ترجمة حضرة صاحب العزة الإداري الكبير محمد بك أمين واصف

كلمة للمؤرخ

تتجلى الصفات السامية والمواهب العالية في شخص هذا الشهم الإداري الكبير بأجل معانيها، وأسمى مبانيها، وحق لنا أن نمطره من آيات الشكر والثناء أكثرها لما قام به من جلائل الخدم لمصره العزيزة، ولسمو نزعته، وقوام مبدئه، وجميل صفاته، ولكم لقي هذا البطل من ضروب العنت إبان تربعه في كراسي الإدارة الحكومية إزاء نزعته الوطنية، مما دعا إلى السعي في عزله هو وآخرين في آخر عهد الخديوي عباس حلمي باشا السابق، ففشل الساعون إلى الانتقام وباءوا بالخسران، ثم تجددت المساعي على أثر الانقلاب السياسي الخطير، فاعتزل الخدمة.
figure
حضرة صاحب العزة الإداري الكبير محمد بك أمين واصف المفتش العام لوزارة الأوقاف سابقًا.

وإن كان عزته قد ترك أعمال الحكومة ومتاعبها، إلا أن ما حازه من الشهرة الوطنية والثبات على المبدأ يكفيانه فخرًا وشرفًا في بطون التاريخ.

مولده ونشأته

هو محمد أمين بك واصف نجل المرحوم مصطفى بك واصف من ضباط الجيش المصري سابقًا، المتوفى إلى رحمة ربه في حادث الفيوم سنة ١٨٨٨م المشهورة بقضية الدهشان.

ولد بمصر القاهرة في ١٩ يناير سنة ١٨٧٦، فغذاه والده الجليل بلبان الأدب والفضل والاستقامة، ولما أن شب عن الطوق أدخله مدرسة الحسينية الابتدائية الأميرية، وعندما حصل منها على شهادة الدراسة الابتدائية أدخل المدرسة الخديوية الكائنة بدرب الجماميز، ونال منها شهادة البكالوريا سنة ١٨٩٠م، ثم التحق بمدرسة الحقوق وبجده ونشاطه، وحسن استقامته أحرز شهادة الليسانس منها سنة ١٨٩٥م بنجاح عظيم.

وظائفه الحكومية

وعند نواله لتلك الشهادة عين معاونًا للإدارة بمديرية الجيزة على عهد السير الدن غورست، ثم نقل لمديرية أسيوط ثم رقي مأمورًا لعدة مراكز، ومن ثم وكيلًا لعدة مديريات فمديرًا لمديرية القليوبية فالجيزة إلى أن عين مفتشًا عامًّا لوزارة الأوقاف، عندما جعلت وزارة كباقي وزارات الحكومة، ثم اعتزل الخدمة على أثر الانقلاب السياسي الخطير كما قدمنا.

ولحضرة صاحب الترجمة ولع شديد بالصحافة منذ عهد التلمذة لزمالة فقيد الوطن والوطنية المرحوم مصطفى كامل باشا، ولما عرف فيهما ذلك الولع «وهما طلبة بمدرسة الحقوق» المغفور لهم لطف باشا سليم وبشارة باشا نقلا والشيخ علي يوسف، شجعهم الأول وأمدهم بأفكاره الواسعة، ومبادئه الجليلة، كما أعد لهما الآخران صحائف جريدتهما على أوسع رحاب.

أعماله الخالدة لنشر العلم والأدب

وقد صادف عند وجوده مديرًا للقليوبية ظهور تعديل القانون النظامي للحكومة المصرية، وزيدت اختصاصات مجالس المديريات وأضيف التعليم الأولي الابتدائية لعهدتها، فكان مجلس مديرية القليوبية أسبقها إلى نشر التعليم، وتشييد دوره، فأنشأ مدارس ابتدائية بقليوب وطوخ وشبين القناطر بعد نقل مقر المركز إليها، وقد كان في نوى، ثم مدرسة للبنات ببندر بنها ثم المدرسة الصناعية بطوخ، وقد شيدت باكتتاب عام من أعيان المديرية في عهد المرحوم عبد الغني بك شاكر المدير الأسبق، ثم أنشأ ثمانين كتابًا في أنحاء المديرية المختلفة.

وقد أثنى عليه المؤتمران الإسلامي والقبطي بأسيوط لإمكانه التوفيق بين نظام التعليم الإسلامي والمسيحي بالمعاهد، التي شيدها بما أرضى الطرفين.

وهو صاحب مشروع الخفر النظامي بالبلاد، وانتداب ضباط من الجيش لتنظيمه وتدريسه؛ ولذلك أشار السير الدن غورست بتنفيذ التجربة الأولى بمديرية القليوبية تحت مباشرته.

ولعزته من المشاريع العلمية والأدبية والاقتراحات الصائبة فوق ما تقدم بيانه شيء يذكر، وجميعها تشهد بغيرته الفائقة على نشر العلوم والآداب.

مؤلفاته القيمة

ولحضرة صاحب الترجمة الجليل مؤلفات قيمة نذكر منها:
  • شرح قانون تحقيق الجنايات.

  • وشرح قانون العقوبات.

  • ومناهج الأدب في «الأخلاق والاجتماع».

  • والخريطة التاريخية ومعجمها.

  • وكتاب علم النفس، وعلم المنطق، وعلم الأخلاق.

وغيرها وغيرها من المؤلفات النفيسة التي تشهد ببراعة مؤلفها وغزارة علمه، وفضله، ومكانته السامية، في عالم التحرير والأدب وقد انتخب عضوًا بالمجمع اللغوي المصري في أول نشأته.

صفاته وأخلاقه

كريم النفس، قوي الإرادة، لا يحتمل الضيم، صريح في الحق لا يخشى فيه لومة لائم، ذكي الفؤاد، على جانب كبير من المقدرة العلمية والأدبية والإدارية، يميل بفطرته لمساعدة الفقراء وتشجيع الأدباء، وهو بالإجمال مثال تتجلى فيه الشهامة العالية والمروءة الكاملة.

حفظه الله وأكثر من أمثاله العاملين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤