ترجمة فقيد المروءة والإخلاص المرحوم عبد الملك أفندي نخله

باشكاتب رئاسة أقسام هندسة وابورات السكة الحديد الأميرية بالمنيا سابقًا (ولد عام ١٨٧٢ — وتوفي عام ١٩٢٢)

كلمة للمؤرخ

لسنا في موقف تأبين لنرثي هذا الفقيد العظيم ونعدد خدماته الكثيرة في سبيل البر، والإحسان، والمعروف، وغيرته وإخلاصه لمصلحة أبناء طائفته تلك المصلحة التي تذكر له بالشكر والثناء عند كل مناسبة، فقد نال الفقيد قسطًا وافرًا من الرثاء حيث عدد الخطباء جليل خدماته، وعظيم إخلاصه، وطهارة سيرته، فكانت موضع الفخر والإعجاب، إنما لنضرب للنشء الحديث مثلًا عاليًا لمعاني الجد والأخلاق العالية والشهامة الفائقة، والرجولية الصحيحة، والأدب، والنزاهة، وهي بعض صفات الفقيد ليحذوا حذوه، وينسجوا على منواله فيخلدوا لأنفسهم ذكرى طيبة تدوم ما دامت السماوات والأرض.
figure
المرحوم عبد الملك أفندي نخلة.

مولده ونشأته

ولد المرحوم صاحب الترجمة ببندر أسيوط سنة ١٨٧٢م، وتربى التربية المنزلية العالية على الدين، غاية في الاستقامة والتقوى والصلاح، وتعلم بعض العلوم الابتدائية ثم جاء القاهرة وأتم علومه، ونال شهادة الدراسة الابتدائية وكان في عدد الطلبة الذين وهبوا نعمة الذكاء، وصفاء الذهن والجد والاستقامة، وبعد نواله تلك الشهادة عين كاتبًا في وزارة الحربية، وأرسل إلى حلفا فكان أمينًا في وظيفته مخلصًا في عمله، مما استدعى ترقيته إلى وظيفة مترجم ﻟ ١٣ جي أورطة ومنها نقل إلى سواكن، ثم إلى طوكر، ونظرًا لصعوبة السفر ومتاعب التنقل في تلك الجهات النائية فضل الاستقالة من وظيفته، وعاد إلى مصر فعين كاتبًا بقلم التعداد بوزارة المالية ومكث بها سنة واحدة ثم استقال، ومن ثم عين بعنابر السكة الحديد ونقل إلى سوهاج باشكاتب الوابورات، وظل بها اثنتي عشرة سنة؛ ونظرًا لمقدرته العلمية وتفوقه في اللغة الإنكليزية فقد قام بإعطاء دروس خصوصية لكثيرين من جماعة المفتيشين والباشمهندسين الإنكليز التابعين لهذه المصلحة، فاستفادوا من معلوماته القيمة؛ ما أطلق السنتهم بالشكر والإعجاب بفضله وأدوا الشهادة الحسنة في حقه.

ولم تكن مشاغله المصلحية لتقعد به عن القيام بالواجب الذي شبت عليه نفسه العالية من نحو خدمة أبناء الطائفة، وتخفيف آلام الفقراء، والأخذ بناصر الضعفاء، بل ساعد على تأسيس جمعية لهذا الغرض الشريف كما قام ومعه بعض الغيورين لجمع اكتتاب لبناء كنيسة جديدة بها، وأصلح زاوية خربة بجهة النجعه المعروف هناك خاصة بإخوانه المسلمين، مدفوعًا على ذلك بعامل الإخلاص وحب النفع، الأمر الذي حبب فيه سكان تلك المدينة على اختلاف مذاهبهم ونحلهم، حيث قدروا فضله وكبروا عمله وأحلوه المحل اللائق بالرجال العاملين المجدين.
figure
صورة أخرى للفقيد وهو في سن الأربعين.

وما كاد يذيع أمر نقله إلى الزقازيق حتى شملهم الأسى وعمهم الأسف، وأقاموا له حفلات تكريمية عديدة تبارى فيها الخطباء والشعراء معددين خدماته الجليلة، ذاكرين له ما قام به من المنافع العامة، ودموع الأسف تترقرق في مآقيهم، لا سيما ما كان عليه من أدب ولطف ودعة وحب أكيد للإصلاح والسعي المتواصل لإصلاح ذات البين بين العائلات وبعضها، وكان يوم مغادرته لتلك المدينة يومًا مشهودًا حيث ودعه على المحطة كل عظيم وكبير من سراتها، والكل آسف لفراق هذا العزيز المحبوب.

ولم يمض عليه زمن طويل بمديرية الشرقية حتى رقي إلى وظيفة باشكاتب رئاسة أقسام هندسة وابورات وجه قبلي، مع جعل مركز إقامته بندر المنيا فودع هناك أجمل توديع.

غير أن المنية عاجلته وهو في ريعان الصبا وزهرة العمر، إذ لم يبلغ بعد الحلقة الخامسة من عمره فذهب مبكيًّا على شمائله الغراء وأدبه الجم، وقد أقامت له جمعية الإصلاح القبطية هناك حفلة تأبين تحت رئاسة حضرة الدكتور نصيف بك منقريوس، حيث كان الفقيد عضوًا بها، ومن ثم نقلت رفاته إلى مصر داخل عربة خصيصة من عربات السكة الحديد، ووري الثرى ودموع الحزن تتساقط من عيون عارفيه وأصدقائه العديدين، وقد أوفد غبطة البطريرك المعظم مندوبًا من قبله، ومعه خطاب تعزية لأسرة الفقيد العزيز كما أرسل حضرة صاحب العزة مصطفى بك صبري مدير الفيوم وقتذاك برقية لحضرة نجل الفقيد الأكبر حليم أفندي عبد الملك الموظف بهندسة السكة الحديد، وكان صديقًا حميمًا للراحل الكريم وهاك نصها:

أسفي عظيم جدًّا لعدم إمكاني الحضور، وحزني شديد جدًّا لفراق صديقي الحميم عبد الملك الذي يمثل الوفاء بأكمل معانيه، فأشاطركم الحزن وأعزيكم وأملي كبير في أنكم ستخلفون ذكراه الكريمة العاطرة.

أسكنه الله فسيح جناته، وأسكب على قبره شآبيب الرحمة والغفران.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤