ترجمة حضرة الفاضل الأستاذ الفني السيد أفندي فرج

كلمة للمؤرخ

بارك الله في شبابنا الناهض، الذي شمر عن ساعد الجد، وبرهن على الكفاءة التامة في ميدان العمل، فإن الأمم لا تنال الرقي، ولا التقدم في مدارج الفلاح والنجاح إلا بهمة شبابها ونهوضه، وخلع رداء الكسل، والتحلي بثوب العمل بما فيه رفعتها، وعلو شأنها، وإن شبابنا هو الأمثلة الحية، والمعاني السامية، التي نكاد نلمسها باليد، ونبصرها بالعين، ومن هؤلاء الأفاضل العاملين المجدين حضرة الأستاذ الفني القدير السيد أفندي فرج، صاحب هذه الترجمة الذي أجهد نفسه في تعليم سر الصناعة فوفق لإدراك بغيته، وتحقيق أمنيته.

مولده ونشأته

ولد صاحب الترجمة بمصر عام ١٣٠١ﻫ، ونشأ بها وما جاء دور التمييز في الطفولة حتى استظل بسماء مدينة طنطا حيث كان والده ملاحظا لمحطتها، والتحق هناك بإحدى المكاتب عادة كل طفل مصري.
figure
حضرة الأستاذ الفني السيد أفندي فرج صاحب محلات الفضة وفابريقة السراير بمصر.

وقد ضن عليه والده أن يكون في مكتب صغير فعزم على إلحاقه بإحدى المدارس الابتدائية الأميرية، وما جاء موعد قبول التلاميذ إلا وكان والده مدرسًا بمدرسة المنصورة الصناعية الأميرية، فألحقه بمدرستها الابتدائية الأميرية، ومنها نقل إلى السويس، وكان صاحب الترجمة يبلغ من العمر إذ ذاك الرابعة عشرة، وقد كاشف والده رغبته في إلحاقه معه فجاء لوالده الأمر بانتقاله إلى عاصمة القطر بالمهمات الحربية بالحوض المرصود، ومن ذاك الحين أخذ يجهد نفسه في تعليم سر الصناعة فوفق لإدراك ما يتمنى وشعر بتشجيع كبير من أمياله، وكان أكبر باعث على إدراك آماله وجوده مع حضرة والده في كل أدوار حياته، وتنقله معه في كل مركز من مراكزه الصناعية حتى جاء دور العمل الحقيقي، فانتخب والده رئيسًا لمدرسة الفيوم الصناعية والتحق صاحب الترجمة مساعدًا له، وكان إذ ذاك شابًّا فتيًّا فأدرك أن الحياة جهاد، وأن المرء يجب أن يحقق كل ما يجول بخاطره ما دام يعتقد أن في ذلك نفعًا لبلاده، وفائدة لأمته.

رأى الأجنبي في مصر يأتي بالمدهشات من أعمال تدع المرء يفكر في كيفية إيجادها فسمت نفسه، وتطلعت إلى إدراك مبادئ أسرار كل صناعة أوربية، فلم يجد من يكون سدًّا منيعًا بينه وبينه غايته.

وفي سنة ١٩٠٨ رأى شركة ﻫ. بولاد نقوم بأعمال الطلاء فاشتاق لدرسها، وما زال يتردد عليها حتى دفعه حب الاستطلاع إلى الاشتغال بها، ومكث بها سنتين ولم تنتهيا حتى كان مالكًا لأدوات هذه الشركة وعددها بطريق الشراء، وأخذ بعد ذلك يفكر في إيجاد محل يقوم بخدمة الجمهور وهو واثق من ثباته، ونجاح عمله، فلم يجد أمامه أليق من شركة التمدن، فوضع فيها هذه الأدوات، واشتغل مستقلًّا بعمله وبأدواته التي ابتاعها، كما أنه لم يجد رجلًا أقدر على تشجيع المصري من حضرة صاحب العزة إبراهيم بك رمزي.

ولقد وجد صاحب الترجمة من الجمهور إقبالًا شجعه على إتقان هذه الصناعة، ففضل افتتاح محل في شوارع العاصمة، وسرت إليه روح التنافس ومزاحمة الأجنبي، كما وقد وجد من أبناء الأمة المصرية الإقبال الكلي، والتشجيع الأدبي والمادي على إتقان الصناعة، فوفق إلى افتتاح محله الكائن بشارع عبد العزيز، فكثر عليه الإقبال وتراكمت الأشغال، فاستحضر كثيرين من أبناء مصر يتعلمون كيفية الطلاء، وسر الصناعة حتى أصبح المحل مدرسة يتلقى فيها طلاب الصناعة حتى يتمكنوا من أن يجعلوا الحديد فضة وذهبًا، وأخذت دائرة أعماله تتسع ففتح محلًّا آخر بميدان الخازندار وأخذ يبث في العمال روح المسابقة، وقد شرح لهم طرق الاقتصاد، وأطلعهم على غرضه الشريف من تعليم هذه الصناعة وخدمة بلادهم بها، ومما هو جدير بالذكر لحضرة الأستاذ خدماته للأمة في سِنِي الحرب وما قام به في خلال هذه المدة من تفريج أزمتها، وتقديم ما يلزم للشعب المصري من أنواع الأسرة لامتناع ورودها في تلك المدة من أوربا، وهو دائمًا يسعى إلى ما فيه إعلاء شأن وطنه، وتقدم الصناعة في مصر وتعليم أبنائها حتى يكونوا مُلِمِّينَ بأسرار الصناعة وفي غنى عن سيطرة الأجنبي علينا تلك السيطرة الممقوتة، ويا ليته يقف عند هذا الحد بل بعد أن يستنزف الأموال الطائلة يرمينا بالجهل المطبق، والكسل، والخمول.

فاليوم نبرهن للعالم أجمع نحن المصريين سلالة الفراعنة العظام، وأصحاب الفضل والمجد القديم على الأمم الأوربية أن الذكاء المصري لا يقل عن ذكاء أرقى الأمم الأوربية؛ وهم مدينون لنا بهذا الفضل لأنهم نقلوا الطب، والصناعة، وعلم الفلك من المصريين، فنحن اليوم والحمد لله أمة حية نسترد حياتنا العملية وما سلب منا بهمة شبابنا الناهض.

وقد أخذ حضرة صاحب الترجمة في مزاحمة الأجانب في أعمالهم الخاصة بهم، حيث رأى أن مدينة الفيوم في حاجة إلى مسرح تمثيلي أدبي، فشاد بها مسرحًا على أحسن وأبدع شكل، وجعل فيه محلًّا لتمثيل الصور المتحركة «سينما توغراف»، وبهذا العمل الجليل قد خدم مدينة الفيوم خدمة أدبية جليلة لترويح أنفس أهلها في وقت الفضاء من عناء الأعمال.

وقد عزم الأستاذ على القيام برحلته الثالثة؛ ليزور فيها المعاهد الصناعية الكبرى في مختلف الممالك الأوربية لدرس مشروع صناعي هام جديد يعود على الصناعة المصرية بالتقدم العظيم.

ومما يستحق الذكر هنا أن حضرة صاحب الترجمة لم يقتصر على مزاحمة المصانع الأجنبية في بلاده فقط، بل قام يناهضهم في بلادهم أيضًا حيث أرسل إلى معارض أوربا الكبيرة نماذج من مصنوعاته أحرزت قبولًا عظيمًا في أسواقهم، ونالت الميداليات، والنياشين الذهبية، في معارض باريس، وروما، وميلانو.

ولقد كانت معروضاته في المعرض الزراعي الصناعي العام بالقاهرة لسنة ١٩٢٦ قبلة الزائرين، حيث كانت منتهى ما يتصوره الذوق السليم، فنالت الجائزة الأولى والميدالية الذهبية، وهكذا نراه في كل عام يخرج لنا من آيات الفن معجزات تبهر الناظرين.

فبارك الله في همته، وجعله قدوة صالحة لمن أراد أن يعمل عملًا مفيدًا لأمته وبلاده، وبمثله فليعمل العاملون.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤