ترجمة حضرة صاحب العزة الدكتور محمود بك عزت

كلمة وجيزة للمؤرخ

من الذين خصهم الرحمن بالوداعة وطهارة الذمة وعمل حقًّا لرضاء الخالق والمخلوق حضرة صاحب هذه الترجمة، الذي ما حل بمركز أو مديرية بحكم وظيفته الحكومية إلا وكان مثال الشهامة، وعنوان الاستقامة ومضرب المثل في النزاهة وطهارة الذمة مع المهارة التامة، والكفاءة المتناهية في مهنة الطب الشريفة، إذ ما من مريض يسعده الحظ ويرشده حسن طالعه إلى معرفة شخصه الكريم، ويعرض عليه علته إلا ونال الشفاء بفضل ما اكتسبه من خبرة وحنكة وتجارب عديدة، قل أن تتوفر لكثيرين من الأطباء.

مولده ونشأته

ولد صاحب العزة محمود بك عزت بناحية باسوس مديرية القليوبية سنة ١٢٧٨ﻫ، فأدخله والده المرحوم علي أفندي لامع ذاك الوالد البار الذي كان عنوان الفضل والجد والرجولية الصحيحة في مكتب البلدة، الذي أنشأه المرحوم والده حيث تعلم به القراءة والكتابة عام ١٢٩٢ هجرية، ثم أدخله مدرسة المبتديان الأميرية وارتشف من بحور علومها فكان مثال الذكاء والنشاط بين التلامذة محبوبًا من عموم أساتذته وظل بها ثلاث سنوات، أي لعام ١٢٩٥، ومن ثم أدخله مدرسة الطب وانكب على شتى علومها، وبفضل ما بذله من غيرة وهمة ونشاط فاز على عموم أقرانه، ونال درجة هيهات أن ينالها غيره في ذاك العهد وظل بهذه المدرسة ست سنوات متوالية وخرج منها عام ١٣٠١ﻫ الموافقة لعام ١٨٨٣م.

وظائفه الحكومية

figure
حضرة صاحب العزة الدكتور محمود بك عزت مفتش صحة قسم أسيوط والمنيا سابقًا.
وما كاد ينتهي من تلك المدرسة ويفوز بشهادتها التي تخول لحاملها تعاطي مهنة الطب حتى عين طبيبًا لصحة مركز العطف عام ١٨٨٣م، أي في نفس السنة التي تخرج منها من مدرسة الطب، وأخذ يتنقل في مراكز مديرية البحيرة مدة ١٧ سنة، أي لسنة ١٨٩٧م، ثم انتقل إلى صحة الواحات الداخلة بمديرية أسيوط، وظل بها سنة واحدة ونقل منها إلى صحة مركز فارسكور بمديرية الدقهلية، ومكث بها لغاية سنة ١٩٠١م، ومنها انتقل إلى صحة مركز السنبلاوين، ومكث بها لغاية سنة ١٩٠٧م ونقل منها إلى صحة مركز إطسا بمديرية الفيوم، ثم رقي إلى وظيفة مفتش ثاني لصحة مديرية الغربية، ثم رقي مفتشًا مؤقتًا لصحة مديرية الشرقية عام ١٩٠٩م، وظل مدة أربعة شهور ومنها نقل مفتشًا لصحة مديرية قنا في أواخر سنة ١٩٠٩، ومكث بها لغاية أوائل سنة ١٩١٣م، ومنها نقل مفتشًا لصحة مديرية الشرقية ومكث بها ثمان سنوات، ثم رقي مفتشًا لصحة قسم أسيوط والمنيا وظل بها حتى عام ١٩٢٢م، ومن ثم أحيل على المعاش لبلوغه السن القانونية.

وليس بيت القصيد من ذكر هذه التنقلات أن يعرف القارئ الكريم المراكز والمديريات، التي خدمها هذا الشهم المفضال إنما ليعرف أن كل بلدة أو مركز أو مديرية وطأت قدماه فيها كان مثال النزاهة، غيورًا على مصلحة الجمهور محبوبًا من جميع عارفي فضله وعظيم كفاءته، وسعة علمه لا سيما ما كان يبديه من المجهودات الشاقة، والخدمات الجليلة، عندما انتشر الطاعون في مديرية قنا سنة ١٩١١م، فقد بذل أقصى ما في استطاعة مخلوق وبرهن على سعة مداركه، وإن التاريخ يسجل لعزته هذه المآثر الغراء بقلم الشكر والثناء؛ لتدوم ناطقة له بالفضل ما دامت السماوات والأرض.

وقد أنعم عليه سمو الخديوي السابق عباس حلمي باشا بالرتبة الثانية عام ١٩١١؛ جزاء اهتمامه في مقاومة ذاك الوباء بمديرية قنا، وأنعم عليه جلالة الملك فؤاد الأول بنيشان النيل من الدرجة الخامسة، وبالرتبة الثانية تثبيتًا للأولى من لدن جلالته وقت أن أحيل على المعاش.

صفاته وأخلاقه

أما عن أخلاقه وصفاته فحدث عنهما ولا حرج، بل لك أن تقول: إنه آية اللطف، وكرم الأخلاق، والوداعة المتناهية، والعطف على البؤساء، ومواساة الفقراء، وبالإجمال فإنه شهم جمع فأوعي من جليل الصفات وعظيم الخصال.

أدامه الله وأبقاه وأكثر من أمثاله النبهاء.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤