ترجمة حضرة الوجيه المفضال الشيخ محمد عبد الله الشلتاوي

كلمة للمؤرخ

مما يرتاح له ضمير المؤرخ إثبات الصفات الحقيقية للموصوف، بحيث أن تكون هذه الحقائق ملموسة بعيدة عن المغالاة والمبالغة، فإذا نحن أردنا أن نصف حضرة المترجم وما خصه الرحمن به من المواهب السامية، والذكاء الفطري، والميل الغريزي لمحض عمل الخير، المجرد من حب الشهرة الكاذبة وإنفاقه الأموال الطائلة فيما يعود على الفقراء والمعوزين البؤساء بما يخفف لوعتهم، ويكفل راحتهم وينطق ألسنتهم بالشكر والثناء على هذا المحسن الجواد الكريم، نقول إذا نحن أردنا سرد أعمال وحسنات هذا الشهم الفاضل لضاق المقام من دون أن نأتي ببعضها.

ومما يحسن ذكره هنا أن تأتي هذه الشمم العالية والأعمال الباهرة من حضرة صاحب الترجمة، وهو لم يحصل قسطًا وافرًا من العلوم المدرسية ولا شهادات عالية؛ كي يصح أن يقال إنه تمكن بفضل هذه العلوم من الوصول إلى هذا المركز الأدبي الذي يحسد عليه من كثيرين، ولكنه وصل إليه بفضل المزايا الجميلة التي خصه بها المولى سبحانه وتعالى.

مولده ونشأته

ولد حضرة المترجم ببلدة كوم النور التابعة لمركز ميت غمر دقهلية عام ١٨٨٣ ميلادية الموافق لعام ١٣٠٢ هجرية، من أبوين شريفين فاضلين ربياه فأحسنا تربيته، وغذياه بلبان الفضيلة والاستقامة والتقى والصلاح وأدخلاه مدرسة البلدة فتلقى فيها ما كان ضروريًّا من العلوم الأولية، ومن ثم أخرجاه منها لمباشرة إدارة حركة أعمال والده الزراعية وأطيانه الواسعة.
figure
حضرة الوجيه الفاضل الشيخ محمد عبد الله الشلتاوي من أعيان كوم النور.

نعم وإن كانت هذه العلوم الأولية جاءت معززة ومكملة لذكائه الفطري، الذي خلق معه منذ ولادته، وتعتبر في الحقيقة كافية لمثله في ذاك الوقت، إلا أن تربيته العلمية وتجاربه الكثيرة الناجحة جعلته كاملًا من كل الوجوه.

حياته العملية

توفي المرحوم الحاج عبد الله الشلتاوي والد حضرة المترجم له دون أن يصل ولده السن الذي يؤهله لإدارة حركة المرحوم والده، ولكن بفضل ذكاء المترجم الفطري وقوة إرادته وحسن تربيته تمكن من الوصول بها إلى الغاية التي كان يرجوها، وصعد بها إلى أعلا درجات التحسين والإنماء، وكان طالعه زاهرًا وحظه وافرًا فأصاب مغنمًا عظيمًا، وهذا أيضًا يدل على رضا العزة الإلهية عليه، فشمر عن ساعد الجد واستخدم مواهبه السامية وتجاربه الناجعة، فأصاب بها كبد الغرض المقصود، وفاز بالمطلوب وأصبح يشار إليه بالبنان مشكورًا من الجميع بكل شفة ولسان، محترم الجانب مكرمًا مبجلًا من جميع عارفي فضله وأدبه ومروءته.

مآثره المشكورة

ومن بعض مآثر هذا الوجيه الفاضل أنه قام بتشييد مضيفة فخمة كبرى تضم بين جدرانها عابري الطريق الذين لا مأوى لهم، فيطرقونها فلا يجدون إلا صدرًا رحبًا وبشاشة ولطفًا من حضرة صاحبها، وقد أنفق عليها الأموال الطائلة كل ذلك ابتغاء مرضاة الله تعالى وضميره الشريف، ولا يمكننا أن نأتي بتعداد حسناته الكثيرة على أمثال هؤلاء البؤساء التي يأتيها في الخفاء لتخفيف ويلاتهم؛ لأنه لا يميل مطلقًا إلى حب التظاهر الممقوت؛ لعلمه أنه لا تأتي بالغرض الأسمى الذي يريده الحق تعالى من الإحسان.

وظائفه الإدارية

مع كثرة اشتغاله بشؤون الخصوصية، فإنه إلى الآن يشغل وظيفة عضو بالنقابة الزراعية بكوم النور لخبرته التامة بها، وكذا يشغل عضو اللجنة الإدارية لمجلس محلي كوم النور، وهو قائم بشؤون هاتين العضويتين خير قيام، مما يدل على غزارة مداركه وقوة ذكائه ولا عجب في ذلك ولا غرابة فيمن شب مثله على الهمة والإقدام — وهذه خلاصة وجيزة من ترجمة حضرته أثبتناها هنا، رغم عدم ميله إلى حب التظاهر ولكن خدمة منا للتاريخ.

حفظه المولى من كل سوء وكافئه خيرًا بعدد حسناته وأفضاله، وأكثر من أمثاله.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤