تاريخ حياة المغفور له المرحوم الفريق راشد حسني باشا

مقدمة موجزة للمؤرخ

لا غاية للمؤرخ النزيه الحر المجرد من الغايات الشخصية، والذي يستخدم قواه العقلية والبدنية للجري وراء إثبات حقائق الأمور من صميم مصادرها وتدوينها في سجل التاريخ سوى خدمة أمته، وفائدة قومه من ذكر سير أولئك العظماء الذين ضحوا بكل مرتخص وغال، وبذلوا كل قواهم للاحتفاظ بشريف حياتهم في مواقفهم الجليلة، وأعمالهم المجيدة، وشهامتهم النادرة مما يسطر لهم في بطون التاريخ بقلم الفخر والإكبار؛ لتدوم ذكراهم خالدة ما دامت السماوات والأرض.

فمن أولئك العظماء البواسل والقواد الشجعان، الذين تفخر البلاد بشهامتهم وإقدامهم ذلك البطل العظيم صاحب هذه الترجمة الذي لو عددنا ذكر مآثره الغراء، وأعماله البيضاء، ومواقفه الشريفة لاحتجنا إلى مجلد ضخم، وإننا نكتفي بذكر الحقائق الواقعية متجنبين الغلو في المدح — ولو أن كل صغيرة من أعماله جديرة بكل مدح وثناء — تاركين الحكم في النهاية إلى القراء الكرام، الذين يقدرون حقوق المجاهدين من أبناء البلاد فنقول:

مولده ونشأته

صفحة من تاريخ مصر المجيد

رسم وتاريخ حياة المغفور المرحوم الفريق راشد حسني باشا بطل من أبطال مصر.

كان المغفور له الفريق راشد حسني باشا جركسي الجنس، ولد بالقوقاز عام ١٢٥٨ عربية، وتوجه إلى الأستانة وعمره إذ ذاك تسع سنوات، ومكث بها سنتين ثم حضر إلى مصر عام ١٢٦٩ﻫ في عهد المغفور له عباس باشا الأول والي مصر في ذاك العهد، والتحق في السنة المذكورة بمدرسة المفروزة البيادة، فتفوق بالذكاء والجد والاستقامة مما دعا الحكومة إلى اختياره ضمن البعثة التي أوفدتها إلى فرنسا سنة ١٢٧٠ﻫ في أوائل عهد المغفور له سعيد باشا؛ للتمرن على الأعمال الحربية والتعليمات العسكرية، فأقبل عليها بشغف عظيم، وأخذ منها مدة عامين بقسط وافر، وبعد أن عاد إلى مصر مع الإرسالية في عام ١٢٧٢ﻫ برتبة ملازم أول ألحق في ٣ جي بلك بأورطة الشيشخانة، ثم رقي إلى رتبة يوزباشي ثاني وألحق في ٢ جي بلك بأورطة الشيشخانة بالقلعة العامرة، وفي عام ١٢٧٣ﻫ رقي إلى رتبة يوزباشى أول، وألحق في ٣ جي طابور بيادة في الفرقة الشرخجية التابعة للواء شريف باشا، وفي ٢٩ جمادى عام ١٢٧٤ رقي إلى رتبة صاغ قول أغاسي في ١ جي طابور ٢ جي سعيدية، وفي عام ١٢٧٥ﻫ رقي إلى رتبة بمباشي في ١٢٣ جي طابور، وصار يتنقل بين أورط السعيدية وأورط الشرخجية إلى أن رقي إلى رتبة ميرالاي، وفي ٢٣ ربيع الآخر سنة ١٢٧٦ﻫ تعين على ٢ جي ألاي سعيدية، ومنها صار الاستغناء عنه وعن جملة ضباط لإخلاء عساكر السبعة جي أورطة في سنة ١٢٧٧ﻫ، ثم صار استخدامه بتفتيش أقاليم الوجه القبلي برفقة عبد الله باشا الأرناءوطي عام ١٢٧٩ﻫ، وحضر من التفتيش المذكور إلى ٥ جي بيادة لسفرية السودان، وفي سنة ١٢٨٠ﻫ تعين على ٤ جي بيادة بالتاكة بالسودان، ومنها أيضًا انتقل إلى ١ جي بيادة بالخرطوم، ومنها تعين على ٧ جي بيادة حجاز، وبعد ذلك بمدة قليلة تعين على ٩ جي بيادة التي قامت من مصر إلى السودان، ثم تعين على ٧ جي ألاي بيادة، ثم صار مأمورًا على نزل العساكر السودانية في مديرية بربرة، ولما حضر لمصر تعين ٧ جي ألاي لسفرية كريت في ١٨ رجب سنة ١٢٨٣، ثم ترقى إلى رتبة لواء في عام ١٢٨٤ﻫ، ثم حضر من كريت إلى مصر لواءً على ٧، ١١، ٣ جي بيادة، وفي غرة رجب عام ١٢٨٤ﻫ ترقى إلى رتبة الفريق على ألايات الغاردية، وفي عام ١٢٩١ انتقل إلى ٢ جي فرقة غاردية، وفي سنة ١٢٩٣ﻫ تعين ياور خديوي للمغفور له إسماعيل باشا خديوي مصر في ذاك الوقت وفريق الألايات الغاردية، وبعد ذلك إلى حرب الصرب والروس في العام المذكور، ولما ألغيت الألايات الغاردية تعين رئيسًا عسكريًّا عام ١٢٩٦ﻫ، ومنها تعين على فرقة الغاردية التي جعلت ١ جي فرقة بهذا التاريخ.

بدء انتصاراته الباهرة ومواقفه الحربية المشرفة

figure

لا نريد أن ندل على ما كان له رحمه الله من شجاعة وخبرة في الشؤون الحربية، وما وقفه فيها من مواقف شريفة بأكثر مما أظهره من البسالة والإقدام في بلائه بجزيرة كريت مع الجيش المصري، الذي أرسل بأمر المغفور له الخديوي إسماعيل باشا لمساعدة الدولة العلية في إخماد تلك الثورة التي شبت ضدها في تلك البلاد، فقام بواجب الجندي الشجاع، الذي لا يهاب الموت في سبيل الواجب، فاستحق الشكر والثناء، وأنعم عليه برتبة اللواء اعترافًا ومكافأة له على حسن بلائه.

فأول خطاب جاءه من سموه بتاريخ ١٨ جمادى الثاني سنة ٨٣ باللغة التركية، وهذا تعريبه:

عزتلوا راشد بك أفندي

إن ما جاء في تقرير الوقائع العسكرية الوارد من سعادة الباشا ناظر الجهادية، وما ورد في المحررات والأوراق الأخرى، وما جاء في تقرير ياورنا الأول سعادة حسين رأفت باشا الشفهي عن حميتكم وغيرتكم الملية، وصدقكم في المواقع المختلفة، وفي المحاربات والهجوم في أبو فردين على العصاة الأشقياء المتحصنين في جبلية صعبة المسالك هو من مقتضى استقامتكم، وموجبات إعلاء شأن وشرف الصفة العسكرية الجليلة، كما أنه يزيد في مزية البسالة والإقدام والشجاعة المأثورة عن العساكر المصرية ضباطًا وجنودًا، والتي اعترف بها العالم، ويؤيد إقدامكم وغيرتكم وعظيم شجاعتكم المعروفة عندي والباعثة لمزيد سروري وارتياحي، ولإعلان سرورنا الزائد وارتياحنا أمرنا بإصدار هذا الأمر وتحريره، وإرساله إليكم بوجه خاص لتأييد، وتأكيد ما لكم عندنا من حسن الظن وحسن النظر.

١٨ جمادى الثانية سنة ٨٣
إسماعيل
ختم

وهذا هو النص التركي.

ومن مواقفه الحربية المجيدة أيضًا مهاجمته لدير أركازي بجزيرة كريت ذلك الدير المنيع، بل الحصن الحصين وما أتاه من ضروب المهارة في تسلق الجدران بحركة عجيبة، وسرعة مدهشة حتى ظهر فجأة فوقه، فكان هو الأول في ركز العلم المصري على رأسه، فكان في عمله هذا خير قدوة لجنوده البواسل الذين تتبعوه، مما أدهش العدو فلم يحسب للموت حسابًا ولا للحياة قيمة شأن الجندي البطل، وقد رفع الفريق إسماعيل سليم باشا ناظر الجهادية المصرية في ذاك الوقت، الذي كان مرافقًا لهذه الحملة تقريرًا لسمو الخديوي إسماعيل باشا، أتى فيه على وصف هذه المعركة وما قام به صاحب الترجمة من الإقدام، وهاك نصه العربي مترجمًا عن التركية:

١٢ رجب سنة ٨٣

تحركت في الصباح خمس أورط من جنودنا مع طابور ونصف من جنود الأستانة، فوصلت إلى القرى الثلاث الآنف ذكرها، وبينما كانت يفرق بعضها عن بعض، وتوزع على المنازل أبلغنا مصطفى نائلي باشا أن الجنود، التي سيقت لحصار الكنيسة وأحاطت بها ليست بكافية لمواصلة الحصار وصد عادية الأشقياء الذين يتواردون للإمداد من الروابي والأطراف، وأن من الواجب تعزيز قوة الحصار بأورطتين ومدفعين يصلان على جناح السرعة، فهيأنا في الحالة أورطة من لواء البيادة السابع بقيادة وكيل اللواء راشد حسني باشا، وأورطة من اللواء الثالث بقيادة الميرلاي إسماعيل كامل بك، ومع كل أورطة مدفع واحد، وسارت الأورطتان فوصلتا قرب الساعة الحادية عشرة إلى المكان المذكور، وتحققنا أن الحالة وفق ما وصفت، ورأينا الفريقين يتبادلان إطلاق الرصاص فنصبنا المدفعين اللذين جئنا بهما، ووجهنا فوهتهما صوب باب استحكامات الكنيسة، ثم أطلقنا عليها عدة قنابل وكان الظلام قد بدأ يرخي ذيوله، فحال دون مواصلة الضرب وانقطع إطلاق النار من الفريقين.

وقد أرسلنا تحت جناح الظلام كلا من المهندس الحربي عبد القادر فهمي أفندي وعلي أفندي أحد ياوراننا؛ لدرس حالة الاستحكامات المحيطة بالكنيسة، والمحال الأوجب أن تصب عليها النيران، ووزعت الجنود على النقط وقد تمت في ساعة متأخرة من الليل عملية إنشاء المتاريس، طبقًا لما أشار به المومأ إليهما فنقل الأرناءوط الذين جاءوا هذه الجهات من قبل إلى جانب العساكر الشاهانية المعسكرة في الجناح الأيمن، الذي يفصله واد سحيق وكانت الأمطار تهطل بغزارة على الجنود، الذين قضوا سحابة ليلهم في المتاريس إلى أن طلع الصباح.

١٣ رجب سنة ١٩٨٣ يوم الأربعاء

وصل حضرة مصطفى نائلي باشا قرب المساء مع أورطة من الجنود، وبات تلك الليلة قادمًا إلى محل الواقعة من قرية ميس، وقد بدأ الفريقان باكرًا بالقتال، فبعد أن ضربت المدافع نحو ساعة القلعة الحاكمة على طول الخط والمحصنة أحسن تحصين، وهي ذات منافذ مطلة على الأطراف مساعدة على ضرب جميع الجهات، تقدمت عدة بلوكات من الجند الشاهاني مقتربة من القلعة.

ولما رأينا ذلك أخذ وكيل اللواء راشد بك أربعة بلوكات، كما أخذ الميرالاي إسماعيل كامل بك مثلها، وسار في الحال نحو القلعة وعندما قربا منها شاهد راشد بك في الجانب البحري من الدير زهاء ٤٠٠ من الأرناءوط والباشبوزق، قد أعجزهم رصاص القلعة فسد فراغها «الكوى الضيقة التي يطلق منها النار»، وأضرم النار بالبناء المتصل بالقلعة فالتهمت كمية البارود الموجودة داخلها، وأحس الأشقياء المحصورون بالضيق، فرمى ثلاثة منهم بأنفسهم من شاهق وهم يحاولون النجاة من إحدى الثغرات المفتوحة من جراء ضرب المدافع، وكانت روحهم قد بلغت التراقي من الدخان المتصاعد في القلعة، فتلقى القائد المشار إليه أحدهم بسيفه كما قتل الاثنين الآخرين.

ورمى عدة أشخاص آخرين من الأشقياء أنفسهم إلى خارج القلعة فأعدموا، وهلك غيرهم في الطابق الأسفل تحت تأثير النار وكانوا ١٤ شخصًا.

وقد صوب لطيف أفندي ببكباشي المدفعية مدافعه على الاستحكامات، وبعد أن أطلق نحو ٤٠–٥٠ قنبلة كسر باب الدير المشهور بمتانته العجيبة وضخامته فسقط مع توابعه إلى الأرض، وأطلق مثلها على جهاته الأخرى فخرق الجانب الغربي من السور، وهنا رؤي أن عناد المدفعية يوشك أن ينفذ، فعين من ياوراننا البيكباشي علي أفندي لإحضار ستة صناديق من ذخيرتنا في قرية ميس، وقد أتى بها في أسرع وقت، وبذلك لم ينقطع إطلاق القنابل، بل ظلت مستمرة، وكان الأشقياء يطلقون بنادقهم بتواصل، ولم يجرأ أحد على الهجوم إلى أن بلغت الساعة التاسعة، فأرسلنا أحد الياوران خلوصي أفندي إلى راشد بك؛ ليصدر أمره بالهجوم، فوجد أنه على أتم استعداد، وما كاد يعلن من قبلنا نفير الهجوم حتى انقض راشد بك بمن معه وهو في الطليعة على باب استحكام الدير، فبلغه واجتازه إلى الداخل حيث رأى سدًّا آخر أقيم هنالك، فتجاوزه واقترب من حائط غرفة في جانب باب الاستحكام هدمتها القنابل، وكان خلفه مصطفى خلوصي أفندي حامل لواء الألاي، فتناول اللواء من يده وصعد إلى أعلى القلعة، حيث فتح العلم وركزه ثم أخذ الضباط والجنود الذين كانوا وراءه، فصعدوا الواحد بعد الآخر وكان عددهم غير قليل.

وثارت الحماسة في صدور ضباط وعساكر الأستانة، عندما رأوا هذه الشجاعة النادرة فاندفعوا بالهجوم على باب القلعة، وكان راشد بك المومأ إليه يصعد الجند، ويملأ بهم الغرف في الطابق الأعلى، والأشقياء ينسحبون من نواحي القلعة الخالية من الجنود، ودخل إسماعيل كامل بك مع جنوده من الثغرة التي أحدثتها المدافع، فاحتل الطابق الأسفل ثم الأطراف العليا من الجهة البحرية، وكان الأشقياء في الطابق السفلي متحصنين في عضادة ضخمة غاية في المتانة، يمطرون جندنا المهاجم في داخل القلعة وخارجها وابلًا من الرصاص، وفي غضون ذلك أوقدت النار في مستودع ذخيرة الأشقياء في الشرق الشمالي من القلعة، فنسفت تلك الناحية وصعد دخان كثيف ملأ المكان، وتراجع الجند الشاهاني والباشبوزوق إلى مركز الحائط المتهدم، وما إن تبدد الدخان ونفخ نفير الهجوم حتى عادوا للقتال.

أما عساكرنا التي ضبطت المحال الآنف ذكرها، فبينما هي تصلي الأشقياء نارًا حامية أشعل الأشقياء في الجانب البحري المتوسط لغمًا جسيمًا، فارتد عسكرنا مع الجند الشاهاني إلى الداخل وعلاهم دخان كثيف ظلوا في وسطه، وعندما شاهدنا ذلك أرسلنا محمود سامي بك البارودي، وقد كان معنا ياور حرب على جناح السرعة، فاجتاز عدوًا الوادي الفاصل وصاح بالجنود والضباط يشجعهم على القتال، وينفخ فيهم روح الحمية والإقدام، وعاد بالعساكر والأرناءوط والباشبوزوق إلى ميدان القتال، فتم ضبط الضلعين الباقيين والاستيلاء عليهما، ولم يبق سوى الجهتين الشرقية والقبلية، وكان وراء محمود سامي بك أربعة بلوكات من العساكر الموجودة بمعيتنا، فأرسلها مددًا إلى جندنا الذي يقاتل هنالك فانضمت إليهم في الهجوم، وفي تلك الأثناء ذهب أيضًا حضرة مصطفى نائلي باشا إلى جهة الجنود الشاهانية، فاقترب من مرمى الرصاص في الجهة الشرقية؛ ليشرف عن كثب على الواقعة، ودنت العساكر الشاهانية في الشرف مع مدفعها ففتحت الطريق بإطلاق بعض القنابل، ودخلت الجهة الشرقية التي أصبح استيلاؤنا عليها تمامًا، أما البقية الباقية من الأشقياء فقد حصرت في الضلع القبلي الذي كان لم يضبط بعد، وعندها اندفع ثلاثون شخصًا من الأشقياء نحو الثغرة، التي أحدثتها المدافع في الجدار، وعلى النافذة ابتغاء النجاة من المضيق، والدخان المحيط بهم فتناولهم أسياف الجنود، وحدث انفجار آخر في مستودع الذخيرة، فلم يصب به سوى الأشقياء، ودامت المعركة إلى الصباح ثم جاء محمود سامي بك بنبأ مؤداه أن جميع الأشقياء دفنوا تحت الأنقاض وانتهى أمرهم، وبعد ذلك أطلقت النار في جميع أنحاء الكنيسة واستحكاماتها، وشدد الحصار على الضلع القبلي وكان في داخله ثمانية وتسعون نسمة من أطفال وعائلات الأشقياء وثمانية وأربعون راهبًا مع عدد من رجال الحرب، فنادوا الأمان مسلمين وأخرجوا جميعًا من دون أن يلحقهم أذى، وفي تلك البرهة دخل الأرناءوط والبشبوزوق إلى داخل الكنيسة واستحكاماتها، وفتشوا غرفها العديدة وفحصوها فوجدوا مقادير وافرة من الأمتعة والذخائر والمهمات، فحملت هذه الغنائم وبدئ بإرسالها إلى رسمو بالتتابع من دون أن يترك شيء، وهكذا ختمت هذه الحادثة على الوجه المحرر أعلاه، واستبعد عسكرنا من ذلك المكان، وجيء به إلى مكاننا للمبيت فيه ودفنا شهداءنا الذين ذكروا، وترك للأطباء أمر مداواة الجرحى والعناية بهم، ووضعوا في داخل كوخ للرعاة لوقايتهم من المطر والبرد.

في أثناء حصار الكنيسة وصل عدد من الأشقياء لإمداد رفقائهم، فأشرفوا من رابية على جميع الأعمال العسكرية، ولم يجسروا على الدنو من هذه المعركة الجسيمة الهائلة، بل اكتفوا بإظهار أسفهم وتألمهم من بعيد، وفروا بعد ذلك مخذولين.

في ١٤ رجب سنة ٨٣

أركب المجروحون في الصباح على بغال، وأرسلوا مع بلوكين للمحافظة عليهم إلى مستشفى رسمو.

ذهب الياوران الموجودان بمعيتي إلى الدير للكشف عليه ومعاينته، ووضع مصور هندسي وقد أخذ يتصمم الرصاص بسبب ما نحن فيه، وقد اتضح أن الدير واستحكاماته متينة ومحكمة كل الإحكام، وأن داخله متسع وفيه غرف متعددة في الطابق السفلي والعلوي وكلها ذات كوى، وفيه فرن ومطحنة وصهريج وآبار ومخازن وحظائر للماشية، وهو عبارة عن قلعة عادية، وظهر أيضًا من هذه المعاينة أن أرض الكنيسة الداخلية وغرف الاستحكامات القائمة في أطرافها مغطاة بجثث الأشقياء، أما البقية الباقية من الأطفال والنساء، فقد استسلمت وأسرت، وكذلك شوهدت جثث كثيرة من جثثهم تحت الحجارة والأنقاض، وسألنا الأسرى الذين سبق ذكرهم عن مجموع عدد هؤلاء، فقالوا: إنه كان في داخل الاستحكامات نحو ٤٥٠–٥٠٠ شخصًا من المحاربين ما عدا النساء والأطفال، ويزيدون عن المئتين، وقد تحقق أنه لم ينجو من هؤلاء سوى من سقط في الأسر، وبين الذين هلكوا في داخل الكنيسة الراهب الأكبر فوميتوس وطاقم البترولي والقبودانية، ونحو ٤٠–٥٠ شخصًا جاءوا منذ شهر من المورة، وقد عادت عساكرنا والعساكر الشاهانية إلى القرى التي سبق ذكرها، وهي ميس وموطرا وبباتام ووزعت على القرى.

وجاء بعض أهالي ناحية تامو التي تتألف من ٣٢ قرية طالبين الأمان وقابلين بمطالب الدولة العلية، ولما التمسوا ذلك من مصطفى نائلي باشا أجابهم بأنهم ليسوا من الذين يوثق بهم ويعتمد عليهم، ثم منحهم مهلة ثلاثة أيام لإحضار معتمد موثوق به من كل قرية يحضر مع الراهب، بشرط أن يكون مع ذلك تسليم السلاح، وإذا لم يحضروا في خلال هذه المدة يزحف الجيش عليهم، ويضربهم ونحن الآن في حالة الانتظار.

وليحيط علم الجناب العالي الخديوي بهذه الأسباب، أرسلنا هذا وفي كل الأمر لوليه.

١٨ رجب سنة ٨٣
بنده
ناظر الجهادية
إسماعيل سليم
ومزيل هذا التقرير بحاشية هذا نصها:

يعرض العبد الحقير أنه وصل في هذه الساعة نحو ٤٠–٥٠ راهبًا ومعتمدًا من أهالي ناحية ميديوتامو، ملتمسين الأمان باسم جميع أهل الناحية، ومتعهدين بتسليم السلاح، وبذلك لم يبق سوى ناحيتي كيامو وستدوز، وليحيط علم الجناب العالي الخديوي حررنا ذلك والأمر لوليه.

١٨ رجب سنة ٨٣
ناظر الجهادية
إسماعيل سليم
وبعد أن اطلع المغفور له إسماعيل باشا على ذلك التقرير، وأعجب به أيما إعجاب بما أتاه صاحب الترجمة من البطولة أرسل إليه الخطاب التالي، وهذا نصه العربي مترجمًا عن التركية وقد أنعم عليه فيه برتبة اللواء الرفيعة الشأن:

إلى راشد حسني باشا أمير ألاي البيادة السابع سابقًا، والموجهة لعهدته سابقًا رتبة اللواء الرفيعة.

سعادة الباشا

إن ما أبرزتموه منذ ابتداء مأموريتكم في جزيرة كريد من ضروب الشجاعة والإقدام والبطولة في المحاربات التي اشتركتم بها حتى الآن، قد أيدت وأثبتت حليتكم الذاتية وما اتصفتم به من شجاعة وبسالة وغيرة زائدة وحمية وبذل الروح في سبيل الوطن، علاوة على ما أظهرتموه في هذه المرة في الهجوم على دير أركازي التابع لقضاء رسمو، والذي يحاكي القلعة متانة ورصانة، وهجومكم في الطليعة واقتحامكم قبل الجميع وزحفكم على الأصابع رويدًا رويدًا متسلقين الدير، وإسراعكم بركز علم الألاي مع بعض الجنود هو والحق يقال همة وغيرة وشجاعة خارقة للعادة لا تنسى على ممر الأيام؛ ولذلك فلا أستطيع أن أصف لكم مقدار سروري منكم وامتناني من أعمالكم، فأسأل جناب الحق أن يشمل بعين التوفيق والظفر كل أمر من أموركم وشأن من شؤونكم.

ولما كنتم استحققتم كل الاستحقاق بغيرتكم ذات الآثار الباهرة رتبة اللواء الرفيعة الموعودين بها، فقد وجهت وأحيلت إلى عهدة لياقتكم فأبشركم بذلك وأهنئكم وأبارك لكم بحسن توفيقكم وزيادة قدركم وحيثيتكم بين أقرانكم.

رجب ٨٣
(إسماعيل)
ختم
وهاك نصه التركي:
وعلى أثر الخطاب المذكور أعقبه صدور الفرمان العالي الشأن بتوجيه رتبة اللواء الرفيعة، وهذا نصه العربي نقلًا عن التركية:

إلى سعادتلو راشد حسني باشا حضرتلري

إن أهليتكم الذاتية وما اتصفتم به من كمال الصدق وفرط البسالة والشجاعة، وما أظهرتموه أيضًا في أثناء مأموريتكم في جزيرة كريد من أعمال توجب الافتخار، وقد بدت آثارها للعيان؛ دعت والحق يقال إلى مكافأتكم واستلزمتها، ولما كنت أعرف أن تلطيف الذوات الذين يبرزون مآثر الصدق والغيرة، كأمثال ذاتكم الكريمة ويبذلون الأرواح في سبيل الوطن هو فريضة، فقد أرسلنا إليكم طيه الفرمان العالي الشأن الوارد بتوجيه رتبة اللواء الرفيعة، وإني أهنئكم وأبارك لكم بما اكتسبتموه من حسن الشهرة وثمرة الذكر الحسن، مما أدى إلى ترقيتكم ورفعة قدركم وحيثيتكم بين الأقران، فأسأل جناب الحق أن يوفقكم في كل أمركم وأحوالكم.

٩ شعبان سنة ٨٣
(إسماعيل)
ختم
وهاك نصه التركي:
figure
وبعد أن انتصر في مواقع كريت وعاد لمصر وهو لواء على ٧، ١١، ٣ جي بيادة رقي إلى رتبة الفريق لألايات الغاردية، وذلك في غرة رجب سنة ١٢٨٤، وهاك نص الخطاب الوارد له من المغفور له إسماعيل باشا خديوي مصر بتوجيه هذا المنصب السامي إليه منقولًا عن التركية:

إلى فريق البيادة غاردية سعادتلو راشد حسني باشا حضرتلري، إن تفوقكم في الأمور العسكرية المعروف قديمًا ومعلوماتكم الفنية، يضاف إليهما ما أبرزتموه هذه المرة في أثناء مأموريتكم في جزيرة كريد من حسن المساعي والغيرة وكمال الصدق والاستقامة، كان عندي والحق جديرًا بالإعجاب والإكبار والافتخار وقد استوجب تلطيفكم ومكافأتكم؛ فلذلك وجهت لعهدتكم رتبة الفريق الرفيعة وقد انتخبتكم وعينتكم فريقًا للبياة غارديا، وأصدرنا أمرنا هذا وأرسلناه إليكم لتحيطوا به ولتداوموا على مأموريتكم.

غرة رجب سنة ٨٤
(إسماعيل)
ختم
وهذا نصه التركي: نمرة ١٤ ظهورات
figure

وفي سنة ١٢٩١ انتقل إلى ٢ جي فرقة غارديا، وفي سنة ١٢٩٣ﻫ عين ياورًا للمغفور إسماعيل باشا فشمله بتعطفاته السنية وغمره بمكافأته العظيمة، ومنحه بأن يكون فريق آلايات الغاردية.

سفره إلى محاربة الصرب والجبل الأسود

ولما قامت الحرب بين الدولة العلية والصرب سنة ١٢٩٣ سافر هذا البطل بأمر من الخديوي إسماعيل باشا أصدره إليه، وقبل أن نأتي على نصه نذكر هنا خطاب الشكر، الذي ورد إليه من سموه يثني عليه، وعلى من كان بصحبته من الضباط لمناسبة الموقعتين اللتين وقعتا في أطراف سبنچه، وهاك نصه العربي نقلًا عن التركية:

إلى سعادتلو راشد حسني باشا حضرتلري

إن ما أظهرتموه أنتم واللواء إسماعيل كامل باشا والميرالايان زكريا بك ويوسف شهدي بك، وجميع الضباط والجنود المصريين من الشجاعة والبسالة في المحاربتين، اللتين وقعتا في أطراف سبنچه، وقد عرضهما دولة درويش باشا على مقام الصدارة الجليل، وعرضت علينا بواسطة طلعت باشا صارت معلومنا، ونالت وافر ارتياحنا وسرورنا، فأشكركم جميعًا وذلك ما كنا نأمله منكم.

بناء عليه أودع إلى همتكم إبلاغ إسماعيل بك كامل والأميرالايين البكوات وضباطنا وجنودنا كافة سلامنا الخاص وامتناننا.

٨ أغسطس سنة ٧٦ و١٨ رجب سنة ١٢٩٢
(إسماعيل)
ختم
وهذا نصه بالتركية:
figure

وهاك أيضًا نص الأمر الصادر له من الخديوي إسماعيل باشا عند قيامه لمحاربة الصرب سنة ١٢٩٣:

إلى فريق الغاردية سعادة الباشا لما كنتم قد عينتم لقيادة الفرقة العسكرية، التي سيقت للحرب الناشبة في الروم إيلي فإني أصدر إليكم الأوامر الآتية:

تسافر هذه الفرقة أولًا إلى الأستانة وتسير طبقًا للأوامر والتنبيهات السامية التي يصدرها الباب العالي، وتسافر فورًا إلى المكان الذي يتفضلون بتعيينه إليكم من دون أن يبدو منكم تقصير في إيفاء الوظائف العسكرية.

ولما كان حسن إدارة هذه الفرقة على الوجه الأعلى وضبطها وربطها محولين إلى عهدتكم، فأنتم مرخصون بتعيين درجة مكافأة الذين يبرزون بسالة ويظهرون لياقة والاستئذان بذلك، كما أنكم مأذونون بتشكيل المجلس الحربي لتطبيق المجازاة القانونية بحق الذين يأتون أعمالًا تخالف الشرف والناموس العسكري أي: أنكم مأذونون بإجراء المجازاة جميعها في الإعدام رميًا بالرصاص.

إن اعتمادنا وثقتنا بكم وبمن بمعيتكم من الضباط والجنود كافة على أتم ما يرام، وإني أسأل جناب الحق أن يحسن بنصركم وتوفيقكم وبيسر عودتكم مسرورين ومبتهجين.

٢٢ جمادى الأخرى سنة ٩٣
(إسماعيل)
ختم
figure

وهذا نص الأمر بالتركية:

سفره إلى محاربة الروسيا

ولما وقعت الحرب مع الدولة العلية والروسيا، وكان صاحب الترجمة معروفًا بانتصاراته الباهرة في الحروب التي وقعت مع أعداء الدولة سافر إلى محاربة الروسيا مع الجيوش المصرية، التي كانت تحت قيادة الأمير حسن باشا ابن المرحوم الخديوي إسماعيل باشا، ولقد أبدى في هذه الحرب أيضًا من شجاعته المعروفة وشهامته المشهورة «ما لهجت الألسن بذكره، وصار مضرب مثل المصريين ببسالته وشجاعته» التي أبداها في تلك الحروب.

وقد ورد إليه تلغراف من سر ياور جلالة أمير المؤمنين المغفور له السلطان عبد الحميد بتاريخ ٢٠ كانون أول سنة ٩٢، يفيد إبلاغه شكر الحضرة الشاهانية وثناءها عليه، وهذا نصه العربي نقلًا عن التركي:

إلى حضرة راشد باشا قائد العساكر المصرية الشاهانية، التي تنزل اليوم إلى دارنة عرضت على العتبة الشاهانية ما أظهرتموه أنتم وعساكركم من الشكر والامتنان حينما أبلغتكم أمس السلام الشاهاني، وقد كان في النية دعوة ذاتكم العلية إلى الحضور الملوكاتي بالذات؛ لتكونوا مظهرًا للالتفات السامي ولكن وفرة العمل وسفركم بسرعة إلى محل مأموريتكم في هذه الأيام حال دون ذلك، فأعرض لكم وأبشركم أن الإدارة السنية الملوكاتية صدرت بإبلاغ ذاتكم العلية أن هذا الأمر سيتم في عودتكم إن شاء الله.

سر ياور الحضرة السلطانية
٢٠ كانون أول سنة ٩٢ ميرلوا
٢١ منه وصول تاريخي
محمد
figure
وحدث أثناء محاربته للروس أن عقدت هدنة بينهما فأرسل صاحب الترجمة من يقضي له حاجة من الروس، وكان قومندان الجيوش الروسية من كبار المعجبين بشهامته وبسالته، فانتهز فرصة عقد الهدنة فأظهر ما يكنه جنانه من عوامل الإعجاب نحوه، فأرسل له من دوبر سيجة الخطاب الآتي وهاك نصه باللغة العربية:

لسعادة حسني راشد باشا قومندان العساكر المصرية في بازاجق في ٢ فبراير سنة ٧٨.

سيدي القائد

سررت جدًّا لما تلقيت من سعادتكم كتابكم اللطيف، وأمرت بأن يسمح لرسوليكم بأن يبتاعوا ما تحتاجون إليه، واسمحوا لي أن أقدم لكم بعض عينات المحاصيل. إن الروسيين يحبون أكل المسكرات والحلويات كما يحب أكلها الشرقيون.

إن الجيوش الممتازة التي تقودونها قد قامت بالواجب عليها في بازاجق، ومن واجبي أن أعترف بذلك وأتمنى أن يكون هذا القتال هو آخر ما يدور بيننا، وأن تكون بين المصريين والروس في المستقبل علاقات تنطوي على المودة، وإن أسرى الحرب الذين أعيدوا إلينا بأمر سمو الرئيس حسن يمتدحون كثيرًا أعمال المصريين وإنسانيتهم، وتقبلوا يا سيدي القائد اعتباري الفائق.

ا. دي كرما
figure
وقد عاد لمصر في عام ١٢٩٥ مكللًا بأكليل الظفر والنصر، فاستقبل بما يليق بمقامه الجليل من كرامة وإجلال يليقان بشجاعته الفائقة وبسالته النادرة، وقد قدم عقب وصوله تقريرًا لنظارة الجهادية مفصلًا تلك الموقعة الحربية التي دارت رحاها بين الجيوش المصرية وجيوش الروس ورفع هذا التقرير لسمو الخديوي إسماعيل باشا، فما كاد يطلع عليه حتى أرسل إليه الخطاب التالي مترجمًا عن التركية:

سعادتلو راشد حسني باشا — حضرتلري

قرأت بالحرف التقرير الشامل الذي قدمتموه في هذه المرة إلى نظارة الجهادية عن الهجوم على استحكامات يادور، وإن ما أظهرتموه من الشجاعة والبسالة في الهجوم على العدو في هذه المرة والصولة عليه، والمفادة في سبيل الملة والدولة وثناء حضرة صاحب الدولة درويش باشا في التلغراف، الذي أرسله إلى مقام الصدارة العظمى على الجنود المصريين من قبل سرنا نحن جميع المصريين كبارًا وصغارًا ابتداءً مني أنا، وجعلنا نفاخر وقد كان هذا أملنا منكم في كل وقت، وإننا نفاخر جميعنا باشتراكنا مع مواطنينا الجنود المتفانين في هذه المحاربة بقتال العدو المعتدي على وطننا ووقاية ناموس الوطن وإنني أسأل جناب خير الناصرين أن يوفق حضرة صاحب الجلالة والقدرة والمهابة أفندينا الملك دائمًا، وأن يطيل عمره وأن ينصر ويوفق عساكره الشاهانية.

وقد أرسل إليكم محمود سامي بك حاملًا أمرنا هذا لإعلان سرورنا منكم جميعًا؛ ولإبلاغ الضباط والجنود كافة سلامنا الخاص.

١٨ شعبان سنة ٩٣ / ٦ ديسمبر سنة ٧٦
(إسماعيل)
ختم
وهاك هو النص التركي:
figure

تعيينه سر ياور خديوي

وعندما ولي المغفور له الخديوي توفيق باشا عين صاحب الترجمة سر ياورًا له فكان موضع الإكبار والاحترام لشهامته وبسالته، وظل في هذا المنصب السامي إلى أن اتقدت نيران الثورة العرابية، فكان صاحب الترجمة من قوادها الذين أبلوا بلاءً حسنًا في الدفاع عن الوطن والملة، ولا يتسرب إلى الأذهان أن موافقته للعرابيين من قبيل التحيز أو الثائرين ضد سمو الخديوي أو الضباط، كَلَّا إنما دخلها مدافعًا عن الوطن كارها احتلال الأجنبي له شأن كل وطني صميم محب لبلاده، وقد حضر في واقعة التل الكبير في شهر أغسطس سنة ١٨٨٢، وقد ذكره المرحوم مصطفى كامل في كتابه «المسألة الشرقية» صفحة نمرة ٢٥٢ حيث قال:

وكان معهم «أي: العساكر المصرية» الشهم الصادق راشد حسني باشا، وليعتبر بهذا الشهم سائر المصريين فإنه مع كونه جركسي الأصل انضم إلى جيش عرابي عندما علم بأن الإنجليز احتلوا الإسكندرية، وأنهم عازمون على دخول البلاد المصرية، وقام للدفاع عن الوطن ناسيًا كراهة الجراكسة للعرابيين، وكراهة العرابيين للجراكسة.

وفي إشارة هذا الفقيد العظيم الكفاية لمعرفة ما كان عليه هذا البطل من الحب المتناهي للوطن، وكرهه الشديد لاحتلال الأجنبي وكبير إجلاله وتعظيمه لسمو الجالس على عرش مصر.

نياشين الفخر وأوسمة الشرف

وقد حاز الفقيد العظيم أسمى نياشين الفخر وأعلا أوسمة الشرف، حيث نال نشان قوماندور أروليدبولد بمناسبة حضور ملك النمسا حال فتح قناة السويس في ٢٦ نوفمبر سنة ١٨٦٩، وميدالية روسيا في حرب سنة ١٢٩٤، وميدالية حرب كريد سنة ١٢٨٥، والنشان المجيدي الرابع في ١٥ ذي الحجة سنة ١٢٧٩، والمجيدي الثالث في ٩ جمادى الآخرة سنة ١٢٨٣، والمجيدي الثاني في ١٥ رمضان سنة ١٢٨٦، والعثماني الرابع في ٩ جمادى الآخرة سنة ١٢٨٣، والعثماني الثالث في ٢٧ ربيع الآخر سنة ١٢٨٤، والعثماني الثاني في ١٧ محرم سنة ١٢٩٥.

صفاته وأخلاقه

كان رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جنانه حميد السيرة نقي السريرة على جانب عظيم من الصلاح والتقوى، مؤديًا حقوق الله تعالى كما يجب على كل مؤمن، كريم الطباع دمث الأخلاق رغم شخصيته الحربية، برًّا بالفقراء مواسيًا للبؤساء، شديد البطش وقت حومة الميدان. تغمده الرحمن بواسع رحمته، وأكثر من أمثاله الأبطال الشجعان بين رجال مصر لرفع لواء مجدها وإسعادها.

وقد كان الفقيد معروفًا «بأبي شنب فضة»، وذلك لمناسبة اصفرار شاربيه ومقاربة لونه مع تلويح الشمس إلى لون الفضة. وما زال هذا النعت معروفًا لدى سكان القاهرة إلى يومنا هذا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤