ترجمة شاعر القطرين النابغ الفذ والعالم الكبير الأستاذ خليل مطران بك

مقدمة للمؤرخ

ليس بين سكان الشرق عامة، ومصر خاصة، من يجهل شاعر القطرين النابغ الفذ والعالم الكبير الأستاذ خليل بك مطران، فإن من لم ير ذاته فقد عرفه من نفسيته العالية التي تجلت في شعره، ونثره، وفي مختلف فنون الأدب الذي تبحر فيه الخليل وبلغ به أسمى الصفات، وأعلى المراتب، ونال مكانة لن تطال لغيره من الشعراء، والكتاب، فإن سمعة شاعرنا الجليل تغنى كل كاتب مهما كان قلمه سيالًا عن الوصف، والشرح، واحترامه عند الكبير والصغير، لا نكران فيه ولا جدال.

ونعد أنفسنا مقصرين في تشخيص نفسية هذا الشاعر النابه، وتكييف تلك الصفات العالية التي تحلى بها وتحليل المواهب السامية الخاصة به، وذاك الوجدان الممتلئ شعورًا حساسًا، والقلب النقي الطاهر المجرد من كل شائبة، والنفس العالية، والإباء والشمم، نقول: إننا مقصرون حقًّا من الخوض في طرق هذه الصفات التي تحتاج بمفردها إلى مجلد ضخم وشرح وإسهاب.

ونكتفي الآن بتدوين تاريخ حياته المجيد، الناصع البياض، والذي نعده درة ثمينة في جبين هذا العصر وجوهرة غالية في هذا السفر.

مولده ونشأته

ولد خليل مطران سنة ١٨٧١ في بعلبك وقدم مصر سنة ١٨٩٣م، فعرف صاحب جريدة الأهرام واشتغل مدة في تحريرها، ثم أصدر جريدة الجوائب وهي أول جريدة مصرية نشأت على النمط الحديث للصحف، بل هي جاءت في الحقيقة قبل زمانها، فقد كان يكتب فيها كل يوم قصة كاملة، وكانت الأخبار تعنون بعناوين كبيرة في وقت كانت المقالات الكبيرة في الصحف الأخرى لا تعنون تقريبًا أو تعنون بحرف صغير.
figure

وقد أنشأ خليل بك مطران أيضًا المجلة المصرية، وكان يعتني فيها بدقة التعابير اللغوية، والأبحاث الحديثة، وهو في كل ذلك لم يكن ينقطع عن تأليف القصائد والمقطوعات المؤلف منها ديوانه المعروف.

الخليل محسن

وليس الخليل بالشاعر المجيد، والثائر اللبق فحسب، بل هو أيضًا مصدر للعطف والبر لكل من به آنة فتراه يتألم كثيرًا من مرأى بائس يتوجع أمامه يشكوه مضض الحياة، ويود لو في مقدوره سد حاجة كل بائس أوقعه حظه في لجج التعاسة والشقاء، وطالما رأيناه يسعى على الأقدام لقضاء مهام أولئك الذين يطرقون باب مروءته حتى إذا ما تكللت مساعيه بالنجاح طفح البشر من مقلتيه كأنه أصاب مغنمًا عظيمًا لنفسه، ولقد صدق من أسماه عن حق «بخادم الإنسانية».

ونظرًا لاختباراته الواسعة، وبعد نظره، وغزارة مادته العلمية، وكفاءته الشخصية اختير سكرتيرًا عامًّا للنقابة الزراعية العامة، فتراه يعمل جهده مواصلًا ليله بنهاره للمصلحة العامة، وقد نمت أعمال هذه النقابة نموًّا يضمن ثباتها ونجاحها بفضل حسن إدارة رجالها العاملين، وحسن اختباراتهم الزراعية، والاقتصادية.

وقد أنعم عليه سمو الخديوي عباس حلمي باشا الثاني السابق بنيشان المجيدي الثالث سنة ١٩١٢، وقد احتفل المنعم عليه احتفالًا باهرًا جمع فطاحل الشعراء ونبغاء الكتاب تحت رئاسة حضرة صاحب السمو الأمير الجليل محمد علي باشا شقيق سموه، وعددوا فضل المحتفل به ومركزه الأدبي، وغزارة علمه، ولولا ضيق المقام لأتينا بالكثير مما قيل في تلك الحفلة من الدرر الغوال فاكتفينا بالإشارة.

صفاته وأخلاقه

الخليل أديب بكل معنى الكلمة، ذكي الفؤاد حلو الحديث ظريف المعشر دمث الأخلاق، بل من أرق الناس حاشية لا يؤلمه المقت ولا يعرف الحقد، فهو واسع الصدر، سمير لا يمل، كثير التجارب، والاختبار.

مؤلفاته

ومن مؤلفاته كتاب في الاقتصاد الذي اشترك مع حافظ بك إبراهيم في ترجمته، وله عدة درامات مترجمة عن الفرنسية أشهرها درامة عطيل، ودرامة تاجر البندقية ودرامة مكبث، وله كتب أيضًا لم تنشر بعد، وتضلع مطران في اللغة الفرنسية تضلعًا قلما يساويه فيه غيره من الأدباء أو الشعراء الآن، وقد فسح أمامه ميدان الأدب الفرنسي وهو أغنى الآداب الأوربية في القديم، والجديد، ولو كانت الظروف تؤاتي مطران والزمان يسعفه لرأينا منه العجب، فهو قادر نشيط ذكي، ولعل ذكاءه هو الذي يجعله من المقلين، فقد سمعنا بعضهم يقول: إن الأغنياء من المؤلفين هم الذين يقدمون بضاعتهم حيث لا تطلب فالسوق كاسدة، والذكي يضن بذكائه أن يباع بالبخس.

حفظ الله حياته ومتعه بدوام الصحة والهناء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤