ترجمة صاحب المعالي الوزير الجليل الأستاذ مرقص حنا باشا

figure
حضرة صاحب المعالي الوزير الجليل الأستاذ مرقص حنا باشا وزير الأشغال العمومية والمحامي الشهير بمصر.

مقدمة المؤرخ

نابغة من آحاد النوابغ الذين تذكرهم مصر في أجمل صفحة من تاريخ نهضتها السياسية والعلمية الحديثة، ومتشرع من كبار المتشرعين الذين عرفوا بسعة الفضل وصائب الرأي وقوة الذاكرة، وبعد النظر، بل وطني من صميم الوطنيين المخلصين لبلادهم، والعاملين بما أوتوا من رجحان العقل، وطلاقة اللسان لما فيه ترقية أمتهم وإصلاح شؤونها، وهو أحد الذين لاقوا العذاب وسجنوا واضطهدوا في سبيل الدفاع عن حقوق الوطن المقدس، وكاد يذهب ضحية الظلم لو لم ترمقه العناية الصمدانية، فأنقذته من مخالب الموت ليتمم جهاده المعروف حتى تتحقق أمانيه.

مولده ونشأته

ولد في مدينة القاهرة يوم ٤ سبتمبر عام ١٨٧٢م من أبوين تقيين، عرفا بحسن الصفات والتقوى فعنيا بتربيته وتهذيبه أشد عناية، ثم توفي والده القمص يوحنا وكيل شريعة الأقباط بطنطا سابقًا، وهو لم يتجاوز السادسة من عمره، فأدخلته والدته وجده المرحوم جبران أفندي واصف (الذي كان باشكاتبًا في مصلحة السكة الحديد الأميرية، ثم نقل إلى المعية السنية، ثم مفتشًا بوزارة المالية) مدرسة الأقباط الكبرى، وكانت وقتئذ في سمو مجدها، فلم يلبث أن فاز بنصيب وافر من العلوم والمعارف، ثم انتقل إلى المدرسة التوفيقية؛ ليدرس بها العلوم الثانوية فنال في حداثة سنه مكانة سامية بين إخوانه وأساتذته؛ لذكائه الوقاد واجتهاده الفطري، وما زال مواليًا الدرس والمطالعة حتى أنهى دروسه ونال الشهادة الثانوية، وتخرج شابًّا تلوح على سيمائه مخائل النجابة والنبوغ، فأرسلته والدته إلى أوربا؛ ليتمم بها علومه فدخل كلية مونبلييه بفرنسا أولًا، ثم كلية فرنسا ثانيًا، وما هي إلا سنوات قليلة حتى حاز شهادة الليسانس في علم الحقوق، وشهادة العلوم الدالة على تفوقه في العلوم والمعارف تفوقًا جعل له أكبر منزلة بين مواطنيه والعارفين بفضله وعلمه من الأجانب، سيما وأن الحائزين على هذه الشهادة من المصريين قليلون.

ولما أن عاد إلى الوطن في أواخر سنة ١٨٩٢ بدأت حياته تدخل في ميدان جهاد واجتهاد بهمة تناطح السحاب، برز بها إلى مضمار العمل ونفسه تتقد بالغيرة على صالح وطنه، وبالنشاط في إظهار نبوغه فعينته وزارة الحقانية في أواسط سنة ١٨٩٣م مساعدًا للنيابة في محكمة أسيوط، فأظهر من التضلع في القوانين ومن النزاهة في العمل ما استدعى ترقيته إلى وظيفة وكيل للنيابة، لكنه لم يلبث طويلًا في خدمة الحكومة، حتى تاقت نفسه لأن يكون حرًّا في عمله، فاستقال سنة ١٨٩٨م واشتغل في مهنة المحاماة، فأفسحت له خبرته في المحاماة وتبحره في علوم التشريع أسمى مكان رفيع في الصف الأول من كبار المحامين المعدودين في وادي النيل، بفصاحة الإلقاء وسعة الإطلاع وصدق الفراسة والبراعة في الدفاع مع التفاني في خدمة البلاد.

والذي يؤثر عن المترجم ويدل على نبوغه وفضله أن ألف عقب تعيينه في خدمة الحكومة كتابًا في نظام الحكومة المصرية، كان أول كتاب وضع من نوعه باللغة العربية، فجعلته مدرسة الحقوق الملكية بين كتب التدريس، ثم كتابًا آخر عام ١٨٩٩ عن التحقيق الجنائي باللغة الفرنسية، أثبت فيه تضلعه في تلك اللغة كتضلعه في التشريع، وأردف هذا وذاك بعدة خطب ورسائل علمية وتشريعية، تعد كسلسلة كبيرة من المآثر الجليلة والأعمال الخالدة.

ومن الجمعيات العلمية الكبرى التي انتخب عضوًا بها لجنة مقارنة الشرائع في باريس، ومجلس إدارة الجامعة المصرية، ولجنة التشريع السياسي، وغيرها من اللجان العلمية التي ترى منه العامل المجد، والعالم الفاضل، والعضد النافع في معظم أعمالها وفي إنماء مواردها.

ولم يكتف صاحب الترجمة بما يؤديه لأمته من الخدم الجليلة، بل جاهد جهاد الأبطال في إصلاح شؤون طائفته، ولا يخفى ما وراء ذلك من المشاق والجهد وشق النفس؛ لأن الطريق محفوف بالمخاطر، وسبيل الإصلاح صعب المسلك على من طرقه بهمة كبيرة، ونفس مجردة عن المآرب والغايات، ولكن ذلك كله لم يثنه عن عزمه، بل أظهر حزمًا كبيرًا في إعادة تشكيل المجلس الملي العام سنة ١٩٠٥، وانتخب عضوًا به فخدمه أجل خدمة، وله فيه أعمال مشكورة يذكرها كل من يعلم الأدوار الصعبة التي تقلب عليها المجلس في ذلك العهد، وأقلها تصميم صاحب الترجمة على تنفيذ لائحة المجلس، كما هي قيامًا بواجب الخدمة لأمته وعملًا بنواميس التقدم والإسراع في درء الخلل، وقلب الانحطاط وما فتئ المترجم يجاهد، ويناضل في هذا السبيل كما أنه ما فتئ منذ نشأته كثير الاهتمام بأحوال بلاده، وإصلاح أحوالها الاجتماعية، فوجه التفاته إلى حث الأمة لتهذيب ربات البيوت، وتعليمهن تعليمًا راقيًا يؤهلهن لأن يكن أمهات صالحات وزوجات وفيات يقمن بواجباتهن، كما كان صوته أول صوت سمعته الأمة يتردد في كل مكان لمطالبتها بإنشاء كلية كبرى للبنات، تسد هذا النقص العظيم في التربية والأخلاق.

وناهيك بذلك الخطاب البليغ الذي ألقاه في هذا الصدد بنادي رعمسيس أوائل عام ١٩٠٨م، حيث أبان فيه ضرورة تربية المرأة تربية عالية تؤهل الأمة إلى الرقي والتمدين، وحث الجميع على التبرع لإنشاء الكلية، وفعلًا جمعت عقب ذلك التبرعات من الأهالي، ثم أخذت الفكرة تنمو شيئًا فشيئًا، حتى اختمرت ودفعت الأمة إلى إنجاز المشروع الذي أصبح على وشك التمام. وهو فوق ما تقدم من صفات الإقدام وانتهاز الفرص ميال بطبيعته إلى إزالة الفوارق بين عناصر الأمة، التي يخدمها بولاء وإخلاص؛ لتكون عاطفة الإخاء بينها شديدة تدفعها، وهي متحدة متماسكة إلى الرقي والتمدين، ولا يجد دليلًا على ذلك أكثر من خطبه وآرائه العامة.

وفي سبتمبر عام ١٩١٢م كوفئ على اجتهاده وجهاده بالرتبة الثانية، بناء على طلب دولة الأمير أحمد فؤاد باشا رئيس إدارة الجامعة المصرية (جلالة الملك فؤاد الأول ملك مصر)، فجاء هذا الإنعام شهادة صريحة على فضل المترجم ونبوغه، وعلى تقدير الأمة وحكومتها لما يؤديه لها من الخدم وجلائل الأعمال.

وفي عام ١٩١٤م انتخب وكيلًا لنقابة المحامين، ثم نقيبًا لها بإجماع الآراء، وجدد انتخابه نقيبًا أربع سنوات متواليات مما لم يحدث في بلد من بلاد العالم، ولم يسبق له مثيل.

وكان عضوًا عاملًا في مجلس إدارة الجامعة المصرية، وأستاذًا بها ومديرًا لها استمر يعمل على ما فيه ترقيتها، ومصلحة العلم حتى سنة ١٩٢١م، إذ قدم استقالته منها، عندما رأى أن روح الحزبية بدأت تدب في مجلس إدارتها، وقد منحه مجلس إدارتها لقب أستاذ شرف وهو لقب دائم.

وهو عضو عامل في جمعية التوفيق ورئيس لجنة إدارة مدارسها يعمل على ما فيه ترقية مدارسها، والسير بها إلى طريق التقدم ومنفعة العلم.

وقد عرضت عليه الوزارة مرارًا، ولكن أبت وطنيته أن يقبلها؛ لأن مصلحة البلاد تقضي برفضها فرفضها.

جهاده في سبيل الوطن

ولا يمكن لمصري أن ينكر فضل جهاد حضرة صاحب الترجمة ومواقفه المشهورة، وكيف تحمل النكبات والشدائد والسجن أشهرًا عديدة في سبيل دفاعه الشريف عن حقوق البلاد، وقد وصف حضرته كل ما حاق به وبإخوانه في خطبته الرنانة، التي ألقاها بدائرة محرم بك بالإسكندرية عقب الإفراج عنه إذ قال:

في صباح يوم ٢٣ ديسمبر سنة ١٩٢١ اصطف عدد عظيم من الجنود الإنجليزية، ومن حولهم الأوتوموبيلات المسلحة والغير مسلحة، واقتحموا بيت الأمة دار صاحب الدولة سعد زغلول باشا وكيل الأمة المصرية؛ ليقبضوا على دولته؛ وليبعثوا به إلى المنفى الذي عين له، ذلك المنفى الذي أرادت الوزارة الثروتية أن تقذف إليه به هو وإخوانه، وفي الوقت نفسه قبضوا على باقي أعضاء الوفد بالطريقة عينها، وقد كان صدور الأمر بالقبض في مساء ذلك اليوم. أمر سعد باشا بأن يمتنع عن الدفاع عن الأمة المصرية، وكلكم تعلمون جوابه التاريخي بأنه سيقوم بأداء الدفاع عن الأمة وأن للقوة أن تفعل به ما تشاء.

وفي فجر يوم ٢٤ يوليو سنة ١٩٢٢ في الساعة السادسة صباحًا أحاط العساكر الإنجليز، وكانوا نحو ثلاثين بكل منزل من منازل أعضاء الوفد السبعة ومن حولهم الأتومبيلات، بل حصل أمر بإبدال الأتوموبيلات لأعضاء الوفد بالأتوموبيلات المسلحة، وكان ذلك أمام منزل حمد باشا الباسل، فجاءوا به في أتوموبيل مسلحة معدة لحمل العساكر، ولم يحمل في أوتوموبيل ضباط كما حمل الأعضاء الآخرون، وسيقوا إلى المحاكمة وكان كل دفاعهم محصورًا في كلمة واحدة هي أن قالوا للإنجليز: «لكم أن تحكموا علينا وليس لكم أن تحاكمونا.

هذه الكلمة كلمة الوفد المصري أمام المحكمة العسكرية قالوا فيها: إنك غير مختصة بمحاكمتنا، فإن كان هناك إجرام فموقفنا لا يكون أمام المحاكم الإنجليزية، بل أمام المحاكم المصرية، فإذا حكمتم علينا فليس لنا إلا أن نقبل حكم القوة باسمين.

فكان جزاء الأعضاء السبعة أن حكم عليهم بالإعدام على تهمة لا أساس لها ولا صحة. قال حفظه الله: أقرر ذلك بصفتي عضوًا في الوفد المصري وبصفتي نقيبًا للمحامين، وبصفتي شاهدًا على أعمال الوفد.

ولما جاءوا لأعضاء الوفد المصري بمنطوق الحكم ليتلى عليهم في ثكنة قصر النيل، وإذا هو قاض بالإعدام صاحوا جميعًا «فلتحيا مصر».

إلا أن اللورد اللنبي أنزل العقوبة من الإعدام إلى الأشغال الشاقة سبع سنوات، علاوة على خمسة آلاف جنيه مصري غرامة على كل واحد منهم.

وقد قادونا إلى سجن قره ميدان، وهو السجن الذي يسجن فيه القتلة والمجرمون واللصوص، ووضعونا فيه ونفذوا علينا نظام السجون. شعر اللورد اللنبي نفسه بأن هذا النظام ظلم وقاس، وأنه يجب أن يستبدل السجن بمكان آخر، إلا أن الوزارة الثروتية عارضت في ذلك الأمر.

قال: ولبثنا مدة في هذا السجن ولم نحزن في الواقع أثناء إقامتنا فيه، إلا لحادث واحد أثر في أفئدتنا كل التأثير وهو نقل الرئيس الجليل سعد باشا من سيشل إلى جبل طارق منفردًا.

هذا وقد ظللنا في السجن إلى أن سقطت الوزارة الثروتية.

فكر أولوا الأمر حينئذ في الإفراج عن المعتقلين والمنفيين، وجاءنا هذا الخبر في ألماظة فخشينا أن يكون هذا الإفراج بثمن، وأن تدفع مصر هذا الثمن فأوصينا مخبرنا بأننا لا نقبل مطلقًا أن يكون بطريقة المساومة، ولا نقبل مساومة ما في حريتنا فأبلغ هذا القول للوزارة «أي: وزارة يحيي إبراهيم باشا»، وفي النهاية عرض علينا أن نحصل على هذا الإفراج في مقابل مبلغ من المال، وأخيرًا انتهى الأمر بأن علمت أم المصريين السيدة الفضلى صفية هانم زغلول «حرم الرئيس الجليل سعد باشا زغلول» أن الإفراج موقوف على مبلغ من المال، فلم يرضها أن نلبث دقيقة واحدة في السجن إن كان الأمر موقوفًا على دفع المال، فأمرت بأن يدفع هذا المال فورًا من جيبها الخاص حتى يفرج عن نواب الأمة أعضاء الوفد المصري، ولكن أعضاء الوفد المسجونين أبوا عليها هذا الدفع، حينئذ تقدم الكثيرون منكم، وصمموا على الدفع وتم فعلًا وتم في أثره الإفراج عنا، وقد قال صاحب الترجمة أيضًا:

ذلك أيها السادة هو تاريخ وجيز عن إقامتنا في ألماظة، أو إن شئتم تاريخ وجيز لإثم صغير من آثام ثروت باشا، وإذا أردنا أن نسرد الحوادث الثروتية لطال بنا المقام.

وقد أنحى حضرة الخطيب على مساوئ الوزارة الثروتية، التي كان يرأسها عبد الخالق ثروت باشا الذي كان عونًا للإنجليز على مشاكسة الأمة المصرية عامة، ورئيس الوفد المصري وأعضائه خاصة.

وليست هذه بأول أو ثاني مرة اعتقل فيها حضرة صاحب الترجمة، أو كان له شأن في الدفاع عن بلاده، فقد كان منذ صغره شغوفًا بتحرير بلاده من سلطة الأجنبي، والسير بها إلى مَصَافِّ الأمم المستقلة، فكان من المؤيِّدين للجناب العالي الخديوي سنة ١٨٩٢، عند تعيين وزارة فخري باشا رغم إرادة إنجلترا، فقبض عليه وأبقي في القسم ليلة حتى صدر الأمر بإخلاء سبيله.

وكان من أكبر أنصار المرحوم مصطفى باشا كامل يعمل معه حتى توفي إلى رحمة الله، واحتج من أوربا على محاكمة دنشواي بكتاب شهير في الجرائد.

وقد عين وكيلًا للجنة الوفد المركزية على أثر اعتقال صاحبي السعادة محمود سليمان باشا رئيسها، وإبراهيم سعيد باشا وكيلها، وهو الذي وقع بهذه الصفة على منشور مقاطعة لجنة ملنر الإنجليزية.

وعين عضوًا في الوفد المصري على أثر نفي دولة الرئيس وصحبه، واعتقل في يناير سنة ١٩٢٢ على أثر إمضائه مع أعضاء الوفد بيان الوفد المصري في دعوة الأمة لمقاطعة الإنجليز وعدم معاونتهم.

ولا يفوتنا أن نذكر هنا أن السيدة المحترمة قرينته كانت عونًا عظيمًا له في حياته وجهاده، وقد اشتهرت بشجاعتها وإقدامها، حتى لقد قالت للضباط الإنجليز، الذين حضروا للقبض على زوجها: «لقد امتلأت سجونكم بالرجال، فعليكم أن تعدوا سجونًا أخرى للسيدات.»

ترشيحه نائبًا بالبرلمان المصري

ويرى ممَّا تقدم من جهود حضرة صاحب الترجمة، وثبات جنانه وتحمله صنوف العذاب بصدر رحب، وإخلاص متناهٍ أنه أهل لأن يكون نائبًا للبرلمان المصري لكفاءته النادرة، وعلمه الواسع ووطنيته الخالصة المتقدة، وفعلًا قد أجمع الناخبون لقسم الأزبكية على انتخابه نائبًا عنهم بالبرلمان المصري، وقد ظهرت نتيجة التزكية بالفعل يوم ١٧ نوفمبر سنة ١٩٢٣ الساعة الخامسة مساء، وكان انتخابه بالإجماع فأصبح بحكم قانون الانتخاب نائبًا بالبرلمان عن دائرة الأزبكية، وحضرته والحق أولى أن يقال جدير بهذه الثقة، وسيحقق أماني دائرته بفضل ما أوتي من حكمة وسداد في الرأي وعلم صحيح ورجحان عقل.

تعيينه وزيرًا لوزارة الأشغال العمومية

وما كادت الوزارة السعدية تعتلي منصة الحكم حتى اختير صاحب الترجمة وزيرًا للأشغال العمومية ومنح رتبة الباشوية، ولم يقع هذا الاختيار موقع الدهشة من الأمة التي تعرف مكانة هذا البطل والوطني الصميم، الذي ما كاد يتربع في منصبه الجديد ويستلم زمامه بقبضة من حديد، حتى برهن في وقت وجيز على أن في السويداء رجالًا، وفي الكنانة أبطالًا، فأصدر التعليمات الدقيقة لرجاله بوجوب اليقظة في أعمالهم، وأبطل تعيين الموظفين من طريق المحسوبية مهددًا بصارم العقاب لمن يخالف هذه الأوامر، وفي عهده طهر الوزارة من كبار الموظفين الأجانب، واستعاض عنهم بالوطنيين الأكفاء، وأمر برفع اللوحات المكتوبة باللغة الإنجليزية على أبواب أقلام الوزارة، ووضع مكانها لوحات باللغة العربية وهي لغة الدولة الرسمية، وفي عهده أصدر الأوامر بالمحافظة على آثار توت عنخ أمون الثمينة التي وجدت بالأقصر، ولما اتصل بمسمعه تعنت المستر كارتر شريك المرحوم اللورد كارنارفون، الذي كان مباشرًا رفع هذه الآثار والمحافظة عليها، وعدم سماحه لكثيرين من المصريين بدخول تلك المقبرة، والتفرج على ما بها من الآثار وتفضيله الإنجليز عنهم؛ أسرع فأصدر أمرًا بالكف عن العمل وتسليم مفاتيح المقبرة لجناب مدير مصلحة الآثار المصرية، الذي أوفده معاليه خصيصى لهذه الغاية، فاستحق على هذا العمل ثناء عموم الأمة على بكرة أبيها، وأمطرته الصحف على اختلاف أنواعها بالمدح والثناء، ولا ننسى لمعاليه سياحاته المتوالية في عواصم مديريات القطر؛ لتعهد شؤون الري، وكذلك لا تنسى خطبه الرنانة في كل مركز أو مديرية حل بها، كما لا يمكنا أن ننسى لمعاليه أجوبته السديدة، وآراءه الصائبة في كل سؤال يوجه إليه من أعضاء مجلسي النواب، فقد دل حقيقة على مقدرة عالية وكفاءة نادرة، ومواهب سامية قل أن تتوفر في عظيم من عظماء الغرب، وأظهر من التفاني في حب بلاده ما يصح أن يسجله التاريخ بقلم الفخر والإعجاب.

صفاته وأخلاقه

ومعالي صاحب الترجمة مشهور باللطف وبشاشة الوجه والدعة ودماثة الأخلاق.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤