ترجمة فقيد القضاء والقانون المغفور له المرحوم علي مظلوم باشا

كلمة للمؤرخ

فقدت الأمة المصرية عامة والقضاء خاصة أستاذًا ضليعًا وقانونيًّا متشرعًا وعالمًا جليلًا، ورجلًا من خير ما أنجبت الكنانة وركنًا من أركانها، ألا وهو العالم الجليل المغفور له المرحوم علي مظلوم باشا المستشار بمحكمة الاستئناف المختلطة سابقًا.

فإذا نحن عددنا مناقب هذا الفقيد وما له من أثر محمود وعمل مشهور في مدة وجوده في دست القضاء لاستخلصنا منها صفحة نقية بيضاء، وتاريخًا وضاء يفخر كل مؤرخ أن يدونه بقلم الإعجاب بين تواريخ عظماء الأمة المصرية، الذين أدوا الأمانة في دنياهم وكانوا لله من الخائفين عاقبة الآخرة.
figure
ترجمة فقيد القضاء والقانون المغفور له المرحوم علي مظلوم باشا المستشار بمحكمة الاستئناف المختلطة سابقًا.

وإني كمؤرخ لي الفخر كل الفخر بأن أبيض صفحات سفري التاريخي الحديث بقطرة من محيط أعمال هذا الراحل العظيم، والقانوني الضليع، ونرجو من حضرات القراء الكرام معذرة لعدم إمكاننا الوصول إلى ما يحتاجه المؤرخ من الإثباتات والأسانيد التاريخية؛ لعدم وجود من يذلل لنا هذه الصعاب ويعاوننا على الاسترشاد بمعلوماته ورأيه من أهل الفقيد فنقول:

مولد ونشأته

ولد الفقيد الكريم في الثغر الإسكندري عام ١٨٥٥م من والدين فاضلين شريفين حسبًا ونسبًا، وترعرع على بساط العز والهناء، فأدخله والده دور العلوم فاغترف من مناهلها واقتطف من شهي ثمارها ما جعله يومًا ما من أركان الهيئة الاجتماعية، وفحلًا من فحول رجال القانون، ولا شك أن البيئة الصالحة كثيرًا ما تظهر شبابًا بمعترك الحياة فمن نفوس مهذبة، وأخلاق سامية، ومبادئ قويمة، وآداب عالية وعقول نامية ناضجة، وهكذا كان حال البيئة التي شب الفقيد الكريم في أحضانها وترعرع في أركانها.

كان رحمه الله طموحًا إلى المعالي ميالًا بفطرته إلى الاشتغال بالقانون، فكان له ما أراد، ولكم خدم الإنسانية وأنصف المظلوم وعمل إلى ما فيه راحة المتقاضين، بدون ظلم ولا رياء، مراعيًا في ذلك خوف الله تعالى والضمير، فكان في كل أدوار حياته في القضاء المثل الأعلى في طهارة الذمة والعدل والإنصاف، والبعد عن التحيز لفريق دون الآخر، كما كان رحمه الله على جانب عظيم من الورع والتقوى ومكارم الأخلاق والوداعة، لا يبت في حكم إلا بعد روية وتؤدة فكان مضرب المثل.

وكأن الله تعالى قد خص عائلة هذا الفقيد العظيم بالذكاء المفرط، وتوقد القريحة والنبوغ، فإنك لن تجد فردًا من أفرادها الكرام إلا ومتحليًا بحلل الأدب والكمال والكفاءة العلمية والعملية، حتى اشتهر بين كبار العائلات المصرية، وأصبحت مضرب المثل في الذكاء، ونكتفي للإدلال على ذلك أن نذكر من بين حضرات أفرادها ذاك العالم الجليل، والمتشرع الكبير حضرة صاحب المعالي أحمد مظلوم باشا شقيق الفقيد ورئيس الجمعية التشريعية سابقًا، ووزير الأوقاف في عهد الوزارة السعدية، ورئيس مجلس النواب المصري المنحل، وحسبك أيضًا أن يكون ولداه حضرتي صاحبي السعادة الجليلين النابغة القدير حسن مظلوم باشا مدير عام مصلحة البريد، الذي اكتسب بفضل علمه ومقدرته الإدارية وكفاءته الشخصية كل شكر وثناء، وكذا سعادة شقيقه المفضال القانوني البارع أحمد مظلوم بك رئيس نيابة الإسكندرية المختلطة، فإنهما والحق يقال كالكواكب الساطعة في سماء هذا العصر، وقد يعود الفضل لنوالهما هذه الشهرة إلى ذلك المربي الجليل والعالم الكبير المرحوم والدهما.

وقد كان لخبر منعاه رنة حزن وأسى في عموم القطر، حيث اختطفه المنون فجأة في يوم ٢٨ مارس سنة ١٩٢٣ بالثغر الإسكندري، فذهب مبكيًا على أفضاله ونزاهته وعدله وعلمه الواسع وأدبه الجم.

وإننا وأن قدمنا مراسيم العزاء على فقد هذا النابغة الكبير، فإلى الأمة المصرية عامة ولسعادة نجليه الفاضلين ولحضرة صاحب الدولة صهره الجليل محمد سعيد باشا رئيس مجلس الوزراء سابقًا بوجه خاص.

أسكنه الله فسيح جناته وأثابه خيرًا بعدد حسناته.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤