مقدمة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل لنا من سير الماضين عبرة وتبصرة، وقص علينا من أخبار السالفين موعظة وتذكرة، والصلاة والسلام على جميع أنبيائه الذين جمَّلوا صفحات التاريخ بعظائم أخبارهم، وجميل آثارهم.
أما بعد فإن علم التاريخ من أجلّ العلوم نفعًا، وأرفعها شأنًا، وأصفاها موردًا فهو المرآة لحوادث الزمان، والمشكاة لاستنارة الأذهان، والمنهاج لاهتداء الخلف، بهدي السلف.
ولا تزال كتب التاريخ لها المقام الأرفع بين العالم يستضيئون بنورها ويهتدون بها إلى سبيل الفضائل؛ ولذلك عني رجال العلم وأساطين العرفان في كل زمان ومكان بتأليفها وتصنيفها وتنميقها وترتيبها، وبذلوا جهد الاستطاعة في جمعها والتفنن في وضعها وقسموها إلى خصوصية وعمومية على اختلاف مشاربهم وتنوع مقاصدهم.
وقد أوجد الله فيها من سلافة هذا العصر من جميع الطبقات رجالًا يجب أن تكون سيرتهم حلية في أجياد الأجيال المقبلة، فلا بد من ظهور آثارهم في بطون الأسفار لتكون كالكواكب النيرة؛ لأنهم أنفقوا ذخائر الأعمار، في جلائل الأعمال، ولكل زمان رجال، ولكل ميدان مجال، ولا بد لكل حين، من بنين، تظهر بهم فضائله، ويتحلى بهم عاطله.
فكم رأينا من هلال مجد أشرق فصار بدرًا، وينبوع فضل زخر حتى صار بحرًا، وشبل ترعرع في عرينه حتى أصبح ليثًا، وقطرًا انسكب، حتى انقلب غيثًا وغوثًا.
ولكن رأينا في الكثير من لفّق السطور بزخارف الأساطير فضلًا عن أن كتبهم خلت من ذكر غالب أكابر الفضلاء، وأماثل النبلاء، وأهملتهم وهم أجل قدرًا من أن لا يعرفوا، وحاشاهم أن يكونوا نكرة فيعرفوا، وكم انبعثت في النفوس لواعج الشوق للوقوف على أسماء هؤلاء السادة الأعلام ورؤية رسومهم ومحاسنهم، ومعرفة أحوالهم وطرف أنسابهم وتدرجهم في مدارج الكمال فلم تصل إلى بغيتها بعد الكد والعناء.
وقد عن لي أن أستدرك هذا التقصير بوضع كتاب يشمل على محاسن أهل هذا العصر: يزري بيتيمة الدهر وسلافة العصر؛ لتدوين هذه المفاخر وجمع شوارد هذه المآثر، والغرر الزاهية التي تستنير بها حنادس الليل، والدرر الساطعة التي تجسد بهجتها الثريا وسهيل؛ لتكون رسائل تسفر لمن يأتي بعد عن أخبار بدور المجد، وكواكب السعد، ويحق له أن يتمثل:
فجاء بمعونة الله تعالى مملوءًا بالفضل دون الفضول لترتاح إليه النفوس، وتشحذ به العقول، وتتلقاه الخواطر بالترحاب والقبول، وقد توخينا كل سيرة، طاهرة السريرة تزيد للناشئة نشاطها، وتجدد لها اغتباطها، وتكون لتلك المأثرة تذكرة ولأولي الألباب في المستقبل تبصرة.
واسأل الله أن يعصمنا من الزلل، وأن يوفقنا للإخلاص في هذا العمل، إنه على ما يشاء قدير.