضع عاكسات عملاقة في الفضاء لتحويل الإشعاع الشمسي بعيدًا عن الأرض، بل ومنها ما هو أكثر إغراقًا في الخيال؛ حيث اقترحوا تحويل مسار مُذَنَّب أو اثنين بعيدًا عن الأرض، وذلك باستخدام الجاذبية لأرجحة الكوكب ليسير في مدار أبعد عن الشمس. إلا أن بعض الأفكار هي خيارات علمية مدروسة بعناية يمكن تطبيقها في المستقبل إذا خرجت الأمور عن السيطرة. ومن تلك الأفكار طرق لاستخدام المحيطات كمقلب لثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، إما عن طريق التخلص منه ماديًّا في أعماق المحيطات عبر خطوط الأنابيب والناقلات، أو عن طريق بذر المحيط بالحديد لتشجيع نمو الكائنات البحرية الدقيقة التي تستخلص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي. وقد أظهرت التجارب الأولية أن كلتا الطريقتين قد يُكتب لها النجاح، لكن لكي تعملا على نطاق واسع بما يكفي لتكونا مؤثرتين فإنهما ستكونان مكلِّفتين للغاية، وستتطلبان تضافر جهود دولية يصعب التنبؤ بها ما لم يتعذر الإبقاء على الوضع الحالي. وعلاوةً على ذلك فإن إقناع الرأي العام بأننا في حاجة إلى أن نتلاعب بالمحيطات من أجل إصلاح الضرر الذي أحدثناه في الغلاف الجوي؛ سيتطلب دعاية هائلة.

ما من شك في أننا إذا أردنا أن يكون لنا أي تأثير على ظاهرة الاحترار العالمي، فسيتعيَّن علينا جميعًا أن نغيِّر أنماط حياتنا، ونتجه نحو مجتمع يشجع ويكافئ على الاستخدام الأكثر فعالية وكفاءة للطاقة وللموارد المتاحة. إن معالجة ظاهرة الاحترار العالمي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالاعتماد الواسع النطاق على التنمية المستدامة. سوف تضع ظاهرة الاحترار العالمي نهاية للعالم الذي عهدناه عن طريق إحداث تغييرات جذرية لبيئتنا، لكن إن لم يستمر الوضع في التدهور، فلا بد أن يقدم أيضًا حافزًا ودافعًا لتغيير الطريقة التي نعيش بها. في العالم المتقدم ليس أمامنا خيار سوى خفض استهلاك الوقود، والاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، وإعادة التدوير على نطاق أكبر بكثير مما عليه الحال الآن، والإنتاج المحلي لما نحتاج إليه من الفاكهة والخضراوات بدلًا من الاضطرار إلى نقلها من نصف الكرة الأرضية إلى نصفها الآخر على متن الطائرات. أما الحكومات في البلدان النامية، فبقدر ما أستطيع فهم مقاومتها لذلك، أرى أنه يجب عليها أن تتجنب في سعيها نحو التصنيع طريق الإسراف الذي اتخذته أوروبا وأمريكا الشمالية؛ وذلك لسبب بسيط ومنطقي، وهو أنها إن لم تتجنبه فإنها — وشعوبها — أكثر من سيعاني من ويلات ذلك. وعلى وجه الخصوص، على العالم النامي تبنِّي مصادر الطاقة المتجددة وإعادة التدوير الآن، وعلى القوى الاقتصادية في العالم أن تقدِّم له الدعم للمُضي على هذا الدرب. وبالرغم مما لدينا من إحباط بسبب فشل بروتوكول كيوتو في أن يكون شاملًا للجميع، فهناك خطة بديلة مطروحة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة يمكنها بدء تحريك الوضع على الدرب الطويل لتحقيق تثبيت نسب تلك الانبعاثات بل والحد منها. وهذه الخطة البديلة تُسَمَّى «التقليص والتقارب»، وهي نموذج جديد من بنات أفكار «معهد المشاعات العالمية» في لندن. وتستند هذه الخطة البارعة على مبدأين؛ أولهما: أنه يجب تقليل انبعاثات غازات الدفيئة، وثانيهما: أن الوسائل التي تُستخدم في ذلك يجب أن تكون عادلة للجميع؛ ولذلك تقترح نظرية «التقليص والتقارب» الحد من الانبعاثات على أساس نصيب الفرد. وستُبرَم اتفاقية دولية تحدد كمَّ الانبعاثات الذي يجب أن يلتزم به كل طرف كل عام؛ ومن ثَمَّ تصدر تصاريح بكمِّ الانبعاثات لكل دولة مشاركة على أساس عدد سكانها. ومن المقرر أن تكون تصاريح الانبعاثات تلك قابلةً للتداول بحيث يتسنَّى لبلدان مثل الولايات المتحدة وأستراليا — حين تقل مخصصاتها عن حاجتها — أن تشتريَ تصاريح الانبعاثات التي تفيض عن حاجة البلدان النامية المكتظة بالسكان. وهذه الخطة البسيطة تجذب كل يوم اهتمامًا متزايدًا، ولها الآن مؤيدون ذوو ثقل في الأمم المتحدة، وأوروبا، والصين، وحتى بين البلدان النامية، والساسة الأمريكيين. صرنا الآن لا مفر أمامنا نحن وذريتنا من أن نواجه صراعًا طويلًا وشاقًّا في ظل اقتراب نهاية عالمنا المعتدل، ودخولنا في عصر دفيئة الأرض. ولكن لعل مبادرة «التقليص والتقارب» تساعد على تخفيف وطأة هذا التحول.

حقائق مثيرة للقلق

  • بحلول نهاية هذا القرن، من المتوقع أن يشهد كوكبنا ارتفاعًا في درجات الحرارة أكثر مما كان عليه في أي وقت مضى خلال المائة والخمسين ألف سنة الماضية.

  • بحلول عام ٢١٠٠، من المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة العالمية فوق اليابسة بنسبة تصل إلى ٨ درجات مئوية أو أكثر، مع ارتفاع مستوى سطح البحر إلى ٨٨ سنتيمترًا.

  • تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي قد تفوق ما كانت عليه في أي وقت مضى خلال العشرين مليون سنة الماضية.

  • في عام ٢٠٠٠، تضرر واحد من بين كل ٣٠ شخصًا من سكان العالم من الكوارث الطبيعية.

  • بحلول عام ٢٠٢٥، سيكون هناك خمسة مليارات شخص يعيشون في بلدان ليست بها كفاية من إمدادات المياه.

  • خلال خمسين عامًا، قد تَفْنَى كل الشعاب المرجانية الرائعة في العالم نظرًا لارتفاع درجة حرارة مياه البحار.

  • من غير المرجَّح أن يستمر قطاع الرياضات الشتوية في شكله الحالي حتى عام ٢١٠٠.

  • احتمال ذوبان الغطاء الجليدي في غرب منطقة القطب الجنوبي خلال المائتي سنة القادمة يساوي ٥ بالمائة. إذا حدث هذا فسوف تغرق جميع المدن الساحلية في العالم من نيويورك إلى لندن إلى سيدني.

هوامش

(1) IPCC 3rd Assessment Report.
(2) © Vincent Laforet-Pool/Getty Images.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤