ترجمة الكاتب المجيد الفكه والأستاذ القانوني الضليع فكري أباظة

كلمة المؤرخ

الأستاذ فكري أباظة الكاتب الفكه المجيد والمحامي الضليع معلوم ومعروف لدى أدباء مصر، وعائلته المشهورة في عموم القطر المصري بالفضل والجاه، والتي تعد من أقدم العائلات المصرية في المجد المؤثل تغنينا عن الشرح والوصف.

ولا يمكن لمصري تظله سماء مصر وشرب جرعة من نيلها المبارك أن ينكر فضل هذا النابغ، وسعة علمه، وغزارة مادته، وطلاوة كتاباته، وحسن أسلوبه لا سيما تلك الطريقة الخاصة التي تسمى عند الإفرنج: Humoristique «الجد في قالب المزح»، ولم تكن هذه الطريقة معروفة عند كتاب العربية بشكلها الرائع الراقي فكانت ذات تأثير غريب، وأقبل عليها القراء إقبالًا لا مثيل له، لا سيما وأن جميع كتاباته خاصة بشؤون المصلحة العامة ولها.
figure
الكاتب المجيد الفكه والأستاذ القانوني الضليع فكري أباظة المحامي الشهير ببندر الزقازيق.

فلا تمر أيام حتى تظهر له مقالات فكهة شيقة نافعة في أكثر الجرائد اليومية والمجلات الأسبوعية تكون حديث خاصة الناس، رغم النزعات الحزبية المختلفة، فكانت تتناولها أمهات الجرائد والمجلات الأوربية، فتترجمها إلى لغات مختلفة حتى أصبح فضل الأستاذ ليس قاصرًا على مصر فحسب، بل والأقطار الأوربية عامة، وأضحى موضع إعجاب الجميع لرشاقة ألفاظه وحسن بيانه.

مولده ونشأته

ولد الأستاذ صاحب الترجمة بكفر أبي شحاته من أعمال مركز منيا القمح شرقية، وهو ابن حسين بك أباظة بن المغفور له السيد باشا أباظة، وقد سطعت أنوار مولده في أغسطس سنة ١٨٩٦م فنشأ نشأة صالحة، ونبت نباتًا حسنًا فتربى على بساط العزة والمنعة وأدخل مدرسة القربية، واغترف علومها الأولية وحصل على الشهادة الابتدائية من المدرسية الخيرية عام ١٩٠٨–١٩٠٩م، ثم التحق بمدرسة السعيدية فأتم علومها وحاز منها على شهادة الكفاءة عام ١٩١٠–١٩١١م، فالبكالوريا عام ١٩١٣م فالحقوق، إلى أن فاز منها شهادة الليسانس عام ١٩١٧م، ومن أكبر الأدلة على فرط نبوغه وقوة ذكائه أنه لم يرسب في تاريخه المدرسي إلا مرة واحدة في الشهادة الابتدائية، وحدث له وهو في مدرسة الحقوق سنة ١٩١٥م أن نسب إليه تهمة سياسية رفت بسببها، ولكن نال العفو من لدن ساكن الجنان المغفور له السلطان حسين كامل عنه وعن زملائه الطلبة.

وأبت نفسه العالية الطموحة إلى المجد الاندماج في سلك خدمة الحكومة بعد خروجه من مدرسة الحقوق، بل فضل خدمة بلاده من طريق الأعمال الشريفة الحرة، فاحترف تلك المهنة الشريفة مهنة المحاماة عن الضعيف والمظلوم، فكان له فيها القدح المعلى وحاز فيها مركزًا يحسده عليه الكثيرون، وقد أدى به مبدؤه السياسي للوقوف في مواقف صريحة برهن فيها على أنه لا يهاب في سبيل القيام بالواجب سوى ضميره والحق.

ولم تقعده واجباته المدرسية عن الاشتغال بالأدب فأخذ يكاتب الجرائد اليومية والمجلات الأسبوعية من سنة ١٩١٣م من نظم ونثر، وهو مولع بالموسيقى، وله فيها أكثر من أربعين قطعة موسيقية وضع ألحانها بنفسه، ومنها نشيده الوطني المشهور الذي ألفه عندما كان في أسيوط وطبعت منه آلاف النسخ، كما وأنه قد نبغ في لعب كرة القدم بالمدارس الثانوية والعالية واشترك في الفرق الأولى والمستنجعات، وقد كان لنشيده الوطني الذي ألفه في أسيوط رجة عظيمة وهزة عنيفة، وقع بسببه تحت طائلة التهديد بالقبض عليه لو لم تدركه العناية الإلهية بالحصول على جواز سفر متخذًا لنفسه صناعة مستعارة «تاجر حمير»، وبه تمكن من مغادرة المدينة.

ومن الجرائد الأوربية التي تهتم كثيرًا بترجمة مقالاته الطلية وكتاباته الشيقة جريدة نشيد رومس اليونانية، وهي من أمهات الجرائد وأعظم انتشارًا، ناهيك عن أكثر الجرائد الأوربية من إنكليزية وفرنسية وغيرها.

ولصاحب الترجمة مجموعات عن شتى المواضيع التي طرقها، وتناولتها الأيدي بكل لهفة وشغف فطبع منها المجموعة الأولى وكذا المجموعة الثانية، وفي هذه قصيدة عصماء وخريدة فيحاء لأمير الشعراء سعادة أحمد شوقي بك، وكذا له مجموعة ثالثة هي تحت الطبع، ولا يزال المترجم له مشتغلًا بالكتابة في عموم الجرائد اشتغال المجد المجتهد لا تشغله عن ذلك شواغل مهنته.

والمترجم له عضو بالحزب الوطني حيث التحق بلجنته الإدارية عام ١٩٢١م، وقد تقدم للانتخابات العامة عن دائرة بلبيس في الدور الأول لانعقاد البرلمان المصري، فلم ينجح لأنها من الدوائر الخالية من العصبة العائلية، وقد استطاع بشخصيته وحدها أن يعيد الانتخاب مع منافسه الذي فاز في المرة الثانية.

كلمة المؤرخ الختامية

لقد اعتذر حضرة الأستاذ صاحب الترجمة بعد إلحاح كثير أن يتفضل فيوافينا بترجمة مستوفاة عن تاريخه المجيد، مدعيًا بأنه أصغر من أن يتطلع للوقوف في صف العظماء الذين يجب تخليد ذكرهم لأعمال جليلة أتوها، أو خدم عمومية قاموا بها نحو وطنهم وأمتهم لتدون لهم في بطون التاريخ.

فاضطررنا إزاء هذا الاعتذار ألا نحرم عشاق الأدب وحضرات الأدباء من محبيه ومريديه، أن نأتي بقطرة من بحر أدبه الواسع وعلمه الزاخر علها تشفي الغليل.

مع اعترافنا بالتقصير نحوهم ونحو التاريخ نفسه ولكن ما حيلتنا، وهكذا شاء الأستاذ وشاء تواضعه.

صفاته وأخلاقه

ولا يمكننا الخوض في وصف صفات وأخلاق هذا الأستاذ الجليل إنما نكتفي ونكفي حضرات القراء مئونة الشرح بنظرة واحدة، يلقونها على صورته الفتوغرافية الشريفة، فيتبين لهم جليًّا ما وهبه الرحمن من ذكاء نادر وقريحة وقادة، وستتجلى أمامهم صفاء السريرة ونقاوة السيرة، أضف إلى كل ذلك جمال الخلق والخلق.

أمد الله في حياة هذا الأستاذ النبيل والعالم الجليل، ولا أحرم الكنانة من أمثاله النبغاء الذين يتفانون في خدمة البلاد، ونفع العباد إنه سميع مجيب كريم قدير.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤