ترجمة حضرة صاحب العزة حسن بك واصف مدير مديرية جرجا سابقًا

هذا هو شقيق الفقيد الراحل والمؤمل فيه إحياء ذكره، ولا غرابة ولا عجب فيمن همته تعادل همته، وكفاءته العالية تضارع كفاءته؛ بأن يؤدي الواجب الذي تفرضه عليه الأخوة وتتطلبه منه الأمة، فقد عرف هذا الشهم بالجد والنشاط والإقدام وحسن الإدارة والعلم الغزير، وقد برهن في خلال المدة التي تولى فيها إدارة دائرة المرحوم شقيقه باليقظة وحسن تصريف الأمور والحزم مما اطمأن له بال الفقيد قبيل وفاته وبعد انتقاله.
figure
حضرة صاحب العزة حسن بك واصف مدير مديرية جرجا سابقًا شقيق الفقيد الراحل المؤمل فيه إحياء ذكره.

مولده ونشأته

ولد في مصر القاهرة سنة ١٨٦٣م من والدين كريمين وتعلم بالمدارس الأهلية، ولما كان شديد الميل للاشتغال بالتجارة فقد دخل في محل سهر بالإسكندرية، فتمرن فيه على معاطاة الأشغال وتدرب عليها أحسن تدريب، واتفق مع هذا المحل على الذهاب لإنجلترا لفتح محل تجاري بها، وبما أنه كان جاهلًا للغة الإنجليزية، فقد دخل مدرسة بريطانيا الواقعة في ضواحي منشستر، وهي مدرسة شهيرة خاصة بعلية القوم فرضع لبان علومها مدة ثلاث سنوات، وكان يتلقى أيضًا دروس خصوصية على أشهر أساتذة هذه المدرسة حتى نبغ في اللغة الإنجليزية نبوغًا عظيمًا خصوصًا في علم الاقتصاد؛ ولكي يطبق العلم على العمل دخل بنك «جل بريت» الشهير، وأخذ يتعاطى أشغاله ويتدرب على الأمور المالية، وبعد أن مكث سنتين أظهر في خلالهما ذكاء غريبًا وعلمًا واسعًا وغيرة على العمل، وإذ لم يتمكن من بلوغ أمنيته أي فتح محل تجاري عاد إلى وطنه حاملًا الشهادات العالية.

وعاد إلى الوطن العزيز في أواخر سنة ١٨٨٨م، وبعد وصوله استخدم في وزارة المالية وعين في قلم تحريراتها، وبعد مضي شهر نقل إلى قلم حسابات وزارة الأشغال بديوان المالية، وتثبت في هذه الوظيفة استثنائيًّا بقرار صدر في ٧ مارس سنة ١٨٨٩م، ثم عين نائبًا من الحكومة في شركة سكة حديد حلوان بموجب قرار وزاري، ثم عين سكرتيرًا خاصًّا للسير الون مستشار المالية.

كما أنه تعين بمأموريات عديدة أهمها تحقيق المتأخرات بمديريتي الدقهلية والقليوبية، وكان يقدم التقارير النافعة حتى إن بعضها أصبح قواعد أساسية، وقد سعى في رفع كثير من هذه المتأخرات، فأصابت اقتراحاته من الحكومة صوابًا وخففت منها عن عاتق الأهالي.

وفي ٢٨ نوفمبر سنة ١٨٩٤ عُيِّنَ وكيلًا لمديرية جرجا وأنعم عليه بالرتبة الثانية في أوائل سنة ١٨٩٥م، وبذل جهده في هذه المديرية حتى جمع قلوب أهاليها ووفَّق بينهم في كل اختلافاتهم، ثم عُيِّنَ مديرًا لمديرية الفيوم في ١٣ يناير سنة ١٨٩٧م، فعمل فيها كما عمل بالسالفة وأزال التباين الموجود بين الأهالي، وهكذا صفت القلوب وشكر الجمهور له مآثره، وقام بفتح مدرسة أهلية بسوهاج وكان من أعظم مساعديها أدبيًّا وماديًّا، وإذ وجد أن الحالة الصحية بنفس مدينة الفيوم سيئة جدًّا أمر بردم المستنقعات التي حول المدينة، وتمم ما قرره سلفاؤه من فتح الشوارع مثل شارع عدلي ونوحي، ولم يكتفِ بل أجرى فتح شارع طويل على شاطئ البحر اليوسفي، مبتدئًا من أول المدينة إلى آخرها، وسمي بشارع واصف تيمنًا باسمه الكريم حتى يبقى ذكره حيًّا في مدينة الفيوم، وأنشأ ٢٥٠ كيلو مترًا من السكك الزراعية في جهات مختلفة من المديرية، واهتم كثيرًا بإحياء زراعة البلاد، وحث على تأسيس الشركات النافعة، فأنشأ على أيامه شركة حديدية زراعية سميت «شركة السكك الحديد الزراعية»، ومدت الخطوط الحديدية في الأنحاء المهمة بالمديريات وسارت عليها القطارات.

وبحسن إدارته ودماثة أخلاقه ومحبة رجال الحكومة إليه تمكن من تخفيض ضرائب الأطيان عن الأهالي، ورفع الأموال عمَّا تلف منها. ونقل من الفيوم مديرًا لمديرية جرجا.

ونظرًا لكثرة أعماله الخصوصية وميله إلى القيام بتعهدها بنفسه ولظروف خصوصية عززت معه هذا الميل، فقد ترك الحكومة ومسئولية أعمالها موجِّهًا جل التفاته واهتمامه إلى شؤونه الخاصة، التي نجح فيها نجاحًا باهرًا فوق ما حازه من النجاح الباهر في أعمال دائرة المرحوم شقيقه بفضل حسن جدارته وكفاءته الشخصية.

صفاته وأخلاقه

دمث الأخلاق، كريم الطباع، جواد على كل الأعمال والمشروعات النافعة للبلاد، على جانب عظيم من اللطف، ذو مآثر كثيرة خيرية وغيرة عظيمة على الأدب تشهد له بطيب العرق وشرف النفس.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤